Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > التنظيم الطليعي والجماهير

22 آذار (مارس) 2012

التنظيم الطليعي والجماهير

إن التنظيم هو الحلقة الأساسية التي تربط الفكر بالممارسة، فعن طريق التنظيم يحول الفكر الثوري إلى ممارسة ثورية، وعن طريق الممارسة يمكن إغناء الفكر. لهذا فقد انصب اهتمام الفيتناميين في بداية ممارستهم الثورية على المجالين الفكري والتنظيمي. فعلى الصعيد الفكري كان الحزب يركز على الوحدة الفكرية المبنية على أساس علمي، فكان حريصا على أن يتشبع كوادر الحزب بالنظرية العلمية ليس عن طريق حفظ النصوص وترديدها، ولكن عن طريق استخدام النظرية كدليل عمل وربطها بالتطبيق العملي المبدع وإغنائها بالممارسة الثورية الخلاقة.

لقد اعتبر الثوار الفيتناميون أن العمل التنظيمي الذي يستهدف تطبيق سياسات الحزب وخطه السياسي والعسكري هو العنصر الحاسم في تحقيق النصر، فاهتموا اهتماما كبيرا بالنوع وبتأمين صلابة التنظيم ونقاوته باستمرار، وذلك عن طريق بناء الكوادر الصلبة المتشبثة بالنظرية العلمية والملتحمة بالجماهير الكادحة، وتطبيق المركزية الديمقراطية، وتأمين القيادة الجماعية، وممارسة النقد والنقد الذاتي لتصحيح الأخطاء، وتحديد العلاقات بشكل واضح بين الفرد والجماعة وبين الجزء والكل، وبين المراتب الدنيا والعليا.

لقد وعى الثوار الفيتناميون أن الثورة عمل من صنع الجماهير لذلك اعتمدوا اعتمادا مطلقا على الجماهير. إن دراستهم لواقعهم دراسة علمية دفعتهم إلى تبني إستراتيجية حرب الشعب طويلة الأمد التي تجمع بين الكفاح السياسي والكفاح المسلح، ولقد أكد الفيتناميون أن الخط العسكري دوما ينبع من الخط السياسي، وأن العمل السياسي هو دائما العامل الحاسم في الثورة فاعتبروا تعبئة الجماهير وتنظيمها وتوسيع الجيش السياسي للثورة مسألة أساسية.

إن الخط السياسي الذي تبنته الثورة الفيتنامية كان دائما صلبا فيما يتعلق بالمبادئ، ومرنا فيما يتعلق بالتكتيك. فقد أرست الثورة قيادة التنظيم الطليعي القائم على تحالف العمال والفلاحين. ونجح التنظيم الطليعي المتسلح بالفكر العلمي في إنشاء جبهة وطنية واسعة ذات برنامج سياسي موحد، وذات علاقات محددة وواضحة مع الحزب، وتمكن التنظيم الطليعي في الفيتنام من الجمع السليم بين النضال الاجتماعي والنضال ضد الإمبريالية، كما استفاد من تضامن الشعوب الصديقة وتناقضات الأعداء محرض على الاستفادة من أقل صدع في صفوف الأعداء ومن أقل إمكانية للحصول على حليف قوي عدديا، ولو كان هذا الحليف مؤقتا ومترددا.

وقد اهتم الحزب الطليعي بالتكتيك الذي هو جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية، ويسعى دائما إلى تحقيق نجاحها.

ويتمثل التكتيك الصحيح حسب أحد قيادي الثورة الفيتنامية، بالأمور التالية:

اختيار أشكال الصراع والتنظيم وانتقاء الشعارات التنفيذية المتلائمة مع مد الثورة أو جزرها، بغية جمع الجماهير وضمها إلى الجبهة الثورية.

تبديل أشكال الصراع والتنظيم والشعارات التنفيذية عند تبديل المواقف وذلك بغية تأمين تقدم المواقف حركة الجماهير في الوقت المناسب وجمع قوى جديدة لصالح الثورة أو الحفاظ على القوى الثورية لاستعمالها في معارك جديدة.

عندما تكون الحركة الثورية في أوج اندفاعها يجب استخدام أشكال الصراع والتنظيم التي تدفع هذه الحركة بوتيرة سريعة تجعلها "تؤدي في يوم واحد ما كان عليه أن تعمله خلال عشرين عاما".

خلال تراجع الثورة، تغيير أشكال الصراع هي التنظيم والشعارات التنفيذية وأساليب العمل بغية الحفاظ على قواتنا والبقاء على حماس الجماهير.

تنسيق العمل غير الشرعي مع العمل الشرعي أو شبه الشرعي، مع اعتبار العمل غير الشرعي عملا هاما في كل الأوقات.

الاستفادة من التنظيمات الشرعية بغية جمع الجماهير وتوجيه نضالها لتحقيق المطالب والمصالح الخاصة بحياة الجماهير اليومية.

العمل السري في قلب تنظيمات العدو الجماهيرية، علينا النضال حيث توجد الجماهير.

في أسوأ الظروف وأشدها حلكة، العمل لتعبئة الجماهير في نضالها السياسي المسلح. اكتشاف الحلقة الرئيسية لمجموع العمل الثوري والتمسك بها لدفع العمل.

عدم الانحراف نحو اليمين أو اليسار والبقاء على اتصال وثيق مع الجماهير ورفع مستوى وعيها السياسي.

إن نضال الشعب الفيتنامي البطل قد أثبت أن التنظيم الطليعي المتسلح بالفكر العملي والذي يقود الجماهير عن طريق جبهة وطنية عريضة في حرب الشعب طويلة الأمد قادر على هزيمة أعتى جيوش الإمبريالية وتحقيق النصر.

إن حركتنا التي تطمح أن تظل طليعة النضال العربي ضد الإمبريالية والصهيونية والقوى العربية المرتبطة بالإمبريالية يمكنها وهي تتوجه إلى فلسطين أن تتعلم المزيد من الدروس من الثورة الفيتنامية، ولا شك في أن ثورتنا ستفرز من خلال مسيرتنا الشائكة والطويلة الطلائع المنظمة الصلبة القادرة عن طريق تبلور الفكر الثوري حتى تحقيق النصر عن طريق تعبئة الجماهير الفلسطينية والعربية في حرب التحرير الشعبية التي لا تقهر.

الثورة الفلسطينية والثورة العالمية

[(نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية". (من المبادئ الأساسية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني ((فتح)) كما وردت في النظام الداخلي للحركة).)]

إن أبرز سمات القرن الماضي هي هيمنة الإمبريالية، التي تمثل أعلى مراحل الرأسمالية، على العالم واضطهادها لشعوبه واستغلالها لثرواته. ويدل التحليل العلمي للواقع الدولي على أن التناقض الرئيسي في هذا العصر هو تناقض بين شعوب العالم وبين الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. أما اليوم فقد أصبحت قوى الثورة العالمية في وضع الهجوم. فانتصار الثورة في روسيا والصين وانتصار الثورة في عدد من بلدان العالم أعطى دفعة كبيرة لحركة الشعوب المستمرة. ولقد أخذت الإمبريالية تفقد مواقعها موقعاً موقعاً. وأمام النضال الثابت من قوى المعسكر الاشتراكي والقوى التقدمية في البلدان الإمبريالية وحركات التحرر الوطني تشن الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هجمة مضادة على الحركة الثورية العالمية متحالفة مع الرجعيات المحلية ومستهدفة المحافظة على هيمنتها والتوسع في مجال سيطرتها وضرب القوى الثورية والوطنية من أجل الاستمرار في استنزاف ثورات الشعوب.

ويحتل وطننا العربي بثورته النفطية الهائلة وموقعه الإستراتيجي الهام هدفاً أساسياً من أهداف الإمبريالية الشرسة. كما تشكل المستعمرة الصهيونية في فلسطين مخفراً أمامياً للإمبريالية من أجل تحقيق سحق أي تحرك معاد للإمبريالية في المنطقة والمحافظة على تقسيم الوطن العربي وتخلفه ليتسنى للإمبريالية والصهيونية الاستمرار في نهب ثروات شعبنا واستغلال جماهيرنا. وثورتنا بتصديها المباشر للقاعدة الصهيونية الإمبريالية في فلسطين وبسعيها لتجميع القوى الوطنية العربية ضد هذا العدو تمثل طليعة النضال العربي ضد الإمبريالية والصهيونية وجزءاً أساسياً في الجبهة العالمية المعادية للإمبريالية. ومن هذا الموقع فإن ثورتنا تسهم إسهاماً فعالاً في حسم التناقض الرئيسي في هذا العصر لمصلحة الشعوب. إن نضال شعبنا ضد الإمبريالية والصهيونية والقوى العميلة المتواطئة معهما نضال طويل وعريق. وما انطلاقة ثورتنا المسلحة في الفاتح من يناير عام 1965 إلا الحلقة الأخيرة في سلسلة من النضالات البطولية لشعبنا العربي في فلسطين. ولقد كانت انطلاقته مدروسة استفادت من تراث شعبنا النضالي وارتقت به إلى مرحلة أعلى. وهذه حقيقة أساسية قد نميل إلى نسيانها في فقرات الانحسار التي نمر بها والتي نركز فيها على سلبيات في مسيراتنا الثورية.

إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بطرح القضية الفلسطينية كحركة تحرر وطني صححت المفاهيم الخاطئة والمعكوسة التي روج لها الكثيرون قبل انطلاقة الثورة وبعدها. ولقد صححت فتح هذه المفاهيم ليس فقد ببلاغة حجتها وصلابة منطقها بل، والاهم من ذلك بممارسات وبحملها السلاح في وجه العدو المحتل وبدفعها الآلاف من خيرة أبنائها الذين نالوا شرف الشهادة وهم يكيلون الضربات للصهاينة المستعمرين أو يدافعون عن أنفسهم أمام خيانات القوى العربية العميلة.

بعد أن راح العالم طوال عقدين من الزمن ينظر إلى الفلسطينيين كلاجئين وإلى النزاع في منطقتنا كصراع على خطوط بين إسرائيل والدول العربية غيرت فتح هذه المفاهيم الخاطئة وطرحت قضيتنا كقضية شعب اغتصبت أرضه وشرد من وطنه من قبل غزاة مستعمرين مرتبطين عضوياً بالإمبريالية العالمية ومتسلحين بأيديولوجية رجعية شوفينية عنصرية تستهدف إقامة مستعمرة فيها لأي فلسطيني سوى القلة اليهودية القليلة من شعبنا العربي الفلسطيني. لقد نبذت ثورتنا التعصب القومي وانطلقت من منطلق إنساني هادفة ليس فقط إلى تحرير الإنسان العربي بل أيضاً إلى تحرير الإنسان اليهودي من نير الصهيونية. فبالرغم مما فعله الصهاينة بشعبنا من ذبح وتشريد فإننا لم نطرح في المقابل طرد اليهود وتشريدهم في تصورنا لفلسطين المحررة ولكننا بطرحنا الدولة الديمقراطية فتحنا الباب أمام اليهود في فلسطين أن ينبذوا الصهيونية والقاعدة الاستعمارية المسماة بإسرائيل وأن يناضلوا معنا من أجل مجتمع تقدمي عربي يعيش فيه الجميع بغض النظر عن دياناتهم متمتعين بحقوق وواجبات متساوية. ولقد لاقى هذا المفهوم الذي تضمنه شعبنا لدولة ديمقراطية في فلسطين تفهماً وقبولاً واسعين من جانب القوى التقدمية العالمية بما فيها قوى يهودية غير صهيونية.

إن ثورتنا بطرحها السليم لقضيتنا قد أدت إلى فضح المستعمرين الصهاينة وادعاءات بعضهم باليسارية والديمقراطية أمام الرأي العام العالمي، ووضعهم في موقع الدفاع بالنسبة لهجوم الثورة في المجالين السياسي والفكري. فإن الصهاينة الذين يدعون اليسار بالرغم من تغيير حججهم وابتكار وسائل جديدة للتضليل، لم يعد من السهل عليهم التأثير على الأوساط التقدمية التي أخذت تتفهم بشكل متزايد عدالة قضيتنا. إننا لا نستطيع أن نتجاهل بعض القوى التي ترفع الراية اليسارية في إسرائيل والتي لها قدر من النضال ضد سياسات الدولة الصهيونية الإمبريالية. ولكننا نرى أن هذه القوى لا يزال أمامها أن تراجع مواقفها بالنسبة لعديد من القضايا الأساسية حتى تصبح فعلاً جزءاً حيوياً ضد الصهيونية والإمبريالية وأهم هذه القضايا احتلال وطن وإقامة دولة عنصرية على حساب شعب آخر، واستيطان ارض واستثمار ثروات هي ملك لهذا الشعب.

إن حركة التحرير الوطني (فتح) بطرحها القضية الفلسطينية كحركة تحرر وطني ربطتها بشكل ثابت وواع بحركات التحرر الوطني وبالثورة العالمية على الصعيدين النظري والعلمي. ففي برنامج العمل الذي قدمته حركتنا إلى المجلس الفلسطيني في دورته الثانية جاء ما يلي : " إن معركة الحرية واحدة لا تتجزأ وإن هزيمة الاستعمار والإمبريالية العالمية في أي مكان في العالم من أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إنما يعتبر انتصاراً لمعركة الحرية في فلسطين العربية وبالتالي فان شعبنا يقف إلى جانب جميع الشعوب في نضالها من أجل حريتها واستقلالها وتحقيق التعاون الوثيق مع جميع قوى التحرر في العالم". وفي نظامها الداخلي تقرر حركتنا من بين أهدافها " مساندة الشعوب المضطهدة في كفاحها لتحرير أوطانها وتقرير مصيرها من أجل بناء صرح السلام العالمي على أسس عادلة" وتدعو الحركة إلى : إقامة أوثق الصلات مع القوى التحررية في العالم المناهضة للإمبريالية والصهيونية والتي تدعم كفاحنا المسلح العادل". وفي برنامج الثورة الفلسطينية تؤكد ثورتنا على أن أحد المحاور الاستراتيجية الرئيسية الأربعة التي يرتكز برنامجها السياسي هي " التلاحم مع حركة النضال العلمية ضد الإمبريالية والصهيونية ومن اجل التحرر الوطني".

هذا على الصعيد النظري. وقبل أن نتطرق إلى الصعيد العلمي لعلاقتنا مع القوى العالمية عامة وقوى الثورة العالمية خاصة سنعرض العناصر الأساسية لمنهجنا في التعامل مع هذه القوى والمقاييس التي ينبغي الالتزام بها في تحديد من وما هو الثوري، فمثل هذه المقاييس ضرورة لابد منها في مواجهة بعض مظاهر الانحراف التي تبرز في فترات الانحسار:

الاهتمام بأحداث النتائج وليس بمجرد طرح الأفكار وتسجيل المواقف : كما أنه يهمنا في العلم أن يرشدنا إلى العمل لمصلحة جماهيرنا، وفي الفكر أن نحوله إلى حركة في الواقع، يهمنا في المواقف ليس مجرد تسجيلها بل إحداث نتائج ملموسة مهما كانت متواضعة. فإننا نرى أن الثوري هو ليس من يتكلم عن الثورة بل من يصنع الثورة. ومع التركيز على الممارسة يجب إدراك العلاقة الجدلية بين الفكر والممارسة بحيث ننبذ القوالب الفكرية الجامدة والمعادلات الجاهزة ونحاول اغناء فكرنا على ضوء ممارستنا وتطويره عن طريق تنظير تجاربنا. التحديد الواضح للتناقض الرئيسي : لقد حددت حركتنا التناقض الرئيسي بشكل واضح على الساحات الثلاث، الفلسطينية والعربية والعالمية. فالتناقض على الساحة الفلسطينية هو بين شعبنا المتشرد أو الرازح تحت الاحتلال وبين الاحتلال الصهيوني الإمبريالي. وانطلاقاً من ذلك ومن حقيقة أن المعركة الفلسطينية والمعركة العربية وجهان لعملة واحدة فان التناقض الرئيسي على الساحة العربية هو بين قوى الثورة الفلسطينية وحركة التحرر العربية وبين الإمبريالية والصهيونية وأشكال الاستعمار الجديد والقوى العربية المتواطئة معها. أما على الصعيد العالمي فالتناقض الرئيسي هو بين قوى الثورة العالمية والقوى الإمبريالية بكل ما تمثله من استغلال وعنصرية واستعمار قديم أو جديد. التميز بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية: وينعكس هذا المفهوم لطبيعة التناقض الرئيسي على الساحات الفلسطينية والعربية والعالمية على ممارسات الثورة. فالثورة تحرص على عدم خلط التناقضات الثانوية والتناقض الرئيسي وتحرص من خلال إخضاع التناقضات الثانوية للتناقض الرئيسي على جذب قوى جديدة إلى معسكر الثورة، وعلى تنشيط قوى قد تكون خاملة برغم أن مصلحتها هي في النضال ضد الصهيونية والإمبريالية، أو تجنيد قوى أخرى قد يسعى العدو الصهيوني والإمبريالي إلى جذبها لمعسكره عن طريق مناورات القوى العربية الرجعية العميلة. التصنيف الدقيق للقوى من اجل توسيع جبهة الأصدقاء وتضييق جبهة الأعداء : إن حركتنا تحكم على كافة القوى وهي تصنفها صداقة أو عداء بممارسات هذه القوى وليس فقط بأقوالها ليس في ظرف محدد فحسب ولكن من خلال رؤية تاريخية لحركة هذه القوى ومدى قابليتها للتغير سلباً أو ايجابياً. هذا هو المنهج الذي يضمن التطبيق الواعي للشعار " أوسع الأصدقاء وأضيق الأعداء" وهو الشعار الذي يشكل شرطاً رئيسياً لانتصار أية ثورة. الصلابة الاستراتيجية والمرونة التكتيكية : إن استراتيجيتنا هي التحالف مع قوى الثورة العالمية ولا يخل بذلك بعض الممارسات التكتيكية التي قد تتخذ بعض الأحيان شكل علاقات مع قوى خارج إطار الثورة العالمية. مثل هذه العلاقات تفرضها أحياناً ضرورة إقامة نوع من التوازن يخفف من الضغوط العربية التي تتعرض لها الثورة، ولكن يظل الحكم النهائي على هذا النوع من ممارسات التكتيكية مشروطاً بالنتائج العملية التي يحققها من ناحية وعدم الإخلال بعلاقات الثورة التقدمية العربية وقوى الثورة العالمية من ناحية أخرى. إن ثورتنا أصبحت اليوم مهددة بسبب انفلاشنا ووجودها العلني السافر على ارض أنظمة تتبع استراتيجية مغايرة لاستراتيجيتنا واتجاه بعض هذه الأنظمة نحو الاستسلام وضعف بنيتنا التنظيمية وانحسار نشاطنا الثوري. فإذا أردنا أن نفلت من محاولات التصفية والاحتواء ومن العمل ضمن استراتيجية أصدقائنا وحلفائنا علينا التميز بين التحالفات الاستراتيجية والتحالفات التكتيكية واتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة لرسم خط سياسي واضح وخط عسكري وتنظيمي يتناسبان مع الخط السياسي ومع ظروف المرحلة ضمن الرؤية الاستراتيجية العامة. لقد حرصنا منذ انطلاقة ثورتنا على استقلاليتنا ولكننا مهددون اليوم أكثر من أي وقت مضى بفقدان هذه الاستقلالية إن لم نتخذ الإجراءات الحاسمة ونناضل النضالات الجادة من أجل إعادة ترتيب أوضاعنا الذاتية. الاستفادة من التناقضات في معسكر الأعداء : إننا ندرك أن ثمة تناقضات في معسكر الإمبريالية ولقد وصلت هذه التناقضات في الماضي من الحدة إلى الحد الذي فجرت فيه حروباً عالمية طاحنة بين الدول الإمبريالية. ولكننا ندرك أيضاً أن كل هذه القوى تقف صفاً واحداً ضد مصلحة شعبنا الأساسية، وإن اختلفت لا تختلف إلا على كيفية إجهاض ثورتنا وسحق تحرك جماهيرنا ونهب ثروتنا وتوزيع الغنائم بينها، أما بالنسبة لكل دولة من الدول المعادية فثمة قوى تقدمية في داخلها يهمنا كثيراً أن نتعاون معها وبالنسبة للمستعمرة الصهيونية في فلسطين نرى أن التناقضات بين اليهود يمكن أن تزداد حدتها ليس عن طريق الاستسلام العربي (الذي يصر البعض على تسميته السلام) ولكن عن طريق تصعيد نضالنا السياسي المسلح. وفي نضالنا في الأعوام الماضية الدليل واضح على صحة مقولتنا هذه. الاستفادة من تجارب الشعوب : إن حركتنا ترى في تجارب الشعوب المناضلة التي كافحت ضد استغلال الإنسان للإنسان واضطهاد شعب لشعب دروساً مهمة لنا. إن أفكار هذه الثورة وممارساتها قد أغنت تجربتنا. ولكننا في استفادتنا هذه يجب ألا نهمل ظروف نضالنا وخصوصية واقعنا وعلينا أن نبتكر أساليبنا الخاصة ونبتدع طرقنا الملائمة ونطبق ما نستعيره أو ننقله تطبيقاً خلاقاً. الاهتمام بتراثنا النضالي العربي : مع انفتاحنا على العالم ونبذنا للعزلة القومية ومحاولة استيعاب تجارب الثورات الأخرى فان الإمساك بالتراث النضالي لشعبنا وللأمة العربية بشكل عام شرط أساسي لكي نستطيع أن نطبق ما يجد في التجارب الثورية تطبيقاً خلاقاً ومبدعاً على واقعنا الخاص، يجب أن نعترف إننا ما زلنا مقصرين في دراسة تراثنا النضالي دراسة علمية. إننا على يقين أن شعبنا يفقد ماضيه لا يمكن أن يصنع مستقبله فعلينا ألا نهرب من الماضي أو أن نلجأ إليه بروح دفاعية معتمدين التبرير، كما علينا ألا نقف عند الاعتزاز العاطفي بماضينا بل علينا أن نحول اعتزازنا إلى الدراسة معمقة تستخلص وتطور ما في هذا التراث مما يغذي نضالنا الحالي ويغني تراث الشعوب النضالي. الحرص على السلام العالمي : إننا نقدر خطورة نشوب حرب نووية ولكننا نرى في ثورتنا الشعوب المسحوقة ليس تهديداً للسلام العالمي بل الطريق لتحقيق السلام الحقيقي القائم على العدل. إن المخطط الإمبريالي المستعين بالحركة الصهيونية والمستعمرة الصهيونية في فلسطين لفرض السيطرة الإمبريالية على المنطقة وإدخالها ضمن الاستراتيجية الإمبريالية العالمية يهدد في حالة نجاحه بخلل كبير في ميزان القوى الدولي لصالح الإمبريالية مما يشجعها على المضي في مغامراتها العدوانية التي يمكن أن تدفع العالم إلى حافة هذه الحرب النووية. لذلك فان نضال شعبنا ونضال حركة التحرر العربي ضد الإمبريالية والصهيونية ولإحباط هذا المخطط الإمبريالي الصهيوني ليس ضرورة بالنسبة لصالح شعبنا فحسب ولكنه ضرورة حيوية أيضاً لصيانة السلام العالمي.

ولقد أثبتت التجربة الملموسة أن غياب الثورة المسلحة ضد الكيان الصهيوني قد شجعه أكثر من مرة على اقتراف عدوان دولي هدد العالم بانفجار حرب عالمية كما حدث في عامي 1956 و 1967. إن النضال المسلح الذي تشنه الشعوب ضد الإمبريالية والصهيونية هو الطريق الوحيد لحفظ السلام العالمي من خطر اندلاع حرب عالمية، لأن اطمئنان الإمبريالية والصهيونية من خمود الانتفاضات المسلحة وثورات الشعوب يعتبر تشجيعاً لهما لاقتراف العدوان العسكري وتطبيق سياسات التوسع وضم أراضي الغير.

أما وقد استعرضنا العناصر الأساسية للمنهج الذي يحكم علاقاتنا على الصعيد الدولي فلنعد إلى إيجاز علاقاتنا بقوى الثورة العالمية:

حركة التحرر العربي: ففي المجال العربي أحدث طرحنا ثورة في مفهوم القضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيوني. لقد ابتدأت القوى العربية الوطنية والتقدمية تدرك محورية القضية الفلسطينية وأن الساحة الفلسطينية هي الساحة الأساسية في مواجهة الإمبريالية وأن التناقض الرئيسي في وطننا لا يمكن أن يحل إلا عن طريق توجيه نضالنا ضد إسرائيل التي تجسد تسلط الإمبريالية والصهيونية بشكل واضح ومكشوف.

إن طرح الثورة الفلسطينية لاستراتيجية هجومية بدلاً من استراتيجية الأنظمة الدفاعية غيرت مفهوم المواجهة مع العدو الصهيوني. كما أن طرح حرب الشعب طويلة الأمد بدأ يرسخ هذه الفكرة لدى الجماهير العربية. ومع أن البعض أخذ يشكك بجدوى استراتيجية حرب الشعب إذ ينظر إلى الأرض ويرى أن البذرة لم تنبت بعد، يدرك شعبنا بشكل متزايد أن هذه البذرة التي غرستها الثورة الفلسطينية لا بد وأن تنمو في أرضنا الخصبة وتمتد جذورها وتنبت وتثمر إذا ما وجدت من يهتم بها ويعمل دون كلل أو ملل للعناية بها. ولأول مرة في تاريخ امتنا تمكنت الثورة الفلسطينية من جمع القوى الوطنية والتقدمية العربية كافة في "جبهة عربية مشاركة في الثورة الفلسطينية" (نوفمبر 1972). وفي مثل هذا الحدث دلالة هامة بالرغم من ضعف الثورة والقوى التقدمية في هذه المرحلة. ومع أن هذه الجبهة لن تكون ذات فعالية كبيرة خاصة إذا لم يحول برنامجها السياسي إلى مهام ملموسة ومحددة، إلا أن الفكرة نفسها على جانب كبير من الأهمية. وعلينا أن نناضل من أجل الصعود بالثورة من المنحدر الذي وصلت إليه بالتركيز على تصعيد العمل الثوري في الوطن المحتل وفي الأردن. وعندئذ يمكن أن نخلق المناخ الملائم لنمو القوى الثورية العربية ويمكننا أن نكون أساساً في جبهة عربية فعالة تمثل الترابط العضوي بين حركة التحرر الفلسطيني وحركة التحرر العربي.

حركات التحرر الوطني: إن حركتنا جزء لا يتجزأ من حركة التحرير الوطني في العالم. فإن كل برامجنا ومواثيق ثورتنا وتصريحاتنا في المؤتمرات العالمية لتؤكد هذه الحقيقة الأساسية. ولم يقتصر هذا الترابط على التصريحات أو الخطب والبيانات بل عبرنا عنه بتبادل الخبرات وتوثيق العلاقات مادياً وسياسياً مع حركات التحرر في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. لقد وجدنا في تجارب حركات التحرر لا سيما تجربة الرفاق الفيتناميين أكبر الهام وخير معلم ومثال. لقد أدركت القوى الثورية في العالم محورية فيتنام وفلسطين في النضال ضد الإمبريالية فقامت بتشكيل لجان مناصرة فيتنام وفلسطين في كثير من بلدان العالم. وتوضح هذا الترابط الوثيق بين فيتنام وفلسطين كلمات مندوب فيتنام التالية: " انه لشرف عظيم لنا أن نكون بينكم أيها الثوار الفلسطينيون الغالون علينا والذين نعتبركم أشقاء لنا ورفاق سلاح في خندق واحد في نضال مشترك. على الرغم من أن فيتنام وفلسطين تبعدان كثيراً عن بعضها البعض من الناحية الجغرافية فتقع الواحدة في الشرق الأقصى والأخرى في الشرق الأوسط، إلا أن المسافة لا تهمنا مطلقاً ونشعر دائماً أننا قريبون من بعض إذ نناضل من أجل القضية نفسها ألا وهي الاستقلال والحرية وضد عدو واحد الذي هو الإمبرياليون الأمريكيون المعتدون وخدمهم في تل أبيب كما في سايغون. إن دعمنا بدون تحفظ للنضال العادل الذي يخوضه الشعب العربي الفلسطيني ضد الإمبرياليين والصهاينة الإسرائيليين المعتدين هو بالنسبة لنا مسألة مبدأ ثوري". أما وقد أوشكت حركة التحرر الفيتنامية على النصر في جنوب فيتنام فلا شك أن فلسطين ستصبح محور الصراع بين الإمبريالية وحركة التحرر العالمي. ونأمل أن نكون أهلاً لمثل هذا الدور الجسيم فنتعلم من رفاقنا الفيتناميين حسن التعبئة والتنظيم لجماهير شعبنا من أجل شن الحرب الطويلة الأمد لإلحاق الهزيمة بالإمبريالية والصهيونية على أرض فلسطين وفي وطننا العربي الكبير.

المعسكر الاشتراكي: منذ أن انطلقت ثورتنا كنا حريصين على الحوار المستمر مع قوى المعسكر الاشتراكي من أجل تفهم قضيتنا ونضالنا وعلاقته بالنضال العالمي من أجل التحرر والاستقلال والتقدم. ولقد وجدنا في الصين الشعبية تفهماً كاملاً لقضيتنا وتعاوناً وثيقاً في نضالنا كما وجدنا في الاتحاد السوفيتي والحركة العمالية في العالم تفهماً متزايداً. ويمثل مؤتمر صوفيا لنصرة عمال وشعب فلسطين (سبتمبر 1971) حدثاً هاماً في علاقاتنا الدولية إذ أكد اتحاد النقابات العالمي عدالة قضيتنا وأعلن بشكل واضح وصريح عن مساندته لشعبنا في نضاله من أجل العودة وتقرير المصير. إن علاقاتنا بالأصدقاء لم تقتصر على الدعم السياسي والزيارات المتبادلة بل تخطته إلى المساعدات المادية. وأننا إذ نقدر هذا الدعم المتزايد وإذ ندرك الاختلافات مع بعض الأصدقاء نعلم أنه لا يجوز أن نحمل الأصدقاء عبء نضالنا بل علينا أن نتكل أساساً على أنفسنا، إننا نعلم أن مساندة الأصدقاء ليست بديلاً لنضالنا كما أن مواقفهم رهن بالحقائق التي نصنعها نحن هنا في وطننا.

القوى التقدمية في البلدان الإمبريالية: لقد نجحت حركتنا في إقامة العلاقات الوثيقة مع الكثير من القوى التقدمية في البلدان الرأسمالية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر العلاقات الوثيقة مع الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوعي الفرنسي. ولقد نجحنا في معظم الحالات في ألا ندع اختلاف القوى اليسارية يؤثر على علاقاتنا معها. فإننا ننطلق من ضرورة التعاون مع أية فئة تقدمية أو وطنية تؤازرنا ولا نرضى أن يكون تعاوننا مع فئة على حساب علاقتنا مع فئة أخرى ونحرص أن يكون النضال الفلسطيني نقطة تجمع لكافة القوى التقدمية بالرغم من الخلافات التي بينها. ويجدر بنا أن نخص بالذكر من بين الحركات العديدة التي تؤيدنا حركة الفهود السود التي تناضل في ظروف صعبة جداً ضد العنصرية والاستغلال في قلب الولايات المتحدة. وفي تعاملنا مع مختلف البلدان نميز بين الحكومات والشعوب فبينما نضع الحكومات الإمبريالية في صف الأعداء نحاول إنشاء العلاقات مع كل الفئات الشريفة التي يمكن أن تؤيدنا. ويمكننا أن نذكر الشبيبة الأحرار في بريطانيا الذين تبنوا فكرة الدولة الديمقراطية وقطعوا علاقتهم مع حزب الأحرار في إسرائيل نتيجة حوارهم معنا وتفهمهم لقضيتنا. كما أننا حظينا بتأييد "المسيحيين من أجل فلسطين" لنضالنا وأهدافنا. فقد عقدوا ندوتين عالميتين الواحدة في بيروت (1970) والأخرى في كانتربري (1972) وكونوا لجاناً في كثير من بلدان العالم لتقوم بالإعلام عن قضيتنا العادلة.

بعد هذا الاستعراض الموجز يمكننا القول أن استمرارية الثورة الفلسطينية يجب أن تكون هدف كل القوى الثورية في العالم وان انتصار الثورة في فلسطين هو أكبر هزيمة يمكن أن تلحق بالإمبريالية في هذا العصر على يد الشعوب المسحوقة.

إن برنامج ثورتنا السياسي ينص على "أن توثيق علاقات التضامن والنضال المشترك بين الثورة الفلسطينية والنضال العربي وبين حركة التحرر العالمية والقوى التقدمية والمعادية للإمبريالية في العالم والذي يرتكز أساساً على الإيمان بأن الثورة الفلسطينية والنضال العربي جزء من النضال التحرري العالمي، سوف يسهم ايجابياً في نضال الشعوب المشترك ضد الإمبريالية والصهيونية والعنصرية الرجعية". أن مساهمتنا في الثورة العالمية هي في المحل الأول عن طريق القيام بمهمات نضالنا ونجاحنا في معالجة التحديات التي تواجهنا. ولدعم نضالنا ونضال الشعوب ضد الإمبريالية والاستغلال علينا أن نسعى لقيام جبهة متحدة من كل القوى المعادية للإمبريالية على نطاق العالم. إن نضال قوى الثورة العالمية ضد الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا بد وأن ينتصر. وان نضالات شعوب العالم المختلفة ويقظتها وتعاونها وتعلمها من بعضها البعض لكفيل بأن يصد الهجمة الإمبريالية المضادة ويحرز النصر.

لقد خطا شعبنا خطوات صغيرة على طريق حرب الشعب الطويلة، ونمر اليوم بتعرجات هي أمر طبيعي في مسيرة كل ثورة. فعلينا أن نبقي هدف التحرير دوماً صوب أعيننا ونخطو خطى حثيثة متعلمين من أخطائنا حتى نحقق النصر

- حنا ابراهيم

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

9 من الزوار الآن

917334 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق