المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 6.0 فلسطيننا > جذور القضية الفلسطينية

5 كانون الثاني (يناير) 2020

جذور القضية الفلسطينية

د . إميل توما
عرض وتقديم: د . محمد أيوب

الفصل الأول

نشوء العقدة الفلسطينية

نشأت القضية الفلسطينية عن صراع ثلاث قوى هي الإمبريالية البريطانية والحركة الصهيونية والحركة القومية العربية، فقد بدأت بريطانيا تهتم بفلسطين بسبب تجارتها مع الهند وبدء تفكك الإمبراطورية العثمانية، ولم تكن بريطانيا ترغب في أن ترى روسيا متمركزة على البوسفور، وقد بدأت بريطانيا بخدمة ملاحة منتظمة إلى البصرة والسويس، وإلى كل من مصر وسوريا.
وقد كانت حملة نابليون واحتلاله لسوريا الطبيعية حملة سياسية تهدف إلى تهديد الإمبراطورية البريطانية في الهند وإلى توسيع الإمبراطورية الفرنسية، وعلى أثر ذلك حدثت نقطة تحول في السياسة البريطانية بدأت بتوقيع سلسلة اتفاقات مع أمراء ومشايخ سواحل شبه الجزيرة العربية، واحتلت المواقع الإستراتيجية والاقتصادية الهامة التي يمكن أن تقطع الطريق على أية قوة تهدد الهند، كما عاونت القوات البريطانية القوات العثمانية من أجل إجلاء القوات الفرنسية عن مصر سنة 1901م.
وفي عام 1807م حاولت بريطانيا احتلال مصر ولكنها فشلت في ذلك، ويرى بعض الكتاب أن حملة فريزر كانت للاستكشاف بهدف توطيد المواقع الاقتصادية في مصر بعد بدء تقلص نفوذ المماليك حلفاء بريطانيا وصعود نجم محمد علي الذي كان يبدي ميلا للفرنسيين، وهذا الافتراض غير مقبول، لأن نابليون سيطر على أوروبا وشكل تهديدا خطيرا لمصالح بريطانيا مما فرض عليها ضرورة مواجهته، وعندما حاول محمد علي إقامة الدولة العربية الكبرى بين 1831 – 1840، قاومت بريطانيا بوضوح وعنف هذه الدولة التي امتدت من مصر عبر سوريا الطبيعية إلى حدود آسيا الصغرى، وتعاونت مع تركيا ومع دول أوروبا لإجلاء القوات العربية المصرية عن سوريا وحصر الدولة الحديثة التي أنشأها محمد علي في حدود مصر.
وقد كتب بالمرستون إلى سفير بلاده في نابولي يقول: " إن هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية، وقد لا يحتوي هذا المشروع على ضرر ما في حد ذاته، ولكنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال تركيا، وهذا ما لا نرضى عنه، وفضلا عن ذلك فلا نرى سببا يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند".
الكولونيالية البريطانية تصبح صهيونية قبل نشأة الصهيونية
كانت محاولة محمد علي نقطة البداية، فقد أبرز ناحوم سوكولوف الصلة بين محاولة محمد علي إقامة الدولة العربية الكبرى وتبني بريطانيا للفكرة الصهيونية قبل أن تنشأ أية منظمة صهيونية أو قبل أن يضع أسسها أي يهودي، فبعد إعادة قوات إبراهيم باشا إلى مصر برزت مسألة مستقبل فلسطين، وكان السائد في الرأي العام البريطاني ضم عكا وقبرص إلى بريطانيا، فاحتلت بريطانيا موقع عكا الحصين لضمان حرية الطريق إلى الهند، وهكذا فكرت بريطانيا في استغلال رغبة اليهود في العودة إلى سوريا واعتبرت أن استعمار العبرانيين لسوريا أرخص وأقل تكلفة، وقد تحدث شافتسبري عن اليهود سنة 1876م وقال إن سوريا تحتاج إلى مال وسكان، واستنتج أن اليهود يستطيعون تزويدها بالأمرين معا، وقد أكد ناحوم سوكولوف في كتابه "تاريخ الصهيونية" ج 1 ص 206" أن الفضل يرجع إلى بريطانيا في استيطان اليهود في فلسطين.
يرى الكولونيل جورج جولر حاكم جنوب أستراليا أن القدر وضع مصر وسوريا في طريق تجارة بريطانيا إلى الهند، وأن استيلاء أي دولة على مصر وسوريا يقطع هذا الطريق وأن القدر يدعو إنجلترا إلى تحسين وتطوير سوريا بنشاط بني إسرائيل ومساعيهم، وقد كتب هولنغورث سنة 1951 أن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين لم يكن عملا إنسانيا وعادلا؛ بل ضرورة سياسية في الذهن البريطاني لحماية الطريق عبر آسيا الصغرى إلى الهند، وكان المحرك المباشر هو الحديث عن قناة السويس الذي حرك الفرنسيين للتفكير بالفكرة نفسها، كما يظهر في كتاب دينبي " المشكلة الشرقية" وكتاب لاهرامي " المسألة الشرقية" .
وقد كانت هناك في دمشق عائلتان يهوديتان تملك كل منهما مليون ونصف مليون جنية وهي ثروة ضخمة في ذلك، مما جعل بريطانيا تبسط حمايتها على يهود الدولة العثمانية، خصوصا وأن فرنسا بسطت حمايتها على الكاثوليك، وبسطت روسيا حمايتها على الأرثوذكس، في حين لا يوجد متحيزون لبريطانيا في الدولة العثمانية، وقد وجدت بريطانيا نفسها في حاجة إلى طائفة لتواجه روسيا القيصرية وفرنسا؛ فتوكأت على اليهود، كما لجأت إلى الزعماء الدروز، ووجدت فرنسا بغيتها في زعماء الموارنة وروسيا في زعماء الروم الأرثوذكس.
وقد احتاجت بريطانيا إلى فكرة بعث إسرائيل في فترة المزاحمة الحرة، ولم تكن في حاجة لها في وقت الصراع الشديد مع فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر لأن ميدان الصراع كان محصورا في مصر وأفريقيا وبالتالي لم يكن من الممكن الاستفادة من صهيونية بريطانيا الكولونيالية، وقد تحولت الصهيونية آنذاك إلى صهيونية يهودية، وأصبحت منظمتها تحتل مكانها في المحافل الدولية.

الفصل الثاني

ملاحظة على مرحلة ما قبل الصهيونية

يرى ناحوم سوكولوف أن تاريخ إسرائيل يبدأ بالصهيونية، وأن الخروج من مصر كان مثالا للجمع بين الهجرة والكولونيالية " استعمار الأرض"، كما يرى أن العودة من بابل كانت حدثا عظيما، وقد خالف هذا التوجه بن هلبرن الذي يرى أن الانعتاق أدى إلى مساواة اليهود بالمواطنين عامة بعد الثورات البورجوازية في القرن التاسع عشر، وقد نسجت الصهيونية أسطورة الشوق الخالد إلى صهيون بعد الشتات، حيث زعمت الصهيونية أن القوى الظالمة فرضته على اليهود، وقد نسف التاريخ هذه الأسطورة لأن اليهود رحلوا عن أرض الميعاد( التي يزعمون أنهم عاشوا فيها) طلبا للرزق وهربا من الجوع، كما عادوا إلى الهجرة بعد قيام ملك إسرائيل وقبل السبي البابلي، وقد فضل معظم المنفيين البقاء في بابل، وأنه لم يعد من السبي أكثر من ستين ألف يهودي حسب أقوال عزرا ونحميا.، وفي تاريخ كمبردج القديم ج9 ص 429 نجد أن نسبة اليهود في أرض الميعاد هي الربع بالنسبة للسكان، أما في مصر فكان عددهم مليون من ثمانية ملايين، ولذا نجد أنه من التجني الحديث عن الصهيونية منذ فجر التاريخ، وقد حافظ الرومان على ازدهار الطائفة اليهودية الاقتصادي في الإسكندرية، وقد أدى انهيار الإمبراطورية العربية الإسلامية إلى انتقال مراكز استيطان الطوائف اليهودية من شرق البحر المتوسط إلى أوربا التي كانت تتطور بسرعة.

الثورات البورجوازية وانعتاق اليهود

طالب اليهود بإقامة الغيتوات ( المعازل) الأولى في أسبانيا وصقلية في العصر الوسيط باعتبارها رمزا ماديا لتنظيمهم الذاتي، وقد اكتشف بعض اليهود أخطار هذه السياسة الانعزالية في القرن السادس عشر، ولكن هذا الاكتشاف جاء متأخرا حيث فرض على اليهود أن يعيشوا في أحياء مغلقة خاصة بهم، وقد اشتغل اليهود بالتجارة والربا بعد تحريم الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا التعامل بالربا بين المسيحيين، ومع ذلك لم تشكل تجمعات اليهود طبقة واحدة بل كانوا عبارة عن طبقات مختلفة مثلهم في ذلك مثل بقية السكان الأوروبيين بل كانت نواة تجارية مالية وطائفة انعزالية.
وقد طلب الرابي منشي بن إسرائيل من أوليفر كرومويل حاكم بريطانيا أن يسمح لليهود بالاستيطان في بلاده، وكان يعلن أن على اليهود أن ينتشروا في أنحاء المعمورة قبل أن يعيدهم الرب إلى أرض الميعاد، وقد بدأ اليهود باكتساب ميزات القوميات التي كانوا يعيشون في بلادها ويمتزجون بها؛ وقد انعقد السنهدرين بحضور ثمانين شخصية دينية وعلمانية من المناطق المختلفة التي كانت فرنسا تسيطر عليها ، وذلك في أوائل شباط ( فبراير) سنة 1807م لإعطاء أجوبة عن أسئلة محددة مثل: أيحق لليهود تعدد الزوجات؟ أيصح الطلاق في اليهودية؟ أيمكن الزواج بين اليهود والنصارى؟ ؟ أيعتبر اليهود الذين ولدوا في فرنسا ، فرنسا وطنا لهم؟ هل تشجع القوانين اليهودية الربا بين اليهود؟
يرى المؤرخ هوارد مورلي أن السنهدرين أكد أن اليهود أداروا ظهرهم إلى فكرة وجودهم كأمة " كتاب مسيرة التاريخ اليهودي المعاصر ص 63"، وقد قال المالي اليهودي الكبير إبراهام فورنادو: " لسنا نؤلف أمة داخل أمة أخرى ... إن فرنسا وطننا " ، وقد أصبح أبناء الطوائف اليهودية يعلنون أنهم فرنسيون وبريطانيون وألمان يدينون بالدين اليهودي، وقد تفاوتت عملية انعتاق اليهود بسبب التطور غير المتعادل بين أقطار أوروبا؛ فقد بقيت القيود على اليهود في روسيا القيصرية زمنا طويلا بعد أن حطمت الثورة الفرنسية جدران الغيتوات في فرنسا، وقد تمايز اليهود طبقيا في روسيا، حيث تخلص الأغنياء من عبء الاضطهاد الطائفي في حين حلت المصائب بجماهير اليهود مثلما حلت بفقراء الإمبراطورية الروسية، ولهذا بدأت الحركة الصهيونية نشاطها في روسيا في ظروف يقظة الوعي الطبقي بين جماهير العمال اليهود الذين انخرطوا في العملية الثورية، وقد حاولت الصهيونية إبعاد اليهود عن هذه العملية الثورية.

الفصل الثالث

نشوء الصهيونية وأيديولوجيتها

أدت الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلى خلق التربة الصالحة لظهور اللاسامية والحركة الصهيونية التي زعم أصحابها أنها الرد الوحيد على اللاسامية، فقد تميز الربع الأخير من القرن التاسع عشر بتحول الرأسمالية في أوروبا إلى أعلى مراحلها، مرحلة الإمبريالية، فتحولت رأسمالية التنافس الحر إلى الاحتكار واندماج المال المصرفي بالصناعة وتصدير رءوس الأموال وإقامة احتكارات عالمية وتقسيم المستعمرات؛ وقد أدى ذلك إلى تشديد الصراعات الاجتماعية والقومية، وتركز الصراع بين الطبقة العاملة وبين الرأسمالية، ولذلك شهد هذا القرن ظهور الحركة الشيوعية العالمية، وأول محاولة في التاريخ لإقامة مجتمع عادل وحكومة عمالية في كوميونة باريس سنة 1871م، مما لفت الأنظار إلى خطورة الطبقة العاملة التي اتسعت بفضل التطور الصناعي وتحسن تنظيمها، وقد لجأت الرأسمالية إلى القمع لوقف النضال الطبقي الثوري، ولجأت الرأسمالية إلى الاستيطان الكولونيالي للتخفيف من هذا الصراع، كما لجأت الرأسمالية إلى استخدام اللاسامية في سنوات السبعين من القرن التاسع عشر لحرف النضال الاجتماعي عن مساره الصحيح، وقد قام مستشار ألمانيا بسمارك، الذي كان له دور كبير في انعتاق اليهود، باستغلال اللاسامية في معركته السياسية حين قاد المحافظين ضد الأحرار التقدميين من وجهة نظره، وقد فقدت القومية طابعها التقدمي لتصبح أداة في أيدي الإمبرياليين يستخدمونها لتوسيع إمبراطورياتهم تحت شعار الكبرياء القومي وتمدين الشعوب.
الأيديولوجيا الصهيونية
تبلورت الفكرة الصهيونية في القرن التاسع عشر في كتاب تيودور هرتسل( الدولة اليهودية) الذي ظهر سنة 1896م. مع أن منظمة ( أحباء صهيون قد ظهرت في روسيا قبل ذلك ، ودعت إلى الهجرة إلى فلسطين، ولكنها لم تترك أثرا عميقا في حياة اليهود).
أسس الأيديولوجية الصهيونية
ترى الصهيونية أن الشعوب التي يعيش اليهود بينها هي شعوب لا سامية وأن اليهود شعب واحد، وأن أعداءهم جعلوهم هكذا دون موافقتهم!( الدولة اليهودية ، ص 92، سنة 1946)، وفي ذلك تجاهل للعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي خلقت اللاسامية، وهذا يعني أن الحركة الصهيونية كانت الوجه الآخر للاسامية، لأن القيادة الصهيونية لم تجد في اللاسامية عدوا خطيرا، بل اعتبرتها عاملا مساعدا على تحقيق برامجها، انطلاقا من مقولة هرتزل إن أعداء اليهود هم الذين جعلوهم شعبا واحدا، فقد وجدت الصهيونية صعوبة في الانتشار بين اليهود في أوروبا الغربية، حيث رفضت الطائفة اليهودية في ميونخ عقد المؤتمر الصهيوني الأول فيها مما دفع القائمين عليه إلى عقده في بال في سويسرا، وقد وصل الأمر بقادة الصهيونية إلى حد التعاون الوثيق بين اللاساميين وبين الصهيونيين، كما يظهر من تعاون الصهيونية مع النازية في الحرب العالمية الثانية، كما ألقت المنظمة الصهيونية في العراق القنابل على الكنس وتجمعات اليهود بقصد تهجيرهم إلى فلسطين.
ومع أن المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897 حدد فلسطين لإقامة الوطن القومي، فإنها وافقت على اقتراح تشمبرلن بإقامة الوطن القومي في أوغندة، ويعود الاتفاق النهائي على اختيار فلسطين إلى عاملين:
1 – التقاء المصالح البريطانية مع المصالح الصهيونية.
2 - اكتشاف الصهيونية أنه من السهل استنفار اليهود لبناء وطن قومي لليهود بسبب ارتباطها بالدين اليهودي، وقد رأت الصهيونية أن اليهود ليسوا أمة عالمية فحسب، بل أمة فريدة تتجاوز التقسيمات الطبقية وينتفي فيها الصراع الاجتماعي؛ فالصهيونية الاشتراكية تقدم الصراع القومي على الصراع الطبقي والاجتماعي، ولذلك لا بد من تجميع الشتات وإقامة القوم أولا.

الفصل الرابع

الصهيونية حتى وعد بلفور
مخطط هرتزل والاستيطان الاستعماري

عالج كتاب ( دولة اليهود) أدق تفاصيل عملية بناء الدولة اليهودية وتجسيد الأيديولوجية الصهيونية ابتداء من إقامة (جمعية اليهود)، التي ستشرف على المشروع، والشركة اليهودية التي ستنفذ المشروع اقتصاديا، وقضايا الهجرة وتنظيم المدن في دولتهم واختيار لغتهم وعلمهم وسن دستورهم، وجمعية اليهود هي التي ستحدد الأرض التي ستقام عليها في فلسطين أو الأرجنتين.
وقد حدد هرنزل رأسمال الشركة اليهودية بخمسين مليون جنيه أي ما يعادل 200 مليون دولار في ذلك الوقت، وحين أسسوا أداة الصهيونية المالية أطلقوا عليها اسم الشركة اليهودية الاستعمارية وهدفها تطوير فلسطين والأقطار المجاورة لها صناعيا واقتصاديا ( تاريخ الصهيونية، ناحوم سوكولوف ج 2 ص 371)
المنظمة الصهيونية في الميدان الدولي
أمضى هرتزل الفترة بين انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897م وبين وفاته في 3 تموز 1904م في محاولات إقناع الدول الإمبريالية بمساعدة الصهيونية على تحقيق أهدافها، وقد بدأ هرتزل اتصالاته على الصعيد الدولي بالاجتماع بالوزير العثماني في 21 يونيو (حزيران)1896م لبحث الاستيطان الاستعماري في فلسطين تحت رعاية السلطان، وكانت إحدى مقابلاته الأخيرة في 23 كانون الثاني 1904م مع ملك إيطالية الذي تعاطف مع مشروع الصهيونية في استيطان طرابلس الغرب تحت الحماية الإيطالية، وقد احتلت إيطاليا ليبيا فيما بعد سنة 1912م، كما توجه هرتزل إلى المستشار الألماني بسمارك ليستشيره في مشروعه، وبعد إحجام السلطان العثماني عندما قابله هرتزل في 19 مايو ( آيار) 1901م عن إصدار فرمان بالاستعمار الصهيوني في فلسطين، ركز هرتزل جهوده على بريطانيا التي عرضت على الصهيونية استعمار أوغندة سنة 1903م.

الخلاف بين الصهيونية العلمية والصهيونية السياسية

ظهر هذا الأمر بعد وفاة هرتزل عند انعقاد المؤتمر الصهيوني السابع الذي عقد في بال بين 27 تموز إلى 2 أب سنة 1905م ، حيث تقرر التخلي عن فكرة استعمار أوغندة والعودة إلى البرنامج الأصلي الذي حدد فلسطين هدفا للاستيطان الصهيوني. وكان هذا الانقسام انعكاسا للصراع بين الدول الاستعمارية في المنظمة الصهيونية، فكانت القوى الصهيونية في ألمانيا هي الحاسمة في المنظمة الصهيونية حتى بداية الحرب العالمية الأولى، وقد انعكس الصراع بين القوى الصهيونية الموالية لألمانيا وتلك الموالية لبريطانيا في أكثر من ميدان، وقد وصف حاييم وايزمن في كتابه ( التجربة والخطاء ) هذا الصراع حول اللغة عشية الحرب العالمية الأولى، وتحدث عن وجود ثلاث شبكات للتعليم في فلسطين، الأولى بإشراف (أليانس إزرائيلي يونيفرسال) ومقرها باريس ولغة التعليم فيها بالفرنسية، والثانية (هلفسفيرين در دويتشن بودين) ومقرها برلين ولغة التعليم فيه هي الألمانية، والثالثة ( فيلينا دي روتشيلد في القدس ولغة التعليم فيها هي الإنجليزية،) وقد تطرق وايزمن إلى إنشاء التخنيون في حيفا.
وبعد اشتداد الصراع بين ألمانيا وبريطانيا أصبح من مصلحة الإمبريالية ألألمانية أن تسخر الصهيونية لخدمة مصالحها فأيدت الاستعمار الاستيطاني في فلسطين.

الاستيطان الاستعماري في فلسطين

دعت المنظمة الصهيونية إلى الاستيطان في فلسطين باعتباره تجسيدا للكيان القومي، وبذلت جهودا كبيرة لجذب المضطهدين من يهود أوروبا الشرقية، ومع ذلك فإنها لم تنجح في وقف سيل المهاجرين منهم إلى أمريكا؛ حيث أصبح عدد اليهود في أمريكا في الفترة بين 1881 – 1918م حوالي أربعة ملايين نسمة، بينما لم يزد عددهم في فلسطين عن ثمانين ألفا قبل الحرب العالمية الأولى، وهبط هذا العدد أثناء الحرب إلى خمسة وستين ألفا، فقد كانت هناك ست مسوطنات يعمل فيها أربعمائة فلاح وتسيطر على خمسة وعشرين ألف دونم في عام 1882م، وقد اشترت المنظمة الصهيونية هذه الأراضي من الإقطاعيين الغائبين مما ولد صدامات بين اليهود والفلاحين العرب الذين يعملون في هذه الأراضي، وقد كانت تصرفات المستوطنين اليهود ضد العرب تتسم بالعنف، فقد كتب آرثر كوستلر : " أن يوسف بن داوود طعن شيخ قبيلة أبو رمان القوية التي حطت بالقرب من بيتح تكفا (مفتاح الأمل، ويسميها العرب ملَبِّس) لأن قطعان القبيلة رعت في أراضي المستوطنة وسرقت القمح، وأضاف أن يوسف بن داوود وآخرون حملوا جثة الشيخ القتيل ودخلوا بها مضارب البدو، وبذلك رفعوا اسم اليهود عاليا وجعلوا العرب يشعرون بعجزهم عن إجلاء اليهود عن أراضيهم.

الفصل الخامس

وعد بلفور

انقسم اليهود على أنفسهم في بداية الحرب العالمية الأولى، وكادت آمالهم في استيطان فلسطين تتبدد، فقد انقسم اليهود إلى قوميات، وتوزع ولاء اليهود بين الكتلتين المتحاربتين، بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية من جهة، وألمانيا والنمسا والمجر وتركيا من جهة أخرى، وذلك إضافة إلى الانقسام الطبقي بين اليهود في البلدان التي يقيمون فيها، وقد كان بن غوريون وإسحاق بن زفي من مؤيدي التعاون مع تركيا.

الصراع الأنجلو – فرنسي داخل الحلف

أدى الصراع الدائر بين بريطانيا وفرنسا إلى مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاق سايكس - بيكو سنة 1916م، وقد تحددت حصة روسيا القيصرية بالقسطنطينية( اسطنبول) مع عدد من الأميال إلى الداخل على ضفتي البوسفور، وقطعة كبيرة من شرق الأناضول تضم الولايات الأربعة على الحدود التركية الروسية، وتحددت حصة فرنسا في معظم سوريا الطبيعية، مع جزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق، أما حصة بريطانيا فقد امتدت من طرف سوريا الجنوبية ( المقصود فلسطين وشرق الأردن) حتى العراق بحيث تضم بغداد والبصرة وجميع البلاد الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية.
وبعد انتهاء الحرب تقدم هربرت صموئيل بمشروع يقوم على ضم فلسطين إلى الإمبراطورية البريطانية وزرع ثلاثة أو أربعة ملايين يهودي فيها لخدمة مصالح بريطانيا.

دخول العامل الصهيوني الميدان

يروى أن لويد جورج سأل وايزمن الذي اكتشف الأسيتون الصناعي بم يكافئه، فقال له: اصنع شيئا لشعبي، وهناك تبرير آخر لصدور وعد بلفور هو أن بلفور زعم أن اليهود تعرضوا للطغيان في أوروبا ولذلك كان الوعد تكفيرا عن الجرائم التي ارتكبتها أوروبة بحقهم، وقد الاعتقاد قبل 1917م بأن تأييد بريطانيا علنا للصهيونية يبعد اليهود الروس عن الحزب البلشفي، كما أبرز لويد جورج طلب ألمانيا من تركيا أن تلبي مطالب الصهيونيين، وأن ألمانيا كانت تبذل جهودها للاستيلاء على الحركة الصهيونية، والحقيقة أن قادة الصهيونية في بريطانيا استنجدوا بالحكومة الأمريكية للضغط على بريطانيا لتصدر تصريح بلفور، ولكن العامل المقرر في النهاية هو مصلحة بريطانيا.

الفصل السادس

الحركة القومية العربية ووعد بلفور

ظهرت بوادر الوعي القومي العربي بالخطر الصهيوني عندما أثار النائبان شكري العسلي نائب دمشق، وروحي الخالدي نائب القدس قضية النشاط الصهيوني في فلسطين في مجلس النواب العثماني( مجلس المبعوثان)، وقد استشهد روحي الخالي بتصريح أحد زعماء الصهاينة مناحيم أوسيشكين الذي قال إن أماني الصهيونية هي نيل الميزة والأفضلية في فلسطين، وإنفاق الأموال لتأليف أمة يهودية في فلسطين واستيطان أرض الميعاد، وحذر الخالدي من أن عدد اليهود في متصرفية القدس بلغ مائة ألف وأن أغنياء اليهود ابتاعوا مائة ألف دونم، وأسسوا بنكا باسم: ( بنك الاستعمار اليهودي) لاستيطان البلاد، وقد حظيت القوى الصهيونية برعاية الإمبريالية والقوى الرجعية، وقد اتصل بعض القوميين العرب بقائدي الصهيونية ( يقوبسون) و (سوكولوف ) قبل الثورة التركية سنة 1908م للاطلاع على مدى استعداد الصهاينة لمساعدة الحركة القومية في ثورتها على الظلم العثماني، وقد قطع هذان الصهيونيان علاقتهما بهؤلاء القوميين حفاظا على علاقتهم مع الحكم العثماني.

مباحثات وايزمن فيصل
المعاهدة العربية اليهودية

تعرضت الحركة القومية لضربتين قويتين، تمثلت أولاهما بإجراءات القمع التي طبقها السفاح جمال باشا الذي أعدم واعتقل ونفي مئات من كبار القوميين العرب، وتمثلت الضربة الثانية في سيطرة العائلة الهاشمية على قيادة الحركة القومية العربية النامية، وقد اقتنع الهاشميون "الشريف حسين والأمير فيصل" بصدق نوايا بريطانيا الذين وعدوا الشريف حسين بإقامة دولة عربية واحدة تشمل شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب ( العراق وسوريا الطبيعية،) وقبل بيان الحلفاء الذي صدر في 8 نوفمبر سنة 1918م لتبديد الشكوك المتعاظمة في نوايا بريطانيا وفرنسا وأكد البيان على رغبة هاتين الدولتين في إقامة حكومات وطنية حرة في سوريا والعراق وجميع البلاد التي حررها الحلفاء، وكان حاييم وايزمن قد اجتمع قبل ذلك بحوالي نصف سنة ( أول حزيران سنة 1918م) بالأمير فيصل في العقبة، وطرح له أغراض الصهيونية ورغبتها في التعاون مع العرب، وقد وقع الأمير فيصل والدكتور وايزمن على معاهدة تنسيق بين الدولة العربية الموعودة وبين الدولة اليهودية، وكانت بريطانيا ترى أن هذا التقارب يخدم مصالحها بحيث تستخدم الصهيونية والحركة القومية العربية وحركة الأرمن لتوطيد مواقعها في المنطقة، وقد وجدت الصهيونية الدعم والتأييد من الإقطاعيين العرب ومن العناصر المتعاونة مع الإمبريالية البريطانية، بينما قاومتها الجماهير العربية منذ أن عرفت حقيقتها وأدركت أبعاد وعد بلفور، وقد أوصت لجنة كرين في تقريرها سنة 1924م بصيانة وحدة أراضي سوريا تلبية لرغبة الغالبية العظمى من الشعب السوري، ولكن الحركة القومية العربية بدأت تنقسم حسب تعدد الأخطار في المناطق المختلفة، فالفلسطيني يرى الخطر في الصهيوني، بينما يرى السوري أن فرنسا هي الخطر، في حين يرى العراقي ضرورة قيام الثورة ضد الإنجليز كما يرى ساطع الحصرى في كتابه ( يوم ميسلون)، وتبلور هذا التطور حين عقد الفلسطينيون في المؤتمر السوري العام مؤتمرا لهم في دمشق في 27 شباط 1920.
تعليق: (ما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد ارتكب الفلسطينيون الخطأ نفسه حين انفصلوا عن عمقهم العربي سنة 1974، وبذلك تم إعفاء العرب من مسئولياتهم تجاه فلسطين بعد إقرارهم بوحدانية تمثيل المنظمة للفلسطينيين )

الفصل السابع

المواجهة الأولى

وقعت الدول الأوربية المستقلة باستثناء روسيا ميثاق عصبة الأمم في 28 حزيران سنة 1919م ، وقد أوكل مجلس مؤتمر السلام العالمي أمر الانتداب على فلسطين لبريطانيا أثناء اجتماعه في سان ريمو في 25 نيسان سنة 1920م، وقد أقر مجلس عصبة الأمم نظام الانتداب على فلسطين قي 24 تموز سنة 1922م.

المعركة مع الإمبريالية والصدامات بين العرب واليهود

بدأت موجة الاحتجاجات في 27 شباط 1920 حين خرج أكثر من أربعين مواطن في مظاهرة طافت شوارع القدس، وقد تألفت قبل المظاهرة جمعيات إسلامية مسيحية في مدن فلسطين واتفقت على مذكرة أعلنت فيها إصرارها على المطالبة باستقلال سوريا من طوروس إلى رفح ورفض هجرة اليهود إلى فلسطين، وهكذا كانت المظاهرة احتجاجا على التجزئة الإمبريالية والاحتلال الذي جرد الشعب من استقلاله، وعلى وعد بلفور ثالثا، وقد توالت الثورات ، فوقعت ثورة 1919 في مصر ، وثورة العراق الشاملة سنة 1920، والنضال المسلح في سوريا قبل الاحتلال الفرنسي لسوريا في شهر يوليو سنة 1920م واستمرت بعد ذلك، وفي تظاهرة القدس الكبرى وقعت صدامات بين العرب واليهود لا تمت إلى العنصرية بصلة كما يدعي الإمبرياليون، كما تحول موسم النبي موسى إلى مظاهرة قومية نادت بالوحدة العربية والاستقلال ورفض الهجرة الصهيونية، وقد بذل السياسيون البريطانيون جهودهم لتأجيج نار الاحتراب بين العرب واليهود طبقا لقاعدة "فرق تسد".
وقد قتل في هذه الاصطدامات بين العرب من وجهة وبين اليهود وبريطانيا من جهة أخرى خمسة من اليهود وأربعة من العرب وجرح عشرات من الطرفين مما أدى إلى اتساع الهوة بين العرب وبين الحركة الصهيونية لأن هناك فئات من اليهود كانت ترفض المشروع الصهيوني.
مؤتمر القاهرة والاصطدام الثاني
كان هربرت صموئيل يهوديا متعاطفا مع الصهيونية، لكنه كان يضع مصالح بريطانيا في المكانة الأولى، وقد أصدر بعد شهر من توليه إدارة فلسطين تشربعا يقضي بدخول 16500 يهودي في السنة الأولى.
وقد عقد مؤتمر القاهرة في الأسبوع الثاني من مارس سنة 1921م بحضور وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل، والمندوب السامي في فلسطين، وشخصيات موالية لبريطانية مثل جعفر العسكري وساسون أفندي من العراق، وقد قرر المؤتمر:
1 – تنصيب الأمير فيصل ملكا على العراق، وبذلك هدأت الثورة في العراق مما أثر سلبا على الحركة القومية في فلسطين.
2 – تنصيب الأمير عبد الله أميرا على شرق الأردن.
3 – محاولة إقامة مجلس تشريعي في فلسطين ليحل محل المجلس الاستشاري الذي أقامه المندوب السامي، وقد فشلت هذه المحاولة ، وهكذا انفجرت اضطرابات يافا يوم أول أيار سنة 1921م، فقد وقع صدام بين العمال الهستدروتيون الصهيونيون بالعمال التابعين لحزب العمال الاشتراكي ( موبس) الخارجين على الصهيونية، والذين دعوا العمال إلى الإضراب في يوم عيد العمال العالمي، وقد تصدى عرب يافا للطرفين المتصارعين اعتقادا منهم أنهما يريدان بهم شرا، وقعت الاشتباكات قرب منشية يافا وامتدت كالنار في الهشيم، وقد تدخلت القوات البريطانية ضد العرب، وقد قتل 47 يهوديا و 48 عربيا وأصيب العشرات بجراح، وقد كتبت جريدة (جويش كرونيكال)مطالبة بإعطاء اليهود امتيازات في فلسطين بما يمكنهم من جعلها يهودية ، كما دعا جابوتنسكي إلى إقامة الدولة اليهودية بحيث يكون الجيش الذي أسسه من الفرقة اليهودية التي شاركت في الحرب العالمية الأولى نواة لجيش هذه الدولة، كما قال وايزمن في مؤتمر الصلح في فرساي عندما سئل عن قصده من تعبير الوطن القومي اليهودي بأنه يريد إقامة إدارة تجعل فلسطين يهودية مثلما بريطانية بريطانية .
أما العرب فقد ألفوا وفدا قوميا من أسياد الأرض والمال لزيارة بريطانية ، وقد تكون الوفد من : موسى كاظم الحسيني ، وتوفيق حماد، وأمين التميمي ، ومعين الماضي ، وشبلي الجمل، وقد طالب الوفد بتحقيق وعد بريطانية باستقلال فلسطين، وبذلك عكس مطالب الجماهير على الرغم من تركيبته الطبقية.
وقد وجدت بريطانيا نفسها أمام حركة قومية عربية تنمو باضطراد ، ومنظمة صهيونية ترتبط بالإمبريالية البريطانية ، وقد أصدرت بريطانيا كتابا أبيض في 22 حزيران 1922م ، وقد عزا هذا الكتاب مخاوف العرب إلى التفاسير المبالغ فيها لمعنى وعد بلفور، وقد فسر الكتاب معنى الوطن القومي اليهودي بأنه لا يعني فرض الجنسية اليهودية على العرب، كما أعلنت الحكومة البريطانية في هذا الكتاب عن نيتها في إقامة حكومة ذاتية واسعة بتأسيس مجلس تشريعي يتألف من المندوب السامي رئيسا وعشرة أعضاء منتخبين وعشرة أعضاء معينين .
أما في أمريكا فقد قرر الكونجرس في 30 حزيران 1922 قرار يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على ألا يصاب السكان الأصليون بالضرر، وقد أكد ريتشارد كروسمان أنه وقع حادثان بشرا بنهاية عصر السيادة الأوروبية على العالم، وهذان الحادثان هما: ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى، وشيوع فكرة حق تقرير المصير، وقد صادق مجلس عصبة الأمم على نظام الانتداب في فلسطين.

الفصل الثامن

نظام الانتداب والممارسة الصهيونية

صادق مجلس عصبة الأمم في 24 يوليو " تموز" سنة 1922على نظام الانتداب على فلسطين، وقد سرى مفعول هذا النظام في التاسع والعشرين من أيلول " سبتمبر" سنة 1923م رسميا على فلسطين، وبذلك اكتسبت بريطانيا حقا شرعيا دوليا في فلسطين، وأصبح بإمكانها تنفيذ وعد بلفور باعتباره جزءا من نظام الانتداب، فقد أكد البند "ج" من مقدمة النظام مسئولية يريطانيا عن وضع تصريح بلفور موضع التنفيذ، كما دعا نظام الانتداب في الفقرة 4 إلى الاعتراف بوكالة يهودية تنصح إدارة فلسطين وتتعاون معها في إنشاء وطن قومي لليهود وتحقيق مصالحهم، ودعا في الفقرة 6 إلى تسهيل الهجرة اليهودية ، ونص النظام على ضرورة عدم الإجحاف بالمجتمعات غير اليهودية في فلسطين وصيانة حقوقها المدنية والدينية، وأكد على ضرورة خضوع حقوق غير اليهود لعملية بناء الوطن القومي اليهودي.
وعندما عرض مساعد السكرتير العام ملز سنة 1926م من قابلهم من القوميين العرب( ومنهم رفيق التميمي وعمر الصالح البرغوثي ورشيد الحاج إبراهيم ومعين الماضي) بشأن خلق الظروف لإقامة حكم وطني وإقامة هيئة تمثيلية عربية لتحقيق ذلك، وقد قبل هؤلاء بمبدأ تعيين نصف أعضاء مجلس الأعيان وانتخاب مجلس نواب، كما وافقوا على تعهدات بريطانيا الدولية، واكتفوا بأن ينص الدستور على تحفظ يوضح أن أهالي فلسطين لم يستشاروا فيما اتخذته حكومة بريطانيا من تعهدات بشأن بلادهم .

وجاء جون فيلبي " عبدا الله فيلبي " إلى فلسطين سنة 1929م وتوصل مع وجهاء العرب إلى اتفاق بأن:
1 – تدار فلسطين على أساس نظام جمهوري ديمقراطي.
2 - تكون الهجرة حرة للعرب واليهود مع مراعاة مصالح البلاد.
3 – تكون السلطة التشريعية بيد مجلس ينتخبه المسلمون والمسيحيون واليهود.
4 - تكون السلطة التنفيذية بيد مجلس وزراء فلسطيني من عرب ويهود بموجب نسبتهما ويتم التوظيف حسب النسبة أيضا.
4 – يتحمل المندوب السامي مسئولية الأمن حتى تصبح حكومة فلسطين قادرة على ذلك حسب رأي عصبة الأمم.
5 – يكون للمندوب السامي حق رفض أي قانون يتعارض مع تعهدات بريطانيا الدولية.
وقد مات هذا المشروع قبل أن يصل إلى درجة المباحثات الرسمية، وقد رفض بن جوريون المجلس التشريعي الذي اقترحه الكتاب الأبيض سنة 1930م.
وقد منح نظام الانتداب في الفقرة 25 لبريطانيا حق استثناء الأراضي الواقع شرقي نهر الأردن من تطبيق وعد بلفور عليها.
الصهيونية في الممارسة
يقول هوروفيتس في كتابه" " النضال من أجل فلسطين" إن حدود الوطن القومي لم تتحدد أبدا، وقد وافقه أعضاء الحركة الصهيونية على ما ذهب إليه، وقد تميزت الفترة بين 1929 – 1930 م بما يلي:
1 – يوضح إحصاء 1922 أن عدد العرب 660 ألفا وعدد اليهود 83 ألفا، بينما أصبح العدد سنة 1929م 757 ألف عربي و 164 ألف يهودي.
2 - كان اليهود يحلمون ببلد يفور بالإمكانيات الاقتصادية، لذلك نشأت هجرة مضادة فقد بلغ عدد اليهود الذين غادروا فلسطين سنة 1925م 34 ألفا.
3 – تحولت الهستدروت التي أنشئت سنة 1920 من أداة للنضال الطبقي إلى أداة لتنفيذ سياسة العمل العبري أو عبرنة العمل.
وقد تمحور هدف الاحتلال حول خلق إمكانية أوسع لاستيعاب المهاجرين الجدد وزيادة انعزالية اليهود عن المحيط العربي.
4 – كان الاستيطان الزراعي الصهيوني انعزاليا عن العرب وعلى حسابهم، فقد بلغ عدد المستوطنات سنة 1922م 71 مستوطنة ومساحة الملكية اليهودية 59 ألف دونم ، وقد أصبح عدد المستوطنات سنة 1927م 960 مستوطنة وأصبحت مساحية الملكية اليهودية 903 آلاف دونم ، وذلك عن طريق شراء الأراضي من أسياد الأرض من غير الفلسطينيين ، ويقرر وايزمن في كتابه " التجربة والخطأ " أن المنظمات الصهيونية اشترت 80 ألف دونم في مرج ابن عامر من عائلة سرسق اللبناية على الرغم من وجود قرى عربية عليها تم طرد سكانها منها، وقد أيدت المؤتمرات الصهيونية مبدأ تأميم الأرض باعتبارها أساس الدولة اليهودية في المستقبل وبذلك تكون الصهيونية قد وقفت في مواجهة المد الشيوعي.
5 – تأسيس القوة الصهيونية العسكرية الضاربة( الهاجاناه) التي لم تكن قوة دفاع كما يزعمون بل كانت قوة هجوم بكل ما في الكلمة من معنى، ويعتقد يغئال آلون أن هذه القوة تأسست سنة 1890، ولكن هناك إجماع على أن هذه القوة ( الهاجاناه ) تأسست سنة 1920م تحت إشراف الهستدروت، وقد انتقل الإشراف على هذه القوة إلى المجلس القومي اليهودي سنة 1930م.
6 – اتسع الهجوم الصهيوني ليشمل جميع الجبهات مثل التصنيع وإنشاء شركة الكهرباء التي تأسست في لندن برأسمال مشترك تحت اسم روتنبرغ.

الفصل التاسع

الحركة القومية العربية

شارك ممثلون عن فلسطين في المؤتمر العربي السوري الأول الذي عقد في دمشق في 8/6/2/1919م، وقد عقد الفلسطينيون مؤتمرهم الثاني في دمشق في 27/2/1920م انطلاقا من قناعتهم بوحدتهم مع الحركة القومية العربية في سوريا الطبيعية، وقد انحصرت قراراتهم في:
1 - يعتبر عرب سوريا الشمالية أن سوريا الجنوبية ( فلسطين) جزءا من سوريا.
2 – رفض الهجرة اليهودية ورفض جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود.
3 – المطالبة باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية والمطالبة بخروج المحتلين من لبنان وفلسطين.
وقد عمق شعور الفلسطينيين بالخطر التناقض الواضح بين الإقليمية والعروبة، وقد قرر المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث الذي عقد في حيفا في 14/12/1920م رفض وعد بلفور والمطالبة بمنع الهجرة وبإنشاء حكومة قومية في فلسطين، وانتخب المؤتمر لجنة تنفيذية يرئاسة موسى كاظم الحسيني لقيادة الحركة القومية في ذلك الوقت، وعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الرابع في القدس في 25/6/1921م ، وقرر المؤتمر:
1 – مقاطعة الاشتراك في انتخابات المجلس التشريعي.
2 – رفض القرض الذي تنوي الحكومة عقده لتطوير البلاد .
3 – مقاطعة اليهود.
4 – فرض ضريبة على كل أبناء فلسطين للدفاع عن قضية البلاد.
5 – إرسال بعثة إلى جزيرة العرب.
6 – تأسيس مكتب دعاية في لندن .
كما وضع المؤتمر ميثاقا أصبح دستورا للحركة القومية في مسيرتها، وقد حدد هدفه بتحقيق الاستقلال ورفض الوطن اليهودي والهجرة الصهيونية، وقد تكونت قيادة المؤتمر من أسياد الأرض من أبناء العائلات الإقطاعية( الحسيني والنشاشيبي وعبد الهادي والتميمي والماضي)، ولم تعكس هذه القيادة القوى المتضررة من السياسة البريطانية والصهيونية، وقد لعبت بريطانيا دورا مهما في ترسيخ مواقع أسياد الأرض وكبار التجار في قيادة الحركة القومية، فعينت الحاج أمين الحسيني مفتيا للقدس على الرغم من أنه لم يحصل على المرتبة الأولى عند التصويت، بل عينه المندوب السامي هربرت صموئيل بعد أن عفا عنه وألغى حكما غيابيا عليه بالسجن مدة خمسة عشر عاما باعتباره أحد قادة حوادث عام 1920 الدامية، كما عينه رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى سنة 1922م ، كما عينت سلطات الانتداب راغب النشاشيبي رئيسا لبلدية القدس وذلك لإذكاء الصراع بين العائلتين، فقد كانت عائلة الحسيني أقل مهادنة للاحتلال من عائلة النشاشيبي لأن التجار يميلون إلى مهادنة الاحتلال، وقد أضر الخلاف بين العائلتين بالقضية الوطنية،وقد أدى الخلاف إلى إقحام الدين في المعركة فأقام المجلسيون حكومة إسلامية واستخدموا الدين لإضعاف مواقع خصومهم، ومما قوى هذا الاتجاه الديني اعتماد الحركة الصهيونية على الدين في بناء أيديولوجيتها، فقد وقعت أحداث 1929م بسبب خلاف نشأ حول حائط المبكى الذي يعتبره المسلمون جزءا من باحة مسجد الصخرة، بينما يعتبره اليهود من بقايا هيكل سليمان، وهكذا ظهرت الحركة القومية العربية وكأنها ضد اليهود وليست ضد الإمبريالية البريطانية وأعوانها من الصهاينة.
ومع مرور الزمن اتسعت الطبقة العاملة في فلسطين بسبب اتساع النشاط الاقتصادي وشاركت المرأة الفلسطينية في الحركة القومية العربية، فقد عقدت النساء أول مؤتمر لهن في 26/10/1929م في القدس ودعون إلى تنشيط الصناعة والتجارة الوطنية وتقوية الروابط الاقتصادية مع سوريا.

سياسة الحركة القومية ومواقفها

اتصل الوفد العربي الفلسطيني الأول أثناء وجوده في أوروبا بوفد الاتحاد السوري في 25/8/1922م وتمت صياغة مطالب الحركتين وتقديمها إلى رئيس عصبة الأمم، وتتلخص هذه المطالب في :
1- الاعتراف باستقلال سوريا ولبنان وفلسطين.
2 - الاعتراف بحق هذه البلدان في الوحدة، وأن تتحد مع سائر الأقطار العربية على شكل ولايات اتحادية.
3 – إلغاء الانتداب حالا.
4 – جلاء الفرنسيين والإنجليز عن سوريا ولبنان وفلسطين.
5 – إلغاء وعد بلفور.
وقد اقترح ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني على الوفد الفلسطيني سنة 1922م إقامة مجلس تشريعي يتكون من 11 عضوا تعينهم الحكومة و12 عضوا منتخبين منهم عشرة من العرب واثنان من اليهود، ولكن الفلسطينيين رفضوا الاقتراح بتأييد من العرب.

الفصل العاشر

حوادث 1929 م الدامية

عقدت الحركة القومية العربية مؤتمرها السايع في شهر يونيو حزيران 1928م بحضور 250 مندوبا يمثلون جميع المناطق والأحزاب، وقررت المطالبة بحكومة برلمانية والاحتجاج على كثرة الموظفين الإنجليز في الحكومة والاحتجاج على تفضيل العمال اليهود على العمال العرب في الأشغال الحكومية، والمطالبة بوقف سن القوانين إلى حين تشكيل الحكومة البرلمانية.
بداية التغيير
تضاعف عدد اليهود في فلسطين سنة 1928م ثلاث مرات عما كان عليه في نهاية الحرب العالمية الأولى حيث وصل إلى مائة وخمسين ألفا، كما تضاعفت مساحة الملكيات اليهودية حيث ارتفعت من 420 ألف دونم سنة 1914 – 1918م إلى حوالي مليون دونم، وأصبح احتلال العمل مبدأً من مبادئ الكيبوتسات كما أقرها مجلس توحيدها في بيتح تكفا في 5/8/1927م، وكان ذلك أبرز حدث في الحركة الصهيونية في عام 1929م، وقد دعا المؤتمر الصهيوني العالمي في كارلسباد بين 6 – 8 آب 1923م لجنته التنفيذية إلى العمل على إقامة مؤتمر يهودي عالمي بدلا من الوكالة اليهودية، وقد أيد المؤتمر التالي الذي عقد في فينا في آب 1925 هذه الدعوة، ولعل قيام الوكالة اليهودية وازدياد الفقر بين الفلاحين العرب هو الذي أدى إلى أحداث 1929م الدامية، وقد قام البريطانيون بدور خبيث لتأجيج الصراع بين العرب واليهود استنادا إلى مبدأ فرق تسد، وقد نشب خلاف حول ملكية حائط المبكى الذي يعتبره اليهود جزءا من الحائط الخارجي للهيكل القديم، بينا يعتبره المسلمون ملكا للمسلمين منذ الفتح الإسلامي ويحتفظون بصكوك تؤكد ملكيتهم لهذا الحائط ( حائط البراق)، وقد تظاهر اليهود يوم 9/8/1929م في تل أبيب وهتفوا: " الحائط حائطنا"، وتظاهر هؤلاء مع يهود القدس في اليوم التالي في القدس، وعلى الأثر قام المسلمون بمظاهرة صاخبة وصلت حائط البراق (المبكى عند اليهود) وقلبوا طاولة الشماس وأخرجوا الاسترحامات التي وضعها المصلون اليهود في شقوق الحائط ومزقوا ثياب الشماس وتفرقوا عائدين إلى بيوتهم، وقد انتهت هذه المظاهرات بسلام ، إلى أن قام شاب عربي بطعن شاب يهودي في محلة البخارلية في القدس، حيث وقعت مشاجرة بين العرب واليهود بعدها في اليوم نفسه 17 /8/ 1929م جرح فيها أحد عشر يهوديا وخمسة عشر عربيا، وفي 23 /6/ 1929م سرت إشاعة تقول إن اليهود قتلوا عربيين، فهاجت خواطر العرب وسرى الهياج إلى القرى المجاورة وإلى مدن يافا وحيفا وصفد والخليل حيث تحولت الاضطرابات في الخليل إلى مذبحة ضد اليهود قتل فيها ستين يهوديا، وقد قتل اليهود إمام مسجد أبو كبير في يافا وجمبع أفراد أسرته، وانتهت الاضطرابات في 29/8/1929 في صفد حيث قتل العرب 45 يهوديا وقتل عدد غير محدد من العرب، وقد ادعى اليهود أن الحاكم البريطاني كيث روش بضعفه وتراجعه أمام العرب شجعهم على التمادي في تجاوزهم حقوق اليهود في حائط المبكى، وقد وصفت الدوائر الصهيونية حوادث عام 1929م بالإجرام ووصفوا من اشتركوا فيها بالمجرمين والقتلة، وقد أدان المندوب السامي جون شتانسلور والإدارة البريطانية العرب واستغلت هذه الأحداث لضرب مطالب العرب في فلسطين، علما بأن هذه المظاهرات لم تكن عنصرية بل كانت ضد الإمبريالية البريطانية التي تحاول طمس الهوية العربية لفلسطين لكي تحل محلها قومية يهودية لا وجود لها.، وقد قيم الشيوعيون اليهود والعرب هذه الحوادث بأنها انتفاضة قومية مما أدى إلى إثارة غضب القيادة الصهيونية التي اتهمتهم بالعمالة للأممية الثالثة وموسكو.

الفصل الحادي عشر

الكتاب الأبيض والحركة القومية العربية

اعتبرت لجنة شو أن مخاوف العرب ناجمة عن شراء اليهود للأراضي الخصبة وخصوصا أرضي عائلة سرسق اللبنانية في فلسطين مما سيزيد من الضغط الاقتصادي على السكان العرب، وقد أدت البيوع التي وقعت بين 1921 – 1929م إلى طرد عدد كبير من العرب من أراضيهم ، وقد أوصت لجنة شو بما يلي:
1 – أن توضح بريطانيا موقفها دون تأجيل وأن تحدد معنى الفقرات الخاصة بحماية الأقليات غير اليهودية.
2 – أن تعيد بريطانيا النظر في تدفق الهجرة بحيث لا تتكرر الهجرة الزائدة كما حدث في عامي 1925 ، 1926م ، وأن تتشاور مع ممثلي غير اليهود.
3 – اتباع أساليب علمية لزيادة مساحة الأراضي الزراعية.
4 – التأكيد على بيان 1922 م الذي ينص على أن المكانة الخاصة للمنظمة الصهيونية لا تمنحها حق المشاركة في حكومة فلسطين.
وقد أكد جون هوب سمبسون في تقريره في أكتوبر 1930 على وجود أزمة زراعية فلسطين، حيث أكد أن مساحة الأراضي الزراعية هي 6544000 دونم وليس 16000000 دونم كما يزعم الصهاينة، ولذا فإن عدم تطوير أساليب الري والزراعة فلن يكون هناك مكان لمستوطن آخر (أي أنه يفكر في استمرار الهجرة إلى فلسطين وليس حبا في العرب) ، وقد لاحظ سمبسون أن تملك اليهود للأراضي الزراعية لا يعني خسارة في ملكية العرب لهذه الأراضي وإنما يعني خسارة في ميدان العمل، فقد نجمت الأزمة الزراعية في فلسطين عن الملكيات الكبيرة وتخلف وسائل الإنتاج، وقد تحالف الإقطاع العربي في فلسطين مع الصهاينة بسبب توافق المصالح فيما بينهم، لأن الإقطاعيين العرب أرادوا بيع إقطاعياتهم والتخلص من المزارعين العرب ومن حقوقهم المعروفة، وقد اشترى الصهاينة هذه الأراضي وشردوا الفلاحين منها.
وقد لاحظ سمبسون انتشار البطالة بين العرب، فقد قال إنه من الخطأ أن يأتي يهودي من بولونيا أو ليتوانيا أو اليمن ليملأ مكانا شاغرا في حين أن هناك عاملا محليا يمكن أن يملأه، ولكنه أبدى في الوقت نفسه تفهما للموقف الصهيوني حين قال إن رأس المال اليهودي لن يأتي إلى فلسطين لتشغيل العمال العرب، وبذلك يكون سمبسون قد دعم مبدأي الحركة الصهيونية القائمين على احتلال الأرض واحتلال العمل.

الكتاب البيض لعام 1930

توجه وفد عربي إلى لندن لعرض مطالب الشعب العربي بهدف منع البيوع ووقف الهجرة ومنح الدستور، وقد ضم الوفد عناصر تقليدية وجمع بين جناحي الحسيني والنشاشيبي، وقد أخفق الوفد في تحقيق مطالبه، فقد رفضت الحكومة البريطانية التغييرات الدستورية الشاملة التي يطالب بها في بيان صدر في 13 نيسان 1930م، وقد أصدرت الحكومة بيانا آخر في 20 آيار سنة 1930م أكدت فيه على التزاماتها المترتبة عليها بموجب صك الانتداب، وتطرق البيان إلى مهمة سمبسون وتعهدت باتخاذ إجراءات سريعة لحماية مصالح الطبقة الزراعية وأكدت أنه لا مبرر للمخاوف على كيان الشعب العربي في فلسطين، وهددت بمعاقبة من يخلون بالنظام.
كان الكتاب الأبيض رفضا لمطالب العرب الاستقلالية، وقد شمل الكتاب وعدا بالسير في مسألة منح فلسطين درجة من الحكم الذاتي لمصلحة جميع السكان، وقد فسرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض في رسالة بعثت بها إلى حاييم وايزمن في 13 فبراير سنة 1931م ألغت ما جاء في الكتاب الأبيض وأكدت على أن الوطن القومي اليهودي هو دعم لمواقف بريطانيا في العالم العربي، وقد أعلنت الرسالة عن وجود أراض للاستيطان الصهيوني ، ووافقت على استمرار سيل هجرة العمال اليهود للعمل في منشآت رأس المال اليهودي، مما استفز العرب ضد الانتداب البريطاني.

التحول في الحركة القومية العربية

كان هناك تياران عربيان بعد سنة 1931م ، تيار يغلب الطابع الديني على الحركة القومية العربية ويجعل الصراع صراعا دينيا، وتيار ثان يستبعد النظرة الدينية ويتجاوز المعركة الجانبية التي حصرت الصراع بين العرب واليهود على اعتبار أن المعركة الجوهرية هي بين العرب والإمبريالية البريطانية التي سخرت الحركة الصهيونية لخدمتها، وقد تمثل التيار الإسلامي في المؤتمر العام الذي انعقد في القدس في 7/12/1931م،وقد جمع هذا المؤتمر ممثلين من أكثر من عشرين قطرا من رجال دين ودنيا ممن يمثلون حركات أو اتجاهات مغرقة في الرجعية، وركز على التعاون بين المسلمين وحماية المصالح والمقدسات الإسلامية وإنشاء جامعات لتوحيد الثقافة الإسلامية، وقد تجاهل بذلك اليقظة القومية العربية وحاول إخضاعها لفكرة الجامعة الإسلامية، ولم يتعرض للنضال الاستقلالي واكتفى بإعلان استنكاره لأي نوع من أنواع الاستعمار بما فيه الاستعمار الروسي، كما ركز على الدعوة إلى مقاومة الإلحاد وصد الغارة على الدين، أما دعوته لإنشاء الجامعة الإسلامية في القدس وإقامة شركة لإنقاذ الأراضي العربية في فلسطين وتأسيس شركة زراعية كبرى فقد ذهبت أدراج الرياح، وتمثل التيار الثاني في المؤتمر الأول الذي عقده الشباب العربي في يناير سنة 1932، بعد أن اكتشف المشاركون منهم في المؤتمر الإسلامي ضيق أفق المشاركين في هذا المؤتمر، وقد تألف هذا المؤتمر من أبناء فلسطين وصدر عن مفاهيم قومية عربية، وقد أكد المؤتمر على أن البلاد العربية وحدة واحدة وأن الأمة العربية ترفض التجزئة، ودعا إلى تكريس الجهود لمقاومة الاستعمار في كل الأقطار العربية، وقد تغير المناخ السياسي في فلسطين بعد سنة 1931م نتيجة عوامل موضوعية وذاتية، وقد تمثلت العوامل الموضوعية في:
1 – بطء نمو البرجوازية الفلسطينية التي اكتشفت أن الطريق مسدود أمامها من طرف بريطانيا والصهيونية، فأنشأت البنك العربي سنة 1930م وأخذت تعد العدة لإنشاء بنك زراعي صناعي.
2 – استمرار إجلاء الفلاحين العرب عن الأراضي التي باعها الإقطاعيون للهيئات الصهيونية، فقد تم إجلاء عرب وادي الحوارث من الأراضي التي كانوا يعملون فيها ومساحتها أربعين ألف دونم ، وبلغ عدد الفلاحين الذين أصبحوا بلا أرض 86980 عائلة من العائلات العربية .
3 – نمو الطبقة العاملة العربية تنظيميا ، فقد عقد مؤتمر العمال العرب الأول سنة 1930م يدعوة من جمعية العمال العربية الفلسطينية التي تأسست في حيفا سنة 1925م .
وقد حركت هذه العوامل قوى وطنية وساعدتها على الرؤية الصحيحة فبدأت تتنظم ، وقد أكد المفكرون العرب على أن يكون النضال في المرحلة الجديدة موجها ضد الإنجليز باعتبارهم المسئولين عن السياسة التي تهدف إلى إبادتهم.

الفصل الثاني عشر

هبة 1932م

حاول الإقطاعيون العرب حماية مصالحهم عن طريق التعاون مع الإمبريالية التي قامت بإجلاء الفلاحين العرب بالقوة عن أراضي وادي الحوارث من مرج ابن عامر التي باعها آل التيان اللبنانيين للمنظمات الصهيونية سنة 1929م، وقد أدت المعركة التي دارت بين الفلاحين والشرطة إلى سقوط عدد من القتلى وتشريد 1500 مزارع، وقد استمرت حوادث العنف في الريف، فقد تم إبعاد عرب الزبيدات عن أراضيهم في الحارثية قرب حيفا بعد أن باعها أصحابها للمنظمات الصهيونية، وقد وقع 46 إضرابا في المدن اشترك فيها 4000 عامل عربي بين سنوات 1930 و 1935، أما إضرابات العمال اليهود فقد بلغ عدها بين 1932 – 1935 م 55 إضرابا اشترك فيها 1323 عاملا، وقد حدث تعاون عربي يهودي في مجال النضال الاجتماعي ، فقد أضرب 3000 سائق عربي ويهودي لمدة أسبوع سنة 1931م احتجاجا على رفض الحكومة تخفيض ضريبة الوقود والرسوم.

وقد توسع المندوب السامي البريطاني السير آرثر والكهوب سنة 1931م في خطة تعيين أبناء الأسر المعروفة من مجلسيين ومعارضين، وقد بلغ عدد الذين هجروا من أراضيهم من المزارعين العرب 180 ألف مهاجر، مما أدى إلى نشأة الأحزاب ، وكان أولها حزب الاستقلال في شهر آب سنة 1932م الذي انتمت إليه الحركة القومية العربية" جمعية العربية الفتاة " وحدد الحزب هدفه في مقاومة الاستعمار الذي جلب النكبات على البلاد لتحقيق الاستقلال، وقد تكون الحزب من مثقفين عرب وأبناء إقطاعيين متنورين وبرجوازيين ، وكان الحزب يندد في لقاءاته الشعبية بالنير البريطاني، وقد رفع الحزب شعاراته الثلاثة: وقف بيع الأراضي، ووقف الهجرة وتسليم أبناء البلاد الحكم وتحقيق استقلال فلسطين، وقد فشل الحزب تنظيميا حيث تمت تصفية نشاطه بعد حوالي سنة ونصف بسبب مقاومة بريطانيا له وقلة المال والشروط المشددة للعضوية فيه، ولكنه ترك بصمة واضحة على بقية الأحزاب التي تبنت خطه السياسي، وقد تأسست سائر الأحزاب بعد هبة سنة 1932م ، فتأسس الحزب العربي الفلسطيني في 24 / 4 / 1935م برئاسة جمال الحسيني الذي ينتمي إلى عائلة إقطاعية تعاون بعض أفرادها مع الانتداب البريطاني، وقد دعا إلى استقلال فلسطين وارتباطها بالبلاد العربية في وحدة قومية سياسية مستقلة استقلالا تاما، وتأسس حزب الإصلاح في 18/6/1935م برئاسة الدكتور حسين فخري الخالدي الذي تولي رئاسة بلدية القدس، وحدد أهدافه في استقلال فلسطين ضمن الوحدة العربية واعتبار فلسطين جزءا من القضية العربية الكبرى، أما حزب الكتلة الوطنية الذي تأسس في نابلس في 4/10/1935م برئاسة عبد اللطيف صلاح، فقد أكد على استقلال فلسطين مع المحافظة على عروبتها ضمن الوحدة العربية، كما تأسس حزب الدفاع الوطني برئاسة راغب النشاشيبي الذي انتهج سياسة المهادنة مع الإمبريالية البريطانية، وقد اعتمد حزب الإصلاح وحزب الكتلة على المثقفين من أبناء الفئات الوسطى على الرغم من كون عائلة الخالدي من العائلات الإقطاعية، وكان هناك الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي جمع بين صفوفه الشيوعيين العرب واليهود بعد أن اكتشف هؤلاء اليهود حقيقة الحركة الصهيونية، وقد دعا هذا الحزب إلى النضال ضد الإمبريالية البريطانية والحركة الصهيونية وأيد النضال القومي العربي بقدر توجهه في النضال ضد بريطانيا ودعا الجماهير اليهودية لتأييد هذا الكفاح، وقد تعاونت قيادة الحركة الصهيونية مع بريطانيا ضد هذا الحزب ومطاردة أعضائه اليهود، وقد تمت محاكمة أعضاء الحزب من اليهود لمعارضتهم فكرة احتلال العمل وطرد العمال العرب من المشاغل اليهودية، وقد جرت المحاكمة في نتسيونا في مارس 1932م وكان بن غوريون هو النائب العام ، وقد اعتبر المحامي الشيوعي الذي دافع عن المتهمين أن طرد العمال العرب معركة سافلة وعمل إجرامي، وقد تعرض الحزب لقمع الأجهزة الانتدابية، ومع ذلك نجح في إصدار مجلة أور العبرية ومجلة نور بالعربية لفترة قصيرة.

الوطن القومي اليهودي

دخل إلى فلسطين حوالي 150 ألف مهاجر يهودي بين 1932م – 1935م ، وبذلك تضاعف عدد اليهود أربع مرات عما كان عليه في نهاية الحرب العالمية الأولى ووصل إلى حوالي 350 ألفا، وأصبح سنة 1936م 470 ألفا، كما ارتفع عدد الدونمات التي صارت في حوزتهم إلى أكثر من 544 ألف دونم سنة 1925م ، وإلى 1332000ألف دونم سنة 1936م، وأصبح عدد المستوطنات الزراعية 203 مستوطنات يعمل ويعيش فيها 97000 ألف إنسان، كما ارتفع عدد سكان الريف اليهود من 50 ألفا إلى 90ألفا بين 1923م – 1935م، وقد أسست الوكالة اليهودية مكاتب لها في برلين لتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، وقد تعاونت هذه الوكالة تعاونا وثيقا مع النازية، كما استثمرت الصناديق القومية اليهودية في فلسطين مبلغ 14 مليون جنيه( حوالي 40 مليون دولار،) بينما استثمرت الشركات الخاصة والأجنبية والمحلية 63 مليون جنيه ( حوالي 180 مليون دولار) استثمر نصفها في النشاط الصناعي والزراعي، فقد تأسست بين 1920 - 1935م 4157 منشأة منها 1246 منشأة صناعية، 2911 منشأة صناعية يدوية، وارتفع عدد العمال اليهود إلى 32 ألف عامل يعيلون 80 ألف إنسان، أما قوة الهاجاناه الضاربة فقد بلغت عشرة آلاف محارب من الصف الأول، مع احتياطي يتألف من أربعين ألف مقاتل، وقد نشأ صراع طبقي بين حزب الإصلاحيين اليميني وبين منظمات العمال اليهودية وأهمها حزب ماباي بسب اختلاف الخط السياسي لكل من الاتجاهين، وقد حاول بن غوريون أن يتفاهم مع الإصلاحيين بقيادة جابوتنسكي فاجتمع الاثنان في لندن في أكتوبر 1934م واتفقا على توحيد الحزبين ولكن أعضاء الحزبين رفضوا الاتفاق فتعمق الصراع بينهما مما أدى إلى انسحاب جابوتنسكي من المؤتمر الصهيوني سنة 1934م ، وانتخب بن غوريون رئيسا للجنة التنفيذية الصهيونية وللوكالة اليهودية؛ فدخلت الحركة الصهيونية طريقا أعنف ضد القلسطينيين ، وقد اكتشفت بريطانيا أن دعمها ل 200 ألف يهودي في فلسطين يدعمهم يهود العالم أهم لديها من ملايين العرب في الشرق الأوسط ، وكانت ترى أن تشديد الصراع العربي اليهودي يؤدي إلى توطيد مواقعها.

الفصل الثالث عشر

ثورة 1936م

اجتاحت العالم العربي موجة ثورية سنة 1935 – 1936، في الوقت الذي اشتد فيه ضغط يهود أوروبا على فلسطين، فقد وقعت مصر على معاهدة 1936م التي اعترفت باستقلال مصر وإنهاء الاحتلال العسكري البريطاني لها، والسماح لها بالانضمام إلى عضوية عصبة الأمم ، وذلك بعد تكوين جبهة وطنية في 10 ديسمبر سنة 1935م واندلاع مظاهرات عنيفة اجتاحت المدن المصرية وسقط فيها قتلى وجرحى.
كما جرت انتفاضة في سوريا بدأت بمظاهرة في دمشق في 19 يناير سنة 1936م فوقعت صدامات مع الجيش الفرنسي، تلا ذلك إضراب عام أعلنته الحركة القومية في 20 يناير 1936 ، وقد استمر الإضراب مدة خمسين يوما وشمل كافة المدن السورية، وانتهى الإضراب بعد أن تعهدت فرنسا بإعادة الحياة النيابية، وعقد اتفاق مع حكومة قومية ينص على استقلال البلاد.
وقد ساعدت أحداث مصر وسوريا على وقوع ثورة 1936 في فلسطين، كما ساعد التوتر الدولي في البحر المتوسط على انفجار الثورة في فلسطين بسبب اتساع نطاق البطالة التي امتدت إلى الوسط العربي، وبسبب الإبطاء في صناعة مواد البناء، كما كان من أسباب هذه الثورة ازدياد معدل الهجرة اليهودية حيث وصل إلى 61854 مهاجرا سنة 1935م، وتجميد بريطانيا مشروع المجلس التشريعي، ففي 25 نوفمبر 1935م قدم زعماء الحركة القومية مذكرة إلى المندوب السامي طالبوا فيها بإنشاء حكومة نيابية في فلسطين، ووقف الهجرة اليهودية ومنع بيوع الأراضي، وقد أعلنت بريطانيا عن استعدادها لوضع تشريع يمنع بيع الفلاح أي جزء من أرضه إلا إذا أبقى المزارع حدا أدنى من الأرض يسمح له بإعالة أسرته، على أن تستثني من التشريع قضاء بئر السبع ومناطق المدن والأراضي المغروسة بالحمضيات، وقد عرضت بريطانيا اقتراحا بأن يتكون المجلس التشريعي من 28 عضوا، منهم خمسة موظفين بريطانيين، واثنان من التجار، و11 مسلما ثمانية يتم اختيارهم بالانتخاب، وثلاثة يعينهم المندوب السامي، وسبعة يهود، ثلاثة بالانتخاب وأربعة يعينهم المندوب السامي، وثلاثة مسيحيين، ويكون الرئيس محايدا، ولا يحق للمجلس مناقشة شرعية الانتداب، وللمندوب السامي حق إصدار التشريعات فيما يتعلق بالهجرة والأراضي، وقد رفض العرب واليهود المشروع لأسباب مختلفة.
حركة القسام والإضراب العام
نشأ في فلسطين تنظيم سري مسلح في عزلة عن القيادة القومية التقليدية بعد أن كفر بأساليبها، وقد عمل التنظيم بين العمال والفلاحين، وقد اصطدمت مجموعة مسلحة بقيادة عز الدين القسام مع قوة بريطانية في 11 تشرين أول سنة 1935م، وقد قتلت القوة البريطانية أربعة من المجموعة على رأسهم قائد المجموعة عز الدين القسام، وقد اتسمت أهداف هذه الحركة بالوضوح؛ فقد اعتبرت أن بريطانيا هي العدو الجوهري وبذلك خلت من الملامح الرجعية التي كانت تخلط بين الصهيونية واليهود.
وقد وقع حادث سطو عادي على طريق نابلس – طولكرم قتل فيه يهوديان في 15 أبريل سنة 1936م، فقام اليهود بقتل عاملين عربيين في كوخ على طريق بيتح تكفه – كفار سابا قي 16/4/1936م، وبحلول يوم الأحد 19/4/1936م أضربت يافا إضرابا عفويا نجم عن الاحتكاك والتوتر في المنطقة المشتركة بين يافا وتل أبيب، وقد تحول الإضراب العفوي إلى إضراب واع شمل عمال الميناء في اليوم التالي، وقد أعلنت قيادة الأحزاب القومية الإضراب العالم في جميع أنحاء البلاد، وتشكلت على الأثر في 25/4/1936م الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني، وكان عوني عبد الهادي أمينا لسر هذه الهيئة وعضوية سائر قادة الأحزاب، وقد تطابقت شعارات الهيئة مع شعارات الحركة القومية، واتسع الإضراب ليشمل المحامين والأطباء، وقام الشعراء بدور بارز في التعبئة الثورية الواعية، فقد نسفت القوات العربية المسلحة 48 جسرا، وقطعت أسلاك التليفون والكهرباء 300 مرة، وعطلت القطارات 22 مرة، ونسفت خطوط السكة الحديد 120 مرة.

الفصل الرابع عشر

تطورات الثورة واللجنة الملكية

فوجئت الزعامات التقليدية بموجة الإضرابات التي اجتاحت فلسطين، كما فوجئت حين رافق الإضراب الكفاح المسلح، فقد كانت الثورة من صنع الفئات الشعبية، ومع ذلك نجحت القيادة التقليدية التي توحدت في الهيئة العربية العليا في تسلم زمام القيادة السياسية والقيادة العسكرية بدرجة أقل.
وقد بلغ عدد القوات البريطانية في فلسطين عشرين ألفا حسب الإحصاءات الرسمية، وخمسة وعشرين ألفا حسب تقدير الكتاب العرب، وقد تعاونت مع هذه القوة قوات البوليس العادي والبوليس الإضافي الذي تم تجنيده من بين صفوف الهاجاناه، ومع ذلك لم تستطع هذه القوة القضاء على الثورة المسلحة مع أنها قتلت حوالي ثلاثة آلاف شهيد، وقد فرضت بريطانيا الأحكام العرفية في 30/9/1936م، فانتشرت الغرامات الجماعية ومهاجمة القرى وضربها بالرصاص ونسف البيوت في ذلك الوقت.

التضامن العربي

شارك المتطوعون العرب من سوريا والعراق في ثورة 1936م، كما اهتمت الدول العربية بالخلاف الناشب في فلسطين، فقد زار نوري السعيد وزير خارجية العراق فلسطين والتقى بقيادة الحركة القومية والمندوب السامي البريطاني، وحقق اتفاقا بين هذه القيادة وبين الإدارة البريطانية ينص على وقف الإضراب أولا، على أن توقف الحكومة البريطانية الهجرة اليهودية مؤقتا إلى أن تضع اللجنة الملكية تقريرها، وتقوم الدول العربية الثلاثة ( العراق والسعودية واليمن ) وإمارة شرق الأردن بالسعي لدي بريطانيا لإنجاز مطالب فلسطين، وأن تتم عملية تصفية الثورة مقابل إلغاء الغرامات ووقف عمليات التفتيش، وقد تدخلت هذه الدول بعد أن استنجد بها أصحاب البيارات لإنقاذ موسم البرتقال بوقف الإضراب، وقد أيدتهم البورجوازية التجارية في مطلبهم لأنها أصيبت بالأضرار، ونشط الملوك بإيعاز من بريطانيا لأن الثورة أحرجت بريطانيا سياسيا وعسكريا في فترة احتدام الصراع مع النازية والفاشية.
وقد ثارت القيادة الصهيونية ضد مقترحات نوري السعيد، مما جعل وزير المستعمرات البريطاني يرسل رسالة إلى حاييم وايزمن يؤكد له فيها أن المندوب السامي لم يفوض نوري السعيد لأن يعد بالخطوات التي ستلي وقف الإضراب، وقد أدى ذلك إلى إخفاق التسوية واشتداد الثورة وإجراءات القمع ضدها، ولكن الهيئة العربية العليا طلبت من جماهير فلسطين الالتزام بالهدوء بناء على طلب ملك العراق وملك السعودية وأمير شرق الأردن.
الوطن القومي
ساهمت الفرق الطائرة أو فرق الليل الخاصة بتصديها للقرق العربية في تغيير الوضع لصالح بريطانيا، وقد كانت الصهيونية تختار مواقع المستوطنات في الريف لمزاياها العسكرية، ولكنها اتخذت نهجا جديدا في عام 1936م فبنت 55 مستوطنة محاطة بسور من جميع الجهات وفي وسطها برج للمراقبة، وقد اقترح بن غوريون على موسى العلمي في عام 1934م تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة في مقابل قبول العرب بدولة يهودية في فلسطين وشرق الأردن، ولكن موسى العلمي اعترض بأن شرق الأردن دولة عربية.

مواقف متناقضة

وصلت لجنة التحقيق الملكية برئاسة إيرل بيل إلى فلسطين للبحث في أسباب الاضطرابات التي وقعت في فلسطين، وقد أكدت الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني أن قضية فلسطين قضية قومية استقلالية وطالبت بضرورة العدول عن فكرة الوطن القومي اليهودي، كما طالبت بوقف الهجرة ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود، وبحل قضية فلسطين بالطريقة التي حلت بها قضية العراق وسوريا ولبنان، أما المطالب الصهيونية فقد عرضها وايزمن وجابوتنسكي وطالبوا بدولة بأكثرية يهودية في فلسطين، وحددا فلسطين بالمناطق القائمة على ضفتي نهر الأردن، كما اقترحا أن تمكن بريطانيا اليهود من إنشاء قوة مسلحة تستطيع حماية الأمن، وقد فاتحت اللجنة وايزمن سرا بفكرة تقسيم فلسطين، وقد ناقش وايزمن المتدينين في ذلك وأوضح لهم أن عليهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرض إسرائيل.

قرار اللجنة الملكية

تلخص مشروع اللجنة بإنهاء الانتداب البريطاني وإقامة دولتين في فلسطين يهودية على الساحل الذي تتجمع فيه المستوطنات اليهودية، وعربية في القسم المخصص للعرب وفي شرق الأردن، واقتطاع أجزاء من البلاد ( منطقة القدس والناصرة وطبرية )، ووضعها تحت سلطة الانتداب باعتبارها أماكن مقدسة، وقد أثار التقرير موجة احتجاج بين العرب واندفعت الحركة القومية العربية إلى مرحلة جديدة.

الفصل الخامس عشر

أصداء التقرير والكتاب الأبيض

تميزت حكومة حكمت سليمان في العراق ببعض الملامح الإيجابية المعادية للإمبريالية، وقامت حكومات قومية في سوريا ولبنان، كما اكتشفت مصر عروبتها ونشطت في حركة النضال العربي، وقد أبرزت الحكومة السورية في مذكرتها إلى قناصل الدول أن التقسيم سيؤدي إلى جلاء العرب عن بلادهم وستستمر الخصومات ويضطرب الأمن في المشرق العربي، وقد عقد في القاهرة في صيف 1938 بمبادرة من لجنة برلمانية مصرية، مؤتمر برلماني عربي في القاهرة اشترك فيه نواب من مصر وسوريا ولبنان والعراق، وقرر المؤتمر تأييد مطالب الحركة القومية العربية في فلسطين بتأليف حكومة قومية مستقلة ووقف الهجرة ومنع بيوع الأراضي.
وقد نهضت الحركة النسائية في العالم العربي، وتم عقد مؤتمر نسائي حضرته ممثلات عن المنظمات النسائية في مصر وسوريا ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن والعراق، واستنكر المؤتمر مظالم بريطانيا في فلسطين.
وقد تبين أن مخاوف السعوديين من ازدياد نفوذ الهاشميين كان من العوامل التي أدت إلى مقاومتهم التقسيم، وقد تحركت جماهير الأردن وأعربت عن تأييدها للشعب الفلسطيني، وتم تفجير أنابيب بترول نفط العراق.

الحركة القومية في فلسطين

انسحب ممثلو حزب الدفاع من الهيئة العربية العليا احتجاجا على الاغتيالات السياسية، واتهموا المفتي بتنظيم هذه الاغتيالات، مما أدى إلى تجزئة الحركة القومية في فلسطين بعد أن توحدت تحت ضغط الجماهير، وقد رفضت الحركة القومية العربية مشروع التقسيم بكافة اتجاهاتها، كما رفضته الهيئة العربية العليا في بيان أذيع في 9/7/1937م على أساس أن فلسطين تخص العالمين العربي والإسلامي وليس شعب فلسطين فقط.
وقد نجحت الثورة في تحرير بعض المدن والمناطق( نابلس، جنين، طولكرم، القدس) لفترة قصيرة وأقامت فيها إدارات محلية، وأصبح القضاء من اختصاص محاكم أقامتها الثورة، وقد أساء انحياز الحاج أمين الحسيني إلى المحور الألماني الإيطالي إلى الثورة الفلسطينية، مما ساعد الحركة الصهيونية على تشويه سمعة الثورة وسمعة الشعب الفلسطيني واتهامه بأنه تحارب من أجل ألمانيا وإيطاليا لا من أجل استقلاله، وقد أعلنت بريطانيا الهيئة العربية العليا هيئة غير مشروعة، واعتقلت المئات ونفت الزعماء البارزين إلى سيشل ومنهم: الدكتور حسين الخالدي، وفؤاد سابا ورشيد الحاج إبراهيم ويعقوب الغصين، وقد هرب المفتي وجمال الحسيني من البلاد، كما نفذت حكم الإعدام في أكثر من مائة عربي.

موقف القيادة الصهيونية

رحبت القيادة الصهيونية بمشروع التقسيم على أساس أن إقامة الدولة اليهودية على جزء من أرض فلسطين سيكون خطوة أولى لتحويل فلسطين كلها إلى دولة يهودية، وقد اعتبر وايزمن أن التعاون مع بريطانيا هو حجر الأساس في السياسة الصهيونية، وبعد ذلك ظهر في المؤتمر الصهيوني العشرين الذي عقد بين 3- 17/8/1937م في بال بسويسرا تيار يرغب في جذب المنظمة الصهيونية إلى جانب الإمبريالية الأمريكية، وقد قاوم الوفد الأمريكي دعوة وايزمن لقبول مشروع التقسيم بحجة أن بريطانيا خانت الأمانة، كما عارض الإصلاحيون بقيادة جابوتنسكي مشروع التقسيم انطلاقا من قناعتهم المتطرفة بإقامة الدولة اليهودية على ضفتي نهر الأردن، وكان الخلاف بين المعارضين وبين وايزمن يدور حول الوسائل وليس الهدف، فقد كان وايزمن يؤمن بالمراحل على اعتبار أن النقب لن يفر، وأنه من الممكن أن تمتد حدود الدولة إلى خارج الحدود المقررة.

المحافل الإمبريالية البريطانية

أكد لورد ستركاند في مجلس اللوردات أن من المهم أن تحتفظ بريطانيا بجزء من فلسطين لحماية طريق الملاحة من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر، لأن امتياز شركة قناة السويس ينتهي في هذا الجيل، وهناك مشروعات لفتح قناة موازية لها، ولهذا أصرت بريطانيا عند صدور قرار التقسيم سنة 1947م على أن يبقى النقب في القسم العربي الذي خططت لضمه إلى شرق الأردن، وقد حدد اللورد بيل تعقيدات القضية بسبب ارتباط العرب في فلسطين بالعالم العربي، وانعزالية اليهود، واستحالة خلق قومية فلسطينية توحد الشعبين، ومزاحمة اليهود للعرب في أساليب الإنتاج الحديثة مما يجعل التقسيم حلا أفضل للشعبين .

التراجع عن التقسيم وإصدار الكتاب الأبيض

أعلنت لجنة سير جون ودهيد التي ألفتها الحكومة البريطانية لتحديد وسائل تحقيق التقسيم أن مشروع التقسيم غير عملي وذلك بعد زيارتها لفلسطين في الفترة بين أبريل ويوليو سنة 1938م، وقد فند الملك عبد الله فكرة التقسيم خلال اجتماعه بلجنة ودهيد، وقدم مشروعا لدولة موحدة تضم فلسطين وشرق الأردن على أن يكون لليهود استقلالهم الذاتي في مناطقهم، وقد تخلت بريطانيا عن مشروع التقسيم بعد إعلان تقرير اللجنة في نوفمبر 1938م اعتقادا منها أن التقسيم يشكل خطرا على مصالحها في هذه الفترة التي اشتد فيها عداء دول المحور.

اتصلت بريطانيا بطرفي النزاع وأصدرت الكتاب الأبيض في مايو 1939م الذي مثل عودة إلى الكتاب الأبيض لعام 1922م والذي أعلنت فيه بريطانيا أنها لا ترى أن عبارة إنشاء وطن قومي يهودي لا تعني تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وأكدت أن واجبها هو خلق دولة فلسطينية في النهاية، وقد اقترحت بريطانيا في الكتاب الأبيض:

1 – أن تسيطر بريطانيا سيطرة تامة على فلسطين في المرحلة الانتقالية بين الانتداب والاستقلال.
2 – إقامة حكومة مستقلة ترتبط مع بريطانيا بمعاهدة تضمن للقطرين مصالحهما التجارية والحربية.
3 - ستنفذ بريطانيا المشروع سواء رضي العرب واليهود أو عارضوا.
4 – إدخال خمسين ألف مهاجر بمعدل عشرة آلاف مهاجر كل سنة، إضافة إلى خمسة وعشرين ألف يهودي يفرون من الاضطهاد، وبعد ذلك تصبح الهجرة بموافقة العرب.
5 - تخويل المندوب السامي حق تنظيم انتقال الأراضي إلى المنظمات الصهيونية أو منعه.

أصداء الكتاب الأبيض

تاجر الحكام العرب بالقضية الفلسطينية، فقد وقفت مصر والسعودية والعراق مواقف متشابهة ولم ينصحوا عرب فلسطين بقبول الكتاب الأبيض، بينما رأت القوى الديمقراطية في الكتاب الأبيض نجاحا لتضحيات الجماهير ودعت إلى القبول به باعتباره خطوة على طريق التحرر، وقد كان تخلي بريطانيا عن مشروع التقسيم ودعوة قادة الحركة القومية إلى المفاوضات فرصة لوقف الكفاح المسلح بانتظام ، ولكن القيادة المتنفذة حاولت إطالة أمد الكفاح المسلح بطريقة اصطناعية ولجأت إلى الاغتيالات التي مزقت الوحدة الوطنية التي تجلت في عامي 1936 – 1937م ( المرحلة الأولى من الثورة، ومعظم سنة 1938م ( المرحلة الثانية من الثورة)، وقد تبددت هذه الثورة تدريجيا بسبب انقطاع جذورها حتى توقفت مع بداية الحرب العالمية الثانية.
احتجت القيادة الصهيونية على الكتاب الأبيض بشدة وأعلنت ما يشبه العصيان المدني، ودعت الجماهير بعد حلفهم اليمين إلى مقاومة سياسة بريطانيا وعدم التعاون معها لتنفيذ ما جاء في الكتاب الأبيض، وقد أعلن المؤتمر الصهيوني العشرين الذي انعقد في أغسطس 1939م مقاومته للكتاب الأبيض، كما حذر السفير الأمريكي في لندن - بأمر من الرئيس روزفلت – بريطانيا من نتائج الكتاب الأبيض.

وقد عقد مؤتمر في إيفيان حضرته وفود من 31 دولة في 6/7 /1938م ، حيث وافقت هذه الدول على استقبال اليهود الفارين من الاضطهاد النازي حيث وافقت أمريكا على استقبال 30 ألف يهودي ووافقت جمهورية الدومينيكان على استقبال 100 ألف يهودي، وقد قاطعت الصهيونية المؤتمر لأنه يضعف حماس اليهود في فلسطين، وقد بعث بن غوريون مندوبه يهودا تاينبوم إلى بولونيا لشراء السلاح وتهريبه إلى فلسطين في فترة انعقاد مؤتمر إيفيان.

الفصل السادس عشر

قرار تقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل

روجت المحافل الصهيونية أسطورة كاذبة زعمت فيها أن الشعب الفلسطيني ساند النازية في الحرب العالمية الثانية، وقد استندت في ذلك إلى موقف زعماء الهيئة العربية العليا، وبذلك تكون الصهيونية قد حملت الشعب الفلسطيني مسئولية أخطاء بعض زعمائه، مع أن الشعب الفلسطيني رفض دعوة المفتي للتمرد، واستنكرت صحافته الغارة الألمانية على تل أبيب كما ورد في تقرير فلسطين للجنة الأنجلو - أمريكية سنة 1945 – 1946م.
وقد بلغ عدد اليهود في فلسطين في نهاية الحرب العالمية الثانية 660 ألفا، وبالتالي بدأت فلسطين تتحول من قطر له قومية واحد إلى قطر ثنائي القومي.ة

سياسة القيادة الصهيونية

صرح بن غوريون زعيم الماباي أكبر أحزاب اليهود بأنهم سيقاتلون الكتاب الأبيض وكأنه لا توجد حرب عالمية، وسيقاتلون في الحرب وكأنه لا يوجد كتاب أبيض، وقد حظيت المنظمة الصهيونية بدعم متزايد في أمريكا، وازداد نشاط النواب والشيوخ في الكونجرس من أجل إقرار مشروع بلتيمور الداعي إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وقد أدى الانتقال من الاعتماد على بريطانيا إلى الاعتماد على الولايات المتحدة إلى انتقال قيادة الحركة الصهيونية من حاييم وايزمن إلى بن غوريون، وقد قامت الحركة الصهيونية بنسف أكثر من سفينة تحمل مهاجرين يهود إلى مناطق غير فلسطين مثل السفينة بيريا في ميناء حيفا سنة 1940م لمنع سفرها إلى موريشوس، والسفينة أستروما في البحر الأسود وكانت تحمل 769 مهاجرا يهوديا، وقد تعاون كاستنر الذي كان يرأس لجنة إنقاذ اليهود في هنغاريا مع آيخمان النازي من أجل إنقاذ حوالي ألف من أغنياء اليهود، وفي مقابل ذلك سكت عن تصفية ربع مليون يهودي في هنغاريا تم إرسالهم إلى معسكرات الإبادة.

وقد قامت المنظمة الصهيونية بتدريب ما بين 30 – 40 ألفا من اليهود في الجيش البريطاني ، هذا عدا عن الذين كانوا يتدربون داخل فلسطين بعلم بريطانيا ، أو يعملون في أجهزة أمن البلاد، كما جرت عمليات تهريب السلاح في الوقت ذاته، كما استخدم البريطانيون رجال الهاغاناه في أوروبا والشرق الأوسط، وخصوصا في محاولة اغتيال مفتي القدس في بغداد ونسف مصفاة البترول في طرابلس في لبنان وفي عمليات الاستطلاع قبل احتلال سوريا ولبنان، وقد قال هيملر القائد الأمريكي من دائرة الاستخبارات أن خدمات اليهود الأمنية تكفل لهم الحق في أن يصبحوا أمة حرة في بلادهم.

سياسة الحركة القومية العربية

أصبحت الحركة القومية العربية دون قيادة بعد فرار زعمائها من البلاد ، فقد ذهب المفتي إلى برلين، وتم اعتقال آخرين مثل جمال الحسيني وأمين التميمي وإبعادهم إلى روديسيا، وقد توصل الكولونيل نيو كمب البريطاني إلى اتفاق خطي مع جمال الحسيني وموسى العلمي بوساطة وزير الخارجية العراقي يقضي بالتعاون في خطة على أساس الكتاب الأبيض تبدأ بإيجاد مجلس مديرين وصولا إلى تطبيق بقية المراحل، وعلى الرغم من الموقف السلبي للقيادة القومية من الحرب ضد النازية فقد دعت عصبة التحرر ( الحزب الشيوعي ) إلى تأييد الحرب ضد النازية مع المطالبة بالحريات الديمقراطية والحقوق القومية، وبسبب توسع النشاط الاقتصادي في فلسطين أثناء الحرب اتسعت الطبقة العاملة بدخول عشرات الألوف من العمال العرب إلى معسكرات الجيش البريطاني، ودخل ألوف آخرين إلى المنشآت العربية التي نمت في فترة الحرب، مما أدى إلى قيام اتحاد نقابات العمال العرب في حيفا ، وقد نضجت فكرة تنظيم حزب بورجوازي تشكل سرا من أصحاب المهن الحرة وقادة الحركة النقابية الإصلاحية، ولكن الصراع بين يمين الحزب ويساره عرقل نشاطه.

وقد قدم الموالون لبريطانيا مشروعا لحل القضية الفلسطينية عرف باسم الكتاب الأزرق، وكان المشروع شكلا من أشكال الهلال الخصيب بحيث تتوحد سوريا وفلسطين ولبنان وشرق الأردن في دولة واحدة يقرر الأهالي فيها شكل الحكم ، وتنشأ بعد ذلك جامعة عربية تضم العراق وسوريا الموحدة على أن تنضم غليها بقية الدول العربية متى شاءت ، وأكد المشروع على أن تكون القدس مفتوحة أمام جميع الديانات ، كذلك أعطى المشروع للموارنة واليهود حق التمتع بالحكم الذاتي.

وفي شباط 1944م وقع ممثلو مصر والعراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن والسعودية واليمن بروتوكول الإسكندرية الذي نص على إقامة الجامعة العربية، وقد نص ميثاق الجامعة العربية على أن فلسطين أصبحت مستقلة بذاتها غير تابعة لأي دولة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وقررت الجامعة اختيار مندوب عربي من فلسطين للاشتراك في أعمال المجلس إلى أن يتحقق استلال فلسطين.

أزمة الإمبريالية العامة بعد الحرب العالمية الثانية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية والفاشية، احتل الاتحاد السوفييتي مكان الصدارة على الصعيد الدولي بعد دوره الحاسم في هزيمة النازية، أما في فلسطين فقد اشتد النضال لإنهاء الوجود البريطاني فيها، كما اشتدت الضغوط من أجل حل القضية الفلسطينية التي ازدادت تعقيدا بسبب وجود آلاف من اللاجئين اليهود من بقايا معسكرات الاعتقال، وقد وعد تشرشل وايزمن سنة 1942 بأنه سيرى ابن سعود سيد الشرق الأوسط (كان جون فيلبي موضع سر ابن سعود) شريطة أن يتفق مع اليهود ويعتمد عليكم في الحصول على أفضل الشروط، وطلب منه أن يبقى ذلك سرا، وأن بإمكانه أن يطلع روزفلت على هذا الأمر لأنهما معا يفعلان أي شيء إذا أرادا ذلك، ولكن شعور تشرشل بالتوافق مع أمريكا تبخر بعد انتهاء الحرب، فقد طالب ترومان خليفة روزفلت بإدخال مائة ألف لاجئ يهودي إلى فلسطين، وقد تشكلت اللجنة الأنجلو – أمريكية في نوفمبر 1945م من 12 عضوا مناصفة بين الدولتين لتسوية الصراع بينهما ، وقد أوصت اللجنة بإدخال مائة ألف يهودي إلى فلسطين وتسهيل الهجرة فيما بعد، كما أوصت بإلغاء القيود على بيع الأراضي العربية وفرض وصاية على فلسطين على أن يكون الحل دولة ثنائية القومية.

ولكن بريطانيا دعت إلى مؤتمر جديد في لندن بين آب 1946 ويناير 1947م لصيانة مصالحها، وقد اشترك ممثلون عن الدول العربية المستقلة في المشرق العربي ووفدا الحركة القومية العربية في فلسطين والوكالة اليهودية، وقد فشل المؤتمر لأن الحلول المقترحة كانت تراعي مصلحة بريطانيا بغض النظر عن مصالح طرفي النزاع في فلسطين، ولم تتطرق هذه الحلول إلى إنهاء الانتداب وجلاء القوات البريطانية عن فلسطين، وقد ركزت السياسة الصهيونية على التمسك بالانتداب والتحالف مع الإمبريالية ورفض إحالة القضية إلى الأمم المتحدة، وقد اقترح وايزمن منح بريطانيا حق إقامة قواعد عسكرية وبحرية وجوية إذا وافقت على إقامة دولة يهودية على 65% من أرض فلسطين، وكذلك إقامة قواعد أمريكية، كما أكد بن غوريون أن اليهود على استعداد لمنح بريطانيا قاعدة عسكرية ضد روسيا إذا وافقت على إقامة دولة يهودية في جزء من فلسطين.

وفي مايو 1947 عقدت هيئة الأمم اجتماعا طارئا وقررت تشكيل لجنة تحقيق دولية من السويد وكندا وأستراليا والهند وبيرو وهولندا وإيران وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وجواتيمالا وأوروجواي من أجل البحث عن حل ، وقد زارت اللجنة فلسطين واستمعت لقادة الحركة الصهيونية، أما قادة الحركة القومية العربية فقد قاطعوا اللجنة ورفضوا الشهادة أمامها، كما رفضت هذه القيادة دعوة الجامعة العربية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وغير مجزأة تشكل فيها حكومة ديمقراطية حسب دستور يضعه مجلس تأسيسي منتخب يحفظ حقوق اليهود المدنية والدينية والثقافية، وأصرت على الدولة العربية وأنها تعترف بمواطنة اليهود الذين كانوا في فلسطين قبل وعد بلفور.

وقد اقتنعت اللجنة بموقف أندريه غروميكو مندوب الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة في اجتماع طارئ، حيث أعلن أن الحل الأمثل هو قيام دولة مستقلة في فلسطين، وإذا كان ذلك مستحيلا فلا بد من التقسيم، وبالفعل صدر قرار التقسيم وإنهاء الانتداب في 29/11/1947م في الاجتماع العادي لهيئة الأمم المتحدة.

بين 1947 – 1975م

استغلت الدول الرجعية العربية قرار التقسيم في شن حملة تشهير ضد الاتحاد السوفييتي، بينما أيدت القوى التقدمية في فلسطين والوطن العربي القرار للأسباب التالية:
1 – نص القرار على تصفية الانتداب البريطاني وجلاء القوات الأجنبية عن فلسطين.
2 – يمكن القرار الشعبين العربي واليهودي من ممارسة حق تقرير المصير، بعد أن تأكد أن ذلك لن يتحقق في ظل دولة واحدة.
وحسب التقسيم الإقليمي بين الدولتين كان من المفروض أن يعيش في الدولة اليهودية 495000 يهودي، و 490000 ألف عربي مما يحرم هؤلاء العرب من حق تقرير المصير، كما قلص القرار حقوق الشعب الفلسطيني التي كانت تتمثل في حق تقرير المصير وإقامة دولة عربية مستقلة في فلسطين، وأصبحت سنة 1947م تتمثل في حق تقرير المصير وإقامة دولة عربية على جزء من فلسطين، ولم يعترف القرار بحق اليهود التاريخي في تقرير المصير وإقامة دولة في كل فلسطين، فقد اعترف القرار ليهود فلسطين بهذا الحق فقط، ورأى القرار ضرورة قيام تعاون اقتصادي بين الدولتين.

قيام دولة إسرائيل والمرحلة الجديدة

في تطور القضية الفلسطينية
لم ينفذ قرار التقسيم حسب نصوصه بسبب التطورات التي أعقبت القرار، ومنها:
1 – اندلاع حرب فلسطين سنة 1948 وقيام دولة إسرائيل على مساحة أكبر من المساحة التي حددها قرار التقسيم.
2 – تحول غالبية الفلسطينيين إلى لاجئين.
3 – حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير في الضفة الغربية وقطاع غزة.
4 – ضم الضفة الغربية وإعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية.
5 – تحول القضية الفلسطينية إلى أزمة علاقات دولية بين إسرائيل والدول العربية.
ومن العوامل التي أدت إلى هذه النتائج:
1 – تآمر الإمبريالية وتناقضاتها ، فقد رفضت بريطانيا قرار التقسيم وسعت لضم المناطق العربية من فلسطين إلى الأردن، وأيدت دخول الجيش الأردني إلى فلسطين بعد أن وضعت حدود هذا التدخل في إطار مشروعها الإستراتيجي، بينما استخدمت الولايات المتحدة نفوذها في الدول العربية وخصوصا في مصر لإحباط مشاريع بريطانيا وتشجيع معارضة السعودية ومصر لمخطط الملك عبد الله لضم المناطق العربية الفلسطينية إلى دولته، وقد أيدت بريطانيا مشروع الوسيط الدولي الكونت برنادوت الذي نص على توحيد المناطق العربية الفلسطينية وشرق الأردن وعلى ضم النقب للدولة الجديدة، بينما قاومت أمريكا بشدة ضم النقب إلى الدولة العربية.
2 – أطماع الصهيونية وتطلعاتها القومية التوسعية: فقد انطلقت القيادة الصهيونية في ممارساتها من منطلقين:
أ – إخلاء الدولة اليهودية من المواطنين العرب.
ب – الاتفاق مع الملك عبد الله الذي كان مستعدا للاتفاق مع الإسرائيليين دون اعتبار لمصالح الشعب الفلسطيني.
3 – أطماع الرجعية العربية التي انقسمت إلى محورين، وتناحرها( محور بغداد – عمان، ومحو القاهرة الرياض)
4 – فقر الحركة القومية العربية الفلسطينية التي رفضت قرار التقسيم وبذلك ساعدت القوى التي عملت على إفشال القرار.

القضية الفلسطينية بين اتفاقات الهدنة وقيام منظمة التحرير

بعد توقيع اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وكل من مصر والأردن ولبنان وسوريا دخلت قضية فلسطين حالة من المد والجزر وذلك للأسباب الآتية:
1 – رفض إسرائيل الالتزام بقرار التقسيم، كما رفضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948م والذي ينص على السماح بالعودة لمن يريد العودة من الفلسطينيين بذريعة أن قضية فلسطين انتهت ولم يبق سوى إنهاء الخلافات مع الدول العربية في إطار الإستراتيجية الإمبريالية المعادية للاتحاد السوفييتي، وقد أشعلت إسرائيل حرب سيناء بالاتفاق مع بريطانيا وفرنسا لإسقاط نظام الحكم الوطني في مصر وإلغاء قرار تأميم شركة قناة السويس.
2 – التزام الدول العربية حتى سنة 1954م بالسير في فلك الإمبريالية التي التزمت بالبيان الثلاثي الذي أصدرته أمريكا وبريطانيا وفرنسا الذي أعلنت فيه أنها ستزود الدول العربية وإسرائيل بالسلاح اللازم لحفظ الأمن الداخلي والأمن المشترك بهدف تشكيل جبهة عربية إسرائيلية ضد روسيا، وقد وجدت هذه الدول الثلاثة في النزاع العربي الإسرائيلي عاملا مهما في توطيد مواقفها استنادا إلى مبدأ فرق تسد.
3 – تغيرت الصورة بعد عام 1954م ، فقد أطاحت ثورة يوليو بالنظام الملكي وفتحت الطريق أمام تغيرات جوهرية في السياسة الخارجية حيث اشتركت مصر في مؤتمر باندونج في نيسان سنة 1954م ، كما قامت هبة شعبية في سوريا أسقطت ديكتاتورية أديب الشيشكلي الموالي للإمبريالية وإقامة نظام حكم وطني في سوريا.
4 – قامت الإمبريالية بالتعاون مع إسرائيل بعرقلة تسوية قضية فلسطين والنزاع العربي الإسرائيلي.
وقد أكدت الأحداث أن حرب عام 1948 لم تجد حلا للقضية الفلسطينية بسبب :
1 – رفض الفلسطينيين لسياسة الضم ومطالبتهم بدولة ديمقراطية بين السنوات 1950 – 1951م، وقد قاطع الفلسطينيون الانتخابات البرلمانية سنة 1950م.
2 – مطالبة الاتحاد السوفييتي بإقامة الدولة الفلسطينية ، فقد طالب مندوبه( تسرايكين) في دورة الأمم المتحدة لعام 1949م بإلغاء لجنة التوفيق التي أقامتها الدول الإمبريالية تحت شعار تسوية العلاقات العربية الإسرائيلية وبإقامة الدولة العربية الفلسطينية وإنشاء الوحدة الاقتصادية بينها وبين إسرائيل.
3 – دعا الحزب الشيوعي الإسرائيلي الشعب الإسرائيلي إلى التخلص من التسلط الإمبريالي الأمريكي على إسرائيل اقتصاديا وسياسيا.
وقد ارتفعت الأصوات في الوطن العربي داعية إلى إحلال السلام بين إسرائيل والدول العربية وحل القضية الفلسطينية، واتسمت هذه الدعوة ب :
1 – الدعوة إلى إخراج الإمبريالية من المنطقة.
2 – المطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومنها قرار التقسيم لسنة 1947م، وقد صرح الرئيس جمال عبد الناصر أنه من الممكن أن تتحسن العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل إذا كانت إسرائيل ترغب في تحقيق سلام عادل بقبولها قرارات الأمم المتحدة، وكذلك كان موقف سوريا، وقد أبدى الرئيس جمال عبد الناصر استعداده للاجتماع برئيس الوزراء الإسرائيلي موشي شاريت سنة 1955م، كما أكد جمال عبد الناصر في مقابلة مع صحيفة تمبو الإيطالية بقوله: " إننا بحاجة إلى السلام في الشرق الوسط، فبدون فترة سلام طويلة مع إسرائيل يصعب جدا ضمان تقدم الشعوب في المنطقة"، ولكن حكام إسرائيل رفضوا هذه المبادرات وحظر بن غوريون على ناحوم جولدمان رئيس المنظمة الصهيونية الاستمرار في اتصالاته مع نهرو رئيس وزراء الهند وجوزيف بروز تيتو رئيس جمهورية يوغوسلافيا.
وقد تجسد رفض إسرائيل لتسوية القضية الفلسطينية في شعار " ولا لاجئ ولا شبر أرض"، وبمكن تلخيص موقف القوى التقدمية بقرارات المؤتمرين الثالث عشر والرابع عشر للحزب الشيوعي الإسرائيلي التي تتمثل في :
1 – أكد في المؤتمر الثالث عشر أن الإمبريالية قامت بدور حاسم في منع التسوية، وأكد أن جذور بقاء الأزمة يعود إلى تجاهل حكام إسرائيل لوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، فقد مارس الشعب اليهودي حق تقرير المصير في حين حرم الشعب الفلسطيني من ذلك الحق.
2 – وفي المؤتمر الرابع عشر في حزيران 1961م أكد أن النزاع العربي الإسرائيلي لا يحل بالحسم العسكري وإنكار حقوق أي شعب من طرف شعب آخر.
ويمكن تلخيص وجهة نظر الشعب الفلسطيني في التطورات التالية:
1 – عقد الشعب الفلسطيني عدة مؤتمرات طالب فيها بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وخصوصا قرار حق العودة.
2 – تمسك الحزب الشيوعي الأردني بحقوق الشعب الفلسطيني وأكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية.
3 – أدرك الفلسطينيون أن الدول العربية منفردة أو مجتمعة لا تستطيع حل القضية الفلسطينية في معزل عن حركة الشعب الفلسطيني الوطنية، وقد طرحت الجمهورية العربية المتحدة قضية إقامة الكيان الفلسطيني، وقد تجسد ذلك في قيام منظمة التحرير سنة 1964م خلال المؤتمر الفلسطيني الذي عقد في القدس في أيار 1964م، وقد كان ميثاق منظمة التحرير متطرفا يدعو إلى تحرير فلسطين وتصفية إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، وقد لوح أحمد الشقيري بشعارات متطرفة، ولم يتعرض الميثاق إلى المملكة الأردنية الهاشمية، مما شجع حكام الأردن على التعاون مع قادة المنظمة.

بين 1964 – 1975م
تبلور الحركة الوطنية الفلسطينية
وصعود القضية الفلسطينية إلى الصدارة

بعد استقالة بن غوريون من رئاسة الوزراء وتولي ليفي أشكول لهذا المنصب، ازدادت عدوانية إسرائيل وتحولت إسرائيل إلى التحالف مع أمريكا بدلا من أوروبا، وقد ازداد اعتماد الإمبريالية الغربية على إسرائيل.

وقد حدد الحزب الشيوعي الإسرائيلي في مؤتمره الخامس عشر الذي عقد في يافا بين 6-8 أغسطس سنة 1965م طريقة تسوية النزاع العربي الإسرائيلي، وأعلن أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة كيانه القومي الحر هو أساس قرار الأمم المتحدة سنة 1947م ، وأن ذلك يصب في مصلحة الطرفين ويحقق السلام بينهما ويحفظ السلامة القومية لهما، وهذا يستوجب اعتراف إسرائيل بحق اللاجئين العرب في العودة إلى وطنهم أو قبول التعويضات المناسبة ووضع حدود دائمة ومتفق عليها، كما أعلنت الأحزاب الشيوعية في دول الوطن العربي أنها تؤيد تحقيق حقوق الشعب العربي الفلسطيني بالطرق السلمية وتعارض تصفية حقوق الشعب الإسرائيلي ، بينما تميزت تصريحات قادة منظمة التحرير الفلسطينية بالتنكر لحق الشعب الإسرائيلي في تقرير المصير.

حرب حزيران 1967م

خاضت إسرائيل حربا عدوانية على الدول العربية في 5 يونيو 1967م بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق الأهداف التالية:
1 – الإطاحة بأنظمة الحكم التقدمية في مصر وسوريا وتوجيه ضربة قاصمة لحركة التحرر العربية.
2 – استعادة مواقع الإمبرياليين التي فقدوها في العالم العربي .
3 – إضعاف العلاقات بين الدول العربية والاتحاد السوفييتي .
4 - تبديد حقوق الشعب الفلسطيني نهائيا.
5 – تحقيق المطامع الصهيونية في التوسع الإقليمي على حساب العرب.
وقد أدت هذه الحرب إلى النتائج التالية :
1 – هزيمة الدول العربية وبروز قوة إسرائيل العسكرية وقد منحها ذلك القدرة على القيام بدور شرطي المنطقة.
2 – احتلال مناطق عربية واسعة، مما ساعدها على التدخل في شئون الأردن ولبنان.
3 - فشل العدوان في الإطاحة بأنظمة الحكم التقدمية في مصر وسوريا، ونجحت الثورة الديمقراطية في اليمن الجنوبي، وحدثت تغيرات تقدمية في العراق واستمرت المسيرة التقدمية في سوريا والجزائر.
4 – على الرغم وقوع الضفة الغربية وغزة تحت الاحتلال فقد نهضت الحركة الوطنية الفلسطينية التي احتلت مكان الصدارة في ظروف التراجع العربي الرسمي، وقد ساعدها في ذلك عاملان:
أ – تخلص منظمة التحرير من القيادة الرجعية بشعاراتها المتعصبة التي تدعو إلى قذف اليهود في البحر.
ب – مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بالطرق السياسية والعسكرية، وفد أحبط الشعب الفلسطيني محاولة خلق كيان مرتبط بالاحتلال.
5 – كشف مطامع الصهيونية التوسعية مما أدى إلى قيام العديد من الدول الإفريقية التي وقفت إلى جانب إسرائيل بقطع علاقاتها الدبلوماسية معها.
6 – قرر الحزب الشيوعي الإسرائيلي في مؤتمره السادس عشر الذي عقد في 20يناير ستة 1969م أن المعارضة تتزايد بين الجمهور الإسرائيلي لحركة أرض إسرائيل كاملة، وقد دعت القوى التقدمية في العالم إلى حل النزاع العربي الإسرائيلي على أساس قرار مجلس الأمن الذي صدر في 22/11/1967م 242، والذي ينص على مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وحل قضية اللاجئين، ويؤكد على حق دول المنطقة في الاستقلال والسيادة في حدود آمنة ومعترف بها، وقد أبدت مصر والأردن استعدادهما لتنفيذ القرار، كما قبلت الدولتان بمبادرة روجرز، أما منظمة التحرير فقد رفضت القرار انطلاقا من ميثاقها الذي ينص على تحرير فلسطين وإقامة حكومة ديمقراطية علمانية مستقلة في فلسطين، وقد أيدتها بعض الدول العربية التي تمسكت بشعار حرب التحرير الشعبية ، وقد استغلت الأردن عملية خطف الطائرات وتفجيرها في الأردن في ضرب الوجود الفلسطيني هناك، وارتكبت مجازر أيلول وضربت المخيمات بالمدفعية، وقد طرح الملك حسين مشروع المملكة المتحدة في مارس 1972م، وذلك بهدف إحباط قيام حكومة فلسطينية في المنفى، وقد فشلت محاولات إسرائيل في إقامة كيان فلسطيني يقبل بحكم ذاتي خاضع للاحتلال.
حرب أكتوبر 1973 وأسبابها ونتائجها
أدى استمرار العدوان الإسرائيلي واحتلال الأراضي العربية إلى حرب أكتوبر التي غيرت خريطة الشرق الأوسط مع أنها لم تنته بانتصار أحد الطرفين، وقد تبين لإسرائيل أنها لا يمكن أن تحتفظ بالتفوق العسكري إلى الأبد، كما خسرت إسرائيل التعاطف الدولي الذي كسبته أثناء حرب 1967م، وقد اتضح ذلك في قرار مجلس الأمن 338 الصادر في 22/2/10/1973م وفي فرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحظيت منظمة التحرير باعتراف كل الدول العربية في مؤتمر الجزائر في خريف عام 1973م، وقد اعترفت الدول الإسلامية بالمنظمة بعد ذلك في الربع الأول سنة 1974م، واعترفت الأغلبية الضخمة من أعضاء الأمم المتحدة بالمنظمة وتم منحها حق الاشتراك في مؤسسات المنظمة الدولية بصفة مراقب، ونشأت ظروف تاريخية مواتية لحل القضية الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي وأبرز هذه الظروف:
1 –رجحان كفة الدول الاشتراكية وقوى التحرر على كفة الإمبريالية والرجعية.
2 – استعداد الدول العربية وخصوصا مصر وسوريا لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي المحتلة في حرب حزيران وإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
3 – ظهور تغير في سياسة منظمة التحرير كما ظهر في تصريحات ياسر عرفات لصحيفة لوموند وسعيد حمامي في لندن حول الاستعداد لإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
4 – نشاط الاتحاد السوفيتي من أجل التسوية الدائمة واستعداد روسيا لضمان حدود إسرائيل بعد انسحابها.
5 – فشل سياسة الخطوة خطوة الأمريكية.
وقد ظهرت مجموعة عوامل سلبية منها:
1 – استمرار الدعم الأمريكي لحكام إسرائيل وتزويدهم بالسلاح.
2 – وقد أدى ذلك إلى تشدد العناصر القومية المتشددة ورفضها للتسوية السلمية العقلانية.

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

4 من الزوار الآن

876954 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق