المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 7.0 الادب والفنون في المعركة > مواد ثقافية وأدبية > بوستر الكتائب ... والملصق الثوري

3 أيار (مايو) 2013

بوستر الكتائب ... والملصق الثوري

العهد والقسم {JPEG}

عن الملصق الثوري

"ملصقات فلسطين" لعز الدين القلق.. حيث يأخذك الرسم إلى مكان أو جرح أو مناسبة

- نائلة خليل

بعد أكثر من ثلاثة عقود على اغتيال عز الدين القلق وصلت مجموعة ملصقاته الى الأراضي الفلسطينية... جيل بأكمله من الفلسطينيين لم يكن مولوداً عند رسم وطباعة هذه الملصقات، واليوم تتاح لهم فرصة نادرة لرؤية أهم الصفحات في تاريخ القضية الفلسطينية عبر الملصقات السياسية لتلك الفترة.
في جاليري المحطة برام الله، تعرض الملصقات التي جمعها عز الدين القلق قبل اغتياله، المعرض يأتي تحت عنوان "ملصقات فلسطين"... عنوان محايد وخالٍ من أية شحنة عاطفية أو وطنية، على العكس تماماً من الملصقات ذاتها التي بقيت تحتفظ بذلك السحر الغامض للوطن المسلوب، للحظة ما يدرك زائر المعرض أن فلسطين في ملصقات القلق أجمل من فلسطين اليوم.
في مدخل المعرض عُلق الملصق الأول، إنه ملصق عز الدين القلق بعد استشهاده في الثاني من أب العام 1978، على يد المنشق عن "فتح" صبري البنا ضمن سلسلة اغتيالات نفذها طالت مجموعة من أبرز قيادات الحركة في السبعينيات.
تكمل طريقك في المعرض فيأخذك كل ملصق إلى مكان أو جرح أو مناسبة وطنية فلسطينية، تنغمس في أجواء سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت أغنية "جر المدفع يا فدائي" و"طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا" قادرة على تحريك جماهير غاضبة في كل فلسطين تطالب بالحرية، وتتمسك بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً.
تحمل الملصقات الـ"54" المعروضة الكثير من الرموز و"الثيم" الفلسطينية المشتركة، مثل القدس، الشهيد، الفدائي، البندقية، البرتقال، وتعكس الروح الثورية التي سادت بين الفلسطينيين في الشتات وخصوصاً في لبنان حيث كان ارتكاز منظمة التحرير الفلسطينية حينها.
رغم أن هذه الملصقات تعود لفنانين فلسطينيين وعرب وأجانب، إلا أن القاسم المشترك الأكبر بينها هو أنها شكلت الوسيلة الأفضل لنشر القضية الفلسطينية، فهي وسيلة نضال شاملة وفنية في الوقت نفسه، وخفيفة الوزن حيث بالإمكان نقلها لكل مكان وهذا بالضبط ما هو مطلوب.
أدرك القلق الذي كان يحمل دكتوراه في الكيمياء من فرنسا، وشغل منصب رئيس اتحاد طلبة فلسطين هناك من 1969 الى 1970، وعمل لاحقاً مديراً للمكتب الإعلامي لحركة فتح في فرنسا، أن سلاح الثقافة لا يقل فاعلية عن السياسة والبندقية، فوظف علاقاته الواسعة بين المثقفين الأوروبيين لحشد الدعم الثقافي لصالح القضية الفلسطينية.
في ذلك الحين أصبحت فلسطين في كتابات ورسومات الكثير من الفنانين الأوروبيين تمثل رمزاً للحق والمعاناة وصورة للظلم في هذا العالم، فكان من البديهي أن يضم المعرض العديد من الملصقات التي رسمها فنانون فرنسيون وإيطاليون أرّخوا بها تفاصيل حاسمة في التاريخ الفلسطيني.
العديد من زوار جاليري "المحطة" توقفوا طويلا أمام ملصق للفنان الإيطالي ف. دومينيتشي، الذي عبر عن مجزرة تل الزعتر الرهيبة العام 1977، الملصق به حالة حزن وزهد يشبه حال مخيم تل الزعتر أثناء الحصار، لم يرغب الفنان أن يتحدث كثيراً عن مجزرة تخبر بنفسها عن بشاعتها، فاكتفى برسم ثلاثة آلاف هيكل إنساني بحجم صغير، وكتب أسفل الملصق "انظر... هؤلاء هم ثلاثة آلاف، إنهم شهداء تل الزعتر".
ملصق آخر يصوّر فدائياً باللباس المرقط وهو ملثم بالكوفية يدخل ببندقيته الى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيقوم بإزالة قضية النقاش لذلك الاجتماع وهي "مشكلة اللاجئين" ويثبت مكانها "الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني"، والتاريخ كما كتب حينها على الملصق هو أثناء الدورة التاسعة والعشرين العام 1974.
في واحد من الملصقات يصوّر الفنان المصري حلمي التوني فلسطين بأنها امرأة جميلة وباكية تحمل البرتقال، ويركز الفنان السوري برهان كركوتلي على الكفاح المسلح الذي خاضته المرأة الفلسطينية الى جانب الرجل.
الفنان الراحل إسماعيل شموط عنون أحد ملصقاته بأحد أشهر شعارات الثورة الفلسطينية "ثورة حتى النصر" حيث جمع الملصق بين نظرة التصميم وقبضة اليد على الرشاش.
عندما بدأ القلق بجمع ملصقات وطوابع البريد التي تعكس الثورة الفلسطينية منذ منتصف الستينيات وحتى عام اغتياله 1978، لم يكن يخطر بباله بالتأكيد أن هذه الملصقات التي تعتبر تأريخاً للثورة في الشتات، ستنتقل من فرنسا مكان اغتياله، إلى دمشق حيث تعيش أسرته اللاجئة، ومنها إلى بروكسل لتشارك في موسم "مسارات الثقافي" بين فلسطين وبلجيكا الذي بدأ العام 2008، قبل أن تنتقل نسخ مطابقة لهذه الملصقات إلى الأراضي الفلسطينية.
ما لم يخطر ببال الشهيد، هو بالضبط ما قامت به سفيرة فلسطين في فرنسا ليلى شهيد، المرأة الأكثر نشاطاً في تشجيع الثقافة الفلسطينية في أوروبا، ففي لقاء شهيد الباحثة رشا السلطي في بيروت، والمعروفة باهتمامها بالملصقات السياسية أثناء الثورة الفلسطينية، أكدت أن هناك مجموعة من أهم الملصقات بحوزة عائلة عز الدين القلق في سورية.
سافرت شهيد والسلطي بعد يوم واحد من حوارهما إلى سورية للقاء عائلة عز الدين القلق، هناك وجدتا أن أهم ملصقات الثورة الفلسطينية التي جمعها عز الدين القلق كانت تحتفظ بها العائلة تحت الأسرة حفاظاً عليها، بسبب ضيق المكان.
بعد أن عرفت العائلة برغبة شهيد بعرض الملصقات في بروكسل ولاحقاً في فلسطين والمحافظة عليها بشكل لائق، قدمت العائلة دون تردد الملصقات الـ"54" الى شهيد، مع أمل أن تصل هذه الملصقات الى جمهور الأراضي الفلسطينية المحتلة لإعادة إحياء ذكرى الشهيد عز الدين القلق بين الأجيال الشابة.
تقول فاتن فرحات منسقة مشروع مسارات في فلسطين: "تم إحضار نسخ بالغة الوضوح عن الملصقات الأصلية المعروضة في بروكسل، خاف القائمون على المعرض أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة أو إتلاف مجموعة ملصقات عز الدين القلق، لذا توخياً للحذر أحضرنا نسخاً عنها".
وتقول: "هذه الملصقات أرخت لجزء مهم من تاريخ القضية الفلسطينية، والأجيال الفلسطينية التي ولدت بسبعينيات القرن الماضي لا تعرف عن هذا التاريخ إلا ما قيل لها أو ما قرأته، لكنها لم تطل على هذا التاريخ من جانب الملصقات السياسية، وهو جانب مهم جدا لتكوين صورة عن ذلك التاريخ".
من يزور المعرض يكتشف الكثير من الأشياء، مثلا كان لدينا يوم يدعى "يوم التضامن مع أطفال فلسطين"، ويوم آخر هو "يوم النضال الفلسطيني" كان الاحتفال بيوم الأرض مقدس، وهناك ملصقات لتعبئة الرأي العام الخارجي، لا نعرف أين ذهب هذا كله الآن.
اكتشاف آخر لافت في ذلك الزمن، هو الحضور القوي للمرأة الفلسطينية، وهو حضور ليس رمزياً أو من باب الجندر لا سمح الله، بل لأن المرأة هي شريكة النضال، الإعلام الموحد لمنظمة التحرير في ذلك الحين الذي أصدر معظم هذه الملصقات، أفرد ملصقاً خاصاً لمناسبة يوم الأرض تحت عنوان "زكية شموط" كُتب عليه "زكية شموط مناضلة من اجل تحرير الأرض، اعتقلت وهي حامل بتهمة وضع متفجرات في سوق العفولة وحكم عليها بالسجن المؤبد، ووضعت طفلتها نادية في السجن وانتزعت منها بعد 16 شهراً".
المرأة في ذلك الزمن كانت قوية مستقلة وليست احتياطي أصوات للأحزاب السياسية، وإلا فأين تستطيع أن ترى في كل المدن الفلسطينية اليوم ملصقاً لامرأة مكتملة الجمال بشعرها الحالك وعينيها السوداوين تقبض على البندقية بتصميم، وكل ما تحمله من هوية هي الكوفية الفلسطينية فقط؟".

الملصق السياسي الفلسطيني قراءة في الخلفية الدعائية والتحريضية

- فايز أبوعيد

يقول الناقد البولندي "لينيتسيا" في تعريف الملصق: "أنه يدخل كاللولب في المخ ويعود بشكل هاجس كاللحن الموسيقي الذي لا يمكن أن يتخلص منه، وهذه القدرة على فرض الرؤية والمطابقة الفكرية الموجودة على الإنسان تمثل قوة الملصق الفني الحقيقية".
بتأمل بسيط للكلمات السابقة نرى أي عمق ودور هام يلعبه الملصق في التأثير على الناس وكيف تنداح فعاليته وتأثيره في شعاب نفس المتلقي، ببساطة الرموز والأشكال والإثارة البصرية واللونية والشكلية ومفاعيلها في داخل نفس المتلقي، إنه يوصل محتواه مباشرة دون وسيط، هذه الخصوصية الوامضة تجعله جنساً فنياً تلقائيا قوي التعبير وبوقاً إعلامياً بصرياً قادر على حشد التأييد، أو العداء إذا كان من الطرف المعارض، بعيداً عن الناحية التجارية وسبراً لدورة في الجانب السياسي نجد أنه بالإضافة إلى كونه وسيلة تثقيف جمالي فإنه يلعب دوراً نضالياً بحتاً في حياة الشعوب، إذن كان وما يزال الملصق من أكثر الوسائل البصرية إثارة وتحريضاً وهذا ما نلمسه في نظرة تاريخية لمسيرة الملصق وأثره الدعائي في كثير من بلدان العالم مثل" بولونيا،كوبا، فيتنام ....وغيرها" وبالعودة إلى جذور الملصقات نجد أنها وجدت بعد اختراع الطباعة الحجرية الاسطوانية التي فتحت الطريق لإنتاج المنشور السياسي، وكذلك الملصق السياسي متزامناً مع نشوء الأيديولوجيات في العالم والحكايات الكبرى عن التحرير والثورة والانتفاضات للكرامة والحق.

لقد كانت القضية الفلسطينية وما زالت أحد أهم القضايا الإنسانية المصيرية الكبرى التي تضع مبادئ كثيرة مثل " العدالة، وحق الشعوب، واحترام السيادة" والكثير من المبادئ التي يتشدق بها العالم المتحضر على محك التجربة ومسبار الاختبار، لذلك أدرك الفنان الفلسطيني منذ البداية بُعد قضيته العالمي واختار الأدوات الأرقى التي يخاطب بها الرأي العالم العالمي، فولج باب الملصق كأداة سياسية دعائية وتحريضية في آن واحد، لتعبر عن هموم وآمال وآلام الشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير من ويلات الحرب والتشرد والمجازر الصهيونية الأبشع والأفظع والتشرد في أصقاع الأرض، إذن فهو أداة تعبر عما يجول في نفس الشعب الفلسطيني من عواطف ومعاناة ورغبات ورفض ...، يستمد خصائصه وسماته من خصائص الشخصية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفلسطين أرضاً وشعباً وتاريخاً وتراثاً، كرد فعل على سرقة الأرض والتراث وتهجير الشعب الأصيل وإحلال ركام قومياتي مكانه، تشكل فيه خارطة فلسطين المحور الأهم كرمز للقداسة والانتماء والاستقرار الوطني والسياسي، نجد ثمة عمق وارتباط ما بين الرموز والدلالات في الملصق الفلسطيني منذ بدايته، فمنذ النكبة (1948) نمت رموز تعبر عن الاحتلال والغربة والطرد ومأساة اللجوء، وظهرت كذلك في أواخر عام (1965) دلالات كقبة الصخرة للدلالة على القدس، وظهرت البندقية كرمز للتحرير وخيار العودة إلى كل فلسطين، وكذلك الكوفية التي هي جزء من اللباس الشعبي الفلسطيني يضعها الفدائي رمزاً للنضال والثورة، هذه الرموز والدلالات ارتبطت تاريخياً وحضارياً بفلسطين وشعبها وتطورت وتعمقت مع صيرورة القضية الفلسطينية ودخولها في مراحل مختلفة، أما في عام (1967) إلى العام (1973) فقد دعا الملصق إلى الكفاح المسلح وبذلك تميز بقدرته الدعائية والتحريضية ودعوته للناس لممارسة النضال الثوري فعبر عن أدوات هذه المرحلة برمز البندقية والقنبلة اليدوية، أما من العام (1973) إلى (1982) فقد عكس ملصق هذه الفترة الأحداث العميقة التي مرت بها حركة المقاومة الفلسطينية في مواجهة أعدائها على المستويين السياسي والعسكري سواء داخل الأراضي المحتلة أم خارجها، وتميزت بعد ذلك فترة عام (1982إلى 1990) بتصاعد الهجمة الامبريالية الصهيونية لفرض الحلول الاستسلامية على المنطقة العربية والسعي إلى تصفية (م.ت.ف) وما تمثله في النفس الفلسطينية والعربية، لذلك اختلف ملصق الثمانينات عن ملصقات السبعينيات من حيث الحرفية الكبيرة فعكست بشكل جلي الرؤى الفردية للفنانين وحدود التملك للوسائل التعبيرية لدى كل واحد منهم، وننوه هنا بحصار بيروت الأشبه بسقوط غرناطة زمان الوصل في الأندلس، وأثره البالغ في مخزون الفنان الجمالي وانعكاس رمز الصمود في الكثير من الملصقات السياسية في تلك الفترة، وكذلك الأثر الأهم كان للانتفاضة عام (1987) في تعميق هذا الرمز، إذ هي مرحلة مشرفة في التاريخ النضالي الفلسطيني نورها شمل الملصق السياسي في إشراقه أيضاً بدلالات ورموز وتصاوير بهية فمجدت الحجر والمقلاع والسكين وصمودهم في وجه البندقية والمدفع والدبابة الصهيونية.

وهنا نأتي إلى المرحلة من عام (1990) وحتى الآن، المرحلة الأكثر اضطراباً وموران في حياة العرب إذ شهدت أحداث جسام عصفت بالمنطقة العربية ابتداءً من حرب الخليج واحتلال العراق للكويت عام (1990) مروراً بمؤتمر مدريد عام (1991) الذي رعى السلام بين العرب والكيان الصهيوني، الذي ولد عنه اتفاق أوسلو ووادي عربة وطابا وواي ريفير وحتى شرم الشيخ وغيرها من سلسلة الاتفاقات المخزية في تاريخ العرب وما يشهده اليوم الوطن العربي من ربيع للثورات التي أطاحت بعدد من الحكام العرب، إذاً مع مرور هذه الظروف العاصفة بهذه المنطقة لنرى ما هو موقع الملصق السياسي الفلسطيني من ذلك؟

في السنوات الأولى من هذه المرحلة أي عام (1990) شهد الملصق السياسي الفلسطيني زخماً كبيراً في الإنتاج، ويعود ذلك إلى الانتفاضة الشعبية في الأراضي المحتلة التي كانت في أوجها، فلعب الملصق في هذه الفترة دوراً دعائياً كبيراً في تعرية وفضح جرائم العدو الصهيوني وكشف الأساليب العدوانية التي يستعملها المغتصب الغاشم ضد الأهل في الداخل، وكذلك لعب الملصق أيضاً دوراً تحريضياً في حث أهلنا سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها بالاستمرار بالكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني، أما بعد الاحتلال العراقي للكويت وقرار منظمة التحرير الفلسطينية تأييد العراق في احتلاله للكويت شهد المواطن الفلسطيني في تلك الأراضي الكثير من الذل والظلم والإجحاف، فرصد الملصق الفلسطيني هذا الظلم وصدرت ملصقات تندد بذلك وتدعو إلى المعاملة الحسنة للشعب الفلسطيني.

أما في مرحلة ما بعد مؤتمر مدريد، ندر وجود ملصقات فلسطينية فلقد تأثرت بالوضع السياسي والانقسامات داخل التيارات الفلسطينية وخاصة بعد اتفاق أوسلو إذ انقسمت الفصائل الفلسطينية إلى مؤيد للاتفاق وأخرى شبه معارضة فهي تعارض النقاط السلبية وتأيد النقاط الايجابية، وبعضها معارض معارضة تامة ، لذلك أتت ملصقات الفصائل المؤيدة وشبه المعارضة خجلة تنوس بين التنديد والاستنكار وبين الترحيب بأخرى والافتخار حسب مصالحها ورؤيتها الغائمة، فكانت ملصقات غير واضحة المعالم لا تريد أن تقف موقف المعادي لعملية السلام وبالتالي تتنصل للكفاح المسلح، أما ملصقات الفصائل المعارضة معارضة تامة فقد طغت فيها صور الشهداء وفكرة الشهادة والتضحية في سبيل فلسطين وعودة كافة اللاجئين إلى كامل ترابها.

أما سبب شح إصدار الملصقات في تلك الفترة فيعود الأمر لعدة أسباب من أهمها تأثرها بالوضع السياسي بالدرجة الأولى، فبعد مؤتمر السلام وإعلان الدولة الفلسطينية ضعف الكفاح المسلح ضد الكيان الصهيوني وانقسمت الفصائل الفلسطينية فلم يعد الفنان يدري بأي اتجاه يسير وماذا يريد أن يقول فهو أصبح يتخبط في أفكاره لعدم استقرار الأوضاع السياسية لهذه الفترة، وهكذا نرى أن اضطراب الحياة السياسية أثر على نفسية الفنان وإنتاجه ، والسبب الثاني هو الضعف المادي إذ أن كثير من المنظمات والفصائل الفلسطينية كانت تستمد أموالها من (م.ت.ف) أو من الدول الإسلامية، فبعد مؤتمر مدريد شح تقديم الأموال لهذه الفصائل مما أثر عليها بشكل عام وعلى إصدار الملصقات بشكل خاص.
لذلك لم نعد نرى هذا الكم الهائل من الملصقات التي كانت تغطي جدران المخيمات الفلسطينية، بل أصبحت الملصقات تصدر في مناسبة أو احتفال جبهة أو تنظيم فلسطيني لذكرى التأسيس أو العيد الفضي أو الذهبي..، أو ملصق يمجد شهيداً قضى نحبه في عملية استشهادية.

إن مفاهيم كثيرة قد انقلبت بعد عام (1990) وخيارات جديدة كان مجرد التفكير فيها مستبعد كل البعد قد طرحت نفسها بقوة اليوم لم يستطع الملصق السياسي الفلسطيني أن يحافظ على ما لم تستطع أنظمة عربية كثيرة بكل جبروتها المحافظة عليه، فكيف له أن يقدح شرارة الأمل في نفوس أمضتها رؤية الإمضاءات الكثيرة على أوراق تتنكر للشهادة والشهداء وتتنازل عن الأرض والوطن دون أن ترتجف الأيدي التي توقعها أو تستوقفها وهلة ضمير ووقفة مع الذات وعدم اختصار الآخرين وجهودهم واختزالهم بالأنا الكبيرة التي لا ترى إلا مصالحها وأفكارها.

ولكن بشكل عام نقول استطاع الملصق السياسي الفلسطيني أن يلعب دوراً هاماً في مخاطبة الجماهير العربية وأن ينقل أخبار الثورة الفلسطينية عبر مراحلها المختلفة إلى الوطن العربي والعالم من خلال واقعية حية ورصد للأحداث تاركاً أثره في نفوس المتلقين مهما كانت هويتهم وأن يستقطب عدد من الفنانين من جنسيات مختلفة في العالم ليرسموا للثورة الفلسطينية وليدافعوا عن قضيتها، فقد جاء الملصق الفلسطيني فارضاً نفسه على الشارع العربي والمشهد الفني العالمي بأن خلق وغير وبدل قناعات كانت سائدة حول الثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية ، وبذلك لعب دوراً دعائياً وتحريضياً عبر مسيرته الفنية، وهنا ندعو كل الفنانين الفلسطينيين والعرب ألا يطلقوا رصاصة رحمة على هذا الفن الأثير وليحافظوا على بصيص "الملصق" القادر ــ ورغم وجود الثورة التقنية والشبكة العنكبوتية ــ على أن يكون الأداة الجميلة التي تشرح للعالم عدالة قضيتنا،ولنذكر المثل القائل : " أن صورة واحدة تعادل ألف كلمة".

الملصق الفلسطيني.. تراث يتهدده الاندثار!

- فياض الشهابي ـ مخيم اليرموك

لا أحد يستطيع أن يؤكد تماماً متى بدأ فن الملصق السياسي الفلسطيني، يسلك طريقه باتجاه النور، إلا أن المتابع والمختص يستطيع أن يستشف الأشكال الأولية لهذا الطرح الإعلامي الفني، علما أن «شخصية» الملصق في البداية، لم تتجسّد على أنه أداة إعلامية فنية مؤثرة. حيث لم يأخذ الملصق الفلسطيني دوره ليواكب النضال والمراحل السياسية الفلسطينية بشكل تام، إنما تواجد في البداية على هيئة إعلان لبعض النشاطات ليس إلا.
ما لبث أن تطور الملصق مع الظروف السياسية الفلسطينية من خلال الهجمة الصهيونية والنكبة التي خلقت واقعاً مغايراً. فأصبح الملصق السياسي يطرح مفهوم الثورة ومفهوم التحريض الجماهيري المعتمد على السلاح والدفاع عن الأرض في مواجهة الهجمة الصهيونية. لكن الملصق كمادة إعلامية دعائية وتثقيفية بدأ يأخذ توجها آخر للتعايش مع الواقع الفلسطيني، نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات بنماذج فنية منتقاة ومدروسة الفكرة والمضمون والشكل، تجسّدها المواد الإعلانية التي كانت تصدر عن الهيئة الدولية المسئولة عن اللاجئين «الأنروا»، حيث تميزت ملصقاتها بالطابع الإرشادي السلمي والسعي إلى المحافظة على الصحة العامة لا أكثر!
أما المنحى الثاني الذي جسد الملصق الثوري الداعي إلى حمل السلاح والتعبئة الجماهيرية في صفوف المجتمع الفلسطيني الذي عايش النكبة وما تلاها من مراحل معاناة، هو الذي رافق إعلان انطلاق الثورة الفلسطينية وإعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام1964.
الأحداث السياسية خلقت جواً من التنافس في الطرح السياسي الذي يتضمنه الملصق السياسي عند الفصائل الفلسطينية، مع ظهور التعددية السياسية، مع وجود تعبيرات متقاطعة لدى الجميع، إلا أن هذه القاعدة لا تلغي الاستثناءات العديدة لدى بعض أصحاب الطرح السياسي الخاص، فهناك تباينات سياسية ظهرت في مضمون الملصق من خلال الشعار السياسي أو المضمون الفني (الشكل ـ الفكرة) كانت متباينة ومتعارضة من خلال الإيديولوجيات التي لا تنسجم فيما بينها إطلاقا، بالإضافة إلى التمايزات الفنية للملصق الذي يواكب مرحلة أو مناسبة تخص الجهة التي تصدره. والجودة تتوقف دائما على الرصيد الثقافي والفني لدى الفنانين الذي أبدعوا في هذا المجال.
وعلى الرغم من التطور الذي وصلت إليه صناعة الملصق الفلسطيني، لا بد من الإشارة إلى بعض السلبيات، التي حدّت من أثر هذا الفن، كشاهد على المعاناة الفلسطينية.
أولاً: عدم اهتمام بعض الفصائل بهذا الجانب المهم الذي يعد تراثاً وتأريخا في آن واحد لمسيرة الشعب الفلسطيني، فالبعض أهمل، ويتعاطى مع قضية الملصق بثانوية واستخفاف.. مما يدعو للإحساس أن هناك ميلاً لتهميش دوره الثقافي الهام ودفعه باتجاه الذاكرة المهملة في أرشيف النضال الفلسطيني.
والمطلوب هنا إعطاء جهد أكبر في محاولة البحث والتنقيب لأرشفة الملصقات التاريخية ولتطوير الملصقات الحالية. وإلا فإن جانباً مهماً من أهم وسائل الاتصال مع الجماهير سوف يكون عرضهَ للتهميش ثم الاندثار.
ثانياً: عدم وجود إلمام واهتمام بأسماء الفنانين الذين أبدعوا في فن الملصق. يقول أحد الفنانين العراقيين الذين واكبوا مراحل النضال الفلسطيني كاملة وساهم في إنجاز العديد من الأعمال الفنية التي نشرت باستمرارية لم تنقطع: «لقد صعقت في إحدى المرات التي رأيت فيها الملصق الفلسطيني يحذو حذو الملصقات التجارية، من حيث اختيار اللون ودلالته ومن خلال الطبيعة الشاذة التي لا تمازج بين عناصر العمل الفني. بالإضافة إلى اللامبالاة التي يشعر بها المتلقي، فهناك تعارض واضح بين عناصر العمل..». وهذا لم يأت من فراغ، لأن بعض الجهات التي تصدر الملصق السياسي لا تأخذ بعين الاعتبار النواحي الفنية التي يجب أن يتمتع بها الملصق لنصل بأقل حد لمواكبة الملصقات العالمية التي تطرح دعماً للقضية الفلسطينية بمستويات فنية تنافس المواد الإعلانية للعدو.
ثالثاً: استكمالا لثانياً فإن ما عاناه وما زال يعانيه الملصق الفلسطيني من شح في الفكرة الفنية هو نتيجة الواقع المر الذي تعيشه مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من شح في المنشورات التي تحمل الطابع الوثائقي والتحليلي، حيث لم تعد الملصقات تواكب الملصقات القديمة التي كانت تصدر إبان فترة الإعلام الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت فترة التميز للملصق السياسي الفلسطيني.
إذ نسجل هذه النقاط السلبية، فإننا نسجلها من منطلق الحرص على أحد أنواع الفنون الفلسطينية، التي أدت ولا تزال رسالة سياسية هامة، نحو تحقيق أهداف النضال الفلسطيني.

صالة العرض

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

4 من الزوار الآن

876711 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق