المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > موقف شعراء الثورة الإسلامية الإيرانية من القضية الفلسطينية

24 آب (أغسطس) 2019

موقف شعراء الثورة الإسلامية الإيرانية من القضية الفلسطينية

موقف شعراء الثورة الإسلامية الإيرانية من القضية الفلسطينية

د.فخري بوش*

شغلت قضية فلسطين، والقدس خاصة الشعراء العرب منذ زمن، وازداد انشغالهم بهما بعد نكبة عام 1948 م، ولم تكن تلك القضية بمنأى عن اهتمام الشعراء الإيرانيين بعد انتصار ثورتهم في عام 1979 م، وعلى رأسهم قائد الثورة الإسلامية الإمام الراحل آية الله الخميني، حيث جعل آخر يوم جمعة من شهر رمضان يوماً للقدس لتذكير العالم أجمع بما يتعرض له أبناء فلسطين من ظلم، وقهر،وقسوة، وحرمان. وقد تناول شعراء الثورة الإيرانية قضية فلسطين في أشعارهم، فتحدثوا عما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم، وقهر، واستعباد، وتشريد، ومحو للهوية، ومحاولة طمس معالم وجوده، وصوروا عذابه في السجون، والمعتقلات على يد المغتصب الحاقد، كما بينوا النفاق، والكذب السائد في العالم على حساب شعب فلسطين، وصوروا صمود ذلك الشعب، ونضاله، ومقاومته ضد الكيان المحتل البشع بالحجر، وتمسكه بالأمل، والإصرار على تحرير الوطن من براثن الصهيونية الغاصبة، فيما أولو الأمر، وأصحاب القرار في العالم نائمون، ويغضون أبصارهم عن جرائم الاحتلال البشعة، وهي من ثمَّ معركة شرسة غير متكافئة بين المقاومة الفلسطينية الشريفة التي لديها إمكانات محدودة، وبين عدو شرس لديه كل الإمكانات ، ولكن صاحب الحق هو المنتصر في النهاية ، طال الزمن أم قصر .

- مقدمة البحث

تعدُّ القضية الفلسطينية إحدى أهم القضايا في العالم في الوقت الراهن، وكل من لديه شعور تجاه الإنسان وكرامته ، ويدّعي الدفاع عن الشعوب المضطهَدَة والمظلومة عليه أن يكون مهتماً بهذه القضية، وأن يشعر أن هذه القضية هي قضيته.
أُعلنتِ القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 م ، ولكن الكيان الصهيوني الغاصب يمنع قيام أية تظاهرة احتفالية بالقدس عاصمة للثقافة العربية معتقداً أن الجرائم الوحشية، والقتل، والتدمير ستشغِل الشعبَ عن الاهتمام بالفنون الإنسانية كالشعر، وإقامة المعارض الفنية، والمسرحيات، والفعاليات الأدبية الأخرى . وهذا يؤكد قول الدكتور حسام الخطيب : "إن الغزو الصهيوني للوطن العربي ليس مجرد عدوان عسكري استيطاني؛ وإنما هو شكل من أشكال الوجود العدواني القائم على نفي الآخر بشرياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وحضارياً، وثقافياً " .
والحق يقال : إن فلسطين بشكل عام، والقدس بشكل خاص كانتا، وما تزالان قبلة لكثير من الشعراء العرب المعاصرين الذين خلدوها في أشعارهم الرائعة ، أمثال : شاعر القضية محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زيّاد، وإبراهيم طوقان، و فدوى طوقان، إلخ ... كذلك اهتمّ الإيرانيون؛ ولاسيّما رجال السياسة، والفن، والأدب بالقدس.
الثورة الإسلامية الإيرانية
قامت الثورة الإيرانية في عام 1979 م، وكانت من الثورات الناجحة إذ تمكنت من الإطاحة بنظام حكم ملكي طاغية، وحولت نظام الحكم في إيران من النظام الشاهنشاهي ( الملكي ) إلى النظام الجمهوري رغم ما بينهما من فوارق .
وهناك تباين واضح في مواقف المتصدين بالدراسة لهذه الثورة؛ بين مؤيد لها تأييداً كاملاً، وبين معارض لها معارضة عنيفة، وبين هؤلاء، وأولئك مَن يؤثر التعامل معها بهدوء، وتريّث توخياً للموضوعية في دراستها، والحكم عليها.
هذه الثورة هي نتاج مرحلة تاريخية في حياة شعب، وهي تجربة شعب، ولن تكون دراستها منصفة أو سليمة، ما لم يتمُّ النظر إليها في هذا الإطار.
وبطبيعة الحال تحظى الثورة الإيرانية بقدر كبير من الخصوصية لدى الشعب الإيراني الذي قدَّم في سبيل نجاحها تضحيات كثيرة من أرواح أبنائه، وحريتهم، فقد عاش الشعب الإيراني طويلاً في ظروف عصيبة من القهر، والظلم، وقمع الحريات؛ لذلك عندما يكتب الشاعر الإيراني عن فلسطين أو القدس؛ فإنما يكتب عن تجربة مماثلة عاشها في وطنه إيران إبّان الحكم الشاهنشاهي ( الملكي )، بما لقيَه من ظلم، وقسوة، وقهر، واستعباد، وقمع للحريات، وتسلط على مقدّرات الشعب، والأمة. فالظروف نفسها في الوطنَين، ولكن باختلاف الظالم، فالظالم في إيران من أبناء جلدتهم، أما الظالم في فلسطين، فهو من جنس آخر قادم من الشتات.

- موقف رجال الثورة من القضية الفلسطينية

شهد العالم في العقود الأخيرة اعتداء الصهاينة على الشعب العربي الفلسطيني، وقد اتسم هذا الاعتداء بالحدة، و القساوة، والعنف؛ بل واللؤم، والضغينة، والحقد، حيث أُصيب ذلك الشعب بخسائر جسيمة بشرياً ، ومادياً، ومعنوياً.
وبطبيعة الحال، لا بدَّ لهذا الاعتداء الذي يصل إلى درجة الجرائم الإنسانية لشدّة ما يُرتكب فيه من أعمال قمعية تتسم بالقسوة، والوحشية من أن يثير مشاعر الشفقة، والتعاطف لدى المسلمين، وغيرهم في أنحاء العالم كافة، فيعمدون إلى إعلان هذه المشاعر، والتعبير عنها بكل الطرائق الممكنة، والتنديد بما يُرتَكب في حق الفلسطينيين من جرائم، أو تجاوز هذه المرحلة العاطفية إلى مرحلة المساندة الفعلية لذلك الشعب المقهور المستضعف في بعض الأحيان.
ومن البديهي أن ينسحب هذا الأمر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولاسيما أنها الدولة التي قامت بعد ثورة اتخذت من الإسلام شعاراً، وعنواناً لها، فهي الثورة الإسلامية، وهي الجمهورية الإسلامية التي وضعت ضمن مبادئها الأصولية مساندة المسلمين المستضعفين في جميع أنحاء العالم باعتبارها واجباً دينياً .
وانطلاقاً من هذا الشعور بالواجب الديني أعلن روح الله الخميني قائد الثورة الإيرانية، والزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى الذي تُعَدُّ أقواله، وكتاباته، ومواقفه، بمكانة المرجع شبه المقدس لدى كثير من الإيرانيين، وبعض العرب المؤمنين بأفكاره، وآرائه، وأهدافه، تأييده، ودعمه للشعب الفلسطيني، ومقاومته، يقول الخميني قُدِّس سرُّه : "إنه من الواجب علينا أن نبذل أقصى جهد لبحث مشاكل المسلمين، ومساندة المناضلين، والجياع، والمحرومين". وقد أكد الإمام الراحل أن الدعامة الأساسية للمقاومة تتمثل بإيمان الشعوب بالإسلام، يقول : "ما لم نعد إلى إسلام رسول الله (ص) فسوف تبقى مشكلاتنا كما هي، و لن نتمكن من حل قضية فلسطين أو أفغانستان أو سائر البلدان..".
وقد حدّد الخمينيُّ الجمعةَََ الأخيرةَ من شهر رمضان كل عام يوماً عالمياً للقدس ليكون فرصة مناسبة تمكِّن المسلمين في مختلف أنحاء العالم من شحذ الهمم، و كسب الاستعداد لمواجهة التحديات الخطيرة المتمثلة في التصدي لتحرير القدس قبلة المسلمين، يقول الإمام : "نسأل الله أن يوفقنا يوماً للذهاب إلى القدس، والصلاة فيها إن شاء الله، وآمل أن يعدَّ المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً. و أن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس الذي يحل في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وأن يعقدوا المجالس والمحافل، و يرددوا النداء في المساجد".
وقد تعامل الإمام مع القضية الفلسطينية من واقع أنها قضية إسلامية محضة، وحذّر من الخمول، والإهمال، و دعا إلى القيام من أجل الواجب المقدس حتى لا يتعرض المسلمون للهزيمة .
وبعد رحيل الإمام ظلَّ السيد علي الخامِنئي قائد الثورة، ومرشدها يسير على خُطَا معلمه مؤكداً دعمه للقضية الفلسطينية، وللمقاومة الفلسطينية ، فيقول : "إننا لا نقبل المساومة في القضية الفلسطينية، وقد أكدنا دوماً أن فلسطين ملكٌ للفلسطينيين". "نحن ندعم مقاومة الشعب في داخل فلسطين، وندعم مقاومة الفلسطينيين المشردين الذين يريدون محاربة الحكومة الغاصبة، وندعم الشعوب التي تساند هذه المقاومة" .
ويدعو الإمام الخامئني المثقفين، وغيرهم للتعريف بالقضية الفلسطينية في العالم، قائلاً : "للأسف ينبغي أن نعترف أن مثقفينا ، ومن كانت لديه إمكانية قد قصروا، وعلينا أن نعرِّفَ القضية الفلسطينية كما هي على المستوى العالمي، .. إن على المثقفين، والكتاب، والفنانين، والمتصدين للإعلام في العالم الإسلامي الشعور بالتكليف إزاء القضية الفلسطينية، وتوعية الرأي العام العالمي بالظلم منقطع النظير الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم ، والاهتمام بجميع الأبعاد، والأساليب الفنية لهذا الغرض .
ثم يؤكد أن إعلان يوم القدس، والاحتفال به سيعرِّف العالم بالقضية الفلسطينية، وحقيقة هذه القضية، وهو المنقذ للشعب الفلسطيني ، حيث يقول : " إن يوم القدس هو من الأيام المهمة، والمصيرية، ومنذ أعوام طويلة، والسعي مستمر لجعل قضية القدس قضية منسية. ويوم القدس هو سهم موجه نحو قلب هذه المؤامرة، ... كرِّموا يوم القدس بقدر استطاعتكم، ونأمل أن يتمكن يوم القدس في هذا العام من توجيه لكمة قوية لوجه أعداء الشعب الفلسطيني، وأعداء العالم الإسلامي، رداً على المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني، إن شاء الله" .
ويتعاطف المرشد مع مأساة المشرَّدين الفلسطينيين المبعدين عن ديارهم المقيمين في المخيمات، ويرى أن القضية الفلسطينية قضية جدَّ مهمة، فيقول : "إن الإنسان المشرَّد يثير عاطفة كلِّ إنسان حر . اليوم هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني مشرَّد عن دياره، ووطنه، ويولد في الخيام، وفي المخيمات، هؤلاء الأطفال المظلومون المحرومون من ديارهم، ومعابدهم، ومساجدهم، وأملاكهم، وإخراجهم إلى دول أخرى هو أعظم مأساة طيلة تاريخ البشرية؛ لهذا نعتقد أن القضية الفلسطينية ليست قضية إسلامية فحسب؛ وإنما هي قضية إنسانية في غاية الأهمية " .
ويتفاءل السيد الخامنئي بالأمل القادم ، ويثق بأطفال الحجارة، و برجال المقاومة في تحقيق النصر، فيقول : "اليوم يواصل الشباب، والأطفال الفلسطينيون السير في طريق المقاومة باستخدام الحجارة استلهاماً من الصحوة العامة للمسلمين، وبالاعتبار من الثورة الإسلامية العظيمة في إيران، ولن تكون هذه المقاومة بالحجر دائماً، ويبشِّر المستقبلُ بيوم أسودَ للصهاينة" .
إن فلسطين تشغل حيزاً كبيراً في قلوب المسلمين، ويعبّر عـن ذلك الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي أكبـر رفسنجاني رئيس مجمـع تشخيص مصلحـة النظام "الحالي" قائلاً : "فلسطين هي المكان الذي حينما يذكر اسم القدس تتحرك، وتهتزّ له قلوب مليار ومئتي مليون مسلم ، فهل يمكن إزالة مثل هذه القدسية من قلوب الناس؟ طبعاً لا يمكن ذلك ..." .
ومن هذا المنطلق، تابع الشعر الإيراني هذه القضية، وأفرد لها مساحة من أشعاره معبراً عن الظلم، والقهر اللذين يعانيهما المسلمون في بقاع من العالم الإسلامي. وسنرصد في هذا البحث موقف رجال السياسة، والشعراء بعد انتصار الثورة عام 1979 من القضية الفلسطينية.
ولا شك أن هذه القضية تمثل الحالة الأكثر أهمية في سجل الاعتداء على المسلمين، وعلى مقدساتهم الإسلامية، وذلك لما تحظى به فلسطين من مكانة في نفوس المسلمين حيث تضم المسجد الأقصى ـ ذلك المسجد الجريح الذي يتعرض لاعتداءات شنيعة على يد الصهاينة، وعلى مرأى من العالم دون اتخاذ أي موقف جدّي يردع ذلك العدو البشع عن أعماله الاستفزازية الحمقاء ـ الذي كان منتهى رحلة الإسراء بالرسول محمد (ص)، ومبتدأ رحلة عروجه إلى السماء الذي أشير إليه في القرآن الكريم موصوفاً بالبركة، يقول سبحانه، وتعالى في محكم تنزيله : ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)). صدق الله العظيم

- موقف الشعراء من قضية فلسطين، و ردود أفعال المجتمع الدولي

تناول الشاعر كاظم كامران شرفشاهي القضية الفلسطينية، حيث يقول ما معناه :
يا قبلتي الأولى
لا يستطيع أحدٌ أن يفصلك عنّي، لا أحد
وأنا ما زلتُ حتى الآن آملُ في الوعودِ الإلهية
ولن أقبلَ أيّة قصاصة ورق باسم " الوثيقة "
مُحطّمٌ منَ العذاب
وما أكثرَ الآلام التي بقيت مكبوتة
وكأنما الرياح المثيرة للغبار لا تسمح بالتفتح
فمنذ أمد بعيد لا يصل الحق إلى صاحبه
تحمل هذه القصيدة الموجهة إلى القدس في طياتها معنى العذاب، وسأم الشكوى، واليأس الناجمة عن معايشة التجربة المريرة التي تتعرض لها، وفي الوقت نفسه تحمل معنى التمزق، و التفجع اللذين يشبهان حالة التأرجح بين الحلم المأمول، والواقع المتحقق . فالقدس جزء لا يتجزأ من وجدان المسلم، وكيانه. لِمَ لا والقدس تضم في حضنها أولى القبلتين، وثالث الحرمين.
وإن كان الواقع يؤكد أنها (القدس) ترسف في قيد الأسر بعيداً عن أيدي المسلمين وأحضانهم، والأمل يكمن في الوعد الإلهي بنصر المؤمنين، وهو الوعد الذي لا يتطرق إليه الشك بالطبع، بينما الواقع يعلن صراحة عن عدم تحقيق هذا الوعد حتى الآن بسبب ما يكتنف القضية من التعتيم، والتغييب اللذين تثيرهما قصاصات من الورق لا يمكن لمؤمن حقيقي أن يقبلها، فتصير الحال إلى الظن أن التشاؤم أو اليأس ربما يكونان هما القاعدة.
ولكن الشاعر يمضي متجاوزاً تلك الحالة السلبية محاولاً التحلي بقدر من الإيجابية، فيعمد إلى تقديم تفسير لهذه الحالة ، حيث يقول ما معناه :
ما زال العالم حتى الآن لم يتعلّم لغتَكِ
وما زلتِ حتى الآن لم تتعلّمي
ألا تُلدغي من جحرٍ واحدٍ مرتين
ولا تثقي في كلبٍ يُعلِّقُ في أنيابه غصنَ زيتون
ولا في عَبَدَةِ العجلِ
الذين ضايقوا حتى موسى نفسه
ويصلبون مسيحاً كل يوم
في أرض الميعاد
على نجمة داود
وما حدث لم يكن ليحدث
لو لم تتعلقي بمؤتمرات تقتل الحق، والوقت معاً.
يستحضر الشاعر التراث الديني الذي عرفته فلسطين المتمثل برمز السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، حيث يستخدم صورة صلبه ، والعذاب الذي يحتمله المواطن الفلسطيني هو نوع من عذاب المسيح الذي شُبِّه لليهود يوماً أنهم صلبوه بقصد تعذيبه، وقتله حتى أصبحت صورته رمزاً شعرياً.
ويؤكد الشاعر أن فلسطين لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه الآن لولا أن شعبها تراخى في البداية، واتكل على عقد المؤتمرات، والاجتماعات الأممية، وإصدار القرارات الوهمية الفارغة التي تؤكد قداسة الصمت العالمي المتواري في استحياء، تلك المؤتمرات والاجتماعات والقرارات التي تعلق بها الشعب الفلسطيني خاصة، والشعب العربي عامة.
أية حقوق إنسان هذه التي يتحدثون عنها ؟ وأهل فلسطين يأكلون التراب، ويستخدمون الحجر سلاحاً، بينما الكيان الغاصب يأكل الطعام، ويستخدم الجرَّافات سلاحاً لاقتلاع بيوت العرب الفلسطينيين من أساسها. فالجرائم التي ارتكبها الصهاينة في جنين جسّمت ذروة الوحشية الاستعمارية. فأين منظمات حقوق الإنسان التي يدعي وجودها العالم؟ و بأي صحراء تنبت ؟ فلم يغض النظر الشاعر بهزاد بيگلي عن الإحساس بآلام الجوع، فيقول معبراً عن ذلك بما معناه :
التراب مقابل الطعام
الجرّافة مقابل الحجارة
" جنين " مقابل الصمت
على فكرة لم تقل :
في أية صحراء تنبت منظمة حقوق الإنسان ؟
فهذا هو الاضطهاد نفسه، وهذا هو الإرهاب ذاته، فتارة يوجه العدو على الشعب الدبابة، والبلدوزر، كما فعلوا في جنين، والعالم ساكت دون أن يتحرك ، يقدِّس الصمت إزاء ما يجري في فلسطين، وتارة أخرى يمنع دخول المساعدات الإنسانية من طعام، وشراب، وأدوية، وخيام، وكساء إلى الشعب العربي الفلسطيني المحاصر في أكبر سجن في العالم، يريدون اقتلاع ذلك الشعب من جذوره؛ ليحلَّ محلَّه اليهود القادمون من أنحاء متفرقة من العالم ، بينما عيون المجتمع الدولي تنظر شاخصة لما يجري من دون تحريك أي ساكن؛ بل وبعض الدول المنحازة لم تعترف بجرائم إسرائيل التي ترتكبها بحق الفلسطينيين. و بعد هل هناك منظمات حقوق دولية تحفظ حق الفلسطينيين مما يعانون من العذاب ؟ يتضاعف الشعور بالتشاؤم الذي غمر الشاعر بإحساس مرٍّ ملئ بالفشل، والملل، والضيق ذرعاً، والبرم من الحياة ، شعور مغموس باليأس يخنق نغمة الأمل.
فالقصيدة لامست بعض ما تمر به القضية الفلسطينية من تلكؤ الأنظمة الحاكمة، وبطئها حيال نصرتها. والأمر واضح لا يحتمل الإغراق في متاهات التأويلات أو المناقشات التي لا تعدو كونها إضاعة للوقت، والحق معاً. و لمواجهة أي موقف لا بدّ من التعامل معه بالأسلحة التي يستخدمها نفسها، ولا بدَّ من التعلّم من أخطاء الماضي، وعدم تكرارها.
يبين لنا الشاعر في المقطوعة السابقة مأساة الفلسطينيين في الأرض العربية المحتلة من خلال ممارسة الصهاينة أبشع حملة في تاريخ الإنسانية لمحو الذات العربية، ولسلخها عن لحمة الحضارة العربية القديمة العريقة .
ويتفق الشاعر كاظم كامران شرفشاهي مع الشاعر بهزاد بيگلي في الهجوم على العالم الذي يتغافل عن المظالم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وغيره من الشعوب المستضعفة ، حيث يقول ما معناه :
إنني أنشد
من أجل السماء التي لم تعد زرقاء
من أجل أرض أصبحت حمراء
مع أنه لا توجد هناك أذن للإصغاء
فهذا القرن هو قرن العجائب!
قرن القرارات الجوفاء
قرن وثائق الوعود الهشّة
قرن الميداليات الفخرية الملوثة
قرن منح جوائز السلام للمزورين
قرن تحالف النسر، والضبع
قرن منظمات الأمم القوية
قرن القرود المقلدة
قرن الحشرات الصغيرة المتعاظمة
قرن النظارات المعتمة
قرن الصرب والرصاص والبارود
قرن كل شيء إلا الخير
تركز القصيدة على نغمة جريحة، فالقرن العشرون باختصار هو قرن كل شيء إلا الخير، فصيحةُ الأسى، والحسرة، والألم على ما تعرضت له فلسطين(وغيرها) من دمار، ومذابح لا تجد مَن يسمعها في هذا العالم الذي بلغ درجة كبيرة من التدني والسقوط،، حيث شاعت فيه المفاسد، والمظالم، واختلت فيه الموازين، وسادت فيه كيانات هشَّة صارت تطلق الشعارات الكاذبة، والقرارات الوهمية التي لا معنى لها في حين تعيث القوى الباطشة الباغية فساداً، وظلماً في الأرض مستندة إلى قوتها وجبروتها، وإلى هذه الحالة المتردية التي يعيشها العالم. فالشاعر يفضح سوءاتهم بشكل صارخ، لا تلعثم فيه ولا تردد، ويكشف عن جرائمهم بجرأة ،ووضوح .

- موقف الشعراء من المقاومة والصمود

ينقل لنا الشعراء صورة حية للواقع الذي يعيشه الفلسطينيون منذ النكبة في عام 1948 م، حيث يولدون مقاومين أبطالاً صابرين، شُغلهمُ الشاغل مقارعة الصهاينة، ويولد معهم الحسُّ النضالي، والثوري الذي يسري في نفوسهم . يتمسكون بالأمل القادم لتحقيق الحرية، ويقول الشاعر محمد رضا سهرابي نژاد ما معناه :
حجرة درسه ميدان حرب
نشيده الكره من الاستسلام، والعار
وقلم طفل القدس المشرد
البندقية، البندقية، البندقية.
تتمثل المقاومة عند الشاعر في اتخاذ الطفل ميدان الحرب مدرسة له، فبدلاً من أن يذهب إلى المدرسة ليتعلم في الصف كيف يمسك بالقلم ؟ يذهب إلى ميدان القتال ليتدرب على حمل البندقية ، وهو حتى لو ذهب إلى المدرسة ؛ فإن الكتب تحمل صوراً، وأناشيد لأمجاد عربية فلسطينية تغنت بمواقف البطولة تعدُّ رافداً مغذياً للروح الوطنية الثورية ، أمّا نشيده في الميدان فهو كره التخاذل، والاستسلام الذي يتعلمه في الصف، وأما البندقية فتبعث في نفسه روح العزة، والفخار عندما يحارب الأعداء الذين اغتصبوا أرضه، وحاولوا أن يعتدوا على عرضه.
وفي قصيدة أخرى يشبه الشاعر طفل الحجارة بالفهد، ويجعل مهرَ البنتِ الفلسطينيةِ المقاومةَ القرآن الكريم، وهديتها البندقية، يقول الشاعر سهرابي في قصيدة له بعنوان "بنت القدس" ما معناه :
يقفز من على الصخور كأنه فهد
وكأنه ولد في الخندق، وكأنه ابن المعركة
ومهر البنت المناضلة، يا قدس
كلام الله ، وهديتها البندقية
يركز الشاعر سهرابي على المعاني التي تثير النخوة العربية؛ حيث إن المرأة تحظى بمكانة سامية عند الإنسان العربي، فهي شرفه الذي يستشهد من أجله ، نرى في الأبيات صورة واقعية صادقة، ونحس فيها عمق العاطفة، ورهافة الحس، وتسودها مشاعر التحدي، والاعتزاز بالشباب الفلسطيني.
فثقافة المقاومة انتشرت في أنحاء فلسطين حتى ولو بالحجر، يقول الشاعر بهزاد بيگلي في قصيدته لا أقسم بهذا البلد :
حين تَرفعُ الحجر
تغلب العالمَ كلَّه،
عندما رفعت ملايين الطيور
على غصون قلبك
نشيد الحرية
يخاطب الشاعرُ الطفلَ بأن إمساكه الحجر، ورفعه في وجه المحتل يملِّكه شعوراً بأنه مالك الكون، وأنه نال، وأهله حريتهم غير آبهٍ بما سيلاقيه.
أجل ، هو زمن الحجر، لذا سمى الشاعر سهرابي المقاومة في فلسطين ثورة الحجارة، تلك الثورة التي ستضمن لفلسطين الصمود، والانتصار، والبقاء إلى أن تقوم الساعة، ويرث اللهُ الأرضَ، ومن عليها ، حيث يشبه الشاعر سهرابي فلسطين في عزمها، وقوتها، وصبرها بالأسد المقيد بالأغلال تارة، وبأنها سهم في عيون الأعداء تارة أخرى؛ لذا فإنها ستبقى حية لن تموت، فيقول في قصيدته "الانتفاضة" ما معناه :
أنتِ ذاك الأسدُ المكبلُ بالسلاسل
وأنتِ سهم في عيون الأعداء
أنتِ بثورة حجارتكِ هذه
لن تموتي، لن تموتي، يا فلسطين
ففلسطين مثخنة بالجراح الآن، مطعونة المشاعر، مقهورة؛ لأنها أرض الأنبياء ، وترزح تحت هيمنة مستعمر غاشم، لا يعرف الرأفة، ولا يعرف الدين ، ويجهل التاريخ ، ولكنه يعرف الدم، والقتل، والتدمير، يقول الشاعر إسرافيلي في قصيدته " فلسطين الجريحة :
يا فلسطين الجريحة أخبري كم خطوة
قد بقيت حتى نهاية الليل، وحتى السحر ؟
في ميدان الدماء، والبارود، والجراح
قولي كم روحاً قد بقيت دون درع ؟
فقد جعلت ثورةُ الحجارة الأرضَ تهتز من قوة أقدام الأطفال الرجال، وقوة وقع الحجارة، تلك الثورة، بل الانتفاضة بعثت رسالة إلى العالم بأن فلسطين ستبقى رغم أنف الصهاينة ، ما دامت الانتفاضة مستمرة، والعالم خائف من اقتراب الكون من النهاية، يقول الشاعر سهرابي في قصيدته " الانتفاضة :
تهتز الأرض من ألحان قدمك
تعطي رسالتك حياة جديدة
فلسطين أنتِ حية بالانتفاضة
العالم مضطرب خشية انتفاضتك
فالانتفاضة في صراعها الدامي مع الصهاينة، ومسيرتها الطويلة، وتعدد أساليبها، وتجدّد وقائعها على مدى السنوات بأيامها، ولياليها، وعبر مناطقها تعطي رسالة للعالم أن فلسطين ستبقى.
وإن جاء عدوه بعدده الكثير المدرَّب، و المدجَّج بالسلاح الثقيل المتنوِّع؛ ليعتقل هذا الطفل السابح في فلك الحرية عقاباً له على رميه الصهيونيَّ بالحجر، جاء ليحرق الأخضر، واليابس، وليقمع أي صوت هاتف، وليطمئن العدو فيما إذا بقيت روح الثورة، والمقاومة بالأرض، وروح التشبث، والتمسك بالوطن من خلال وجود الأعلام الوطنية الفلسطينية مرفوعة على زوايا البيوت ، أو وجود أشجار الزيتون المثمرة؛ أي هل للفلسطينيين أمل في البقاء على أرضهم، فيقومون بسقاية أشجار الزيتون، ورعايتها. يبدو أن الأمر كذلك . وأن أختَ المقاومِ تحرق نفسها حتى لا ينال الصهيوني من شرفها ، ولتبقى الغَيرة الميتةُ في العرب خاصة، والعالم عامة أحلاماً يرونها في المنام حتى ينهض الأطفال من رحم الأمهات، والرجال من تحت التراب لمتابعة خط المقاومة من أجل الحرية؛ لأن الكيان يستخدم "أساليب التهجير، والإبعاد، والنفي، والسطو الحضاري، وتشويه الثقافة الفلسطينية" ، يقول الشاعر بهزاد بيگلي في قصيدته من رماد الحرية :
اليوم
كان قد جاء العدو
مع فيلق من المدفعية، والدبابة، والبندقية
ليعتقل طائراً، عقاباً على رمي الحجر
كان قد جاء العدو ليرى
هل بقيت راية في زاوية البيت أم لا ؟
هل يوجد غصن زيتون يثمر؟
ويحيي عدّة عوائل لبضعة أيام؟
اليوم، حينما جاء العدو
حرقت أختي نفسها
حتى تبقى الغيرة الميتة لأولي الأمر في المنام دائماً
وغداً
ستقوم طيور أبابيل الحرية من رمادنا
الأطفال الرضع الذين يحمل تراب الوطن
طراوة انتظارهم دائماً
ويقول في قصيدته الحزن المكتوم :
ليس لدي كلام إلا أنشودة الصداقة
تحت مطر من الوهم في قفر من النفاق
ليس لدي كلام إلا نجوى خفية
في حبِّ عينين حمراوين من كثرة نكران الجميل
هنا تخلق النساء أولادهن من الحجارة
لا يشم من هذا الباب غير الصمود
ليس على الجدران غير الألم، و الدم، والشقاوة
إلا عار تاريخ من الغضب، والخداع، والوقاحة
ليس الزيتون، والنخيل، والشقائق سوى كذب، وخداع
عليك ألا تجد في هذه الصحراء المدمَّرة غير التأوه
نفدت ألفاظ الشاعر، ومفرداته التي يعبر فيها عما يحصل في فلسطين المحتلة، ولم يبقَ لديه إلا أنشودة الصداقة، والحب، والود ، يناجي فيها نفسه . ولكن لا وجود للصدق، والود؛ لأن الخداع، والنفاق، والكذب هي ثقافة المحتل، وبعض الذين يدعمونه في العالم؛ لذلك اكتفى الشاعر بهمسات خافتة منتظراً عودة جيل أطفال الحجارة " الأطفال الرجال " الذين عوَّدونا أن نرى في أرض فلسطين الشهداء ، والجرحى المشوهين، والأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى المشردين. واعتدنا أن نرى التخاذل، والنفاق، والحماقة، والوقاحة، والتزوير، فلا وجود لأشجار الزيتون، والنخيل؛ لأن المغتصب قد اقتلعها من جذورها، ثم أحرقها، وأصبحت تلك الأرض صحراء قاحلة ، وكأنها غير مأهولة منذ زمن بعيد، يصرخ الأطفال فيها، ويتأوهون من الألم . أجل لا يرى الشاعر بيكلي إلا التأوه في تلك الأرض القفر، في حين يرى الشاعر حسين إسرافيلي :
دم الشيخ أحمد
كان انفجاراً من نوع آخر
ينشر ظلم فلسطين ( الظلم الذي تتعرض له فلسطين )
أوضح من الفضائيات
فدم الشهيد المجاهد العاجز جسدياً الشيخ أحمد ياسين المسفوح على الأرض عجزت قنوات التلفزة الفضائية، وما أكثرها عن وصف ذلك المشهد الذي تدمى له القلوب ، بل إنها لم تقل الحقيقة، ولم تدن ذلك العمل الإرهابي الجبان؛ لأن أجهزة المخابرات الأمريكية ، والإسرائيلية هي الممولة، والموجِّهة لتلك الفضائيات؛ لذلك حرَفت الحقيقة من خلال لقاءاتها القادةَ الصهاينة ليبرروا ذلك العمل الجبان، فقد كانت شهادته إشارة لانطلاق الانتفاضة، واستمرار المقاومة .
ويريد الشاعر من الجبال العالية أن تنحني إجلالاً وتكريماً لدم الشهيد فتحي الشقاقي حتى يرى الشاعر القدس شامخة، ويرى دم الشهيد الشقاقي يجري مُحدِثاً اهتزازات ، وتموجات باتجاه قرية "الطف" ، وليرى أيضاً نعوش الشهداء الذين يصلي عليهم القمر حزيناً باكياً عليهم ، يقول الشاعر إسرافيلي :
أيتها الجبال العالية
اخفضي رأسَك كي أشاهد القدس
وأرى دم الشقاقي يهتز
ويجري باتجاه " الطف "
وكذلك نعوش الشهداء
الذين يصلي عليهم القمر
وهو يبكي، ويتألم
يفعلون هذا كله ، ويتحدثون عن السلام، ثم يتحدث شارون من خلال الفضائيات رافعاً شعارات الدعوة إلى السلام، ومكافحة الإرهاب ، تلك الشعارات التي سرعان ما تتبخر جرائمه الوحشية ، يقول الشاعر إسرافيلي مخاطباً شارون :
أنتَ تتحدث عن السلام، والإرهاب
وقاذفات قنابلكَ
تخلق الذعرَ
في العراق، وأفغانستان
وتقلب الأرضَ رأساً على عقب
ويقتل شارون أيضاً
مثل أسلافه
وهم يدعون السلام
ويقول الشاعر روح الله لطيفي الرستمي :
إذا نشبت أظافر النسر على دارك
أو يكون نصيبك التشرد من بيتك
فلماذا الكآبة، والحزن، والآلام؟
فإن قلوب كلِّ المسلمين عشُّك .
يشبه الشاعر هجوم الكيان على العرب، وهدم منازلهم، وهدم أراضيهم ، والانقضاض عليهم وتهشيمهم، وتشويههم بأظافر النسر الحادة التي يغرزها في فريسته ليتمكن منها. وهو رمز لنسف الحياة، والقضاء على الإنسان الفلسطيني، والاستهانة بالعرب ، واستضعافهم ، وهو تصرف أقسى من الحكم بالإعدام . فنسف البيوت العربية في فلسطين نسفٌ للوجود العربي، وتصفية للفلسطينيين إما بالقتل ، أو بالتهجير إلى خارج حدود الوطن؛ لأنهم يريدون أرضاً بلا شعب ، حيث سخَّر الصهاينة للنفي الثقافي مختلف الإمكانات، والأساليب العسكرية، والثقافية أيضاً . ولكن لم تكن الطريقتان ناجعتين معهم؛ لأن العرب، والمسلمين فتحوا قلوبهم لاحتضان أشقائهم الفلسطينيين المشردين، وفتحوا لهم بيوتهم، وساعدوهم مادياً، ومعنوياً استعداداً للمقاومة من جديد، فلا تحزن أيها الفلسطيني ولا تكتئب، ولا تتألم، فنحن جميعاً معك.
فاستعادة الحق المسلوب، وتحرير الوطن لا يتحققان إلا بالنضال مهما كان مقدار التضحية، ولن يعيد الحقَّ إلا أصحابُه ، وعن هذا المعنى يعبّر الشاعر محمد رضا سهرابي نژاد، فيقول ما معناه :
في السجن تحت تعذيب الجلاد
يُطلِق الأسرى من صدورهم صيحةً :
لو بقي منا واحد فقط
فسوف يحرِّر فلسطين
يسجل الشاعر صورة العذاب، بل ينقل لنا لقطة حيَّة للروح الوحشية التي يتسم بها المغتصِب، ويرسم لنا صورة الأمل المتمثلة في الصبر، وقوة الإرادة، والتصميم على تحرير فلسطين، ولو بقيَ فلسطيني واحد حرَّاً.
فأبناء الشعب الفلسطيني يعانون ألوان القهر، والعذاب، والتضييق، ولكن كل هذه المعاناة لا تزيدهم إلا إصراراً؛ لأنهم أدركوا أن صمودهم هو السبيل الوحيد إلى الحرية، فكأنهم على يقين من أنهم مهما فقدوا في سبيل دفاعهم عن وطنهم، وحقهم السليب، فإنهم سيظلون على صمودهم، وسوف يجدون مِن بينهم مَن يواصل مسيرة الجهاد، والنضال حتى النهاية المرجوة؛ وهي النصر، واستعادة الحق. وكأن جميع الأسس التي ينشأ عليها الشباب من الجيل الحالي في فلسطين تنحصر في النضال ضد المغتصبين.
ولا شك في أن ذلك هو المنطلق الذي اندلعت منه الانتفاضة الفلسطينية على أيدي الشباب، والصبية " الأطفال الرجال" من أبناء الشعب الفلسطيني. ومن هذا المنطلق نفسه جاءت الإشادة العامة ـ بل الفرحة ـ بهذه الانتفاضة من جميع المسلمين، والعرب. وقد عبر الشاعر بهمن صالحي عن الانتفاضة الفلسطينية، فقال ما معناه :
اقذف على صدر العدو، فاليوم يوم رجم الشيطان
حتى وإن كان ما بيدك هو آخر أحجار الصحراء
اقذف غاضباً بكل ما بقي في ذراعك من قوة
وإن يكن الحجر في حرب غير متكافئة كهذه مثل اللكمة في السندان
اقذفه من هذا الجانب لحدود الرياح، يا من كلكَ كراهية وصراخ
وإن يكن الرد على صرختك رصاصة من الجهة الأخرى للميدان
فهذه الأحجار الصّمّاءـ ولكنها مليئة بالكراهية، والحقد، والغل ـ
هي زهرات ألفاظ شعر التمرّد في دفتر تاريخ الحرية.
فإذا كانت الانتفاضة - في واقع الأمر- هي دخول في معركة غير متكافئة في القوة والسلاح، إلا أنها ـ في هذه الحالة ـ ليست إلقاء لليد في التهلكة؛ وإنما هي مثار للإعجاب، وقد خلع عليها الشاعر صفة الجهاد المقدس، وهي تمثيل للفعل الإيجابي بعد فشل الأساليب السلبية جميعها من مفاوضات، ومباحثات، وما إلى ذلك، وهو فعل قَدره أن يتنامى ، ويتطور سواء بالأسلوب نفسه أو تتخذ له أساليب أخرى فهو على أية حال، وأياً كانت نتيجته نفي لحالة الجمود، والسلبية التي من المؤكد أنها لا تؤدي إلى أية نتيجة .

- خاتمة البحث:

إنّه الحديث عن موقف الشعراء الإيرانيين بعد انتصار ثورتهم في عام 1979 م لا يستطيع مقال أن يفي هذا الموضوع حقه؛ إذ يحتاج إلى رسائل علمية، وكتب لإيفاء هذا الموضوع حقه ؛ فمعظم شعراء الحداثة في إيران كتبوا في القضية الفلسطينية وكتبوا من أجل القدس، وأرجو أن يكون هذا المقال بين موقف أولئك الشعراء من فلسطين، وشعب فلسطين، حيث تحدثوا عما يتعرض له الفلسطينيون من ظلم، وقهر وقسوة، وإهانة، وتشريد . كما تحدثوا في أشعارهم عن الصمود، والمقاومة، والنضال والصبر، والأمل، والإصرار الذي يتمتع به الشعب الفلسطيني. وتناولوا في أشعارهم وصف المعركة المصيرية غير المتكافئة بين شعب أعزل يتآمر المجتمع الدولي عليه ويتخاذل في مواقفه، ويتخذ مواقف إيجابية مجاملة للشعب الفلسطيني، ولكن سرعان ما يسحب قراراته أو يجمِّدها استجابة لطلب الدول العظمى المنحازة للكيان الصهيوني وبين عصابة انتهازية يتعاطف معها المجتمع الدولي المنحاز لها، و يؤيدها لتحقيق أهداف سياسية ؛ عصابة مزودة بأعتى أنواع الأسلحة، مدعومة بمواقف سياسية في المؤتمرات الدولية التي يغض أعضاؤها النظر عما تفعله تلك العصابة في أبناء فلسطين من تقطيع للأيدي، والأرجل، لقتل الأطفال، والشيوخ، والنساء بالدم البارد وقلع الأشجار، وجرف البيوت، وتشريد أهاليها من دون رحمة، ولا شفقة . هذه المواقف كلها رصدها شعراء الثورة الإيرانية رصداً حقيقياً، وواقعياً ملموساً.

ملاحظة

المصادر والمراجع
1 ـ القرآن الكريم ، سورة الإسراء
2 ـ بهزاد بيگلى، نخل وزيتون، مركز پژوهان شاهد ، شهريور1383 هـ . ش
3ـ بهمن صالحي، كسوف طولاني، نقلاً عن ساعد باقري، ومحمد رضا محمدي نيكو ، شعر امروز، انتشارات بين المللى الهدى، ط 1، 1372 هـ . ش.
4 ـ حسام الخطيب، من مقاله : المعاناة الثقافية في الأرض المحتلة، (كتاب العربي)، بعنوان : (الفلسطينيون من الاقتلاع إلى المقاومة) الكتاب التاسع عشر، 15 أبريل عام 1988م .
5 ـ روح الله لطيفي رستمى، نخل وزيتون، مركز پژوهان شاهد، شهريور 1383هـ . ش
6 ـ حسين إسرافيلي، مثل آتش كه در دل سنگ، مجموعه شعر، ناشر خورشيد باران، جاب محيا، چاپ1، سال 1383 هـ . ش.
7 ـ سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، القضية الفلسطينية في كلام الإمام الخميني، دمشق ، ط 1 ، عام 1420 هـ = 2000 م
8 ـ طارق محمد محمود أحمد، الشعر الإيراني بعد الثورة دراسة في الفن والمضمون، رسالة دكتوراه (مخطوط) جامعة عين شمس (مصر) عام 2004 م.
9 ـ علي لاريجاني، سيرى در انديشه دفاعى حضرت امام، بنياد حفظ آثار، وارزشهاى دفاع مقدس، طهران، ط 1، 1377 هـ .ش .
10 ـ كاظم كامران شرفشاهى ، گزيده ادبيات معاصر ، مجموعه شعر، انتشارات نيستان، طهران، ط 1 ، 1378 هـ . ش .
11 ـ فاطمه امير خانى فراهانى ، فلسطين من منظار قائد الثورة الإسلامية في إيران، ترجمــة : د . عبد الأمير عبد الزهرة عناد الغزالي، مراجعة، وتنقيح رعد جبارة . د .ط ، د . ت .
12 ـ محمد رضا سهرابي نژاد، اين همه باران، دفتر رباعى دوبيتى، چاپ: سازمان چاپ دانشگاه آزاد اسلامى ، دفتر فرهنگ مقاومت، انتشار زمستان 1383 هـ . ش، چاپ اول..

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

5 من الزوار الآن

876969 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق