الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > الأبنية التنظيمية للأحزاب السياسية مصر أنموذجا
التنظيم الحزبي هو الإطار الذي يحدد الشكل الذي يتخذه نشاط الحزب لتحقيق أهدافه ، أي انه العلاقة بين النظرية والممارسة ، وهو الذي يحدد مركز العضو بالحزب ، وكذلك مراكز الهيئات القيادية . ولا تعطي الأحزاب أولوية للتنظيم الحزبي ، خاصة في البلدان النامية ، باستثناء الأحزاب ذات الطابع الإيديولوجي . ويرجع ضعف الاهتمام بالتنظيمات الحزبية إلى انشغال الأحزاب بعلاقاتها بالنظام السياسي والعمل السياسي العام والمباشر ، على حساب التنظيم ، رغم أن الأحزاب التي تدخل معارك سياسية وفكرية دون تنظيم ، تفتقد لمبررات وجودها كأحزاب بداية . وتزداد أهمية التنظيم الحزبي في الأحزاب الجماهيرية ، لأن تلك الأحزاب تسعى إلى الحشد الجماهيري ، ومن ثم يفترض أن تنظم هذا الحشد ضمن تنظيمات الحزب الداخلية . وتختلف تنظيمات الحزب وفق السبل التي يطرحها لتحقيق أهدافه ، وبشكل عام يكون التنظيم أكثر صرامة في الأحزاب الإيديولوجية .
1 - التنظيمات الحزبية
يبدأ تنظيم الحزب من أصغر وحدة يتألف منها هيكله التنظيمي ، وتنتهي بأعلى هذه التنظيمات . وتنبع أهمية هذه التنظيمات من كونها هي التى تقرن الصلة بين أصغر وأكبر وحدة داخل الحزب السياسي ، وبواسطتها يضطلع الحزب بتعريف أعضائه خاصة والجماهير الأخرى عامة بمواقف الحزب من خلال نشراته وعقد لمؤتمرات جماهيرية ...الخ . وتختلف التنظيمات الحزبية بين الأحزاب وفقاً لما يلي : -
طريقة اختيار أعضائها .
طريقة اختيار القيادات الحزبية (فبعض هؤلاء يختارون بالانتخاب وهو أسلوب ديمقراطي ، وبعضهم بالتعيين من المستوى الأعلى وهو أسلوب سلطوي استبدادي) .
الوظائف التي تضطلع بها .
وتتشكل التنطيمات الحزبية على أساس جغرافي ، نتيجة تجميع التنظيمات الحزبية الأصغر أو الأدنى لكل منطقة على انفراد لتشكيل تنظيمات أعلى درجة منها ، وتتجمع تلك التنظيمات الأعلى في تنظيم أكبر ...وهكذا . وعادة ما يتوافق شكل التنظيمات الحزبية الفرعية مع التنظيم الإداري في الدولة التي يوجد فيها الحزب السياسي . وبمعنى آخر ، فإن هناك تنظيمات حزبية دنيا ومتشابهة تتجمع في مركز ، وكل مجموعة مراكز تتجمع في تكتل، وكل مجموعة من التكتلات تتجمع في فرق ...وهكذا حتى المستوى القومي العام ، وهو رئاسة الحزب على مستوى الدولة . وبشكل عام فإن كل تنظيم من التنظيمات الأعلى يعتبر المرجع الحزبي للتنظيمات الحزبية التابعة له . كما وأنه مسئول مباشرة تجاه التنظيم الحزبي الأعلى منه درجة عن مساهماته في تنفيذ سياسة الحزب العامة ، والإشراف على تنفيذ قراراته ، وله حق اتخاذ القرارات لتطوير مجال عمله ، ضمن سياسة الحزب وقرارات التنظيمات العليا . ولهذا فإنه على كل تنظيم حزبي أدنى أن يعد تقريراً دورياً عن نشاطه التثقيفي ، ووضعه المالي إلى التنظيم الأعلى منه درجة ، لكي يستطيع التنظيم الأعلى درجة مراقبة وتوجيه التنظيمات الخاضعة له .
2 - التنسيق الداخلي بين تنظيمات الحزب وعلاقته بالمركزية والديمقراطية الداخلية
يقصد بالتنسيق الداخلي العلاقة بين تنظيمات الحزب على مختلف مستوياتها ودرجاتها ، من حيث كيفية اتصالها ببعضها البعض ومدى سلطتها على التنظيمات الأدنى منها درجة وخضوعها للأعلى منها . وعلى الرغم مما يراه البعض من أن مشكلة التنسيق مشكلة فنية ، إلا أنها في الواقع مشكلة سياسية حيوية ، لأن التنسيق بين التنظيمات الحزبية المتشابهة يؤثر على درجة ارتباط الأعضاء بحزبهم ومدى مساهمتهم في رسم وتنفيذ سياسته . ولعل الأحزاب قوية التنسيق هي الأحزاب التي تخضع تنظيماتها لقواعد ثابتة في تشكيلها واختصاصاتها وتنظيم علاقاتها ، بحيث تؤدي إلى مشاركة فعلية في توجيه سياسة الحزب . وتبين تلك القواعد كيفية تشكيل مستويات الحزب القيادية ، وسلطات تلك القيادات ، وعلاقة القيادات بالأطراف الدنيا والعليا في التنظيمات الأخرى . وعلى العكس من ذلك ، فإن الأحزاب ضعيفة التنسيق تفتقر لمثل هذه القواعد ، مما يؤدي إلى تباين تشكيلاتها الحزبية الداخلية ، وتنازعها في الاختصاص . ولكن يبقى السؤال حول كيفية ارتباط التنظيمات الحزبية ببعضها ، ومقدار ما تتمتع به كل واحدة منها من سلطات ؟
أ - كيفية ارتباط التنظيمات الحزبية ببعضها
تختلف الأحزاب السياسية من حيث كيفية ارتباط تنظيماتها الحزبية التي هي على مستوى واحد . وبشكل عام هناك نوعان من الاتصالات لهذه التنظيمات :- الأول ، اتصال أفقي بين التنظيمات في ذات المستوى للتنسيق البيني ، دون الحاجة لتعليمات المستوى الأعلى لإجراء هذا الاتصال . وقد يتم ذلك دون أخذ موافقة المستوى الأعلى . وهنا تبرز على سبيل المثال قيام الأحزاب ذات النشأة غير البرلمانية والتي تعتمد على التكوينات النقابية ، بممارسة هذا النوع من الاتصال إلى جانب الاتصالات الرأسية . الثاني ، اتصال رأسي يرتبط بصلة هذا المستوى الأدنى بالمستوى الأعلى منه مباشرة واستقلاله التام عن نظيره ، وإن كانت ثمة حاجة للاتصال بنظيره فيكون ذلك عبر المستوى الأعلى ، وعادة ما يتم ذلك بين ممثلي تنظيم المستوى الأدنى عند اجتماعهم مكونين المستوى الأعلى . حيث يصبح الغرض من الاتصال هنا طرح المشكلات ووضع الحلول البديلة لها ، والاستفادة من تجارب المستويات المتناظرة ، بعد موافقة المستوى الأعلى . ومما لا شك فيه أن الاتصال الرأسي يسمح بممارسة المركز سلطة أكبر على قواعده ، وحل الخلافات بشكل مركزي ، دون نقلها بين المستويات المتناظرة . وقد أخذت كافة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية تقريباً بهذا النمط من الاتصالات .
ب – السلطات الممنوحة للتنظيمات الحزبية
تصنف الأحزاب بشأن توزيع السلطات إلى نوعين أحزاب مركزية تتخذ تعليماتها في كل كبيرة وصغيرة من المستوى الأعلى ، وأحزاب لا مركزية تتمتع تنظيماتها بمرونة كبيرة في صنع القرار في مستواها .
(أولاً) أنواع اللامركزية في التنظيم الحزبي:
هناك عدة أنواع للامركزية وهي اللامركزية المحلية أو الإقليمية ، واللامركزية الإيديولوجية ، واللامركزية الاجتماعية ، واللامركزية الاتحادية، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي : -
(1) اللامركزية المحلية أو الإقليمية ، وهي تعنى بوجود سلطات واسعة للفروع ، وبقسط كبير من الاستقلال عن المركز ، بحيث لا يباشر المركز عليها سوى سلطة محدودة . ولعل نتيجة هذا الأمر أن تهتم الأحزاب المعنية بذلك بالأمور المحلية وتبتعد عن تخطيط السياسة العامة ,
(2) اللامركزية الإيديولوجية ، وتعني حق الاستقلال الفكري لبعض التيارات الفكرية داخل الحزب ، بما يشمل ذلك طرح أفكارها ، ونشر صحفها ونشراتها ، دون التخلي عن الحزب كعباءة تجمعها . وتتميز الأحزاب المعنية بذلك بأن هذا الأمر يساعدها على تحقيق الحرية الفكرية والمنافسة الإيديولوجية بين أعضاء الحزب ، مما يؤدي لتوسيع الأفق السياسي للأحزاب، وبالتالي تطويرها فكريا .
(3) اللامركزية الاجتماعية ، وتعني تمتع أعضاء الحزب الذين ينتسبون لطائفة أو طبقة دينية أو اجتماعية بقسط من الاستقلال . ويتوافق ذلك مع الأحزاب المحافظة ، لأن هذه الأحزاب تسمح بتشجيع الطوائف الاقتصادية كالطبقات العمالية والفلاحية وغيرها . وقد تؤدي تلك اللامركزية إلى لامركزية إيديولوجية ، لأنها تسمح بالتعدد الفكري .
(4) اللامركزية الاتحادية ، وتظهر في البلدان الفيدرالية ، حيث يكون لكل حزب تنظيمه المستقل في الإقليم أو الولاية .
(ثانياً) أنواع المركزية في التنظيم الحزبي:
تتضمن المركزية نوعين مركزية أوتوقراطية ، ومركزية ديمقراطية ، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي : -
(1) المركزية الأوتوقراطية ، وتعنى ممارسة هيمنة كاملة من المركز على التنظيمات القاعدية
، بحيث لا يصبح لهذه القواعد أية سلطة أو شخصية مميزة ، وبحيث تخضع القواعد لرقابة
المركز
(2) المركزية الديمقراطية ، وتعنى أن تكون السلطة للمركز ، لكن بعد أخذ رأي القواعد . وفي هذا الصدد ينتخب التنظيم الأعلى من ممثلين عن القواعد، يكونون مسئولين أمام القواعد وليس أمام المركز ، خاصة في إسماع صوتهم للمركز . وعلى هذا الأساس ، لا يكون هؤلاء نواباً سلبيين لدى المركز ، بل ناقلين لرغبات القواعد . وتفترض المركزية الديمقراطية ، أن يكون ممثلو القواعد لدى المستوى الأعلى منتخبين من قبل الأعضاء التابعين لها ، وليسوا معينين من المستوى الأعلى . كما أن تلك القواعد أو المستويات الأدنى يجري فيها النقاش بحرية مطلقة ، ويحدث فيها تبادل الأفكار ، وتتخذ فيها القرارات بالأغلبية وعلى الأقلية الطاعة.
(ثالثاً) العوامل التي تدفع الأحزاب للأخذ بالمركزية أو اللامركزية :
هناك ثلاثة عوامل رئيسية تتحكم في طبيعة الأحزاب السياسية من الداخل من حيث كونها تميل للمركزية أو اللامركزية ، ويمكن حصر تلك العوامل فيما يلي : -
(1) نشأة الحزب وتطوره التاريخي ، بمعنى أنه كقاعدة عامة فإن الأحزاب ذات النشأة البرلمانية تميل للأخذ باللامركزية ، لأنها أحزاب تكون نشأتها من القمة ، ومن ثم لا تميل للضبط الحزبي . وعلى العكس تأخذ الأحزاب ذات النشأة النقابية أو التي تصور أصولها إلى جمعيات ، حيث يأخذ معظم هؤلاء بالمركزية . ومن هذا النوع الأخير الأحزاب الاشتراكية والعمالية ، والتي تنشأ من القاعدة مما يجعل الضبط الحزبي بها مميزاً .
(2) طريقة تمويل الحزب ونظامه المالي ، ففي الأحزاب التي تعتمد على تمويل أنصار الحزب في المحليات والأقاليم ، تكون الأحزاب لا مركزية. أما الأحزاب التي تعتمد على اشتراكات وتبرعات المؤيدين من أية منطقة، فهذه الأحزاب تميل للمركزية .
(3) طريقة الانتخاب المتبعة في الدولة ، بمعنى أنه إذا كان نظام الانتخابات العامة فردياً ، فيكون الاعتماد على التنظيمات الحزبية المحلية كبيراً في اختيار الممثلين في المجالس الشعبية المنتخبة ، ومن ثم تكون تلك الأحزاب في هذه النظم لا مركزية ، والعكس بالعكس لو كانت الانتخابات تتم بطريقة القوائم .
3 – الانضباط الحزبي
هناك عاملان لعبا دوراً هاماً في تطور الأحزاب ، وهما تزايد سيطرة الأحزاب على أعضائها ، وهو ما يعرف بالانضباط الحزبي ، والميل نحو زيادة دور الأعضاء في توجيه الحزب ورسم سياسته .
ويقصد بالانضباط الحزبي مدى خضوع أعضاء الحزب لأوامره وقراراته ونظامه الداخلي . ويلاحظ في العقود الأخيرة تزايد الاهتمام بالنظام الحزبي ، ولابتعاد عن حال السيولة التي كانت تتسم بها بعض الأحزاب عند نشأتها . وقد زاد اللجوء للانضباط الحزبي مع بروز الأحزاب الإيديولوجية كالأحزاب الاشتراكية ، حيث أصبح هذا الانضباط في بعض الأحيان انضباطاً روحياً لا تسلطياً . وتزداد عملية الانضباط مع وجود الأحزاب الجماهيرية ، وهي الأحزاب الساعية لجذب الجماهير ، وحثهم على التمسك بفكر الحزب . وعامة ، فإن الانضباط الحزبي يهدف لمنع الانشقاقات الحزبية ، والتخلص من التكتلات السياسية ، لذلك يساعد الانضباط في تقوية الأحزاب ، خاصة وأنه يتطلب طاعة الهيئات القيادية للأحزاب في القرارات المتخذة .
تطبيق البناء التنظيمي للحزب الوطني الديمقراطي ولحزب التجمع
الوطني التقدمي الوحدوي
يمثل البناء التنظيمي للحزب الوطني الديمقراطي ولحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ، في الهياكل البنائية التي يعتمد عليها الحزب في إقرار سياساته وعقد مؤتمراته وتنفيذ برنامجه . وهذه الهياكل هي التي تحدد مدى قدرة الحزب على أن يكون مؤسسة بالمعنى الحرفي للكلمة ، فإلى جانب التكيف والاستقلال والتماسك ، هناك التشعب التنظيمي كمحدد على نجاح الحزب كمؤسسة .وكان التنظيم الأول للحزب الوطني قد وضع بعد نشأة الحزب عام 1978 ، حيث أقر النظام الأساسي للحزب مع تأسيس الحزب برئاسة الرئيس الراحل محمد أنور السادات . وقد تم ذلك إبان المؤتمر العام الأول للحزب ، الذي عقد خلال الفترة من 29 سبتمبر–1 أكتوبر عام 1980 بجامعة القاهرة. أما البناء التنظيمي للتجمع فقد وضع في 10 – إبريل 1980 ، أي بعد مرور أكثر من 3 سنوات من نشأة الحزب ، وذلك نتيجة التفاوض والاتفاق بشأنه بين القوى الرئيسية الثلاثة التي تشكل الحزب على أساسها كجبهة أو تجمع وهي الناصريين والماركسيين والقوميين . وتضمنت الهياكل التنظيمية للحزب الوطني ولحزب التجمع العديد من الهياكل النوعية ، التي ضمت قطاعات محددة كالتنظيم والإعلام والمرأة والعمال والشباب والمهنيين . كما شكل الحزبان العديد من الهياكل الجغرافية التي بدأت من الوحدة الحزبية ، وهي القرية أو الشياخة أو العزبة أو التجمع السكاني (لا يقل عن 200 عضو في الحزب الوطني أو 5 أعضاء في التجمع)، ثم المركز أو القسم أو الحي ، فالمحافظة ، فالمستوى القومي العام . وقد عدل النظام الأساسي للحزب الوطني بشكل جذري وهيكلي في المؤتمر العام الثامن له ، الذي عقد في سبتمبر عام 2002 ، أي بعد ما يقرب من نحو ربع قرن على نشأة الحزب . كما عٌدل النظام الأساسي للتجمع في المؤتمر العام الطارئ للحزب المنعقد في 19 ديسمبر 2002 . وقد جاء تعديل النظام الأول كنتيجة للانتخابات البرلمانية لعام 2000 ، وما أسفرت عنه من تدهور في مكانة الحزب الوطني ، وجاء تعديل النظام الثاني كنتيجة للتغييرات العالمية التي أدت لانهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية . ويناقش هذا القسم الدراسة حال البناء التنظيمي للحزبين ، من خلال التطرق إلى الأمور التنظيمية نفسها ، فيتناول إعادة هيكلة الحزب ، وقضايا العضوية ، والمستويات القيادية في الحزب ، ويتطرق بالنسبة إلى الحزب الوطني لأمانة السياسات التي استحدثها النظام الأساسي الجديد للحزب.
1 – إعادة هيكلة الحزب بدأ الاتجاه إلى التغيير في هياكل الحزب الوطني في مطلع القرن الحالي ، وفي حزب التجمع عقب انهيار المنظومة الاشتراكية . ففي الحزب الوطني أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية التي خاضها الحزب عام 2000 ، عن حدوث انتكاسة حقيقية له ، حيث حصد مرشحوه الرسميون على حوالي 37.8% من مقاعد البرلمان ، الأمر الذي كان لزاماً معه القيام بإحداث تغييرات هيكلية ، قادها جيل الشباب بالحزب . صحيح أن البعض رأى أن هذا التغيير التنظيمي استمد أهميته من أسباب شخصية مرتبطة بكون القائم بهذا التغير هو أبن الرئيس ، إلا أنه لا يمكن إنكار أثر انتخابات 2000 كعامل حاسم في تبني التغييرات ، خاصة وأن هؤلاء الشباب كانوا متواجدين في الحزب منذ نهاية العقد الأخير من القرن الماضي ، إلى جانب الحرس القديم .من ناحية أخرى ، رأى هذا الجيل أن هناك تحدياً آخر ، تمثل في حتمية إجراء تحول في هياكل الحزب من هياكل بيروقراطية جامدة ، إلى مؤسسات للتكوين السياسي تركز همومها حول قضايا الوطن .وجاءت التطورات الخارجية لتعزز من مبررات التغيير داخل الحزب الوطني وحزب التجمع أيضاً ، بما يشمل إحداث إصلاحات جوهرية . على أن تلك التغيرات تباين مصدر تأثيرها الخارجي على الحزب . ففي حزب التجمع كان العامل الخارجي المهم هو انهيار الاتحاد السوفيتي ، واندثار دول المنظومة الاشتراكية في أوروبا ، وما تبع ذلك من انزواء فكرة الاشتراكية بشكل عام . أما في الحزب الوطني ، فقد شهدت الساحة الدولية زخماً كبيراً آخر عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وما أعقبها من تداعيات أثرت دون شك على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، في كافة بلدان العالم بما فيها مصر . وقد كانت نتيجة تلك الأحداث أن أصبحت السياسة الأمريكية أكثر جموحاً في اتجاهها إلى التدخل في الشئون الداخلية لبعض البلدان . وكان لهذا التطور أثاره على مصر التي تعرضت لضغوط أمريكية من أجل إصلاح أوضاعها الداخلية . وفي هذا السياق ، اقترنت الدوافع الداخلية (انتخابات 2000) بالتغيرات الخارجية في إحداث تحول في الحزب الوطني ، عبر إصلاح هياكله ، حيث بدأ التيار الممثل في أمانة السياسات في السعي إلى الاستفادة من تجارب حزبية ناجحة ، وخصوصاً من بريطانيا وشيلي وإيطاليا ، حيث تم الوقوف على تجارب حزب العمال البريطاني والحزب المسيحي الديمقراطي الشيلي وحزب فورزا إيطاليا. على أنه رغم ما لوحظ من رغبة حقيقة في تطوير الأداء الحزبي . إلا أن هذا التطور ظل بطيئاً ، إذ لم يمس التغيير المستويات القيادية للحزب . أما في حزب التجمع ، فقد حدث فيه تغير في المستويات القيادية للحزب ، وذلك باستقالة خالد محي الدين من رئاسة الحزب بعد ربع قرن من تولي مهام القيادة .
2 - قضية العضوية
أثرت التغييرات التي جرت علىالحزب الوطني وحزب داخل التجمع على فكر الحزبين وموقفهما من الإعلان عن الأرقام الحقيقية أو التي تبدو أقرب للحقيقة بشأن العضوية في كل من الحزبين. ففي السابق كان هناك نوع من الغموض وأحياناً تضارب البيانات عن عدد أعضاء الحزبين ، وباقي الأحزاب المصرية الأخرى ، نتيجة عدم وجود إحصاء دقيق ، أو الرغبة في المبالغة في الأرقام مانةً في تركيب جماهيرية الحزب . وفي الحزب الوطني الديمقراطي تحديداً ، كان هناك استمرار في العمل بالتقاليد التي كان يتمسك بها التنظيم الواحد ، وهي تقاليد تشير إلى أنه طالما أن عملية تداول السلطة أمر غير مطروح ، فمن ثم لا توجد أهمية للأمور المرتبطة بإحصاء العضوية ، خاصة وأن الدور الذي يعوله الحزب على الجماهير وعلى التعبئة الجماهيرية يبقى محدوداً للغاية ، نظراً لغياب وسيلة حزبية فعالة للاتصال السياسي الداخلي ، الأمر الذي يدعم من سلطة المركز على حساب القواعد ، بما يفضي لإهمال آلي للجماهير ، وربما هذا هو الذي يفسر عدم مواءمة العضوية الكبيرة للحزب –بغض النظر عن ماهيتها- مع النشاط والأداء التنظيمي المحدود له ، وهو ما يبرز على سبيل المثال إبان الانتخابات ، حيث يعتمد الحزب على جهاز الدولة أكثر من اعتماده على كوادره وتنظيماته . وعلى العكس من ذلك ، فإن عدم وضوح موقف التجمع من أرقام العضوية ارتبط بأسباب أمنية على ما يبدو ، أي الخشية من ملاحقة أعضاء الحزب ، كما حدث في نهاية السبعينات .
وأخيراً ، فإن غياب إحصاء دقيق للعضوية بالحزب الوطني يرتبط بمسألة التنظيم . فإحصاء العضوية يعتمد دون شك على استمارات العضوية المحفوظة بأمانة التنظيم والأعداد التي تبلغ من أمانات المحافظات ، وهذا الحفظ يعتوره الكثير من المشكلات لعدم وجود نظام مركزي بشأنه ،إن كان وضع هذا النظام قد بدأ .... الحزب ... ناهيك عن أن بعض الأشخاص (في الحزبين) قد يكونوا منضمين للحزبين رسمياً لكن نشاطهم قد توقف نتيجة السفر للخارج ، أو الانشغال بأمورهم الحياتية والاقتصادية . وعلى أية حال ، فإن إحصاءات العضوية بالنسبة للحزب الوطني الديمقراطي ، تشير إلى أن عدد أعضاء الحزب يبلغ مليون و900 ألف عضو (وفقاً لبيانات أمانة التنظيم لعام 2005 ، ونقلاً عن الأهرام 8/10/2005) . ويتولى الحزب أنه قام منذ عام 2002 بتحديث العضوية ، وملء استمارات ورقية لكافة الأعضاء ، واستخراج بطاقة إلكترونية لكل عضو . أما بالنسبة لحزب التجمع ، فوفقاً لوثيقة داخلية ، فإن مجموع عضوية الحزب 65448 عضواً ، وذلك طبقاً لبيانات ديسمبر 2003 (الأهرام 8/10/2005) ، ويجرى التجمع بشكل دوري إحصاء لأعضائه كل 4 سنوات.
وعامة ، فقد أقر النظامان الأساسيان للحزبين الشروط الواجب توافرها فيمن يكون عضواً بالحزبين ، ففي الحزبين يجب أن يكون العضو متمتعاً بالجنسية المصرية ، وإلا يقل عمره عن 18 عاماً ، وألا يكون في الوطني قد صدر بحقه أحكاماً مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره ، وألا يكون (وفقاً للحزبين) عضواً بحزب آخر . أما في التجمع ، فيكون العضو حسن السمعة بين مواطنيه . وقد حذف من شروط العضوية بالوطني في النظام الأساسي الجديد ما سطر بالنظام الأساسي القديم من "أن يكون المواطن متمسكاً بالقيم الدينية". إضافة إلى ذلك ، اشترط الحزب الوطني ولم يشترط حزب التجمع ، في النظام الأساسي الجديد للأول –ضمن شروط أخرى- فيمن بقبل عضواً بالحزب "أن يكون العضو مقيداً بالجداول الانتخابية"(م58) ، وفي ذلك دليل على رغبة الحزب في دعم المشاركة السياسية ، التي تدهورت كثيراً بالنظر إلى نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية في العقود السابقة ، وهو أمر ارتبط بمناخ الثقة في الانتخابات ، وكذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية .أما فيما يتعلق بالجزاءات وقواعد الانضباط الحزبي ، فقد أشار النظام الجديد للحزب الوطني إلى تأليف -بما يشير لمعنى التعيين- أمانة القيم والشئون القانونية ، ورغم أن تلك الأمانة هي ضمن أمانات الحزب المركزية، إلا أن النظام جعل تبعيتها لرئيس الحزب مباشرة ، وذلك في محاولة لإعطاء أهمية كبيرة لها . أما في التجمع فهناك لجنة "الانضباط الحزبي" تشكل بالانتخاب وتتألف من رئيس ونائب رئيس و7 أعضاء على الأقل ، ولا يشغل هؤلاء (على عكس الحزب الوطني) أية مسئولية قيادية أخرى (م61) . وفي نفس الإطار ، أكد النظام الأساسي الجديد للحزب الوطني على أن الترشيح للانتخابات العامة يتم عبر المجمعات الانتخابية . وهذا نظام غير معمول به في التجمع ، وقد جاء ت به لائحة الوطني مخالفاً بذلك توجهات الحرس القديم ، الذي كان يرغب في الهيمنة بشكل مطلق على إعداد قوائم مرشحي الحزب في الانتخابات ، حتى لو أدى الأمر إلى المنافسة بين الأعضاء في الدوائر الانتخابية كما كان يحدث بالفعل . وقد جاءت تلك الفكرة في محاولة لإنهاء احتكار هؤلاء ، ولتضع معياراً موضوعياً للترشيح في الانتخابات ، ولكن الممارسة أو التطبيق بالنسبة للمجمعات الانتخابية أخذت إخفاقها في تحقيق هذا الهدف.وقد أستحدث النظام الأساسي للحزب الوطني فيما يتعلق بالعضوية ، مادة تحدثت عما سمي "إسقاط العضوية" (م63) . وقد تناولت تلك المادة ثلاثة حالات للإسقاط هي : - إذا فقد العضو شرطاً من شروط العضوية ، وإذا أتي أفعالاً تضر بالحزب . أما الحالة الثالثة وأكثرها أهمية ، فهي إسقاط العضوية "إذا ساهم العضو في دعم مرشحين من خارج الحزب في الانتخابات العامة" . جدير بالذكر ، أن هذه الحالة تكررت كثيراً في الانتخابات البرلمانية التي جرت سواء بالنسبة لمجلس الشعب أو مجلس الشورى منذ عام 1990. على أن ما هو ملفت للنظر في هذا الشأن هو أن النظام الأساسي الجديد قد ذكر مثل هذه الحالة ، وأهمل حالة انتخابية شائعة أخرى ، كان دائماً يهدد فيها بالفصل دون أن تتخذ قراراته موضع التنفيذ ، وهي حالة الترشيح للانتخابات البرلمانية خارج قوائم الحزب . لكن النظام الأساسي سرعان ما استدرك ذلك في م 67 حيث أكد على أنه "لا يجوز لأي عضو في الحزب خوض الانتخابات بالمخالفة لها ، وإلا تمت مساءلته وفقاً لأحكام هذا النظام" . والملاحظ هنا أن المادة لم تشر إلى عقوبات لتلك المخالفة ، على عكس ما تناولته المادة السابقة (م63) والتي أشارت لعقوبة إسقاط العضوية في مخالفات أقل من تلك المخالفة من حيث الموضوع ، وهي مخالفة مشايعة مرشحين منافسين للحزب . وفي التجمع تشير المادة 64 إلى وقوع مساءلة العضو أو الهيئة الحزبية تأديبياً في حالات الخروج على صيغة التجمع أو عدم الالتزام بمبادئه أو برنامجه ، وعدم الالتزام بأحكام النظام الأساسي ، وارتكاب فعل مخل بالشرف أو ضار بسمعة الحزب الجماهيرية ، والانضمام لتنظيم أو حزب سياسي آخر . وكافة هذه الأمور تظهر بعض العمومية في تحديد المخالفات مقارنة بالتحديد الأكثر دقة في مخالفات أعضاء الحزب الوطني لنظامه الأساسي .
أما فيما يتعلق بطبيعة الجزاءات فعلى عكس التجمع ، بدأ الوطني بإسقاط العضوية (م63) ، ثم التظلم من ذلك (م64) ، ثم تقرير العقوبة النهائية وفق التدرج التالي : - تنبيه العضو أو اللوم أو الإنذار ، أو الحرمان من عضوية مستوى تنظيمي أو أكثر لمدة لا تجاوز عام ، وتجميد العضوية لمدة لا تتجاوز العام ، ثم إسقاط العضوية . أما التجمع فكان أكثر تنظيماً لهذه الأمور إذ فرقت لائحته التنظيمية بين جزاءات توقع على الأعضاء وتتضمن تصاعدياً لفت النظر ، واللوم ، والوقف لمده 6 أشهر ، والتنزيل لمستوى أدني، و الإنذار بالفصل ، والفصل . وجزاءات توقع على الهيئات الحزبية وتتضمن تصاعدياً لفت النظر، واللوم ، والإنذار بالحل ، والحل . وقد أقرت لائحة الحزب (م67) بوجود وضع خاص لأعضاء اللجنة المركزية ، إذ أشارت إلى ضرورة موافقة ثلثي أعضاء اللجنة الحاضرين قبل اتخاذ قرار الفصل أو التنزيل لمستوى أدنى . وأشارت اللائحة إلى عدم إتمام ذلك الأمر إلا بعد تحقيق "لجنة الانضباط" . إضافة إلى ذلك -وإمعاناً في إعطاء أهمية أكبر للمناصب الأرقى في الحزب- أجازت اللائحة للأمانة العامة تجميد نشاط العضو المنتمي إليها لحين انعقاد أول دورة قادمة للجنة المركزية ، وألا يحرم العضو المجمد نشاطه من عرض وجهة نظره أمام الهيئات الحزبية المختلفة .
3 – المناصب القيادية في الحزب
أ – شكل رئاسة الحزب
مر الحزب الوطني الديمقراطي بمسألة خلافة قيادته دون حدوث أية مشكلات تنظيمية داخله ، فبعد وفاة الرئيس السادات ببضعة أشهر انتخب الحزب أمينه العام الرئيس حسني مبارك في موقع الرئاسة ، وقد تم ذلك دون حدوث مشكلات تنظيمية. ويبدو أن نجاح الحزب الوطني في هذا الأمر قد ارتبط بالصلة الوثيقة بين الحزب وجهاز الدولة ، إذ أن وجود رئيس الدولة على رأس الحزب قد جنبه ليس فقط أية مشكلات قد تحدث نتيجة الخلافة داخله ، بل وأية مشكلات قد تتعرض لها تركيبة النظام الحزبي بل والنظام السياسي برمته .أما فيما يتعلق باختيار رئيس الحزب الوطني ، فهو يتم بالانتخاب من بين أعضاء المؤتمر العام للحزب لمدة خمس سنوات ، لكن لم تعرف انتخابات الرئيس حتى الآن أية منافسة تذكر منذ نشأة الحزب حتى الآن . وفي حزب التجمع ينتخب المؤتمر رئيس الحزب ويحاسبه . على أن هذا الاختيار مرتهن بمده استمرار المؤتمر ، وهي أربع سنوات .
وهذا هو الوضع السائد في الأحزاب المصرية ، حيث ينص النظام الأساسي في انتخابات دورية في الحزب ، باستثناء حزب الوفد الذي ينص نظامه الأساسي على أن رئيس الحزب ينتمي لمدة غير محددة . وقد خلق هذا النص أزمة حادة داخل الحزب منذ رحل فؤاد سراج الدين عام 1980. أما فيما يتعلق بسلطات رئيس الحزب الوطني وحزب التجمع ، فالملاحظة العامة ، هي أن تلك السلطات تختلف كثيراً وتتباين بشكل كبير بين الرئيسين ، حيث تبدو لدى رئيس الحزب الوطني أوسع منها بالنسبة لرئيس التجمع ، وعلى أية حال ، فقد عددت لائحة النظام الأساسي للحزبين السلطات التنفيذية والإدارية لرئيسي الحزبين في أماكن متفرقة من اللائحة ، وهو ما سيتم التطرق إليه عند تناول اللائحة التنظيمية الداخلية لكل الأحزاب المصرية.
ب – الأمين العام للحزب
يتسم منصب الأمين العام في أي تنظيم حزبي بالمحورية ، نظراً لأنه هو القائم على الإدارة اليومية لشئون الحزب ، والذي يحل عملياً محل رئيسه، حتى لو وجد نواب للرئيس . على أن ما هو مثير للمفارقة بالنسبة للحزب الوطني الديمقراطي ، هو أن على العكس مما هو مفترض من أن يمارس الأمين العام للحزب سلطات واسعة النطاق إلى جانب أمين التنظيم وأمين السياسات ، خاصة مع انشغال رئيس الحزب بمهامه الأخرى المتعلقة برئاسة الدولة , إلا أن رؤية لائحة النظام الأساسي للأمين العام وسلطاته ، ظلت غامضة إلى حد كبير . كما أقرت اللائحة انتخاب الأمين العام من أعضاء الحزب دون أن يشترط عضويته في الأمانة العامة أو المكتب السياسي .
من ناحية أخرى ، فإن النظام الأساسي للحزب الوطني أعطى رئيس الوزراء –متى كان عضواً في الحزب- ولم يعط للأمين العام للحزب حق رئاسة اجتماعات كلاً من الأمانة العامة واللجنة البرلمانية (هيئة للتنسيق بين الحكومة والحزب والهيئة البرلمانية) . وهو الأمر الذي يشكل انتقاصاً من السلطات المفترضة للأمين العام في مواجهة رئيس الوزراء الذي لم يشترط النظام الأساسي مدة محددة لعضويته في الحزب ، وهي المدة التي قد تكون أدنى من المدة التي شغلها شخص الأمين العام في عضوية الحزب .
إضافة إلى ذلك ، فإن هناك بعض التناقض فيما يتعلق بموقف الأمين العام للحزب الوطني من إدارة الهياكل التنظيمية للحزب ، إذ على الرغم من أن لرئيس الوزراء حق رئاسة الأمانة العامة في حضور الأمين العام ، فإن للأخير حق رئاسة هيئة مكتب الأمانة العامة التي تقوم بأعمال الأمانة العامة ، وتسير شئون الحزب اليومية .
وبشكل عام ، فقد شغل منصب الأمين العام للحزب الوطني منذ نشأته حتى الآن ستة أشخاص هم فكري مكرم عبيد (78-1980) ، وحسني مبارك (80-1982) ، وفؤاد محي الدين (82-1984) ، وصبحي عبد الحكيم (84-1985) ، ويوسف والي (85-2002) ، وصفوت الشريف ( 02-الآن)
أما في حزب التجمع ، يتم انتخاب الأمين العام للحزب من قبل اللجنة المركزية . وعلى الرغم من أن سلطات الأمين العام محدودة
للغاية من الناحية العملية مقارنة برئيس الحزب ، إلا أن اللائحة عهدت بالأمين العام القيام بمتابعة الإدارة اليومية لشئون الحزب السياسية والتنظيمية وتنظيماته وأجهزته المختلفة بالتشاور مع رئيس الحزب ، وكذلك الاتصال بين المستويات المختلفة . وأقرت اللائحة بقيام الأمناء العامين المساعدين بهذه المهمة في حالة تغيب الأمين العام (م56) . من ناحية أخرى، وتماشياً على ما يبدو مع عدم افتقاد الأمين العام سلطاته فأقرت اللائحة –من حيث الشكل- بوجود الأمين العام للحزب ضمن أعضاء المكتب السياسي والأمانة المركزية . على هذا الأساس ، يمكن القول أن وضع الأمين العام في حالة الحزب الوطني الديمقراطي وحزب التجمع ، أصبح متقارباً إلى حد كبير
ج- أمانة السياسات
تعتبر أمانة السياسات ضمن الأمانات الكثيرة داخل الحزب الوطني ، وليس لهذه الأمانة نظير داخل حزب التجمع .
عندما دعا الحزب الوطني الديمقراطي لعقد مؤتمره العام الثامن في سبتمبر 2002 ، كان هناك شعار مميز رفعه الحزب وأسماه "فكر جديد" ، وقد تواكب ذلك مع الإعلان عن تغيير النظام الأساسي للحزب ، الذي وضع عقب نشأة الحزب عام 1978 . وكان أحد أهم ما جاء به النظام الأساسي هو ما عرف بأمانة السياسات . وقد احتلت تلك الأمانة دوراً بارزا في النظام الأساسي ، إذ كانت الأمانة الثانية بين ثلاثة عشرة أمانة من أمانات الحزب المذكورة في النظام الأساسي الجديد ، وكانت المهام الموكولة لها تعادل من حيث الحجم المهام الموكولة لنحو ثلاث أو أربع أمانات ، وفق نظرة سريعة للنظام الأساسي . وتتلخص مهام تلك الأمانة في "دراسة إعداد مشروعات وثائق السياسات العامة للحزب وبرنامجه العام ….كما تتولى إصدار الوثائق الأخرى المحددة في أساليب العمل وتتولى نشرها" . وتتبع الأمانة مجلس أعلي يسمى "المجلس الأعلى للسياسات" وهو مجلس يتألف من عدد لا يتجاوز 200 عضواً ويحق للأمانة وللمجلس تكوين "لجان السياسات المتخصصة" لدراسة الموضوعات المحالة إليهما ، وللأمانة إحالة ما تراه من موضوعات إلى هياكل الحزب في المحافظات لمناقشتها وإبداء الرأي فيها ، وإعادة عرضها على أمانة السياسات .
وعلى الرغم من وجوب عرض ما تقره أمانة السياسات على الأمانة هذا لا يحدث دائماً . وقد فسر الكثيرون هذا الأمر بأسباب شخصية ، ومنهم من فسروه بأسباب تتعلق بعضوية تلك اللجنة التي تتألف من العديد من قادة الرأي والمثقفين وأساتذة الجامعات وغيرهم . وعلى أية حال ، فإن تلك اللجنة قد استطاعت أن تستقطب الكثير من الشباب ممن يحملون "فكراً جديداً" وهو ذات الشعار الذي حمله المؤتمر العام الثامن للحزب ، مما جعلها تنشئ وضعاً جديداً لم يعتده الحزب ، منذ أن هيمن عليه الحرس القديم حتى مطلع القرن الحالي . وربما كانت تلك الهيمنة هي التي جعلت هذه الأمانة تسعى إلى تجنب السيطرة على توجهاتها من قبل الأمانة العامة أو المكتب السياسي ، التي كان الحرس القديم يهيمن عليها بشكل كامل قبل انعقاد المؤتمر العام الثامن للحزب.
وقد شهد تشكيل أمانة السياسات فور الإعلان عنها تكالب العديد من المثقفين وأساتذة الجامعات للعضوية فيها ، وكان بعض هؤلاء من غير المنضمين بداية لعضوية الحزب ، لكنهم آثروا الانضمام إليه لأسباب عديدة منها الرغبة في المشاركة في تحديد مستقبل بلدهم عبر الحزب الذين أملوا إصلاح الوضع داخله منذ سنوات كثيرة ، ومنها الاطلاع عن كثب عما يدور من تغييرات داخل الحزب ، خاصة في مواجهة الحرس القديم ، ومنها ما لم يتعد الرغبة في الوجاهة الاجتماعية على النحو الذي عبرت عنه أحاديث الكثيرين وتخميناتهم حول من دخل ومن استبعد في اللحظة الأخيرة من عضوية تلك الأمانة عشية تشكيلها . ومنها الحاجة للاقتراب من دوائر صنع القرار ومن رئاسة الأمانة على وجه التحديد . على هذا الأساس ، تبقى أحد أهم التحديات أمام تلك اللجنة في كيفية إنجاز مهامها من خلال هؤلاء الأعضاء ، الذين يتميزون بحس مهني عال وكفاءة علمية كبيرة وقدرة أكاديمية متميزة ، وفي نفس الوقت يتسمون بضحالة سياسية وخبرة محدودة في العمل الحزبي خاصة والسياسي عامة . وإن كان يذكر لهم حتى الآن الخوض في موضوعات شائكة تم اجتياز بعضها، ولا زال بعضها الآخر يتعثر بشكل واضح . وفي هذا الشأن يشار إلى تمرير أمانة السياسات بمجلس الشعب قانون إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان ، وقانون إلغاء محاكم أمن الدولة وتعديل قانون العقوبات والإجراءات الجنائية . ولكن بقيت المهمة الجسيمة وهي إلغاء العمل بقانون الطوارئ ، إضافة لمهام أقل خطورة نسبياً وهي تعديل قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية ، وقانون المنافسة ومنع الاحتكار .
وعلى أية حال ، فإن استحداث أمانة للسياسات ضمن أمانات الحزب النوعية ، قد جاء بتنظيم كفء غير معهود في الحزب لمناقشة الأمور والقضايا من أسفل إلى أعلى ، كما هو ملاحظ ومبين من خلال الكثير من الأمور التي ناقشتها أمانات السياسات على مستوى المحافظات ، وصعدت إلى المستوى القومي . وقد يكون ذلك مقدمة لإنهاء المعضلة الثلاثية التي طالما عانى منها الحزب منذ نشأته ورافقته حتى الآن وهي الحزب – الحكومة – جهاز الدولة ، وهو ما يعد التحدي الأكبر والأهم ليس فقط لتلك الأمانة بل للحزب برمته ، منذ أن رفع شعار "فكر جديد" إبان المؤتمر العام الثامن له في سبتمبر 2000 .
10 من الزوار الآن
917332 مشتركو المجلة شكرا