الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الأطر الجماهيرية ودراساتها > الشبيبة الفتحاوية التأسيس والانطلاق
الحركة الطلابية الفلسطينية في الوطن المحتل 1978-1987
عشية آذار عام 1976 كانت الانتخابات المحلية الفلسطينية للمجالس البلدية والقروية هي الاستحقاق الذي يشغل الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل رئيس، كانت هذه الانتخابات هذه المرة مختلفة تماماً حيث تأتي عقب انتخابات العام 1972 والتي أفرزت مجالس محلية غير سياسية في وجهها العام آنئذ وتختلف اليوم هذه الانتخابات حيث الشارع الفلسطيني أمام استحقاق فرز موقفه السياسي إزاء مسألة في غاية الأهمية لتحديد توجهاته السياسية وطبيعة رأيه الوطني في المعروض عليه، والإجابة التي كانت بالانتظار في واقع الأمر هي هل سيكون الشارع الفلسطيني مع منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا أم هو في معرض الولاء لمرحلة الولاية الأردنية على الضفة الفلسطينية ؟.
كانت السمة الغالبة على المجالس البلدية والقروية الفلسطينية حتى عام 1972 هي سمة الشريحة الفلسطينية التي ارتبطت بعلاقات تقليدية مع الدولة الأردنية كونها وجدت محتوى مصالحها وعلاقاتها لا زالت محكومة بطبيعة المرحلة السابقة لما قبل حدوث الاحتلال الصهيوني لما تبقى من فلسطين التاريخية نتيجة لعدوان العام 1967 والتي كانت سائدة بحكم الوصية الأردنية في أراضي الضفة الفلسطينية حيث كانت الضفة الفلسطينية تمثل الضفة الغربية للملكة الأردنية التي اتحدت بها الضفتان عقب مؤتمر أريحا الشهير في العام 1952 سيما وأن الارتباط القانوني والإداري بين الدولة الأردنية وأراضي الضفة الفلسطينية كان لا يزال فاعلا حتى بعد الاحتلال وبعد أن فقدت الأردن هذه الوصية كما فقدت الدولة المصرية قطاع غزة.
أجريت الانتخابات في الضفة الفلسطينية المحتلة وأفرز التنافس بين كتلتين رئيسيتين تقدمتا للتنافس على مقاعد هذه المجالس المحلية وهما: الكتلة الوطنية المؤيدة لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما كان قد تم الاعتراف به وإعلانه عربيا في مؤتمر القمة العربي عام 1974، وكتلة الشباب التقدمي والتي كانت تعد قائمة مختلطة فيها عدد من المؤيدين تقليديا لفترة الوجود الأردني في الضفة الفلسطينية وعدد من المستقلين، أفرز نجاحاً منقطع النظير وفوزاً ساحقاً للكتلة الوطنية في معظم المناطق التي أجريت فيها هذه الانتخابات وبذلك اعتبرت الانتخابات في حينه جواباً واضحاً وصريحاً على السؤال الذي كانت تنتظره عدد من الأطراف الدولية والإقليمية وقطعاً في مقدمتها الاحتلال الصهيوني نفسه والذي كان يأمل بفوز الكتلة الأخرى وخاب أمله في نتائج هذه الانتخابات تماماً.
عقب انتهاء الانتخابات تشكلت لجنة التوجيه الوطني بمبادرة من رؤساء البلديات والمجالس القروية الوطنيين ممن فاز على قائمة الكتلة الوطنية ومن بعض السياسيين الفلسطينيين المستقلين وبعض رموز بقايا تجربة الجبهة الوطنية التي كانت قد تشكلت في الأرض المحتلة في آب 1973 تنفيذا وترجمة لقرار دورة المجلس الوطني الفلسطيني الحادية عشرة والمنعقدة في الفترة من2-6/1/1973 والذي طالب بضرورة تشكيل هذه الجبهة في الأرض المحتلة لقيادة الجماهير الفلسطينية تحت الاحتلال في نضالها الوطني ومن أجل تعزيز صمودها، لكن هذه الجبهة لم تعمّر طويلا حيث كانت قد واجهت التصفية من الاحتلال العسكري الصهيوني في حينه وتم ضربها واعتقال رموزها وإبعاد عدد منهم وتحديد إقامة البعض الآخر جبرياً في أماكن سكناهم ولفترات طويلة.
تعرضت لجنة التوجيه الوطني بالإضافة إلى عنف الاحتلال وعدوانيته إلى عنف خاص هذه المرة على يد عصابات المستوطنين أو ما عرف آنذاك بالتنظيم الإرهابي الصهيوني، لقد كانت المواجهة المفتوحة للجنة التوجيه الوطني بعد تشكلها مع سياسة الاستيطان ومؤامرة الحكم الذاتي التي كانت حكومة الصهيوني الليكودي مناحيم بيغن تحاول فرضها بالقوة وعبر أدوات شتى بينها روابط القرى العميلة للاحتلال والتي سلحتها أجهزة مخابرات العدو (الشين بيت) وأطلقت على رأسها (مصطفى دودين) ذات تأثير كبير على الساحة الفلسطينية بحيث انقادت الحركة الوطنية الفلسطينية سياسيا لتوجيهات اللجنة وأصبحت تنظر لها على أنها التعبير المباشر للإرادة الوطنية الفلسطينية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وعلى هذا الأساس قادت معاركها المتشابكة مع الإحتلال وأدواته بثقة وتصميم.
في حزيران من عام 1980 ونتيجة لاحتدام المواجهة مع المستوطنين وقطعانهم قام التنظيم الإرهابي الصهيوني والذي تكون أساسا من عصابات (غوش أمونيم ) التي كانت تمثل حربة غلاة المستوطنين الليكوديين العنصريين وبرعاية من حكومة الليكودي (مناحم بيغن) بتفخيخ سيارات رؤساء بلدية نابلس السيد بسام الشكعة وبلدية رام الله السيد كريم خلف ومحاولة اغتيال لعدد من رؤساء البلديات الآخرين فشلت معظمها باستثناء تلك التي نجحت في رام الله ونابلس ونتج عنها تقطيع أطراف المناضلين بسام وكريم، أكملت سلطات الاحتلال الصهيوني هجمتها بحل المجالس البلدية المنتخبة نهائيا ولجأت إلى التعيين ونتيجة للملاحقات والاعتقالات والاقامات الجبرية التي جرت بحق أعضاء لجنة التوجيه الوطني سادت حالة من الشلل التام في النشاط السياسي الفلسطيني نتيجة لهذه الضربة المؤلمة.
في هذا الوقت كانت نقابات العمال الفلسطينية طيلة الفترة الماضية مرتعا لنشاط الحزب الشيوعي وكوادره وقد نشط هذا الحزب في الفترة التي كانت فيها لجنة التوجيه الوطني تخوض غمار مواجهتها مستفيدا من هذا الزخم العام وموظفا ذلك في هذه النقابات التي تمثل بالنسبة إليه فروعاً لمقره ، واستخدمها مواقع لإطلاق لجان نشاط جماهيري أطلق عليها "لجان العمل التطوعي"، وبالطبع فإن هذه اللجان نشطت على امتداد الوطن الفلسطيني محاولة أدلجة ما أمكن من الجماهير الفلسطينية وإلحاقها بنشاط الحزب الشيوعي وبرنامجه وكانت هذه اللجان بمثابة الجسر الذي يستخدمه التنظيم الشيوعي في تأطير عناصره واكتساب أعضاء جدد بالإضافة إلى محاولة فرض السيطرة على الشارع الفلسطيني بشكل أو بآخر.
كانت الخطورة من نشاط الحزب الشيوعي هي في شقه العبري ومحاولة جمع هذا الشق تحت غطاء المواجهة المشتركة مع الاحتلال بالجماهير الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية وهو بالطبع الذي تود (الإدارة المدنية ) والتي استبدلت مسمى الحكم العسكري أن تراه في الأرض المحتلة بديلا لنشاط الفصائل الفلسطينية المقاتلة والتي كانت تؤرق مضاجع الاحتلال الصهيوني بعملياتها الفدائية النوعية ، كان (مناحم ميلسون) البروفسور الصهيوني الذي عينه (مناحم بيغن) حاكما إداريا للضفة الفلسطينية [1]يحاول جهده في إبعاد الشارع الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة عن هذا النشاط القتالي واستبداله ما أمكن بنشاطات باردة من نوع الاعتصامات والاضرابات التي كانت برنامج الحزب الشيوعي الرئيس.
وبينما كانت النشاطات الشيوعية الطلابية أيضا هي المسيطرة على مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية وبالأخص بيرزيت فقد اكتملت لهذا الحزب عناصر استغلال غياب تنوع الحالة التي كانت تمثلها لجنة التوجيه الوطني بعد حلها ليطرح نفسه بديلا وقائدا وحيدا للحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، بينما كان الأمر في مناطق القطاع بشكل رئيس وفي بعض مناطق الضفة الغربية وخاصة جامعة النجاح الوطنية تحت تأثير نشاط حزبي آخر هو نشاط القوى الإسلامية التقليدية وفي مقدمتها (الأخوان المسلمون) حيث سيطر هؤلاء مثلا في غزة على المجمع الإسلامي واتخذوا منه مقرا ومنطلقا لنشاطهم الذي امتد بدوره ليتحالف مع الحركة الإسلامية الناشئة في فلسطين الخط الأخضر والذي كان يشتد ويقوى على يد الشيخ عبد الله نمر درويش في قرى المثلث والجليل.
كانت القوى الفلسطينية الأخرى وعلى رأسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بعيدة عن النشاط العلني النقابي أو الجماهيري ولا تلتفت كثيرا لهذا الاتجاه الأمر الذي وفّر للحزب الشيوعي ولنشاطات القوى الإسلامية ممثلا في الأخوان المسلمين فرصة الانقضاض على الشارع الفلسطيني عبر بوابة الخدمات في القرى والمخيمات والمدن، والمواقع النقابية الأخرى في المؤسسات القائمة مما فرض حالة من الخلل العام في الشارع الفلسطيني ومعادلته بحيث أضحى في أحيان كثيرة عرضة لآثار ونتائج حالات من الصراع بينهما كما في حريق (المجمع ) [2]ي في غزة ومواجهات جامعة النجاح الوطنية في نابلس، وهكذا كانت الصورة المركبة للمشهد الجماهيري في غاية الانسداد ففصائل فدائية تعمل وتنتج حركة أسيرة اعتقالية مناضلة وأحزاب شيوعية وإسلامية تتصارع في فضاء الأيديلوجيا .
كانت مجالس طلبة الجامعات في هذه الفترة ومنها جامعة بيرزيت حكراً على ممثلي قوائم الحزب الشيوعي الفلسطيني على مع بعض الاستثناءات في مناطق أكثر محافظة والتزاما دينيا كمنطقتي الخليل ونابلس حيث تقاسمت هذه المجالس طلبة تنتمي إلى الكتلة الإسلامية ممثلة للإخوان المسلمين وذلك حتى قبيل العام 1980، إلا أن هذه المعادلة كانت قد بدأت لتوها في التغيّر والانقلاب التدريجي في هذا الحال نتيجة لوصول كوادر فصائلية مختلفة [3] تتبع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية إلى هذه الجامعات قادمة في بعضها من حضن الحركة الاعتقالية الأسيرة ، نشطت هذه الكوادر وخاصة كوادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بين جموع الطلبة ، كانت في أهم نشاطاتها ما تقوم به من عملية تنظير واستقطاب حركي في هذه الجامعات ومنها جامعة بيرزيت ، وصلت هذه الكوادر وعملت بنشاط على التأسيس لكتلة تمثل حركة فتح في الانتخابات التي كان يجري الإعداد لها في العام الدراسي 1980/1981 والتي دخلتها فتح يومها باسم "كتلة الحركة الطلابية"، أصبح لحركة فتح ثلاثة ممثلين عنها في مجلس الطلبة ذلك العام برئاسة الأسير السابق الطالب مفيد عبدربه ووجود طالبين اثنين آخرين يمثلان قائمة فتح هما نزهت شاهين من منطقة رام الله وعنان الأتيرة من منطقة نابلس.
كان من الواضح أن فتح قد بدأت في اتخاذ قرارات هامة ستجد ثمارها تالياً وإن لم تكن الصورة قد تبلورت بعد ولم يجر اختبارها جماهيريا،وضمن نشاطات الكتلة الحركية كان هناك العديد من جلسات الحوار والمثاقفة الحركية تجري بين صفوف طلبة الجامعة وخاصة الجدد منهم وكانت هذه الجلسات تضم أيضا بل وترحب بطلبة الثانوية العامة الزائرين للجامعة ، وقد واظب هؤلاء على حضور هذه الجلسات الحركية كلما تسنى لهم ذلك وكانوا ضمن من حضر احتفال الانطلاقة الأول الذي أقيم في جامعة بيرزيت ذلك العام برعاية مجلس طلبتها الذي اخترقته فتح عبر ممثلين لها، كانت قدرة الحالة الناهضة في الجامعات آنذاك لفصائل منظمة التحرير قادرة على عكس هذا الواقع شيئا فشيئا على طلبة المدارس الثانوية، وكان من الطبيعي أن تتأثر مناطق جنوب الضفة المحتلة والقدس أسرع وأكثر قوة من مناطق شمال الضفة لعدة عوامل، بينها خفوت حالة الحراك في جامعة كالنجاح الوطنية وهي الوحيدة في منطقة شمال الضفة مقارنة بحالة جامعة بيرزيت أو جامعة بيت لحم بقدر أقل.
وفي مبادرة نوعية بدأت بعض هذه المجموعات الطلابية في العمل في مناطقها عندما تعود من جلسات المثاقفة والاستقطاب في الجامعات وبينها مجموعة في منطقة شمال الضفة بين نابلس وطولكرم وجنين وقلقيلية ، كان من أنشط المجموعات حركة تلك التي انطلقت من منطقة طولكرم وعملت على التنسيق مع رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت مفيد عبدربه كونه ابن مخيم طولكرم ومن المنطقة ، كان مركزا هاما للنشاط الحركي الطلابي لطلبة المدارس الثانوية قد بدأ لتوه في قرية عنبتا والقرى المحيطة ثم قررت هذه المجموعة أن المدينة المجاورة أي مدينة طولكرم هي الساحة الأمثل لامتداد نشاطها الطلابي وفي شتاء هذا العام الدراسي 1980/1981 وكان قد انقضى الفصل الدراسي الأول و مع انقضاء الإجازة لاختبارات بين الفصلين وبداية الفصل الدراسي الثاني منه، أعلن مدرسو المدارس الحكومية اضرابهم عن العمل في تجاوب مع إضراب مدرسي الوكالة آنذاك، وكان على هذه الخلايا الطلابية الحركية في الضفة أن تتقدم لاختبار نقابي هام، وكانت المراهنة على ألوية الشمال وخاصة طولكرم وقلقيلية وجنين ،كانت هذه فرصة مميزة لاختبار مستوى الأداء السابق في زرع بذور النشاط الذي قامت به هذه المجموعات الطلابية، وكان التقدير العام أن تنشط في عمل اسنادي حركي مباشر لهذا الاضراب وفي كيفية تنفيذه وإنجاحه في هذا الألوية وخاصة لواء طولكرم الذي كان يعد ميتاً نسبياً نضالياً مقارنة مع غيره من مناطق الضفة الفلسطينية الساخنة، كان هو التحدي الأكبر.
أخيرا اتفقت الآراء في المجموعة الحركية الشمالية [4] والتي أخذت دعما هاما من كوادر الحركة الجامعيين في بيرزيت تحديدا والنجاح على ضرورة تحريك مدارس ألوية الشمال دفعة واحدة في مسيرة احتجاجية اسنادية وباتجاه مكاتب التربية والتعليم في المدن الثلاث إضافة إلى مدينة نابلس التي جرى التنسيق معها، ولتنفيذ ذلك لزم تقسيم العمل وتجميع عدد من الأنصار والطلبة من حول هذه الفكرة على أساس حق الطلبة في دعم معلمهم لنيلهم حقوقهم تمهيدا لعودتهم إلى التدريس وفك إضرابهم لإنقاذ السنة التعليمية وخاصة لمن هم في السنة النهائية في المدارس أي بانتظار إكمال اختبارات "التوجيهية"، كانت الفكرة رائعة حقاً ومميزة حيث كانت مدارس هذا اللواء والذي يعد أكبر ألوية الضفة الفلسطينية بعد التقسيم الإداري الجديد الذي مارسه الاحتلال الصهيوني عقب العام 1967 حيث ألحق مناطق مثل سلفيت التي تقع على تماس مع لواء رام الله بهذا اللواء لتشتيت التواصل المناطقي كما هي سياسة هذا الاحتلال واحتفاء بلواء طولكرم الذي كان أقل الألوية نشاطا وطنيا بشكل عام وأضعفها تجاوبا مع المناسبات الوطنية.
كانت خلايا العمل بحاجة على الأقل إلى أعضاء آخرين يمكن ضمهم حركيا قبل البدء بتنفيذ هذا العمل الجماهيري الذي كان غاية في الصعوبة في تلك الفترة وكان المطلوب هو تحديدا ضم عناصر نسائية لضمان تحرك مدارس البنات الثانوية للخلية وعلى أضيق نطاق ممكن، وتم تنفيذ التحرك فعلا في فبراير من عام 1980 حيث توجهت عشرات المدارس سيرا على الأقدام وبالحافلات في مسيرات متعددة التقت باتجاه مكاتب التربية والتعليم في هذه المدن والتي كانت قد تحددت نقطة وصول لهذه المسيرات، وطالبت لجان توجيه المسيرات بالاجتماع إلى المسئولين الذين فوجئوا تماماً بهذا الحدث غير المنتظر في ألويتهم وخاصة طولكرم ورفضوا أول الأمر لكن مع إصرار اللجنة المنظمة واعتصام عشرات الطلبة والطالبات في مقر المكتب وبعض المناوشات التي جرت خارجه مع دوريات الاحتلال الصهيوني التي عجزت عن التعامل مع هذا الحدث رضخوا لمطلب اللجنة المنظمة وتم الاجتماع بمدير التربية والتعليم للواء طولكرم آنذاك الأستاذ حسين الشيخ وتم تكليف أحد أفراد المجموعة الحركية المسئولة بالحديث ناطقا عن اللجنة المنظمة في هذا الاجتماع وتلاوة بيان أعد لهذا الغرض وسلمت مذكرة خاصة لمدير التربية والتعليم تطالبه بإعلان موقف تضامني مع إضراب المعلمين سيما وأن ضغوط الاحتلال على هذه المكاتب كانت قد بلغت سقفها بمطالبته إعداد قوائم بالمعلمين المضربين تمهيدا لفصلهم من العمل.
في ذات الوقت أرسلت اللجنة المنظمة للمسيرة ببرقية احتجاج لوزير الدفاع الصهيوني وكان يومها اسحق رابين ترفض تهديدات الاحتلال الصهيوني بفصل المعلمين وتطالب بتلبية مطالبهم وتندد بإجراءات الاحتلال الصهيوني وجرائمه بحق عملية التعليم في الأراضي المحتلة، كان نجاح المسيرة ونجاح التحرك الإسنادي حدثا مميزا في المدينة ولوائها كما كان نقطة تحول في طبيعة النشاط الذي دب في أوصال الشارع الفلسطيني في هذا اللواء حيث انكسر حاجز كبير طالما احتفى الاحتلال به وطالما تفاخر بقدرته على ضبط هذا اللواء تحديدا وعزله عن مجمل النشاط الوطني الجماهيري المتقدم الذي كانت تقوده على الأغلب في أراضي الضفة مدنا فلسطينية عريقة كمدينة نابلس المجاورة أو مدينة رام الله والخليل ، وهكذا تم تقييم هذه الحركة إيجابيا وهي التي تمت منذ لحظة التخطيط حتى التنفيذ فتحاويا وهذا هو العامل المميز حيث دأبت دوما فيما سبقه العناصر الحزبية الشيوعية على التخطيط لمثل هذا العمل في هذه المنطقة تحديدا دون أن تحصد مثل هذا النجاح.
بعد انتهاء ذلك العام ونجاح الإضراب في تحقيق بعض أهدافه النقابية وهدفه الأهم من أجل نشاط وطني عام التحق الطلبة الذين أنهوا دراستهم الثانوية بالجامعات وكان منهم طلبة مجموعات دعم الاضراب والتي نفذت مسيرات الإسناد ، وتوزعت على جامعات الوطن المحتل ومنها جامعة بيرزيت، في ذلك العام دخلت جامعة بيرزيت تحديدا مجموعة جديدة قادمة من معاقل الحركة الاعتقالية الأسيرة تضم عددا من الكوادر، وبدأت النشاطات الحركية الاستقطابية كحال مختلف الكتل الطلابية بين الطلبة الجدد وهي نشاطات سنوية تتجدد مع كل عام دراسي جديد وتمارسه كل القوى ، وكان طبيعيا أن هذه الاستقطابات ستتم قطعا في بعضها المفترض سابقا على حساب ما كان يستأثر به الحزب الشيوعي في عدد من هذه الجامعات والمعاهد الفلسطينية أو القوى الاسلامية في بعضها الآخر .
أبلغت تمنيات الشهيد أبو جهاد للحركة الطلابية الفتحاوية في الجامعات بضرورة خلق نسيج وكيان سياسي خاص بحركة فتح في الشارع الفلسطيني أيضا وأن تتولى ذلك الحركة الطلابية الفتحاوية ، حيث بدأت الحركة الطلابية الفتحاوية تعطي ثمارها في الجامعات، فقد فازت في عدد من المواقع بالإضافة إلى جامعتي بيرزيت والنجاح وأوصلت عددا من كوادر الحركة إلى رئاسة مجالس الطلبة أو عضويتها، كان المطلوب هو نقلة نوعية في العمل الجماهيري فتحاويا بعبارة أدق وحسبما فهمت هذه التوجيهات في حينه بعيدا عن عمل الحركة في القاطع الغربي عملاً علنياً وكانت المهمة تبدو صعبة وعسيرة في مواجهة نشاط لجان العمل التطوعي الشيوعية والتي كانت المسيطر الأكبر على هذا الشارع في التجمعات السكانية في المخيمات والقرى والمدن.
حدثت نقاشات كثيرة وموسعة في أوساط الهيئة القيادية لكتلة الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت آنذاك نظرا لورود هذه التعليمات مباشرة إليها هناك واستقر الرأي على إطلاق لجان عمل تطوعية في منافسة اللجان الشيوعية في الشارع الفلسطيني وكانت هناك تجربة مسيرات الطلبة الثانويين قبل عام ودور الكادر الحركي فيها ، ولذا فقد تشجع عدد من الكادر الطلابي القادم من المدارس الثانوية لذلك في حين تريث الكادر القادم من الحركة الاعتقالية،وكان الاقتراح أن تكون البداية في منطقة طولكرم على اعتبار أنها أضعف حلقات تأثير لجان العمل التطوعي الشيوعية وهناك تجربة ناجحة في هذه المنطقة للمسيرة الطلابية السابقة إبان إضراب المعلمين ووافق مفيد عبد ربه حيث هو أيضا من مخيم مدينة طولكرم للقيام بهذه الخطوة ويمكن له طلب إسناد من بلدية طولكرم في أول عمل تعاوني يقام وتحديداً من رئيسها حلمي حنون والذي كانت توجهاته مع فتح فضلاً عن وجود إحدى بناته مها حلمي حنون ضمن أعضاء كتلة الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت.
كان اختيار اسم الشبيبة هو خيار من ضمن قائمة طويلة من الأسماء المقترحة والتي شملت لجان العمل التعاوني أو لجان العمل الاجتماعي أو لجان العمل الحركي وأخيرا استقر الأمر على تسمية (لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي) والتركيز على مفردة شبيبة حيث يوجد شبيبة شيوعية وشبيبة اسلامية وشبيبة صهيونية فلتكن شبيبة فتحاوية هكذا اقترح أيمن اللبدي وأعجبت التسمية الاجتماع الذي كان قد تقرّر فيه البدء بالتنفيذ في أحد بيوت الطلبة في قرية بيرزيت والذي كان مقراً مركزيا لهذه الاجتماعات [5] ، و هكذا تم تشكيل اللجنة الأولى للشبيبة في مدينة طولكرم والإعلان عن هيئتها الإدارية في جريدة الفجر المقدسية آنذاك ، لقد ارتكز النشاط الاجتماعي الأول على وجود عدد من طلبة جامعة بيرزيت من أبناء المدينة وعدد من طلبة جامعة النجاح الوطنية من أبناء المدينة مؤطرون ضمن كتلة الحركة الطلابية، وبعد الاعلان عن ولادة أول لجنة للشبيبة للعمل الاجتماعي أعلنت لجنة شبيبة عنبتا عن نفسها لجنة في عنبتا بعد أن سحبت معظم أعضاء لجنة العمل التطوعي إليها، وكان النشاط الأول الذي مارسته لجنة طولكرم هو عمل تعاوني في شوارع المدينة شمل عمليات تنظيف وتجميل وترميم باستخدام آليات البلدية ومعداتها والتي حصل على إذن استخدامها مفيد عبد ربه من رئيس البلدية آنذاك حلمي حنون ، ونجحت التجربة نجاحا لافتا وتوالت الإعلانات عن لجان نابلس وجنين فرام الله والقدس والخليل حتى شملت كل الضفة الفلسطينية وانتقلت تاليا إلى قطاع غزة بسرعة لافتة، وفي الوقت الذي نضجت هذه التجربة في منطقة لواء طولكرم كان إسناد تنسيقها ومتابعتها للشهيد د.ثابت ثابت مبكرا فقام بدور مهم وحاسم في تمتين عمل هذه اللجان اللوائية وأصبحت عيادته الشخصية للأسنان في طولكرم مقرا لنشاطات حركة فتح الجديدة وقد حرص الشهيد على نجاح هذه التجربة نجاحا مميزا.
كانت هذه الأحداث تجري في الوقت الذي كانت فيه جامعة بيرزيت قد أغلقت بعد شهرين من الدوام نتيجة لمظاهرة قام بها مجلس الطلبة في ذكرى إحدى المناسبات الوطنية وبعد أن أقام احتفالاً خاصاً لتأبين الشهيد ماجد أبو شرار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، وتم استغلال هذه الفترة في تنشيط تكوين لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي في كافة مناطق الضفة الفلسطينية وكانت تنشر جريدة الفجر تحديدا أخبار ونشاطات اللجان الاجتماعية حتى غدت حالة يومية، مما أشعل نشاطا لافتا في عموم الوطن الفلسطيني وإن كان الوجه الذي اتخذه هو هذا الشكل من النشاط علنيا فقد كان لافتا في البداية هو عدم مواجهة الاحتلال لهذه اللجان ربما لسرعة الانتشار وعنصر المباغتة أو لعدم تقيمه الصحيح لما كان يجري وذلك قبل أن تبدأ لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي بعد أن تم تأطيرها حركيا في مواجهة الإدارة المدنية وقطعان المستوطنين وفلول روابط القرى العميلة وتكتشف حقيقة اللجان.
تعميم التسمية (شبيبة)
في جامعة بيرزيت عندما باشرت الجامعة بعد فتح أبوابها إثر الإغلاق الاحتلالي تم التحضير لاحتفال انطلاقة الثورة الفلسطينية الجديدة في كانون المقبل ، وحيث أنه كان الاسم السابق للكتلة الفتحاوية هو (كتلة الحركة الطلابية ) فإن احتفال هذا العام كان الاحتفال الأول الذي تم الاتفاق على تسمية الكتلة الحركية باسم حركة الشبيبة الطلابية اتساقا مع الاسم الذي أطلق على لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي وعلى أن تجري الاحتفالات لهذا العام 1981/1982 تحت رعاية ومبادرة حركة الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت ، وقد تم ذلك فعلا وجرى تعميم هذه التسمية إلى بقية الجامعات والمعاهد .
لقد تم تعميم التسمية الجديدة والإعلان عن ذلك بحيث تصبح في مركب التسمية (الشبيبة) هي القاسم المشترك بين اللجان الجماهيرية في الشارع (لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي) وبين الكتل الحركية في الجامعات والمعاهد وحتى في المدارس ( كتل حركة الشبيبة الطلابية ) ، الأمر الذي انتقل أيضا ليحمل ذات المركب (الشبيبة) إلى الكتل الحركية في النقابات المهنية وبقي الاستثناء فقطفي النشاطات النسائية حيث أطلقت التسمية (لجان المرأة للعمل الاجتماعي) وتم الاحتفاظ بالتوصيف الاجتماعي المشترك مع لجان الشبيبة الميدانية ، في النقابات قاد النقابي شحادة الميناوي كتلة النقابيين الحركيين تحت اسم كتلة الشبيبة النقابية قبل أن تنشق النقابات إلى نقابات تمثل الحزب الشيوعي ونقابات تمثل حركة فتح وهكذا غدا اسم الشبيبة هو الناظم لكل النشاطات الحركية من حيث التسمية في كافة المواقع المهنية والجماهيرية تعبيرا عن تيار فتح.
وهكذا خاضت حركة الشبيبة الطلابية انتخابات جامعة بيرزيت في العام 1981/1982 وأفرزت مجلسا ائتلافيا ضم فتح والجبهة الشعبية التي كانت هي أيضا قد أفرزت لها أيضا لجانا تطوعية جماهيرية خاصة بها كما فعلت الجبهة الديموقراطية ، وفاز ائتلاف فتح –الشعبية بمقاعد مجلس طلبة جامعة بيرزيت وقدمت فتح رئيسا لمجلس الطلبة عنها نايف سويطات سكرتيرا عاما ، أما الجبهة الشعبية فقدمت غسان جرار سكرتيرا للجنة الثقافية ، وشهد هذا العام الأحداث المؤسفة التي تسببت بها الاحتكاكات بين الجبهة الشعبية و الكتلة الاسلامية في جامعة بيرزيت، وحاولت حركة الشبيبة ما أمكنها أن تفصل بين هاتين الكتلتين ولكن الأمور كانت قد تطورت كثيرا باتجاه الصراع العنيف الذي أدى الى اشتباكات طلابية عنيفة بين الاتجاه الإسلامي والاتجاهات الوطنية وأغلقت الجامعة أبوابها إثر ذلك لمدة ثلاثة شهور متتالية.
في العام 1982/1983 تقدمت كتلة الشبيبة الطلابية بلائحة واحدة بعد أن فشلت كل محاولات ومفاوضات تقديم لائحة وطنية موحدة أو حتى لائحة ائتلافية مع إحدى القوى الوطنية، كانت تلك الأيام تجري والكتلة الاسلامية تتحرك في الجامعة على أنها الرقم الأكبر وتمني نفسها بالانتصار وحصد مقاعد مجلس طلبة جامعة بيرزيت معقل الحركة الوطنية الأول، ولذا فقد كانت التحديات ذلك العام على ضوء نتائج العدوان الصهيوني على لبنان وخروج قوات الثورة الفلسطينية تتلاقى جميعا لتشكل أكبر اختبار أمام فتح وشبيبتها، وصنعت فتح المعجزة أمام لائحة الكتلة الإسلامية ولائحة اليسار الوطني وفازت بمقاعد مجلس الطلبة جميعه في جامعة بيرزيت دون اختراق واحد.
بعد هذا النصر الانتخابي المميز في مواجهة لائحة الكتلة الاسلامية ولائحة اليسار التقدمي والذي ضم كتل اليسار جميعا بدأت الانتصارات الشبيبية الطلابية باكتساح الجامعات والمعاهد من النجاح إلى بيت لحم إلى الخليل وفي أحيان منها بالائتلاف مع القوى الوطنية ، وشكلت الشبيبة بشكل عام قيادة ميدانية للشارع الفلسطيني وللمؤسسات الفلسطينية وأسقطت أهم قرار عسكري إسرائيلي آنذاك وهو الأمر (854) والذي كان يستهدف قلاع الوطنية الفلسطينية أي الجامعات والمعاهد كما أسقطت المحاولات غير المباشرة لتفريغ هذه الجامعات من مضمونها الوطني وذلك عبر معركة (سلم العلامات الأكاديمي) في جامعة بيرزيت والإضراب الشهير الذي استمر أكثر من ثلاثة أشهر قادته فتح ومجلس طلبتها في جامعة بيرزيت.
منذ بداية الثمانينيات كانت محاولات الاحتلال وإدارته المدنية بقيادة (مناحيم ميلسون) تسعى إلى تمرير الأمر العسكري 854 والذي يحول الجامعات إلى صورة عن المدارس الحكومية يتحكم فيها الاحتلال في المناهج والطلبة وهيئة التدريس وما يتبع ذلك من فرض الوصاية، طالبت الادارة المدنية الجامعات والمعاهد بتطبيق هذا الامر بعد ان اجتمعت الى رؤساء هذه الجامعات في (بيت ايل) قرب رام الله والتي كانت مقرا لإدارة الاحتلال الصهيوني حيث استدعتهم وسلمتهم نسخاً عن هذا الأمر، ورفضت الجامعات هذا الأمر وبدأت القوى الوطنية في الجامعات صراعها مع المحتل الذي جهد في محاولة فرض هذا القرار بالقوة فأحكم مداخل الجامعات بنقاط تفتيشه وحاصرها وداهم أماكن سكن الطلبة واعتقل عددا منهم ولما فشل في ذلك لجأ إلى الاحتيال.
في عام 1981/1982 كان قد أرسل مدير الادارة المدنية ميلسون نائبه (موريس جباي) إلى جامعة بيرزيت فدخل الحرم القديم خلسة وتوجه إلى مكتب نائب الرئيس جابي برامكي وطلب الاجتماع إليه وعلمت الحركة الطلابية ومجلس الطلبة بهذا الاجتماع فتصدت لجباي وقامت بضربه وبعد أن فر من الجامعة أقدمت سلطات الاحتلال على اغلاق الجامعة ومارست ضغوطها دون أن تفلح، وحينما أدركت سلطات الاحتلال استحالة تنفيذ هذا الأمر أوعزت بشكل أو بآخر إلى ضرورة تنفيذه تحت أغطية أكاديمية داخلية إن أمكن ، وصادف أن كانت جامعة بيرزيت تحاول في تلك الفترة هيكلة (سلم علامات الطلبة) وتقديراته الأكاديمية من أجل رفع مستوى التحصيل الأكاديمي كما أعلن تاليا [6] ،ولكن مثل هذا الأمر تقاطع في لحظة ما مع رغبة الاحتلال في تفريغ المعاقل الطلابية ممثلة في الجامعات من كوادرها الاعتقالية تحديدا حيث كانت نسبة 5% من الطلبة المقبولين تذهب لصالح من تحدده قوائم مجلس الطلبة بغض النظر عن درجة علامة الطالب الذي غالبا ما كان قادما من المعتقلات من كوادر الحركة الأسيرة.
أدرك مجلس طلبة جامعة بيرزيت الفتحاوي خطورة ذلك ووصلته معلومات موثقة عن هذا التحضير الأكاديمي فأعلن إضرابا عاما بعد اجتماع عاصف قرر فيه تفويض أحد أعضائه في قيادة الحركة أيمن اللبدي لتنظيم ذلك فخاض صراعا مريرا مع إدارة الجامعة لشطب هذا القرار نهائيا وللمرة الأولى اتخذت فتح قرارها بإشراك الكتلة الاسلامية في هذا النضال على اعتبار عناصره النقابية المحض بعد أن كانت الكتلة الاسلامية نتيجة لمواقفها الحزبية تنأى بنفسها عن النشاطات الوطنية الطلابية من اعتصامات ومظاهرات ومواجهات مع الاحتلال، وأعلن مجلس الطلبة نهاية الاضراب العام الذي استمر قرابة الأربعة شهور محددا مطلب الحركة الطلابية بشطب هذا القرار نهائيا ونجحت فتح في جمع كل الساحة الطلابية من حولها بما فيها قوى اليسار واليمين، ونتيجة لجهود كبيرة قام بها الشهيدان أبو جهاد في تونس وفيصل الحسيني في القدس تم الاتفاق على تجميد القرار المذكور لصيانة هيبة الجامعة من جهة وتحقيق القرار الطلابي من جهة أخرى.
كان ذلك يعتبر بشكل أو بآخر نهاية لمحاولة فرض 854 وشطبه نهائيا وانتصاراً للإرادة الوطنية في ساحتها الطلابية ورصيداً كبيراً حققته فتح في جامعة بيرزيت بامتداد إلى بقية المواقع الأكاديمية وأما ما كان أهم ما ميّز هذه الفترة فهو رفد الحركة الاعتقالية وتبنيها للنشاط الذي قادته الحركة الطلابية ودورها في تزويده بعدد من كوادرها وبالتالي الارتقاء بدرجة النضج الحركي وقوة التأثير بالإضافة إلى إسناد كبير تلقته الحركة الطلابية من أبناء الحركة في كل موقع وجدت فيه محيطا داعما وقويا كان للشهيد فيصل الحسيني ولعبد العزيز شاهين (أبو علي) فيه أثر مميز حيث تم إطلاق الأخير من المعتقلات بعد فترة طويلة أمضاها في سجون العدو الصهيوني ونتيجة لقيادته فترة طويلة جزءا من الحركة الأسيرة فقد أمكن له اختيار عدد من الكوادر الحركية المميزة ودفعها باتجاه الجامعات وصل منهم تاليا لجامعة بيرزيت عدد كبير.
وصل إلى جامعة بيرزيت ضمن الكوادر الجديدة القادمة من الحركة الاعتقالية عدد لا بأس به من الطاقات المميزة منهم [7] فكان على الحركة الطلابية أن تستفيد من هذا الضخ الجديد في مهمة توسيع التجربة الشبيبية في الجامعات الأخرى والمعاهد في الوطن المحتل خاصة وأن عددا من الكوادر السابقة قد تخرّجت من الجامعة وغادرتها، فتشكّلت داخل قيادة الحركة الطلابية مهمات لا تخص حركة الشبيبة في الجامعة وحدها، بل تتعدّى ذلك إلى التنسيق مع حركات الشبيبة الطلابية في الجامعات والمعاهد الأخرى، فضلاً عن تنسيق عمل لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي في الوطن المحتل بتشكيل هرمي لها بحيث تولد اللجنة اللوائية فاللجنة العليا وهو ما أفضى لاحقا لتشكيل ما عرف لاحقا بالحركية العليا، في ذات الوقت التحق الطلبة المتخرجون من حركة الشبيبة ببعض الجامعات والمؤسسات فتم تشكل الشبيبة النقابية التي مارست دورها في المؤسسات المختلفة رديفا ومسانداً لحركة الشبيبة الطلابية ولجان الشبيبة ولجان المرأة للعمل الاجتماعي، أما في نقابات العمّال الرسمية والتي طالما شكّل الحزب الشيوعي عصبها ونخاعها فقد تشكّلت قائمة تمثل فتح فيها قادها النقابي شحادة المنياوي، وانتقلت التجربة في العام 82 إلى قطاع غزة ليتم إنشاء تعبيراتها الطلابية والنقابية والعمالية والاجتماعية هناك وأصبحت قاعدة عريضة مؤطرة.
وفي نفس الوقت الذي قامت فيه الحركة الطلابية الفلسطينية والتي أصبحت في الجامعات والمعاهد تعكس ثقل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفي مقدمتها حركة الشبيبة الطلابية تقود نضالا مؤسسا كما مرّ ضد الأمر العسكري رقم 854 والذي كانت تحاول فيه الادارة المدنية بديل الحكم العسكري في الوطن المحتل تحويل الجامعات والمعاهد الفلسطينية إلى نسخة من المدارس الحكومية تتحكم بها إدارة التربية والتعليم في مستوطنة «بيت إيل » منهاجا ومسارا ونوعا وطاقما، كان عليها أيضا أن تواجه في الشارع مؤامرة روابط القرى العميلة التي ارتبط مشروعها الشعبي بالحكم الاحتلالي كما كان عليها أن تقوم بدور هام في الشارع الفلسطيني حيث غابت لجنة التوجيه الوطني وتجربة الثقل المعبّر عن منظمة التحرير عن المشهد لفترة أو غيّبها استهداف الاحتلال لها، كما خاضت الحركة الطلابية معركة أخرى كانت تتعلق باعادة تفعيل ما عرف بأعضاء مجلس النوّاب الأردني من الضفة الغربية، أما مع محاولات الاختراق الاعلامي فقد شكّلت الحركة الطلابية مرصدا خاصا لهذا الأمر وتدخلت أكثر من مرة في منع ذلك ومنها تصويب مسار جريدة الفجر إبان رئاسة تحريرها لرئيس تحرير مهني [8] جديد لم يكن على اطّلاع كاف بدقائق المهمة النضالية التي كانت تمارسها الصحيفة وغيرها من الصحف المدعومة مباشرة من منظمة التحرير الفلسطينية كالمركز الفلسطيني للاعلام والذي أدار منه الصحفي الفلسطيني رضوان أبو عياش مهمة إصدار مجلة العودة الفتحاوية، حيث كان يقود سياسة استهداف داخل المؤسسة بحق الصحفيين الحركيين في الصحيفة كما هاجم اضراب جامعة بيرزيت الأكاديمي بسبب فهم مغلوط مما استدعى تدخل الشبيبة مباشرة من بيرزيت لتصحيح الأمر وتصويبه.
في العام 1982 مع معارك الثورة في لبنان واجتياح العدو الصهيوني لبيروت وخروج قوّات الثورة وما شكّله من ضغط على الحركة الوطنية في الوطن المحتل وبخاصة على الحركة الطلابية ، كان على الحركة الطلابية استيعاب ذلك والتقاط لحظة المبادرة للمساهمة في التخفيف عن الثورة بحرق الأرض تحت أقدام العدو، فافتتحت جامعة بيرزيت الصدامات والمظاهرات مع العدو لتنتقا الشرارة إللى باقي الجامعات في الوطن المحتل وقدّمت الحركة الطلابية وحركة الشبيبة شهيدها الخالد شرف الطيبي والذي قام قناص صهيوني باغتياله خلال المظاهرة التي اندلعت في جامعة بيرزيت وواجه فيها جسم الحركة الطلابية تقوده الشبيبة ومجلس طلبتها الفتحاوي، واندلعت المظاهرات بالضفة مما حدى ببيغن أن يعلن أن هذا الجرس المسمى بيرزيت لا بد من تحطيمه، فأغلق الجامعة أكثر من مرة خلال العام الدراسي تلك السنة.
في العام 1983 دهمت قضية أحداث طرابلس وما عرف بالحركة التصحيحية والتي أدت إلى حادثة الانشقاق الخطيرة في حركة فتح وتشكيل« فتح الانتفاضة» والتي كانت تلقي بظلال سوداء على النشاط الحركي الساحة في داخل الوطن المحتل وخاصة في بيرزيت وهدّدت مسيرة الشبيبة الحركية تهديدا بالغا، وفي مواجهة هذه المسألة برز السؤال الهام "كيف يمكن حماية هذا المنجز الفتحاوي والحيلولة دون عوارض الصدمات ؟"،في الوقت الذي لم تكن مهمة التأطير النهائي بعد نجاح تجربة الشبيبة الحركية طلابيا وتعاونيا قد انتهت بعد.
كان هذا الهاجس قد سيطر على التفكير في هذه الأيام العصيبة مما دفع بجزء من قيادة الشبيبة في جامعة بيرزيت والتي كانت تعتبر« أقصى يمين الهيئة القيادية» إلى طلب العون من الشهيد أبو جهاد ، قررت هذه المجموعة ارسال مندوبين لمقابلة الأخ أبو جهاد وشرح الوضع القائم وطلب النصح والتوجيه ،فاجتمع ثلاثة منهم أحمد فارس عودة (أبو فارس) و نصر نوفل وأيمن اللبدي وقرروا إيفاد مبعوث خاص إلى الشهيد أبو جهاد بشكل طاريء، حيث كانت الحركة تتعرض لانشقاق في جامعة بيرزيت كان على رأسه عدد من الأسماء الهامة سيما أن بعضهم كان عضوا في المجلس السابق عن حركة فتح، وهكذا تم اختيار إحدى الطالبات الحركيات [9] وكتبت الهيئة القيادية المذكورة للشهيد أبو جهاد تطلب التوجيهات الخاصة حول هذا الأمر وتم إرسال الرسالة على الطريقة المتبعة آنذاك في كبسولة خاصة ابتلعتها وقامت بتسليمها للأخ أبو جهاد، ثم إرسال رسول آخر بعدها مباشرة لضمان الحصول على المطلوب العاجل ولتأكيد ملحاحية الأمر.
ووصلت بعد فترة التوجيهات المنتظرة وكانت تحتوي عددا كبيرا من الخطوات وأبرزها :-
1- ضرورة خلق جسم تراتبي داخل اللجان عبر قيادات تصعّد لتمثل لجان لوائية فهيئة عامة.
2- ضرورة عدم الاحتكاك العنيف مع الذين اختاروا تأييد الانشقاق ومواصلة الحوار معهم .
3- ضرورة وضع دستور لحركة الشبيبة ونظام يمثل آلية لضبط الحركة.
4- ضرورة حصر مظاهر الانشقاق في أصغر نطاق ممكن وعزله عن قاعدة الحركة.
وهكذا بدأت مرحلة التأطير وكتابة الدستور الذي تولاه عدد من كوادر فتح في بيرزيت [10] وآخرون قبل أن تجري عملية مراجعته ونقاشه وإشراك كادر فتح الموجود في بقية المواقع الشبيبية في عملية تنسيق كبيرة في الجامعات الأخرى والمعاهد وعرضه على الجميع قبل أن يكتمل في صورته النهائية ويتم طباعته وتعميمه دستورا لحركة الشبيبة الطلابية ليصار إلى تعميق الديموقراطية وانتخاب مؤتمر عام للشبيبة في مواقعها وأيضا تصعيد كوادر منتخبة إلى هيئة القيادة وانتخاب التفصيلات
التي اقتضاها هذا الدستور في تخصيص العمل من مهمات أمانة السر والتنسيق الداخلي والخارجي وغيره وجرت أول انتخابات في العام 1983/1984 واختير الأخ أيمن اللبدي أمينا لسر كتلة حركة الشبيبة الطلابية في جامعة بيرزيت و الأخ مروان البرغوثي مرشحا للحركة لانتخابات مجلس الطلبة للجامعة ذلك العام ، أكمل الأخ مروان البرغوثي تطوير المنجز الفتحاوي فتولى رئاسة مجلس الطلبة في الجامعة لفترة تاليةعام 1983/1984ثم فترة أخرى لرئاسة المجلس للأخ جمال السلقان بعدها مباشرة العام 1984/1985..
لقد واصلت تجربة الشبيبة نجاحاتها في كل صعيد وهي بلا شك كانت الجسد الرئيس الذي حمل الانتفاضة الأولى والتي يعود فيها الفضل إلى هذا القائد العظيم الشهيد أبو جهاد وبعد نظره في نقل ثقل العمل الجماهيري والسياسي إلى الأرض المحتلة عبر قراره بتشكيل هذه التجربة ورعايتها دوما، وقد قامت التجربة على عطاء عدد من الأخوة المناضلين من أبناء الحركة واستطاعوا بالصبر والجهد والعمل الدؤوب التأسيس لمرحلة من أهم مراحل عمل حركتنا الفتحاوية المبدعة والخلاقة حركة فتح.
إن هذه الشهادة حول تأسيس ونشأة الشبيبة الفتحاوية هي شهادة ضرورية لتوثيق مرحلة من مراحل تاريخ كفاحنا الوطني بعامة فضلا عن توثيق مرحلة من مراحل عملنا الحركي وقد يكون لهذه التجربة من إيجابيات عديدة لا تخفى وأهمها بلا شك هو التأسيس للانتفاضة الأولى التي خلقت جسر العودة ، وإسقاط الإدارة المدنية ومؤامرة الحكم الذاتي، ولكن السلبيات تبقى أيضا حقا مشروعا لمن يسعى إلى النقد الذاتي في سبيل منعة التجربة وحصانة المستقبل ولعل أهم هذه السلبيات كانت حرق التنظيم والخروج إلى العلنية في مرحلة ما قبل الأوان مع حضور أوسلو واستخدام الحركية العليا في هذه المحطة.
* اضافة : تجربة امتداد الشبيبة إلى قطاع غزة بعد تأسيسها في الضفة تحتاج شهادات على استعداد لتنشرها المعركة حال توفّرها....
قصة تأسيس الشبيبة وثيقة
[1] الادارة المدنية اعلنت بديلا عن الحكم العسكري بتاريخ الأحد 1 تشرين الثاني 1981
[2] المجمع الاسلامي والهلال الاحمر الفلسطيني الذي ترأسه الراحل حيدر عبدالشاف
[3] من حركة فتح نشط كل من حسن عبدالله اشتيوي وحسن البوريني و عدنان أبو حبسة ورياض عويضة ومحمد بحيص وجميل أبو سعدة ومحمد اشتية وحسن أبو لبدة وأحمد فارس عودة
[4] في عضويتها ضمت الطلبة منهم بهاء أديب رفيق و ماهر عطية كنعان وعمر حسين حجاز و سمير عطية شهاب و مها نمر سبوبة ورجاء قاروط وريما أبو زنط وأيمن اللبدي وعامر نزال
[5] حضر هذا الاجتماع مفيد عبدربه ، نزهت شاهين، رياض عويضة، عدنان أبو حبسة، محمد اشتية، حسن ابو لبدة، أيمن اللبدي
[6] سرّب هذا القرار المرحوم الراحل الدكتور عبداللطيف البرغوثي إلى سكرتير التخصصات الأكاديمية في المجلس أيمن اللبدي قبل أن تنفّذه الادارة
[7] رشيد منصور (أبو خالد) وأحمد الديك وسليمان حافظ
[8] د.بشارة بحبح
[9] الطالبة تهاني القططي
[10] منهم عبدالله علاونة (أبو الأمجد) ونايف سويطات و سمير صبيحات و أحمد فارس وأيمن اللبدي
4 من الزوار الآن
916818 مشتركو المجلة شكرا