الصفحة الأساسية > 1.0 اصدارات > معركة الكرامة - للمؤلف: اللواء—محمود الناطور (أبو الطيب)
الحلقات 1 إلى 4
اختيار الهدف
بعد قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية عام 15/5/1948م بدأت حكومة إسرائيل بالتخطيط لسرقة المياه العربية عبر عدة مشاريع كان أحدها مشروع تحويل مجرى نهر الأردن، ففي بداية أعوام الستينيات باشرت اسرائيل بجر مياه نهر الأردن نحو خزان مياه طبريا ولكي تصل المياه إلى أراضي صحراء النقب جنوبي بئر السبع عبر ما أسمته بمشروع المياه القطري، وأمام هذا الاعتداء على حقوق شعوب المنطقة العربية المحيطة لمنبع ومجرى نهر الأردن اكتفت الدول العربية آنذاك بالشجب والاستنكار الإعلامي فهذا المشروع والتنديد بأفكار التوسع الاستيطاني الصهيوني على حساب الأرض العربية.
وقد أثار هذا الوضع الإخوة المناضلين حينما قرروا أن يكون عام 1965م بداية انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ،وتم الاتفاق بين الاخوة قيادة الحركة، وكان على رأسهم الأخ المجاهد ياسر عرفات، أن تكون شرارة الانطلاقة متوهجة من لهيب عمل نضالي يضرب باكورة مشاريع الاستيطان الصهيوني ويصيب بالخسارة المادية اقتصاده ويبتعد عن أي إصابة للخسائر البشرية موضحاً أن تكون أولى رسائله الجهادية بداية طريق العمل النضالي لاستعادة فلسطين، فقد وقع الاختيار على مشروع تحويل مجرى نهر الأردن بضرب أحد فروعه الحيوية المقام على بحيرة طبريا والذي يبدأ بضخ المياه عبر قناة مائية مكشوفة من شمال غربي البحيرة وحتى قرية عيلبون وسط الجليل وتصب القناة في بحيرة صناعية تحت اسم الصلمون وعبر محطة الضخ الناتج عنها مشروع توليد كهرباء تتصل القناة بالأنابيب المدفونة تحت الأرض لجرها لمحطة التوزيع في العوجا اليركون.
وأخذت القيادة بالحسبان أهمية الإعداد والتخطيط لتنفيذ هذه العملية التي تتطلب توفير الخبرات في التقنية الفنية العالية وتحتاج إلى مسح دقيق من الجانب الهندسي وكان هذا الرأي نابعاً من الخلفية العلمية للمجاهد ياسر عرفات بوصفه مهندساً مدنياً وقد اقنع هذا الرأي بقية الإخوة في القيادة العسكرية. فتم الإيعاز للخلايا السرية العاملة داخل الأرض المحتلة والقريبة من محيط منطقة الهدف بتأمين كافة المعلومات الجغرافية والطبيعية والعسكرية حول قرية عيلبون وما نوعية التكنولوجيا العالية التي تستخدمها إسرائيل في تشغيل محطة التوليد الكهربائي المستفادة من تدفق المياه عبر بحيرة الصلمون والتي تشغل توربينات المحطة وتدفع المياه باتجاه النفق.
اختيار مجموعة التنفيذ
بعدما وردت التقارير الاستطلاعية من الأرض المحتلة موضحا فيها بدقة كل تفاصيل المنطقة المحيطة بالهدف من بداية سير نفق المياه في الشمال الغربي لبحيرة طبريا مرورا بالقرب من مغارة الاميرة ثم ياقوق ويتعرج بالنزول حتى كلانيت ليصب في بحيرة الصلمون الصناعية وفي نهاية البحيرة العميقة يوجد سد مغلق يمر منه فتحات لتشغيل توربينات محطة توليد الكهرباء والتي بدورها تدير مضخات الدفع لتمرير المياه عبر الأقنية بعد قرية عيلبون من تحت سطح الأرض.
وبيّنت الرسوم والكروكات المرفقة مع التقرير أماكن تواجد المعسكرات وبرنامج عمل دوريات الحراسة موضحة التوقيت والفترات الزمنية بحساب دقيق الذي يفصل بين كل دورية وخط سيرها.
ومراعاة لكل هذه الظروف، دأب المجاهد ياسر عرفات على دراسة خطة محكمة بأسلوب هندسي يهتم بأدق التفاصيل ليحقق النجاح التام للعملية مع ضمانة وصول المجموعة وعودتها سالمة، واهتم،كذلك بأن يعطي الانطباع للعالم أجمع أن المقاومة الفلسطينية الوليدة بإمكانها أن توقع الخسائر المادية القائمة في كل منشأة وموقع تصل يد المقاومة له وحتى لا يتمكن العدو من تطوير مشاريعه الاستيطانية.
قبل نهاية ايام عام 1964م كان قد تم اختيار أربعة مجاهدين أشداء من ذوي الاختصاص والتدريب الجيد للقيام بتنفيذ المهمة، و تم تأمين الدليل المتمكن من معرفته لطبيعة الأرض المحتلة في المنطقة ما بين طبريا ومدينة صفد حتى الحدود مع شمال الضفة الغربية.
خطة سير العملية:
أ- وصول مجموعة المجاهدين الأربعة إلى خربة ناصر الدين بالزي المدني وكان بانتظارهم العنصر الخامس وهو الدليل الذي كان متخفيا على شكل راعي مع بعض من أغنامه.
ب- الوصول بالقرب من كفر حطين مكان وجود النقطة الميتة المدفون تحتها الألبسة الخاصة بالعملية وحقيبة المتفجرات والأسلحة وهي عبارة عن بندقيتين سينوبال ورشاشتين كارول وحقيبة قنابل يدوية ومجموعة مخازن ذخيرة.
ت- الوصول إلى منطقة المجدال القريبة من شاطىء بحيرة طبريا وبعد التفتيش بين أشجار الشاطىء عن مكان مناسب للاستراحة والمبيت وبعد ترتيب الحراسة أمضى المجاهدون ساعات الليل الأولى على دراسة الخطة وتوزيع المهام ليعود الدليل مع اغنامه لمسح الآثار وتواعدو معه على أن يلتقي مع المجموعة وهم في طريق عودتهم عند قرية الشجرة.
بداية تنفيذ العملية
1- تحركت المجموعة عبر الوادي المؤدي إلى عين رافيد، وتحت ثيابهم البدوية أخفوا الأسلحة والمتفجرات ومن بين شجيرات الوادي الكثيفة وصلوا إلى موقع العين ونصبوا كمينهم الأول تحضيراً للانتقال إلى الموقع.
2- وعند حلول الظلام تم توزيع المهام فيما بينهم وأرسلوا أحد العناصر للاستطلاع ومراقبة الحراسة القائمة على موقع الهدف، وباشروا بتحضير المتفجرات والتأكد من سلامتها ومراجعة خطة التنفيذ بانتظار انقضاء منتصف الليل لحين عودة الراصد الذي أكد لهم أن الخطة المرسومة تسير على ما يرام وحدد لهم مواقع الحراسة القابعة في أماكنها لأن الليل كان بارداً جداً وأصبح الهدوء يسود المنطقة بعد نهاية الاحتفالات بقدوم العام الجديد.
3- وصول عناصر التنفيذ إلى موقع الهدف، واتخاذ المجموعة كمينها، واستحكام كل مجاهد حسب موقعه في خطة الهجوم، وقبل آذان الفجر كان مهندس المجموعة قد أتم زرع المتفجرات عند جدار النفق وبين المضخات وتوربينات الطاقة الكهربائية وقد حدد توقيت التفجير لينطلق بعد 45 دقيقة لكي تتمكن المجموعة من الانسحاب إلى المرتفعات شمال منطقة الهدف لمراقبة نجاح التفجيرات.
4- وصول كامل عناصر المجموعة، وبعد 10 دقائق دوى صوت الانفجارات عالياً وشاهدوا أنوار النيران المشتعلة بالمحطة، ويبدو أن الحراس قد أصابهم الفزع لمدة 20 دقيقة حينما بدأ صوت منبهات الإنذار يعلو وكان هذا مبشراً على نجاح العملية، وتمكنت المجموعة من التسلل عبر الوديان وخلف المرتفات من شمال دير حنا وأتموا مسيرهم حتى وادي عربة ومن خلف جبل البطوف تفرقوا للوصول بأمان مستغلين قلة حركة السير على الطرقات باعتباره اليوم الأول من السنة الجديدة.
5- نقطة الوصول عند موقع قرية الشجرة ليجدوا الدليل بانتظارهم وكان قد استطلع ما حدث ليلة التفجيرات وأخبرهم أن دوريات الجيش الإسرائيلي قد انطلقت من معسكر زيتيم باتجاه عيلبون، وبأن المروحيات العسكرية حلقت من معسكر يفائيل، فقررت المجموعة أن تتحرك بسرعة للوصول إلى قرية زبوبا شمال مدينة جنين وعند حلول الظلام وعند أول الشريط الفاصل بين الضفة وحدود الـ48 غادرهم الدليل لإخفاء الثياب والأسلحة وتفرقت المجموعة للعودة إلى قواعدها بشكل فردي، حيث أنهم لاحظوا أن الدوريات الأردنية شمال جنين قد ازدادت حركتها وتمكن ثلاثة مجاهدين من الوصول إلى قواعدهم سالمين باستثناء المجاهد أحمد الدلكي الذي علم لاحقاً بأنه استشهد.
خسائر العدو
حسب ما جاء على صفحات الجرائد العبرية بعد يوم من وقوع العملية في عيلبون ذكر الناطق الرسمي بوزارة الدفاع الاسرائيلية أن الانفجار قد عطل المحطة ودمر مجموعة الطاقة الكهربائية وأحدث التفجير فتحة كبيرة في جدار سد بحيرة الصلمون، وقد تبين بعد مدة أن تصليح الأضرار بالمحطة استغرق ثلاثة شهور. وكان رد فعل رئاسة الأركان الإسرائيلية كما ورد على لسان اللجنة العسكرية المكلفة بالتحقيق في عملية عيلبون أن رجال فتح قد نفذوا العملية بتقنية عالية وخبرة لا يُستهان بها وعليهم أن يأخذوا العبرة من تقدم أسلوب عمل رجال المقاومة وقد انتهت العملية صباح يوم كانون ثاني 1965.
وفيما يلي أسماء الذين اشتركوا في عملية نفق عملية عيلبون مع الشهيد أحمد موسى:
1- محمد عبد الله إبراهيم الدلكي (أبو يحيى)
2- حسن حميدي حسين السهو
3- الشهيد حسين نمور.
4- وحش إبراهيم الحمد
وفي حينها وقبل أيام قليلة من انطلاقة العمل العسكري لقوات العاصفة أشرف المجاهد ياسر عرفات على توزيع المجموعات الفدائية على دول الطوق (سوريا ــ لبنان – الأردن) تطبيقاً لمقولة “ينبغي ألا نضع البيض كله في سلة واحدة”، وترأس الشهيد محمد يوسف النجار القيادة العامة لقوات العاصفة لفترة مؤقتة ليقيم في لبنان قبل أن يتسلمها المجاهد ياسر عرفات(1).
وفي هذه الأثناء تلا صدور البيان العسكري الأول لقوات العاصفة، صدور البيان السياسي الأول لحركة فتح في 28/1/1965م، وقبل ذلك كانت حركة “فتح” تعلن عن نفسها عبر المذكرات التي كات ترفعها للملوك والرؤساء العرب في مؤتمرات القمة.
وفي هذا السياق، وأمام تسارع الخطى في نمو وتطور ظاهرة العمل الفلسطيني المستقل، وتعاظم خيارات العمل المسلح لم يعد ممكناً أمام التجمعات والكتل الحزبية الفلسطينية المنضوية في إطار الأحزاب القومية العربية أو المستقلة نسبياً عنها، سوى أن تبادر نحو تبني خيارات العمل الفلسطيني المقاوم الذي شقت دروبه حركة “فتح” وجناحها العسكري”قوات العاصفة”(2).
من جانب آخر وبحكم التداخل الكبير والمساحة المشتركة الواسعة التي تتحكم بالعلاقات والمصير المشترك، وبحكم موقع سوريا “الجغرافي والسياسي ” من القضية الفلسطينية، وفي سياق صراع الكتل العربية وحالة التنافس الحاد (البعثي ــ الناصري) آنذاك، فقد لعبت الساحة السورية دوراً رئيساً في تهيئة ميدان العمل لانطلاقة الرصاصات الأولى لقوات العاصفة، حيث زار دمشق أول وفد رسمي من حركة فتح في 7/5/1963م الذي ضم سبعة أعضاء، حيث استقبلهم وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت اللواء حمد عبيد، وأعطى في حينه توجيهاته بالموافقة على استخدام الأراضي السورية في الإعداد العسكري للعمل الفدائي الفلسطيني المسلح.
وشهدت الفترة ذاتها تعاونا بين القيادة السورية وحركة فتح توصل اليه كل من اللواء احمد سويداني رئيس هيئة اركان الجيش العربي السوري و المجاهد ياسر عرفات، وبموجبه تم رفد حركة فتح بالكفاءات العسكرية ممثلة بمجموعة من الكادر العسكري على رأسهم قائد الحرس القومي والقائد للجيش الشعبي في سوريا اللواء محمد إبراهيم العلي (أبو ندى) وبالكفاءات العسكرية الفلسطينية المنضوية في إطار الكتيبة الخاصة التي حملت اسم الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري التي التحق منها 30 كادراً في قوات العاصفة قبل وفور صدور بيانها الأول وفق الباحث يزيد صايغ، ومن الفلسطينيين المنضويين في إطار الكتيبة (20 حرس وطني) التي رابطت بعناصر على امتداد خط الجبهة بين سوريا ودولة الاحتلال من عرب الهيب والتلاوية وغيرهم، خصوصاً في المناطق المطلة على بحيرة طبريا من الجانب السوري كمناطق البطيحة والنقب وكفر حارب والتوافيق(3).
جرى اعتقال المجاهد ياسر عرفات وخليل الوزير وآخرون في سوريا في إبريل 1966م على أثر مقتل يوسف عرابي ومحمد ابو حشيمة، إثر محاولة نسف خط نفط التابلاين المار في أراضي هضبة الجولان السورية، وأودع سجن المزه العسكري، كما اعتقل في صيف عام 1966م في لبنان على رأس مجموعة فدائية من قوات العاصفة بعد عودتها من عملية عسكرية شمال فلسطين وذلك بعد دخولها الأراضي اللبنانية من قبل جهاز الأمن العام عند بلدة كفر كلا اللبنانية المجاورة للحدود الفلسطينية، حيث دام الاعتقال 45 يوما، بعد أن احيلت المجموعة الفدائية إلى مخابرات المكتب الثاني اللبناني ووضع قيد التحقيق من قبل الملازم أول “فريد أبو مرعي”، ليطلق سراح المجاهد ياسر عرفات والمجموعة الفدائية
نتيجة تدخلات كبيرة جرت من قبل العديد من البلدان العربية.(4) وتلى إطلاق سراح المجموعة، اعتقال عضوين من مجموعتين من قوات العاصفة لدى عودتهما إلى جنوب لبنان، من عمليتين فدائيتين شمال فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، فخضع كل من الشهيد جلال كعوش من مخيم المية مية لعملية تعذيب قاسية، استشهد جراءها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة الليرزة، حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية(5) فكان شهيد فلسطين وقوات العاصفة الأول فوق الأرض اللبنانية بتاريخ 9/1/1966م، واستشهد بنفس الطريقة رفيقه عطا أحمد الدحابره من مخيم عين الحلوه بتاريخ 14/5/1967م، وأحمد الأطرش استشهد في الهان بانفجار بتاريخ 28-2-1967م مع الشهيد منهل وجرح ابو علي اياد (6)، وبعد فترة قصيرة اغتيل في السياق ذاته الشهيد ابو علي المدني (أبو علي) أحد الكوادر البارزة في قوات العاصفة داخل منزل ذويه في مخيم اليرموك(7).
التحضير للانطلاقة الثانية لحركة فتح 28/8 – 31/12/1967م:
عقد اجتماع لحركة فتح في دمشق في 12و13/6/1967م ضم العديد من قادتها، للبحث في جدوى استئناف الكفاح المسلح (8)، واتفق المجتمعون على وضع خطة عمل للمرحلة القادمة، تضمنت الآتي:
1 ـ الانتقال إلى المرحلة الثانية من العمل متمثلة بحرب التحرير الشعبية، واتخاذ الإجراءات المناسبة فكرياً وإعلامياً وعسكرياً لتحقيق هذا الأمر.
2 ـ توطيد الحركة على مستوى الشعب الفلسطيني.
3 ـ تحقيق البعد العربي القومي للشعب الفلسطيني وقضيته من خلال إيجاد جبهات دعم لحرب التحرير الشعبية، وحماية الحركة من أعدائها، والاتصال بالحركات والقوى الشعبية العربية، وإيجاد كوادر الأنصار، والعناية بالاتحادات والنقابات العربية، لمناصرة أهداف الحركة.
4 ـ إقناع الحكومات العربية بحياد “فتح”، والاتصال معها للحصول على الدعم المعنوي والمادي غير المشروط، والسعي لإنشاء معسكرات تدريب سرية فيها.
5 ـ الاتصال بالحكومات الصديقة والحركات المناهضة للاستعمار في العالم لضمان دعمها والاستفادة من تجاربها.
6 ـ الاتصال بالأفراد والتجمعات العالمية المناهضة للصهيونية لكسب تأييدها، وطلب العون المادي والمعنوي من الحكومات والشعوب الإسلامية، والعمل على كسب الصحفيين والمفكرين فيها.
7 ـ الاتصال بعناصر من جيش التحرير الفلسطيني ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية لإيجاد تعاون وثيق ضمن أفكار الحركة، والتنسيق مع المنظمات الفلسطينية المستقلة الإرادة وعدم استعداء المنظمات الأخرى.
8 ـ تهيئة الأرض المحتلة للعمل العسكري من خلال: تخزين الأسلحة، رصد تحركات العدو، الاتصال بالوطنيين وتوجيههم، تهديد المتعاونين مع العدو، التعرف على آراء الجماهير الفلسطينية في مسألة استئناف المقاومة المسلحة للاحتلال، استطلاع مواقف العراق وسوريا ومصر والجزائر ومدى الدعم الذي سيقدمونه من (مال، سلاح، تدريب، وسائل اتصال لاسلكي، إعلام)، إقناع الذين تركوا الضفة الغربية بالعودة إليها، وتهيئة أماكن للاختباء بعيدة عن السكان.
وعلى ضوء ذلك كله، يحدد موعد مباشرة المقاومة المسلحة داخل الأرض المحتلة مع الأخذ بعين الاعتبار استمرار المقاومة من خلال السعي لـتأمين متطلباتها المالية والمادية.
9 ــ إمكانية تأمين إذاعة باسم الحركة لإثارة روح المقاومة في الأرض المحتلة ولتوجيه عناصر العمل العسكري فيها(9).
وقد شرعت الحركة في اتخاذ عدة إجراءات عملية منها:
ــ تفرغ محمد النجار وعبد الفتاح حمود وصلاح خلف للعمل الحركي.
ــ البدء في جمع السلاح من مخلفات الجيوش العربية في سيناء والضفة الغربية والجولان.
القيام بحملة جمع تبرعات من فلسطيني الشتات والبلدان النفطية، وكلف بذلك محمد النجار وكمال عدوان ومحمود عباس وخالد الحسن وسعيد المسحال.
توجه المجاهد ياسر عرفات على رأس مجموعة من الكوادر إلى الأرض المحتلة لدراسة الوضع عن كثب واستطلاع آراء كوادر الحركة هناك بشأن استئناف العمل المسلح، وتأسيس خلايا سياسية وعسكرية، وإنشاء مخابئ للأسلحة وقواعد ارتكازية.
ــ إقامة عدد من القواعد الفدائية على طول نهر الأردن وجنوب لبنان(10).
اتصلت الحركة بمصر فأيدت ذلك بدون تحفظ كما اتصلت بليبيا وتمكنت من جمع تبرعات بلغت 30 ألف دينار ليبي، واتصلت بالسعودية وأبدى الملك فيصل تأييده، واتصلت بالرئيس نور الدين الأتاسي لكنه حذرهم من مغبة هذه الأعمال وطلب منهم مهلة لالتقاط الأنفاس(11).
أما الموقف الأردني، فقد طالب كافة الدول العربية أن تتحمل المسؤولية إلى جانبه، وأن لا تقع التبعات التي تنجم عن العمل الفدائي على الأردن وحده، لأن قوته محدودة جداً بعد خروجه من حرب عام 1967م.
وفي أوائل تموز 1967م احتشد 35 شخصاً من فتح في منزل خليل الوزير بدمشق لمناقشة ما توصل إليه المجاهد ياسر عرفات وبعض زملائه الذين عادوا من الضفة الغربية وقدموا تقاريرهم، ومرة أخرى عارضت أقلية بدء العمليات العسكرية خوفاً من انتقام إسرائيل من السكان، بينما اعتبرت الأغلبية أن تلك العمليات سترفع معنويات السكان وتشجعهم على الصمود(12) وفي خطوة استباقية من المجاهد ياسر عرفات، أعلنت العاصفة أنها نقلت مقرها إلى الأراضي المحتلة في 3/7/1967(13) . وقد خشيت فتح أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة حديثاً ضمن تسوية مع الدول العربية لا تكون فتح شريكاً فيها ويستثنى منها الفلسطينيون كطرف مستقل. وتم التمسك بخطى الإعداد لانطلاقة حرب التحرير الشعبية في الأراضي المحتلة(14).
موعد الانطلاقة الثانية:
اسهمت عدة عوامل بتعجيل اتخاذ قرار الانطلاقة الثانية ومنها:
1 ـ تصاعد المقاومة المدنية ضد الاحتلال في الأراضي المحتلة والاعتصامات والعرائض.
2 ــ تدفق أعضاء جدد على الحركة مما جعلها تستنتج أنها أكبر منظمة فدائية فلسطينية(15) وكانت الحركة قد أعلنت عن حاجتها إلى متطوعين فتقدم بذلك (18) ألفاً من القاهرة ومثلهم من العراق وبلدان أخرى، لكن قيود الأنظمة العربية منعت هذه الآلاف من التطوع سوى المتطوعين من لبنان الذين اشتركوا فعلياً في العمل المسلح(16). كما لم تكن الحركة قادرة على استيعاب هذه الآلاف.
3 ــ كانت الحركة قد أرسلت مئات من أعضائها للتدريب في الجزائر ومصر وسوريا والصين الشعبية أثناء حرب حزيران 1967م، وبدأت هذه المجموعات بالعودة منذ شهر تموز 1967م وقامت (فتح) بدفعها إلى الضفة الغربية لتشكيل خلايا مسلحة محلية بما أسمته “فتح” (التعشيش) وبتوفر هذه الإمكانات البشرية، استعجلت “فتح” الانطلاقة المسلحة واتفاقها مع حركة القوميين العرب على تأجيل القتال حتى نهاية عام 1967م.(17)
4 ــ لا يمكن تجميد المنظمات والمقاتلين عن العمل بعد الدرجة التي وصلتها من التدريب والتنظيم وحشد السلاح لأن ذلك سيعرضها لمخاطر أكبر. لا سيما وأن العدو بدأ يشعر بوجود بعض القواعد السرية لفتح في الداخل(18).
5 ــ كان أعضاء فتح في الداخل قد طالبوا أن تبدأ المقاومة في 20/8/1967م ولكن قيادة فتح في الخارج كانت ترى التأجيل ــ (ربما بسبب مفاوضاتها مع حركة القوميين العرب ومراعاة لمطلب سوريا بالتأجيل ولاستكمال الاستعدادات ) ــ وهو ما يفسر قيام أعضاء فتح في قطاع غزة بالمقاومة المسلحة قبل اتخاذ قرار بالانطلاقة بأكثر من عشرة أيام(19)، الذين نفذوا عمليتين قبل الانطلاقة الثانية، الأولى في 15/6/1967م،والثانية في15/7/1967(20). وقد طالبت الحركة أعضاءها بالانتظار لحين اتخاذ القرار، فاجتمعت القيادة في دمشق في20/8/1967م واستعرضت تقارير المجاهد ياسر عرفات وآخرين من الأراضي المحتلة، وحددت موعد الانطلاقة ليتزامن مع انعقاد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم(21) في 29/8/1967م، فكانت الانطلاقة في 28/7/1967(22).
كل هذه الأسباب جعلت فتح تستعجل الانطلاقة، والواقع أن الحركة أدركت الأثر الذي يفعله العمل العسكري من رفع المعنويات ولذلك سارعت الحركة لكسب الجماهير المؤيدة للعمل العسكري، وفضّلت أن تعلن عن انطلاقة ثانية، في إجراء إعلامي دعائي.
التنفيذ:
دخل المجاهد ياسر عرفات الضفة الغربية في بداية تموز ــ يوليو 1967م خفية، ومعه بعض القادة العسكريين القدماء بأسماء سرية، وأقام في حي القصبة بنابلس، وكان يتنقل بين القرى بدراجة نارية ويشرف بنفسه على العمليات وعلى التدريب، وفي 1/9/1967م، وزعت القيادة العامة لقوات العاصفة منشوراً طالبت فيه السكان بتشكيل الخلايا ومقاومة الاحتلال، ودعتهم فيه إلى صنع قنابل المولوتوف ووضع الحواجز في الطرقات. ولتعويض النقص في عدد عناصر فتح شرعت في تدريب عشرات الشباب في سوريا وغيرها(23).
المجاهد ياسر عرفات في إحدى قواعد الكرامة
ولتسهيل عملية الاتصال بين القيادات المحلية في الضفة الغربية وبين الدوريات المطاردة التي كانت تتكون من 10 ــ 15 مقاتلاً استخدمت مناصرين
من السكان، وكثير منهم من النساء أمثال سهام محمد زكارنة(24).
وبواسطة هؤلاء المناصرين تم توفير المؤن من طعام ودواء ومأوى مؤقت، بالإضافة لاتصال الدوريات المطاردة بالقرى العربية في بعض الأحيان وبخاصة أن الدورية ضمت عناصر ذات قرابة وثيقة، واتخذت قواعد لها قرب القرى أو المدن التي ينتمي إليها بعض أفراد الدورية المطاردة كي تضمن الحصول على مؤن وعلى اتصالات موثقة(25).
وقد استطاعت فتح من إقامة قواعد الارتكاز داخل فلسطين وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي فلسطين المحتلة عام 1948م، وكانت هناك مجموعة قواعد:
1
بيت فوريك
7
الخليل
13
بني نعيم
19
العوجا
2
طوباس
8
طولكرم
14
بيت أمر
20
وادي القلط
3
التياسير
9
جنين
15
التعامرة
21
وفي قطاع غزة: غزة
4
أريحا
10
قلقيلية
16
الرشادية
22
خان يونس
5
نابلس
11
العروب
17
الدهيشة
23
رفح
6
القدس
12
بيت فجار
18
بيت لحم
24
المخيمات الشمالية والوسطى والجنوبية
وأقيمت الخلايا السرية في مناطق عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب وحيفا وعكا، والذي أشِرف على قواعد الارتكاز داخل الأرض المحتلة وخارجها المجاهد ياسر عرفات (أبو عمار) وكان على رأس هذه المجموعات كوادر من القادة الأوائل.
وقد تمكن العدو من معرفة بعض من يقدمون المساعدات من الأهالي لهذه الدوريات المطاردة وذلك عن طريق عملاء العدو، وبسبب تهور مقاتلي “فتح” بالعمل العلني أحياناً، ولسد الثغرة فقد أنشأت فتح دائرة لمكافحة التجسس.
ومما ساعد فتح على القيام بحرب العصابات في الأراضي المحتلة عدة عوامل، منها:
1 – عدم كفاية الترتيبات الأمنية التي اتخذها العدو في البداية وعجزه عن ضبط المناطق المحتلة الواسعة والحدود العربية ــ الإسرائيلية.
2 – اتساع قاعدة الثورة من خلال اشتراك أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة في مساعدة الفدائيين.
3 – نجاح الحركة في جمع كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة المتخلفة وراء الجيوش في حرب 1967(26).
4 – توزع سكان الضفة الغربية على أربعة مدن كبيرة ومئات القرى مما سهل حركة الفدائيين(27).
5 – توزع الجيش الإسرائيلي على مناطق واسعة، احتلها حديثاً بالإضافة للأراضي المحتلة منذ عام 1948م، الأمر الذي سهل على الفدائيين ضربه، وإرهاقه.
ــ ومهما يكن من أمر فقد فشلت فتح في إشعال الثورة المسلحة في الأراضي المحتلة ضد العدو الصهيوني ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها:
1 ــ الإجراءات الإسرائيلية المشددة في ملاحقة كل من يتعاون مع الفدائيين واعتقاله ونسف منازل ذويه(28) مما يعني فقدان “فتح” لمساعدة الأهالي تدريجياً.
2 ــ كانت القيادات المحلية في الضفة الغربية المرتبطة بالأردن تتوقع تسوية سياسية بين الأردن وإسرائيل لإنهاء الاحتلال لصالح الأولى، كما حدث في غزة سنة 1956، لذلك لم يكن هؤلاء يرغبون في عمل من شأنه أن يبدد احتمالات التسوية المرجوة، بل على العكس، فقد تعاون بعضهم مع الإسرائيليين لاقتلاع الفدائيين(29)، ونشأت فئات ذات مصلحة في استتباب الاستقرار ولو تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي، مثل بعض الزعامات التقليدية، وزعماء القرى كالمخاتير وفئة من تجار المدن الذين أرادوا الانتفاع بالانفتاح على الاقتصاد الإسرائيلي(30).
3 ــ عدم اتخاذ فتح الاستعدادات اللازمة لهذه المهمة قبل البدء بها بمدة كافية، أو تأخير الانطلاقة الثانية مدة كافية، فهي لم تنجح في إقامة شبكات فدائية تنظيمية في الضفة الغربية وغزة قبل احتلال 1967م.
4 ــ الترهل وضعف التنظيم الذي عانته الخلايا الجديدة بسبب السرعة في إعدادها وعدم الدقة في اختيار عناصرها، مما أدى إلى انفلاتها وعدم التزامها بأوامر القيادة في بعض الأحيان(31).
ويعود هذا الترهل وضعف التنظيم إلى عدة أسباب أهمها:
1 ــ عدم اتخاذ احتياطات كافية عند اختيار الأعضاء الجدد، مع التقصير في التوعية الأمنية، مما جعل بعضهم يتفاخر بعمله عند عودته إلى قريته، مع عدم توعيتهم بأساليب الصمود في التحقيق في حال الاعتقال.
2 ـ احتواء المجموعات العاملة على عدد من المناضلين غير المدربين جيداً سوى أسبوع أو أسبوعين مع الإهمال في النواحي الأمنية، كمعرفة كوادر المجموعات العاملة بأسماء جميع أعضاء الشبكات التابعة لهم، أو عدم التكتم على هوية المتطوع أمام زملائه في المجموعة(32).
3 ــ عدم التطبيق الجيد لدروس فتح التي أعدتها في مجال بناء الخلايا واختيار أعضائها. حيث أعدت الـحركة كراساً تحت عنوان (الخطوات الأساسية لتصعيد الثورة المسلحة في الأراضي المحتلة ). تحدثت فيه عن دور التوعية والتوجيه المعنوي الذي يجب أن يقوم به عضو الحركة عند التقصي عن أعضاء جدد، وأدوات هذه التوعية. وتحدثت عن التنظيم وكيف يتصرف العضو المكلف بتكوين خلية في الأرض المحتلة، وكيفية تكوين الخلايا هناك. ثم تحدثت عن التدريب على مهمات الاستطلاع وكيفية دراسة واقع الشعب في الداخل ومهمات النسف والتخريب، ومهمات القتال والنضال(33).
بسبب هذه المعوقات لم تتمكن فتح من إشعال حرب التحرير الشعبية في الأراضي المحتلة، كما كانت تريد، رغم أنها حققت بعض الإنجازات المهمة، وأهمها رفع معنويات المتأثرين بهزيمة حزيران 1967م من العرب والفلسطينيين على السواء.
4 ـ لاح تهديد أكثر خطورة بالنسبة إلى فتح نتيجة التدهور المفاجىء في علاقتها بسورية. ففي البداية بعد الحرب، سمح لفريق من فتح بالتجول في مرتفعات الجولان بحثاً عن السلاح والإمدادات التي خلفها الجيش السوري عند تراجعه السريع. واحتفظ الفدائيون بكل ما هو مفيد لهم، وسلموا الأسلحة الثقيلة وذخيرتها إلى السوريين، وصرحت فتح في وقت لاحق، أنها جمعت عدد كبير من قطع السلاح من مختلف ميادين المعركة، لكن القيادة العسكرية السورية غيّرت رأيها فجأة بعد أسابيع قليلة، وأمرت فتح بالامتناع من تجميع الأسلحة. كذلك أمر كل من رئيس الأركان، أحمد سويداني ورئيس جهاز الأمن القومي، عبد الكريم الجندي في ذلك الوقت، بمصادرة مخازن أسلحة “فتح” في عدة مناسبات “حفاظاً على الكرامة والسيادة السورية “. وكان وزير الدفاع، حافظ الأسد أكثر مرونة، إذ شجع “فتح” على العمل في الضفة الغربية وغزة (دون أن تعبر الخطوط السورية) وأعطاها كميات صغيرة من معدات القتال تسهيلاً لعملها هناك،كما وافق على إعطاء فتح أسلحة خفيفة من مخزون الجيش السوري في مقابل الذخيرة التي جمعتها من مرتفعات الجولان، ولا تقدر على الاستفادة منها، ومن أجل أن توثق “فتح” علاقتها بالأسد، زودته بتقارير الاستخبارات التي تصلها من الأراضي المحتلة بشان التوزيعات العسكرية الاسرائيلية.
إلا أن ساعة الحقيقة دقت عندما أبلغ أبو جهاد الوزير(34) وفاروق القدومي أحمد سويداني رئيس الأركان أن “فتح” تعتزم استئناف الهجمات الفدائية ضد إسرائيل، وانزعج رئيس الأركان كثيراً من هذا الخبر، وقام بتذكيرهما لائماً بأنه ” لا توجد دبابة سورية واحدة بين القنيطرة ودمشق “، وحذرهما من تنفيذ أي عمليات قتالية على جبهة الجولان.
وأضاف قائلاً:” أنا صديقكم، وأحذركم من أن الآخرين في القيادة السورية سيحملونكم المسؤولية (عن العواقب)”، واعترض زائريه قائلين: إن نشاط فتح سيتم في الأراضي المحتلة، فاعترض بقوله: “إن إسرائيل مع ذلك ستحمل سورية المسؤولية” وطلب منهما التريث إلى أن تستكمل استعداداتنا، “علماً بأن السوفيات قد عوضونا بأسلحة جديدة”، وتم استدعاء أبو جهاد الوزير وفاروق القدومي في اليوم نفسه لمقابلة وزير الخارجية، إبراهيم ماخوس، الذي أعاد على مسامعها الموقف نفسه، وكذلك فعل رئيس الحكومة، يوسف زعين. أما رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي، فأنهى حديثه معهما بتحذير شديد قائلاً: “إذا أصررتم على هذا النهج فإننا سنضطر آسفين إلى تصفيتكم.”وبدأت فتح نقل رجالها وسلاحها إلى الأردن بهدوء، لكنها توقفت بعد أن تم حل الأزمة في اجتماع بين حافظ الأسد والمجاهد ياسر عرفات الذي عاد من الضفة الغربية في نهاية شهر تموز.
فديمومة الثورة مرتبطة بالقدرة على امتلاك قاعدة آمنة كحد أدنى في البداية ومن ثم تطويرها إلى قاعدة ارتكازية،وعندئذ يمكن الحديث عن التخطيط وعن امتلاك أدوات حرب التحرير الشعبية ومن ثم خوض حرب الشعب، إن جيفارا العظيم لم يستطع أن يصنع ثورة بوليفيا لأنه فشل في إقامة قاعدة آمنة له. إن هذا الوعي النظري لمعنى القاعدة الآمنة كانت تعيه “فتح” كما كان يعيه أيضا “موشي دايان” الذي أمضى فترة طويلة مع القوات الأمريكية في فيتنام يدرس حرب الشعب والحرب المضادة لها والذي قال قبيل معركة الكرامة بكل وضوح ما معناه: “إننا لا نستطيع الوقوف موقف المتفرج من جيش من المخربين يتشكل على بعد عدة كيلو مترات قليلة من حدودنا.” وهو القائل أكثر من مرة: “إن الخطأ الامريكي في فيتنام هو أنهم بدأوا مقاومتهم للفيتناميين متأخرين”.
اختيار الهدف
منذ انطلاقة حركة فتح عام 1965م كثفت خلايا المقاومة عملها داخل الأراضي المحتلة عام 1948 من خلال تمركز عدة قواعد منتشرة لها في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة ونخص بالذكر تلك المتواجدة في محيط قرى نابلس من قرية سالم وبيت فوريك وبيت دجن وصولاً إلى عقربا وعورتا حتى روجيب.
وساعدت طبيعة الطريق الوعرة المؤدية نحو سفوح المرتفعات المطلة غربا باتجاه أريحا وضفاف نهر الأردن، على توفير ممر آمن بين عدة مغاور كانت تساعد عناصر المقاومة على سرعة التواصل أثناء عملهم واجتماعاتهم في تعبئة الكوادر الجديدة وتدريبها على أعمال المقاومة، حتى دخل الاحتلال الاسرائيلي عام5/6/1967م منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تجمد عمل المقاومة في الشهور الأولى منذ نهاية أحداث النكسة وقبل أن يمضي العام الأول للاحتلال أعادت حركة فتح ترتيب قواعدها داخل الأرض المحتلة وبدات تستعيد نشاطها من جديد، وبناءً عليه فقد أكدت التقارير الواردة من نقطة الرصد والمراقبة في منطقة نابلس تزايد حركة دوريات الجيش الإسرائيلي بين معسكر حوارة والقرى المحيطة به ما بين سالم و عقربا، علما بأن هذا المعسكر يقع جنوب مخيم بلاطة على الطريق الرئيس بين نابلس ورام الله، وقد أدت حركة دوريات الجيش الإسرائيلي إلى إعاقة نشاط العمل الفدائي الذي كان آخذا بالتنامي بشكل واسع فمنذ الاحتلال الجديد لأراضي الضفة تكثفت عمليات المطاردة والتفتيش عن رجال المقاومة وخاصة من كان منطويا في صفوف حركة فتح. وقبل أن تقرر القيادة تغير مواقع قواعدها داخل الأرض المحتلة والانتقال لاستراتيجية العمل السري، رأت أن تتوج عملها هذا بتنفيذ عملية فدائية لضرب حركة قوات الاحتلال المتزايدة بالذات في محيط معسكر حوارة داخل منطقة نابلس.
اعتمدت القيادة في حركة فتح التقارير الواردة من مصادر الرصد والمراقبة والتي تتتحدث عن خطة العدو لوضع نقطة مراقبة دائمة مشرفة على مخيم بلاطة.
وشرحت المعلومات حول خط سير دوريات الجيش الإسرائيلي التي تقوم بمرافقة وحراسة الآليات الهندسية العاملة يومياً منذ خروجها في الصباح من معسكر حوارة باتجاه مرتفع قرب روجيب، والعودة معها قبل ساعات المساء إلى المعسكر نفسه الذي تبيت فيه.
استناداً إلى ذلك قررت القيادة أن يكون الهدف المراد ضربه هو أحد موقعين ويتم التخطيط لتنفيذ أحدهما راجع على تقدير الموقف الذي تقرره مجموعة التنفيذ في حينه، وضعت الخطة الأولى لضرب الموقع المحدد بالنقطة رقم (1) وهو موقع مراقبة أقيم حديثاً على تل حاييم بين قرية روجيب ومعسكر حوارة، أما الخطة الثانية وضعت لضرب الموقع المحدد بالنقطة رقم (2) الذي تجري عليه الأشغال ليكون نقطة المراقبة الدائمة على مخيم بلاطة بالقرب من قرية روجيب.
اختيار مجموعة التنفيذ
اختارت القيادة العسكرية ستة مناضلين مختصين من ذوي الخبرة تم فرزهم من بين عدد كبير من المتطوعين للقيام بتنفيذ مهمات قتالية داخل المناطق المحتلة عام 1967م فقد كانت الهمم عالية والروح المعنوية مرتفعة وحب الفداء خالصاً للوطن اذ لم تمر شهور قليلة على أحداث النكبة الأليمة واحتلال الضفة والقطاع.
ونشير هنا الى أن القيادة ولأول مرة مهدت سراً استنفار كافة العناصر المتواجدة في محيط القرى القريبة من موقع الهدف وذلك تحسباً لأي طارىء.
في الأيام الأولى لشهر كانون الأول للعام 1967م انطلقت مجموعة تنفيذ المهمة للبدء بعملها حسب الخطة الموضوعة مسبقاً وتوزعت مهامهم على النحو الآتي:
أولا: يتوجه قائد المجموعة مع مساعديه عند الموقع (أ) حيث النقطة الميتة والمتواجد بها حقيبة مجهزة بالخرائط اللازمة ومخازن ذخيرة وعدد من القنابل اليدوية وبندقيتين آليتين من طراز كلاشنكوف.
ثانياً: تلتقي المجموعة ببقية عناصرها الأربعة المتبقية عند الموقع (ب) وتصبح المجموعة بكامل عددها وبكامل عدتها المكونة من بقية الأسلحة وهي عبارة عن قاذف بازوكا عدد اثنين، وحقيبة ذخيرة، وأربعة مسدسات براوينغ، ورشاشين كارلوستاف بكامل ذخيرتهم.
ثالثاً: تتوقف المجموعة عند الموقع (ج) لتوزيع المهام قبل المبيت وتجهيز الحراسة وإرسال العنصر المكلف بإجراء المراقبة والاستطلاع عند الموقع (د).
رابعاً: تتحرك المجموعة مع ساعات الفجر الأولى لليوم التالي لخط سير منفرد ومتتابع مجهزين بكامل عتادهم وعدتهم متبعين خطى الفدائي المكلف بالاستطلاع ومتجهين للموقع (هـ) واجتمعوا لاتخاذ قرار على أي من الهدفين يقومون بضربه وحينها سمعوا هدير مروحية قادمة من بعيد تقوم بعملية التمشيط قبل ساعات من تسير المعدات الهندسية باتجاه الموقع رقم (2) اتخذت المجموعة قراراً بتنفيذ الهجوم الذي بدا مع ظهور المروحية العسكرية فبادرتها المجموعة باطلاق قذيفة باوزكا أصابتها مباشرة واشتعلت بها النيران وتمايلت لتسقط بعيداً عن موقع المجموعة التي استعدت للانتشار خلف الصخور ، حينها تحركت دوريات الجيش الإسرائيلي بالقرب من الموقع رقم (3) ودارت معركة بكل أنواع الأسلحة التي تملكها المجموعة موقعة خسائر فادحة بين صفوف جنود العدو وتمكنت أيضاً من تدمير مجنزرة بقذيفة باوزكا وإصابة طاقمها، وازداد الخناق على أفراد المجموعة بقدوم مدرعات استعملت رشاشاتها الثقيلة ،وحينها سقط أول شهيدين من أفراد المجموعة البواسل وهما الشهيد “سعيد عريفة”، والشهيد “محمد خير خرطبيل” وجرح أيضاً المناضل غازي نايف غبن، وهنا قررت بقية المجموعة أن تنسحب مع الجريح قبل نفاذ الذخيرة إلى الموقع (و) وقد فضل المجاهدون أن يبقى في الموقع اثنان لمشاغلة دوريات الجيش وينسحب الثالث مع الجريح الرابع إلى الموقع (ي)، واستمر الاشتباك مع قوات العدو الذي عزز تواجده بدفع عدد كبير من جنوده من خلال انزالهم من المروحيات العسكرية، وزاد ذلك بقدوم عدد من المجنزرات المدرعة لحماية اخلاء جرحاهم وقتلاهم من ساحة المعركة وقد فاق عدد خسائرهم أكثر من ثلاثين إصابة بين قتيل، وجريح و تجاوز الاشتباك ساعات ما قبل الظهر عندما سقط المجاهدون الأربعة شهداء بعد أن خاضوا ملحمة بطولية جعلت الأعداء يصبون نار غضبهم على جثث الأبطال الستة؛ حيث جمعوهم في مكان واحد وقاموا بالتمثيل فيهم وتمزيقهم بالرصاص الحاقد وهم مذعورون من عدة هجمات جانبية قام بها الثوار الذين هبوا من بعض القرى المجاورة لنجدة إخوانهم لشدة ما سمعوه من أصوات انفجارات وهدير صوت المروحيات التي دأبت على تمشيط المنطقة بكاملها بنيران رشاشاتها الثقيلة.
وهكذا انتهت هذه العملية البطولية باستشهاد أبطالها الستة وهم:
1. سعيد عريفة.
2. خالد أبو سويد.
3. وليد زامل.
4. محمد خرطبيل.
5. مصطفى بخيت.
6. غازي نايف غبن.
وقد بلغت خسائر العدو بإسقاط مروحية ومقتل طاقمها وتدمير أربع آليات مدرعة وقتل وجرح ما يقارب الثلاثين جندياً إسرائيلياً.
وانتهى ظهر يوم 7 كانون اول 1967م المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، وكان لهذه العملية الأثر الكبير على معنويات السكان وزادت من صلابتهم رغم ظروف التفتيش والاعتقال والمتابعة لشهور بعد العملية ولكن ذلك لم يمنع بان العدو قد جمد لعدة شهور من حركة إقامته لمراكز المراقبة الدائمة وخفف كثيراً من تجوال دورياته بين القرى.
بيت فوريك الشامخة ــ بلدة من أكبر قرانا الفلسطينية في محافظة نابلس، تبعد شرقا عن مدينة نابلس نحو ستة كيلومترات، ومن مدخل القرية وحتى حدود التماس مع الأردن، تبعد حوالي 60 كيلو متراً وآخر حدودها مع الحدود الأردنية تبعد خمسة عشر كيلو متراً، هذه البلدة يبلغ عدد سكانها ثمانية آلاف وستمائة نسمة وتبلغ مساحتها ستة وثلاثون ألف دونماً، صادرت السلطات الإسرائيلية سبعة عشر ألف دونماً لإقامة مستوطنة “مخوارة” أطلق عليها عام 1974م بلدة الشهداء والمناضلين، قدمت البلدة 42 شهيداً وألف معتقل، الشهداء رفاق ” أبو عمار” الذين غادرو معه واستشهدوا في هذه البلدة التي أصبحت بعد التحرير “بلدية” بناءً على تعليمات المجاهد أبو عمار شخصياً لاهتمامه الشخصي بها.
القاعدة الآمنة:
ضمن استراتيجية تجنب المعارك الحاسمة جرى البحث عن قاعدة آمنة تحدثت عنها فتح: ” تجربة الشهور الماضية أقنعتنا بأن علينا أن نكتفي بما حققناه من نتائج وأن تنتهي مرحلة المشردين الهائمين بسرعة، لأن القتال بهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون استراتيجية طويلة الأمد، إذ أن الاستنزاف الذي يعاني منه كل المشردين الهائمين نظراً لعدم القدرة على التعويض السريع للخسائر، يجعل إنماء الذات أمراً صعباً”(1). وهذا القول يفسر دوافع الانتقال لهذه المرحلة أو هذا التكتيك، ويؤكد في نفسه الوقت عدم مقدرة فتح على خلق ثورة فلسطينية تتبناها كافة جماهير الأرض المحتلة، فتكون تلك الجماهير هي القاعدة الآمنة العريضة للثورة، وبسبب الفشل في تحقيق ذلك، أصبح مناضلو فتح في الأراضي المحتلة كالهائمين، مطاردين وبلا مأوى، وكان لا بد من اتخاذ خطوة جديدة لإعادة البناء واعتبرت هذه المرحلة من علامات النجاح “لكن الثورة يقاس مدى نجاحها وتقدمها، بقدرتها على تخطي مرحلة المشردين الهائمين والانتقال إلى مرحلة القاعدة الآمنة ” وتراجعت الحركة عن مفهومها لحرب العصابات واعتبرتها غير كافية للتحرير وأنه لا بد من إيجاد إدارة عسكرية تؤدي للتحرير، فقررت إقامة القواعد الآمنة في اغوار الأردن ” فقد أثبتت تجربة الأشهر الثلاثة أنه ليس بالإمكان أن نقيم قاعدة آمنة في الضفة الغربية.. فمن شروط القاعدة الآمنة.. أن يستطيع الثوار أن يعملوا بها علانية، وبدون انقطاع، وأن تكون في مكان وسط الجماهير، وفي تماس مع العدو، وأن يكون الدفاع عنها أمراً ممكناً. وأن الضفة الغربية هي ساحة القتال ولكنها ليست القاعدة الآمنة”(2). وهكذا قررت الحركة مع مطلع عام 1967م إقامة القاعدة الآمنة في الأغوار، وبدأت في الكرامة وغور الأردن(3).
ومرة أخرى اضطرت الحركة للعمل من فوق أراضي عربية معرضة نفسها للمضايقات وللشروط العربية والتدخل العربي، مما أفقدها القدرة على الاستمرار في عملها دون الاحتكاك بالدول العربية وخاصة المضيفة منها.
وفقاً لنظرية القاعدة الآمنة قامت فتح ببناء قواعد عسكرية ثابتة في غور الأردن مما أدى إلى: تزايد فاعلية الثورة، وتصاعد العمل الإسرائيلي المضاد(1)، فقد أعلنت فتح عن تنفيذ 68 عملية منذ مطلع 1968م وحتى معركة الكرامة، وكانت العمليات على النحو الاتي (2):
عدد العمليات
68 عملية
عدد قتلى اليهود
المحددين
98 قتيلاً
تدمير سيارات وآليات
58 آلية
عدد قتلى اليهود غير المحددين وبتقدير أدنى
142 قتيلاً بينهم 4 ضباط
تدمير مباني
18 مبنى على الأقل بينهم 3 مصانع
عدد جرحى اليهود المحددين
16 جريحاً
تدمير منشآت مياه
3 منشأة
عدد جرحى اليهود الغير محددين وبتقدير أدنى
179 جريحاً
تدمير منشآت كهرباء
3 منشأة
عدد شهداء العاصفة
20 شهيداً
تدمير دبابة
2 دبابة
جرحى العاصفة
5 جرحىً
تدمير منشآت نفط و غاز
2 منشأة
عدد أسرى العاصفة
اسيرين
اشتباك
7 اشتباكات على الأقل
ملاحظة: هذا الكشف لغاية 21 ــ 3 ــ 1968.
وقد ذكر سجل شهداء حركة “فتح” أسماء 37 شهيداً للفترة نفسها (1). مما يعكس مدى مصداقية البلاغات العسكرية للحركة. وقد دفعت هذه الأعمال، التي انطلقت في معظمها من الأراضي الأردنية، إسرائيل إلى اتهام مستمر للأردن بمساعدة الفدائيين، تبريراً للعدوان عليه منذ بدء انطلاقة العمل المسلح في الأراضي المحتلة على يد حركة فتح بعد حرب حزيران. ففي الفترة من 8 ــ 1967 – 31/12/1967م كان هناك 25 قصفاً متبادلاً بين القوات الإسرائيلية والقوات الأردنية، كل منهما يتهم الآخر بالبدء(2).
ومنذ أقامت “فتح” والفدائيون قواعد عسكرية لها في غور الأردن، ازداد القصف الإسرائيلي للأردن بشكل ملحوظ. في محاولة للزج به في المعركة وذلك بغرض إيجاد جهة رسمية يمكن تحميلها مسؤولية الغارات الفدائية التي تشنها “فتح” وغيرها، ففي الفترة من 11/1968 – 20/3/1968م كانت الخسائر على النحو الاتي :
عدد عمليات القصف المتبادل بين اسرائيل والأردن
41 عملية
خسائر مادية إسرائيلية اشتملت
تدمير 8 آليات + 17 دبابة + 6 طائرات
قتلى يهود
3 قتلى
جرحى يهود
4 جرحى
شهداء أردنيون
96 شهيداً بينهم حوالي 11 عسكرياً
جرحى أردنيون
127 جريحاً بينهم حوالي 31 عسكرياً
ووفقاً لتصريحات الناطق العسكري الإسرائيلي كانت حصيلة العمليات الفدائية من 1/1/1968 – 20/3/1968 كما يلي:
عدد عمليات فدائية
36 عملية
عدد قتلى اليهود
17 قتيلاً
عدد قصف أردني لإسرائيل
11 قصفاً
عدد جرحى اليهود
71 جريحاً
عدد قتلى الفدائيين
78 شهيداً
عدد قتلى أردنيين
18 شهيداً
عدد جرحى الفدائيين
62 جريحاً
عدد جرحى أردنيين
59 جريحاً
عدد أسرى الفدائيين
18 أسيراً
فإذا قارنا هذه الأرقام بتلك التي صرّح بها موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي في 13/2/1968م: ” أن خسائر إسرائيل بلغت 15 قتيلاً و 74 جريحاً منذ حرب حزيران ” وأنه يعتبر أن كثيراً من هذه الحوادث جاء نتيجة لتأييد فعلي للفدائيين من وحدات تابعة للجيش الأردني(1) فذلك يعني أن حصاد الثلاثة الشهور الأولى من 1968 تقارب حصاد ثمانية شهور منذ حزيران 1967م، أي أن العمليات تصاعدت بشهادة الإسرائيليين أنفسهم. في محاولة للزج بالأردن في الصراع والذي أصبحت تئن بسبب المستعمرات الإسرائيلية. ولذلك جاءت الإشارة إلى أن الأردن يساعد الفدائيين، وذلك تمهيداً لإجراءات عسكرية ضده كان منها أحداث يوم 15/2/1968م.
والواقع أن حجم الخسائر الإسرائيلية كان أكبر مما ذكرته المصادر الإسرائيلية، فهي دائماً تقلل من خسائرها لأغراض الحرب النفسية ضد العدو، وللحفاظ على صمود مستوطنيها ،وعلى هيبة الجيش الإسرائيلي، فبينما تعترف إسرائيل بـ 36 عملية ما بين 1/1 – 20/3/1968م و 17 قتيلاً و 71 جريحاً إسرائيلياً. تقول “فتح” أنها نفذت في الفترة نفسها 68 عملية وقتلت خلالها 142 إسرائيلياً (وهي الأرقام الواردة في بلاغاتها فقط ) بخلاف 98 قتيلاً يمكن تقديرهم كحد أدنى، و 16 جريحاً بخلاف جرحى آخرين لم تحدد عددهم يمكن تقديرهم ب 179 جريحاً.
الاستعدادات قبيل المعركة
ونلخص الموقف قبيل المعركة بالاتي :
توالت عمليات العاصفة في أيام 12و17 و23 و28 كانون الثاني من عام 1965م، وبعد أقل من شهر على انطلاقة “فتح” دخلت حركة الصراع الفلسطيني والعربي مع العدو الإسرائيلي مرحلة جديدة وصعبة دفعت بالموقف العربي إلى اتجاه يبتعد كثيراً عن تقديم الشكاوى للمحافل الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة وبعد البلاغ العسكري الرابع يوم 28/1/1965 أخذت الصحف الإسرائيلية تعترف لأول مرة بالعمل الفدائي الفلسطيني الذي أخذ يؤثر في الإسرائيليين فقالت صحيفة حيروت “إن تسلل عصابات عربية على رؤوسها صناديق الموت، هو أمر يجعلنا نتذكر عدد أولادنا وأفراد عائلاتنا، إن تصريح بن غوريون في أعقاب حملة سيناء عن تطهير الفدائيين اصبح أمرا مضحكاً، وعلى بن غوريون أن يراجع بيان الناطق العسكري”.
لقد اعترفت إسرائيل بأن الهجمات والعمليات الفدائية دمرت مضخات تحويل نهر الأردن ونفق عيلبون في سهل البطوف وهو أهم مراكز تحويل مجرى نهر الأردن واعترفت إسرائيل بتدمير أنابيب ومضخات توزيع المياه في النقب.
وعلى إثر هذا الاعتراف بعمليات العاصفة قام ليفي اشكول رئيس وزراء العدو باستدعاء السفير الأمريكي واروت باربور وبحث معه خطورة الموقف، ثم قام مردخاي كدرون مدير شؤون التسليح بوزارة الخارجية الإسرائيلية بتسليم أودبول رئيس هيئة الرقابة الدولية على الهدنة في فلسطين مذكرة جاء فيها : أن إسرائيل تعتبر الموقف على خطوط الهدنة موقفاً لا يطاق.
كانت إسرائيل حتى يوم الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني 1965م تقوم هي باعتداءاتها على الدول العربية المجاورة لفلسطين وتلجأ الدول العربية دائماً بالشكوى لمجلس الأمن إلا أن الصورة اختلفت في يوم 28/1/1965م ولأول مرة استطاعت قوات العاصفة أن اجبار إسرائيل على اللجوء إلى مجلس الأمن بالشكوى.
قبل هذه الفترة كانت قوات العاصفة قد قررت مضاعفة عملياتها العسكرية حيث قامت مجموعة من قوات العاصفة في 7/9/1966م بالدخول إلى مستعمرة كفاريوفال في الجليل الأعلى واشتبكت مع القوات الإسرائيلية في معركة ضارية وانزلت بالجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في الأرواح واستشهد في هذه المعركة الشهيدان: “موسى قاسم جمعه”، و “محمد يوسف حسن”.
واستمراراً لقرار التصعيد قامت وحدة من قوات العاصفة في ليلة 10/11/1966م بالإغارة على مستعمرة “شارياشوف” وتمكنت من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح أربعة آخرين.
وقد نظرت القيادة الإسرائيلية بمزيد من القلق إلى المستوى الذي وصلت إليه قوات العاصفة من التدريب وقررت الرد بشكل انتقامي ولكن على الجبهة الأردنية في الضفة الغربية في صبيحة يوم 13 ــ 11 ــ 1966 حشد اللواء المدرع الإسرائيلي السابع قواته على الحدود الأردنية، دخلت منه قوة بقيادة العقيد يواف شاهام مكونة من 400 جندي محمولين في عربات نصف مجنزرة و20 دبابة وانقسمت إلى قوتين.
اتجهت القوة الأساسية إلى قرية السموع(1) والأخرى ذهبت بإتجاه آخر بقصد التضليل. وتصدت لها كتيبة صلاح الدين الأيوبي التابعة للواء المشاة حطين من الجيش الأردني يقودها العقيد الركن بهجت المحيسن و تذرعت إسرائيل بوجود قواعد للمقاومة الفلسطينية في السموع. ودمرت أكثر من 150 منشأة مدنية منهم 120 منزلاً بصورة تدمير شامل وقتلت وجرحت 162 مواطناً وأصطدمت بهم القوة الأردنية في قتال شرس. أضطرتهم في نهاية ذلك اليوم للإنسحاب كما استطاعت حماية خروج الأهالي من القرية بأقل الخسائر الممكنة بالأرواح المدنية وقتل العقيد الإسرائيلي، وجرح قائد اللواء الأردني أثناء احتدام القتال(2).
وانفجرت بعد ذلك “حرب الإذاعات” بين الدول العربية وحدث التشهير السياسي والبيانات المضادة بين المحاور العربية التي كان كل منها يتهم الآخر بالتقاعس عن مواجهة إسرائيل. على هذه الصورة كان عام 1966م قد انتهى بعد ان أثبتت حركة “فتح” وقوات العاصفة وجودها العسكري والسياسي على الأرض وفرضت حركة فتح خطها السياسي ورؤيتها على خريطة الصراع العربي الإسرائيلي.
وبعد حرب عام 1967م لم تصمت إسرائيل طويلاً في وجه هذا التحدي الذي أعلنته حركة “فتح” و”قوات العاصفة” بل ردت إسرائيل على إعلان حركة “فتح” عن نقل قيادتها الرئيسة إلى داخل الأرض المحتلة وعن مباشرة قوات العاصفة لعملياتها البطولية ضد الكيان الصهيوني، قامت إسرائيل بتحرك عسكري سريع وواسع شمل الأرض المحتلة بأكملها فقد فرضت إسرائيل نظام منع التجول في مناطق عدة في الأرض المحتلة وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة. واستقدمت القوات العسكرية ورجال مخابراتها واستخباراتـها ونشرتـهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ولجأت إلى اعتقال المئات من المشتبه بهم في تعاونهم مع حركة فتح ثم عمد الجيش الصهيوني إلى تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مربعات لعملياته وأعلنها مناطق عسكرية وعمد إلى تمشيطها بانتظام من أجل كشف جميع الأماكن والمعابر ونقاط ارتكاز الفدائيين التابعين لحركة فتح بهدف مهاجمتها بطائرات الهيلوكبتر والقوات المحمولة جوا والقوات البرية.
وترافق الجهد الأمني الإسرائيلي الواسع داخل القرى والمدن والمخيمات وعلى الحدود مع الاجراءات الشاملة التي اتخذتها ضد المدنيين الفلسطينيين وخصوصا ضد التظاهرات والعصيان المدني ومع تشديد الحصار على الحدود إلى اعتقال أكثر من 1250 مناضلاً من حركة “فتح” وزجهم بالمعتقلات وكان ذلك حتى نهاية عام 1967م وتم في هذه المرحلة استشهاد 63 مناضلاً من قوات العاصفة أغلبهم من الكوادر والقيادات الفتحاوية من الصف الثاني (الإطار الثاني لحركة فتح) وتم تنفيذ 92 عملية عسكرية حتى يوم الكرامة وكانت فتح تقيم قواعدها الارتكازية داخل الأرض المحتلة وعلى طول الحدود في كل من غور الأردن وجنوب البحر الميت وجنوب لبنان(1).
وفي الوقت الذي بدأت فيه “فتح” تقيم وتنشئ قواعد ارتكاز جديدة في غور الأردن وخصوصاً حول مخيم الكرامة بعد أن تمكنت طلائعها بقيادة المجاهد ياسر عرفات “أبو عمار” من تركيز وجودها داخل مخيم الكرامة باتخاذ وخلق التلاحم القوي والفعال مع جـماهـير شعبنا هناك.
في ذلك الوقت بدأ العدو الصهيوني يتلمس خطر تلاحم جماهير شعبنا مع الثورة التي تقودها “فتح” وخطر تنامي قواعد “فتح” في غور الأردن وعلى طول الحدود مع فلسطين، الأمر الذي يعني انتشار الثورة أكثر وأكثر ومن هنا بدأ العدو يحضر للهجوم على قواعد رجال العاصفة الأبطال بهدف تصفيتها والقضاء على قيادتها وعلى الثورة الفلسطينية وأعلن عن ذلك بوضوح في تصريحات متعددة وتنال ايضا من الدور الاردني.
كانت تلك التصريحات بمثابة التهديدات لثورانا في غور الأردن والكرامة وتحديهم بصورة سافرة. فبدأ رجال العاصفة وعلى رأسهم المجاهد أبو عمار يدرسون ويناقشون تلك التصريحات جيدا ويدرسون الموقف السياسي والعسكري، حتى وصلوا إلى ثقة مطلقة وكاملة في تقدير الموقف بأن العدو خلال شهر واحد فقط سيهاجم الكرامة وبمنتهى العنف والوحشية، وبدأت القيادة الفتحاوية السياسية والعسكرية تضع الخطط العسكرية على أساس هذا الموقف وقامت القيادة السياسية والعسكرية باتخاذ عدة خطوات في مخيم الكرامة أهمها:
1 ــ إنشاء مواقع دفاعية استخدم فيها الإسمنت المسلح.
2 ــ إحاطة الكرامة ومواقع وقواعد الفدائيين بحقول الغام تحكمت في حجمها الإمكانيات المحدودة المتوفرة لفتح في ذلك الوقت ولقوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني.
3 ـ التدريب على حرب الشوارع التي تنسجم مع طبيعة شوارع الكرامة نفسها.
4 ـ اعتماد المجموعات ذات العدد القليل من 3 ــ 4 مقاتلين لمضاعفة إمكانات القوة المتوفرة لدى حركة فتح في ذلك الوقت من جهة ويقلل الإصابات من جهة أخرى.
5 ــ العمل على توفير أسلحة متنوعة من قاذفات RBG2 والغام ومدافع الهاونات 60/82 ملم والقنابل اليدوية داخل مخيم الكرامة.
6 ــ تركيز الاستطلاع والرصد داخل الأرض المحتلة لمتابعة تحركات الجيش الإسرائيلي وحشوده العسكرية.
7 ــ إقامة نقاط مراقبة أمامية على طول نهر الأردن وخصوصاً مقابل الكرامة.
إلى جانب هذه الخطوات العسكرية كانت هناك الاجتماعات اليومية لكوادر الحركة وقادتها ومقاتليها الأبطال من قوات العاصفة، يطرحون خطط العدو على بساط النقاش ويدرسون الخطط المضادة لها، ثمة سؤال طرح مرة واحدة فقط… هل نصعد الجبال وكان القرار الذي اتخذ بالإجماع هو الصمود والقتال والتحدي وجهاً لوجه مع العدو الصهيوني.وهذا كان يعني أن حركة فتح قبلت التحدي… ومضت الاستعدادات للمعركة سائرة على قدم وساق حتى يوم المعركة الخالدة.
الدوافع المباشرة للاعتداء الإسرائيلي على الكرامة في 21/3/1968م:
شرعت إسرائيل في تضخيم انفجار لغم بحافلة في جنوب النقب في 18/3/1968 وأعلنت أن الرأي العام فيها يطالب بالرد على هذا الحادث ولذلك أعلن رئيس الحكومة ليفي أشكول في الكنيست في نفس يوم الحادث (18/3/1968 ): ” إن الأردن لا يفعل شيئاً ليضع حداً لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه، والأردن مسؤول عن الخرق المستمر لوقف إطلاق النار والنتائج التي يمكن أن تسفر عن ذلك، وسنضطر نحن لحماية أمننا”(1).
وقد قتل في اليوم نفسه أيضاً جنديان إسرائيليان في اشتباك مع مجموعة فدائيين، وحذّر مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة من العواقب محتفظاً بحق الرد دفاعاً عن النفس، ومعتبراً هذا الحادث ذروة لحوادث انتهاك وقف إطلاق النار ولحملة إرهاب مصدرها الأردن، مذكراً بأن 36 هجوماً وعملاً فدائياً قد وقع منذ 15/2/1968(2) انطلاقاً من الأردن.
أدرك الأردن أن تسليط إسرائيل الأضواء على هذا الحادث وتقديمها مذكرة احتجاج لدى رئيس مجلس الأمن مؤشر لخطوات أكبر، وتمهيد لهجوم على الأردن. ولذلك بعث مندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة برسالة إلى رئيس مجلس الأمن ” أعلن فيها أن إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على الأردن، يمكن أن يؤدي إلى تجدد القتال في الشرق الأوسط ” مؤكداً خطورة الوضع وضرورة اتخاذ خطوات لتجنب الهجوم(3).
اختيار الهدف:
إن التحول الكبير الذي أحدثه احتلال إسرائيل عام 1967م للضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة على صعيد الحياة المدنية وتنقل السكان ما بين القطاع ومناطق الـ 48 مكَّن خلايا المقاومة من العمل بنشاط بين حدود قطاع غزة الشمالية ومدينة يافا القديمة والتنقل بهيئة صياديين للأسماك ذهاباً وإياباً بين المدينتين فقد تأكد لجهاز الرصد والمراقبة التابع لقواتنا العسكرية داخل الأرض المحتلة والعاملة ضمن نطاق هذه المنطقة أن موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي يتردد وباستمرار على مستعمرة حولون الواقعة جنوبي مدينة يافا وعلى الطريق السريع المؤدي إلى عسقلان وغزة وهي منطقة تمتد بانحدار نحو الشاطئ يتخللها بعض الهضاب الترابية تمر بمساحة واسعة عبر آثار بيزنطية قديمة.
تم خلال الاجتماع الخاص بين القيادة السياسية والعسكرية لحركة فتح استعراض هذه المعلومات المهمة الواردة لجهاز الرصد والمراقبة، وبدأت مناقشة طويلة لاتخاذ قرار بتنفيذ خطة عسكرية الهدف منها ضرب موشيه ديان في عقر داره، وتم الاتفاق لتحديد الموعد المناسب لاحقاً لتنفيذ العملية مع توضيح الظروف الملائمة التي لا تعطي الانطباع بأن الهدف منها هو الثأر من موشيه ديان بالذات، ولكن لأهمية وطبيعة المنطقة الجغرافية أعطى المجال لعناصر الرصد بأن تعيد رسم كروكية عسكرية لدراسة الطبيعية الجغرافية المحيطة بمنطقة الهدف وحتى تكون أصداء العملية حين تنفيذها تؤكد حق المقاومة الشعبية المشروعة ضد الاحتلال الاستيطاني لفلسطين وليس فقط عقاباً لمجرم الحرب موشيه ديان على جرائمه التي ارتكبها بحق شعبنا الفلسطيني منذ حرب 1956حتى 1967م.
قامت مجموعة الرصد والمراقبة داخل الأرض المحتلة بتنفيذ المهمة الموكلة لها بدقة ورسمت كروكية توضيحية لمنطقة الهدف تبين فيها أن المشار إليه بالرقم 2 هو أحد المكاتب التابعة لوزارة الدفاع والذي يتردد عليه باستمرار وزير الدفاع موشيه ديان، وحين عودته بعد الظهر يتخذ المسار المشار إليه بالرقم 3 للذهاب إلى الطريق المطل على الموقع الأثري البيزنطي المتواجد تحديداً جنوب تل يونس. وتأكد أيضاً لأفراد المجموعة أن هذه المنطقة الترابية أسفل المنحدر باتجاه البحر تجري عليها أعمال إنشائية تمهيدية من خلال حركة الجرافات العسكرية والشاحنات الكبيرة ولا يتواجد عليها حراسة مكثفة.
انعقد الاجتماع الثاني لقيادة الحركة لدراسة هذه المعلومات الجديدة الواردة من عناصر مجموعة الرصد والمراقبة حيث لمست القيادة تزامناً منطقياً مع المعلومات الواردة من الرصد الخارجي، وبالتحديد من المناطق الأوروبية، بأن إسرائيل تهيئ الظروف الدولية لاستقبال عدد كبير من المهاجرين الجدد وخصوصاً من الأعمار الشابة واجمعت القيادة على أن وزارة الدفاع الإسرائيلي تعد هذه المنطقة على الساحل الغربي لمستعمرة حولون لإنشاء موقع استقبال وتدريب خاص لمجموعات المهاجرين الجدد، وعلى إثر ذلك قررت القيادة اعتبار موكب موشيه ديان هو الهدف المتاح ضربه من خلال عملية تفجير عن بعد بواسطة الأسلاك لسيارته عند مرورها بالمنطقة المحددة بالرقم 3، و اعتبرت القيادة أن هذه العملية لها عمق استيراتيجي على الحالة النفسية المتصاعدة بالغرور بعد نصر إسرائيل في حرب الـ67 وأيضاً لأن موشيه ديان قد وسع من مهام رئاسة الأركان وأعطاها الضوء الأخضر لشن هجمات لاحقة لضرب قواعد حركة فتح على طول الجبهة الأردنية للضفة الشرقية لنهر الأردن وبعمق يصل حتى حدود مرتفعات جبال السلط وأطراف المخيمات الفلسطينية وذلك رداً على تصاعد العمل الفدائي داخل حدود 1967م ومناطق 1948م.
اختيار عناصر التنفيذ:
تكونت المجموعة من ثمانية أفراد من ذوي الاختصاص والخبرة في مجال التفجير إضافة إلى عناصر القتال وخبراء في الطرق والتسلل، وتوزعت المهام على النحو الاتي :
ــ المجموعة الأولى: ضمت عنصرين مجهزين برشاشين كارلو، ومناظير مهمتهم تأمين الاستطلاع المتقدم وتمهيد الطريق للدخول إلى منطقة الهدف من أسفل الجسر تحت الطريق السريع بين تل أبيب وعسقلان وبين (أ) و (هـ) مروراً بالطرق الفرعية بين الجهة الغربية لمستوطنة حولون حتى الطريق المؤدي إلى جنوبي تل يونس وصولاً إلى المنحدر موقع الهدف بين النقاط (ب) و (ج) و (د) على الطريق المطل شرقاً نحو الآثار البيزنطية.
ــ المجموعة الثانية: وتتكون من عنصرين مجهزين بمسدسات ورشاش “برن” مع حقيبة المتفجرات، ومهمتها زرع الألغام على الطريق المستخدم من قبل سيارات موشيه ديان وتمديد سلك التفجير بعيداً عن الطريق أسفل المنحدر عند النقطة (ج) وربطها بعلبة التفجير الكهربائي انتظاراً لساعة الصفر.
ــ المجموعة الثالثة: وكانت بأربعة عناصر مجهزين ببندقيتين سينوبال ورشاشين كارلو وعدد من القنابل اليدوية ومهمتهم تتلخص في تمركزعنصر متقدم عند النقطة (ب) لمراقبة الطريق ورصد الهدف وإعطاء إشارة التنفيذ لعناصر التفجير عند النقطة (ج) وتوزع باقي أفراد المجموعة الثلاثة عند النقطة (د) حيث يكون في الوسط حامل الرشاش وإلى جانبه اثنان من القناصة مجهزين بالقنابل اليدوية ومتهيئين للاشتباك والتدمير والحماية وذلك في حالة فشل التفجيرات أو وصول أي من دوريات الجيش الإسرائيلي للنجدة وأيضاً لتأمين انسحاب بقية أفراد المجموعة إلى النقطة (هـ).
عملية التنفيذ:
في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 20 آذار 1968م أُعطيت الإشارة من منطقة المراقبة (ب) تفيد باقتراب ثلاث سيارات جيب عسكرية نحو موقع التفجير، حيث قام عناصر التنفيذ بالضغط على علبة المفجر الكهربائي وعلى إثره أصيبت السيارة الثانية التي كانت بالوسط إصابة مباشرة وتم تدميرها وقتل مَنْ كان بداخلها من جنود.
ثم أصاب الانفجار الثاني مؤخرة السيارة الأولى ما أدى إلى انقلابها نحو المنحدر ولم يتبين مدى إصابة مَن كانوا فيها، أما السيارة الخلفية الثالثة فقد كانت إصابتها من الأمام خفيفة ما أدى إلى هروب أفرادها مذعورين وتم التعامل معهم من خلال مجموعة الاشتباك التي ألقت عليهم القنابل اليدوية وأمطرت بقية الجنود بوابل من رصاص رشاشاتهم حتى ساد المنطقة هدوء ولم يعد يسمع صوت طلقات من قبل جنود العدو سوى أصوات استغاثة وعويل من هول الصدمة، حينها قررت المجموعة الانسحاب سريعاً قبل وصول أي نجدات من دوريات الجيش الإسرائيلي، وتم لهم ذلك حين سلكوا الطريق التمويهي للانسحاب إلى المنطقة (هـ) وهي معاكسة لمنطقة الدخول وتمكنت المجموعة من العودة إلى قواعدها سالمة.
نتيجة العملية:
أُصيب وزير الدفاع موشيه ديان بكسر في يده اليمنى جراء انقلاب سيارته العسكرية إثر الانفجار، حيث اتضح أنه كان يركب السيارة الأولى وليس الثانية التي تم تدميرها بالكامل ومقتل جنودها الأربعة، وقد جرح سائقه، ونتيجة الاشتباك والتفجير وإلقاء القنابل اليدوية تبين أن خسائر العدو كانت بمقتل سبعة من جنوده وجرح اثنين، ولم تعترف مصادر العدو الرسمية بمقتل أي من جنودها أو إصابة وزير دفاعها حتى طالعتنا صحفهم الرسمية في اليوم التالي بأن الوزير موشيه ديان قد تعرض لإصابة طفيفة في يده إثر سقوطه عن سور قديم بينما كان يتفحص موقعاً أثرياً في منطقة تل يونس.
غربت شمس يوم 20 آذار 1968 وكان ذلك بفارق يوم واحد من وقوع معركة الكرامة حيث لم يتمكن وزير الدفاع موشيه ديان من الاشراف على جيشه الذي هزم وانسحب خائباً من أرض الكرامة دون تحقيق أهدافه بالقضاء على قواعد الفدائيين خارج حدود فلسطين.
يقول القائد صلاح خلف أبو إياد في كتابه” فلسطيني بلا هوية“(1)
“وكان مما يزيدنا شعوراً بالراحة هو أننا أقمنا قواعد فدائية قرب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يوفرون حماية مثلى لنشاطاتنا وجعلنا من إحدى القواعد القريبة من تجمع الكرامة مقر قيادة عملياتنا، وبما أنها كانت تقع بين تلال تبعد أربعة كيلومترات عن نهر الأردن فإنها كانت تحتل موقعاً استراتيجياً.”
وفي مطلع شهر آذار/مارس 1968م تلقينا رسالة من مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأردني هو غازي عربيات يلتمس فيها إجراء محادثة مع قادة “فتح” وقد ترددنا ، أنا والمجاهد ياسر عرفات، بادئ الأمر في إعطائه جواباً بالإيجاب، فنحن لم يسبق لنا أن قابلنا ممثلاً عن النظام الأردني، ثم إننا لما كنا نختلج بضرب من البراءة السياسية في تلك الحقبة، فإننا كنا نعتقد أن أي اتصال، سيكون محرجاً، بل غير لائق بحركة ثورية.
إلا أن الحاح عربيات دفعنا إلى أن نقبل في النهاية أن تجري المحادثة يوم 10 آذار/مارس 1968م في أحد منازل الكرامة، وقد أطلعنا عربيات على معلومات مصدرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي. اي. ايه) تفيد بأن إسرائيل سوف تشن هجوماً واسع النطاق على قواعدنا المقامة على طول نهر الأردن، ونصحنا من باب الصداقة بالتروي ودعانا للذهاب إلى عمان لمقابلة رئيس الأركان العامة “اللواء عامر خماش” الذي يود التباحث معنا حول هذا الموضوع.
وقد حدثنا اللواء خماش في يوم الاثنين 18 آذار/مارس 1968م بحديث أكثر وضوحاً وأشد إحكاماً، وأخبرنا أن الهجمة الإسرائيلية ستتم خلال الأيام الثلاثة المقبلة، وأن الحكمة تقضي بأن يتلافى الفدائيون أية مواجهة وأن ينسحبوا إلى داخل الأراضي الأردنية. ثم ألّح قائلاً بأن قيادة “فتح” ترتكب خطأً جسيماً إذا ما عرضت نفسها لضربات العدو، وأنه إنما ينبغي لنا أن نقي أنفسنا ذلك بأسرع ما يمكن.
كان اللواء خماش محقاً، في المطلق فالفدائيون بحكم قانون حرب العصابات، لا يخوضون معركة مع جيش نظامي، وفعاليتهم رهن بقدرتهم على الحركة، إلا أن اعتبارات سياسية دفعتنا إلى أن نخالف نصائح محدثنا. وقلنا له مفسرين: “أن الفلسطينيين، ثم أن العرب بصورة عامة، لن يفهموا أن نخلي الساحة مرة أخرى أمام الإسرائيليين، إن واجبنا هو أن نعطي الأمثولة وأن نبرهن على أن العرب أهل للشجاعة والكرامة، إننا سنقوض وسندمر، إذا ما أمكن اسطورة الجيش اليهودي الذي لا يقهر”.
وأمام تصميمنا ويأسه من إقناعنا، فإن اللواء خماش اقترح علينا أن نطلب مقابلة الملك حسين، فرددنا عليه دعوته بأدب متحججين بقلة ما تبقى لدينا من وقت لكي نستعد للدفاع عن قواعدنا على طول نهر الأردن.
ولدى عودتنا إلى الكرامة في اليوم نفسه استدعينا كافة المسؤولين العسكريين في المنطقة لنعلمهم بالهجوم الإسرائيلي الوشيك ولنطلب إليهم أن يقرروا ما إذا كان ينبغي تلافي المواجهة أم لا، ولم نشأ (عرفات وأنا) أن نؤثر في الحكم الذي ينبغي لهم أن يصدروه؛ ولذلك فإننا قررنا ألا نطلعهم على الرأي الذي أيديناه بحضور اللواء خماش، وكان النقاش مختصراً، فالجميع مجمعون على أنه لا ينبغي للفدائيين بأي حال من الأحوال، أن يتراجعوا أمام العدو، ولكن على أعضاء القيادة بالمقابل أن يغادروا المكان كإجراء أمني، إلا أن عرفات وفاروق القدومي وأبو صبري وأنا قررنا أن نشترك في المعركة، وتوزعنا في مختلف قطاعات الكرامة واستقر كل منا في مغارة على خاصرة التلال المحيطة بها.
وفي 21 آذار ــ مارس 1968م، أي بعد ثلاثة أيام من تحذير اللواء خماش أيقظني أحد الفدائيين عند الفجر ليعلمني ببدء الهجوم الإسرائيلي، كان في وسع المرء أن يميز أرتال مصفحات الجيش الصهيوني وهي تجتاز نهر الأردن تتبعها تشكيلات من المشاة وبدأت المدفعية بالقصف، بينما راحت الطائرات المروحية الهيلوكوبتر تلقي بالمظليين خلف خطوطنا، وهكذا فقد اندفع حوالي الـ15000جندي من قوات العدو للهجوم على قواعدنا على جبهة تمتد ثمانين كيلومتراً تقريباً.
إلا أنه كان بادياً أن الهجوم الرئيسى يتجه نحو الكرامة التي كان علينا أن ندافع عنها ،واستقبلت الدبابات الإسرائيلية في الكرامة باطلاق نار غزير من بنادق الأر بي جي وبوابل من القنابل اليدوية. وهبط الفدائيون من التلال ليخوضوا المعركة مجابهة وجسما لجسم أحيانا وبالسلاح الأبيض. وأبدى بعض منهم بطولة انتحارية فقد رأيت مثلاً أحد شبابنا من رجال الكوماندوز وهو يدمر دبابة بأن يًلقي بنفسه تحت زردها (جنزيرها) وقد لف نفسه بحزام محشو بالمتفجرات.
جيل النكبة جيل الثورة - ذاكرة الطفولة والوعي
هو في الواقع الجيل الذي أنتمي إليه، أمضى جلّ عمره في الهجرة، يحوم به الحنين على ديار الوطن في فلسطين القريبة روحاً والبعيدة جغرافياً. ومع مرور السنين كبرنا وكبر الحلم معنا، الحلم بالعودة.
فمنا من أصبح مهنياً أو تاجراً أو معلماً أو كاتباً أو مهندساً أو طبيباً إلا أنه ظل عاشقاً حالماً للبعيد، ودون أن يتخلى عن خصوصية اللقب الذي التصق به ” لاجىء فلسطيني” في دول الشتات.
ومن الحطام إلى القيام ارتسمت علامات المخيم الفلسطيني وفرادته، فبنى اللاجئون الفلسطينيون الذين “يتمتهم النكبة”. فلسفتهم الخاصة في حدود المخيم الفسيحة في عمقها، ومن رقعته الجغرافية الضيقة إلى الحدود اللا متناهية من التفاؤل والحلم المشروع فيما بدأ السلم الاستعماري حركته اللولبية داخل هذا المجتمع اللاجئ على يد النظام الرسمي العربي ومَن شايعه من الذين اعتقدوا بأن آلام الفلسطينيين ” مدخلاً لتجارة السياسة بدلاً من تهذيب ورقي السياسة” في بلاد وأحزاب عربية وفلسطينية حاكمة ومحكومة وغير حاكمة.
ومن مأوى الأجساد المتلاصقة في الشتات، وفي ساحات مدارس الأونروا المتراصة في مخيم الكرامة كما هي الحال في عموم المخيمات الفلسطينية في الداخل والشتات، امتلأت طرقنا المتعددة والمتجددة، المتنورة والمتطورة بنتاج الحنين والعصف والأنين. اقترن فينا الوعي بالفتوة النقية والرأي بالشجاعة، وفي السياق على طريق غد قادم يتجسد فيه حلمنا الفلسطيني المشروع.
في لحظات الحقيقة الفلسطينية، لم يكن من متسع أمامنا سوى أن نجبل هذا الوعي الطفولي مع البيئة المعاشة، ومع الهم الوطني في دوائره المتسعة، حيث التداخل البريء الصافي بين فكرة الانتماء الكلي الفلسطيني والعربي، و الفلسطيني والأممي، وبين العدالة المطلقة والعدالة في فلسطين وأي مكان في العالم.
إنها الفلسفة المعاشة، حيث الوعي ينمو من مخزون ذاكرة الطفولة وعيونها وإدراكاتها الأولية، إنه الوعي الفطري المسيج بالأفق القومي المنساب في بحر العطاء الإنساني، بينما راح تجار السياسة يمعنون في استغلال الألم الفلسطيني وتشظي الذات وجراح قاع الروح التي رسبت عبر عقود النكبة.
ذاكرة الطفولة لا تغيب عنها أبداً علاقات المخيم بالمخيم، لقد لعب الشتات في حياة شعبنا دوراً أساسياً في بناء صلات جديدة بين أبناء شعبناً، حيث تعارف الناس بعضهم ببعض، فقد تمكن ابن الشمال أن يتعرف إلى ابن الجنوب وابن الوسط أن يتعرف إلى ابن الساحل.
لقد اختصرت المسافات وضاقت المساحات، وراح الشباب من المناطق المختلفة ومن المشارب المتعددة يتعرفون إلى بعضهم، وعنوان أحاديثهم وسهراتهم وحواراتهم وتعارفهم هو الوطن، الغربة والحنين والمأزق والبديل. لا فرق بين اللاجىء في الوطن أو اللاجىء خارج الوطن فالكل في مأساة الغربة سواء، والكل في إحساس الضياع متساوون، والناس للناس وعلاقات أبناء القرية والبلدة والمنطقة اللاجئة من فلسطين بابنائها في المخيم تتوطد وتتزايد.
كان في سويداء قلبي من كل هذا المعمعان، وكانت جميع شرائح شعبنا ممثلة بهذا المخيم المناضل، سواء أولئك القادمين من المدن أو القرى. من أبناء يافا، وحيفا واللد، والرملة، وبيت دجن، وبيت محسير، والفالوجة، وأبو زريق، وأبو شوشة، وجمزو، وعجور ويازور، وعنابة، وعرب العمايرة، وأبو كشك، وبيسان، كلّ في تواصل وتفاعل.
ذاكرة الطفولة أشد التصاقاً وثباتاً في الوعي الأولي، وأكثر تأثيراً في الوعي الحاضر،حيث ترى كل أسماء الأماكن والمناطق في الوطن السليب مدونة على لافتات الدكاكين والشوارع في المخيم، في ساحاته وشوارعه ومدارسه، حيث اشتياق وحنين، وذاكرة الطفولة المحمولة في وعي أبناء مخيم الكرامة والمرسومة على أجساد غضة طرية بريئة.
عندما أنشيء “مخيم الكرامة” كما أسماه الملك عبد الله عام 1950 كانت جموع الجماهير من جيل النكبة تئن تحت وطأة حمل تنوء به الجبال، فكانت مؤسسات الرعاية الاجتماعية والإنسانية، مثل وكالة غوث الاجئين (الأنروا) تحاول رفع جزء من الأحمال المعيشية الثقيلة، فظهرت بطاقة الإعاشة للأنروا أو “الكرت الأزرق”، وبطاقة مؤسسة اللاجئين أو “الكرت الأحمر”.
عبد الرحمن الهباب أول مدير للمخيم، الرجل الاجتماعي المناضل المتواصل مع الناس كان لا يمل التردد على كبار السن يعطف عليهم ويقول جملته المشهورة: “ليس أمامكم سوى أن تعلّموا أبناءكم وتأخذوا أموركم بأيديكم وفي النهاية لن يكون الحق إلا لكم ومعكم”. وفعلاً كان هناك أربعة أسباب للاهتمام الفلسطيني غير العادي بالتعليم.
أ ـ تطور قطاع التعليم في بلدان اللجوء والدور الذي لعبته وكالة الغوث.
ب ـ استقر اللاجئون الفلسطينيون والذين معظمهم من أصل قروي في مخيمات قرب أو داخل المدن التي توجد بها مرافق متقدمة للتعليم.
ج ـ خسارة الأرض وشعورهم بأن التعليم سيقوم من الناحية الاقتصادية بالتعويض عنها جزئيا.
د ـ عدم وجود فرص عمل، وانتشار البطالة الامر الذي حد من ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس للعمل.
الرومانسية الحالمة التي شكلتها بدايات الوعي الطفولي تأثرت وتناغمت مع البيئة في الوسط الفلسطيني المجتمعي في المخيم بمناسباته العامة والخاصة وفي تراثه وفولكلوره الجميل المؤثر، الذي يبدأ من سرد يوميات النكبة والوطن الفلسطيني ومتوالياته، سواء في التجمعات و(القعدات) العفوية والمنظمة، وفي مقهى أبو عجوة، أو في مركز الشباب الاجتماعي مركز (الأنروا) لتعود ذاكرة الطفولة بنا إلى الماضي القريب فتطرب أذن الفلسطيني مع أهازيج الأعراس الشعبية، وصوت الحادي وألحان (الشبابة) التي يعزف عليها أبو علي المنسي.نتذكر الشاعر الوطني خليل زقطان(2) وحرارة أبيات قصائده، ونستذكر صوت القهوجي العبد نجاتي وهو يصرخ بأعلى صوته 6 شاي و2 قهوة وصلحهم، مع استذكارنا لصوت موزع الطحين والتموين في مركز الإعاشات أبو درويش التلاوي وهو يهتف بصوته العالي منادياً: أحمد علي فودة سبعة أنفار، فاطمة عياش أرملة نفران وتشاهد صبحية العون وهي تقوم بجمع بطاقات الإعاشة لجلب الحليب حتى تقوم بصنع اللبن منه ، هذه المرأة المناضلة رغم كبر سنها كانت تعيل عددا كبيرا من أولادها.
ويستكمل الفولكلور فينا إيقاعاته في النشيد الصباحي لطلبة مدارس الوكالة (الأنروا) عائدون، عائدون، إننا لعائدون….
من هذا الواقع بدأ شباب المخيم يبحثون عن حلم جديد ووسيلة جديدة تُبقي على قصص أهاليهم عن الوطن والأرض حية في ذاكرتهم؛ فكانت الحلقة الأولى الانتماء إلى الأحزاب والحركات السياسية التي ظهرت مع بداية الخمسينات ومن أبرز هذه الحركات (حركة القوميين العرب) التي حملت في شعارها شرارات التغيير.
لقد شكلت حركة القوميين العرب الجناح الثاني في الحركة القومية الفاعلة في المشرق العربي حضوراً وعملاً إلى جانب حزب البعث، كما شكلت الوعاء الحاضن الأكثر اتساعاً للفئات والمجموعات والأفراد من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات ومواقع اللجوء في البلدان المضيفة نظراً لعدة اعتبارات يقف على رأسها قدرة الحركة على التغلغل في أوساط اللاجئين من أبناء فلسطين، لا سيما أن العنوان الفلسطيني هو العنوان الذي تشكلت الحركة من أجله أساساً، بالرغم من حالة التنافس الحاد للحركة مع حزب البعث العربي الاشتراكي عربياً، إلا أن حركة القوميين العرب كانت الأوسع انتشاراً فلسطينياً، حيث استطاعات أن تؤسس إطارها بين جمهور اللاجئين الفلسطينيين وتحديداً بين أبناء المخيمات في الشتات والضفة الغربية وقطاع غزة، ومع ذلك احتفظت بنفوذ واسع في الشارع العربي.
لقد تجمعت نذر الثورة والمقاومة والتغيير داخل كل مواقع الشتات الفلسطيني في قطاع غزة، ولبنان وسوريا والأردن، فضلاً عن القدس والضفة الغربية، وشكلت أوساط اللاجئين الفلسطينيين حالة استقطابية فاعلة في ظل المد القومي الذي اجتاح المنطقة سنوات الخمسينات والستينات، لا سيما مع اندلاع ثورة الجزائر الكبرى عام 1954 واكتساح الخطاب الناصري ميدان الفعل والعمل الجماهيري إثر اعتلاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سدة الرئاسة في مصر.
لقد كانت حصة مخيم الكرامة من هذه الأحزاب حصة كبيرة، فكان هناك:
1 ـ حركة “الإخوان المسلمين”: أحمد خالد، ومحمود شاهين.
2 ـ حركة”القوميين العرب”: د. وديع حداد ــ د. توفيق رمضان ــ عمران الطرشة ــ ا. محمود الفجاوي ــ حسين طباخة ــ عمر الكلباني.
3 ـ حزب البعث: ا. سليمان الكعكوري ــ درويش داوود ــ زكي نصار.
4 ـ الحزب الشيوعي: محمد غيث ــ كامل المحسيري ــ يوسف عبيد ــ محمد صدقي ــ محمد الكواملة.
كان الكثير من قياديي حركة القوميين العرب بقيادة وديع حداد متواجدين بمخيم الكرامة بحكم المهمة أو الوظيفة، ونذكر منهم: د. توفيق رمضان، ومسؤول وكالة الأنروا “عمران الطرشة”، ا. محمود الفجاوي، وياسر الفجاوي، وعمر الكلباني، وحسين الأمريكاني. ونرى هنا أنه كان في المخيم قيادة فاعلة ومرموقة للقوميين العرب وكان المخيم بأغلب سكانه يميل لهذه الحركة، وكنت أنا وجميع أبناء جيلي بنسبة 60% بتقديري ممن انضموا إلى صفوف حركة القوميين العرب.
وبدأ التناحر بين هذه الأحزاب وبدأت حالة من التنافس الجديدة تلوح بين حركة القومين العرب وجماعة الإخوان المسلمين، وكان التنافس شديد بين الحركتين، ولأن أكثر مدرسي وموظفي وكالة الغوث (الأنروا) كانوا من حركة القوميين العرب فلقد كان التنظيم يحظى بالأكثرية في المخيم، خاصة أن الشباب كان يحتك كثيراً بموظفي أو مُدرسي الوكالة سواء في توزيع المؤن، أو مجال التدريس. وكان من بين الحزبيين ا. سليمان الكعكوري صاحب الدور المميز في تعبئة الشباب الصاعد والأكثر اجتذابا لهم، وكان النصر من نصيب حركة القوميين العرب.
بدأت مسيرتنا كشبيبة في هذه الحركة وكان لي بين أقراني نشاط مشهود وحركية لم يحد منها صغر السن بل كان من عوامل اشتدادها وتميزها.
يشدنا الحنين نحن أبناء الكرامة إلى محيطنا في المزارع القريبة، ومنطقة الكرامة امتداد طبيعي لمنطقة الشونة الجنوبية، فكنّا نتسلل إلى مزارعها التي هي من أملاك عائلة العدوان، وهي عائلة متجذرة قديماً في هذه الأرض، عائلة كريمة استقبلت أفواجاً من اللاجئين عام 1948م وعملوا في المزارع وبعضهم استقر بها.. واستقبلوا أيضاً نازحي عام 1967م حيث تتوسط الشونة الطريق إلى السلط ــ عمان.
وعندما انطلق العمل الفدائي تولى عدد من رجالاتها العناية بالفدائيين، وأذكر من هؤلاء الرجال المميزين المختار أبو عامر، كان رجلاً دمثاً.. كريماً.. مرحاً لا يترك في نفسك شعوراً بالتعب والقنوط، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويراقبها ويضعها في مقامها.. هكذا كان أبو عامر الرجل القوي.. وأذكر أننا كنا في الانتخابات النيابية ننتخب نائب العدوان عن المنطقة، وكان المرشح يؤمّن المواصلات.. وتغطي ساحات الشوارع في الكرامة والشونة اليافطات الكبيرة، وكانت في حفل بهيج هذا الواقع خلق تحالفاً صامتاً بين عشيرة العدوان وسكان الكرامة.
“فتح” والاشتباك مع العدو الإسرائيلي:
جاء في أحد الأيام صديقي خالد وأحد أفراد تنظيم خليتنا في حركة القوميين الذي كان يعمل في سد زقلاب (وقاص) ليخبرنا أن هناك مجموعة فدائية تسمي نفسها (فتح الإسلام) تتسلل من سوريا لتقطع نهر الأردن غرباً متوجهة إلى الأرض المحتلة، وتقوم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد العدو وتعود للضفة الشرقية. أثارنا الأمر كثيراً وحرك فينا الحلم والأمل والرغبة في العمل اللإيجابي فطلبنا من سعيد فودة أحد زملائنا في حركة القوميين العرب الذي درس القانون في جامعة دمشق، أن يسافر إلى دمشق للسؤال والتعرف على تلك الجماعة وكان ذلك في منتصف العام 1965م.
ذهب الأخ سعيد فودة(3) إلى دمشق والتقى عدداً من قيادات “فتح”، ثم عاد ليخبرنا بفرح بأنهم تنظيم وطني يضم عدد كبير من الفلسطينيين الوطنيين ويسعى لتحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح من خلال تنظيم كافة قطاعات الشعب وطلائعه في حرب شعبية طويلة الأمد.
علمنا حينها أن أبناء أبو سردانة وهم: أحمد صالح أبو سردانة الملقب (أحمد نفيسة)، ومحمد صالح أبو سردانة (أبو راشد) من بلدة الفالوجة وهم من أعز أصدقائي ــ كانوا منظمين بحركة “فتح” سراً، وكانت موكلة لهم مهمة دقيقة هي رصد الطريق الواصل من الضفة الشرقية للأردن” للعبور” إلى الضفة الغربية عبر نهر الأردن، وذلك عبر منطقة الكرامة، ولأن أبناء أبو سردانة كانوا صيادين يقومون بصيد الأسماك من نهر الأردن، فكانت مهمتهم ذات تغطية مناسبة وغير مكشوفة.
حينئذ حسمت أمري وقررت الانتماء إلى حركة ” فتح” وكان ذلك في 1 ــ 1 ــ 1966 وهكذا مزجت القول بالفعل وتناغمت مع إرادة المبادرة والحركة التي كنت أسعى لها ولم تتوقف عند حدود الحنين والحلم، فالتقيت بأولاد أبو سردانة وتكاشفنا معاً بعد أن عرفت انتمائهم وشرحوا لي طبيعة مهمتهم.
منذ ذلك الوقت بدأوا يستعينون بي وبعدد من الإخوان، حيث تم تكليفنا بالتمهيد لإقامة قواعد في المنطقة التي تمتد من الشونة الجنوبية إلى الشونة الشمالية، انتقلنا جميعاً من حركة القوميين العرب إلى عضوية حركة “فتح” وكنا خمسة وستين عضواً، وبدأنا فعلياً في إنشاء قواعد لحركة فتح على طول هذا الخط الحساس، وساعدنا في مهمتنا أن الكثير منا كانت لهم علاقات جيدة مع أصحاب المزارع، ومع عمال مضخات (ماتورات) المياه، ومع سائقي الآليات العاملين في المشاريع الإنشائية في المنطقة مثل سد الكفرين وسد زقلاب.
ومن أولى مهامنا كان الذهاب إلى أصحاب المزارع المتواجدة على نهر الأردن ومحاولة تنظيمهم، وفعلاً نجحنا في تنظيم الكثير من أصحاب المزارع والبعض الآخر من العاملين فيها ومنها مزرعة عوض الغزاوي ــ مزرعة حسين جبريل ــ وهي من أوائل المزارع التي قمنا بتنظيمها، ومن ثم مزرعة محمد عبد الفتاح العتال وأولاده ــ مزرعة محمد أبو راس ــ مزرعة الجريري ــ مزرعة أبو مشرف ــ مزرعة محمد الناصر العامل فيها خميس فودة ــ مزرعة فايز طوطح العامل فيها صلاح فودة ــ مزرعة سنقرط ــ مزرعة الحاج يوسف ــ مزرعة قطان والعاملين فيها عقل حمودة وحسين غزالة ــ مزرعة مسعود وعطية العامل فيها أبو حسين الضيف. ومن ثم توجهنا إلى مدارس وكالة الغوث (الأنروا) وكانت مدرسة البنات وسط الكرامة حيث كانت مديرتها وجدان عويضة ومدرسة البنات مقابل مركز التموين وكانت مديرتها خالدية العلمي، ومدرسة ذكور الكرامة كان مديرها محمد النونة، من أجل تنظيم أكبر عدد من العاملين والطلاب في هذه المدارس.
كانت تربطني علاقة صداقة عائلية مع الدكتور توفيق رمضان الذي كان طبيباً في وكالة الغوث ويعتبر من قيادة “حركة القوميين العرب” البارزين، وفي بيته تعرّفت على الرائد فايز عبد المجيد الملقب “بالرائد خالد” وبدأت العمل معه مباشرة، ولا بد أن أذكر بأن الرائد خالد كان من خيرة القادة الذين تفتخر أن تعمل معهم، فقد كان قائداً متميزاً، مخلصاً، متفانياً. شهماً وعلى قدر عال من القدرة والأخلاق.
وبدأنا بتنظيم الشباب وإرسالهم للتدريب في معسكر الهامة(4) بسوريا، حيث أرسل من تنظيم جبل عمان حي المصاروة أكثر من 55 شاباً للتدريب في دمشق وبعد تدريبهم عادوا لمنطقة الكرامة.
واخذ تنظيمنا المسمى بـ”تنظيم الكرامة” وهو بالأصل من سكان بلدة الكرامة وسبق أن شرحت عن وضعه في تقديم كل ما تطلبه الحركة في منطقة الأغوار سواء من تركتورات لنقل المياه للقواعد أو لحفر الخنادق، وقام شبابنا بجهد كبير في حفر الخنادق وذلك لامتلاكنا بعض الآليات الثقيلة وغير الثقيلة ولمعرفتنا في المنطقة معرفة جيدة لأننا من سكانها، وكانت قاعدتنا وحلقاتنا عند دكان ” خليل عليان ” الملقب (أبو الشيخ) والمذكور كان من طلائع تنظيمنا “الكرامة” .
وبناء على طلب القائد أبو صبري حيث كان المسؤول عن إنزال الدوريات من الضفة الشرقية للأردن إلى الضفة الغربية لفلسطين بتأمين جميع حاجيات الدوريات من وصولهم وحمايتهم، طلب منا إحضار بعض الحبال لنقوم بربطها على ضفاف النهر وكان يسمى نهر الأردن بهذه المنطقة عند الفلاحين والمزارعين ” الشريعة” حيث يكون الحبل واصل ما بين الضفة الشرقية للأردن إلى الضفة الغربية لفلسطين حتى يتمكن من يقومون بعبور النهر بالإمساك به ــ خاصة وأن النهر في طقس الشتاء كان يرتفع منسوبه وسرعة جريانه وكان يشكل خطراً كبيراً على دورياتنا ــ ومن هذه المنطقة انطلقت المجموعة التي نفذت عملية بيت فوريك الكبرى 7 ــ كانون الأول 1967م.
(5).
إن خطة فتح كانت عملية إعادة البناء في الداخل تتطلب وجوداً قوياً داعماً في الخارج، وقريباً من خطوط الاختراق، وذلك للنقل السريع للمقاتلين والمعدات، بدلا من إرسالهم من سوريا إلى الأردن بدون دعم حقيقي لنقلهم إلى الداخل، وكان من بعض المسؤولين لهذه القواعد:
1 ـ الحاج اسماعيل ـ كانت قاعدته تجمع مَن حضر من الشام ولبنان للتدريب والتحضير للعبور للضفة الغربية.
2 ـ وليم نصار ـ كان يحضر ليرأس دورية للداخل.
3 ـ صلاح التعمري ــ كانت قاعدته تجميع أكبر عدد من الاشبال لتعبئتهم وتدريبهم، وكانت مهمته الأولى تعبوية أكثر منها عسكرية.
4 ـ قاعدة عبد الله الاتيري ــ كانت مهمة هذه القاعدة إرسال المقاتلين إلى الأرض المحتلة وخاصة لمنطقة نابلس.
وجاء أبو صبري بعد عودته على رأس دورية كانت عائدة من الداخل من بيت فوريك وكان تنظيمنا يقوم برصد ومتابعة جميع الوافدين من الضفة الغربية حين اتضح لنا أن الجيش الأردني قام ببناء جسرين عسكريين: جسر أسماه (المندسة)، والجسر الثاني أسماه (أم الشرط) وهما جسران عسكريان، وقد قام الجيش الأردني بتدميرهما أثناء حرب 1967م وبقيت بعض أجزاء من هذه الجسور، بحيث أن كثيرأ من الأشخاص العاديين كانوا يقومون بالتهريب عبر هذه الجسور ــ فكنا نرصد هذه الجسور، وذلك بناء على طلب الأخ أبو صبري، حيث أن هناك الكثير من الكوادر قاموا بالعبور للضفة الغربية عبر هذه الجسور، ومع تطور الوجود الفدائي في منطقة الأغوار بدأ الناس يحسون بأن احتمالات القضاء على الفدائيين وقواعدهم الناشئة في الأغوار قد تراجعت وانحسرت واعتبروا هذه التطورات انتصاراً رمزياً لصمود الفدائيين، ولهذا بدأت حركة تطور واندفاع نحو الانضمام للثورة وتزايد عدد المتطوعين يوما بعد يوما كما جاء الأخ أبوعمار وأبو صبري بزوارق حديثة من لبنان حيث بدأت تنقل الدوريات بشكل مستمر.
وأذكر في مرة قام الأخ أبو صبري بإحضار زورق صغير وكان يتسع ما بين 2 إلى 3 أشخاص، وكان أول زورق تقوم حركة ” فتح” بتجربة نقل الدوريات عبره، وأذكر أن بعض الكوادر الذين عبروا من خلال منطقة الكرامة منهم وليم نصار والأخ الشهيد (حمدي) وكان ذلك في الثلاثين من كانون الأول سنة 1967م.
رجــال الكرامــة
في ذاكرتنا رجال، قادة، مشاعل ورموز على طريق الحرية، صناع أوقات الفخر والاعتزاز لأمتنا، قدموا أرواحهم قبل أي شيء، وبإيمان عميق أن النصر آت اجتمعوا طلاباً، والتقوا مهندسين وأطباء ومعلمين وقضاة وتجار.. تفرقوا في أركان الأرض، واجتمعوا ثانية لينيروا الطريق الواصل إلى قلب الوطن.. تركوا مباهج الحياة، وأنانية الامتلاك، ورفاهية الأحلام وقرروا استعادة حقهم في وطنهم الذي شردوا منه، وعاشوا مرارة اللجوء والتشرد واليتم، واضطهاد القريب قبل البعيد، أرادوا إعادة الحلم الكبير إلى الواقع.. وسقط الشهداء منهم عشرات.. مئات.. آلاف.. ولم يبق شبر من أرض فلسطين وما يحيطها إلا وارتوى بدمهم، لا يمكن تعدادهم.. ولا تصوير أحلامهم.. وقصص استشهادهم.. وآمال ذويهم. مشاعل لا تكفي كل الكتب من تدوينها، وبقي القليل من هؤلاء الرجال القادة بعدد أصابع اليد.. وما زالوا على الطريق.. ونذكر هنا قادة معركة الكرامة على سبيل المثال لا الحصر ضمن بوتقة الذاكرة، هؤلاء الذين أعدوا القواعد الارتكازية وجهزوا الإمكانات ولو المتواضعة للمقاتلين.. للفدائيين.. الذين عاشوا مع المقاتلين في خيامهم وتحت أشجار الموز والزيتون في المغاور والكهوف.. على امتداد غور الأردن بضفتيه الشرقية والغربية.. وهؤلاء هم: المجاهد ياسر عرفات.. الذي عرف بعد معركة الكرامة (بأبي عمار)، وصلاح خلف (أبو إياد)، وممدوح صيدم (أبو صبري)، وفاروق القدومي (أبو اللطف)، وعبد الفتاح الحمود (أبو صلاح) وخليل الوزير (أبو جهاد)(6).
كانوا يتوزعون الأدوار، ولكل منهم مهمته.. وعلى صلة بكل فدائي.. يرسمون الخطط والخرائط.. ويناقشون المهمات الفدائية والإمكانيات والطرق.. بل وكانوا ينقلون من مواقعهم إلى مناطق الأهداف.. ويدرسون نتائج المعارك..
عندما حضر الأخ أبو عمار إلى الكرامة.. اتخذ من منزل محمد تيم ــ من بيت محسير ــ مقراً له، حيث كان يتواجد به الرائد خالد، وكان المنزل عبارة عن غرفة عمليات، وفيها تجتمع القيادة المكونة من الإخوة أبو إياد وأبو اللطف، وأيضا الأخ أبو صبري، بحكم أنه كان قائد لمنطقة الأغوار، ولا تذكر معركة الكرامة إلا ويُذكر معها القائد الشهيد ممدوح صيدم (أبو صبري)(7) الذي تميز بعطائه وجلده وقدرته على التحمل، كان يعتني بكل خلية في الأرض المحتلة، وبعناصر كل قاعدة على الضفة الشرقية، يشرف على إرسال المجموعات التي تدخل إلى الأرض المحتلة، بل ويشارك في إيصال بعضها… وكان له دور كبير في عملية بيت فوريك. وعند بداية معركة الكرامة كان الشهيد قد قام بتوزيع المجموعات وإعطاء الأوامر لها مع الأخ أبو عمار.
وبحكم أن الأخ أبو عمار لم يكن يحب المكوث في مكان واحد أخذ من منزل يوسف عبيد الملقب (وفا) قيادة تبادلية له، وفي كثير من الأحيان كان ينام في هذا الموقع. كان الأخ أبو عمار حريصاً كل الحرص على زيارة كل القواعد التابعة لحركة فتح، والاجتماع مع قادتها ومقاتليها، ويرافقه في هذه الزيارات الإخوة أبو إياد، وأبو اللطف، وأبو صبري.. كان يخاطب المقاتلين ويقول..” إن حركتكم وضعت خطة تقوم على أساس البدائل المتوقعة في لحظة الصدام.. ويتساءل: هل ستكون “فتح” وحدها في المعركة.. أم ستشترك معها قوى أخرى.. وكما ترون يا أخوتي إن الصف الأول لقيادتكم رفضوا المغادرة.. وكذلك جميع المسؤولين العسكريين… إن العدو يهدف إلى تدمير ثورتكم والقضاء نهائياً على شعلة الكفاح في شعبكم.. ولهذا قررنا أنا والأخ أبو إياد وأبو صبري وأبو اللطف أن نستشهد سوياً أو ننتصر سويا.. وبعد شرح الموقف.. أخذ يحثهم على القتال والمواجهة ومقاومة أي عدوان تتعرض له المنطقة”.. وكانت له مقولة شهيرة “ستدخل الكرامة التاريخ.. وستكون الكرامة ستلنغراد الثانية.. وهي بدر الأولى لحركة فتح.. وإنني أرى النصر في عيونكم”
وكانت القيادة تتوقع هجوماً عسكرياً عنيفاً وشيكاً، وخاصة بعد المعلومات التي أوردها رئيس الاستخبارات العسكرية الأردنية، ورئيس هيئة الأركان، وكذلك المعلومات الواردة من الحشودات الإسرائيلية التي كان ينقلها القادمون من الضفة الغربية.. بالإضافة إلى الإعلانات الإسرائيلية المتواصلة…
وكانت الدوريات تنقل الأسلحة إلى الحدود السورية ــ الأردنية، حيث يتم تجميعها داخل الحدود الأردنية في موقع اسمه (الحمرا)، وكان الأخ ابراهيم صيدم (أبو الخل) يستقبل الدوريات الوافدة من قبل الأخ خليل الوزير (أبو جهاد) وأبو علي إياد(8)، ويقوم بالاتصال والتنسيق مع الأخ أبو صبري بمساعدة من الإخوة في الجيش العراقي الذين كانوا متواجدين بالمنطقة، وكذلك المنزل الذي يقيم فيه إبراهيم صيدم مع ضابط من الجيش العراقي كان مسؤولاً عن المدفعية في المنطقة وكانت القوات العراقية (قوات صلاح الدين) تقوم بمساعدتنا في التحرك دون علم قيادتها حيث كانت تقوم بنقل الدوريات من الحمرا إلى الكرامة وحتى إلى النهر.
كان الاخوة كوادر وعناصر حركة “فتح” المتواجدين في الكرامة يفتقرون إلى الخبرة العسكرية الجيدة، باستثناء بعض قيادات المجموعات التي اكتسبت خبرة عسكرية من الضباط الذين كانوا في بعض الجيوش العربية، والتحقوا بالحركة.. ومن هؤلاء الأخ فايز حمدان الملقب باسم (الرائد خالد عبد المجيد)(9).
وكان سر نجاح أبو عمار الحقيقي انه يمتلك موهبة القيادة ويتميز بشخصية متعددة القدرات والطاقات، اتاحت له ان يصبح عن جدارة رمز شعب ومقاومة، بعقله الثوري يشرف على الاعمال العسكرية والانتفاضة، وبعقله المخابراتي يملك المعلومات ويدبر العمليات الأمنية والسرية وبعقله الاعلامي يحرك الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي، وبعقله السياسي، وهو الأهم والاشمل، يعمل من اجل اقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين، يكون هو رئيساً وتكون القدس عاصمتها امسك بالقيادة لانه قاتل ومن يقاتل يّقُدّّّ. يتصل بمقاتليه ويعرف مشكلاتهم الشخصية ويتواجد في كل معركة(10).
في هذا الأثناء تصاعدت العمليات العسكرية في الأراضي المحتلة، وكانت على شكل زرع الألغام، والهجمات بالقنابل اليدوية، وطلقات البازوكا وقذائف صاروخية، الأمر الذي رفع معنويات الناس.. لكن في نفس الوقت دفع الإسرائيليين لممارسة أقسى أنواع القمع، وقاموا بموجات اعتقالات شملت كل المناطق وعدداً كبيراً من مناضلينا، وعمل الإسرائيليون على زرع بعض العملاء والمخبرين في المدن والقرى.. وتم إرسال بعضهم إلى مناطق الأغوار لمراقبة حركتنا وقوتنا وبناء على ذلك أنشئت دائرة مكافحة التجسس التي تولى قيادتها فاروق القدومي (أبو اللطف) قبل أن تسند إلى صلاح خلف (أبو إياد) في نهاية عام 1967م بتشكيل جهاز الامن والذي اصبح يسمى جهاز الرصد المركزي حيث استبدل هذا الجهاز “بجهاز الأمن العسكري” أول من شكل جهاز الامن العسكري الأخ زكريا عبد الرحيم(11).
كان معظم شباب تنظيم الكرامة مسلحين على نفقتهم الخاصة، وحين حضر الأخ صلاح التعمري إلى الكرامة تم التعرف عليه. وكان له دوراً مميزاً في الكرامة من ناحية التنظيم والتوعية الفكرية حيث كان محبوباً لدى الشباب، وقبل المعركة جاءت قوات من الأمن العام الأردني وكانت تريد أن تضغط على الفدائيين بالخروج من بلدة الكرامة حتى لا تقصف إسرائيل البلدة ويسقط عدد من المدنيين… ألا أن صلاح التعمري ترجل يومها إلى (جامع زرنوقه) وأخذ يخطب مخاطباً الجيش الأردني وقام عدد من السكان بالالتفاف حول الجامع إلى ان تم تسوية الوضع وقامت قوات الامن بالانسحاب طبعا بالمحبة.. واصبحنا منذ ذلك التاريخ نحن تنظيم الكرامة على علاقة حميمة مع صلاح التعمري، وكان أول من أنشا ودرَّب وأسس مؤسسة الاشبال، وأذكر انه قبل المعركة بايام كانوا قد حضروا للاحتفال بتخريج دورة الأشبال، وأثناء المعركة كان الأشبال متواجدين في الكرامة حيث قام صلاح بإخفائهم في ملجاء بالقرب من منزل أم يوسف….في ليلة 21\3\1968م وكنا نقوم بالتحضير في هذه الليلة على قدم وساق لمواجهة قوات العدو الإسرائيلي، حيث كانت جميع وسائل الإعلام تقول أن العملية سوف تقوم بين الليلة وضحاها.
دورة الأشبال
كان لنا اجتماع نحن تنظيم الكرامة وكانت موجودة معنا المرحومة “أم يوسف” كانت تلقب بـ “أم الفدائيين “، حيث طلبت منا بأن نقوم بإحضار بعض الإسعافات الأولية لأنها لم تكن متوفرة بكثرة في عيادة وكالة الغوث بالكرامة لم تكن لنا عيادات خاصة إلا بيت أم يوسف وكان يتواجد في كثير من الأحيان الدكتور عبد الله حجازي والأخت رقية عبد الرحيم(12)، بعد أن قامت إسرائيل قبل اسبوع بقصف الكرامة وحرقت جميع مستودعات الوكالة فطلبت منا بأن نرسل أحد كوادرنا إلى عمان لإحضار بعض مستلزمات الاسعاف… وقررنا نحن تنظيم الكرامة بعد الاجتماع أن نقوم باحضار كمبريصة لحفر الاسفلت لنقوم بوضع الألغام فيها وفعلاً تقرر أن أذهب أنا وصلاح الشاويش، وتحركت فعلاً في نفس ليلة 20/3/1968 وذهبت إلى الحاجة “تودد” والتي كانت تسكن في عمان “شارع وادي السير بالقرب من مطبعة الحرية” وللأسف لم نجد الحاجة في المنزل وذهبت إلى حي المصاروة وهنا انضم إليَّ الشهيد فائق علي سالم، حيث قمت بالاتصال بـ “راسم الغول” الذي كان منظماً معنا وذهبنا إلى ورشة كانت تابعة لـ “سعيد الناطور” وأحضرنا الكمبريصة.
كان هذا في صباح يوم 21/3/1968م حيث بدأت المعركة 5.5 صباحاً وفي الساعة 9.5 صباحاً وصلنا من عمان إلى وادي شعيب حيث كان هناك حاجز للجيش الأردني يمنع مرور السيارات لمنطقة الكرامة أوقفنا سيارتنا البيكب مع الكمبريصة بجانب المشتل في وادي شعيب وأخذنا نتسلق الواد متجهين إلى جبال عيرة ويرقة، ولأننا أبناء المنطقة كنا نعرف الطريق جيداً وقد أطلقت علينا النار أكثر من بندقية صديق لأنه كان هناك بعض الانزالات الإسرائيلية، حيث كان بعض الاسرائيلين يرتدي لباس الجيش والبعض الآخر يرتدي لباس الفدائيين حتى وصلنا مرتفعات عيرة ويرقة كانت الساعة 1.5 ظهراً، بهذه الساعة أخذ القصف يخف وأخذنا نحن
الأربعة التمركز في المرتفعات للاستعداد للتصدي لأي إنزال.. وبقينا مع الكثير من المجموعات وكانت مشتركة من جميع المنظمات..
وفي الساعة 4.5 مساءً أخذ القصف يتوقف وبدأ الإسرائيليون في لملمة قتلاهم وجرحاهم استعداداً للانسحاب، وبدأت جميع العناصر المتواجدة في تلك المرتفعات بالنزول إلى الكرامة حتى الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الخميس…
فعلا بدأ جيش العدو بالانسحاب وبدأنا نحن في تفقد المخيم وهنا اكتملت صورة المعركة من هدم جميع بيوت المخيم وسقوط عدد من الشهداء، وأثناء تفقدنا برفقة القيادة وعلى رأسهم الأخ أبو عمار قمنا بتجميع جميع الشهداء في منطقة وسط الكرامة “مقهى أبو عجوة” واثناء تفقدنا وتجميع الشهداء وجدنا بعض سكان المخيم بين الشهداء ومنهم اولاد أبو جرادة وبنت أخرى من بلدة البرير واخرى جريحة من بيت أبو جابر دودح من بيت دجن حيث نقلتها طائرة الهيلوكبتر للعلاج…
يقول اثنان من كوادرنا (تنظيم الكرامة) سعيد الناطور وحسين عبد الفتاح صالح (حسين صبحية) بعد انتهاء المعركة تقابلنا مع الأخ نصر يوسف (نصر الجولان) عند منطقة العدسية واقترحنا عليه أن يذهب معنا إلى مخيم الحسين لنرتاح تلك الليلة في بيتنا ــ فوافق الأخ نصر يوسف وذهب معنا وما أن وصلنا المنزل حتى طلب مني أن أحضر له صديقه زهير الصالحي، وهذا الرجل صديق حميم للاخ نصر، وفعلاً تحركنا واحضرنا الرجل فطلب منه الأخ نصر أن يقوم بإحضار سيارتين محملتين بالتموين وبعض البطانيات، وفعلاً قام الرجل باحضار السيارتين والمحملتين بجميع المواد التموينية، وطلب منا الأخ نصر أن نذهب بها إلى مخيم الكرامة لتزويد مقاتلينا بها، وفعلاً تحركت أنا وسعيد الناطور الساعة الخامسة توجهنا على طريق السلط وادي شعيب حيث وصلنا الساعة السابعة صباحاً 22 ــ 3 ــ 1968 برفقة الأخ نصر، وعندما سألنا عن الأخ أبو عمار أفادونا بانه في نقطة التجمع وذهبنا فوجدناه جالس على الأرض وبجانبه الأخ فراس أبو الرب وكانت نقطة التجمع هي مقهى ابطيط في وسط الكرامة رددنا عليهم السلام وابلغناه عن سيارتين التموين التي جئنا بهما من عمان فطلب منا ان نقوم بتفريغهم في نقطة التجمع وكان أول من دخل الكرامة بعد المعركة المناضل يحيى فودة(13) وكان الآخر قد أتى بسيارتين محملتين بالمواد التموينية إلى الكرامة..
أمر الأخ أبو عمار بتجميع الشهداء في مقهى كان يسمى (قهوة أبو عجوة) وكانت في وسط البلدة وقد قمنا نحن تنظيم الكرامة بعمل حاجز على كل مدخل من الشارع خوفاً من تدفق الاشخاص حيث كان يوجد بعض الألغام التي لم تنفجر، وقد أمر الأخ أبو عمار ان يتم نقل عشرة شهداء إلى عمان ليتم تشيعهم اما باقي الشهداء فدفنوا في مقبرة جماعية وفعلاً تم ذلك حتى الان يعرف هناك بصرح الشهيد لهذه المقبرة الجماعية “الذي نامل أن تتم العناية به”. وفي اليوم التالي تم تشييع عشرة شهداء في عمان خرجت جنازة كبيرة لهؤلاء الشهداء وقد انطلقت الجنازة من الجامع الحسيني الكبير وسط مدينة عمان إلى مقبرة موجودة بالقرب من مخيم الوحدات والتي عرفت فيما بعد بمقبرة الشهداء…. واثناء التشييع فوجئ الناس بحضور الأخ أبو عمار إلى المقبرة كما شارك في التشييع جميع القادة الفلسطينيين وبعض الرسميين من الجانب الأردني. وطلب الأخ أبو عمار من الاخت تودد عبد الهادي ان تلقي كلمة التأبين، وقام السيد كامل عريقات رئيس مجلس الأعيان بإلقاء كلمة التأبين عن الجانب الأردني.. وبعد مراسم التشييع ذهب الأخ أبو عمار إلى السلط حيث كانت نقطة التجمع وكنا نحن برفقته ومنها توجه مرة أخرى إلى الكرامة لتفقد ما تبقى من المقاتلين.
هوامش عيلبون
(1) انظر حوار مع سليم الزعنون (أبو الأديب) كتيب الانطلاقة.. رصاصات فجرت ثورة حركة فتح/اقليم الكويت 31/12/1974، ص22.
(2) تشكلت القيادة العامة لقوات العاصفة في مراحلها الأولى من:ياسر عرفات ــ كمال عدوان ــ خليل الوزير (أبو جهاد) نمر صالح(أبو صالح) ــ الشهيد أبو علي إياد ــ محمد راتب غنيم (أبو ماهر) قبل أن يتم توسيعها بشكل متتابع، ويشير اللواء محمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي في سوريا في مذكراته إلى نفسه باعتباره مَن أطلق على الجناح العسكري لحركة فتح اسم “قوات العاصفة ” بينما تشير بعض المصادر بأن اسم العاصفة كان مؤقتا إلى حين التأكد من نجاح تجربة العمل المسلح من عدمه، ويقول اخرون بأن مَن أطلق اسم قوات العاصفة على الجناح العسكري لحركة فتح كان (نبيل حمدان) عادل عبد الكريم من أعضاء مجموعة التأسيس الأولى، ويتجه سليم الزعنون للقول بأن اسم العاصفة كان حلاً وسطاً بين مختلف الآراء التي خشيت على اسم حركة فتح في حال فشل الانطلاقة المسلحة، فإذا نجحت الانطلاقة يستمر اسم العاصفة اسماً للجناح العسكري: انظر حوار مع سليم الزعنون (أبو الأديب) كتيب الانطلاقة رصاصات فجرت ثورة حركة فتح/اقليم الكويت 31/12/1974 ص21.
المصدر د.عصام عدوان حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح 1958 ــ 1968 ص 16.
(3) انظر: صحيفة الحياة اللندنية، مقال وضاح شرارة يوم 23\11\2004.
(4) كانت المجموعة تتألف من 14 فرداً من قوات العاصفة هم: المجاهد ياسر عرفات، أبو علي إياد سعيد محاد، خالد أبو العلا، سعيد الشرعان، مصباح عبد الحق، مصطفى الصالح، أبو بسام، منير الشيخ صبري، أبو علي شمدين، شعبان الشاعر، حسين الهيبي، نعيم الوشاحي، حيث نقل المعتقلون إلى ثكنة مارطانيوس الحلو في منطقة المصيطبة في بيروت، ثم إلى ثكنة هنري شهاب قرب الرملة البيضاء (لقاء في مخيم اليرموك يوم 10\1\2008م مع عضو المجموعة مصطفى الصالح الملقب بالخوري، وهو الوحيد ممن بقي على قيد الحياة من أفراد المجموعة).
(5) كان سامي الخطيب هو مسؤولاً للمكتب الثاني في تلك الفترة.
(6) نهاية العام 1965م قامت مفرزة تابعة للمخابرات العسكرية السورية باعتقال المجاهد ياسر عرفات بتهمة التحضير لأعمال تخريبية، وذلك بعد تفتيش صندوق سيارته والعثور فيها على أصابع ديناميت، وقد أطلق سراحه بعد ساعات، لكن الحادثة بدت غريبة لأن عرفات كان ينقل الديناميت بعلم وتسهيل وبموافقة رسمية من اللواء أحمد سويداني، رئيس الأركان آنذاك، ما الذي حدث؟ صحيح أن أمر الاعتقال المباشر كان قد صدر عن رئيس فرع فلسطين التابع للمخابرات العسكرية السورية، غير أن الأمر الحقيقي بقي طي المجهول والتفسيرات المختلفة.
(7) الشهيد وليد المدني، من بلدة جبع قضاء حيفا ومن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، اغتيل في مخيم اليرموك بداية العام 1968م، في حادث ما زال غامضا، وتعددت الروايات بشأنه. المصدر: صفحات من تاريخ الكفاح الفلسطيني (علي بدوان)(ص50 ــ 53).
(8) صلاح خلف، فلسطيني بلا هوية، ص89،صايغ،رفض الهزيمة، ص9،خليل الوزير،”الكرامة الجديدة” شؤون فلسطين عدد 77، ص24.
(9) الوزير، حركة فتح ــ بدايات، ص106 ــ 110.
(10) صلاح خلف، فلسطيني بلا هوية، ص 90، 91 ــ 92،95.
(11) الوثائق الأردنية لعام 1967، ص220، من حديثه في 4/9/1967.
(12) الوثائق الأردنية لعام 1967، ص220، من حديثه في 4/9/1967.
(13) جريدة الأهرام المصرية، 4/7/1967، عدد 29425، السنة 93، ص1.
(14) صايغ، رفض الهزيمة، ص10.
(15) المرجع نفسه، ص 11.
(16) أحمد الفنجري، الطريق إلى النصر (الكويت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر 1968 ) ص145.
(17) جمال الراشد، المجتمع، عدد 624، ص 31..
(18) حسن خليل حسين، أبو إياد، ص 75.
(19) من حديث أبو إياد الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، (رقم 283 ) ص 265؛ خلف، فلسطيني بلا هوية، ص 93 ذكر هذا التاريخ: محمد حمزة، أبو جهاد، ص 343، صايغ، التجربة العسكرية، ص 42؛ الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967 (رقم 526 )، ص 493. بينما ذكر خلف، فلسطيني بلا هوية، ص 93 أنه 31/8/1967 ثم ذكر أنه 29/8/1967 في حديثه في حزيران 1969، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، ص265، وقد تزامنت هذه الانطلاقة، أيضاً مع الذكرى السبعين لانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال سويسرا. الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، ص251.
(20) الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، (وثيقة رقم 283 )، ص 264.
(21) صايغ، رفض الهزيمة، ص 20 – 21.
(22) المصدر: كتاب المجاهد ياسر عرفات (إعداد الكاتب داوود إبراهيم )، صفحة (62).
(23) يعاري، فتح، ص 12.
(24) سهام محمد زكارنة: من قرية قباطية. امراة فلسطينية بسيطة، فلاحة، عريقة، شجاعة جمعت بين الحزم والذكاء وقوة القلب والجسارة. استطاع المجاهد أبو عمار أن ينظمها في صفوف الثورة في مرحلة المد الثوري،عندما كان يؤسس قواعد “فتح” في الأراضي المحتلة.
(25) صايغ، رفض الهزيمة، ص 24 – 25.
(26) الهيثم الأيوبي، مسيرة الكفاح المسلح الفلسطيني خلال 15 عاماً، شئون فلسطينية، عدد 98 يناير 1980، ص37.
(27) صايغ، رفض الهزيمة، ص 22.
(28) كوبان، منظمة تحت المجهر، ص47.
(29) كوبان، منظمة تحت المجهر، ص75.
(30) يعاري، فتح، ص11.
(31) يعاري، فتح، ص12.
(32) صايغ، رفض الهزيمة، ص 26 – 27.
(33) فتح: الخطوات الأساسية لتصعيد الثورة المسلحة في الأرض المحتلة. ص 3 – 51.
(34) ولد الشهيد القائد خليل إبراهيم الوزير (أبو جهاد) عام 1936 في الرملة، أدى دوراً مركزياً وفاعلاً في مسيرة الثورة الفلسطينية. كان أول مَن تفرغ في حركة “فتح”.. عام 1963.. كان نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية ومسؤول الأرض المحتلة وكما عرف كان أول الرصاص وأول الحجارة ــ كانت إسرائيل تحمله مسؤولية جميع العمليات العسكرية التي كانت تحصل داخل الأراضي المحتلة وكان بالنسبة لها العدو الأول قام العدو الإسرائيلي باغتياله في تونس في منزله في سيدي أبو سعيد ليلة 16\4\1988 وهو يحمل وسام الانتفاضة الأولى ومهندسها واستحق بشرف لقب (أمير الشهداء).
هوامش بيت فوريك
(1) فتح، كفاحنا المسلح، ص 20؛ Fateh. Political and Armed.p.34.
(2) الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969م، (وثيقة رقم 526 ) ص 493.
(3) المصدر نفسه.
(1) الهيثم الأيوبي، مسيرة الكفاح المسلح الفلسطيني خلال 15 يوماً، شئون فلسطينية، عدد 98.
(2) الجدول من إعداد الباحث عصام عدوان بالاستناد إلى البلاغات العسكرية 91 ــ 105 للفترة من 1/6 ــ 20/3/1968، أنظر فتح، الوثائق العسكرية، ج 1، ص 123 ــ 143.
(1) الكتاب السنوي لفتح لعام 1968، ص 391 – 393.
(2) الوثائق الأردنية لعام 1967م، ص 160، 167-8، 176 ــ 7.
(1) الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968م، ص 604.
(1) قرية السموع تقع إلى الجنوب من مدينة الخليل وقد اعتبرت إسرائيل أن القرية تشكل قاعدة ومنطلقاً للفدائيين.
(2) المصدر موقع ويكبيديا (http://ar.wikipedia.org ).
(1) تعتبر أول دورة عسكرية أرسلت إلى مصر قبيل معركة الكرامة هي دورة خاصة في حلمية الزيتون، وهي دورة مكثفة للتدريب على صواريخ 3.5 بوصة، والكمائن، والطوبوغرافيا لمدة شهرين. انتهت في شهر 10/1967 والمشاركين الاخوة الشهيد: نمر صالح (ابو صالح) عضو اللجنة المركزية وكان قائدا للمجموعة، منذر الدجاني (ابو العز)، كايد يوسف، عبد الإله الاتيري، الشهيد بشير كامل داوود (أبو أمية)، الشهيد كامل فزعرو،حمزة يونس (مدرس اللغة العبرية) الشهيد إبراهيم استامبولي، الشهيد سيد حجاب، الشهيد مازن أبو غزالة غادر المجموعة واستشهد في معركة طوباس الشهيرة ــ أما المشرف المصري عن الدورة فهو المقدم مروان.
(1) الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، ص 610.
(2) الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، ص 611.
(3) المصدر نفسه والصفحة.
هوامش عملية موشي ديان
(1) من كتاب أبو إياد صلاح خلف (فلسطيني بلا هوية)، من ص 104 – 107 الشهيد القائد صلاح خلف (أبو إياد) هو أحد مؤسسي حركة “فتح”، وهو عضو اللجنة المركزية، وقد تمكن من القيام بمسؤولية قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بنجاح وحكمة وصرامة، عرف بصلابته، وخبرته الواسعة، وحظي باحترام الأصدقاء العرب وغير العرب، قارع الاحتلال الصهيوني، وأجهزته في الخارج وخاصة الموساد. أسهم بشكل أساسي في تكوين الفكر الاستراتيجي لحركة فتح مستفيداً من تجاربه السابقة. تعرض شهيدنا البطل للعديد من محاولات الاغتيال حيث كان يمتلك القدرة على معرفة ما يدور حوله من مخططات أسهمت فيها عدة أجهزة مخابرات دولية كانت متواجدة خصوصاً في الساحة اللبنانية. خاض حوارات واسعة مع مختلف الفصائل الفلسطينية من أجل تقريب وجهات النظر، وتحقيق الوحدة الوطنية، ولذلك كان يحظى باحترام وتقدير مختلف قيادات هذه الفصائل. ارتبط اسم االقائد أبو إياد بكتاب “فلسطيني بلا هوية” الذي كان عبارة عن لقاءات أجراها الكاتب الفرنسي إريك رولو مع الشهيد القائد. استشهد القائد الصلب أبو إياد مع الشهداء: أبو الهول، والشهيد أبو محمد العمري في حادثة مفجعة علي يد عملاء الامبريالية والصهيونية.
(2) من أبيات خليل زقطان:
ولدي إذا كبرت خطاك وسرت في درب الرجال
وسألت عن إرث الجدود وهل هناك (راس مال)
ستسوق أمك قصة حمراء دامية الظلال
قد عشتها وأبي ووالده جواباً للسؤال
وشعارنا (أنا إن سقطت فخذ مكاني في النضال)
(3) سعيد موسى فؤدة: من الكوادر الأساسيين في تنظيم الكرامة، تفرغ في حركة “فتح” وعمل ضمن جهاز الرصد المركزي منذ تاسيسه عام 1968 حتى الانتقال إلى لبنان عام 1970، عمل كمسؤول للأمن في القطاع الغربي ووصل إلى رتبة مدير عام وما زال موجوداً في غزة حتى يومنا هذا. كان سعيد موسى فودة حساساً وعاطفياً يتأثر برواية الشيوخ والمعاقين، وبجهد شخصي بادر إلى تاسيس “جمعية بلسم للتأهيل المجتمعي” وما زال رئيساً للجمعية.
(4) تعتبر قاعدة الهامة العسكرية ومعها معسكر ميسلون القريب منها، نقطة الانطلاق التي تدفق منها فدائيوا قوات العاصفة أثناء التمدد الفلسطيني نحو أغوار الأردن وجبهة جنوب لبنان ومن قاعدة الهامة انطلق مقاتلوا معركة الكرامة في 21\3\1968م، وفي قاعدةالهامة العسكرية كان الأخ أبو عمار وفي مراحل الانطلاقة الأولى، يقضي معظم أوقاته إلى جانب القائد الأول للمعسكر الشهيد أبو علي إياد. وفي آخر عملية قصف جوي إسرائيلي “جنوني” تعرض لها معسكري الهامة وميسلون عام 1973 استشهد 30 عنصراً، على رأسهم قائد المعسكر انذاك الشهيد أبو الأدب، ومن شدة القصف الجوي تطايرت الأتربة والحجارة التي أغلقت طريق دمشق بيروت القديم لبعض الوقت.
(5) منذر ارشيد: مواليد حيفا 1947، أقام في جنين حتى عام 1967، التحق بحركة “فتح” مجموعة “أبو إياد” في الكويت 1967، ساهم في إدارة معسكر الهامة عام 1967، ومعسكر حليمة الزيتونة في القاهرة عام 1967 وتخرج من عدة دورات عسكرية، ودورة الصين عام 1969، كان رجلاً واضح المواقف، وبعد دخول السلطة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة عمل نائباً لمحافظ بيت لحم.
(6) شهداء اللجنة المركزية لحركة “فتح” الرئيس المجاهد ياسر عرفات، المهندس عبد الفتاح حمود، أبو علي إياد، (وليد أحمد نمر نصر الحسن)، ممدوج صيدم (أبو صبري)، محمد يوسف النجار (أبو يوسف)، كمال عدوان، ماجد أبو شرار، اللواء سعد صايل سلمان (أبو الوليد)، نمر صالح (أبو صالح)، خليل إبراهيم الوزير (أبو جهاد)، هايل عبد الحميد عيسى (أبو الهول) صلاح مصباح خلف (أبو إياد) صبحي عبد الحميد أبو كرش (أبو المنذر)، خالد الحسن (أبو السعيد) الشهيد فيصل عبد القادر الحسيني.(أبو العبد)، وبقي على قيد الحياة من القيادة المؤسسة كل من: محمود عباس (أبو مازن ) فاروق القدومي (أبو اللطف)، محمد راتب غنيم (أبو ماهر)، سليم الزعنون (أبو الأديب ).
(7) الشهيد القائد ممدوح صيدم (أبو صبري) (1940 – 1971)قائد فلسطيني وعضو في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وعضو القيادة العامة لقوات العاصفة واللجنة العسكرية للثورة الفلسطينية، وكنيته “أبو صبري”. ولد في قرية عاقر قضاء الرملة، وفيها أتم دراسته الابتدائية ، ثم حصل عل إجازة في الجغرافيا من كلية الآداب في جامعة الاسكندرية سنة 1963م. التحق بحركة “فتح” قبل انطلاقتها سنة 1965، وانتقل إلى الجزائر فور تخرجه حيث عمل مدرساً، ثم ترأس البعثة الثقافية الفلسطينية في مكتب فلسطين في العاصمة الجزائرية، والتحق بكلية شرشال العسكرية الجزائرية، وأتم تدريبه العسكري بها، ثم دراسته العسكرية العليا في كلية نانكين في جمهورية الصين الشعبية. عاد إلى الأرض العربية وتفرغ للعمل في حركة “فتح” وفي حرب 1967م اسندت إليه قيادة منطقة جنين فعبر حدود الوطن المحتل وشارك في معارك كثيرة مع العدو الصهيوني، من أشهرها معركة بيت فوريك (يوم 7/12/1967م) تكبد فيها العدو خسائر كبرى، كما اشترك في معركة الكرامة 21/3/1968م . اختير نائباً للقائد العام لقوات العاصفة لشؤون العمليات. أوائل سنة 1971، أصيب بمرض عضال ،وتوفي في 24/7/1971، ودفن جثمانه في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك في دمشق.
(8) الشهيد القائد أبو علي إياد وليد نمر (1934 – 1971) قائد فلسطيني، وعضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وعضو القيادة العامة لقوات العاصفة. ولد في مدينة قلقيلية وأنهى فيها دراسته الابتدائية والثانوية، فحصل على شهادة المترك سنة 1953 والتحق سنة 1954م بدورة تدريبية للمعلمين في بعقوبة بالعراق. انتقل الأخ القائد أبو علي إياد إلى المملكة العربية السعودية، فعمل مدرساً ثماني سنوات (1954 – 1962) وانتقل بعد ذلك إلى الجزائر عقب استقلالها فأمضى ثلاث سنوات مساهماً في عملية التعريب فيها. التحق بحركة “فتح” قبل انطلاقتها، وفي السنة التالية انتقل إلى الضفة الغربية، فأوكلت إليه مسؤولية الإعداد للعمل العسكري في الأرض الفلسطينية المحتلة سنة 1948م قاد عدة عمليات عسكرية ضد العدو منها عملية مستعمرة (بيت يوسف في 25/4/1966) والهجمات على مستعمرات (المنارة ــ وهونين وكفر جلعادي). انتقل بعد ذلك إلى سوريا وقام بتدريب عناصر قوات العاصفة فيها، وقد أصيب خلال التدريبات في إحدى عينيه، وعقب عدوان حزيران 1967م، انتقل إلى الأردن فأوكلت إليه قيادة قوات الثورة في منطقة عجلون، وقد وجه مجموعاته عبر نهر الأردن، لتقوم بعمليات ناجحة ضد العدو وقواته ومستعمراته، وعقب أحداث أيلول سنة 1970م في الأردن انتقل بقوات الثورة الفلسطينية إلى منطقة جرش وعجلون. وقد استشهد يوم 27/7/1971م فخسرت الثورة باستشهاده مناضلاً صلباً وقائداً كبيراً وهو المعروف بقوله وحينما قرر الشهادة قال في برقيته الشهيرة “قررنا أن نموت واقفين ولن نركع”.
(9) جبهة النضال الشعبي تأسست في القدس اب اغسطس 1967م على يد عدد من المناضلين الفلسطينيين من أصحاب الجذور القومية في حزب البعث وحركة القوميين العرب والمستقلين، نذكر منهم بعض القيادات: الدكتور صبحي غوشة ــ بهجت أبوغربية ــ الرائد خالد عبد المجيد (فايز حمدان) كمال النمري الدكتور سمير غوشة (محمد حمدان) أبو عدوي، أبو جمال عسكر. يسجل لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني الدور البارز الذي لعبه مسؤولها العسكري العميد الركن أبو جمال عسكر عضو المجلس العسكري الفلسطيني الأعلى في توفير أشكال من الدعم اللوجيستي لوحدة المغاوير المصرية التي نفذت عملية نسف السفينة الإسرائيلية ايلات عام 1968م عندما كان قائداً لقاعدة فدائية لجبهة النضال بين العقبة وجنوب البحر الميت، أما الشهيد فايز محمود حمدان (الرائد خالد) فقد ولد سنة 1938م في صور باهر قضاء القدس وعمل الشهيد في الجيش الأردني وسرح برتبة نقيب وانتدب ممثلاً لجبهة النضال الشعبي في الضفة الغربية منطقة القدس لبناء قواعد ثورية لهم، وفي القدس تعرف على الأخ المناضل عبد الحميد القدسي والمذكور كان مسؤول التنظيم لحركة فتح لمنطقة القدس وحينما تم اعتقال الأخ عبد الحميد القدسي فر الرائد خالد هاربا من الضفة والتحق بمعسكر الهامة وانضم لحركة “فتح”، وقام الأخ أبو عمار بترفيعه لرتبة رائد وانتدب من القائد أبو عمار ليكون مسؤولاً عن منطقة الأغوار ويتبع عسكرياً للشهيد أبو صبري، وفعلاً كان له دور مميز في بناء هذه القواعد وقبل معركة الكرامة انتدب من قبل مركزية فتح، حيث ذهب على رأس وفد لمقابلة محمد حسنين هيكل من أجل ترتيب لقاء للأخ أبو عمار مع المرحوم عبد الناصر واثناء فترة سفره حصلت معركة الكرامة وعاد بعد المعركة مباشرة وثم نقل مقر قيادته من الكرامة إلى مرتفعات السلط وبما انه كان مطلوب لإسرائيل أخذت تبحث عنه في كل مكان إلى أن استطاعت طائراتها قصف مقر قيادته. وسقط شهيداً بتاريخ 4 ــ 8 ــ 1968م واستشهد معه المهندس عمر علي محمد السرطاوي (أبو علي) شقيق عصام السرطاوي في تلك الغارة.
(10) كتاب المجاهد ياسر عرفات سيد فلسطين والشهيد الخالد (اعداد. أحمد محمد الرفاعي صفحة 11).
(11) المنظمة الفلسطينية الثورية اسسها في لبنان عام 1964 زكريا عبد الرحيم (ابو يحيى وانضمت إلى فتح مع الاعلان عن انطلاق قوات العاصفة) اعتقل زكريا عبد الرحيم مع المجاهد ياسر عرفات في دمشق، وكان زكريا عبد الرحيم أول من شكل جهاز أمن في حركة فتح وتولى قيادته وسمي بالامن العسكري وكان من خيرة القادة والمناضلين بصفوف هذه الحركة، عُين سفيراً لمنظمة التحرير الفلسطينية في قبرص ومن ثم أصبح مسؤولاً عن ملف اللاجئين بعد وفاة توفيق الصفدي وبعد ذلك عُين سفيراً في الصين واصبح مديراً عاما في الدائرة السياسية ،وهو الآن عضو مجلس ثوري.
(12) رقية عبد الرحيم. كانت تلازم أم يوسف في تقديم الخدمات الطبية للاخوة المقاتلين وهي ابنة الشهيد القائد عبد الرحيم محمود الذي استشهد في معركة الشجرة والقائل:
سأحمل روحي على راحتي وأُلقي بها في مهاوي الردى
فأما حياة تســرُّ الصديـــق وإما ممـات يُغيــظ العــــدى
(13) يقول يحيى فودة حينما ذهبنا ثاني يوم المعركة لاخذ بعض المواد التموينية من المحلات لإرسالها إلى الكرامة ــ كنا ندخل على البقالة نطلب بعض المواد من صاحب البقالة كان يقول لنا احمل كل هذا الرف دون تردد كان عطاء شعبنا بعد المعركة صورة لا توصف.
6 من الزوار الآن
916972 مشتركو المجلة شكرا