Categories

الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > تجارب وثورات > من تجربة الجزائر: الثورة المنتصرة وفرنسا المهزومة....

18 نيسان (أبريل) 2012

من تجربة الجزائر: الثورة المنتصرة وفرنسا المهزومة....

إن الأزمـات السـيـاسـيـة والاقـتـصـاديـة والتـي أصـبـحـت تـعـيـشـهـا فـرنـسـا بـتـأثـيـر الـثـورة الـجـزائـريـة، والانـتـصـارات الـتـي حـقـقـتـهـا هـذه الأخـيـرة عـلـى الـصـعـيـديـن الـعـسـكـري والـسـيـاسـي، كـانـت وراء إنـقـلاب 13 مـاي 1958، ومـجـيء "ديـغـول" عـلـى رأس الـجـمـهـوريـة الفـرنـسـيـة الخـامـسـة بـهـدف الـقـضـاء عـلـى الـثـورة الـجـزائـريـة وإنـقـاذ فـرنـسـا.

أحـداث 13 مـايو 1958، الأسـبـاب والـنـتـائـج

لـقـد وصـلـت الـثـورة الـجـزائـريـة إلـى أوج فـعـالـيـتـهـا فـي الـمـرحـلـة الـتـي أعـقـبـت مـؤتـمـر الـصـومـام حـيـث إتـضـحـت هـيـاكـلـهـا الـعـسـكـريـة والـسـيـاسـيـة وإتـسـع مـداهـا الـعـسـكـري وزاد الـتـلاحـم بـيـن الـشـعـب وجـيـش الـتـحـريـر الـوطـنـي.

وتـحـت ثـقـل الـثـورة وعـزل فـرنـسـا فـي الأمـم الـمـتـحـدة، وتـأثـر عـلاقـتـهـا مـع الـدول الآسـيـويـة والإفـريـقـيـة، إضـافـة إلـى الأزمـات الـتـي عـرفـتـهـا عـلـى مـسـتـوى سـيـاسـتـهـا الـداخـلـيـة وسـقـوط حـكـومـاتـهـا الـواحـدة تـلـو الأخـرى مـن حـكـومـة مـنـديـس فـرانـس 1955 إلـى حـكـومـة "فـلـيـكـس غـيـار" عـام 1958 مـرورًا بـحـكـومـة "إدغـوفـور"، "غـي مـولـي" و "بُـورجـيـس مـونـرو" مـمـا يـدل عـلـى عـجـز الـحـكـومـات الـفـرنـسـيـة عـلـى حـل الـمـشـكـلـة الـجـزائـريـة لـذا قـام مـجـمـوعـة مـن الـجـنـرالات وعـلـى رأسـهـم الـجـنـرال "جـاك مـاسـو" فـي 13 مـايو 1958 بـتـمـرد وانـقـلاب وجـهـوا عـلـى إثـره نـداء إلـى الجـنـرال ديـغـول يـدعـونـه فـيه إلـى تـسـلـم مـقـالـيد الـحـكـم.
ولـم تـنـتـه الأزمـة إلا بـتـسـلـم ديـغـول الـحـكـم فـي 01 يونيو 1958 وبـذلـك تـنـهـار الـجـمـهـوريـة الـرابـعـة بـرآسـة مـاكـمـيـلان وتـأسـس الـجـمـهـوريـة الـخـامـسـة بـرآسـة الـجـنـرال ديـغـول.

قيـام الجمهـوريـة الخامسـة وسياستهـا تجـاه الثـورة

بعـد أن أصبـح الجنـرال "ديغـول" رئـيسا للجمهـوريـة الخامسـة وفـوض لـه الشعـب الفرنسـي جمـيع السلـط ومنحـه كـل امكـانـيات التنفـيذ والتشريـع، بـدأ يفكـر فـي وضـع خـطط جـديدة لتصفيـة الثورة الجزائريـة بعـد أن فشلـت كـل الخـطط العسكريـة السابقـة، فقـد صـرح بعـد تولـيه الحكـم مباشـرة : "سأجعـل جمـيع الجزائرييـن فرنسـيين، وسأعمـل علـى إيجـاد جنسيـة فرنسـية واحـدة لكـل سكـان الجزائر..." ولتحـقـيق هـذه المـزاعـم اتخـذ الإجـراءات التـالـية :

1 - عـسـكـريـا :

أ – زيـادة عـدد القـوات العسكـريـة حتـى أصـبـحـت فـي عـام 1959 مـلـيـون جـنـدي، مـع الاستعـانـة بإمكـانيـات الحلـف الأطلسـي.

ب - الإكثـار مـن مكاتـب لصـاص ومـدارس التعـذيـب مثـل مـدرسـة "جـان دارك" بسكـيكدة.

جـ - تجنـيد العـديد مـن العمـلاء والحركـة ووقوفهـم بجانـب فرنسـا ضـد إخوانهـم الجزائرييـن.

د - إقامـة المناطـق المحرمـة والمراكـز العسكريــة.

هـ - تشـديد المراقبـة علـى الحدود الجزائريـة الشرقـية والغربـية عـن طريـق تدعيمهـا بالأسـلاك الشائكـة المكهربـة مثـل "خـط موريـس" وخـط" شـال" وذلـك لمنـع تسـرب الثـوار والأسلحـة.

و - عـزل جيـش التحرير الوطنـي عـن الشعـب بتجمـيع هـذا الأخـير فـي محتـشـدات أقيمـت بالقـرب مـن مراكـز العـدو.

ز - تكثيـف العملـيات العسكريـة ضـد الثـوار الجزائرييـن مثـل عملـية "بريمر" بالقبائـل فـي أكتوبـر 1958 التـي اشتـرك فـيـها أكثـر مـن 10 آلاف جنـدي فرنسـي يقـودهـم 14 جنرالا.

ك - إسنـاد قـيادة الجـيش الفرنسـي إلـى الجنـرال "شـال" خلفـا للجنـرال "سـالان" فـي جانفـي 1959، وقـد قـام هـذا الأخـير بوضـع مخـطط عسكـري عـرف باسمـه "خـطـة شـال " ويتمثـل فـي القـيام بعملـيات تمشيطـية بريـة وبحـريـة وجويـة، وتسلـيط هـذه العملـيات علـى مناطـق الثـورة لتطهـيرهـا مـن الثـوار نهـائـيـا.

وقـد عـرفـت الجزائـر فـي عهـده العـديـد مـن العـملـيـات مـثـل :

* عملـية التـاج فـي الولايـة الخامسـة فبراير 1959 شـارك فيهـا أكثـر مـن 30 ألـف جنـدي فرنسـي.
* عملـية الحـزام بالولايـة الرابعـة "يونيو 1959".

* عملـية المنظـار بالولايـة الثالثـة "يوليو 1959" دامـت ستـة أشهـر، اشتـرك فيهـا 70 ألـف جنـدي فرنسـي.

*عملـية الأحجـار الكريمـة بالولايـة الثانـية "ديسمبـر1959" وشـارك فيهــا 10 ألـف جنـدي فرنسـي.

2 - سـيـاسـيـا :

فـي الوقـت الـذي كانـت الجمهـوريـة الفرنسـية الخامسـة بقـيـادة الجنـرال ديغـول تعمـل علـى قمـع الثـورة الجزائريـة بالقـوة العسكـريـة، كـانـت تستعمـل سـلاحـا آخـر لأغـراء الشعـب وإبعـاده عـن ثورتـه، وأهـم الإجـراءات التـي استعملـت فـي هـذا المجـال.

أ - تنظـيم استفتـاء عـام علـى دستـور الجمهـوريـة الخامسـة فـي 28 سبتمبـر 1958، حيـث عـوملـت الجزائـر كـأرض فرنسـية، وبالرغـم مـن مقاطعـة أغلبـية الشعـب الجزائـري لهذا الإستفتـاء فإن الإدارة الفرنسـية زيفـت هـذه العملـية لإظهـار الشعـب بمظهـر المـؤيـد لديغـول ولسياستـه، وقـد صـرح ديغـول مباشـرة بعـد الإعـلان عـن نتائـج الاستفتـاء : "لقـد أظهـر الاقتـراع علـى الدستـور ثقـة الجزائرييـن ورغبتهـم فـي البقـاء مـع فرنـسا ...".

ب - عـرض "سـلـم الشجـعـان" والحـديـث عـن الشـخـصـيـة الجزائريـة وتقـرير المصـير، فقـد صـرح ديغـول يـوم 16 سبتمبـر 1959 : "اعتمـادا، علـى جمـيع المعطـيات الجزائريـة الوطنـية منهـا والدولـية، أعتبـر أنـه مـن الأهـمـيـة بمكـان وجـوب اللجـوء إلى تقـرير المصـير" ويعتـبر هـذا العـرض مراوغـة وخـدعـة أخـرى مـن طـرف ديغـول خاصـة وأنـه وضـع شـروط تعجـيـزيـة لنجـاح تقـرير المصـير مثـل :

- إن الإستفتـاء علـى تقرير المصـير لن يتـم إلا بعـد مـدة طويلـة.

- وقـف العمـل العسكـري مـن جانـب الثـورة الجزائريـة فقـط .

- عـدم الاعتـراف بجبهـة التحـرير الوطنـي كمفاوض وحـيد، حيـث رأى أن هنـاك قـوة ثالثـة يمكـن التـفـاوض معهـا أيضـا.

- تـقـسـيم الجزائر إلـى شمال وجنـوب وبالتالـي إمكانـية الاحتـفـاظ بالصحـراء النفطـية.

3 – إقـتـصـاديـا :

أ - الإعـلان عـن بعـض المشاريـع الاقتصـاديـة والإجتماعـية التـي تضمنهـا الخطـاب الـذي ألقـاه "ديغـول" بقسـنطينـة 13 أكتوبـر 1958 والتـي عرفـت بـ "مشـروع قـسـنطـينـة" وتمثـلـت فـي :

- توزيـع 250 ألـف هكتـار مـن الأراضـي الزراعـية علـى الفلاحـين.

- إقـامـة قاعـدة للصناعـة الثقيلـة وأخـرى للصناعـة الخفيفـة.

- توظـيف أكبـر عـدد مـن الجزائرييـن.

- بنـاء المدارس والمساكـن ( 200 ألف مسـكـن ) ومراكـز للصحـة وغيرهـا مـن التجهـيزات الاجتماعـية.
والمـلاحـظ أن ديغـول مـن خـلال هـذا المشـروع تجـاهـل الأسـباب الحقيقـية للثـورة الجزائريـة وزعـم أن أسبابهـا اقتصاديـة واجتماعـية، وبالتالـي يمكـن القضـاء عليهـا بتحسـين المستـوى الاقتصـادي والاجتماعـي للشعـب الجزائري.

ردود فعل الثورة الجزائرية على الاجراءات الفرنسية في الداخل والخارج

لـم تنجـح الجمهـوريـة الفرنسيـة الخامسـة فـي إفشـال الثـورة الجزائريـة رغـم الامكانـيات المتوفـرة لـديهـا والأسالــيب المتعـددة التـي استعـمـلتهـا، ذلـك أن الثـورة جابهـت هـذه الأسالـيب بخـطط عسكـريـة، وأسالـيب جـديـدة تتمـاشـى والوضـع الجـديد، وأهـم هـذه الخطـط والأسالـيـب :

1 - تجنـب الاصـطـدام مـع العـدو وذلـك بتقسـيم وحـدات الجـيش إلـى مجمـوعـات صغـيرة مـن أجـل تسهـيل عملـية الاختفـاء والتنـقل، وهـذا ردا علـى خطـة شـال الجهـنـمـية.

2 - الإكـثـار مـن العملـيات الفـدائـية داخـل المـدن خاصـة، وخـوض حـرب الكمائـن بشكـل مكثـف، وقـد كلفـت هـذه العملـيات للعـدو خسـائـر معتبـرة فـي الأرواح والمعـدات.

3 - نقـل العملـيات الفـدائـيـة إلـى فرنسـا نفسهـا بهـدف تحطـيم المـنشـآت الاقتصـاديـة والعسكـريـة للعـدو ونشـر الهـلع فـي أوسـاط المواطنـين الفرنسييـن حتـى يعـرفوا مـدى الرعـب الـذي يتعـرض لـه الشعـب الجزائـري مـن طـرف جـيـوشهـم.

4 - رفضـه المشاريـع الاقتصاديـة والعسكريـة للعـدو والاجتـماعـية التـي جـاء بهـا ديغـول وبينـت خطورتهـا علـى الثـورة وتهـديد كـل من يقـبـل بهـا.

5 - تكويـن الحكومـة الجزائريـة المؤقتـة 19 سبتمبـر 1958 برئـاسـة فـرحـات عـباس وقـد رد هـذا الأخـير علـى ديغـول حيـث عـارض سلـم الشجعـان : "إن الشعـب الجزائـري لـن يلـقـي السـلاح إلـى أن يتـم الاعتـراف بحقـوق الجزائـر فـي السيادة والإستـقـلال، والجـزائـر ليسـت فرنـسـا، والشـعـب ليـس فـرنـسـيـا..."، كمـا أعـلنـت الحكـومـة المؤقتـة أنها تقبـل مبـدأ تقـرير المصـير بشرط أن يطبـق تحـت ضمـانـات دولـية وأن يضمـن احتـرام وحـدة الشعـب والتـراب الوطنـي.

وهكـذا، كـان مصـير حكـومـة ديغـول كمصـير الحكومـات التـي سبقتـه، حيـث تراجعـت كلهـا أمـام ضـربـات الثـورة الجزائريـة، وبالتالـي لـم يجـد ديغـول بـدا مـن تغــيير مواقفـه تجـاه الثـورة ، كمـا سنـرى فيمـا بعــد.

تطـور الموقـف الـدولـي تـجـاه الثـورة الجـزائـريـة

مـع بـدايـة الثـورة الجزائريـة، وقفـت العـديد مـن الـدول موقـف الحـياد مـن القضـية الجزائريـة بـل الكثـير منهـا أيـد فرنـسا فـي أعمالهـا الوحشيـة، وبعـد الانتصـارات العـديدة التـي حققتهـا الثـورة تغـيرت هـذه المواقـف وكسبـت الثـورة تـأييـدا دولـيا كبـيرا خصـوصـا بعـد تـكويـن الحكـومـة المؤقتـة فـي سبتمبـر 1958.

1 - فقـد استـقـبـل الوفـد الجزائـري استقبـالا حـارا فـي مـؤتمـر التضامـن الإفريقـي الآسيـوي الـذي انعقـد بالقاهـرة عـام 1958 وقـد دعـا المؤتمـر إلـى قيـام مظـاهـرات شعبـية فـي جمـيع البلاد المشتركـة فـيه لنصـرة الجزائـر وتعبئـة الـرأي العالمـي لاسـتنكـارهـا للسيـاسـة الفرنسـية فـي الجزائـر كمـا دعـا إلـى الاعتـراف فـورا باستقـلال الجزائـر وإلـى إجـراء مفاوضـات بيـن فرنسـا وجبهـة التحرير علـى هـذا الأسـاس.

2 - شـاركـت جـبـهـة التـحـريـر في مـؤتمــر أكـرا للـدول الإفريقـية الحـرة عـام 1958 وتلقـت تأييـدا حـار مـن المؤتمـر لقضـية استقـلال الجزائـر، ووعـد الـدول الإفريقـية بتقـديـم المساعـدات المختلفـة للجزائـر.

3 – عـنـد قـيام الحكومـة الجزائريـة المؤقتـة سـارعـت العـديد مـن الـدول إلـى الاعتـراف بهـا مثـل الـدول الشيوعـية، والـدول العربـية وكـذلـك غـانـا، غـيـنـيـا، مـالـي، يـوغسلافـيا، ولـم تكتـف الصـين الشعبـية بالاعتـراف بالحكومـة المـؤقتـة فقــط، بـل دعـت وفـدا مـن الحكومـة المؤقتـة لزيـارة الصـين وأثنـاء هـذه الزيـارة أعلـن نائـب رئـيس الوزراء الصينـي أنـه "فـي وسـع الشعـب الجزائري أن يعتمـد فـي الأيـام التالـية علـى تأييـد 650 مليـون مـن الصينييـن تـأييـدا قاطعـا" .

4 - بالإضـافـة إلـى أن الكثـير مـن الـدول سمـحـت لجبهـة التحـرير الوطنـي بإقـامـة مكاتـب لهـا فيهـا.
وأخـيرا أصبحـت القضـية الجزائريـة تطـرح باستمـرار فـي جلسـات الأمـم المتحـدة والتـي بـدأت تلـح علـى الاعتراف بحـق الشعـب الجزائـري فـي الاستقـلال، وتمـت فـي نفـس الوقـت علـى ضـرورة قـيام المفاوضـات بيـن الحكومـة الفرنسـية والحكومـة الجزائريـة المؤقتـة.

أسـئـلـة الـتـصـحـيـح الـذاتـي

س1 - شـاع عـن الجنـرال ديغــول أنـه وهـب الاستقـلال للجزائـر، ولكـن الواقـع النضـالـي للثـورة هـو الـذي فـرض علـيـه ذلـك.

أ - تـتـبـع استـراتـيجـية ديغـول إزاء الثـورة الجزائريـة منـذ تولـيـه الحـكـم عـام 1958 إلـى توقـيع إتـفـاقـيـات إيـفـيـان.

ب - مـاهـي ردود فعـل الثـورة داخلـيـا وخارجـيـا ؟

أجـوبـة الـتـصـحـيـح الـذاتـي

ج1 - تـمـهـيـد :

إن الثـورة الجزائريــة ثـورة شعبيـة ووطنـية، فشـل الجيـش الفرنسـي فـي إحـراز أي نصـر سـواء سياسـي أوعسكـري ممـا دفـع بهـم إلـى التمـرد علـى نظـام الحكـم آنـذاك، وكـان وراء هـذا الحـدث أوربيـو الجزائـر وبعـض الضباط يـوم 13 مـايو 1958 واستيلائهـم علـى مقـر الحاكـم العـام متهميـن الجـيش الفرنسـي بالتقصـير فـي أداء مهـامـه وكـانـت فرنسـا علـى حـافـة حـرب أهلـية ممـا دفـع بالمتصارعـين إلـى الإتفـاق علـى استـدعـاء ديغـول لتسلــم زمـام الأمـور، وعلقـوا عليـه آمـالا كبـيرة لاعـادة هيبـة فرنـسا بالقضـاء علـى الثـورة الجزائريـة.

فكيـف واجـه الجنـرال ديغـول الثـورة الجزائريـة يا تـرى ؟

أ - استراتيجـية ديغـول إزاء الثـورة الجزائريـة : لقـد اتبع كـل الأسالـيب المعـروفـة مـن أجـل القضـاء علـى الثـورة.

* سيـاسـتـه العـسكـريـة : قـام الجنرال بكـل الجهـود للقضـاء علـى الثـورة الجزائريـة إذ صـرح فـي يـوم 13 يوليو 1958 قـائـلا : "... القضـاء علـى العصيـان فـي الجزائـر حتـى تظـل جسمـا وروحـا مـع فرنـسا إلـى الأبــد ...". ولأجـل تحقـيق هـذا الهـدف فـإنـه، ضاعـف قواتـه بالجزائـر إلـى أن وصـلـت مـلـيـون جـندي عـام 1959 ولـم يكفيـه ما يملكـه مـن العتـاد فاستعـان بعتـاد الحلـف الأطلسـي.

- عمـل علـى تطبـيق خطـة شـال التـي تنـص علـى القيـام بعملـيات وهجـومـات بريـة وجويـة وبحريــة منسقــة، تسليـط هـذه العملـيات علـى مناطـق الثـورة الواحـدة تلـو الأخـرى واحتلالهــا لأطـول مـدة ممكنـة إلـى أن يتـم تصفـيـة كـل المجاهـديـن.

وهكـذا عـرفـت الثـورة فـي عهـد ديغـول عملـيات عسكـريـة واسعـة النطـاق نـذكـر منهـا علـى سبـيل المثـال :

* عملـية التـاج فـي الولايـة الخامسـة بمشاركـة حـوالـي أربعـين ألـف عسكـري.

* عملـية الـحـزام بالولايـة الرابعـة.

* عملـية المنظـار بالولايـة الثالثـة التـي دامـت ستـة أشهـر قـادهـا الجنرال شـارل بنفسـه وشـارك فـي هـذه العملـية حوالـي سبعـون ألـف عسكـري.

* عملـية الأحجـار الكريمـة بالولايـة الثانـية وشـارك فيهـا حـوالـي 10 آلاف عسكـري.

- بمـوازاة هـذه العملـيات الضخمـة فـإن عهـد ديغـول عرف أيضـا تكثيفـا فـي عـدد المحتشـدات الإجبـاريـة والمناطـق المحرمـة بهـدف عـزل الشعـب عـن المجاهـديـن وبالتالـي منـع انتقـال أي نـوع مـن المساعـدات المـاديـة إلـى هـؤلاء.

- تـم مضاعفـة عـدد مكاتــب La SAS التـي كانـت تراقـب سكـان القـرى وتحـاول كسبهــم إلـى جانـب فرنسـا.

* سياسـة ديغـول فـي المـيدان السياسـي : مـن المعـروف عـن هـذه الشخصـية بعـد فشـل الأسلـوب الأول لعـب آخـر ورق فـي يـده للقضـاء علـى الثـورة أهمهــا :

- لقـد أعلـن الجـنـرال عـن سلـم الأبطـال ومشـروع قسنطينـة فـيـا تـرى مـا لمقصـود بهمـا : فـبـنـسـبة للأول سلـم الأبطـال يقصـد بـه بكـل بسـاطـة تسليـم المجاهـديـن السـلاح دون أي قـيد أو شـرط وكـأنـه لـم يحـدث أي شـيء فـي الجزائـر وتجـاهـلا مقصـودا لكـل مـا أعلنتـه الثـورة الجزائريـة مـن أهـداف ومـبادئ ابتـداء مـن الفاتـح مـن نوفمبـر 1954 ، أمـا الثانـي فـأراد ديغـول أن يتجـاهـل أسـباب انـدفـاع الشـعـب الجـزائـري وراء جبهـة التحـريـر الوطنـي، حيـث أعتقـد أن تحسـين أوضـاع هـذا الشعـب اقتصـاديـا واجتماعـيا كـاف لصـرفـه عـن الثـورة كمـا أنـه كـان يهـدف إلـى خـلق برجـوازيـة جزائريـة مقـارنـة مـع السياسـة الاستعمـاريـة الفـرنسيـة، وقـد أثبتـت الأيـام للجنـرال ديغـول وغـيره أن الشـعـب الجـزائـري لـم يقـم بالثـورة بـدافـع الفقـر بـل أنـه قـام بهـا سعـيا إلـى إستـرجـاع حـريـة وطنـه واستـقـلالـه وكرامـتـه.

ب - رد فعـل الثـورة الجزائريـة علـى سياسـة ديغـول فـي المـيدان العسكـري :

رغـم أن الثـورة الجزائريـة عـانـت كثـيرا مـن عملـيات خطـة شـال إلا أنهـا عرفـت كيـف تصمـد أمامهـا وتفشلهـا وذلـك بإتبـاع عـدة أسالـيب وطـرق :

- تقسـيم جيـش الثـورة إلـى وحـدات صغـيرة.

- خـوض حـرب العصابـات بشكـل مكـثف ومنظـم.

- الإكثـار من العملـيات الفـدائـية داخل المدن وخلف خطوط العـدو.

- النـزول بقـوات المجاهـديـن مـن الجبـال إلـى السهـول والمـدن والانطـلاق بعـد ذلـك فـي عمـلـيـات عـسـكـريـة وكـمائـن واسعـة لـتـخـفـيف الضغـط علـى الولايـات المجـاورة.

وهكـذا أصبـح أفـراد الجيـش الفرنسـي لا يعرفـون بالضبـط أية منطقـة يحاصـرون وعـن أيـة منطقـة ينسحبـون فالمـوت يمكـن أن تأتـي مـن وراء كـل منعطـف ومـن وراء كـل شجـرة وصخـرة والجدير بالذكـر أن الثـورة تمكنـت مـن نقل الحـرب إلـى داخـل التـراب الفرنسـي بنفسـه.

رد الثـورة الجزائريـة على سياسـة ديغـول في الميـدان السياسـي

فـي 19 سبتمبـر 1958 تـم تأسـيس الحكـومـة المؤقـتـة الجزائريـة والتـي حلـت محـل لجنـة التنسـيق والتنفـيذ وذلـك بهـدف التنظـيم علـى كـل فصـائـل الثـورة وإيجـاد السلطـة الشرعـية التـي يمكـن أن تتفاوض مـع فرنـسا وكـان أول تصـريـح لـرئيسـهـا فرحـات عـباس جـاء فـيه : "إن الشعـب الجزائـري لـن يلقـي السـلاح إلـى أن يتـم الاعتـراف بحقـوق الجزائـر فـي السـيـادة والاسـتـقـلال".

مـن خـلال هـذا التصريـح أن الثـورة لـم تعتـرف بعـرض سلـم الأبطـال كمـا أنهـا قـاومـت مشـروع قسنطينـة باعتباره أنـه يظهـر الثـورة الجزائريـة وكـأنهـا ثـورة مطـالـب إجتماعـية لا ثـورة وجـود قـومـي وتحـرير وطنـي، ولـذلـك فإنهـا قـاومـت المشـروع بشـدة وهـددت كـل مـن يقبـل الأراضـي الموزعـة وعاقبـت الـذيـن خالفوا أوامرهـا بالمـوت.

فيمـا يخـص محـاولات ديغـول التفـاوض مـع أنـاس لا ينتمـون إلـى الجبهـة فـإن مظـاهـرات 11 ديسمبـر 1960 التـي عمـت التـراب الوطنـي ودامـت إلـى غايـة 16 ديسمبـر 1960 قطعـت الطريـق فـي هـذا الإتجـاه بعـد أن خـرجـت الجماهـير منـاديـة بحـياة جبهـة التحـرير وبحـياة الجزائـر، مـما جعـل ديغـول يقتنـع أن الشعـب الجزائـري كلـه وراء جبهـة التحرير التـي تعتبـر القائـد الوحـيد للثـورة، وعنـد إنطـلاق المفاوضـات فإن ممثـلـو الجبهـة والشعـب عارضـوا بشـدة أي مسـاس بوحـدة الشعـب والتـراب وأصـروا علـى مبـدأ وحـدة التـراب والشعـب.

خـاتـمـة

لقـد جــاء الجنرال ديغـول علـى رأس الجمهـوريـة الفرنسـية الخامسـة بنيـة الاحتفـاظ بالجـزائـر، إستعمـل كـل مـا فـي وسعـه من أجـل ذلـك، ولكنـه إقـتنع فـي نهـايـة الأمـر التمسـك بالجزائـر قد يـؤدي إلـى ضـياع فرنـسا نفسهـا، وكـذلـك فإن استقـلال الجزائـر لـم يكـن أبـدا هـبـة مـن ديغـول أو غيـره بـل أنـه نتيجـة منطقـية لكفـاح الشعـب الجزائـري وصمـوده الشجـاع.

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

6 من الزوار الآن

917331 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق