المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الفكر السياسي > الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل (الحلقة الثالثة)

23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018

الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل (الحلقة الثالثة)

ملف فتح

التيار المستقل
(حركة التحرير الوطني الفلسطيني « فتح»)

لعل أبرز ما ثبت عن حركة « فتح»، في المصادر التاريخية والموسوعية والدراسات وسِيَر بعض المؤسسين، أنها أول حركة فلسطينية خالصة تنشأ بعد النكبة. وليس هذا الثبت من الأهمية إلا بالقدر الذي يجعلها قائدة لكفاح الفلسطينيين منذ ما بعد حرب حزيران سنة1967، ومن حيث أنها تشكل سلسلة خلاصات لحركة ذات نشأة معقدة تنظيمياً وبالغة الجدية في مسار الصراع العربي- الصهيوني، وفي مستوياته الإستراتيجية فلسطينياً وعربياً، خاصة، إقليمياً ودولياً. ففي كل فعل أو نشاط أو موقف بالغ ما بلغت أهميته، كانت « فتح» وظلت متميزة ومثيرة بقدر ما تحدث من تحولات بنيوية عميقة أو انقلابات جذرية سياسية واجتماعية على الصعيد الفلسطيني أولا وعلى الصعيد العربي ثانياً وفي الاتجاهين الشعبي والرسمي ثالثا.

فعندما انطلقت « فتح» سياسياً (أواخرعام57 وأوائل عام1958) نادت بشعار « فلسطين أولاً» أو « فلسطين طريق الوحدة». وكانت القومية العربية كأيديولوجيا في ذروتها، فاعتبرت شوفينيه وعنصرية وإقليمية. وعندما انطلقت عسكرياً (1965) رافضة خطة « الحرب المباغتة» التي عبر عنها الخطاب السياسي العربي والأيديولوجيات القومية، قيل أنها تسعى لتوريط العرب وأنها تسعى إلى الانفراد بالعمل الفلسطيني. وتعاملت معها الدول العربية، فيما عدا الكويت والجزائر، كمجموعة مجهولة (سوريا) أو بجهل تام (العراق) أو كجماعة تنتمي إلى « الإخوان المسلمين» (مصر). ووصل الأمر ببعض الصحف اليومية في لبنان إلى حد وصفها بالتبعية لوكالة المخابرات الأمريكية (C.I.A) وحلف « الناتو». وعلى النقيض من ذلك اتهمت بالناصرية من قبل الساسة اللبنانيين. أما القيادة العربية الموحدة فما أن سمعت بالبلاغ العسكري الأول الصادر عن قوات العاصفة التابعة للحركة بمناسبة بدء العمليات العسكرية في7/1/1965 حتى أصدرت قراراً إلى قيادات الجيوش العربية كافة بملاحقة عناصرها والقبض عليهم، وتكرر الإعلان عن القرار رغم أن الحركة خاطبت مؤتمر القمة العربي الثالث بمذكرة سياسية في10/9/1965 أشارت فيها: « أن المنطلق الأساسي لوجود الحركة أصلاً هو الإيمان الجازم الذي لا يقبل الشك ولا التعديل بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير الأرض السليبة وأن الشعب العربي الفلسطيني هو رأس الحربة وطليعة الكفاح ».

وقد استمرت الحملة على حركة « فتح» حتى وقوع الكارثة (1967)، وكانت السعودية من بين الدول القليلة التي أيدت استئناف الكفاح المسلح بينما برز الرفض أو التردد واضحاً في الموقف الليبي أو العراقي، أما في مصر فاستمر الحذر إلى حين، وبعد معركة الكرامة جنوب الأردن (آذار/مارس1968) لم يعد وجود لأي اتهام أو موقف، ولم يعد ممكناً أمام الدول العربية إلا تأييد الكفاح المسلح الفلسطيني. والآن من هي حركة « فتح»، تنظيمياً وسياسياً وأيديولوجياً ؟ هذه هي المحاور التي سنتصدى لها بالبحث طي الصفحات القادمة.

أولا: الهوية التنظيمية

بداية علينا أن نوضح أن المقصود بالهوية التنظيمية هو تتبع المسار التاريخي لنشأة حركة « فتح» وليس ملاحظة البناء الداخلي للحركة كتنظيم سياسي وعسكري. صحيح أنه ثمة تميز ثابت ومستمر لحركة « فتح» حتى في مستوى الهيكل التنظيمي مقارنة بالمنظمات الأخرى ولكن ليس هذا هو موضع الاهتمام فالإشكالية التي نطرحها، هنا، تنطلق مما يمكن اعتباره مسلمة قوامها أن حركة « فتح» لم تتماثل نشأتها التنظيمية بالنشآت التقليدية التي ترتبط بمجموعة معينة كحركة القوميين العرب أو كتيار أيديولوجي انبثق عن حزب ما أو كنتيجة لجهود فردية تمتعت بشخصية كاريزمية أو سليلة لشرعية سياسية أو دينية أو تراث أيديولوجي أو لأي من الرأسمالات الرمزية أو حتى صنيعة لدولة أو جهاز أمني أو لمؤسسة ما. ليست « فتح» في الحقيقة كمن نشأ على خلفية أي من المحتملات السابقة، وليست حتى وليدة ردود فعل إلا في سياق معين لبعض المجموعات المشاركة في التأسيس. إذن كيف نشأت حركة « فتح» ؟ ومم تتركب بنيتها الاجتماعية؟ وأين يقع مؤسسوها في النظام الاجتماعي وما هي مبررات النشأة ؟ هذه الأسئلة كلها هي محط الاهتمام بما توفر لنا من معلومات عن الأعضاء المؤسسين.

تشير المعلومات المتداولة حول نشأة حركة « فتح» أن المسألة تتمثل بواقع اللجوء الذي نتج عنه شتاتا فلسطينياً في بقاع مختلفة من الأرض. ويذكر خالد الحسن أن الشتات كان يعج بمجموعات فلسطينية مستقلة: « لقد اكتشفنا أنه، بين 1958 و 1962، كانت هناك حركة فلسطينية حيثما وجد تجمع فلسطيني» حركة ذات صبغة سرية تتكون من مجموعة أو مجموعتين من الأفراد أو أكثر بقليل. وخضعت التشكيلات الأولى لهذه الجماعات إلى تقارب معين في الأفكار ناجم عن معاناة فردية خاصة أو ظروف عمل مشتركة أدت إلى تبني أفكار معينة أو بفعل ظروف سياسية حتمت البحث عن بديل عند مجموعة من الأفراد. وتميزت هذه التشكيلات، أيضاً، بطابع استقلالي في العمل وبطابع عملي ينزع بصفة تامة إلى الرغبة في الابتعاد عن الفكر النظري والعقدي الذي عبرت عنه الأحزاب. فمن هي هذه المجموعات؟

 هوية الجماعات المؤسسة

1. مجموعة طلبة الجامعات المصرية

لا يجادلن أحد في أن رحاب الجامعات المصرية خلفت أثارا أبلغ أهمية مما خلفته الجامعة الأميركية في بيروت أو القاهرة فيما يتعلق بنمو الحركة الوطنية الفلسطينية التي شكلت حركة « فتح» نواتها الأولى. فمن الجامعات المصرية تخرجت قيادات الحركة الأكثر فاعلية من المجموعات الأخرى، ومنها أيضاً كانت نقطة الانطلاق في التفكير نحو حركة فلسطينية مستقلة، والمفارقة أن هذه الحركة ولدت كفكرة قطرية من رحم القومية وفي ذروتها بخلاف حركة القوميين العرب التي ولدت قومية من رحم القطرية واقتصرت على مجموعة محددة من الفلسطينيين وانتهت تنظيمات قطرية مستقلة. فمن هم أعضاء النواة الأساسية في طلبة القاهرة؟

دائماً وأبدا ، يشار إلى ياسر عرفات وصلاح خلف وخميس شاهين وزهير العلمي وعبد الفتاح الحمود وسليم الزعنون وكمال عدوان فضلاً عن سابقين مثل فتحي البلعاوي ولاحقين مثل فاروق القدومي. وعلى أية حال فإن ياسر عرفات تربع طوال وجوده في القاهرة على رأس هذه المجموعة. ومن اللحظة لا يوجد إجماع حول شخصية « عرفات » وحياته كما يلاحظ من الدراسات التي تعج بالروايات المتضاربة. وقد استجمعت باحثة غربية سلسلة من المعلومات، من مصادر عدة، عن شخصية عرفات التي تقول أنه ولد في شهر كانون أول/ ديسمبر سنة 1929 باسم « عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات الحسيني»، ولكن ليس معروفاً على وجه التأكيد إن كان قد ولد في القدس كما يقول، أو في غزة. إلا أنه تتلمذ، وهو ما يزال شاباً يافعاً، على يد الزعيم العسكري الفلسطيني عبد القادر الحسيني. واتخذ له اسماً حركياً (مستعاراً) هو « ياسر» ثم عرف بـ « أبو عمار» في إطار حركة « فتح» . وفيما عدا الاختلاف في الاسم الأول، حين يستبدل بـ« محمد» والاسم الأخير حيث «الحسيني» ملحقاً بـ « القدوة» تضيف مصادر أخرى أن « عرفات » ينتسب إلى عائلة «الحسيني» من جهة الأم التي تنتسب إلى عائلة « أبو السعود» إحدى اعرق العائلات في القدس. وتقوم صلات عائلية بين العائلتين «الحسيني» و« أبو السعود». أما والده فهو من عائلة « القدوة» المتوزعة بين غزة وخانيونس. وفي سنة 1927 انتقلت عائلته إلى القاهرة تأثراً بالضغوطات السياسية والمالية التي فرضها حكم الانتداب. ثم أعيد وأخيه فتحي إلى القدس للعيش في كنف خالهما سليم أبو السعود بعد وفاة والدتهما سنة 1933، إلا أنهما عادا إلى القاهرة سريعاً . ومنذ سن العاشرة من عمره اهتم « عرفات » بالمظاهر الحربية. فكان يجمع رفاقه ويدربهم على المشي العسكري. وكان ينقطع عن التواصل مع المدرسة، وكثيراً ما يتسلل ويهرب نحو الأماكن التي يرتادها رجال السياسة. وفي سنة 1946 اشترك في عملية تهريب أسلحة من مصر إلى فلسطين، وبعد مضي سنة أصبح مشترياً للأسلحة. وفي سنة 1948 اجتمع الطلبة الفلسطينيون في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) وكان من بينهم زميله (حامد أبو ستة) وقرروا حرق كتبهم والذهاب إلى فلسطين للالتحاق في صفوف المقاتلين وكان عمره تسعة عشرة عاماً إلا أنه عاد مسلوب الجنسية والهوية ورفض نصيحة بالسفر إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراسته هناك بينما هو في حالة من اليأس. فتابع كفاحه عبر تدريب الطلبة الفلسطينيين والمتطوعين على القتال في حرب الفدائيين ضد الوجود الإنجليزي والفرنسي في قناة السويس، وقاد الحملة الانتخابية في رابطة الطلبة الفلسطينيين محققاً فوزاً ساحقاً ليصبح رئيساً للرابطة. وبعد تخرجه مهندساً عمل في إحدى مؤسسات البناء المصرية الكبرى ثم تخرج برتبة ضابط مهندس من الكلية الحربية المصرية. وتطور نشاطه إلى أن تولى رئاسة رابطة الخريجين الفلسطينيين . ولما التقى عبد الناصر سنة 1953 تعرف على محمد نجيب أول رئيس مصري، بعد ثورة تموز/ يوليو 1952 وقدم له وثيقة مكتوبة بالدم تطلب منه ألا ينسوا القضية الفلسطينية، وأن يكون الرئيس الفخري لرابطة الطلبة، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر كان « عرفات » ضابطاً في الجيش المصري . واشتهر بكونه خبير في المفرقعات ونزع الألغام.

أما الشخصية الثانية الأكثر أهمية في تاريخ حركة « فتح» فهي صلاح خلف (أبو إياد) الذي يصغر عرفات بأربع سنوات وكان بمثابة الساعد الأيمن له ابتداء من رابطة الطلبة الفلسطينيين. فقد ولد لابن بقال في مدينة يافا سنة 1933، ولجأ إلى غزة مع عائلته محملاً بذكريات مريرة في رحلة اللجوء البحرية بين الميناءين، وعمل في مقهى « الكمال» الذي يملكه عمه قبل أن يتجه إلى مصر بغية إكمال دراسته الجامعية سنة 1951. ولم يكن ليتوجه إلى هناك، في حالة من الفقر، وعلى عكس « عرفات »، لو لم يكن له أقارب سيساعدونه في تمويل دراسته. وبعد صعوبات معينة يرويها في سيرته، استطاع « خلف » الفوز بمقعد دراسي بدار المعلمين تاركا الدراسة في جامعة الأزهر لشغفه بالأدب حيث درس التربية وعلم النفس مستفيداً من منحة جامعية كانت تقدمها جامعة الدول العربية للطلبة الفلسطينيين المحتاجين . غير أنه، وما أن انتظم في الدراسة، حتى اصطدم في مطلع السنتين الأوليتين مع السلطات المصرية في مناسبتين من خريفي العامين 1951 و 1952 على خلفية إلغاء الجامعة العربية للمنح المالية. ففي المناسبة الأولى اشترك في قيادة مظاهرة طلابية نظمت أمام مقر الجامعة العربية واقتحم مع زملائه مقر أحمد الشقيري الأمين العام المساعد المكلف بالشؤون الفلسطينية وحطموا مكتبه وأتلفوا محتوياته. ونجحوا في إلغاء القرار بيد أنه أودع السجن مع زملائه لمدة 49 يوماً ونجا من إبعاده إلى غزة. وفي المناسبة الثانية كان قد تعرف على ياسر عرفات، وابتدأت الصدامات إثر إضراب للطلاب واقتحام لمقر الجامعة. وبالرغم من إفلاته من يد السلطات المصرية واختبائه في بيت « عرفات » بضاحية مصر الجديدة  إلا أن صديقه الجديد أقنعه بتسليم نفسه، فحجزته السلطات المصرية وحاولت إذلاله بوضعه في سجن عابدين بقسم المومسات، وهو المتعاطف مع « الإخوان المسلمين» وسليل عائلة متدينة. وبعد 35 يوما أطلق سراحه بوساطة من أحمد الشقيري، ومنذ ذلك الحين بدا معروفاً لأجهزة الأمن المصرية بالشخص الـ « خطر جداً» .

كانت الحادثة الأولى هي مدخل « خلف » إلى العمل السياسي خاصة بعد أن تعرف إثرها على ياسر عرفات الذي كان يومها مسؤولاً عن التدريب العسكري لطلاب الهندسة الراغبين في الاشتراك بالأعمال الفدائية ضد البريطانيين في قناة السويس. كما أن « عرفات » و « خلف » كانا يناضلان داخل رابطة الطلبة الفلسطينيين التي أسسها الطالب الأزهري فتحي البلعاوي في مصر سنة 1951 وتولى أمانتها العامة، ولشدة تأثيره عليها أسميت فيما بعد بـ « المدرسة البلعاوية» وأضحت تضم كافة النزعات السياسية ابتداء من جماعة « الإخوان المسلمين» فالشيوعيين مروراً بالبعثيين حتى القوميين العرب. وبالنسبة لـ « عرفات » و « خلف » كانا يعتقدان في حينه أنه يتوجب الاعتماد على الذات والابتعاد عن الحزبية والسياسة العربية. هذه القناعات مثلت مدخلهما لخوض انتخابات الرابطة في شهر أيلول/سبتمبر سنة 1952. وبالتحلل من أية أيديولوجيا حزبية خلافاً لغالبية التشكيلات الطلابية داخل الرابطة كان ينبغي عليهما تبرير ترشيحهما وتشكيل قائمة معينة. وفعلاً تم تشكيل لائحة من تسعة مرشحين لملء مقاعد اللجنة التنفيذية تكونت من ستة مستقلين وواحد للإخوان المسلمين وواحد للبعثيين وأخير للشيوعيين، وقدمت اللائحة باسم « مع الاتحاد الطلابي». ويفسر « خلف » نجاح اللائحة بأغلبية ساحقة بأن « الطلاب يتطلعون قبل كل شيء وبرغم معتقداتهم الأيديولوجية إلى عمل وحدوي، أما نحن فلم نقدم أنفسنا كأخصام للأحزاب بل كأنصار»، وبعد الفوز تولى ياسر عرفات رئاسة الرابطة حتى تخرجه سنة 1956 ثم أوكلت المهمة إلى صلاح خلف . لا شك أن سيطرة هذه المجموعة على الرابطة، وبأفكارها الجديدة كان له تأثير كبير على تحول مؤسسة نقابية ذات صبغة سياسية إلى مؤسسة سياسية من الدرجة الأولى، وفي وقت مبكر تسعى لتركيز الهوية الفلسطينية والترويج لها بين صفوف الطلبة الفلسطينيين في الجامعات المصرية خاصة جامعة القاهرة، المعقل الأهم، ثم نقل الفكرة إلى الساحات الطلابية الدولية حين ترأس « عرفات » و « خلف » وفدا طلابيا في شهر تموز/ يوليو سنة 1954 لحضور تظاهرة طلابية ينظمها الاتحاد الدولي للطلاب في فرصوفيا (بولندا)، غير أن الوفد ذهب دون صلاح خلف الذي منع من السفر بحجة أنه شخص خطر جداً . وفي 28 شباط/ فبراير سنة 1955 شنت إسرائيل غارة على قطاع غزة خلفت أكثر من 36 قتيلاً. وكانت الغارة لحظة التحدي المناسبة للسلطات المصرية فنظم اتحاد الطلبة احتجاجات للإضرابات في غزة، وشرع الطلبة في إعلان الإضراب عن الطعام في مقر الاتحاد وتقدموا بمطاليب ثلاثة كـ: « إلغاء نظام التأشيرة المفروض على الفلسطينيين للدخول إلى غزة والخروج منها وإعادة تشغيل الخط الحديدي الرابط بين القاهرة وغزة ( بعد أن قطع في بداية المظاهرات) وإقامة تدريب عسكري إجباري للفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الإسرائيلية». وما أضيف كان المطلب الأكثر أهمية، وهو مقابلة الرئيس عبد الناصر لبحث هذه الشكاوى. وفعلاً تم اللقاء بمشاركة مائتي من الطلاب المضربين عن الطعام منذ يومين. ولبى عبد الناصر مطاليب الطلبة، وقبل خروجهم طلب اجتماعاً منفرداً بينه وبين أربعة منهم تبين لصلاح خلف بنتيجته أن: « عبد الناصر وطني كبير». وخلال الاجتماع بحضور عدد من كبار المسؤولين المصريين، تركز اهتمام الرئيس المصري على اتحاد الطلبة الفلسطينيين وحول مشاعرهم وتطلعاتهم، وكان سؤاله الأول لهم: «هل تنتمون إلى أحزاب سياسية؟ ». ويعلق صلاح خلف بأنه كان: « سؤالا غير حصيفاً وخطراً في بلد فرض الحظر فيه على كافة الأحزاب والتشكيلات واستبدلت بحزب واحد، فكانت الإجابة بلا تردد لسنا سوى طلبة فلسطينيين» .
كان الاجتماع بعبد الناصر ثاني اتصال طلابي بين مؤسسي حركة « فتح» وقيادة الضباط الأحرار. ومن غير المستبعد أن يكون لهذا اللقاء تأثير كبير، على إحساس الطلبة بأهميتهم ودورهم المستقبلي. بيد أن رواية صلاح خلف لم تشر من قريب أو من بعيد لاجتماع سري سابق على الغارة الإسرائيلية. ففي خضم شهر شباط/فبراير تمت الدعوة إلى اجتماع سري في القاهرة لمجموعة من طلبة الرابطة ممن عرفوا بانتمائهم لجماعة « الإخوان المسلمين». وهؤلاء الأعضاء هم: ياسر عرفات « رئيس الرابطة»، عبد الفتاح الحمود « نائب الرئيس»، صلاح خلف « أمين السر وأمين الصندوق»، كمال عدوان « عضو»، خميس شاهين « عضو»، وكان الهدف من الاجتماع البحث في تشكيل نواة لتنظيم فلسطيني من نوع جديد. واتفق المجتمعون على تأجيل الإعلان عن تشكيل الإطار الجديد لما بعد تخرج الأعضاء المؤسسين من الجامعة حتى يتسنى لهم الاعتماد على أنفسهم . ولما انفجرت حرب السويس سنة 1956 نجحت رابطة الطلبة في تشكيل كتيبة فدائيين لمساعدة مصر في المجهود الحربي ضد العدوان الثلاثي الذي اجتاحت جيوشه قطاع غزة وسيناء ومنطقة القناة، وظلت هذه الكتيبة تعمل حتى تحقق فشل العدوان وانسحبت القوات الأجنبية.

أما فاروق القدومي (أبو اللطف) فلم يظهر إلا عشية النصف الأول من الخمسينات، فقد ولد في قضاء نابلس سنة 1930 وأتم دراسته الابتدائية والثانوية في يافا. ولعله فشل في الالتحاق بالجامعة مبكراً، بسبب الحاجة المادية، الأمر الذي اضطره إلى التطوع في الجيش الأردني. غير أنه تركه بعد عام واحد من الخدمة للعمل في شركة أرامكو وسكة الحديد في السعودية حتى عام 1954. وإثرها التحق بالجامعة الأميركية في القاهرة وتخرج عام 1958، وكان عضوا في رابطة الطلبة، ثم التحق بعد تخرجه بحزب البعث العربي الاشتراكي. وغداة تخرجه عمل لمدة ستة أشهر في مجلس الإعمار الليبي ثم في وزارة الزيت والمعادن السعودية . ويبدو أنه انطلق من هناك نحو الكويت ليشارك النواة المركزية في تأسيس حركة « فتح» (1959)، وليعمل مديراً لإدارة في وزارة الصحة الكويتية حتى عام 1966 قبل أن يتفرغ نهائياً للعمل في الحركة والعودة إلى الأردن.
ولا شك أن لـ خليل الوزير « أبو جهاد» جهداً خاصاً في تأسيس حركة « فتح». فما من مرجع أو مصدر أو رواية إلا وتصر على الدور المميز الذي لعبه « الوزير » حتى أن بعضهم ذهب أبعد من
ذلك ليشير بأنه « الرجل الذي بدأ فتح» . فمن هو « الوزير »؟ وما هو الجهد المميز الذي ينسب إليه؟

ولد خليل الوزير سنة 1935 في مدينة الرملة وأتم دراسته الابتدائية فيها، غير أن دراسته الثانوية كانت في غزة حيث لجأت عائلته إلى هناك وأقامت خارج المخيمات الفلسطينية. فهو ابن بقال فلسطيني. ومثل صلاح خلف، تتشابه أوضاع عائلتيهما الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، إذ هاجرت العائلتان من غزة إلى الرملة ويافا إبان الحرب العالمية الأولى وأقامتا هناك. ولما وقعت النكبة عادتا إلى غزة ولم تقيما في المخيمات . ويختلف « الوزير » عن « خلف » وعن « جورج حبش »؛ إذ كان الأول شاباً متمرداً منذ صغره. وخلافاً، أيضاً، لمؤسسي « فتح» اشتهر « الوزير » بممارسة العمل العسكري البسيط مع أقرانه بينما كان في السنة الأولى من المرحلة الثانوية (1953). ويعيد خالد الحسن أسباب الغارات الإسرائيلية على غزة وعلى الحاميات المصرية فيها إلى الأعمال الفدائية التي كان ينظمها « الوزير ». وعلى خلفيتها اعتقلته الإدارة المصرية هو وأقرانه ثم أفرج عنهم لأنهم لم يكونوا قد بلغوا سن الرشد بعد . ولما أنهى دراسته الثانوية سافر « الوزير » إلى مصر وهناك التحق بجامعة الإسكندرية إلا أنه لم يتمكن من متابعة دراسته بسبب محاولته مهاجمة أهداف إسرائيلية عبر صحراء سيناء المصرية فوقع في قبضة المخابرات المصرية متلبساً ليفقد مقعده الجامعي في أواسط الخمسينات . ولعله أُبعد، فيما بعد، إلى خارج مصر ليتوجه إلى السعودية سنة 1957 وليعمل مدرساً هناك ثم انتقل إلى الكويت سنة 1958 ليواصل المهنة وتأسيس حركة « فتح». وفي سنة 1959 أشرف مع ياسر عرفات على إصدار مجلة « فلسطيننا» ثم تسلم أول مكتب لحركة « فتح» في العالم سنة 1962 في الجزائر حيث اصطحبه وفد جزائري إلى الصين ليجري تقديمه كثائر فلسطيني، وكان أول اتصال تجريه حركة « فتح» مع الثورات العالمية بينما كانت الصين أول دولة تعترف بالمقاومة الفلسطينية وتقدم لها الدعم المادي والمعنوي.

أما كمال عدوان فقد ولد في قرية بربرة قضاء غزة سنة 1935. وبعد أن دمرت قريته خلال الحرب (1948) عاش في غزة لاجئاً. وارتحل إلى مصر ليتابع دراسته العليا هناك، إلا أنه عاد ليشكل أولى الخلايا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لغزة. وقد اعتقلته سلطات الاحتلال وظل كذلك حتى عودة القطاع إلى الإدارة المصرية، فعاد مجدداً إلى مصر ليتابع دراسته الجامعية ويتخرج مهندساً بتروليا . وقد عمل في السعودية مع المهندس عبد الفتاح الحمود، وكان خليل الوزير قد التقى المهندسين ونسق معهما قبل أن ينتقل إلى الكويت وينتقلا إلى قطر للعمل هناك ضمن مجموعة أخرى سيرد الحديث عنها لاحقاً.

وقبل الانتقال إلى مجموعة أخرى يمكن القول انه خلال فترة حرب السويس كان مشروع تكوين حركة فلسطينية ذات مبادئ معينة مجرد أحلام لدى نواة القاهرة، وأفكار غائمة سوف لن تتبلور قبل السنتين القادمتين . وفي هذه الأثناء كان الطلبة يتأهبون للاحتفال بتخرجه لينسلوا خلال الأشهر الأولى من العام 1957 متفرقين إلى دول أخرى تتجمع فيها الجاليات الفلسطينية العاملة والمهاجرة بحثا عن رزقها واستعداداً لمرحلة أخرى، نوعية من العمل، إثر مرحلة طويلة من التعارف واكتشاف الذات والعمل المشترك على قاعدة الهوية الفلسطينية المستقلة.

2. مجموعة قطاع غزة

في مطلع السبعينات علق هاني الحسن أحد قادة حركة « فتح»، عضو مجموعة ألمانيا الطلابية التي سيرد الحديث عنها لاحقاً، على حرب السويس واحتلال غزة كعلامة فارقة في لفت انتباه الفلسطينيين إلى ذواتهم خلال فترة الاحتلال وما تمخض عنها من مجازر إسرائيلية ضد السكان في رفح وخانيونس وعمليات القمع والتنكيل الجماعية ضد السكان، فقال: « إن المؤرخين لن يجدوا مفراً .. من أن يقرروا بأن طريق دايان إلى غزة والقويصمة وسيناء عام 1956 كان طريق عبد الناصر إلى كسر الارتباط التاريخي بالغرب، وطريق الفلسطينيين إلى اكتشاف .. دورهم الخاص أثناء الاحتلال الإسرائيلي الأول لقطاع غزة .. وأنهم يستطيعون أن يقاتلوا حتى في أسوأ ظروف الاحتلال» . وفي الواقع فإن قطاع غزة شهد تجربتين منظمتين من الحرب. الأولى ضد إسرائيل والثانية ضد القطاع وأدتا إلى تغير حاسم في أنماط التفكير لدى السكان هناك والمجموعات الحزبية. وأن هاتين التجربتين لم تتاحا لبقية التجمعات الفلسطينية الأخرى خاصة في الضفة الغربية أو في سوريا أو في لبنان إلا نسبياً. ففي أعقاب الغارة الإسرائيلية على قطاع غزة في 28 شباط / فبراير سنة 1955 شعرت القيادة المصرية بإحراج شديد في مستوى الرأي العام المصري كون معظم الضحايا من الجنود المصريين الذين كان عبد الناصر قد زارهم وطمأنهم، قبل الغارة، بعدم وجود خطر من وقوع معركة، كما أنها ضعيفة التسليح بسبب الحظر الغربي فضلاً عن انشغالها بالقضايا الداخلية. ولكن بعد الغارة تبنت مصر حربا فدائية تجنباً لوقوع حرب شاملة ليست مصر مستعدة لها ولم تكن تعنيها آنذاك. لذا فان طبيعة الحرب الفدائية التي رغبت في خوضها لم تتجاوز مهمتها تحقيق الردع لإسرائيل بأقل الخسائر. وهذا الأمر ثابت في تصريحات الرئيس المصري عبد الناصر ذاته حينما وصف الحرب بأنها: « .. الطريقة الوحيدة للرد على اعتداءات بن غوريون ]رئيس حكومة إسرائيل آنذاك [ علينا؛ فشن غارة قد تقود إلى حرب عامة، ونصب المدافع وإطلاق .. أمر غير فعال .. وأخيراً قررنا أن نقتل شخصاً إسرائيليا واحداً مقابل كل شخص يقتله بن غوريون.. أن حياة العرب ليست في المرتبة الثانية» . وعليه فقد اختارت مصر لتنظيم الحرب والإعداد لها وقيادتها ضابط المخابرات المقدم مصطفى حافظ . فكيف عمل؟ ومن هي العناصر التي استقطبت للتجنيد ؟

دأب الفلسطينيون إثر النكبة وانتصاب خطوط الهدنة على التسلل إلى داخل فلسطين المحتلة لاستعادة بعض ممتلكاتهم أو جني محاصيلهم الزراعية وثمار أشجارهم، وكانت المحاولات الأولى فردية في إطار جماعات صغيرة. وكان جزء منهم يفلت وبعضهم يصطدم بالجنود الإسرائيليين فتقع خسائر من الجانبين، والبعض الآخر يقع بأيدي المخابرات المصرية فيودع السجن. ومن جانبها استغلت مصر هذه الظاهرة وقامت بتجنيد عدد من المواطنين للتسلل إلى الأراضي المحتلة بشكل منظم بهدف جمع المعلومات عن القوات الإسرائيلية والأماكن الإستراتيجية والحساسة. بمعنى أن مهمة المتسللين كانت استطلاعية لا هجومية . ولكن بعد الغارة على غزة أصبح التجنيد علنيا والهدف قتاليا محضا. وأول شيء فعله مصطفى حافظ هو إطلاق سراح المتسللين ودراسة أوضاعهم ومشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية وهيأ لها الحلول، وفرغهم كلياً لمهماتهم الجديدة. ومن جهتها فتحت السلطات المصرية باب التطوع فكانت الأفضلية لمن لهم دراية بالأراضي والمسالك أو خدمة عسكرية سابقة أو من الملمين بالقراءة والكتابة أو بإحدى اللغات وخاصة اللغة العبرية أو بإحدى الصنعات. واستطاع « حافظ» تجنيد نحو ألف فدائي أو700 فدائي حسب تقديرات إسرائيلية .

وقد شرع هؤلاء باختراق الحدود بدء من 25 آب/ أغسطس، إلا أن مصادر عدة أشارت أن فعالياتهم وقعت في الفترة ما بين شهر أيلول/ سبتمبر لسنة 1955 حتى بداية حرب السويس ووقوع غزة تحت الاحتلال حيث توقف نشاطهم وأصيب بشلل تام إثر اغتيال مصطفى حافظ بطرد ملغوم أرسلته إليه إسرائيل في 14 تموز/ يوليو سنة 1956، ثم اغتيال زميله المقدم صلاح مصطفى الملحق العسكري المصري في عمان في اليوم التالي بطرد مماثل . وكانت إسرائيل قبل ذلك قد وجهت ضربة عسكرية انتقامية لسورية في منطقة طبريا حيث كانت بعض العمليات تنطلق من هناك ومن منطقة وادي عربة جنوب الأردن. المهم في الأمر أن عمليات الفدائيين أحدثت رعباً اجتماعياً في إسرائيل. إذ تركزت في منطقة النقب حتى الشمال وعلى بعد 15 كم من مدينة تل أبيب وعلى مقربة من مستوطنة ريشون ليتسيون المحاذية. وكانت العمليات الفدائية تشن بمعدل عمليتين في اليوم، وقد نفذت ضد المستعمرات والثكنات العسكرية أو المركبات والجنود ومحطات الاتصال الدولية وتدمير الطرق والجسور ومحطات المياه والكهرباء وزرع الألغام، وبلغت من القوة والجرأة والسيطرة أن نجحت مجموعة فدائية مكونة من 300 فدائي في اختراق الأراضي الفلسطينية المحتلة في يوم واحد، وهي واحدة من ثلاث موجات كبرى وقعت الأولى ما بين 29/8-5/9 سنة 1955، والثانية ما بين 6–13/4 سنة 1956 والثالثة طوال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من نفس السنة . وكان مجرد ذكر اسم « فدائي» بين الإسرائيليين مدعاة لحالة هستيرية لما اتسمت به عمليات الفدائيين من قسوة لاسيما بعد كل اعتداء إسرائيلي على السكان في القطاع. ومع أن العمل الفدائي توقف غداة شرارة حرب السويس إلا أنه: « أدى إلى إزعاج واضح للأمن الإسرائيلي، وشكل مثالا نضاليا كان قدوة للجيل الصاعد، جيل خليل الوزير وأقرانه» . والأهم من هذا أنه أدى إلى اكتساب الفلسطينيين خبرة وجرأة في مقاتلة إسرائيل.

المناسبة الثانية تعرض فيها الفلسطينيون لحرب وحشية كانت خلال احتلال إسرائيل لقطاع غزة (1956). فقد تداعت العناصر النشطة والقيادية في الأحزاب المنتشرة في غزة إلى التحالف لشن مقاومة شعبية ضد الاحتلال. فَشُكلت الجبهة الوطنية. إلا أن « الإخوان المسلمين» والبعثيين رفضوا الدخول فيها بسبب جملة اقترحها الشيوعيون وتنص على اعتماد الشعب الفلسطيني في كفاحه على مؤازرة « الشرفاء داخل إسرائيل» ، وبدلا من ذلك تحالفا على إقامة « جبهة المقاومة الشعبية». وقد اشتركت نواة طلبة مصر في هذه الجبهة عن طريق تنظيم طلائع مهمتها التسلل إلى غزة حاملة معها شحنات من الأسلحة والأموال لدعم الجبهة وحركة المقاومة. إلا أن هذا التحالف لم يدم طويلاً إذ انتهى بتفكيك الجبهة، ولكن ليعاد تركيبها بشكل آخر بعد أن: « اقتنع قطاع لا بأس به من هؤلاء المقاومين بإمكانية استمرار التعاون والعمل بينهم حتى بعد زوال الاحتلال» .

أما سليم الزعنون (أبو الأديب) ، العضو المؤسس، فيذهب إلى القول بأن: « هذه التجربة القصيرة كانت مسؤولة عن وضع جنين حركة فتح، إذ أن اثني عشر شخصاً من أعضاء "جبهة المقاومة الشعبية اجتمعوا في منزل بحيى الزيتون في مدينة غزة ووضعوا خطة لإقامة تنظيم جبهوي فلسطيني كانت فتح هي صورته النهائية» .
إن الجديد، عما هو مألوف، أن هذا الاجتماع نودي إليه على خلفية « ترك الحزبية» وهو سلوك غير معتاد في تراث الثورات العالمية التي تقوم على أساس معتقد ما وليس على رفض المعتقدات. ومن جهته يؤكد صلاح خلف في سيرته على رواية « الزعنون» المشيرة إلى أنه: « في تشرين الثاني (نوفمبر) 1956 وقّع ما بين 10– 12 شخصا من مختلف الأحزاب والمستقلين على وثيقة غزة بعد زوال الاحتلال عن قطاع غزة في مارس (آذار) 1957… » . ومن المؤكد أن نخبة المقاومة حسمت أمرا بالغ الصعوبة، فمن جهة ألهبت حرب الفدائيين التي قادها مصطفى حافظ مشاعر الفلسطينيين ويسرت لهم مخبرا لقدراتهم فأثبتوا كفاءة عالية بهذا الصدد، ولكن وقف الحرب أو توقفها، بيّن أن أي عمل ضد إسرائيل مرتبط بالقرار العربي لا بد وأن ينتهي أو يستمر بذات القرار. وكان قرارا ثقيلا على نخبة المقاومة أن يكون لوقف حرب الفدائيين خلفية سياسية تشكل أحد شروط انسحاب القوات المحتلة عن غزة وسيناء والقناة، وهنا يتجلى السؤال الكبير: كيف يمكن أن يترك قطاع غزة تحت الاحتلال دون حماية وتحت رحمة الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ وكيف يمكن أن يستمر القتال دون أن يوقفه قرار أو اتفاق خاصة وأن الفلسطينيين أثبتوا جدارة في المعارك قبل الاحتلال، وكانوا آخر المقاومين خلال الهجوم على القطاع وأول المقاومين للعدو خلال الاحتلال بالرغم من المجازر الإسرائيلية الانتقامية ضد السكان والتي ذهب ضحيتها المئآت من المدنيين؟

لا شك أن العديد من الأسئلة طرحت في « حي الزيتون» ولكن طبيعة الدعوة إلى الاجتماع والهدف منه وبالتالي توقيع « وثيقة غزة » كانت مدعاة للتنسيق مع مجموعة القاهرة. ويبدو أن أول لقاء حصل بعد « حي الزيتون» كان: « بعدما اضطر بعض أعضاء مجموعة غزة إلى الخروج عن طريق التسلل عبر العريش والقنطرة » . وكان من ضمن هؤلاء كمال عدوان. وعقد اجتماع في أحد المنازل في حي « الدّقي» بالقاهرة في شهر يناير/ كانون الثاني1957، أي بعد حوالي شهرين من اجتماع غزة وقبل شهرين من انسحاب إسرائيل من القطاع. ولندع كمال عدوان يلخص التجربة ويقيِّم آثارها كما وردت في « الميلاد والمسيرة»: « بسقوط قطاع غزة في أيدي الاحتلال في أكتوبر 1956 بدأت مرحلة جديدة وجد شعبنا نفسه فيها وجها لوجه أمام مسؤولياته، وأمام قسوة المواجهة و.. ضغط الرصاص الموجه إلى صدور هذا الشعب .. تبلورت أفكاره واكتمل تصوره لنوع المعركة واحتياجاتها.. وارتفعت شعارات هذه المرحلة تنادي بلقاء فلسطيني عريض.. في وحدة وطنية قوية .. من أجل ثورة مسلحة تحرر الأرض. كانت هذه نقطة البداية .. التي وضعت حدا للبعثرة والتردد، والاسترخاء على محطات انتظار لا قرار لها » .

لاشك أن قرار مجموعة غزة بالتعاون فيما بينها ومع مجموعة القاهرة من أجل إطلاق حركة فلسطينية مسلحة يترجم الشعار التاريخي الذي يتبلور في صيغة « فلسطين أولا» ثم « فلسطين طريق الوحدة». كان هذا الشعار يعني في ذلك الحين قلب موجة التفكير كما يردد خالد الحسن، ومن سوء حظ مجموعة غزة أن التفكير بهذه الطريقة كان يعاكس تفكير الناس حتى في القطاع، إذ أن فشل العدوان على مصر ونجاح التأميمات وانسحاب القوات الغازية أرسى علاقة ثقة متبادلة بين السكان والإدارة المصرية التي أصبحت رمزاً للناصرية والحرية بعد أن كان ينظر إليها كوصية على الشعب الفلسطيني حين ألحقت مصر قطاع غزة بها، ونصبت فيه حاكما عسكرياً. وهكذا انطلقت المجموعة تواصل عملها سراً. ولكن من هم أعضاء المجموعة؟

تنتسب مجموعة غزة إلى جماعة « الإخوان المسلمين». وظلت الجماعة واجهتها العلنية حتى بعد تأسيس الحركة، وظلت أيضاً على علاقة طيبة بها حتى أن بعض أعضائها ظل ينتمي إلى الجماعة بعد تأسيس الحركة. ومن بين الأعضاء يشار إلى:

• فتحي البلعاوي، من قرية بلعا - طولكرم، التحق بجامعة الأزهر سنة 1946، ووقعت النكبة وهو هناك. ويرجع الفضل له في تأسيس رابطة الطلبة الفلسطينيين في مصر سنة 1951 وتسلم أمانتها العامة. وفيما بعد عرفت الرابطة لفترة قصيرة بـ « المدرسة البلعاوية» وهو شيخ المناضلين الفلسطينيين بعد النكبة، ويتمتع بشخصية كاريزمية جلبت له قدرا من الاحترام والتقدير عزّ نظيره.
• أسعد الصفطاوي، لجأت عائلته إلى غزة بعد العام 1948. وبقي في جماعة « الإخوان المسلمين» حتى بعد تأسيس الحركة، وامتهن التدريس.
• عوني القيشاوي، تاجر في القطاع، تسلم قيادة المجموعة بعد مغادرة صلاح خلف إلى الكويت للتدريس هناك سنة 1960.
• سليم الزعنون، موظف.
• ماجد صادق المزيني، موظف.
• محمد حسن الفرنجي، مقاول.
• صلاح خلف، عمل مدرسا حكومياً في مدرسة للبنات في غزة ثم نقل إلى مدرسة يرتادها اللاجئون في وسط الصحراء خارج غزة. وكان قد عاد إلى غزة خلال الأشهر الأولى من سنة1957، ويشار إليه بأنه أصبح على رأس مجموعة غزة، وينتمي إلى مجموعة « الإخوان المسلمين» بالرغم من نفيه المستمر واقتصار العلاقة على التعاطف.

3. مجموعات ألمانيا وأوروبا

يكشف خالد الحسن أن هذه المجموعات بُدئ باكتشافها في الفترة ما بين سنتي1958و1962، ومن بينها مجموعة ألمانيا الغربية التي كان على رأسها شقيقه الأصغر هاني ومجموعة « حمدان» في النمسا ومجموعة « كوكبان» في إسبانيا، وهذه المجموعات نشأت في أوروبا حيث يكثر عدد الطلاب، وتميزت بالسرية الكاملة هربا من المخابرات العربية الموجودة بينها خوفا مما سيصيب أعضاءها عند عودتهم . ورغم أنها ليست من بين المجموعات المؤسسة تبقى مجموعة ألمانيا صاحبة دور تاريخي، من بين مجموعات أوروبا الأخرى، في تطور « فتح». وقد تأسست مجموعة ألمانيا سنة 1963 من طلبة امتطوا فرع الاتحاد في مدينة فرانكفورت غطاء لنشاطاتهم لاسيما أنه، كغيره من الاتحادات، يضم اتجاهات سياسية مختلفة وفضاء للتجمع والانصهار وتنظيم العناصر في وقت كانت حركة القوميين العرب تسيطر على الاتحاد كما هو الحال في أقطار عديدة. وقام الأعضاء المؤسسون للمجموعة بتأسيس تنظيم سري مستقل أسموه « طريق العودة». واتسم بنشاطه التعبوي بين الطلبة والجاليات الفلسطينية في أوروبا عبر نشريتين أصدرهما التنظيم هما « المقاومة» و « العمال» . وتألفت مجموعة ألمانيا من القيادات الطلابية التالية:

• هايل عبد الحميد (أبو الهول)، وهو من مدينة صفد شمالي فلسطين، وبعد النكبة أقام في سوريا.
• هاني الحسن، شقيق أصغر لخالد الحسن النجل الأكبر لملاك فلسطيني سليل عائلة ذات ولاية دينية مكنته من إمامة جامع الاستقلال. لذا فقد تمتعت عائلته الحسن بشي من الكفاية الاقتصادية التي مكنته من الذهاب إلى ألمانيا لمتابعة تحصيله العلمي.
• أمين الهندي، من سكان غزة وأصول يافاوية.
• سامي أبو سليم، من سكان غزة وأصول يافاوية.
• عبد الله حسن الفرنجي، من بئر السبع، ثم مقيم في غزة، وهو شقيق محمد حسن الفرنجي من مجموعة غزة.
• نبيل نصار، من رام الله في الضفة الغربية المحتلة .
وتكمن أهمية المجموعة في كونها شكلت حلقة وصل بين الفلسطينيين في الدول الأوروبية وبين قيادة تنظيم حركة « فتح» في العالم العربي، وقامت بأداء مهمات متعددة أبرزها الدور السياسي والإعلامي والتعبوي بين الفلسطينيين والأوروبيين على حد سواء. والأهم من هذا، في فترة نمو الحركة، قيام المجموعة بجمع الأموال والتبرعات وشراء الأسلحة والمعدات وتزويد الحركة بها. وقد وصلت بعض شحنات الأسلحة إلى غزة عن طريقها، وبعد انكشافها من قبل المخابرات المصرية في أوائل العام 1965 أدت إلى اعتقال قائد مجموعة غزة عوني القيشاوي وآخرين مما أدى إلى انكشاف تنظيم الحركة في غزة إلا أن تدخلات أحمد الشقيري لدى السلطات المصرية أدت إلى الإفراج عنهم ووضعهم تحت المراقبة حتى حرب العام 1967 . وعن علاقة مجموعة ألمانيا بحركة « فتح» فليس من المستبعد أن يكون خالد الحسن وراء الكشف عن المجموعة بما أن أخيه الأصغر يقف على رأسها فضلاً عن عوامل أخرى ساهمت بذلك أو عن طريق محمد حسن الفرنجي شقيق عبد الله الفرنجي. وأثمر الكشف عن المجموعة عن أول اتصال بها بدأه خليل الوزير الذي كان مقيماً بالجزائر وقام بزيارة ألمانيا بنفسه والالتقاء بقادتها، ويبدو أن اللقاء نجح في التنسيق بين الحركة وتنظيم المجموعة الذي أعلن انضمامه رسمياً إلى حركة « فتح» في شهر كانون الثاني/ يناير سنة 1965. وفي هذا السياق لا يمكن اعتبار مجموعة ألمانيا من المجموعات المؤسسة لحركة « فتح» لأن الكشف عن المجموعة وقع بعد تأسيس « فتح» وفي وقت ربما لم تكن فيه مجموعة ألمانيا قد تأسست بعد.

4. مجموعات السعودية وقطر والكويت

ينتمي أعضاء هذه المجموعات، في معظمهم إلى القطاع المهني المتصل بالتربية والتعليم. وتقاربهم السياسي ناجم إما عن علاقة تنظيمية سابقة تعود في أصولها إلى سنوات الدراسة الجامعية وإما عن علاقة مهنية كشفت عن تقارب سياسي ومن ثم تنظيمي. أو عن نشاط تنظيمي استهدف أشخاصا ذوو ميول حزبية معينة لاسيما في جماعة « الإخوان المسلمين» أو عن نشاط ذو طابع سياسي استهدف أفرادا ذوو نفوذ مالي واقتصادي وإداري بغية حشد معونات مالية على شكل هبات وتبرعات. إلا أن هؤلاء اندرجوا كأعضاء مؤسسين لأنهم لم يكتفوا بتقديم الغطاء المالي، بل عبروا عن ذات الأفكار وسعوا لتكوين حركة سياسية مستقلة من الفلسطينيين وللفلسطينيين. ومن بينهم يشار إلى:

• علي السيد، لاجئ من قرية قطرة - الرملة. وكان يعمل مدرسا في مدرسة خالد بن الوليد في منطقة المخيمات الوسطى في قطاع غزة. وهو زميل مهني لصلاح خلف، وحصل على عقد عمل شغل بموجبه ممثلاً للسعودية في شركة « أرامكو».
• سعيد المزين (أبو هشام)، عمل مدرسا في القطاع الحكومي في غزة. ثم انتقل للتدريس في السعودية، وعين فيما بعد أول مدير لمكتب حركة « فتح» هناك، واشتهر بلقب « فتى الثورة» وناظم أناشيدها وقصائدها.
• معاذ عابد، عمل مدرساً في مدارس اللاجئين بقطاع غزة، ثم ارتحل للعمل في السعودية فأصبح مديراً لبنك.
• أحمد وافي، درّس في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، ثم واصل المهنة في السعودية ثم انتقل إلى الجزائر ليتسلم إدارة مكتب « فتح» .

ولم يكن هؤلاء وحدهم ممن عمل في السعودية. فهناك خليل الوزير الذي طرد من مصر وتوجه إلى السعودية واشتغل لفترة قصيرة في مهنة التدريس. وسبقت الإشارة أنه تعرف على عبد الفتاح الحمود وكمال عدوان. ويقول خالد الحسن أن الثلاثة وحدوا جهودهم غير أنه يشير إلى أن « الوزير » غادر السعودية متوجهاً نحو الكويت ليبدأ هناك من الصفر، ربما لأن أحدا من المؤسسين لم يسبقه إلى هناك لاسيما أن خالد الحسن ذاته لم يكن بعد على صلة بالأعضاء المؤسسين. أما « الحمود» و « عدوان» فقد توجها، فيما بعد، إلى قطر حيث نشط كمال عدوان في تأسيس مجموعة أخرى كانت قائمة بصفة فردية مستقلة وعلى اتصال ببعض المؤسسين مثل صلاح خلف . وضمت المجموعة كل من:

• عبد الفتاح الحمود (أبو صلاح)، أول ضحايا اللجنة المركزية لحركة « فتح»، وهو من قرية التينة في منطقة اللد والرملة.
• محمود عباس (أبو مازن)، شغل منصباً هاماً، سكرتير وزير التعليم، وهو لاجئ في غزة، وعائلته تقيم في مصر.
• رفيق شاكر النتشة (أبو شاكر)، إداري في الوزارة، من سكان الخليل.
• أحمد رجب عبد المجيد الأسمر، وقد احتفظ بعلاقة دائمة مع « الإخوان المسلمين».
• محمد يوسف النجار (أبو يوسف)، لاجئ في رفح - غزة، ولد في قرية يبنه - الرملة سنة 1930. وأنهى المرحلة الثانوية وعمل مدرساً سنة 1947. وتطوع في حرب العام1948 . وفي أعقاب الغارة على غزة اعتقلته الإدارة المصرية. وفي بداية سنة 1957 حصل على عقد عمل في قطر، وارتحل إلى هناك وعمل إدارياً في وزارة التعليم حيث توطدت علاقته بمحمود عباس . وفيما عدا ياسر عرفات وصلاح خلف وفاروق القدومي وخليل الوزير يمكن إثبات أبرز أعضاء الجالية الفلسطينية من جيل المؤسسين في الكويت، ونخص بالذكر من أشار إليهم صلاح خلف في سيرته وهم:
• هاني القدومي، ويصل مسقط رأسه إلى قرية كفر قدوم – طولكرم، ولكنه كفاروق القدومي أقام في يافا، وهو ثري وممول رئيس لحركة « فتح». وقد سعى أمير كويتي لجلبه إلى الكويت لحل مشكلة جوازات السفر لما كانت الإمارة محمية بريطانية. وحضر هاني القدومي إلى الكويت سنة1951 بناء على رغبة الأمير لتأسيس مكتب الجوازات والإقامة وإدارته .
• عبد المحسن القطان، لاجئ من يافا، وقد عمل مفتشا عاما لوزارة الكهرباء الكويتية حتى سنة1963 ويعتبر من الأثرياء والممولين الكبار ومؤسس في حركة « فتح»، وأول رئيس للمجلس الوطني الفلسطيني بعد سيطرة المنظمات الفدائية عليه سنة1968. وفي الكويت تحدّر عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذي احتشدوا للعمل في الوزارة من أصول يافاوية حتى أن الوزارة اشتهرت بعهده بـ « المستعمرة اليافاوية» .
• خالد الحسن (أبو السعيد)، خلافا لما يشاع عن رفاهية عائلة الحسن، فإن الابن الأكبر لملاك فلسطيني من حيفا لم يكن إلا ابن عائلة متوسطة الحال، والده كان من أنصار الشيخ عز الدين القسام، أما هو فقد ولد سنة 1928 وتلقى دراسته الإعدادية والثانوية بحيفا ثم عمل موظفاً صغيراً في دوائر الانتداب البريطاني (1943–1948). وإثر النكبة نزح إلى مصر واحتجز في معسكر اللاجئين لمدة عام. وفي هذه الأثناء لجأت عائلته إلى صيدا-جنوب لبنان حيث أقامت حتى أوائل العام1950 لتنتقل بكامل أعضائها إلى دمشق. والتحق الابن الأكبر بعائلته هربا من الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان. وفي دمشق حاول أن ينشئ تنظيما فلسطينياً لم يستمر بسبب القيود المفروضة على ممارسة الفلسطينيين للعمل السياسي وقلة التمويل إلا أنه وبسبب ميوله الإسلامية، شارك في تأسيس حزب التحرير الإسلامي سنة1952، وظل فيه حتى سنة1955. ولكنه أثناء ذلك، كان قد هاجر إلى الكويت للعمل فبدأ ضاربا على آلة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية ثم عين سكرتيراً في مجلس الإنماء والتعمير وأخيراً سكرتيرا للمجلس البلدي للكويت « فقضى السنوات السبعة عشرة التالية (1952–1969)، مديراً تنفيذياً في البلدية يعمل على تحويل إدارتها الوليدة إلى إدارة عصرية ناجحة بينما كان يبني تنظيما للفلسطينيين ومؤيديهم في أنحاء الخليج» . وأثناء وجوده في الكويت تمكن من إكمال دراسته في التجارة والمحاسبة بالمراسلة مع إحدى الجامعات البريطانية .
• نمر صالح ( أبو صالح )، عامل فني في الكويت، ولأنه نشيط بين العمال فقد حاز على شعبية خاصة بينهم، ولعل هذه الشعبية هي التي قادته إلى تبني قضايا العمال والدفاع عنهم ومن ثم اعتناقه للماركسية حتى أصبح أحد أكبر زعماء التيار الماركسي داخل الحركة في لبنان، كما أنه كان على رأس حركة الانشقاق داخل الحركة سنة 1983.

هذه المجموعات التي وقع استعراض بعضها لم تكن الوحيدة التي تركبت منها حركة « فتح»، ولم يكن الأعضاء المذكورين هم المؤسسون الوحيدون للحركة . ولكنهم على الأرجح من اشتهر باتخاذ قرار الانطلاقة المسلحة. وتبقى الإشارة إلى مجموعات أخرى في سوريا والعراق والأردن ولبنان . وفي هذا السياق يذكر من بين المؤسسين الأبرز في تاريخ حركة « فتح» وليد نمر عقاب (أبو علي إياد) الذي عمل مدرساً في السعودية، وكان أبرز المنظمين العسكريين للانطلاقة المسلحة للحركة في الفاتح من كانون الثاني / يناير سنة 1965. أما الآن فالسؤال هو: كيف جرى تركيب هذه المجموعات ليعلن عن تأسيس حركة « فتح»؟ ومتى كان التأسيس؟ وكيف تطورت الحركة فيما بين التأسيس والانطلاقة المسلحة؟

 التركيب التنظيمي للمجموعات

1. التأريخ لنشأة « فتح» بين إشكالية البداية والتأسيس

لا يوجد تاريخ محدد للإعلان التأسيسي عن حركة « فتح». هذا ما يتضح على الأقل من محاولات التأريخ الواردة على لسان بعض القادة في الحركة. وتقول باحثة أمريكية أن الاختلاف « يعزى إلى تفاوت في مفاهيم من جرت مقابلتهم لـ " البداية " أو لـ " تأسيس " الحركة» . على كل حال لنفحص المسألة.

من الثابت أن اجتماع مجموعة غزة خلال احتلال القطاع، تمخض عن أكثر من فكرة بتشكيل حركة فلسطينية مستقلة. الجديد في الاجتماع يكمن، كما أشير، في نوعية الفكرة التي صدرت عن تحالف جمع في الواقع بين نشطاء حزبيين، وأن اتفاق هؤلاء على مواصلة العمل بعد زوال الاحتلال يعني عدم القناعة بالعمل من خلال الأطر والمؤسسات الحزبية الشائعة، هذا هو الإنجاز الأول. أما الإنجاز الثاني فقد يصل إلى حد القطيعة التنظيمية، على الأقل، مع الأطر الحزبية كهياكل عمل دون أن يعني قطيعة عقائدية بالرغم من أن هذا حصل. والأمر المثير للانتباه هو انتماء غالبية التحالف إلى جماعة « الإخوان المسلمين»، وهذا ما سبب انقساما تنظيمياً في الجماعة على خلفية تأسيس حركة فلسطينية مستقلة، والواقع أن الانقسام وقع في وقت حرج كانت تمر به الجماعة إثر صدامات الجماعة الأم في مصر مع السلطة وحملات التنكيل والاعتقال التي تعرض لها أعضاءها وأنصارها فضلاً عن اغتيال مؤسس الجماعة ومرشدها الشيخ حسن البنا. والفقرات التالية تشتمل على أسس الخلاف وحله كما أوردها باحث مختص.

فقد رأت المجموعة « المنشقة» عن « الإخوان» أن تقوم الحركة الجديدة للشعب الفلسطيني كإطار فيه متسع لكافة الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم العقدية لاسيما وأن الجماعة لم تعد إطاراً قابلاً للعمل في ظل المطاردة المصرية لها في القطاع وما يروج ضدها من اتهامات تصفها بالرجعية والارتباط بجهات أجنبية، وأن مصلحة الشعب الفلسطيني تقضي بإزالة أسباب الصدام مع الأنظمة العربية أو الحزبية وفتح الباب أمام الجميع للمشاركة في العمل من أجل فلسطين ووضع القضية فوق كل الصراعات الأيدولوجية. وهذا يعني ضرورة الابتعاد عن الجماعة كإطار حزبي بل والتحرر من الحزبية والفكر الحزبي برمته. وقد مثلت مجموعة غزة وجهة النظر هذه التي كان يدعمها الأعضاء المؤسسون أينما وُجدوا فضلاً عن الأنصار. أما رأي الجماعة فكان يجمع على أن لا بديل عن الاستمرار في الولاء وتحمل كافة الأعباء والتضحيات المترتبة على ذلك حتى تقوم الجماعة بواجبها نحو تحرير فلسطين ويكتب لها النصر. وهذا يعني استمرار الصدام مع مصر فيما تصبح، تبعا لذلك، القضية الفلسطينية في درجة تالية. وقد أدى هذا الخلاف إلى تدخل الوساطات، من قبل أعضاء في الجماعة يحظون بثقة الطرفين على رأسهما أسعد الصفطاوي، أحد قادة الإخوان وعضو مجموعة غزة. وتم حسم الخلاف مبدئياً بعرضه على أحد كبار رجال الجماعة في مصر ليفتي في المسألة فكان رده أن على الفلسطينيين أن يعملوا أولا لتحرير وطنهم من خلال تمسكهم بعقيدتهم الإسلامية وأنه لا يمكنهم لتحقيق ذلك الانتظار حتى تنتصر الدعوة الإسلامية . إلا أن المشاكل ظلت قائمة حتى انطلاقة حركة « فتح» سنة 1965 وما بعدها حيث تميزت العلاقة بالعداء والاتهامات المتبادلة باستمرار بالرغم من احتفاظ الكثير من المؤسسين بولائهم للجماعة حتى وقت قريب.

لقد تمتعت مجموعة غزة بالأهمية التاريخية التي تستحقها في تأسيس حركة « فتح» لكونها تعيش في مجتمع صغير جداً من حيث المساحة لكنه كثيف السكان وشديد الحيوية في المستوى السياسي والحزبي وعلى تماس مباشر مع فلسطين المحتلة. وقد يكون نشاط المجموعة حاسماً في إطلاق الفكرة وحاسماً في التغلب على الصعوبات الميدانية ولكنه لم يكن النشاط الوحيد في تجسيد الفكرة وتأسيس الحركة. وفي هذا السياق لنتابع روايات أخرى مع التنبه باستمرار لملاحظة « براند» السابقة إذ سنلمس أهمية الملاحظة تباعاً، وقد نتمكن من الاقتراب من التاريخ المحدد لنشأة « فتح» ووضع حد للتشتت التاريخي.

يذكر عيسى الشعيبي أن دوريات حركة « فتح» وأدبياتها المختلفة تؤكد على أن التشكيلات الفعلية للحركة كانت قائمة بالفعل في قطاع غزة بعد حوالي عام من رحيل الاحتلال الإسرائيلي. ومن الواضح أن هذه الأطروحة تحاول تدعيم عدة أطروحات عبر عنها قادة في « فتح» مثل سليم الزعنون الذي تحدث عن اجتماع غزة الذي أورده في مؤلفه المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين والباحث فواز حامد الشرقاوي. ويحاول « الشعيبي» بذلك التمهيد لتأريخ نهائي في حركة « فتح» من خلال مقابلة شخصية أجرتها إحدى نشريات الحركةمع خليل الوزير، في الذكرى الرابعة عشرة لانطلاقة الحركة، ويؤكد فيها أنه: « في النصف الأخير من العام1957، كان اللقاء الأول لحركة فتح .. وفي الوقت الذي لم يكن فيه عدد أعضاء المجموعة الأولى (يزيد عن) خمسة مناضلين جاءوا من مناطق فلسطينية مختلفة، ومن مناطق تشرد متعددة، كل يحمل تراث تجربة نضالية في ميدان من الميادين، وكل يحمل معه حلقة وتنظيما ً.. ». كانت الكويت على الخليج العربي هي: « موقع اللقاء الأول» وما أن تم عقد هذا: « اللقاء» بعد مرحلة من الحوارات الثنائية أو الثلاثية، حتى تعاهد أولئك المناضلون على أن يعملوا معا، في.. حركة تحرير وطني فلسطيني .. (وهكذا) كانت هذه القاعدة التنظيمية الأولى على ارتباط مع امتدادات تنظيمية في كل من مصر وغزة والأردن وسوريا ولبنان والسعودية وقطر والعراق» .

هذا « التحديد القاطع» لميلاد الحركة يتخارج، للوهلة الأولى، بشكل تام مع تحديد آخر قدمه صلاح خلف، بحيث تبدو أية تسويه بين الأطروحتين معدومة لاسيما وأن التعارض يشمل سمة اللقاء (الأول) وتاريخه (1959) وعدد المشاركين فيه (عدد غير محدد في بضعة أشخاص) ومدته (تأسيس « فتح»). فلنستمع بهذا الصدد لما يقوله « خلف »:

« كنا في العاشر من شهر تشرين الأول ( أكتوبر) 1959،بضعة أشخاص مجتمعين في منزل سري في الكويت لإيقاف منظمة فتح على قدميها. وسيتلو اجتماعنا هذا، انعقاد عدد آخر من الاجتماعات في الأيام التالية يحضرها مشاركون آخرون ( أقل من عشرين شخصاً بالإجمال ) وبسرية كاملة دائماً وأبدا. وعلى هذا فإن ممثلي المجموعات السرية القادمين من مختلف البلدان العربية، أو من أمكنة أخرى، كانوا يتشاورون فيما بينهم للمرة الأولى بهدف مركزة نشاطاتهم ومحورتها. وفي هذا المؤتمر الضيق جرى التأسيس الشكلي لما سيصبح في أقل من عشر سنوات، أقوى منظمة عرفتها فلسطين غير أن مجموع المناضلين الممثلين في هذا المؤتمر لم يكن يبلغ الخمسماية شخص» .

ولكن إذا بقينا في إطار هذه الأطروحة فإن التدقيق في عدد المشاركين (بضعة) ومتابعة أقوال « خلف » ستؤدي إلى الاقتراب من أطروحة « الوزير ». إذ يتحدث « خلف » عن « البرنامج السياسي، بحصر المعنى .. والذي يحدد أن الخيارات الكبرى للحركة قد وقع إقرارها في مطلع العام1958. وأن هذه الوثيقة تعكس الإجماع الذي كنا قد توصلنا إليه.. خلال سنوات الخمسين في القاهرة وغزة ». إذ كانت حركة « فتح» على ما يبدو، قائمة قبل هذا التاريخ (1959) وأن اللقاء المعني استهدف « إيقاف منظمة فتح على قدميها» وليس تأسيسها، والهدف لم يكن سوى: « إعداد عدة وثائق جرت الموافقة عليها خلال اجتماعات تشرين الأول هذه وتدور.. حول بنى الحركة ونظامها الداخلي واستراتيجيتها وتكتيكها ووسائل عمل وتمويل الثورة التي سنكون القابلة التي تولدها»، والمقصود بذلك الانطلاقة المسلحة إذ: « اتضحت.. الكيفية التي سيجري تجنيد وإعداد الأطر والكوادر على أساسها » .

إلى هنا يبدو أن أن رواية « الوزير » صحيحة، ولا يبدو ثمة تعارض مع رواية خالد الحسن التي يقول فيها أن « خليل الوزير هو الرجل الأول الذي بدأ فتح». ومن المؤكد أن حديث « الحسن » عن «البداية» لم يكن ليعن « التأسيس». وعلى الأرجح فإن ما قصده هو مباشرة « الوزير » لأول جهد سياسي/ إعلامي لحركة « فتح» لما غادر الكويت متوجهاً إلى لبنان ليبشر بالحركة الفلسطينية الجديدة من على صفحات مجلة « فلسطيننا». وهذا سيؤدي إلى الحسم بأمرين الأول: إن التأريخ التأسيسي الذي أورده « خلف » كان يتصل بالبداية وليس بالتأسيس، إذ من غير المعقول أن يكون اللقاء التأسيسي في ذات الوقت الذي صدرت فيه مجلة فلسطيننا والتي احتاج صدورها إلى جهود سابقة مضنية والثاني: إن حديث « الحسن » عن نشأة « فتح» النهائية سنتي 1962/1963 يتصل لا بالبداية ولا بالتأسيس، إنما بتوسع الحركة تنظيمياً، وهو ما سنعرض له تالياً، خاصة وأن أول مؤتمر عقدته الحركة كان في شهر كانون الثاني/ يناير سنة1961.

2. بين النشأة والتوسع: ديناميات التفاعل

لما استقر الرأي خلال احتلال غزة على بعث حركة فلسطينية كان الطلبة في مصر على وشك التخرج، وكان البحث عن عمل مُيسّراً آنذاك للمتعلمين لاسيما وأن طريق الخليج سالكة، ولكن لماذا نلحظ أن معظم المؤسسين استقروا في الخليج؟ يفسر « خلف » و « الحسن » ذلك بالحاجة إلى التمويل، فقد « كنا في ذلك الوقت نتضور جوعاً» . حتى أن ياسر عرفات أوعز لـ « خلف » بالبحث له عن وظيفة في إحدى دول الخليج. وهكذا كان، إذ حصل كغيره على عقد عمل في الكويت خلال عام واحد. بينما حصل محمد يوسف النجار على عقد عمل وهو في السجن. كانت حركة التعاقد مع الخبرات الفلسطينية نشطة وأقدمها في الكويت: « ومنذ الثلاثينات كان شعب الكويت يعيش القضية الفلسطينية وعلى علاقة بالشعب الفلسطيني وقيادته عبر البعثات التعليمية التي أرسلها الحاج أمين الحسيني إلى الكويت…أما أفراد العائلة الحاكمة، وتجار الكويت .. فقد .. حولوا لجان نصرة الجزائر إلى لجان نصرة فلسطين بمبادرة منهم .. وكان أمراء البلد من أوائل من قدم الدعم المالي لحركة فتح» . كما أن حرية الحركة والتعبير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كانت متوفرة في الكويت أكثر من أي بلد آخر، وكذا الأمر في دول الخليج، وإن بدرجة أقل، وأن التوجه إلى دول الخليج مكّن المؤسسين من الاتصال بالأثرياء الفلسطينيين الذين كانوا أعضاء في حركة « فتح» (هاني قدومي وعبد المحسن القطان مثلاً) أو متعاطفين معها (حامد أبو ستة– السعودية) ، وعلى مدى السنين أصبح جهاز جمع التبرعات يشكل شبكة واسعة من المتبرعين الذين غذوا مختلف الصناديق المالية التي كان أحدها مخصصاً لشراء الأسلحة . كما أن أعضاء الحركة كانوا يخصصون جزء هاما من رواتبهم لصندوق المال يصل إلى الثلث حينا ويزيد عن النصف حينا آخر .

وحتى سنة 1961، وبالتأكيد قبل انفصال دولة الوحدة، كانت المجموعات التي تشكل التركيب التنظيمي للحركة غير منصهرة تماما في الإطار الشكلي الصغير الذي بدأته اللقاءات الأولى ومجلة « فلسطيننا». ولم يعرف هذا الإطار انطلاقته الكبرى إلا بعد الانفصال. وقد جرى التوسع في مرحلتين: الأولى: تمثل بانضمام معظم الخمسة وثلاثين إلى الأربعين منظمة فلسطينية كانت قد نشأت بصورة عفوية في الكويت وقطر والسعودية، ولم تكن الواحدة منها تضم أكثر من مجموعة أو مجموعتين من الشباب المتحمس في الجاليات الفلسطينية اللاجئة أو المهاجرة، وقد وضع هذا الاندماج حدا للبعثرة وزود الحركة بعناصر ديناميكية وكفؤة. الثانية: الاندماج التام الذي حصل بين المجموعات الرئيسية في قطر والسعودية والكويت . وقد لعب المؤسسون دوراً في توحيد المنظمات خاصة أنهم يعملون في أوساط الجاليات الفلسطينية وعلى صلة بنشاطاتهم السياسية، كما أن مجلة « فلسطيننا» لعبت هي الأخرى دوراً كبيراً وفعالا في التعريف بالحركة إذ استطاعت أن تصل إلى كافة التجمعات الفلسطينية فضلاً عن تهريبها سراً إلى غزة بالذات. وفي السنوات اللاحقة ستزداد أهميتها، ولكن بعد الاندماج الكبير ستتولى الجاليات الفلسطينية في الخليج المهمة الأكبر في التعريف بالحركة الوليدة. فالعدد الأكبر من الجالية الفلسطينية يوجد في الكويت. وحتى أواسط الستينات كانت نسبة مهمة منهم من المدرسين العاملين في الإمارة وكانوا يعودون إلى مقرات إقامتهم في سوريا والأردن والضفة الغربية ولبنان ومصر وغزة والعراق في حركة موسمية سنوية كلما انتهى العام الدراسي وينقلون معهم أخبار الحركة الفلسطينية الجديدة. ومن يكون منهم عضوا في التنظيم يباشر مهمته في تجنيد الأعضاء وتركيز الخلايا، وحينما يعودون إلى أعمالهم كانوا يصطحبون معهم معلمين جدد بعقود رسمية. أما بالنسبة للموظفين الآخرين فكانوا يقضون إجازاتهم في أوقات مختلفة من السنة وإن كان فصل الصيف هو المفضل فيها .

لا شك أن الكويت مثلت مركز الاتصال الرئيسي لحركة « فتح»، ومن خلالها كان يسهل الاتصال بدول الخليج الأخرى وبالدول العربية، وليس غريباً، والحالة هذه أن يكون ثاني مكتب للحركة يفتتح فيها سنة 1963 بعد عام على افتتاحه بالجزائر والتي مثلت مركز الاتصال بالدول الاشتراكية الأوروبية والدول الآسيوية في الشرق الأقصى (الصين، كوريا، فيتنام) ومن هناك غربا نحو أمريكا اللاتينية (كوبا). وبهذه الآليات استطاعت حركة « فتح» أن تؤمن لها امتدادات تنظيمية وإعلامية ونقابية وأن تؤسس لخلاياها وتتعرف على حركات التحرر العالمية وتجاربها.

3. البنية الاجتماعية ومبررات النشأة

لعل الطريقة الأسلم في ضبط البنية الاجتماعية للحركة تكمن في تتبع الصراع الأيديولوجي مع المنظمات الأخرى. فقد وصفت حركة « فتح» بأنها تنظيم « برجوازي»، وهذا الوصف الذي تطلقه في العادة المنظمات اليسارية يمس قيادة الحركة بالدرجة الأساس ليصل إلى حد الشتيمة لمّا يصر خالد الحسن على أن الوصف كان « اليمين القذر» أو « اليمين العفن»، إذ أن المنظمات الماركسية «التقدمية» كانت ترى، بحكم أيديولوجيتها، أن التشكيل الطبقي البرجوازي منبوذ في العرف الثوري الماركسي. وطغيانه يعني عرقلة تطور الثورة وحرفها عن اتجاهاتها الأساسية وضرب الطبقة العاملة والفلاحية ذواتا المصلحة الحقيقية في الثورة والاستمرار بها، والاثنتان ينبغي تأهيلهما لقيادة الكفاح الوطني. ولأن الطبقات البرجوازية على النقيض من ذلك فقد وصفت بـ « اليمين». أما الأوصاف اللاحقة فلكونها – الطبقات البرجوازية- « رجعية» في فكرها الثوري عن الفكر الماركسي زيادة على أن « فتح» هي تركيب برجوازي يشتمل على كل شرائح البرجوازية، وهذا ما يجعلها « يمين قذر» أي شديد الهيمنة والتسلط، بالرغم من أن الوصف يحمل معنى الشتيمة. ولكن هل « فتح» تنظيم برجوازي فعلاً؟

قبل التعليق على الجدول وتحليله لا بد من إثبات الملاحظات التالية بشأنه:

1. يضم الجدول قائمة لأعضاء مؤسسين في حركة « فتح» يفترض أنهم نشطوا خلال الفترة ما بين سنتي 1951– 1965. ومن المؤكد أنهم ليسوا الوحيدين. ولكنهم مسئولون مباشرون عن تأسيس حركة « فتح» أو مشاركون في قرار الانطلاقة المسلحة.
2. إن القائمة تضم أولئك الذين وردت أسماءهم، ولو مرة واحدة، في الكتب والمراجع والمصادر والسير والموسوعات. ولأن هذه المؤلفات لم تسعفنا في إصدار بطاقة هوية شاملة لكل واحد منهم فقد استعنا بالمقابلات مع القدماء الذين عرفوهم عن كثب إما لاستكمال البيانات عنهم أو للتأكد من المتوفر منها. وكل نقص ناجم عن غياب المعلومات أو الشك بها أثبتنا مقابله الحرف« غ» الذي يرمز إلى عبارة « غير معروف».
3. إن بعض هؤلاء المؤسسين توفي وفاة طبيعية أو اغتيالا أو ترك نشاطه في « فتح» أو أجبر على ذلك إلا أن هذا لا يمنع من اعتباره أحد المؤسسين.
4. إن الغالبية الساحقة منهم لاجئون إثر النكبة. وبعضهم لم يلجأ إلا بعد الكارثة (1967). ولأننا نتحدث عن فترة معينة فقد اعتبرنا اللاجئ هو ذاك الذي نزح عن دياره بعد النكبة. أما بعد الكارثة فمن المرجح أن الغالبية المطلقة منهم أصبحوا لاجئين.
5. بالنسبة لأصول الأعضاء فثمة مشكلة حين التعرض لمن هم أصلا من المناطق المشتركة الحدود خاصة منطقة طولكرم – يافا - نابلس. فبالنسبة لـ « هاني القدومي» و « فاروق القدومي» كلاهما يفترض أنه من بلدة كفر قدوم في طولكرم بيد أن المصادر تردهما إلى يافا. ولعلنا لا نجد تفسيراً لذلك إلا بعدم اتضاح حدود الأقضية أو على الأرجح لقرب البلدة من نابلس ووقوعها على طريق رئيس باتجاه المدينة. وهذه مسألة هامة لمعرفة ما إذا كان العنصر المعني لاجئاً أم لا بعد النكبة؟
6. ثمة غياب لمستوى التحصيل العلمي خاصة عند « مجموعة غزة » (القيشاوي، المزيني والفرنجي)، ومن الصعب التنبؤ بذلك.
7. لم تتوفر معلومات مؤكدة عن بعض المؤسسين فيما يخص مستواهم الثقافي بالرغم من أنهم عملوا في قطاع التدريس، لذا فقد اعتبرناهم حاصلين على الثانوية العامة باعتبارها الحد الأدنى لمزاولة المهنة، وربما كانوا أكثر من ذلك خاصة أن بعضهم عمل بوظائف عليا فيما بعد.
8. سنتعامل مع الجدول باعتباره وحدة بيانات مكتملة لأننا لا نستطيع إسقاط أي من الأسماء بحجة نقص البيانات، وبالتالي فإن النسب المنتظرة ستمثل الحد الأدنى وليس الحد الأقصى. ولأن النقص طفيف فلا نعتقد أنه سيؤثر على النتائج العامة أو يغير من قيمتها العلمية.
9. وأخيراً يمكن اعتبار الجدول نواة قابلة للتنقيح والتطوير كلما توفرت المعلومات، فنحن لا نمتلك مثلاً بيانات حول المهن التي زاولها نشطاء مجموعة ألمانيا، واعتبرناهم من القيادات الطلابية الذين نشطوا بين صفوف الطلبة في أوروبا، وظلوا كذلك حتى مطلع الستينات. ومع أننا لا نشك في انتماء غالبية «المؤسسين» إلى « الإخوان المسلمين» إلا أننا لا نمتلك أدنى قدر من المعلومات حول دوافع انتمائهم للجماعة. وبشكل عام لم يكن ثمة أحزاب سياسية في القطاع سوى « الإخوان المسلمين» و « الشيوعيين» حتى سنة 1953 لما تشكلت أولى خلايا حزب البعث ثم حركة القوميين العرب في منتصف الخمسينات.
والآن لنحاول تفكيك الجدول وتحليله. فماذا نجد؟

الوضعية السياسية

• يبين الجدول أن « فتح» هي حركة لاجئين. إذ يشير إلى وجود 24 عضوا من اللاجئين بنسبة إجمالية تصل إلى 70.6% من مجموع الأعضاء. ومن بينهم 16 عضوا لجئوا إلى غزة قادمين من: قضاء غزة- 2، بئر السبع– 3، الرملة واللد- 5، القدس-1، فلسطين المغتصبة-1، طولكرم–1، يافا- 3، وأربعة آخرين لجئوا إلى سوريا قادمين من: حيفا- 2، صفد- 2، واثنين لجئآ إلى الأردن قادمين من يافا، وواحد لجأ إلى الكويت من منطقة غير معروفة وأخير لا تتوفر لدينا أية معلومات عنه سوى كونه لاجئا درس في مصر وكان عضوا في رابطة الطلبة وأحد الخمسة الذين اجتمعوا سراً في القاهرة سنة 1955، للتداول في بعث حركة فلسطينية مستقلة، ونعني به « خميس شاهين» الذي لم يرد عنه أي ذكر في المصادر والمراجع.
• أما غير اللاجئين فيشير الجدول إلى سبعة أعضاء منهم بنسبة 20.6%. وبينهم اثنان من سكان غزة فيما توزع الباقون على كل من قلقيلية، نابلس، رام الله ، الخليل والقدس.
• وثمة ثلاثة أعضاء آخرين (8.8%) اثنان منهما يقيمان في غزة، وبالرغم من غياب معلومات دقيقة عنهما إلا أننا نرجح كونهما من سكان غزة غير اللاجئين بعكس «أحمد وافي» الذي أكد لنا البعض أنه لاجئ، من قرية سلمة قضاء يافا.

وفي المحصلة لدينا 21 عضوا من المؤسسين أقاموا في غزة، وهذا راجع إلى أن 99% من اللاجئين إلى غزة وفدوا من اللواء الجنوبي لفلسطين (60% من قضاء غزة وبئر السبع و 39% من الرملة واللد ويافا مقابل 1% فقط من الأقضية الأخرى). ويبقى السؤال هو، لما كانت « فتح» هي حركة لاجئين ووليدة ردود الفعل على النكبة أو على الاضطهاد السياسي، فكيف نفسر كون معظم مؤسسيها من سكان غزة أو ممن لجأوا إليها وليس من سكان الضفة الغربية ولاجئيها أو من مناطق أخرى كسوريا أو الأردن أو لبنان؟ ربما يفسر هذا بعدة عوامل نجملها في ثلاثة مع التركيز على الأخير منها، وهي:

• احتفاظ قطاع غزة بهويته الفلسطينية تحت الإدارة المصرية بعكس التجمعات الفلسطينية الأخرى خاصة الضفة الغربية التي ألحقت دستوريا بشرق الأردن. ولقد تولد عن هذا الوضع شعور بالهوية ووعي سياسي مبكر لدى السكان ومتميز لاسيما أنه يتغذى على خلفية ضغوط الحياة المعيشية (هيمنة كبار الملاك والتجار) والسياسية (مقاومة مشاريع التوطين والإدماج والتدويل) والعسكرية (حرب الفدائيين وحرب السويس). وكان لمجموع الضغوط هذه آثار استراتيجية حاسمة خاصة خلال احتلال غزة؛ التجربة التي مست بعمق أنماط التفكير السائدة وبلورتها تدريجياً باتجاه الاعتماد على النفس.

• لأن نصف حملة الشهادات الجامعية تخرجوا من الجامعات المصرية فيما توزع الآخرون على جامعات أوروبية (طلبة ألمانيا) وخالد الحسن (بريطانيا) وفاروق القدومي (الجامعة الأميركية في القاهرة). وهذا راجع لكون معظم الطلبة الفلسطينيين في الجامعات المصرية قدموا من غزة بعد أن فتحت أبوابها لهم في أعقاب الغارة وتقديم جامعة الدول العربية لمعونات مالية للطلبة المحتاجين منهم. ولم يكن هذا الامتياز متاحا لأشقائهم في الأردن حيث لم توجد جامعات ولا في سوريا ولبنان حيث كلفة التعليم عالية.

• تفكك جماعة « الإخوان المسلمين» التنظيم الحزبي الأوسع جماهيرياً وصاحب الإرث الطويل في فلسطين، في حين حافظت الجماعة على تماسكها في الضفة الغربية بل وتلقت دعما من السلطة الأردنية التي لم تشكل نقيضا لها كما حصل للجماعة في غزة. فبعد ثورة الضباط الأحرار (تموز/ يوليو 1952) تمتعت الجماعة الأم بعلاقة ممتازة وضعتها في مكانة « حزب السلطة»، وانعكست هذه الوضعية على فرع الجماعة في غزة والتي عملت بحرية تامة في القطاع. ولم يطل الوقت حتى اصطدمت الجماعة الأم بالسلطة سنة 1954 على خلفية معارضة الجماعة لاتفاقية الجلاء عن القناة مع بريطانيا أو لاتهامها بتنظيم محاولة لاغتيال عبد الناصر. وكانت هذه المناسبة شرارة عداء مزمنة بين الجماعة الأم والسلطة ألقت بآثارها على الجماعة في غزة وأجبرت قياداتها، تحت ضغط الإدارة المصرية، على الهجرة أو البحث عن بدائل تجنباً للملاحقة أو السجن أو المراقبة أو المضايقة. ومع نهاية الخمسينات (1959) كانت « الجماعة قد تفككت تنظيميا وضعفت إلا من الولاء الفكري» . وإذا دققنا في هذا التاريخ سنجد أنه يوازي نشأة حركة فتح. وما يؤثر على هذا الترابط وجود 15 عضوا مؤسسا، على الأقل، من بين « الإخوان المسلمين» حتى أن بعضهم احتفظ بعلاقة تنظيمية ثابتة مع الجماعة والبعض الآخر ظل وفيا لأفكارها وقسم أخير بقي متعاطفا معها إلى حين. ومن الواضح أن حركة « فتح» قامت على أنقاض الجماعة لاسيما وأن النواة المركزية كانت في عضويتها، ونجحت في الهيمنة على قيادة الحركة على الدوام. ولم يحد من نفوذها إلا تغلغل رموز التيارات الأيديولوجية ووصولهم إلى القيادة المركزية ليس لكون الكثير منهم من بين المؤسسين فحسب بل لملء الفراغ الناجم عن مقتل عدد كبير من المؤسسين مثل محمد يوسف النجار، كمال عدوان، عبد الفتاح الحمود وصولاً إلى خليل الوزير وصلاح خلف.

الوضعية الاجتماعية

يبين الجدول أن 85.2% من مؤسسي « فتح» تلقوا تحصيلاً علميا تراوح بين الشهادة الجامعية (20عضواً) والشهادة الثانوية العامة كحد أدنى (8 أعضاء)، فيما حصل واحد منهم على دبلوم عالي وخمسة آخرين من المستبعد أن تقل ثقافتهم عن شهادة الثانوية العامة. أما من حيث المهنة فمن الصعب تصنيفهم بما أن معظمهم زاول أكثر من مهنة. وعلى العموم فقد تنقلوا بين التدريس والوظيفة الإدارية الدنيا والعليا والأعمال الخاصة. وفيما كان واحداً منهم عاملاً فنياً ثمة أربعة أعضاء غير معروفة مهنهم بالرغم من كون ثلاثة منهم جامعيين، وستة آخرين كانوا حتى سنتي 1962/63 من التيارات الطلابية في ألمانيا وهم الذين جرى تصنيفهم ،« نشطاء طلابيين». ولدينا في الجدول عشرين عضوا ارتحلوا إلى دول الخليج للعمل هناك وثلثهم، تقريباً، احتل مناصب إدارية رفيعة. وفي هذا الصدد يذكر صلاح خلف أنه وزملاءه في الكويت كانوا: « بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في بلدان عربية أخرى بمثابة أصحاب امتيازات» . وهكذا من الممكن إثبات بعض الملاحظات على الهوية الاجتماعية للحركة:

• إن « فتح» هي حركة انبثقت من شريحة المثقفين، وبالتحديد من الطلبة الجامعيين أكثر من غيرهم وبدرجة ثانية من خريجي الثانوية العامة الذين امتهنوا التدريس. وقد انعكست هذه التركيبة الثقافية على تكوين الخلايا وجذب الأعضاء الذين كانوا في الغالب من طلبة المدارس والجامعات. وظلت هذه السمات غالبة على البناء التنظيمي لحركة « فتح» حتى اندلاع معركة الكرامة سنة 1968 والتي أدخلت معها حشود العمال والفلاحين من سكان المخيمات. ومع ذلك ظلت الشرائح المتعلمة والمثقفة حاضرة بصفة ملحوظة وفاعلة جداً وإحدى السمات العامة للتركيب الاجتماعي لحركة « فتح». ويعود هذا إلى فعالية الاتحاد العام لطلبة فلسطين الذي هيمنت على قيادته حركة « فتح» وظل يشكل رافداً لها من مخزونه السنوي المتجدد من الطلبة الفلسطينيين في كافة أنحاء العالم.

وما هو جدير بالذكر أنه مع نهاية النصف الأول من السبعينات تَشَكَّل في حركة « فتح» وفي الثورة الفلسطينية عموما أول سرية عسكرية قوامها من الطلبة بقيادة سعد جرادات، وبعد مقتله تحولت السرية إلى « كتيبة الجرمق»، وظلت الأشد تنظيماً وفاعلية طوال عقد كامل، فترة الحياة التي عاشتها، ونجحت خلالها في تأطير عشرات القادة العسكريين والسياسيين والتنظيميين حتى غدت أمثولة الثورة ورأس حربة أينما حلت.

• في الإطار الاجتماعي العام ينتمي المؤسسون إلى الشريحة التي أخذت تتكون منذ مطلع الأربعينات (1942) لما أصبح التعليم يشكل الدينامية الاجتماعية الثانية بعد « الملكية» وتوجه الشرائح الميسورة نسبياً نحو الاستثمار فيه، وليصبح الرأسمال الوحيد، غداة النكبة، لتحسين الأوضاع المعيشية، وكما فعلت من قبل، حافظت العائلات الراغبة في تعليم أبنائها على الإقامة في المدن أو بجوارها ونادراً ما سكنت المخيمات. ولما كان التعليم الفلسطيني ذو سمات طبقية ومدينية فمن غير المستبعد ألا ينتج حركة ثورية بذات السمات. أي حركة حضرية وطبقية. وهكذا يصبح مفهوماً لماذا لم تتخذ « فتح» من الريف أو من المخيمات مقرا لها مثلما لم يتخذ أي من مؤسسيها واللاحقين عليهم من القرى والمخيمات مقراً له. وهذه الملاحظة تنطبق على كافة فصائل المقاومة الفلسطينية وليس على « فتح» وحدها .

• إذا استثنينا عبد المحسن القطان وهاني القدومي بوصفهما من الشرائح المتنفذة فإن باقي الأعضاء هم من وصفوا بالانتماء إلى البرجوازية المتوسطة أو الصغيرة منها، وهاتان الطبقتان وغيرهما هما جوهر البحث في المسألة الثالثة (مجتمع الثورة).

ثانيا: الهوية السياسية

كانت الحروب، فيما مضى، وحين التقاء الخصوم، تتسم بالإبادة. فالنصر لا يتوقف عند استسلام أحد الخصوم ولا بإخضاعه إلى شروط المنتصر فحسب، بل قتل أكبر عدد ممكن من الطرف المهزوم وممارسة شتى أشكال الإبادة الجماعية من أسر وتعذيب وعبودية وقهر وإرهاب ومصادرة للممتلكات العامة والخاصة ونفي وتشريد وتجويع وملاحقة ومحاولة إخراج الخصم حتى من الوجود الإنساني. وفي ستة أشهر ونصف، ما بين صدور قرار التقسيم (29 نوفمبر 1947) عن الأمم المتحدة وانسحاب القوات البريطانية المنتدبة على فلسطين (14 مايو 1984) كانت أشكال الإبادة هذه قد مرت على الفلسطينيين وأودت بهم في شتى بقاع الأرض. وفي هذا الزمن القياسي فقد الفلسطينيون وطنا ومجتمعاً وأمة. ومع ذلك كان على الفلسطينيين أن يتحملوا إفرازات حركة استعمارية عالمية بالغة القسوة والعنف، إفرازات أشد إيلاما على النفس من الانتكاب في الوطن. كان عليهم أن يواجهوا دولا ومجتمعات عربية مجزأة لا وطناً أو مجتمعاً عربياً موحداً في إطارٍ ما أو مألوفاً. فالإرث الذي خلفته الحركة الاستعمارية كان قد دفع بالظاهرة الاستقلالية إلى آخر مدياتها بما أن الدولة اليهودية ستكون في النهاية أحد تجلياتها بحيث لا تبدو غريبة حين قيامها بل واحدة من بين دول عربية مستقلة مثيلة. أما وضع الفلسطينيين فهو الذي سيبدو غريبا وثقيلاً على دول الاستقلال. وهنا تكمن فكرة تكوين حركة فلسطينية مستقلة (1955) وتبلورها (1959) ثم اندفاعها باتجاه المطالبة بالهوية المستقلة. وكانت الفكرة إحدى نتائج الاضطهاد السياسي أكثر مما هي نتيجة لاضطهاد طبقي . لذلك يبقى مثيراً للانتباه، أن تسبق دولة التجزئة في استقلالها، ظهور الدولة اليهودية كدولة مستقلة في حين تطوى القضية الفلسطينية سياسياً وقانونياً، عربياً ودولياً، حتى بزوغ العقد السابع. فلماذا؟ وكيف استعاد الفلسطينيون هويتهم وبأية وسائل؟

 الاضطهاد: أي محتوى؟ وأي مبرر؟

تميزت وضعية الفلسطينيين غداة النكبة بحالة عامة من « انعدام الوزن» بعد أن انتهى بهم الأمر شعباً « تائهاً يعاني الضياع في معسكرات التجميع... فاقدا لوعيه وفكره، يعيش في ذهول بسبب الحركة السريعة التي تطورت بها الأحداث من حواليه.. وزاد في تعقيد " الحالة " سنوات الجوع الثلاث .. بحيث لم يعد قادرا على التفكير المنظم المسؤول، وبقي يتابع الأخبار والأحداث التي يصنعها له غيره» . وفيما بين سنتي 1953– حزيران/ يونيو 1964 لم يتبق من الهوية الفلسطينية شيء يذكر. وتسبب اختفاء الهوية فضلاً عن سنوات الجوع وفقدان المنزلة في إصابة اللاجئين بذعر سياسي واجتماعي، بل باضطهاد شامل. ففي مستويات مختلفة شنت أجهزة السلطة الأمنية حملات منظمة من الاضطهاد لم تفلت منها: « حتى كلمة " فلسطيني" (التي) حرّمتها بعض الأنظمة العربية، واعتبر تردادها، ولو من قبيل التعريف عن الهوية استفزازاً للنظام يستحق العقوبة و " التأديب " .. ومنذ ذلك الحين أصبحت كلمة « لاجئ » أبغض كلمة في قاموس اللغة العربية على قلب الإنسان الفلسطيني لما أضحت توحي به من معاني القهر والسحق والإذلال» . وإلى جانب الأجهزة الأمنية جرى تحشيد فئات اجتماعية متمايزة، بوعي أو بدون وعي، لشن حملات تحقيرية ضد الفلسطينيين الذين كيلت لهم اتهامات ببيع أراضيهم أو الفرار منها، وإصابتهم « بالعجز والاتكالية وانحراف معايير السلوك» وإخضاعهم لحصار شمل المأكل والملبس والعمل والزواج والتنقل والسفر ودفن موتاهم عدا حظر النشاط السياسي والثقافي والاقتصادي والتجسس عليهم ومراقبتهم وملاحقتهم وحظر استعمال وسائل الإعلام على اختلافها ... الخ ولم يعاملوا حتى كبروليتارية رثّة. إنها، في الواقع، وصاية أمنية لا إنسانية ولا أخلاقية أدخلت الإنسان الفلسطيني في «التيه» وحولته من « بشر» إلى « جسد». وقد خلقت هذه السياسة العربية « المضيفة» للاجئين (حسب تعبير جامعة الدول العربية) عموماً وفي لبنان خصوصاً « مشاعر مريرة في نفس الفلسطيني التائه، من بعض جوانبها عقدة الإحساس بالاضطهاد» والتي ما زالت تلازمه حتى الآن، برغم عشرات الآلاف من الضحايا، وكأن الفلسطينيين أناس « موبوؤون بالطاعون» .

ولكن لماذا تُجْمِع دول الاستقلال على اضطهاد حاد لأناس هم في أمس الحاجة للمساعدة، ولم يكونوا مسؤولين عن النكبة خلافاً لما رُوِّج ضدهم؟ فالعرب باعوا أكثر من نصف الأراضي التي امتلكها اليهود قبل قرار التقسيم، والفلاحون الفلسطينيون الذين يشكلون غالبية سكان المخيمات والشتات لم يبيعوا أزيد من 10% تحت تأثير شتى أساليب الضغوط والخداع التي مورست ضدهم. أما حجم الأراضي المباعة كلها فبالكاد تصل إلى6%من مساحة فلسطين أو أكثر بقليل. ثم أليس العرب الرسميون هم الذين طلبوا من الفلاحين والعمال أن يخلدوا « إلى السكينة والهدوء اعتمادا على ثقة الصديقة بريطانيا التي وعدت بتحقيق العدل»؟ إبان ثورة العام1936 التي عرفت بثورة الفلاحين واجتاحت فلسطين بكاملها وشكلت أكبر خطر حاق بالمشروع البريطاني- الصهيوني؟ لماذا يُحمّل شعب نفَّذ أطول إضراب احتجاجي طوال ستة أشهر شُلَّت فيه كافة مناحي الحياة، مسؤولية النكبة؟ أو يلقى عليه القسط الأكبر من المسؤولية؟

في حقيقة الأمر فان التقصير العربي إزاء الفلسطينيين لا يحتاج إلى إيضاح. ونحسب أن التملص الرسمي من المسؤولية عن النكبة هو سلوك جماعي عنيف ومفجع استهدف إخفاء الحقيقة أولاً ليصار إلى تحويرها ثانيا. ولكن من هو المخاطب في هذا السلوك؟ هل هم اللاجئون الذين يدركون تفاصيل الكارثة؟ أم أشقاءهم، ومن نفس الشرائح الاجتماعية، الذين تفاجئوا بحشود اللاجئين بين ظهرانيهم وانتظروا من زعامات الاستقلال (الشرائح المتنفذة) أن تقدم لهم إجابات ومبررات؟ بالفعل ألقي اللوم على اللاجئين، وحُصرت أسباب النكبة بهم وقُلبت الحقائق واستُعملت مفاهيم وقيم المجتمع الفلاحي تجاه الأرض لحفز الشرائح المختلفة في الريف على معاداة اللاجئ الذي باع أرضه وبالتالي عرضه لتُضرب كرامة اللاجئ في الصميم في ذات اللحظة التي كان يعاني منها من انعدام الوزن. هذه المكانة الرهيبة التي حظي بها اللاجئون كانت كفيلة بدفعهم نحو الانزواء في تجمعاتهم ومخيماتهم الموحشة بعد أن تبين لهم أن الشتات لم يجردهم من ممتلكاتهم ووطنهم ولا من « كل القيم السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي نشئوا عليها (أو تمزيق) العلاقات والوحدات الاجتماعية التي تربوا عليها. بل... أخرجهم من المجتمع العربي ككل » . وكانت العزلة المدخل إلى الوصاية السياسية العربية، وفي هذا السياق فإن وصم الفلسطينيين بأنهم « كتلة مصابة بالعجز والاتكالية » ينسحب على النشاط السياسي لهم بدرجة تفوق كثيراً جداً النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي لهم. فالإلحاق السياسي للضفة الغربية (الأردن) وغزة (مصر) والحمّة (سوريا) لجم أية تطلعات سياسية مستقلة للفلسطينيين وفرض عليهم حصاراً سياسياً حرم الفئآت المسيسة منهم أو الواعية من المجاهرة في التعبير عن آرائهم أو بناء أية مؤسسة سياسية. ولم يكن الاندماج في الأحزاب السياسية العربية أو المؤسسات الرسمية إلا لكونها القناة الوحيدة المتاحة أمامهم. وحتى هذه الأحزاب المعارضة أساساً لم تنتعش إلا في أجواء عدم الاستقرار الذي خلفته النكبة بدعوى من الأنظمة السياسية الفاسدة. فانخرط الفلسطينيون في سوريا بجماعة « الإخوان المسلمين» التي ساهمت، مع متطوعين من الجماعة الأم في مصر، في الدفاع عن القدس الشرقية خلال حرب العام1948، وفي لبنان اندرجوا في الحزب القومي السوري الاجتماعي المنادي بوحدة سوريا الكبرى والذي جعل القضية الفلسطينية في صلب اهتماماته وعلى رأس أولوياته. أما في الأردن فكان الاتجاه نحو حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب. وتوزعوا في غزة على كل الأحزاب القومية والدينية والأممية. وفي كل مكان تواجد فيه الفلسطينيون ثمة حضور حزبي لهم مؤسَّس على قضية الاندماج في الأحزاب الأقرب إلى القضية الفلسطينية طالما ظل العمل السياسي العلني والمستقل محظوراً عليهم. وبطبيعة الحال لم يفلت من هذه الفرضية إلا أشكال العمل السري أو الطلابي داخل حرم الجامعات أو الاحتجاجات الشعبية العامة، التي كانت تغذيها تطورات الأحداث، والتي كانت تواجَه، في العادة بقمع وملاحقة بالرغم من طابعها الظرفي.

ولقد استمر « انعدام الوزن» حتى سنة 1956 حيث ستتغير الحالة نسبياً وباضطراد كلما تفتحت مصر على انتمائها العربي وهويتها الدستورية إلى أن تصل إلى القمة بإعلان دولة الوحدة مع سوريا سنة 1958. فبعد حرب السويس (1956) تحولت الجماهير العربية، ومنها الفلسطينية على الخصوص، نحو مصر، ونحو الرئيس عبد الناصر. ولم يكن آنذاك أي فكر قومي لمصر. أما عبد الناصر فكان صانع أحداث قومية وليس مفكراً قومياً. وعلى هذا الأساس تعلقت الجماهير المسحوقة، أكثر من غيرها من الفئات الاجتماعية، بشخصية عبد الناصر السياسي الذي سيحرر فلسطين ويطرد الاستعمار كما طرده من السويس وسيناء وغزة. ولم يكن تنصيبه زعيماً عربياً على أساس الفكرة القومية التي لم تكن واضحة حتى في عقول الحزبين إنما على خلفية الحرب العدوانية التي شنت بسبب تأميم قناة السويس وعلى خلفية تمصير الاقتصاد، وهاتان لا يمكن اعتبارهما، في حينه، عملا قومياً عربياً، إنما سياسة مصرية داخلية اكتسبت طابعاً قومياً لفت انتباه مصر التي أدركت حجمها العربي وأهمية انتمائها إلى العروبة، وعلى ضوء ذلك ظهرت الناصرية تياراً قومياً كاسحاً. أما التأييد الشعبي الفلسطيني الجارف لمصر فلا يمكن تفسيره إلا بكونه مثَّل « لحظة وزن»، لحظة انعتاق من الحصار السياسي المفروض عليه. فكانت محاولة قاطعة من الفلسطينيين للاحتماء بعبد الناصر جدار القوة، الذي فجرت إنجازاته القطرية الأولى منظومة العلاقات الدولية وقلبتها رأسا على عقب. وفي هذه « اللحظات» تنفس الفلسطينيون الصعداء وبدأت مرحلة الشعور بالذات والتعبير عن كينونتها دون وجل.

1. الهوية بين عشق القومية وضرورة القطرية

ولكن كيف جرى التعبير عن هوية فلسطينية مستقلة يؤرَّخ لها من عند العام 1959 حيث « رعب» القومية الناصرية؟ لعل حركة « فتح» مقدمة على خوض مجازفة لا تحمد عقباها بالنظر إلى وصم دعوتها بالقطرية الإقليمية، الشوفينية، وفوق كل هذا دعوة « توريطية» بما أنها تبشر بالكفاح المسلح. والسؤال هو: هل ثمة ما يبرر الطرح القطري ولمَّا يكن هناك بعد من يتبناه أو يدافع عنه؟

لقد عبر الفلسطينيون، بقطع النظر عن الاضطهاد الذي مورس ضدهم، عن هوية قومية لا عن هوية مستقلة. وجاء التعبير عن هذه الهوية في صيغة: « " عربي- فلسطيني"، وهي صيغة لها جذورها التاريخية منذ أن "كانت" العروبة " في فلسطين هي وحدها الراية وهي وحدها الهوية … فالفلسطينيون – سياسياً – هم وحدويون منذ البدء، لا عقد ولا رواسب موروثة، ولا مصالح ولا امتيازات مكتسبة، تجعلهم يكونون غير ذلك» . لذا فقد اندرج الفلسطينيون في الأحزاب العربية التي تمخضت عقائدها عن إشكالية الفصل أو الدمج بين ثنائية الوحدة والتحرر. فثمة من يدعو إلى تحقيق الوحدة (الثورة السياسية) من أجل التحرير وليس التحرر. وثمة من يزاوج بين الوحدة والتحرر (الثورة الاجتماعية) من أجل التحرير. هذا يعني أن الهوية القومية، في مرحلة معينة، لم تستطع التوفيق بين الأطروحتين القوميتين من أجل الوصول إلى هدف محدد هو « التحرير» ، فكان العداء الحزبي والصراع العقائدي المدخل لتكريس الانقسام الاجتماعي والسياسي بين الفلسطينيين سواء وعوا ذلك أم لم يعوه. وإذا أردنا أن نكثف من المسألة سنقول مثلما قال صاحب « التيه»: « لم تكن المشكلة في خطأ الراية بل في خطيئة من حملوها» . ولكن ماذا ينفع هذا القول، في حينه، بينما التيه والانقسامات …الخ هي تعبيرات الخطيئة؟ إذن ما هو السبيل للخروج من التيه؟ هنا اقترحت حركة « فتح» تصوراً جديداً للهوية يقلب المعادلة فيحولها إلى صيغة « فلسطيني-عربي». ومن الواضح أن هذه المعادلة تقدم الهوية الفلسطينية على الهوية العربية، وهي فعلاً معادلة تتماثل مع واقع التجزئة التي تشكل الدولة القطرية حجر الأساس فيه، ولكن بما أن الهويات القطرية القائمة لم تُخرج أصحابها من عروبتهم فكيف لها أن تُخرج الفلسطينيين من عروبتهم وهم في أمس الحاجة إليها؟ كما أن الهوية الفلسطينية، سياسياً وقانونياً، دعوة تتماثل مع معايير النظام الدولي وأنماط العلاقات السائدة فيه، والقائمة على الاعتراف بالقطريات لا الدول فقط بل وقوميات مستقلة. إذن أين تكمن المشكلة ؟

في المستوى العربي فإن الدعوة إلى هوية فلسطينية ومستقلة وُجِّهت نحو الوصاية العربية التي احتوتها سياسيا وقانونياً. وأن أية دعوة من هذا القبيل ستؤدي إلى إثارة المشاكل مع الدول العربية سواء تلك التي تمارس وصاية على الأرض والشعب أو تلك التي تمارس الوصاية على الشعب، وكلاهما يرفض أي تعبير أو نشاط سياسي مستقل للفلسطينيين، ومن جهة أخرى فإن تمرير الدعوة إلى الهوية المستقلة قد لا يقوى على تحمله الفلسطينيون فيؤدي إلى دخولهم في مساومات سياسية وفتح الباب أمام الدول العربية لتتحلل من مسؤولياتها، بيد أن حركة « فتح» كانت تفكر بطريقة مغايرة، فإذا ما جرى ترقية الكفاح المسلح، وهو هدفها، ووضعه في إطار الحتمية التاريخية فإن الشرط الأهم والحاسم لتشريعه أن يكون له هوية وطنية وأهداف سياسية ورافد بشري. لذا كان لزاماً على « فتح»، كيما تشرع في هدم الأبنية الأيديولوجية القائمة، أن تتوجه إلى حشود الشتات للفت انتباههم إلى فاعليتهم وقدراتهم وحفزهم على ضرورة الشعور والتفكير جدياً بأهمية الحاجة إلى هوية مستقلة إذا كان لهم أن يكونوا أسياد قضيتهم. وعللت « فتح» الدعوة بـ:
• المسؤولية السياسية العربية التاريخية عن وقوع النكبة وتكريس آثارها عبر استمرار استبعاد الفلسطينيين من التقرير في شؤونهم وفرض وصاية شاملة عليهم أينما كانوا، وتجريدهم من الهوية السياسية حتى في مواجهة الأعداء، وإخضاعهم لاضطهاد شامل وإلقاء المسؤولية عليهم.
• تأجيل الدور الفلسطيني أو إبقائه في إطار الإستراتيجيات العربية الرسمية والحزبية بانتظار تحقيق الوحدة العربية التي ضُرِبت في الانفصال.
• غياب أية مخططات عربية لحسم الصراع مع إسرائيل. وتأكيد هذا من خلال تصريحات الرئيس المصري أمام أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة سنة 1962 حين قال: « إن الذي يقول أنه وضع خططاً لحل قضية " فلسطين " إنما يخدعكم ، فأمامنا قضية معقدة ويجب أن نستعد لها بكل القوى المعنوية والمادية » .
• فشل كافة الأحزاب العربية أياً كانت عقائدها وأيديولوجياتها، بإحداث أثر جماهيري في أوساط الشعب الفلسطيني أو « بأن تتحول إلى أحزاب جماهيرية في بلدانها » .

ولأن الأحزاب العربية، كما الدول العربية، وضعت القضية الفلسطينية في مرتبة ثانوية وقسمت الفلسطينيين وأججت العداء بينهم عبر جماعات أيديولوجية وتنظيمية وعقائدية خلقت بينهم جزرا حزبية معزولة تتصارع على قضايا لا تعنيها، ويائسة من المماحكات العقيمة .

2. مجلة « فلسطيننا – نداء الحياة »: القناة الفاعلة

كانت هذه المجلة هي المنبر الإعلامي لحركة « فتح» والتي نَفَذت بواستطها إلى شتى التجمعات الفلسطينية. وتكمن قيمة الآراء والمقالات الواردة فيها لا في كونها تعكس الأطروحات السياسية والأيديولوجية التي قامت عليها حركة « فتح» فحسب بل في أن الفعاليات السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية التي تتربع « فتح» على قيادتها منذ نشأتها المعاصرة ما زالت تُبَرَّر في إطارها، ولا أدل على هذا من تطابق الأفكار الواردة فيها حول الهوية المستقلة والحزبية والوصاية العربية مع كتابات المؤسسين في فترات زمنية تغطي عقودا لاحقة مثل مقالة كمال عدوان « فتح: الميلاد المسيرة، 1973» وسيرة صلاح خلف « فلسطيني بلا هوية، 1979» وخالد الحسن « فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) سنة 1987». ولكن كيف استطاعت « فتح» إصدار مجلة فلسطينية في أجواء الحظر السياسي؟

يشير خالد الحسن أن « فلسطيننا» كانت في الأصل مجلة « لبنانية» يملكها توفيق حوري من طرابلس- شمالي لبنان. وكانت مرخصة وتحظى بصندوق بريد وعنوان علني بحيث يسهل توزيعها بالبريد بشكل رسمي. وقد تفاوضت الحركة مع صاحبها وحصلت منه على امتياز بإصدارها باسم « فلسطيننا». ومع بداية ظهور الصفة السياسية الفلسطينية للصحيفة أخذت السلطة اللبنانية تلاحق المطبعة لمنع طباعتها، غير أن قادة الحركة تغلبوا على هذه العقبة بتجزئة المجلة وتوزيع طباعتها على أكثر من مطبعة ثم إعادة تجميعها في مكان منفصل عن كل من ساهم في الطباعة . وقد صدرت أولى أعدادها في شهر تشرين أول/ أكتوبر سنة1959. وتواصل صدورها على امتداد أربعين عدداً كان آخرها في 1/11/1964 حيث توقفت عشية انطلاق أولى العمليات العسكرية لحركة « فتح». وتقول مصادر أخرى أن المجلة صدرت بعنوان « فلسطيننا – نداء الحياة» لأن قيادة « فتح» ترجحت بين اسمين لها، الأول هو « نداء الحياة» والثاني هو « فلسطيننا» فصدرت تحمل الاسمين معا وتجانبا. بيد أن هذه المصادر تخالف ما أورده الحسن حين أشار إلى صدور المجلة علناً بالرغم من افتقارها لترخيص حكومي، وعلى الأرجح فإن الرواية الأولى أصح من الثانية. أما عن حجم المجلة فقد احتوت على اثنتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير (20 سم×30 سم). واشتملت على سلسلة من المقالات التاريخية حول فلسطين وهويتها والقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني. وفي كلمة التحرير المنشورة من العدد الأول قالت المجلة أنها: « .. عصارة مجهودات ضخمة ظللنا نجاهد كثيرا .. جداً حتى استطعنا أن نعدها لتكون منبرا لشعبنا الشريد، و .. صوتا داوياً لقضيتنا .. وكبرهان قوي ساطع على أن شعب فلسطين لن يستسلم ولن يخضع بل.. يجاهد .. لاستعادة الوطن السليب ومحي العار الذي لصق بنا، والثأر لإخواننا الذين سقطوا فوق ثرى ترابنا .. ». ومنذ العدد الثالث حددت المجلة هويتها، فهي: « لا تخدم حزباً ولا فئة .. ولا زعيماً، بل ..، فقط، صوت شعب فلسطين.. وإن رسالتها هي أن تبلور آلام اللاجئين وآمالهم، وأن تقطع الطريق على الذين يريدون تجميد القضية الفلسطينية بأشباه الحلول وأنصافها» . ولكن فضلاً عن خالد الحسن وناجي علوش وحتى المصادر ذاتها ، يؤكد صلاح خلف أن المجلة تابعة لحركة « فتح» وأن المقالات التي كانت تنشرها كانت توقع بأسماء مستعارة . ويضيف عيسى الشعيبي أن افتتاحيات المجلة، التي كانت تعنون بـ « رأينا»، كانت توقع دوماً باسم حركة ( ف- ت- ح ) أو « فتح». واتضح أن ياسر عرفات وخليل الوزير كانا المشرفين المباشرين عليها .

3. دعـوى « فتح»

منذ انطلاقتها، دافعت « الحركة» عن مهمتين استراتيجيتين استهدفت الأولى فك الارتباط ما بين الفلسطينيين والأحزاب العربية لتحريرهم من الالتزامات الحزبية والعمل الحزبي. وكانت « فتح»، في واقع الأمر، تخطط لجذب هؤلاء والاستفادة من خبراتهم وتوجيهها نحو شعار « فلسطين أولاً» حتى لو احتفظوا بعقائدهم الحزبية. وفي المهمة الثانية سعت « فتح» إلى ممارسة الضغوط على الدول العربية لرفع الوصاية عن القضية الفلسطينية وإطلاق حرية الشعب الفلسطيني واحترام رغبته في تمكينه من إقامة كيان ثوري على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية غير المحتلة وحكم وطني تكون عليه سلطة فلسطينية ويتمتع بحماية عربية ودعم ليشكل مدخلاً حقيقياً نحو تحرير فلسطين. وسيلاحظ من استعراض هاتين المهمتين كما عبرت عنهما « فلسطيننا» ...أنهما شكلتا، في الواقع، الأعمدة الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية التي قامت عليها « فتح» والأسس الأولى التي أفرزت وثيقة « الميثاق» مجال العرض القادم.

المهمة الأولى: محاربة الحزبية

وجهت « فتح» خطابها إلى « أبناء النكبة، .. أو شباب فلسطين" ودعتهم إلى " قيادة شعبنا " »، ذلك أن النكبة وقعت واستمرت « لانا لم نكن عنصرا أساسياً في قيادة المعركة » و.. ستبقى « ما دمتم يا شباب فلسطين بمنأى عن قضية فلسطين» . ومع أن هذه الدعوة التي وجهتها الحركة قاربت على العام إلا أنه: « عيل صبرنا.. فلا صوت لنا يسمع ولا كيان. وقد آن لصوتكم .. أن يرتفع، وأن يكون لكم ممثل فلسطيني يحمل آراؤكم .. فنحن الذين انتزع كياننا .. » . كانت المشكلة التي تواجهها « فتح» تتصل بـ «عقلية الفلسطينيين» وتوزعهم على مختلف الأحزاب السياسية العربية التي كانت بالنسبة للحركة تشكيلات سلبية بمقدار ما تطرح تحرير فلسطين وتجعله في المستوى الثاني، ولأنها تقسم الفلسطينيين، ورغم أن الحركة لم تكن تستطيع منافستها على الصعيد الأيديولوجي ، إلا أن ذلك لم يمنع « فلسطيننا» من شن حملة نقد مركزة استهدفت الأحزاب العربية والفلسطينيين المندرجين فيها لأنهم: « حملوا مختلف الشعارات الصالح منها والطالح .. و.. تفتت جهود أبناء النكبة وتوزع عزمهم بل واصطدموا معا وفقا لطبيعة تلك الشعارات المختلفة». وبعد ثلاثة عشر عاما على النكبة وجهت خطابها إلى جميع الفلسطينيين متسائلة: « أين نحن يا أبناء فلسطين؟ هل لنا كيان أو كرامة؟ وهل أفادنا تكتل من التكتلات السابقة؟ لقد جربتم .. وخضتم شتى أنواع المعارك فحصدتم نكبة يزداد امتدادها .. وفقدتم كيانكم وأذل شعبكم في الخيام والمعسكرات .. كلكم بائس مشرد مهدور الكرامة والكيان .. » . كان الاعتقاد السائد بين مؤسسي الحركة أن المزاوجة بين نقد الحزبية والدعوة إلى « الكفاح المسلح » قد تؤدي إلى فك الارتباط مع الحزبية وتقديم الأخير بديلاً لها، ذلك أن « الكفاح المسلح » هو: « وحده القادر على التسامي على التباينات الأيديولوجية» فضلاً عن كونه « حافزاً أو وسيطاً للوحدة » . غير أن المزاوجة ما كان لها أن تنجح لولا أن وضعت « فلسطيننا» في اعتبارها العقلية المنكوبة للفلسطينيين. ومنذ العدد الأول كان الخطاب الموجه إلى « شباب النكبة» يدعوهم كي « يكونوا طليعة الشعب العربي في الكفاح .. من أجل استرداد أرضنا». ويعلق أحد مؤسسي « فتح» على فعالية المزاوجة، بهذه الصيغة ليؤكد أنه: « بالفعل .. بدأنا نلاحظ أن أبناء وطننا ممن أوسعتهم الأحزاب ورجال السياسة العرب خطابات وأشبعتهم وعودا، بدؤوا يصابون بالإعياء من هذه المماحكة العقيمة ويتساءلون عما إذا لم تكن الدعوة الإسلامية والعروبية والشيوعية تشكل تحولات منفرة، أو ما هو أسوأ من ذلك .. » .

المهمة الثانية: محاربة الوصاية العربية

تمثلت، إلى جانب إشكالية الحزبية، برفع الوصاية عن الشعب الفلسطيني وبيان الآثار السلبية التي أدت إليها سياسة « تقييد حرية الشعب الفلسطيني». وقد استعملت « فلسطيننا» في الأعداد الأولى لفظة «الكيان» و« الكيان المندثر» للمرة الأولى في الخطاب السياسي الفلسطيني ومن ثم العربي. وتميز استعمال هذه اللفظة الغريبة والمنبتة الجذور سياسياً بكثير من عدم الوضوح في بادئ الأمر إلا أنها أخذت تكتسب محتويات سياسية وقانونية تباعا في الأعداد اللاحقة خاصة مع صدور العدد التاسع، وفي خضم الدعوة إلى إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني وعشية انتصار الثورة الجزائرية؛ وقبل أن تشرع المجلة في تشخيص ماهية الكيان ومحتواه وأهدافه فقد وضعت أسساً لخطاب سياسي فلسطيني جديد وطريف في زمن توسيع مجال الوحدة العربية فقالت: « .. إن شعب فلسطين، هو الممثل الرئيس للقضية الفلسطينية، لأنه وحده.. الذي يمثل المأساة ويواجهها .. ». وشددت بشكل قاطع على حق الشعب الفلسطيني بتمثيل نفسه فقالت: « .. انه لا يحق لأية دولة عربية بأن تقول بأنها تمثل عرب فلسطين، فعرب فلسطين، لا يمثلهم إلا أبناء فلسطين» وأكدت: « أن شعب فلسطين .. أصدق من يعمل لقضية فلسطين»، ورأت المجلة أن الشعب الفلسطيني مؤهل للاضطلاع بمسؤولياته « فلا الوطنية تنقصنا ولا الثقافة والاختصاصات بعيدة عنا.. » وانطلاقاً من هذه الأسس التي حددت فيها مكانة الشعب الفلسطيني وقدراته وجهت أنظارها نحو الأرض الفلسطينية وبينت أهدافها فقالت: « نحن لا نقبل غير حرية وطننا .. من اليهود الغاصبين وإقامة حكم وطني فيها». ويبدو أن هذه العبارة شكلت مدخلاً لعبارة أكثر صراحة ووضوحاً. إذ للمرة الأولى تقع الإشارة إلى الأراضي غير المحتلة، وتربط بينها وبين الثورة كمدخل للتحرير. وفي هذا الصدد تابعت تقول: « .. نحن .. لا نزال نملك جزء من وطننا المغتصب..صالح كقاعدة انطلاق.. لتحرير أرضنا.. » . وقد توقفت المجلة للرد على اتهامات بالإقليمية (القطرية) فقالت: « إننا لسنا إقليميين .. بل الإقليميين هم أولئك الذين فرضوا أنفسهم، ممثلين لنا .. يريدون تقرير مصيرنا بكبتنا بالحديد والنار .. إنه لم يبق شيء لنا لنتهم بالإقليمية نتيجة التمسك به .. فالكيان الذي نطالب به ليس أكثر من وسيلة لـ .. تحرير فلسطين» . وفي أواخر سنة 1960 كانت افتتاحية المجلة على موعد صريح مع موضوعة « الكيان الفلسطيني» قبل أن تهاجم الوصاية العربية بكل عنف. فأصرت أن: « الكيان مطلب أساسي.. وشرعي.. فكافة شعوب الأرض تسعى للحرية.. ولم نعد نستطيع الانتظار طويلاً.. فالحرية.. تؤخذ ببذل المهج والدماء.. وكل ما يحتاجه العرب لتحرير فلسطين هو جرأة تتيح للكيان الفلسطيني الظهور على أن يكون.. ممثلاً لإرادة شعب فلسطين.. » .

والآن، بعد أن حددت حركة « فتح» موقفها من عناصر الهوية الفلسطينية « الشعب» و «الأرض» بات الطريق سالكا أمامها لفتح ملف الوصاية العربية، ولم يطل الوقت حتى أعلنت باسم عرب أننا « لم نعط الوصاية لأحد علينا ولا نريد أن يفرض أحد ما وصايته علينا» و« نعلن أننا لا نقبل عن الكيان بديلاً .. من أجل العودة إلى فلسطين .. وأننا نرفض الوصاية، فنحن أحق الناس بحكم أنفسنا». وخاطبت « فلسطيننا» الفلسطينيين بدعوتهم إلى الانتظام « صفاً واحداً وطالبوا بالكيان النابع من ضمائركم .. غير الخاضع ولا التابع .. الكيان الحر .. الكيان اللامنفعل بل الفاعل .. فاستعدوا للثورة .. » ، وحذر مؤسسو « فتح» مستعينين بأجيالهم من الفئات العمرية الجديدة بالقول: « لقد شب القاصرون، وهذا ما يجب أن يفهمه المتحكمون» وأنه « لن يطول موعد انطلاقة رصاصة الحرية والتحرير والعودة ». وعلى الجانب الفلسطيني حذرت المجلة أولئك الفلسطينيين الذين قد ينجرون لـ « مسايرة الفئات الحاكمة» وتوعدتهم بـ « حسابا عسيراً» لذا « فتكتلوا ولنا معكم قريباً لقاء وأي لقاء!! » .

4. الشخصية المستقلة والفدائي البطل

وفي خاتمة هاتين المهمتين، هل يمكن القول أن الهوية الفلسطينية نضجت على خلفية أطروحات حركة « فتح»؟ إن شيئاً من هذا القبيل لا بد وأن يحدث، وثمة حدثين ساهما بفعالية في تعزيز نمو الهوية الفلسطينية والانكفاء نحوها أولهما انفصال الجمهورية العربية المتحدة في 28 أيلول/ سبتمبر سنة 1961 وثانيهما انتصار الثورة الجزائرية في الخامس من شهر تموز/ يوليو سنة 1962.

ففي الحدث الأول انهارت الوحدة وثبت أن في المجتمع العربي قوى اجتماعية طبقية وسياسية لديها من الامتيازات والمصالح المرتبطة بمصالح الرأسمالية الغربية ما هو جدير بالدفاع عنها مهما كانت النتائج. وأن الفئات المهيمنة تمثل اختراقاً قوياً يهدد أية توجهات وحدوية أو مخططات تنموية أو سياسات وطنية وإقليمية ودولية تتعارض (مع) أو تحد (من) طموحاتها ومكاسبها. ومن جهة أخرى فإن سلطة الدولة ذاتها باتت معنية بالتمايز الطبقي والسياسي بما أن الشرائح المتنفذة (الممسكة بالسلطة) خلقت من ذاتها ولذاتها طبقية جعلتها في موقع الامتياز. وعوضاً عن أن تدافع هذه الطبقية عن التحولات التي أحدثتها شرعت على العكس من ذلك إلى الفصل والنأي بمصالحها حتى أضحت على رأس القوى المهيمنة وليس جزء منها فقط. وهكذا ابتعدت عن أجواء التوتر السياسي والصدام مفضلة المهادنة حفاظاً على مكتسباتها فضلاً عن تنميتها وتعزيزها . أما الحدث الثاني فقد مثل أهزوجة الفلسطينيين الذين طرحوا السؤال الحاسم: لماذا لا يعتمد الفلسطينيون على أنفسهم وقد أثبتت الثورة الجزائرية هذه الفرضية ؟ وفي واقع الأمر طُرح هذا السؤال لما كان الطلبة في مصر يتابعون انطلاقة الثورة الجزائرية ملاحظين الفرق الهائل بين جيش جبهة التحرير الوطني والجيش الفرنسي وقد أبهرتهم انتصارات الثورة، وكذا الأمر فيما يتعلق بانتصارات الثورات العالمية في الصين وكوبا وفيتنام وقد أثبتت هذه الثورات المحلية أن بمقدور شعوب ضعيفة جداً أن تنتصر إذ ما توحدت وامتلكت الإرادة على أقوى الجيوش العالمية وأعتى الحركات الاستعمارية.

هذان الحدثان تركا آثارا بالغة على الهوية الفلسطينية تجلت في الانسحاب التدريجي من الحزبية والانكفاء نحو الهوية الفلسطينية عبر نشوء عشرات المنظمات الفلسطينية السرية ما بين (1961–1964) . ومنذ الانفصال بدأت حركة « فتح» تميل نحو التحول إلى حركة جماهيرية . وانتعشت المناقشات حول فعالية الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة وطنية للتخلص من الاستعمار مسترشدة بتجارب سابقة. وتاريخيا فإن المناقشات التي أعقبت الحدثين الكبيرين لم تشفع لحركة « فتح» التي ظلت حبيسة إطارها الضيق كحركة سرية فشلت في الحد من هيمنة الفكر القومي الحزبي والرسمي والذي استطاع أن يوْجِد كيانا فلسطينيا « منظمة التحرير الفلسطينية» سنة 1965 بالصيغة التي يرتضيها وبطريقة توليفية وملفقة تعكس قبول جميع الأطراف به بكل تناقضاتهم. وفقط لما هبط « الكفاح المسلح » إلى واقع ميداني في الفاتح من شهر كانون الثاني/ يناير سنة 1965 بدأت التحولات الفعلية الكبرى نحو هوية فلسطينية مقاتلة حرة من أي قيد في قراراتها واستراتيجياتها وفعالياتها. هذا الحدث هو الذي أبهر الجماهير المتعطشة بمختلف فئاتها للتغيير لمّا شكل مصداقية لحركة بشرت به طويلاً، وتحدياً عملياً للنزعات الفكرية والنظرية. ومع الوقت أخذت الحزبية تتقهقر لصالح الكفاح المسلح.

وثمة حدثين آخرين أوقعا القوى كافة بإحراج شديد هما حرب العام 1967 ومعركة الكرامة جنوب الأردن في 21آذار/ مارس سنة 1968. فبقدر ما ذهل الفلسطينيون أمام ضعف الجبهات العربية الثلاثة (مصر، سوريا والأردن) وسرعة انهيارها كذلك الأمر إزاء التحدي الحاسم لإسرائيل من قبل الفدائيين الذين صمموا على مواجهة الاجتياح العسكري للقوات الإسرائيلية مهما كانت النتائج . وأدى انتصار الفدائيين والجيش الأردني على القوات الغازية وإجبارها على الانسحاب، بخسائر كبيرة، إلى انهيار للأيديولوجيات والبنى التنظيمية للأحزاب القائمة. فقد هجر الأعضاء، جماعياً، أحزابهم نحو المنظمات الفلسطينية الفدائية خاصة نحو حركة « فتح» التي، بسبب عدم تبنيها لأية عقيدة أو أيديولوجيا نظرية، وفرت « للمهاجرين الجدد» ملاذا يمَكِّنهم من الاحتفاظ بأفكارهم ومعتقداتهم إن شاءوا بشرط أن يلتزموا الخط السياسي والتنظيمي للحركة سواء كانوا فلسطينيين أم عربا. ولا شك أن هذه الهجرات التي أعقبت الحدثين أدت إلى نتائج حاسمة على الفكر السياسي والأيديولوجي للأحزاب القومية، فقد تحولت حركة القوميين العرب إلى تنظيم فدائي ثم إلى تنظيمات فدائية لها أحزاب سياسية، كما نزع حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق إلى تشكيل منظمات فدائية مسلحة للخروج من المأزق الذي أوقعته فيه الكارثة. وبدأت الشخصية الوطنية الفلسطينية يعبَّر عنها بالشخصية المناضلة التي فرضت نفسها في صورة « الفدائي البطل». وبدلا من شخصية اللاجئ، فاقد الهوية، بدأ العالم يتعرف على الفلسطيني من خلال انتظامه بثورة مسلحة تقاتل من أجل أهداف سياسية واضحة . وتعززت هذه الشخصية بتسلم المنظمات الفدائية القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الإطار المؤسسي الذي يمثل الشعب الفلسطيني والذي يحظى باعتراف عربي. يبقى الجانب الأهم في « الشخصية الفلسطينية المناضلة» في كونها تعبير عن هوية اجتماعية لا سياسية فحسب. فالاندثار قضى على الوحدة الجغرافية والديمغرافية للمجتمع الفلسطيني، وفكك مجمل العلاقات الاجتماعية أيا كان مستواها ابتداء من الأسرة وانتهاء بالمؤسسة السياسية. وتحت وقع الاضطهاد اليومي كانت الشرائح الاجتماعية في الشتات تستجدي التغيير الذي يعيدها إلى «جنانها» مهما كان مصدره تماماً مثل حركة القوميين العرب، كنموذج، توسل، على الدوام، الثأر بالوحدة العربية. ولكن كيف يمكن تحقيق ترابط اجتماعي بين الفلسطينيين بينما هم في وضعية الاندثار؟

لا ريب أن إطلاق الثورة المسلحة كان حدثاً هائلاً في حينه خاصة أن المناخ السياسي العربي متسم بالجمود والهوية السياسية الفلسطينية، كرمز للوجود الاجتماعي المستقل، كانت في طريقها إلى التلاشي، أو على الأقل التحكم في حجمها عربيا ودولياً، وتبعاً لذلك تحمُّل الفلسطينيين لمزيد من الاضطهاد إلى أجل غير محدود. لهذا جاء الكفاح المسلح « ضرورة قصوى» لأنه « لم تكن لدينا وسيلة أخرى لفرض القضية الفلسطينية على انتباه الرأي العام العالمي، ثم وبخاصة، لتجميع جماهير شعبنا داخل الحركة الشعبية التي سنسعى لإنشائها» . وإذا كان الكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة للتحرير فانه ما من وسيلة أخرى لإعادة تركيب المجتمع الفلسطيني، نفسياً، في وحدة اجتماعية غير تقليدية (طارئة). إنها « وحدة الرصاص» على حد تعبير كمال عدوان، وحدة نضالية تبلور شخصية مناضلة. وبدون أدنى شك فقد مثل « الفدائي» الذي ظهر في المخيمات والتجمعات الفلسطينية الرمز الأسطورة الذي ما أن يُسمَع بوجوده في المخيم، في بداية الانطلاقة، حتى لا يبقى ساكن، في بيته، طفلا كان أو شيخا، إلا ويخرج لملاقاته . وهذا اعتراف لا مثيل له، لدى الفلسطينيين، بالشخصية الجديدة أو « البطل» الذي تعرَّف فيه المجتمع الفلسطيني على ذاته وعرَّف الآخرين به عبر « الشخصية المناضلة».

ثالثا: « فتح» والأيديولوجيا

إن « حتوف» هو الاختصار الأول لـ « حركة التحرير الوطني الفلسطيني». وبحذف حرف « الواو» أصبحت الكلمة « حتف» وكلاهما تعني « الموت». ثم قٌلِبَت لتصبح « فتح» تَيَمُّنا وليكون للاسم معنى. أي ربط الحركة بالتعبير التاريخي لـ« فتح» الإسلامي الذي ابتدأه الخلفاء بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. أما كمال عدوان فقد حدد معاني الكلمات على النحو الآتي:
• حركـة: العمل المستمر البعيد عن التنظيم الجامد، فهي حركة شعب وليست حركة تنظيم.
• التحرير: تحرير الأرض الفلسطينية من الوجود الصهيوني وإعادة فلسطين إلى عروبتها.
• وطنـي: مرتبطة بتحرير الأرض.
• فلسطين: مرتبطة بالأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
• أما « العاصفة» فهي الكلمة التي وُقِّع بها البيان العسكري الأول الذي صدر في 1/1/1965 ليعلن بدء الكفاح المسلح. واستعملت لتدل على اسم القوات العسكرية في حركة « فتح» وهي جزء منها وليست تنظيما منفصلاً. واختيرت الكلمة لطبيعة الأعمال التي تقوم بها والتي تتميز بسرعة الضرب والاختفاء . وفي الواقع تخفي الكلمة أكثر من ذلك. إذ استُعملت خشية الفشل، على خلفية الانقسام بين قادة الحركة إزاء توقيت الانطلاقة. فإذا ما فشلت فإن « فتح» لا تتحمل المسؤولية وتظل بمنأى عن آثار الفشل. وإذا ما نجحت تكون « العاصفة» القوات (الجناح) العسكرية لها .

لعل مثل هذا التوصيف كفيل بتجريد حركة « فتح» من أية عقيدة كانت. فلا هي ماركسية ولا رأسمالية ولا يمينية ولا ناصرية ولا إسلامية. ورفضت على الدوام، الانحياز لأية عقيدة أو أيديولوجيا. وإذا حاولنا توليد أي شكل أيديولوجي لها فسنصطدم بالفقر الصارخ لوثائقها المحدودة جداً على المستوى السياسي وحتى على المستوى العسكري الذي وُظِّفت له معظم الشعارات والقليل جداً من الكتابات والمنشورات. كما أن أية محاولة من هذا القبيل لن تلق النجاح ما لم تقع في سياق التكون التاريخي للحركة، خاصة ما يتعلق في الفعاليات السياسية والإعلامية التنظيمية التي رافقت ولادة الحركة من جانب وعلاقاتها مع القوى الفلسطينية المعبَّر عنها بمنظمات العمل الفدائي من جانب آخر. وانطلاقاً من هذه المقاربة، فقط، يمكن تحديد ليس أيديولوجية « فتح» وسياستها ومكانتها بين المنظمات بوصفها التنظيم المهيمن والقائد بل ودورها كإطار يتسع أيديولوجيا،لا للشعب الفلسطيني فحسب وإنما، للمنظمات الفدائية ذاتها. هذه الوضعية تأكدت في الميثاق الذي صدر في أعقاب انعقاد مؤتمر المنظمات الثورية في القاهرة في الفترة ما بين 17–20/1/1968 بدعوة من « فتح» واستهدف « ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية ودعم الكفاح المسلح وتصعيد وشمول الثورة وضمان استمرارها ولتحقيق تلاحم قوى الثورة والابتعاد عن مخاطر التفرقة وتشعب الولاء» . وقد جسد الميثاق رؤية « فتح» للوحدة الوطنية واستراتيجيتها الفلسطينية والعربية والدولية . وحين المقارنة ما بين منطلقات الحركة وشعاراتها تَبيَّن أن « الميثاق» يحتويها بالكامل.

ولا ريب البتة أن صاغة الوثيقة اجتهدوا فيها لتشكل خلاصة ذاتية لاتجاهات المؤسسين وفعالياتهم ابتداء من الخمسينات حتى أواخر الستينات. ولكن قبل الخروج من الأردن، وبعده، صدرت عدة نشريات أو كراسات أو مقالات أو آراء لتفسير الوثيقة أو لتعميق محتوياتها. وهي محاولة دفاعية للرد على الهجمات الأيديولوجية القوية التي تعرضت لها الحركة بسبب « تجاهلها لكل الصراع الدائر حول الأيديولوجيا والبرامج السياسية والاجتماعية» و« عجز- فتح- عن مجاراة المنظمات الفدائية الأخرى» التي تبنت نظريات أيديولوجية مغايرة. ومع هذه التحولات الأيديولوجية الجذرية باتت الوثيقة بالميزان بعد أن ظهرت قوى فلسطينية تعارض المنطلقات الأولى وتدعو إلى التخلي عنها. أي عن الكفاح المسلح وتحرير فلسطين إما بهدف شن النضال الطبقي المحلي القطري بهدف ضرب القوى الداخلية المعادية ليصبح بالإمكان الانتقال إلى الكفاح ضد العدو الصهيوني وإما بالعودة إلى المنطلقات الاستراتيجية القديمة التي سادت الوطن العربي، مصر والمشرق العربي خاصة، فأصبح الحديث عن النضال السياسي والجبهات المعادية للإمبريالية والعدو الصهيوني وعن ضرورة العمل على الأرض العربية قبل العمل ... على الأرض الفلسطينية . لهذا تمسكت « فتح» بالوثيقة ودافعت عنها على الدوام.

ومن جهتها تشير مصادر موسوعية أن وثيقة « الميثاق» صيغت في المؤتمر الثاني للحركة سنة 1968 وأُقرت في المؤتمر الثالث سنة 1971 وأعيد التأكيد عليها في المؤتمر الرابع سنة 1980 الذي أكد أن « البرامج السياسية التي قررتها المجالس الوطنية الفلسطينية هي – بالإضافة إلى البرنامج السياسي لفتح – ملزمة للحركة لأنها مبنية على أساس هذا البرنامج» . ومنذ ذلك الحين أصبحت حركة « فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية بناء سياسيا وأيديولوجيا واحداً. ومن هنا تأتي الأهمية التاريخية والعلمية لـ« الميثاق» حتى أن خالد الحسن اعتمدها في التعريف بفكر حركة « فتح» وألحقها به، وقد صيغت الوثيقة في 27 مادة، لتعبر، رسميا، لا عن هويتها الأيديولوجية والسياسية فحسب، بل وعن تحديد لمكانة الشعب الفلسطيني في الوطن العربي والأمة العربية والعالم. وهذا ما ثبت في المواد الستة الأولى من بين أحد عشر مادة أسميت بـ« المبادئ الأساسية» وهي:

• مادة 1: فلسطين جزء من الوطن العربي والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية وكفاحه جزء من كفاحها.
• مادة 2: الشعب الفلسطيني ذو شخصية مستقلة وصاحب الحق في تقرير مصيره وله السيادة المطلقة على جميع
أراضيه.
• مادة 3: الثورة الفلسطينية طليعة الأمة العربية في معركة التحرير المصيرية.
• مادة 4 : نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية.
• مادة 5: معركة تحرير فلسطين واجب قومي تسهم فيه الأمة العربية بكافة إمكانياتها وطاقاتها المادية والمعنوية.
• مادة 6: المشاريع والاتفاقات والقرارات التي صدرت أو تصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول أو أية دولة منفردة بشأن قضية فلسطين والتي تهدر حق الشعب الفلسطيني في وطنه باطلة ومرفوضة.
في المقابل تعرضت المادتين السابعة والثامنة للتعريف بالصهيونية وتحديد موقف من إسرائيل، فجاء فيها :
• مادة 7: الصهيونية حركة عنصرية استعمارية عدوانية في الفكر والأهداف والتنظيم والأسلوب.
• مادة 8: الوجود الإسرائيلي في فلسطين هو غزو صهيوني عدواني وقاعدته استعمارية توسعية وحليف طبيعي للاستعمار والإمبريالية العالمية.
لذا، فإن:
• مادة 9: تحرير فلسطين والدفاع عن مقدساتها واجب عربي وديني وإنساني.

وبناء على المواد السالفة الذكر تأتي « فتح» لتعرف عن نفسها:
• مادة 10: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني.
ولتحديد موقف الحركة من الجماهير العربية جاء في:

• مادة 11: الجماهير التي تخوض الثورة وتقوم بالتحرير هي صاحبة الأرض ومالكة فلسطين.
وأكدت الحركة على هذا المبدأ أن رفعت شعاراً يقول: « الأرض للسواعد التي تحررها .. ». أما بالنسبة لأهداف الحركة فهي لا تختلف عن أهداف المنظمات الأخرى إلا أنها تخضع للأولوية، وهذا ما يجعل الحركة نقيضاً أيديولوجيا للمنظمات الأخرى. فقد احتوت الوثيقة على خمسة أهداف متتالية (تحرير فلسطين، إقامة دولة ديمقراطية، بناء مجتمع تقدمي، مشاركة الأمة العربية في تحقيق أهدافها وتحريرها، مساندة الشعوب المضطهدة)، ووقعت تحت بند « الأهداف» وهي:
• مادة 12: تحرير فلسطين تحريرا كاملاً وتصفية دولة الاحتلال الصهيوني اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً.
• مادة 13: إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني تحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس العدل والمساواة دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة وتكون القدس عاصمة لها.
• مادة 14: بناء مجتمع تقدمي يضمن حقوق الإنسان ويكفل الحريات العامة لكافة المواطنين.

ويلاحظ أن هوية المواطنين في المادتين13 و14 غير محددة. ولعل السبب في ذلك يكمن في التمهيد لمشروع الدولة الديمقراطية العلمانية التي من المفترض ألاّ تفاضل بين مواطن وآخر لأي سبب كان.

• مادة 15: المشاركة الفعالة في تحقيق أهداف الأمة العربية في تحرير أقطارها وبناء المجتمع العربي التقدمي الموحد.
• مادة 16: مساندة الشعوب المضطهدة في كفاحها لتحرير أوطانها وتقرير مصيرها من أجل بناء صرح السلام العالمي على أسس عادلة.

وفي أحد عشر مادة حددت حركة « فتح» أسلوب العمل لتحقيق الأهداف المرسومة. وهو الكفاح المسلح الذي يركز على الوحدة الوطنية والشخصية المناضلة والوسيلة الحتمية الوحيدة للتحرير، كما حددت علاقتها بالدول العربية. وتعرف جميعها بـ« الأسلوب»:

• مادة 17: الثورة الشعبية المسلحة هي الطريق الحتمي الوحيد لتحرير فلسطين.
• مادة 18: الاعتماد على الشعب العربي الفلسطيني كطليعة وأساس وعلى الأمة العربية كشريك في المعركة والمصير.
• مادة 19: الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيكاً، والثورة المسلحة للشعب العربي الفلسطيني عامل حاسم في معركة التحرير وتصفية الوجود الصهيوني ولن يتوقف هذا الكفاح إلا بالقضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين.
• مادة 20: السعي للقاء كل القوى الوطنية والتقدمية على أرض المعركة من خلال العمل المسلح لتحقيق الوحدة الوطنية.
• مادة 21: العمل على إبراز الشخصية الفلسطينية بمحتواها النضالي الثوري في الحقل الدولي وهذا لا يتناقض مع الارتباط المصيري بين الأمة العربية والشعب العربي الفلسطيني.
• مادة 22: مقاومة كل الحلول السياسية المطروحة كبديل عن قضية الكيان الصهيوني المحتل في فلسطين وكل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو الوصاية على شعبها من أية جهة.
• مادة 23: إقامة علاقات مع الدول العربية تهدف إلى تطوير الجوانب الإيجابية من مواقف هذه الدول بشرط ألا يتأثر بذلك أمن الكفاح المسلح واستمراره وتصاعده.
• مادة 24: تحقيق التلاحم الفعلي بين الأمة العربية والشعب العربي الفلسطيني بإشراك الجماهير العربية في المعركة من خلال الجبهة العربية الموحدة.
• مادة 25: إقامة أوثق الصلات مع القوى التحررية في العالم لمناهضة الصهيونية والإمبريالية ودعم كفاحنا المسلح العادل.
• مادة 26: العمل على إقناع الدول المعنية في العالم بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين كإسهام منها في حل المشكلة.
• مادة 27: حركة « فتح» لا تتدخل في الشؤون المحلية للدول العربية ولا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها أو بعرقلة كفاح الشعب الفلسطيني لتحرير وطنه.
تحليـل الوثيقـة
في تحليل جزئي للمضمون يمكن أن نسجل الملاحظات التالية:

أولاً: استعملت حركة « فتح»، في الوثيقة، مقولة « الشعب الفلسطيني» ست مرات (خمس مرات في المبادئ الأساسية وواحدة في الأسلوب) لتؤكد على الشخصية المستقلة والحقوق السياسية لمواجهة القوى العربية التي تمارس الوصاية أو التي شرّعت « الوجود الإسرائيلي» في فلسطين، غير أن المادة 27 أثارت جدلاً حاداً، سياسياً وأيديولوجياً، بين « فتح» والمنظمات الفدائية. ففي حين رأت «الأولى» أن تبتعد بالقضية الفلسطينية عن الخلافات العربية سياسية كانت أو حزبية وعدم الدخول في أي خلاف عربي والابتعاد عن سياسة المحاور بما يحقق للقضية الفلسطينية كسب مختلف القوى تخوفت « الثانية» من السلوك القطري لـ« فتح» وفسرت « عدم التدخل» بـالتزام من جانب واحد لا يؤدي، بالضرورة إلى التزام من الجانب العربي. كما أنه حجة ضد الثورة تستعملها الدول العربية متى شاءت وكيفما شاءت لتقيد بها النضال الفلسطيني، وبالتالي تمكين الدول العربية من التحلل التدريجي من القضية الفلسطينية وصولا حتى التخلي عن مسؤولياتها بتعميم مقولة « القبول بما يقبل به الفلسطينيون»، وهي دعوة تهبط بالقضية إلى حضيض القطرية وتنزع عنها قوميتها. وفي المقابل استعملت الوثيقة مقولة « الشعب العربي الفلسطيني» أربع مرات في « الأسلوب» لتعبر عن المصير المشترك بينه وبين الأمة العربية. وفي هذا السياق تكرر استعمال كلمة « معركة» ست مرات ( اثنتين في المبادئ وأربعة في الأسلوب)، وحين الحديث عن دور الجماهير العربية في المعركة ( مادة 24) ارتبط ذلك بـ« الجبهة العربية الموحدة»، وهي صيغة تطورت على خلفية دعوة « فتح» إلى قيام « الجبهة العربية المساندة كضرورة نضالية للثورة الفلسطينية، أو لاستمرارها الإنتصاري». والثورة الفلسطينية ترفع هذا الشعار بسبب الاقتناع بوحدة المصير العربي التي تلزم « الأمة العربية بحماية الثورة الفلسطينية التي هي جزء من النضال القومي في سبيل الوحدة والحرية». ويبدأ تحقيق هذا الشعار« عندما تبادر الجماهير العربية إلى إنشاء لجان المناصرة والمساندة والقيام بالنشاطات المؤيدة للعمل المسلح» .

ثانيا: إن تجاهل الوثيقة لأي من العقائد الأيديولوجية، وإغفالها، مثلما أغفلت منظمة التحرير الفلسطينية، أي ذكر للإسلام يرقى بها إلى مستوى العلمانية، وهي عملياً كذلك بالرغم من أنها لم تعرف نفسها على هذا النحو قط. وعلى العكس فقد دافع قادتها عن العادات والتقاليد العربية للشعب الفلسطيني وعن تراثه الإسلامي ، فضلاً عن أن المؤسسين هم أصلا من جماعة « الإخوان المسلمين»، والكثير منهم ظل ملتزماً بفكر الجماعة حتى بعد تأسيس الحركة. ولكن عدم اعترافها بالعقائد سببه « رفضها المستمر الاعتراف بتلازم النضال السياسي والنضال الاجتماعي بوصفها حركة وطنية ثورية أي تجمعا وطنياً لهدف محدد هو تحرير فلسطين واستعادة هويتها العربية وليست حزبا ذو تكتل حول فلسفة كلية عن الكون والإنسان والحياة تنبثق عنها عقيدة مجتمعية تمتلك أنظمة لكل شؤون الحياة – الفرد والمجتمع والدولة» . هذه المواقف نجد تفسيرها في سياق تاريخية تكون « فتح» وتسميتها بـ «حركة» بدلاً من « الحزب أو الجبهة» لأن « فتح» ترفض الفصل بين التنظيم (التوعية السياسية للجماهير) والعنف الثوري (ممارسة الكفاح المسلح). أي رفض الفكر الإصلاحي الذي تنادي به الأحزاب ، ولأن « فتح» حركة، فهي تتسامح لا فقط مع مجموع النسيج الاجتماعي الفلسطيني في بنياته الاجتماعية والمذهبية والثقافية وصولاً إلى الحضارية بل ومع المجتمع العربي. لأن الحركة « تؤمن أن مادة الكفاح المسلح هي الشعب العربي بأسره» . ومع ذلك فإن إحدى سماتها الرئيسية تتمثل، فيما يبدو تناقضا عجيباً، بقبولها عضوية العقائديين بشرط أن يلتزموا بمنطلقات الحركة ويتخلوا عن العمل الحزبي والالتزام به . وهذا أثبت فعالية العمل داخل الحركة، وتعايشاً بين العقائد عزّ نظيره في المنظمات الفدائية الأخرى تجلى بظهور تيارات عقائدية مختلفة ومتناقضة كالتيار الشيوعي بمختلف انتماءاته اليمينية والماوية والستالينية .. الخ والتيار المستقل الذي لا يحمل أية عقيدة والتيار ذو التوجه الإسلامي الذي لعب الدور الحاسم مؤخرا في إطلاق الحركة الإسلامية المقاتلة ممثلة بـ « سرايا الجهاد الإسلامي» والتيار القومي. كل هذه التيارات جاء أصحابها إلى « فتح» وبعضها نما وترعرع فيها مفضلين الاعتقاد بحرية داخل « فتح» على الاعتقاد بقيود العمل الحزبي، وهذا الفضاء الحر الذي وفرته الحركة لمختلف العقائد مثَّل سرّ قوتها ومنعتَها وجماهيريتها مقارنة بالمنظمات الأخرى .

ثالثاً: إن ابتعاد « فتح» عن الأيديولوجيات أدى إلى تركيزها على العنف المسلح حتى مطالع السبعينات وابتعادها عن العمل السياسي. وقد وظفت لهذه الستراتيجية شعارات عدة أهمها: « السياسة تنبع من فوهة البندقية، الشخصية الفلسطينية المقاتلة، الأرض للسواعد التي تحررها ». وهذا الشعار تؤكده المادة11 من الوثيقة إن لم تكن هي نفسها شعار أكثر، مما هي مبدأ « اللقاء على أرض المعركة، البنادق ... كل البنادق باتجاه العدو الصهيوني »، ولكن، ما الغاية من تركيز حركة « فتح» على « التحرير» و « الكفاح المسلح » و« الثورة »؟

إن تركيز الحركة على قضية التحرير واستعمال « العنف الثوري» لإنجاز الهدف استهدفت القضاء المادي على المجتمع الصهيوني من جهة واستعادة الكرامة الوطنية للشعب الفلسطيني وللشعب العربي من جهة ثانية:

في السياق الأول تذكر وثائق الحركة: « إن عملية التحرير ليست إزالة قاعدة استعمارية فقط، بل الأهم من ذلك انقراض مجتمع، ولا بد للعنف المسلح أن يتخذ أشكالا عديدة بالإضافة إلى القضاء على القوى العسكرية لدولة الاحتلال الصهيوني، أي.. تدمير المقومات المعيشية للمجتمع الصهيوني بكل صورها الصناعية والزراعية والمالية. لا بد أن يهدف العنف المسلح أيضاً إلى تدمير مختلف المؤسسات العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية والفكرية لدولة الاحتلال الصهيوني حتى تزول كل إمكانية لبروز مجتمع صهيوني جديد ..، و.. القضاء على صبغة الصهيونية للأرض المحتلة بشرية كانت أم اجتماعية» .

وفي السياق الثاني، استعادة الكرامة، عمَّق كاتب قومي مفهوم العنف الثوري وحدد الغاية منه بما لا يتنافى البتة مع أطروحات « فتح» أو حتى مع أطروحات المنظمات الأخرى، فقال: « القضية ليست فقط استرداد أرض مهما عزت علينا الأرض، بل هي أولا وبالدرجة الأولى استرداد الأرض بالطريقة التي خسرنا فيها الأرض. هنا طريقة الاسترداد قد تكون أهم من الاسترداد، وأداة التحرير قد تكون أهم من التحرير. احتلال فلسطين جرد العربي من الكرامة والإنسانية، والعنف الثوري الذي يحرر الأرض فقط يُمكّن العربي أن يسترجع ما خسره من كرامة وإنسانية». ويتابع في فقرة ختامية: « هذا العنف الثوري ليس فقط في سبيل تحرير فلسطين، ليس فقط في سبيل تحرير العربي بل هو في سبيل تحرير الإنسان ذاته، فالرصاص الذي نسدده إلى القتلة والسفاكين العنصريين من الصهيونيين ،وإلى عملائهم وكل من يتواطأ معهم مباشرة وغير مباشرة،هو رصاص نسدده رمزيا ضد جميع أشكال التعصب. والحقد، والاستغلال، والاستعلاء العنصري والقومي التي تفرق بين الشعوب. هو رصاص ضد كل من يزرع البغضاء والتفرقة... هو انتقام لكل إنسان أهين ويهان، لكل شعب ذل ويذل. فإلى جميع أشكال الاغتصاب الإنساني، إلى جميع أنواع الإذلال والعنف التي واجهت الإنسان ولا تزال تواجهه على هذه الأرض التعيسة، يجب أن نقول: أننا لا نستطيع أن نصل إليك في كل مكان، بل نستطيع أن نطال رمزاً لك في فلسطين وفي قتالنا ضد هذا الرمز لك، نقاتلك جمعاء، في القتل الذي نمارسه ضد هذا الرمز نريد قتلك أنت، وفي إصلاء هذا الرمز نار عنفنا الثوري، نريد الإيحاء لجميع مظلومي الأرض، ضرورة إصلائك نفس النار، في كل مكان، في كل شبر من هذه الأرض، لأننا نؤمن أن كل إهانة تلحق بأي إنسان في أية بقعة من بقاع هذه الأرض هي إهانة لنا، هي إهانة للإنسان كإنسان … » .

ملاحظة

لإلقاء نظرة إجمالية على هذه المواقف يمكن العودة إلى: خلف (صلاح).-فلسطيني بلا هوية -مرجع سابق، صفحات79،82،88،101. وأبو بكر (توفيق).– قادة فلسطينيون..- مرجع سابق. والموسوعة الفلسطينية.– علوش (ناجي): فكر حركة المقاومة..-مصدر سابق/ ص 929 ، 932. والخولي (لطفي): حوار: المقاومة... كيف تفكر؟ كيف تعمل؟كيف تواجه الحاضر؟ كيف ترى المستقبل؟حوار بين "فتح"و"الطليعة"- الطليعة- القاهرة، مصر- عدد6 =
= - حزيران، يونيو1969- ص62. ومذكرة حركة "فتح" إلى ملوك ورؤساء الدول العربية في مؤتمر القمة الثالث بالدار البيضاء، المغرب- أيلول/ سبتمبر 1965. وملحق صحيفة الأنوار اللبنانية التابع، عملياً، لحركة القوميين العرب.
كوبان (هيلينا).- المنظمة تحت المجهر- هاي لايت للنشر - لندن- الطبعة الأولى، 1984- ترجمة وتقديم، سليمان الفرزلي - ص 52.

- باستثناء مجموعة الدكتور جورج حبش ونشاط حركة القوميين العرب.
 يذكر صلاح خلف في سيرته أنه اتخذ "رؤوف" اسما حركياً له. وأشار آخرون اـ"الباحث" أنه كان ينادى بـ "الدكتور رؤوف".
كوبان هيلينا).- المنظمة تحت المجهر - مرجع سابق - ص 30. و المراجع التي استعملتها الباحثة لتشخيص هوية "عرفات"هي: كيرنان (توماس).- عرفات الرجل و الأسطورة - 1976 - بدون مكان أو دار نشر. والبهبهاني (هاشم).- لامعلومات سوى سنة الصدور،1981. ومصادر في عائلة "عرفات". وهذه أكدت أن العائلة لم تؤسس لنفسها بيتاً في القاهرة قبل العام 1932.
الكيالي (عبد الوهاب).- موسوعة السياسة– مصدر سابق- 1986 - ص381.
نفس المصدر - ص 382.

- نفس المصدر.- نفس الصفحة.
حسين ( حسن خليل ) .- أبو إياد ( صلاح خلف ) ، صفحات مجهولة من حياته – مطبعة الدستور – عمان ، المملكة الأردنية الهاشمية – الطبعة الأولى ، 1991.
براند (لوري.أ).- الفلسطينيون في .. - مرجع سابق - الحاشية رقم6 - ص242. وفيها تشير الباحثة أنه في 21 آذار/مارس1949، أمرت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية،في إطار عدة توصيات تتعلق بالطلبة الفلسطينيين، بصرف مبلغ 2000جنيه مصري (5600 $) للطلبة المحتاجين.وفي 23 أيلول/سبتمبر1952 طالبت الأمانة العامة بمعونات إضافية للطلبة. وفي11 كانون أول/ديسمبر1954، صدر قرار يعترف بهذه المعونات المطلوبة سنة 1952 شريطة أن يبين الطالب حاجته، وشريطة ألا يتلقى معونة من الأنروا.

 هذه الضاحية هي ذاتها "هيليوبولس" حيث يميل الأغنياء في القاهرة إلى السكن فيها عادة أو في ضاحية الدقي.
خلف (صلاح).- … بلا هوية - مرجع سابق / ص 45 - 49.
أبو عمرو (زياد).- أصول الحركات السياسية … - مرجع سابق - ص69.
قبل انضمامه إلى الاتحاد الدولي للطلبة كان اتحاد طلبة فلسطين يضم 500 طالب في عضويته. وارتفع العدد سنة 1959 إلى 2000 طالب، وسنة 1969 إلى 6000 طالب في مصر ليسوا جميعاً أعضاء في الاتحاد ولكنهم يشكلون خمس (20%) إجمالي عدد الطلبة الجامعيين الفلسطينيين في العالم والبالغ نحو30000 طالب. وسنة 1970 كان في مصر 12000 طالب فلسطيني جامعي. هذه المعلومات مستقاة من مصادر مباشرة حصلت عليها الباحثة: براند (لوري.أ).-الفلسطينيون في ..- مرجع سابق. حاشية رقم57. ص 244.
خلف (صلاح).- … بلا هوية - مرجع سابق/ ص 48 - 49.
نفس المرجع.- ص 49.
نفس المرجع .- ص 51.
أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية... مرجع سابق - ص 90. ويذكر الباحث في موضع آخر أن "خلف" كان أمينا للصندوق و "الزعنون" أميناً للسر - ص 71.
الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسية - مصدر سابق - المجلد الرابع/ ص 447 ، 748.

- كوبان ( هيلينا ).- المنظمة تحت المجهر - مرجع سابق - ص 53/ في مقابلة للباحثة مع خالد الحسن في تشرين أول / اكتوبر 1982.
الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - المجلد الثاني - ص 629.
أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية… - مرجع سابق - ص 94.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير… - مصدر سابق - ص 987.
كوبان ( هيلينا ).- المنظمة تحت المجهر - مرجع سابق - ص 33.
الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - المجلد 5 - ص 140.
خلف ( صلاح )… بلا هوية - مرجع سابق - ص 53.

- الحسن (هاني): فتح بين النظرية والتطبيق - شؤون فلسطينية - منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث - بيروت، لبنان - عدد 7 آذار / مارس 1972 - ص 15.
أبراش ( إبراهيم ).- البعد القومي… - مرجع سابق - ص 141.
أبو النمل ( حسين ).- قطاع غزة … - مرجع سابق / ص 111 - 113.
نفس المرجع.- ص 122.
نفس المرجع.- ص 122.

- نفس المرجع.- ص 116.
نفس المرجع .- ص 127.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن (خالد ) : فكر حركة التحرير ... - مصدر سابق - ص 987.
أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية … - مرجع سابق - ص 24.
 المقصود كل من: عوني القيشاوي (موظف حكومي)، سليم الزعنون (موظف حكومي)، معاذ عابد (مدرس بالوكالة)،كمال عدوان (مدرس بالوكالة)،سعيد المزين (مدرس)، خليل الوزير (طالب بمدرسة فلسطين الثانوية)،غالب الوزير،منير عجور،عبد القادر أبو جبارة (طالب)،داوود أبو جبارة (طالب) و محمد حرب عليان (ناظر مدرسة).وهؤلاء الأحد عشر شخصاً مثلوا الإخوان المسلمين. أما وفا الصايغ (مدرس بالوكالة) فقد مثل البعثيين. أوردهم: أبو عمرو (زياد).- أصول الحركات السياسية .. - مرجع سابق - ص 77.
الشعبي ( عيسى ).- الكيانية الفلسطينية.- مرجع سابق - ص 52. نقلاً عن: الشرقاوي ( فواز حامد ).- حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" 1965 0 1971 - جامعة القاهرة، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير - 1974 - ص 167.
نفس المرجع.- ص 91.
حجار (جورج سالم).- أدبيات حركة فتح أو الخط القطري .. - الثقافة - عدد1 -كانون ثاني/يناير 1979- مرجع سابق- ص40.
نفس المرجع.- نفس الصفحة. ولكن من الملاحظ أن صلاح خلف يصر على روايته بأن الاجتماع كان يضم مختلف الأحزاب، وهذا الإصرار يتجدد في سيرته في الصفحة رقم 52. وفي الحقيقة لا نعرف بالضبط تاريخ رواية "أبو الأديب" التي ذكرها "حجار". ولكن تأييد "خلف" للرواية يعكس، في الواقع ، المناخ السياسي الفلسطيني الذي نشرت فيه السيرة ( ما بعد منتصف الثمانينات ) والميال إلى حل سلمي يؤدي بالنهاية إلى التفاوض مع إسرائيل. ومع هذا ليس ثمة ما يبرر طمس وقائع تاريخية مشهودة تؤكد أن مجموعة غزة رفضت الدخول في "الجبهة الوطنية" بسبب موقف الشيوعيين وفضلت إقامة تحالف مع "البعث"، أو بمعنى أدق مع نفسها لاسيما وأن أحد عشر شخصا من بين الاثني عشر شخصاً كانوا، في الواقع، من "الإخوان المسلمون" إلا إذا كانت رواية "أبو الأديب" غير دقيقة أو تخص أشخاصاً آخرين أو أنها تمارس طمساً موازياً.
نفس المرجع.- نفس الصفحة.
عدوان ( كمال )، حديث: فتح ، الميلاد والمسيرة - شؤون فلسطينية - منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث - بيروت، لبنان - عدد 17 - كانون ثاني ، يناير 1973 - ص 47.

- أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية ... - مرجع سابق - ص 96.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … مصدر سابق - ص 988.
أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية … - مرجع سابق / ص 98 - 99.
نفس المرجع .- نفس الصفحات.
نفس المرجع.- ص 105.
- نفس المرجع.- ص 93 - 94.
خلف ( صلاح ).- ... بلا هوية - مرجع سابق - ص 58 و 72. ويمكن المقارنة مع: أبو عمرو ( زياد ).-أصول الحركات السياسية ... - مرجع سابق - ص 95. والموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير - مصدر سابق - ص 989.
الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - المجلد السادس - ص 107.

- من أي مستوى. بيد أن الكثير منهم، وربما جميعهم ما عدا محمد غنيم يعتبر من "بطاركة فتح" عشية الانطلاقة .ونخص بالذكر : الدنان ،عبد الكريم ،عميرة ، أبو سردانة و الشرفا . لدى: الأحمد(نجيب).- فلسطين تأريخا ونضالا- دار الجليل للنشر- عمان، الأردن- الطبعة الأولى،آذار/ مارس 1985.وفي هذا السياق ،أيضا، يمكن الإفادة من: حسين (حسن خليل) أبو إياد … صفحات مجهولة - مرجع سابق .
براند ( لوري.أ ).- الفلسطينيون في العالم العربي - مرجع سابق - حاشية رقم 12 - ص 239. ومن الواضح أنها رداً على "هيلينا كوبان" في مؤلفها " تحت المجهر – ص 53 "، لا سيما العبارة المتعلقة بـ"أبو جهاد" واعتباره الرجل الأول الذي بدأ "فتح" وبتصريح صلاح خلف لـ "كوبان" الذي يحدد فيه تأسيس "فتح" في تشرين أول / اكتوبر 1959.

- نفس المرجع.- نفس الصفحة.
كوبان ( هيلينا ).- المنظمة تحت المجهر - مرجع سابق - ص 52.
 أول بعثة من المعلمين الفلسطينيين إلى الكويت كانت سنة 1936 حسب ما يروي أحمد شهاب الدين أحد أعضائها.
الموسوعة الفلسطينية .- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير ... - مصدر سابق - ص 990.
 أول من غذّى صندوق التبرعات بقيمة 30 ألف دينار (مائة ألف دولار أميركي). ولدى سيطرة المنظمات الفدائية على منظمة التحرير الفلسطينية (1968) أصبح عضوا في اللجنة التنفيذية لها. ومن جهته يذكر شفيق الحوت أن "أبو ستة " كان من أوائل الفلسطينيين الذين جمعوا ثروة طائلة، وتعود جذوره إلى عرب "الطرابين" في النقب جنوب فلسطين، وكان لأسرته شأن بين البدو، وهو الأوحد الذي تم تعيينه في أول لجنة تنفيذية للمنظمة وبقي في موقعه حتى سنة 1984. عودة إلى: الحوت (شفيق).- عشرون عاما .. - مرجع سابق-ص85.
ثمة إشارة لمجموعة ألمانيا التي كانت مكلفة بمهام أخرى غير الإعلام وجمع التبرعات و هي شراء الأسلحة والمعدات وتزويد الحركة بها. وردت لدى: أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية ... - مرجع سابق - ص 66.
ثمة إشارة لمجموعة ألمانيا التي كانت مكلفة بمهام أخرى غير الإعلام وجمع التبرعات و هي شراء الأسلحة والمعدات وتزويد الحركة بها. وردت لدى: أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية ... - مرجع سابق - ص 66.
خلف ( صلاح ).- ... بلا هوية - مرجع سابق - ص 71 / وكذلك: الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … - مصدر سابق - ص 986.

- المرجع والمصدر السابقان- ص71،72 و 988،989 على التوالي.أبو عمرو (زياد).- أصول الحركات السياسية - مرجع سابق-ص97.
 يذكر "أبو عمرو" أن محمود عباس ورفيق النتشة ومحمد يوسف النجار كانوا يحضرون إلى القطاع سنوياً برفقة مصطفى الدباغ أو توفيق ناجي (مصري ومن الإخوان المسلمين) للتعاقد مع مدرسين من القطاع للعمل في قطر، وبحكم معرفته بخلفية المدرسين المتقدمين للتعاقد كان "النجار" ينتقي العناصر ذات الاتجاهات الدينية والوطنية المنسجمة مع فكر الإخوان أو التوجه الجديد الذي كان قد بدأ في التبلور لدى قادة "رابطة الطلبة الفلسطينيين" في مصر.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … - مصدر سابق - ص 990 .
كان مقر حركة فتح منذ تأسست في الكويت. وظل كذلك إلى سنة 1966 ثم انتقل إلى العاصمة السورية - دمشق.

- أبو عمرو ( زياد ).- أصول الحركات السياسية … - مرجع سابق - ص 79.
خلف ( صلاح ).- ... بلا هوية - مرجع سابق - ص 74.
الخولي (لطفي)، حوار: المقاومة ... كيف تفكر؟ … - مرجع سابق – ص70. وفي سياق رده على سؤال يتعلق بطغيان الجانب العسكري على فعاليات "فتح" قال صلاح خلف: " لا يوجد في فتح عسكري محترف أو قائد عسكري . لا يوجد مقاتل في فتح في أي مستوى إلا وكان أصله جامعي أو مهندس أو مثقف وطني أو عامل ". نفس المرجع .- ص67.

- صايغ (روز ماري).- الفلاحون الفلسطينيون من الاقتلاع الى الثورة - مؤسسة الابحاث العربية - بيروت، لبنان - ترجمة، خالد عايد - الطبعة العربية الاولى، 1980- ص 217.
نفس المرجع.- ص 189.

- عدوان (كمال)، حديث: فتح ، الميلاد والمسيرة – شؤون فلسطينية – بيروت، لبنان – عدد 17 – كانون الثاني/ يناير1973- ص46.
الحوت ( شفيق ).- بين التيه والدولة - مرجع سابق - ص 29.
نفس المرجع .- ص 30.
خلف ( صلاح ).- ... بلا هوية - مرجع سابق - ص 75.
البيطار ( نديم ) : التسوية السياسية والنهوض العربي - شؤون فلسطينية - منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث - بيروت، لبنان - عدد 3 - آذار / مارس 1971 - ص 59.

- الحوت ( شفيق ) .-… بين التيه والدولة - مرجع سابق - ص 40.

- نفس المرجع .– نفس الصفحة.
أبو النمل (حسين ).- قطاع غزة … - مرجع سابق - ص 201.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … - مصدر سابق، ص 983 - 984.
نفس المصدر.- ص 988 . وللمقارنة من المحبذ العودة إلى: عدوان ( كمال ).- الميلاد والمسيرة - مرجع سابق - ص 49.

- نفس المصدر.- عدد 9 - تموز / يوليو 1960.
نفس المصدر.- نفس العدد. نقلاً عن: أبراش ( إبراهيم ) .- البعد القومي… - مرجع سابق – ص 191 .
فلسطيننا.- مصدر سابق - عدد 1 - تشرين ثاني/ نوفمبر 1960.
نفس المصدر.- عدد 13 - كانون ثاني/ يناير 1961.
نفس المصدر.- عدد 18 - تموز / يوليو 1961.
إن تحليلاً مهما وحديثًا لهذه الشرائح يلاحظ لدى: الأيوبي (نزيه نصيف) و النقيب (خلدون حسن).- مرجعان سابقان.
الحوت ( شفيق ).- بين التيه والدولة - مرجع سابق - ص 49.
خلف ( صلاح ).- … بلا هوية - مرجع سابق / 67 -68.
- 
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ): فكر حركة التحرير - مصدر سابق - ص 988. ويلاحظ " الحسن " أن أسماء التنظيمات الفلسطينية المنشأة تكاد تكون في معظمها متشابهة. إلا أن الطريف أن أحداً منها لم يستعمل كلمة حزب، وبدلاً من ذلك اتخذت اسم "حركة " أو "جبهة " أو "منظمة ". وكلها كانت تنتهي بكلمة (عودة) أو بـ (تحرير فلسطين).
خلف ( صلاح ).- … بلا هوية – مرجع سابق - ص 72.
الموسوعة الفلسطينية.- علوش ( ناجي ) : فكر حركة المقاومة الفلسطينية … مصدر سابق - ص 933.
نفس المصدر.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … / ص 986 – 989.
يعلق "جيرار شاليان " على نتائج حرب حزيران/ يونيو 1967 بالقول: " إن المنتصرين في حرب حزيران / يونيو هما إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية ". راجع: أبراش ( إبراهيم ).- البعد القومي ... - مرجع سابق - ص 214. نقلاً عن: شاليان ( جيرار ).- المقاومة الفلسطينية - دار الطليعة - بيروت ، لبنان - 1970 - ترجمة ، صباح كنعان - ص5.
الموسوعة الفلسطينية.- علوش ( ناجي ) : فكر حركة المقاومة الفلسطينية … - مصدر سابق - ص 933.
عدوان ( كمال ).- الميلاد والمسيرة - مرجع سابق / ص 48 - 49.
- 
خلف ( صلاح ).- بلا هوية - مرجع سابق / ص 68 - 69.
من الغريب أن نفس الموقف ظهر لدى الجمهور العربي بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان إثر الحصار الإسرائيلي للعاصمة بيروت صيف العام 1982. وبدا "الفدائي" لدى اليمني أو السوداني أو الجزائري أو التونسي كما لو أنه إنسان "مقدس"، "نقي"، "طاهر"، "مبارك"، والظفر بلمسة يد منه أو كتف كان يعني" التبرُّك "به. وفي الحقيقة كانت صدمة لدى الجمهور العربي بعد أن اكتشف مع الزمن أن"الفدائي" أو "الفلسطيني" هو الإنسان ذاته الذي يعيش في تونس أو الجزائر أو ... الخ وليس مبعوثا إلهيا ولا صحابيا ليظل "مقدسا". والحقيقة أن المواقف الشعبية انقلبت رأسا على عقب، في كثير من الأحايين، لما تراءى لها صور الفساد والترف والمجون فضلا عن السلوكيات المنبوذة شرعا وهي تكتسح مختلف المراتب التنظيمية والسياسية في الجسم الفلسطيني غير عابئة بأية ضوابط.
يرفض "حجار" إصباغ أية صلة تاريخية لجهة اسم الحركة "فتح". راجع: حجار جورج سالم): أدبيات حركة فتح ..-مرجع سابق- عدد1- ص42. ولعل هذا الرفض له ما يبرره نسبيا. إذ يشير "الحسن" إلى ما نعتقد أنه الأقرب إلى الحقيقة، فقد اعتمد "فتح" اسما لأن الطبيعة الديمغرافية لاحتلال فلسطين سنة 1948 جعلت الأكثرية الساحقة من السكان لليهود، وعليه فإن طبيعة المعركة هي أقرب إلى كلمة الفتح بالمعنى العربي التاريخي للمفتوحات الإسلامية. يمكن مراجعة: الموسوعة الفلسطينية.- الحسن (خالد): فكر حركة التحرير ... - مصدر سابق - ص 1002.
عدوان ( كمال ) : الميلاد والمسيرة - مرجع سابق - ص 226.
- 
الخولي (لطفي): المقاومة ... كيف تفكر ؟…- مرجع سابق – ص 67. ويشار إلى أن "العاصفة" اختيرت من بين عدة أسماء أخرى مثل: الصاعقة ، الفدائيون، القساميون، … الخ راجع: حسين(حسن).- أبو إياد … صفحات مجهولة …- مرجع سابق - ص64.

الموسوعة الفلسطينية.- علوش ( ناجي ): فكر حركة المقاومة الفلسطيني … - مصدر سابق - ص 933.
يذكر أن دعوة فتح وجهت إلى اثني عشر تنظيما. بيد أن منظمة التحرير والجبهة الشعبية لم تلبيا الدعوة. وغابتا عن المؤتمر الذي انعقد قبل سيطرة المنظمات الفدائية على المنظمة.
حجار ( جورج سالم ): أدبيات حركة فتح - مرجع سابق - عدد 3 - ص 58.
الموسوعة الفلسطينية.- علوش ( ناجي ) : فكر حركة المقاومة الفلسطينية ... - مصدر سابق - ص 933.
شفيق ( منير ): منطلقات أساسية لاستراتيجية الثورة الفلسطينية - شؤون فلسطينية - منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث - بيروت، لبنان - عدد 17 - كانون ثاني/ يناير 1973 - ص 6.
الموسوعة الفلسطينية ( هجائية ).- مصدر سابق - المجلد الثاني/ ص 205 - 206. وكذلك: الموسوعة الفلسطينية.- الحسن (خالد): فكر حركة التحرير … - مصدر سابق - ص 1003.

- الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ): فكر حركة التحرير ... - مصدر سابق/ ص 992 - 923.
نفس المصدر.- علوش ( ناجي ): فكر حركة المقاومة الفلسطينية … - مصدر سابق - ص 932.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ): فكر حركة التحرير.- مصدر سابق - ص 999. وكذلك: مقابلة مع خالد الحسن نشرتها صحيفة المدينة المنورة ( السعودية ) بتاريخ 26/11/1971.

- الموسوعة الفلسطينية.- المصدر أعلاه/ ص 1001 - 1002.
المقارنة هنا مع: شفيق (منير): منطلقات أساسية ..- مرجع سابق - ص6. ويلاحظ أن "الحركة" استعملت في الوثيقة تعابير "حربية" 33 مرة موزعة على: الكفاح المسلح- 8 مرات، تحرير- 9 مرات، ثورة -7 مرات، معركة - 6 مرات ونضال- 3 مرات. في حين استعملت كلمة "فلسطين" بمختلف الصيغ اللغوية (فلسطين، فلسطيني، فلسطينية) حوالي 25 مرة مقابل 15 مرة لكلمة عربي.
مذكرة حركة "فتح" إلى ملوك ورؤساء الدول العربية … مصدر سابق.
الخولي ( لطفي ) : المقاومة ... كيف تفكر ؟… - مرجع سابق – ص 69.
الموسوعة الفلسطينية.- الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … - مصدر سابق - ص 1002.
شفيق (منير): منطلقات أساسية لاستراتيجية الثورة الفلسطينية– شؤون فلسطينية – بيروت، لبنان– عدد17 –كانون الثاني/ يناير 1973- ص8. نقلا عن: فتح: دراسات وتجارب ثورية / 8 : " تحرير الأقطار المحتلة وأسلوب الكفاح ضد الاستعمار المباشر"- ص/20 -21.

- 

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

2 من الزوار الآن

876740 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق