Categories

الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > تجارب وثورات > الجزائر :- مهمات الثورة ، ومخاطر تداعيات الدولة

11 أيلول (سبتمبر) 2013

الجزائر :- مهمات الثورة ، ومخاطر تداعيات الدولة

"قد يكون من السهل صنع تاريخ العالم ، لو كان النضال لايقوم الا ضمن ظروف تؤدي حتماً الى النجاح" – ماركس.
النضال التحريري الجزائري ومقاومة الشعب للغزو الاجنبي وللاحتلال الاستيطاني وان اتسم بما هو عام لحركة التحرر العربي ، فخصائصه الوطنية متميزة . ، بموروثها وارثها المتراكم عبر المعارك البطولية وخلال احقاب تاريخية سحيقة ..
ومنـﺫ القرن الثاني قبل الميلاد وحتى القرن السابع بعد ميلاد المسيح سجلت هذه الحقبة صفحات خوض معارك جماهيرية ضد الغزو " الروماني والواندالي والبيزنطي " وقد رفضت الجماهير الجزائرية قبول اعتناق الديانات التي جاء الغزاة للتبشير بها.
وفي القرن الثامن من التقويم الميلادي ، حيث انتشار الاسلام وقد لاحت تباشيره في الشمال الافريقي ، استقبله الشعب الجزائري بقناعة ، لايمانه ، بأن هذا الدين جاء محرراً للانسان الجزائري ، ناشراً مفاهيم حضارية هي " الثقافة العربية –الاسلامية " وان التعاليم التي جاء بها الدين الحنيف ، من نبذ للعنصرية ورفض المنطلقات الشعوبية والعدالة بين البشر وصون الكرامة الانسانية .
غداة الاحتلال الاستعمار –الاستيطاني الفرنسي للجزائر عام "1830 " تكونت بؤر المقاومة الشعبية للاحتلال ، وكان الامير عبد القادر الجزائري رمز هذه المقاومة المسلحة . وبعد مقاومة وكفاح بطولي استمر "17 " سبعة عشر عاماً ، ولان المعركة غير متكافئة استطاعت قوى العدوان الفرنسي من القضاء على مقاومة الامير عبد القادر ، لكن المقاومة لم تخمد برغم ذلك .. فالانتفاضات البطولية المسلحة بقيادات وطنيين بواسل مثل " بو معزة ، وسليمان جلابي ، وبوبغلة ، والشيخ الحداد والمقراني ، تلك الشواخص البارزة في التاريخ البطولي لنضال الشعب الجزائري " وعلى الرغم من اساليب القمع الوحشي للغزاة الفرنسيين ، فالمقاومة تواصلت وحمل شعلتها قادة ولدوا في رحم واحضان الشعب وعبدت طريق النضال وعلى وفق متطلبات المعارك واحتساب عواقب الظروف الموضوعية والذاتية وتواصلت العمليات المسلحة للمقاومة حتى الحرب العالمية الاولى .
ثم تطلبت مرحلة العشرية الاولى من القرن العشرين ايجاد تنظيمات سياسية تستوعب المستجدات على الساحة الدولية ، منها ، صدى وتأثير ثورة اكتوبر الاشتراكية "1917 ، ونتائج الحرب العالمية .. واقتضت ضرورات النضال ، كما صورتها بعض القيادات الوطنية الجزائرية تنظيم حركات سياسية وبانتهاج اساليب جديدة وقد تهيئت الظروف الذاتية حيث اشتداد الخلاف حول تايد او رفض مشروع "بلوم –فيوليت " وكان ليون بلوم زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي رئيساً للحكومة الفرنسية ، وموريس فيوليت ، حاكماً عاماً في الجزائر .
ويتلخص هذا المشروع في الاعتراف للمثقفين الجزائرين بحقوق المواطنة الفرنسية ، دون ان يتخلوا عن شخصيتهم الجزائرية . وقد ايد المشروع كل من جمعية العلماء المسلمين والحزب الشيوعي الجزائري ، والشيخ عبد الحميد بن باديس ، على الرغم من سلبياته .. اي "مشروع بلوم فيوليت " ، كان محاولة لربط القيادات السياسية والمثقفين منهم بمدار سلطات الاستعمار –الاستيطاني ، ومن المؤسف له ، حتى الامير خالد ، الذي بايعته قوى اصلاحية على التربع وتسنم سدة المسؤولية ، لم يكن ثورياً ، وشأنه في ذلك شأن قادة الاشتراكين –الديمقراطين ، وابعد ما يكون على طريق نضال الديمقراطيين –الثوريين ..
ليس غريباً على الثورين التعامل مع الانتهازيين ومواقفهم ، ابان التراجعات الخطيرة والانتكاسات السياسية ، واذا ما قيل عن موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وبتأيده لمشروع بلوم –فيوليت ، كخطوة على طريق الاندماج ، مع العلم هو القائل في رده على تخرصات فرحات عباس ، الذي تزعم اول حكومة مؤقتة للثورة الجزائرية وحتى سنة 1961 ، حيث اقيل بقرارات مؤتمر طرابلس ، وقد زعم فرحات عباس " .. انه استنطق التاريخ والاثار والمقابر .. الخ فلم يجد للامة الجزائرية العربية اثراً .. "
شعر الشيخ بن باديس :

" شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب
من قال حاد عن اصله او قال مات فقد كذب
او رام ادماجا له نال المحال من الطلب "
وحقيقة الامر من موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس ، هو اراد المناورة ، وكان لموقف الحزب الشيوعي المؤيد لراى الشيخ بن باديس ما يزيل الشبهات .
كان لقرارات المؤتمر الاسلامي في الجزائر ، الذي انعقد في "7 /حزيران عام 1936 ، وقد جمع الكثير من ذوي الميول والاتجاهات السياسية ، ابتداء من " منظمة نجم الشمال الافريقي حتى اتحاد المنتخبين الذي كان مؤلفاً من المثقفين البرجوازيين بقيادة الأصلاحي "الدكتور محمد جلول " وهؤلاء من دعاة الاندماج بفرنسا . وقد نشب خلاف حاد داخل قاعات المؤتمر الاسلامي ، حول تأيد مشروع "بلوم –فيوليت " من عدمه .. واذا ما عولت القوى الاصلاحية على تنفيذ ذلك المشروع ، فأن مقدمي المشروع انفسهم تراجعوا عن المضي في تنفيذه ..
ان المنظمات التي ارادت انتهاج العمل السياسي في ظل الاحتلال والسيطرة الاستيطانية ، بدأ بمنظمة النجم الشمال الافريقي التي ما فتئت بالمطالبة باستقلال الجزائر منذ ان تكونت عام 1924 حتى ان اعلنت عن حل نفسها جراء الارهاب والضغوط ، التي مورست ضدها .. "1937 ".
ان التنظيمات السياسية ، التي ارادت قيادة النضال الوطني ، بعد ان حل حزب نجم الشمال الافيقي تنظيماته ، مثل حزب الشعب ، او منظمة احباب البيان ، او الاتحاد الديمقراطي للبيان ، او حركة انتصار الحريات .. والعديد من تلك المسميات ، بما فيها اللجنة الثورية للوحدة والفعل نضال تلك القوى جميعها قد آل الى الطريق المسدود ، واذا ما تأجلت ساعة المعركة ، فضرورتها بقيت قائمة ...
ان الاتجاه الاصلاحي الداعي الى اخضاع وجود الكيان الوطني الجزائري الى مخطط اندماج الجزائر بفرنسا ، والتخلي عن الكفاح المسلح، والاكتفاء بما يجود به المحتلون الفرنسيون رفض رفضا باتا . وان قوة الارادة الشعبية وحدها وايمانها باستحالة الوصول الى حل وتحقيق الاستقلال الوطني بالطرق السلمية ، فالاحتلال الذي سيطر على الجزائر بالقوة ، لن يخرج الا بالقوة ايضاً ..الخ
العمل المسلح والمقاومة الشعبية ، وهذه المرحلة الخطيرة من مراحل النضال الوطني الجزائري حيث اندلاع الثورة في الاول من تشرين الثاني .
كان بيان الاول من تشرين الثاني /1954 ، برنامجاً مرحلياً للثورة الجزائرية ، ونهجاً سياسياً لقيادة الثورة ، وهي تشكيلة من طراز جديد ، تخطت روتين الاحزاب والمنظمات التي كانت قائمة ، وان وظفت ما متراكم من خبرة وارث ثوري ..
عندما اندلعت الثورة وصدر بيان الاول من تشرين الثاني عام / 1954 ، لم يكن هنالك تصوراً عاماً وشاملاً باجماع كل افراد الشعب حول قيادة الثورة .. ، الا ان الخطوط العريضة للبيان جاءت لتوضيح السبل الضرورية لمواصلة النضال وتعبئة الجماهير لخوض حرب تحرير طويلة وشاقة ..
ان بيان الثورة " البيان الاول " في الاول من تشرين الثاني / 1954 ، وان كان موجزاً لايتعدى الصفحتين ، لكنه في مضمونه كان برنامجاً مكثفاً ومضغوط المحتويات والمضامين الثورية ، فالبيان ، يعني ايعازاً واجراء .. وتلخصت خطوطه العريضة بما يلي :-
البرنامج السياسي :الاستقلال الوطني ، بالتحرر واقامة الدولة الجزائرية ، على اسس المبادئ التالية ، الجزائر عربية في اطار امتها العربية واقليمها المغرب العربي ، الجزائر اسلامية وعلى اساس الشريعة السمحاء والدين الحنيف " اسلام المستضعفين " الجزائر افريقية ، ضمن هذه المنطقة والقارة السمراء بامتداداتها القومية والوطنية ..
واشار البيان الى الاهداف الداخلية والتنظيمية ، وتشخيص وسائل الكفاح المسلح ، وتحقيق اهداف الثورة بجميع اساليب النضال .. ، مثيراً الى تدابير اجرائية ، تطلبتها مرحلة الكفاح المسلح وظروفه الذاتية القائمة آنذاك .. واختتمت وثيقة النداء الاول بفقرة مناشدة الجزائريين بالقول ".. ايها الجزائري ..اننا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة ، وواجبك هو ان تنضم اليها ، لانقاذ بلادنا والعمل على ان نسترجع له حريته ، ان جبهة التحرير الوطني هي جبهتك ، وانتصارها هو انتصارك ...
اما نحن ، العازمين على مواصلة الكفاح ، الواثقين من مشاعرك المناهضة للامبرياليين ، فاننا نقدم للوطن انفس ما نملك .."
ان الطروحات السياسية ، التي جاء بها بيان الاول من تشرين الثاني /1954 ، دحضت كل المقولات التي رددها عملاء الاحتلال الاستيطاني الفرنسي ، ومنظريه .. ومن المؤسف له ان الحزب الشيوعي الجزائري ، والذي كان فرعاً من الحزب الشيوعي الفرنسي هو احد القوى التي روجت كون الشعب الجزائري "الامة " في طور التكوين والتي لخصها خطاب موريس توريس اثناء زيارته في "11/شباط /عام 1939 حيث اسهب في سرد تاريخ الاقوام والجماعات التي استوطنت الجزائر ، والى ابرز شخوص تلك الجماعات ، ومنها القديس اغسطين والاب "دونات .. لكنه مر على عجالة واستصغار بالحضارة العربية الاسلامية ، والدور الريادي في تحرير الشعوب ومنها الشعب الجزائري الذي يعتز بعروبته وبمعتقده الاسلامي .. واذا ما اشار توريس في خطابه " ان الشعب الجزائري يتكون من اختلاط عشرين جنساً اثنياً وعرقياً .. " فمسار التاريخ وتفاعلاته تؤكد ولادة ها الشعبي في رحم امةٌ رؤوم.
وما جاء بميثاق الجزائر " .. ان الشعب الجزائري شعب عربي مسلم . والواقع انه منذ القرن الثامن الميلادي اعطى الاسلام والتعريب لبلدنا الوجه الذي حافظ عليه حتى اليوم .." اما الميثاق الوطني الجزائري ، الذي اقر باستفتاء شعبي عام / 1976 ، فدحض مقولات المشككين بتكوين الشعب الجزائري ، او القائلين ، بانه شعب في طريق التكوين ، بالقول :الامة لاتتكون من اجناس شتى واعراق متنافرة ... "
ان جبهة التحرير الوطني الجزائرية ، التي قادت الكفاح المسلح ، وخاضت مختلف سبل النضال حتى تحقيق النصر في اقامة الجمهورية الجزائرية الشعبية والديمقراطية في "5/تموز /1962 " لم تكن جبهة ائتلاف بين قوى واحزاب سياسية ، حتى وان اتفقت على اهداف مشتركة ،فهي تحمل بداخلها عوامل الفرقة والاحتراب ، انما هي اتحاد مناضلين حتى ان اختلفت مناشئ تكويناتهم السياسية ، ما قبل العمل المسلح فانهم انصهروا في تشكيلة جديدة "موحدة الارادة والفكر والتنظيم " لهذا اشترطت قبول المناضلين بصفاتهم الشخصية والتخلي كلية عن الولاء والارتباط الحزبي السابق ..
واذا ما التحق بالثورة مناضلون ومن مختلف المنظمات السياسية والمهنية ، التي شكلت قبيل اندلاع الثورة وصدر بيانها الاول " 1/11/1954 " فان تخلف الحزب الشيوعي الجزائري عن الالتحاق بالجبهة ، على الرغم من تضحيات رفاق قيادين وكوادر متقدمة واستشهادهم على طريق الثورة وهم "العمراني العيد ، والطاهر غمري ، وطالب بوعلي ، وجورج رافيتي ومحمد قروف "وهؤلاء اعضاء في اللجنة المركزية للحزب ، بالاضافة الى العديد من الكوادر المتقدمة .والجماهير الحزبية ، التي احتضنت الثورة بفعل توجيهات الشيوعين في الحض والاثارة بالاشتراك بالكفاح المسلح ..
كان لالتحاق الضابط الشيوعي الفرنسي "هنري مايو " بصفوف الثورة ، ، وبصحبته شاحنة محملة بمئات قطع السلاح الحديثة وبعتادها ، وتطوعه لتدريب حضائر المقاتلين وتعليمهم كيفية استخدامها الاثر المعنوي في رفع معنويات المجاهدين ، وتباشير الانعطاف ويقظة الشعور الاممي لمساندة الثورة الجزائرية .
تميزت الثورة الجزائرية بخصائص متفردة ، قياساً لما هو عام ومشترك في ثورات وانتفاضات حركة التحرر العربي .. وما هو خاص ومتميز للثورة الجزائرية ، هو طبيعة قوى الثورة المنخرطة في الجهاد "فلاحون وشغيلة وعسفة المدن والحواضر وطلبه.." وطبقية قياداتها الرئيسة . كانت قيادات الثورة متحررة من ادران الملكية الخاصة ، ومتجردة من المصالح الاستغلالية ، اي انهم نخبة من الديمقراطيين الثورين ، استأثروا بتصدر الجهاد واثروا على انفسهم التضحية والاستشهاد وللمثال لا التعميم " مصطفى بن بولعيد ، ديدش مراد ، العربي المهيدي ، زيغرد يوسف واحمد بوقرة .. واخرين " ..
واذا ما صورت سلطات الاحتلال الاستيطاني الفرنسي في بداية الثورة وانتشار خبر اعلانها وصدى بيانها الاول ، بانها اعمال عصابات وبضعة اشخاص من قطاع الطرق ومتمردين على القانون ، فهذه السلطات الفرنسية –الكولونيالية ، واجهت مقاومة منظمة ، وتكبدت جيوشها خسائر فادحة في مناطق جبال " الاوراس واودية وشعاب الشمال القسطنطيني ، بعد اقل من ثلاثة شهور على اندلاع الثورة " اذار / 1955 "
واذا ما استشهد قائد منطقة الشمال القسنطيني "ديدش مراد " ووقع في الاسر قائد منطقة الاوراس " مصطفى بن بولعيد واعتقال عضو لجنة التنسيق في العاصمة الجزائرية " رابح بيطاط " فسرعان ما جرى تعويض هذه النخبة بقادة من خزين الثورة ..
في اوائل عام "1955 " قررت سلطات الاحتلال –الاستيطاني الفرنسي اجراء انتخابات فرعية للمجلس الوطني الفرنسي في الجزائر . وقد قاطعتها قيادة الثورة ، وايدتها منظمات شعبية ومهنية ، كما قاطعتها " جماهير المنظمات والاحزاب التي حلت نفسها والتحق اعضاؤها كافراد في صفوف المقاومة .. وكان على الشيوعيين الجزائريين مقاطعتها ايضاً ، لكنهم وبتأثير سياسة الحزب الشيوعي الفرنسي اشتركوا بهذه الانتخابات ، رغم تأيدهم المعلن للثورة وقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية .. ، وقد نجم عن هذه السياسة عزلة الحزب الشيوعي الجزائري عن الجماهير ووصم تاريخ نضاله المجيد بشوائب الادانة المبررة ..
ان على الشيوعيين اينما كانوا مقاومة الاحتلال والانخراط في النضال الوطني التحرري ، هذا ما اكدته قرارات الاممية الشيوعية الثالثة "الكومنتيرن " في اجتماعها " السادس والسابع والتوجيهات ، التي ارسلها سكرتير الاممية الثوري "جورجي ديمتروف " وملخصها :على قيادات الاحزاب الشيوعية العربية العمل على "أ-تعريب قيادات احزابها ، اي ان تتولى قيادة الحزب الشيوعي في القطر العربي ، قيادة عربية بما في ذلك سكرتير الحزب .
ب- المشاركة الفاعلة بل والطلائعية في قيادة حركة التحرر العربي ، والانتفاضات ضد السيطرة الاجنبية .." ، مع الاسف هذه التوجهات والتوجيهات لم يؤخذ بها ، لهذا تخلف الشيوعيون عن مواكبة الركب واحتلال المواقع القيادية في حركة التحرر العربي ..
اتخذت قيادة الثورة ، وعلى الرغم من التضحيات وخسارة بعض القادة ، قرارات بتنفيذ خطط مرحلية "تاكتيك " لبدأ مرحلة الهجوم ، لانتفاضة "20/اب /1955 ، لتعم كل التراب الجزائري وبوقت واحد ، حيث شنت فصائل المجاهدين ووحدات جيش التحرير الجزائري معاركاً وهجومات على مقرات وحدات الجيش الفرنسي ودوائره القيادية واداراته المدنية . وكان لهذا الانتفاضة المجيدة اثرها ونتائجها الايجابية ، واهمها فك الحصار المطبق عن مركز الثورة في منطقة الاوراس والشمال القسطنطيني ، بالاضافة الى خلق مناخات ايجابية لاشتراك جماهير واسعة في الكفاح المسلح ضد قوى الاحتلال الفرنسي ، وخلق سياج واقي من الجماهير الشعبية ..
لقد تصاعد المد الثورى وتواصل زحف الثورة ، وجراء تلك المعارك الظافرة واهدافها العادلة دب الرعب في معنويات وضمائر واحاسيس العسكريين الفرنسيين " ضباط صف وضباط " وسلك عديد منهم طريق المناضل الشهيد " هنري مايو " ، في خرق الضبط العسكري الاستعماري ، والالتحاق بصفوف المجاهدين او في الهروب من الخدمة والاشتراك في التمردات الاحتجاجية ضد قياداتهم العليا ، التي تزج بهم من اجل مصالح استعمارية ، لامصلحة للشعب الفرنسي بها ..
تناقلت وكالات الانباء ووسائل الاعلام انتصارات الثورة ، كما نشرت جريدة "الاوبزرفاتور" الباريسية وقائع المقابلة الصحافية ، التي اجرتها مع احد قادة الثورة في منطقة الاوراس والشمال القسطنطيني " واهم ما جاء فيها :- ان الثورة وجيش التحرير لاتسلم سلاحها ، الا لحكومة وطنية جزائرية ، وتمهيداً لقيام هذه الحكومة يجوز ان يقبل بوقف اطلاق النار وعلى وفق الشروط التالية:-
1. ان يوقف الجيش الفرنسي كل العمليات العسكرية وحملات القمع الوحشية ضد الشعب الجزائري .
2. ان تفرج السلطات الاستعمارية وتطلق سراح كل المعتقليين السياسيين الذين يقدر عددهم مابين (15-20 ) الف مواطناً .
3. ان تلغي الحكومة الفرنسية رسمياً كل القرارات التي تعتبر الجزائر جزءاً من فرنسا .
4. ان تعترف الحكومة الفرنسية بمبدأ حق الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال .
5. ان تنظم انتخابات حرة ونزيهة بعد شهور قليلة من عودة الهدوء الى نصابه لتكوين مجلس تاسيسي يعهد اليه بتاليف حكومة وطنية جزائرية .
6. تجرى مفاوضات بعد ذلك بين الحكومة الجزائرية والحكومة الفرنسية للاتفاق على اجراءات رحيل القوات الفرنسية ، وكيفية تسليم الادارة الى الحكومة الجزائرية . وان يجرى ترتيب اعلان الاستقلال الوطني للجزائر الحرة الديمقراطية . وان تنظم الروابط والعلاقات بين الجزائر وفرنسا على اساس اتفاقيات متكافئة تضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر .."
كان لنشر هذا التصريح تأثيراً كبيراً على الفئات والعناصر الجزائرية ، التي انزلقت في مستنقع الخيانة الوطنية وبتعاونها مع سلطات الاحتلال ومن تلك العناصر " مجموعة الواحد والستين نائباً " التي كانت تشترك في اعمال المجلس الجزائري الذي انتخب وفقاً لتشريع الفرنسي وعلى اساس الجزائر ولاية من فرنسا ..
ومن ثمار انتصارات تلك المعارك واتساع المقاومة المسلحة ، تهيئة الفرصة لهروب المناضل مصطفى بن بولعيد وبصحبة أحد عشر مناضلاً من سجن قسطنطينية ، وبالتحاقهم بالثورة ، عزز مكانة قيادتها ورفد قدرتها من ملاكات مجربة .
وخلال سنة من بدأ انتفاضة "20/اب /1955 ، اتسعت رقعة الثورة ، بعد ان افتتحت جبهة وهران الحربية ، وخلق البؤر للثورة في كل المدن والبوادي والقصبات الجزائرية ، استجدت مهمات تطلبت عقد مؤتمر لوضع برنامج جديد يتلائم وطبيعة المعارك ، ولتقويم مسار الثورة لاستخلاص العبر والدروس ولمواصلة الكفاح باسلوب ونهج جديدين .. ، فكان مؤتمر الصومام .
عقد هذا المؤتمر في وادي الصومام بالجزائر في "14-23 / اب / 1956 في دوار اوزلاغن بحضور ومشاركة فعلية لـ "250 " مائتين وخمسين مندوباً ، يمثلون منظمات الجبهة في مختلف انحاء الوطن الجزائري ، وقام بحراسة مكان المؤتمر قوة كبيرة من جيش التحرير ، وانتهت اعماله في العشرين من نفس الشهر "20/8/1956 " اقر المؤتمر خطة الجبهة السياسية وهيكليتها التنظيمية ووضع اسس وحدة جيش التحرير وانظمته وخططه العسكرية . وقرر المؤتمرون الاعتراف بجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد الشعب الجزائري ، وله وحده الحق في اجراء مفاوضات والتكلم باسمه ، كما حدد المؤتمرون شكل وطبيعة الحكومة القادمة بعد اعلان الاستقلال ، والتي يجب ان يعينها المجلس الوطني المنتخب انتخاباً حراً عاماً ومباشراً وبالاقتراع السري ، كما قرر تنظيم السلطة في المناطق المحررة . كما طرحت على المؤتمر لائحة الاصلاح الزراعي وتوزيع اراضي الاقطاعين والخونة بالمجان على الفلاحين ، وبالخصوص الذين يشاركون في الثورة من مجاهدين وفدائيين .
واذا ما جرى اعتقال القادة اعضاء المجلس الوطني غداة انفضاض اعمال مؤتمر الصومام ، اذ نفذت السلطات الفرنسية عملية قرصنة جوية في "22/ تشرين الاول / 1956 ، بالسيطرة على الطائرة الملكية المغربية ، التي تقل كل من " بن بلة ، ورابح بيباط ، ومحمد بوضياف ، ومحمد خيضر ، وحسين آيت احمد " وقد صورت وسائل الاعلام الاستعمارية الفرنسية ان تلك العملية ، تعني القضاء كلية على الثورة ، وان رأس الافعى قد قضم .. " لكن الثورة واصلت انتصاراتها رغم تلك الخسارة ، فبالاضافة الى التحاق اعداد من الشبيبة في صفوف المجاهدين ، تهيأت الظروف لهروب المناضل مصطفى بن بولعيد ومجموعة من رفاقه من السجن ، والتحاقه فوراً بمهمته الثورية ، وفق ما مقرر ..
اعترف بالثورة وبجبهة التحرير الوطني الجزائرية عربياً ودولياً ، فاعترفت المغرب وتونس بجبهة التحرير الوطني الجزائرية كونها الممثل الشرعي والوحيد لشعب الجزائري .. وجرى عرض القضية الجزائرية على اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في "4/شباط /1957 " ، الا ان ممثل فرنسا في الجمعية قال معترضاً : لايوجد من يمثل الشعب الجزائري من نبحث القضية معه .. وطرح ممثل الولايات المتحدة الاميريكية مشروع الرئيس "ايزنهاور " بملء الفراغ مجدداً ، ومختصر مضمونه "اقامة دويلة على جزء من الجزائر تحت وصاية فرنسا وفي كنف اطار الحلف الاطلسي وتنصيب احد العملاء " مصالي الحاج " رئيساً لها .."
مؤتمر طنجة وقراراته الثلاثة الايجابية :- عقد في ولاية طنجة المغربية مؤتمر يضم حزب الاستقلال ، وحزب الدستور التونسي الجديد ، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية ، واتخذت القرارات التالية :-
1. استنكار الحرب العدوانية الرامية الى تكريس السيطرة والاحتلال الفرنسي على الجزائر ، ودعوة الدول الغربية والولايات المتحدة الاميريكية بالكف عن تقديم المساعدات الى الجيوش الفرنسية المعتدية ، والاعتراف بحق الشعب الجزائري في مقاومة الاحتلال وتقرير مصيره بنفسه .
2. الاعتراف بجبهة التحرير الوطني الجزائرية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الجزائري ، الدعوة الى المطالبة بجلاء الجيوش الاجنبية عن تراب القطرين العربين " تونس والمغرب "
3. تأليف منظمة فيدرالية تجمع الاقطار المغربية الثلاثة وهي :
أ- المجلس الاستشاري المغربي .
ب- المجلس الوطني التونسي .
ج- المجلس الوطني للثورة الجزائرية " وهذه المنظمة بمثابة برلمان " .
كان لاجتماع طنجة وقراراته اهمية ، لابالنسبة الى الثورة الجزائرية التحريرية ، فحسب ، بل وبالنسبة الى حركات التحرر الوطني في المغرب العربي عامة .. ، حيث تبلورت فكرة وحدة المغرب العربي ، كخطوة هامة على طريق الوحدة العربية ..
جاءت قرارات مؤتمر طنجة ، معبرة عن روح ومبادئ مؤتمر باندونغ ، والتي نصت على تصفية الاستعمار ، وتعزيز السلم والتعايش السلمي العالمي ، كما جاءت مقررات مؤتمر طنجة معبرة عن اماني وتطلعات الشعب الجزائري وقواه المسلحة ، وخطوة هامة على طريق تحقيق النصر ونيل الاستقلال الوطني ..
وعندما تولى الجنرال "ديغول السلطة في "28/مايس /1958 ومناداته في الاول من حزيران من ذلك العام بنهاية الجمهورية الرابعة ، معلناً تأسيس الجمهورية الخامسة وشكل الحكم الرئاسي وبهذا التوجه اتبع الجنرال ديغول نهجاً بتوجهين ، هما ، بوعوده باحلال السلم في الجزائر استجابة لرغبة الشعب الفرنسي آنئذ .. ، وقد وعد :انه خلال ثلاثة اشهر من حزيران عام 1958 ، مؤكداً وعده هذا في كانون الاول من نفس السنة بقوله :- لقد طويت صفحة المعارك منذ الان " .
أما التوجه الاخر ، فهو :" متابعة حربه العدوانية ضد الشعب الجزائري ، استجابة ومراعاة لرغبات غلاة المستعمرين والعناصر الفاشية في فرنسا والجزائر ..، والتي عبرت عنها المظاهرات الكبرى التي قامت احتجاجا على وعد تقدم به رئيس الوزراء " بيار فليملان " وعرضه على المجلس الوطني الفرنسي ، بأمكانية التفاوض مع ممثلي الثورة الجزائرية ،واعدا بتغير القانون الاساسي لادارة الجزائر ، واعلان العفو العام ، لكن ذلك الوعد وتلك التوجهات اجهضت في مهدها ، حيث غلاة المستعمرين الفرنسين والرجعين والعملاء الجزائرين ، وايدهم الجيش الفرنسي وجنرالاته الفاشين وقد شكلت لجنة وعلى رأسها القائد العسكري الجنرال " أصلان " ، بهدف متابعة الحرب في الجزائر .. وقد استجاب الجنرال ديغول لشعارات المظاهرات التي قامت به هذه العناصر الفاشية تحت شعار : الجزائر فرنسية .." وعند وصول المظاهرات محل اقامته عند زيارته للجزائر يوم " 4/ حزيران ، خرج إلى شرفة البناية وحياهم بقوله ".. انني فهمتكم.." ونادى في بلدة " مستغانم بشعار – تحيا الجزائر فرنسية " وصرح في " 6/حزيران / بمدينة وهران بقوله " يجب على الجزائر ان تبقى ارضا فرنسية والى الابد " ، ثم قال " انه لايريد مشاهدة سوى فرنسيين بنصيب تام في الجزائر " ونادى بمناسبات اخرى بقوله " من دونكرك إلى تمنراست ، الكل فرنسيون متساون .."1"
وعلى الرغم من سياسة ديغول التساومية ، وتقلباته ، فأن نضال الشعب الجزائري ومقاومته المسلحة الباسلة وخطط قيادته السياسية " جبهة التحرير الوطني " كانت ابلغ الردود على تلك التخرصات الامبريالية ، وفي يوم " 19/أيلول/ 1958 " شكلت الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية " فرحات عباس " وحظيت بأعتراف العديد من دول العالم وأكثرية الدول العربية ، ونشر اول تصريح لرئيس الحكومة المؤقتة في القاهرة يوم " 26/9/1958 " قائلا :" استعداد قيادة الثورة الجزائرية لحل القضية الجزائرية بالطرق السلمية متى ماشاءت الحكومة الفرنسية ، غير ان المقاومة المسلحة الجزائرية لن تلق سلاحها، الالحكومة وطنية جزائرية معترف بها وبحقها وسلطاتها الكاملة والمطلقة في السيادة الوطنية .."
وقد رد الجنرال " ديغول على تأليف الحكومة الجزائرية المؤقتة اعلانه رسميا ، بعدم الاعتراف لابجبهة التحرير الوطني الجزائرية ، ولابجيشها ، ولابالحكومة الموقته للجمهورية الجزائرية .. واكد قوله ".. ان فرنسا لن تعترف بهولاء الذين تولاهم الغرور ، ويحاولون فرض ارادتهم ودكتاتوريتهم بالقوة ، وانها لن ترفض قطعا بالتعامل معهم وبمقاومتهم في أمر الجزائر .."
ومهما امعن الجنرال " ديغول " وجنرالات جيوشه المحتلة ، ومهما جاء بمشاريع قوانين دستورية ، فالشعب الجزائري اختار طريق النضال التحرري ، ولم ولا ولن يصبح فرنسا بهذه القوانين وبالانتخابات وبتطبيقها ..
الثورة الجزائرية متواصلة وقيادتها الثورية وبحرصها على تنفيذ مقررات مؤتمراتها تحرز النصر تلو الاخر .. كما ان القوى التقدمية ، والتي لم تحل نفسها وبقيت ضمن اطارها التنظيمي ونقصد بها الحزب الشيوعي الجزائري ، ومع كل ماقيل من تقويم لاموضوعي لمجمل خطه السياسي ، فمواقفه من الاحداث معلنه وعلى وفق موضوعه " لنا اخطاؤنا وعليهم خياناتهم .. " قد اصدر بيانه ردا على سياسة ديغول بما يلي " ان شعبنا اشهر السلاح بأسم الدفاع عن كيانه كأمة ولن يسمح لمضطهديه الاجانب ان يسنوا القوانين بأسمه ، وسوف لن تكون الانتخابات سوى مهازل غربية ، وان الحزب الشيوعي الجزائري يشهر بها ويفضحها امام الرأي العام العالمي ، لايضمر الشعب الجزائري أي نوع من الكراهية للشعب الفرنسي رغم ما يلاقيه من اعمال القمع والتعذيب الرهيبة ، غير انه لايقبل ان يكون فرنسيا ". هذا هو موقف الحزب الشيوعي الجزائري ، وعلى الرغم من كونه لم يقطع حبل السرة مع الحزب الشيوعي الفرنسي ، الذي يعطي لمصالح دولته وقضايا قوميته الاهتمام الاول ..وقياسا بمواقف من يدعي الشيوعية هنا وهناك ، حيث تخندق قيادات شيوعية معلومة بمخطط عدوانية استهدفت العراق والامة العربية ، فشتان بين الموقفين ..
وعلى الرغم من سياسة القمع والارهاب والقوات العسكرية الفرنسية التي تجثم على صدور المواطنين والتي قدر عددها بـ "500.000 " جندي في سنة 1959 أعلن الجنرال ديغول في خطابه بتاريخ 16 / أيلول / 1959 ، وفيما يتعلق بالقضية الجزائرية بما يلي : " ان الوقت ، الذي يتاح فيه للرجال وللنساء في الجزائر ان يقرروا مصيرهم في حرية تامة ليس ببعيد " ثم قال : " واعتمادا على رغبة الجزائرين وعلى مصالح فرنسا ، وعلى ما ينظره العالم في الجزائر لانهاء هذه المشكلة ، اقرر ان تقرير مصير هذا البلد اصبح ضرورة " ، اما الوضع الذي سيختاره الجزائريون حسب هذا التصريح ، بعد ما يستتب الامن يمكن تلخيصه في ثلاثة حلول :-

اولا - الانفصال عن فرنسا .
ثانيا - الاندماج في فرنسا .
ثالثا - الفيدرالية أو الاتحاد مع فرنسا .
وتعهد ديغول باجراء استفتاء عام يعبر فيه الشعب الجزائري عما يريده من الحكم ، بقوله :- " التزم ان اطلب من الجزائرين مانوع رغبتهم ، وما المصير الذي يقررونه لانفسهم ، كما اطلب من الشعب الفرنسي ان يوافق الموافقة التامة على ما يتخذه الشعب الجزائري من اجراءات **" وجاء في رد الحكومة الجزائرية المؤقتة على تصريح الجنرال ديغول بما يلي :- " لقد اعترف الجنرال ديغول رئيس جمهورية فرنسا على الملأ باسم فرنسا ، في التصريح ، الذي ادلى به في " 16/9/1959 " اعترافا صريحا بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم ** ثم يقول : ان حرية اختيار الشعب الجزائري لايمكن ان تمارس تحت ضغط جيش احتلال بلغت قواته اكثر من نصف مليون ، ويعادله من رجال الدرك والشرطة والحرس المتجول ، كما لايمكن ممارستها تحت ضغط اجهزة ادارية عرفت بتقاليدها الراسخة في فن تزييف الانتخابات **"
قاومت الجماهير الجزائرية بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية كل الاساليب ، التي انتهجتها سلطات الاحتلال ، بما في ذلك رفض اجراء الاستفتاء على مشاريع لتكريس الاحتلال وتشويه التوجيهات الوطنية ، مثل مشروع الدستور الفرنسي الجديد ، ومشروع قسنطينة **
وبعد القضاء على التمرد الفاشي ، الذي قامت به مجموعة الجنرالات ، ودعاة مواصلة الحرب اعلن الجنرال ديغول في " 8/مايس/1961 " برنامجا جديدا للمفاوضات مع ممثلي الجبهة والحكومة المؤقتة الجزائرية .
بدأت المفاوضات في "20/نيسان/1961 في مدينة " ايفيان " بين ممثلي الطرفين ، ودامت ثلاثة اسابيع ، حتى 14/حزيران/ 1961 ، ورفض الوفد الجزائري ومنذ اللحظة الاولى التنازل عن أي شبر من اراضي الصحراء .. ومع توقف المفاوضات ،لكنها اسؤنفت في" 20/ حزيران/1961 " مع اصرار قيادة الثورة الجزائرية على عدم المساومة ، لهذا توقفت ، ثم استؤنفت ثانية في 31/حزيران/1961 ، وكانت حصيلتها اعتراف السلطات الفرنسية بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري ..
وقد اظهرت البرجوازية الجزائرية المتمثلة بشخص رئيس الحكومة المؤقتة " فرحات عباس " موقفا توفيقيا مهادنا .. وقد رفضته الجماهير الشعبية الجزائرية ، واتخذت قيادة الجبهة الوطنية في موتمرها المنعقد في طرابلس في آب/1961 قرارا بابعاد رئيس الحكومة عن مهمته وابدالة بالسيد يوسف بن خده . وكان فرحات عباس زعيم حزب الشعب وهو الذي ينكر وجود امة جزائرية ، كما سبق ان بينا ، اما السيد يوسف بن خده فهو من ممثلي الفئات الشعبية .."
استعيد مواصلة التفاوض وعلى مبدأ الاعتراف باستقلال الجزائر وبقيادتها الشرعية والوحيدة جبهة التحرير الوطني وحكومتها المؤقتة " 11-19/شباط/1962" وبتراجع فرنسا عن مشروع فصل الصحراء عن الجزائر ، كما اعترفت للحكومة المؤقتة الجزائرية بحق الدفاع وانتهاج سياستها وبتكوين جيشها الوطني وتخطيط سياستها الخارجية وعلى وفق مايحقق مصالحها الوطنية ..
عرض الوفد الجزائري تلك الشروط على الحكومة المؤقتة ، وقررت الحكومة عرض سير التفاوض ونقاطه على المجلس الوطني الجزائري ، وبعد نقاش استمر سته ايام في اجتماعات الحكومة وقيادة الثورة ، تقرر في "28/شباط/ 1962" تكليف الحكومة المؤقتة بتأليف وفد بمهمة التفاوض حتى نهايته ..
في السابع من شهر مارس "اذار/1962 ، افتتحت المفاوضات الرسمية في "ايفان" وبمشاركة وفد فرنسي رسمي مؤلف من الوزراء "لوىجوكس" وروبيربيوران، وجلن دوبراليي " ومن الحكومة الجزائرية المؤقتة وفد متكون من " كريم بلقاسم " وسعد دحلب ، وبن طوبال ، ومحمد يزيد واستمرت المفاوضات وبظروف صعبة "12" يوما ، وحتى اعلان نجاحها في الساعة الثانية عشر من يوم 19 آذار-مارس /1962 ، وكان ذلك عيد وطنيا للشعب الجزائري ..
وشكلت لجنة تنفيذية قوامها "12" عضوا ، ثلاثة فرنسين واربعة جزائريين ، للاعداد لوقف اطلاق النار حسب اتفاقيات "ايفيان 19/آذار/1962 وتستمر لثلاثة اشهر أو ستة ، وحسب مقتضى الامر وفي الخامس من تموز /1962 اعلان الاستقلال وقيام الدولة الجزائرية الديمقراطية والشعبية .
الدولة الوطنية – الديمقراطية ومسارها : - ولدت الدولة الجزائرية بعد مخاض دام ثمان سنوات من الكفاح المسلح المرير . وبتضحيات اكثر من مليون ونصف المليون شهيد ، وهي كغيرها من الدول الفتية ، تحمل امراض الطفولة ومخاطرها ، ومع انها ولدت في ظروف موضوعية ملائمة حيث تعاظم قوى الثورة العالمية " المعسكر الاشتراكي ، وبتحالف الطبقة العاملة العالمية وقوى اليسار وحركة التحرر الوطني العالمية – في العالم الثالث وكان لحركة التحرر العربي مكانة متميزة وفي الصداره من قوى الثورة العالمية ، وفي مثل هذه الظروف تحقق الانتصار واقامة الدولة الجزائرية .. لكنها ورثت عن نهج واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية امراضا خطيرة ، منها نهج وسياسة الحزب الواحد ، وهذه الامراض توارثتها الدولة الوطنية الديمقراطية عن تجارب الدولة الاشتراكية التي قامت منذ ثورة اكتوبر /1917 ، واتسعت بعد الحرب العالمية الثانية ، باقامة المعسكر الاشتراكي.
ومنذ اقامة الحكومة بعيد اعلان الاستقلال "5/تموز/1962" اشتد الصراع بين قيادات الثورة وحسم بعد زحف احمد بن بله وقطعات من جيش التحرير الوطني وبتأيد اعضاء الديوان السياسي لجبهة التحرير الوطني الجزائرية وتسنم رئاسة السلطة وعلى نهج الحكم الرئاسي "وانموذجا الجمهورية الفرنسية الخامسة ".
واذا ما كان ميثاق الجزائر /1964 " حصيلة المؤتمر الاول لجبهة التحرير الوطني ، بعد اعلانها "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري " الوحيد ، واحتكار السلطة لوحدها ، نجم عن ذلك مايلي : أ – تورم هذا الحزب لدرجة الانتفاخ ، بالتحاق اعداد غير مؤهلة الاعداد والتكوين ، بل والكثير منها بدوافع نفعية " انهازية " ولمست الجماهير الشعبية هذا التدفق على الالتحاق في صفوف الثورة والانتظام في فصائلها المسلحة بعيد اعلان ايقاف اطلاق النار "16/آذار/1962 " ب- تواري العديد من المجاهدين وقد دب السأم الثوري في نفوسهم .. فضعفت خاصية الاندفاع الثوري وتكرست النفعية والذاتية .. وهذا ما حصل في العراق ويحصل وهو قائم في بعض قيادات الاحزاب المتفردة بالسلطة .
حقا ، انجزت قضايا اساسية وتحققت مشاريع اقتصادية كبرى لكنها سرعان ما توقفت واصبحت عالة على الاقتصاد الوطني ، فالثورة الزراعية والتسير الذاتي ، احتضنتها الجماهير الشعبية لكن التصنيع وخاصة التصنيع الثقيل "الصلب والحديد والفوسفات ، بقيت تراوح في مكانها ..." وتعرضت لاعمال التخريب من داخل السلطة نفسها ...
بعد التغيير الذي حصل في 19/حزيران/1965 ، وتنحية احمد بن بله وتسنم صدارة الحكم الجيش برئاسة العقيد " هوارى بومدين وحتى وفاته في نهاية العقد الثمانينيات من القرن المنصرم ومع وجود وثائق اساسية وهي وثائق برنامج "الميثاق الوطني ودستور البلاد " وجرى اقرارها باستفتاء شعبي عام /1976 ، لكنها لم تطبق بابداع ، وسادت البيروقراطية والفساد الاداري ، واشتدت مخاطر تداعيات الدولة الوطنية نفسها ..
ومن نتائج تفاقم الخلافات في داخل قيادة الحزب الواحد ، ان يحسم الصراع لصالح الاضعف في التشكيلة القيادية .. وبعد موت هواري بومدين تنافس على احتلال المركز الاول في الحزب والدولة شخصيتان هما "محمد صالح يحياوي وهو يساري وبتكوين ايديولوجي مادي ، وان كان عضوا في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الجزائر ، والاخر هو عبد العزيز بوتفليقة " الذي كان يشغل وظيفة وزير الخارجية وعضوا في قيادة الجبهة ، وهو من انصار عبد السلام بولعيد ومجموعة مؤيد الغرب والمصالح الرأسمالية ، فأسفر هذا الصراع عن انتخاب الشاذلي بن جديد لرئاسة الجمهورية وموقع الامين العام للحزب ، وهو شخص عسكري ، قائد منطقة وهران ، وعلى مستوى تكوين سياسي متوسط ، مع ما اشيع عن طيبته وتواضعه ..
اذا ما شخصت وثائق المؤتمرات العامة التي عقدت في تلك الفترة ومنها المؤتمر الخامس الذي تصدرت اعماله لافته شعار "مؤتمر الصرامة والعمل " والمنعقد في اواخر عام /1983 ، ففي التطبيق العملي والمسار الفعلي للدولة والحكومة ، لاصرامة ولاعمل حزبي ملتزم " انما نهج " بيروقراطي" وتساومات لحسم التناقضات ، تفاقمت لدرجة تنحي الشاذلي وبداية تنفيذ عمليات ارهابية ، مازالت قائمة ..
اقيمت انتخابات تشريعية في عام /1992 . فازت بأكثرية المقاعد جبهة الانقاذ " وهي جبهة دينية – اسلامية " وكان المفروض وحسب نتائج الانتخابات ان تتشكل رئاسة الحكومة برئاسة الجبهة الفائزة ، لكن الجيش تدخل ، فالغى نتائج الانتخابات ، وكان ذلك اجراء عد سابقة مخالفة للعرف الديمقراطي ..، وكما مثبت في وثائق احصائية حكومية ان القوى الدينية نفذت مايقارب "120" الف عملية قتل وتصفية جسدية ..
اغتيل عشية الاحتفالات بالذكرى الثلاثين على الاستقلال الوطني "29/6/1992 ، رئيس الدولة محمد بوضياف ، اغتيل رئيس الوزراء الاسبق قاصدي مرباح ، في وقت تزامن مع اقالة عبد السلام بولعيد رئيس الوزراء " وهو رجل رؤوس الاموال الغربية كما سبق وان ذكرنا " ثم عين اللواء الأمين زروال وزير الدفاع رئيسا للدولة ، وكان من المفروض تعيين عبد العزيز بوتفليقة ، لكن بوتفليقة رفض واشترط ان تمتد صلاحياته إلى ادارة الجيش والقوات المسلحة .. وكان له في الاخير ما أراد وهو يشغل هذا المنصب لدورتين متتاليتين ..
مسلسل الارهاب متواصل ، وبالتزامن مع تداعي مسارات الدولة وتخليها عن توجهاتها المرسومة في مجال الاقتصاد والزراعة ..وقد حصل في أيلول لها العام 2007 ثلاثة تفجيرات استهدف احدها رئيس الدولة اثناء زيارته لاحدى ولايات الجنوب الجزائري ..
تفاقم ازمة الحكم واشتدت مخاطر تداعيات الدولة ، وتخلى العديد من رموز الحكم " قيادات حزب جبهة التحرير الوطني " ليس عن مسؤولياتها في تحمل الاخطاء وتعرض انجازات نضال الشعب إلى الضياع ، فحسب بل والتحاق العديد منهم بالقوى اليمينية والتخندق في مواضيع احزاب ومنظمات معادية للتوجهات التقدمية وللنهج الوطني ، الذي قدمت الجماهير الشعبية على طريقة دماء " مليون ونصف المليون شهيد ، وخلال نضال مسلح لاكثر من ثمان سنوات وتوارث مسار تاريخي منذ احتلال الجزائر عام "1830" .
واذا ما تصورت القيادات المتربعة على سدة المسؤولية ، انها قادرة على الحفاظ على عروشها وكراسي حكمها المترنحة بالبطش والارتماء بأحضان الدوائر الاجنبية ، فهذه القيادات واهمة مخطئة ، الطريق السليم والآمن لاستمرارية النهج التقدمي والمسار السليم هو الديمقراطية ونهج تبادل مسؤوليات ادارة الدولة وبمشاركة الشعب ، فالشعب وحده صاحب المصلحة في حفظ أمن ونظام الدولة وصيانة مكتسباتها ..

- أ.د. يوسف حمدان

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916826 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق