الصفحة الأساسية > 9.0 الإعلام المركزي > المسلكية الثورية > مسائل نقدية في المسلكية الثورية
إن ما يلفت النظر في ساحة النضال العربية عامة والفلسطينية خاصة هو التطرف في الأحكام على رفاق المسيرة والسلاح نتيجة أي اختلاف، وتصعيد المواقف بين أطراف حركة التحرر العربية أو الأطراف المناضلة في الثورة الفلسطينية إلى درجات الاتهام بالخيانة والقذف بكل أنواع الأسلحة الجارحة التي تصل في بعض الحالات إلى العنف المسلح. وهذه الظاهرة لا تأتي من فراغ وإنما يمارسها أعضاء في حركات ثورية تحدد أدبياتها مفهوم الثورة ومفهوم التناقض وكيف يجب أن يعامل الحلفاء ورفاق المسيرة وكيف أن النقد والنقد الذاتي هو الوسيلة الأساسية التي بممارستها الصحيحة تحل كل المشاكل وتنهى التعارضات.
ولقد أعطت كافة الحركات التحررية والأحزاب والقوى التقدمية اهتماما بالغا بمسألة النقد والنقد الذاتي، وأصبح هذا المبدأ يشكل أحد الأسس التي يقوم عليها التركيب التنظيمي للحركة أو الحزب. وليس هنالك من نظام داخلي لحركة أو حزب تقدمي إلا واحتل مبدأ النقد والنقد الذاتي مكانة فيها كأحد القواعد الأساسية للتنظيم الثوري.
ولكن إعطاء النقد والنقد الذاتي أهمية خاصة في الأدبيات فقط لا يعني شيئا حيث أن الممارسة لهذا المبدأ هي التي تعطيه أهميته الحقيقية. لقد تحول هذا المبدأ الهام إلى كليشه يستخدمها الأعضاء بصورة مغلوطة فينتقدون الغير دون تحفظ ويعتبرون ذلك نقدا ذاتيا. وإذا أرادوا الحديث عن أخطائهم ونادرا ما يحصل هذا فإن التحليل النهائي للنقد الذاتي تلقي تبعة التقصير على الغير أو على الظروف في أحسن الأحوال. والأخطر أن الكثيرون ممن يحتلون مواقع مسؤولة يحاربون مبدأ النقد والنقد الذاتي لأسباب مختلفة كما أن البعض الآخر يمارسونه بطريقة تسيء للحركة الثورية لعدم الالتزام بقواعد النقد وضوابطه.
إن الذين يقللون من أهمية النقد والنقد الذاتي وينزعون إلى ممارسات الظلم والانتقام والاستبداد داخل صفوف الثورة، هم أنفسهم الذين يطربون للمنافقين والمتملقين الذين يهمسون ويدسون من أجل تحقيق مكاسب شخصية. وهكذا فإن غياب النقد والنقد الذاتي من الحياة الحركية الثورية يعني خلق المناخ الملائم ليرتع فيه الانتهازيون والمتسلقون.
ولقد كان الحرص على تعميق مفهوم هذا المبدأ الأساسي للبناء التنظيمي الثوري هو الذي دفعنا للتعمق في بحث هذا الموضوع ومحاولة توضيح كل المؤثرات على ممارسته بادئين بتحديد منطلقاته ومقاييسه مع استعراض لقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة. وإذا كان الهدف الوقائي للثورة هو حماية نفسها واستمرار مسيرتها، فإن الهدف الايجابي لها هو تصعيد نضالها وضرب أعدائها ولا يتمك ذلك إلا من خلال تعميق مفهوم المسلكيات الثورية في المجالات المختلفة والتي بحكم ضمانة الانحراف عنها دون تحديد مفهومها الصحيح حتى يصبح النقد والنقد الذاتي هما المؤشر الثوري الذي يعيد أي محاولة للانحراف إلى الالتزام بالخط الصحيح.
إن الفهم الواعي لمسألة التناقض هو المدخل العلمي الوحيد لتحليل وتفسير قضايا الثورة. فمسألة التناقض هي التي تحدد وبدقة معسكر العدو ومعسكر الثورة. وتحدد بدقة وخصوصية واعية طبيعة الخلافات والتعارضات بين صفوف الثورة وبين صفوف الجماهير.. وتحدد كيف ومتى.. وأين.. ينتهي التناقض..
وإذا كان من البديهي أن التناقض بين الاستعمار وعملائه من جهة.. وبين حركات التحرر الوطنية من جهة أخرى لا يمكن أن يحسم وبصورة دائمة إلا بالعنف الثوري المسلح فإن التناقض أو التعارض بين أطراف حركات التحرر أو بين أطراف الثورة الواحدة لا يجوز حسمه بالعنف المسلح وإنما باللطف.. بالوعي.. بالنقد والنقد الذاتي.
ومسألة التناقض بين حركات التحرر الوطني وأعدائها تتطلب دراسة واعية عميقة لتحدد وبدقة طبيعة التناقض ودرجة عدائيته وحدتها لكل الأطراف التي تخوض الصراع في نفس الساحة. إن تحديد العدو الرئيسي ينجم عن تحديد الجهة التي يكون التناقض بينها وبين الحركة الثورية ذو طبيعة عدائية تناحرية يستحيل معها التعايش بين الطرفين حيث أن كل منهما يشكل النقيض الطبيعي للآخر. كما أن تحديد التناقضات الثانوية وحدتها في المراحل المختلفة تشكل ضرورة هامة للحركة الثورية حتى تستطيع أن تجعل ممارستها في الزمان والمكان متناسبة مع مفهومها لتحديد درجة الصراع الذي تريد أن تخوضه مع الجهات التي تتناقض معها ثانويا.
والحركات الثورية لا تتجاهل في مسيرتها الجوهر الرئيسي للتناقض لأنه يحدد بصورة دقيقة طبيعة الفئات التي تشكل تحالفا مع العدو ضد الثورة والشعب. إن الاستغلاليين الذين يتربعون على أكتاف الجماهير ويمتصون خيراتها لا يمكن أن يقفوا من الحركة الثورية إلا موقف الاستعمار نفسه حيث أن مصلحتهم ترتبط مع مصلحته ولهذا فإن جوهر التناقض يحدد مكانهم الطبيعي في معسكر أعداء الحركة الثورية.
ويجب أن لا تنجر الحركات الثورية وراء العدميين والمراهقين الثوريين الذين يصنفون كل من خالفهم في الرأي بأنه في معسكر الأعداء. ولهذا فإن ممارسة النقد والنقد الذاتي في الحركات الثورية تعتمد على منطلقات أساسية تشكل في مجموعها نظرية العمل للحركة الثورية. وهذه المنطلقات هي خط الجماهير والخط السياسي والخط التنظيمي والخط العسكري للحركة الثورية.
تنطلق الحركات الثورية التقدمية لتحقيق مصلحة الجماهير ولتخليصها من الواقع الذي تعاني فيه من سيطرة الفئات المستغلة الظالمة. فعندما تكون الجماهير مسلوبة الإرادة، ضعيفة، مغتصبة، مغلوبة على أمرها، مستعبدة فوق أرضها أو مشردة نتيجة ظلم اجتماعي طبقي أو استعماري استيطاني عدواني فإن تفرز من بين صفوفها الطلائع التي تتحسس آلام الجماهير وآمالها فترسم للخلاص من ربقة الظلم دربا وحيدا هو درب الثورة. وتكون مهمة هذه الطلائع هي قيادة الجماهير ومساعدتها لتقوم بتحرير نفسها بنفسها، ولتعمل على طرد أعدائها المغتصبين لأرضها.
إن ما تريده الجماهير وتطمح إليه يشكل الهدف الحقيقي الذي تسعى الحركة الثورية لتحقيقه واضعة نفسها بوعي وبإرادة كاملتين كأداة للجماهير وليس العكس. إن حالة الوعي التي تعيشها الجماهير قبل بروز الطليعة تتحكم فيها مجموعة من الوقائع التي تسبق حالة الفكر الثوري الذي تستنبطه الطليعة من الواقع كدليل عمل لتغييره. فالفكر السائد قبل تبلور النظرية الثورية تتحكم فيه مجموعة من الأمراض السائدة في المجتمع إلى جانب مسببات هذه الأمراض. وتقف السلطة الفاسدة على رأس أمراض الواقع الفاسد فهي إن كانت محلية مستبدة أو غريبة مغتصبة فإنها تتفنن ليس فقط في استغلال الجماهير وإنما في إفشاء الأمراض الاجتماعية لإضعاف الحلقات الجماهيرية وتفريق المجتمع والشعب وتحويله إلى فئات مستغلة ومستغلة مستخدمة أساليب القمع والبطش والإرهاب، عامدة إلى زرع التناقضات في صفوف الجماهير وتغذية صراعاتها الداخلية لتظل الفئة المستغلة متربعة على عرشها. وإلى جانب السلطة الفاسدة فإن الواقع الجماهيري يعيش في حالة من التخلف نابعة من ترسبات اجتماعية وروحية تشده إلى عظمة الماضي ليستعيض بها عن رؤية فساد الواقع. والجماهير تنمو وتترعرع في أحضان التراث الاجتماعي والتاريخي الذي تختاره لها السلطة الحاكمة من إدراج التراث العام. وهذا الاختيار من التراث يستهدف دائما مصلحة الحكام واستعبادها للجماهير. إنه يؤكد دائما على الفردية والذاتية والقدرة اللامحدودة للحاكم وعلى أن السلطان أو القائد الفرد هو الذي يصنع التاريخ، وليست الجماهير سوى كم يستفيد تاريخيا من وجود هذا القائد أو ذاك. هذا التخلف النابع من تعميق الرؤية الأحادية الجانب للتراث يخدم باستمرار مصلحة الفئات المستغلة حيث أنها هي دائما التي تروج له وتحارب كل تفهم حقيقي لمنابع العظمة في التاريخ ولدور الجماهير الشعبية في رفض الظلم وتغيير واقعها.
إن محصلة تفاعل السلطة الفاسدة مع القيم الروحية والأخلاق والتقاليد والعادات الاجتماعية توجهها نظرتان للتراث متعارضتان ولكنهما تضعان معا القمح في طاحونة السلطة الفاسدة. ففي القيم الروحية والأخلاقية والتقاليد والعادات الاجتماعية المتوارثة توجد إيجابيات وسلبيات.
الايجابيات: هي كل تلك المعطيات من التراث التي تخدم مصلحة الجماهير وتؤكد أنها منبع الإبداع والخلق والعطاء.
السلبيات: هي كل ما في التراث من شوائب مدسوسة على مدى العصور بواسطة أولئك الذين حاولوا ولا يزالون استعباد الجماهير وترسيخ روح الاستسلام وغرص عقد النقص فيها لصالح فئة مستغلة باغية.
والنظرتان المتعارضتان للتراث واللتان تخدمان تاريخيا استمرار الواقع الفاسد وأصحابه ينبعان من التشبث بالنظرة الأحادية الجانب للتراث.
الأولى: وهي لا ترى في التراث إلا الوجه المشرق، إلا الايجابيات والعظمة، وهي تحلم أن تجعل واقع اليوم كواقع الأمس. وهذه النظرة لا تصنف التراث إيجابا أو سلبيا على أساس مصلحة الجماهير وإنما على أساس فهمها المتعصب لايجابيات التراث بشكل عام وهي تنظر إلى معطيات العصر نظرة ازدراء وخروج عن معنى الوجود الإنساني.
إن نظرة النكوص باسم الأصالة النابعة من التراث والتي تعطي من التقديس ما يجعل الخروج عنها كفرا تجد من السلطة الحاكمة رعاية وتفهما حتى وإن انطلقت من وراء ظهر هذه السلطة. إن اللقاء بين النظرتين الرجعيتين حتمي لأنهما ينظران إلى الجماهير (عمليا) من نفس الزاوية.
والنظرة الثانية: هي التي لا ترى في التراث أية إيجابية وترى أن الواقع الفاسد لابد من نسفه من جذوره. وتتخذ من معطيات العصر نماذج للواقع الذي تحلم به، ناسية أن الواقع الذي تستشهد به لم يحققه صانعوه بمعزل عن تفهمهم الواعي للتراث الوطني والقومي والإنساني وأنه جاء نتيجة للصراع المتطور عبر السنين بالاعتماد على الجماهير الشعبية وقدرتها على الخلق والإبداع والتغيير. إن النظرة الرافضة لكل ما في التراث من ايجابيات والتي لا تزال الجماهير تتمسك بها وتنمو عندها كقيم ثورية فاعلة متطورة تلغي عمليا دور الجماهير وتتطلع إلى إحداث التغيير في الواقع الفاسد والانتقال مرة واحدة إلى واقع العصر في المجتمعات المتطورة.
إن نزعة الطفرة هذه تغرق حامليها في أحلامهم الوردية بعيدا عن واقع الجماهير فينتج نوع من التنظيم الانتقائي، تنظيم النخبة التي ترى أنها هي التي تعمل لمصلحة الجماهير وأنها ستحدث التغيير التاريخي وتسلمه جاهزا للجماهير. وهي بذلك تلتقي تماما مع النظرة الرجعية الناكصة التي ترى أن الأفراد ــ القادة والسلاطين ــ هم الذين يصنعون التاريخ وليس الجماهير.
وأصحاب نظرة الطفرة هذه يستوردون عادة النظريات الجاهزة المفصلة والتي يكتشفون عادة أنها تحمل في طياتها ملامح تتعارض مع مفاهيم الجماهير فتستفيد السلطة الفاسدة من هذه المفاهيم فتضخمها وتعمق التناقض بين الجماهير وبين مستوردي النظرية، وتكون النتيجة تعثرا في مسيرة النخبة (يتحولون عادة إلى منظرين) وتأكيدا لسيطرة المستغلين (بكسر الغين).
وتبقى نظرة الطلائع الثورية للتراث. إنها تنطلق من:
1- أن الهدف هو إحداث التغيير في الواقع الفاسد.
2- أن التغيير لا يتم إلا بواسطة الجماهير.
3- أن التغيير يجب ويتحتم أن يكون لصالح الجماهير.
4- أن الحركة الثورية مطالبة بالتفهم الواعي للتاريخ وللتراث، لكل ما فيهما من إيجابيات وسلبيات، لتقوم بعملية الهدم للسلبيات، فيتحقق التطور التاريخي بعملية البناء بدءا باللبنات الايجابية في التراث.
5- أن أعداء الجماهير يعملون على التمسك بالواقع وسيساعدهم في ذلك الناكصون إلى التراث فيرفضون التغيير التقدمي، أو الذين يرفضون التراث رفضا قاطعا فينعزلون عن الجماهير وينحرفون عمليا عن المنطلقات الثورية الحقيقية ويغرقون في خضم الطفولة اليسارية المراهقة.
6- أن الثورة تنطلق من الجماهير لتعود إلى الجماهير، تنطلق من الواقع الفاسد بكل معطباته الايجابية والسلبية فتقود الجماهير وتأخذ بيدها حتى تحقق أحلامها… مصالحها…النصر.
7- أن خط الجماهير مسألة أساسية في عمل الحركات الثورية خصوصا في مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار الاستيطاني حيث تكون الحركة الثورية مطالبة بتجميع أكبر قاعدة جماهيرية كمنطلق لها. والجماهير لا تجتمع على أهداف لا ترى إمكانية تحقيقها أن تحقيقها يتعارض مع مصالحها. ولهذا فإن على الطلائع الثورية أن تركز على الشعارات التي تجمع حولها قطاعات واسعة من الجماهير وأن تتجنب الخوض في التفاصيل التي تغرق الجماهير في نقاشات قد تؤدي إلى بعثرتها وفشل وحدتها. إن على الطلائع أن تطرح على الجماهير دائما شعارات مرحلية، هي مشاعل الطريق لتحقيق الهدف النهائي الذي يجب أن بكون هدفا جماهيريا مؤكدا لخط الجماهير.
إنه التأكيد في النظرية والممارسة على:
1- أن على الجماهير الشعبية أن تحرر نفسها بنفسها.
2- أن المهمة الأساسية للطليعة هي الخدمة الصادقة للجماهير وأن دورها القيادي للجماهير هو أن ترشدها إلى الطريق الصحيح في نضالاتها، وأن تساعدها على أن تتحرك للعمل هي نفسها لتخلق حياة سعيدة.
3- أن الحركة طليعة الجماهير وليست بديلا لها. وهذا هو الفرق بين نظرية الطليعة في التنظيم وبين نظرية النخبة، حيث أن تنظيم الطليعة يعمل مع الجماهير وللجماهير، يتعلم منها ويعلمها. بينما لا يعتمد تنظيم النخبة على الجماهير. قد يعتقد أنه يعمل لمصلحتها في الوقت الذي يعمل لمصلحة عدد محدود من البشر الذين لن يكونوا أحسن حالا إذا استولوا على السلطة من الذين سيطردونهم إن استطاعوا !!
إن الطليعي قائد مسؤول يعمل مع الجماهير ويعيش معها يتحسس آلامها وآمالها.. أفراحها وأتراحها.. يستنبط من معايشته الدقيقة والتفصيلية لوقائع الجماهير اليومية، قواعد أساسية لعمل الطليعة. فتحول بذلك أفكار الجماهير المبعثرة إلى أفكار تطورها نظرة الحركة الثورية.
وللتأكيد على خط الجماهير في العمل الثوري يؤكد الحزب الشيوعي الصيني على تنفيذ مجموعة من التدابير وهي:
«1- ينبغي تحسين منهج العمل في الهيئات القيادية على مختلف المستويات بحيث يستطيع المسؤولون عنها تكريس وقت أكبر للاتصال بالجماهير ولدراسة تجاربها وآرائها بدلا من الاكتفاء بدراسة المستندات وعقد الاجتماعات في حجرة مغلقة كما ينبغي إنقاص حجم الهيئات القيادية وتقليص عدد موظفيها.
2- ينبغي أن تتقدم الحياة الديمقراطية في الحزب والأمة وتتكامل باستمرار بحيث تتاح للمنظمات الدنيا في الحزب والدولة إمكانية وسهولة الانتقاد في الوقت المناسب وبدون خوف.
3- ينبغي تعزيز عمل الرقابة في الحزب والدولة وفضح كل أثر من آثار البيروقراطية في الوقت المناسب وتطبيق العقوبات بحق كل من يخرق القوانين وانضباط الحزب.
4- ينبغي أن تستخدم المنظمات المحلية وتنظيمات معظم فروع الحزب التجارب المتعلقة بتجديد أسلوب الحزب وأن تحدد دوريا بطريق النقد والنقد الذاتي ذي الطابع الجماهير أسلوب العمل الحزبي وأن تتحقق بوجه خاص في تطبيق خط الجماهير».
إن النقد والنقد الذاتي في الحركات الثورية يجب أن ينطلق من التسليم بخط الجماهير ولذلك فإن عملية النقد والنقد الذاتي تتم في الأصل لنقد الأفعال والأقوال على أساس تأثيرها على الجماهير. إن تقويم العمل اليومي للمناضلين الدين يعملون مع الجماهير وللجماهير يسعى إلى تعميق الخط الصحيح للعلاقة الجدلية بين الجماهير وطليعتها ولذلك فإن عملية النقد تتصدى بحزم لكل قول أو فعل يحاول أن يحرف هذه العلاقة.
إن ترسبات التراث بإيجابياته وسلبياته في نفسية الجماهير وعدم وجود الحد الفاصل بينهما لاختلاف وجهات النظر في النوع أو الدرجة لكل ظاهرة أو تصرف يرتبط بقيم متوارثة يحتم على الثوري أن يتفهم أن أول واجب له هو أن يكون إلى جانب الجماهير حتى يستطيع أن ينقلها تدريجيا إلى حيث الطموح الثوري. وتختلف ترسبات التراث في المجتمعات المختلفة ومفهوم الايجابيات والسلبيات فيها حيث أنه إلى جانب الاختلاف بين نظرات الأفراد للأمور فإن هنالك اختلافات بين المتوارث من قيم وعادات وتقاليد روحية واجتماعية من مجتمع لآخر، إلى جانب أن هنالك اختلاف بين درجة التطور التي وصل إليها كل مجتمع. والحركات الثورية في العالم تلتقي على أسس عامة أولها أنها تسعى لطرد الاستعمار بكل أشكاله وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية للشعب منطلقة من خط الجماهير. إن دور النقد والنقد الذاتي في تنقية خط الجماهير يبدأ مع نشوء العلاقة بين الجماهير والطليعة الثورية. فهو المغتسل الذي تمر به كل الترسبات فينقيها تدريجيا حتى تصل إلى الدرجة التي تتخلص فيها الجماهير (نتيجة فعالية الطليعة الأكثر نقاء وتخلصا من أمراض المجتمع) من كل سلبيات الماضي.
تكون الحركة الثورية في مرحلة انطلاقها مرغمة على تقبل أنواع كثيرة من الأمراض الاجتماعية، ولهذا فإنه لا يجوز في تلك المرحلة أن ينصب النقد على هذا النوع من الأمراض. ومع المسيرة الثورية والتغير الاجتماعي والسياسي الذي تحدثه فعالية الطلائع الثورية يبدأ تصنيف الأمراض التي يجب التخلص منها وهكذا. إن فعالية النقد والنقد الذاتي تكمن في أنها تنطلق لتؤكد وحدة الجماهير وقياداتها إلى جانب وحدة ورص هذه القيادة مما يحقق وحدة الحركة الثورية. ولهذا فإن الاختلاف بين تصنيف المسلكيات بالسلب أو الإيجاب في الحركة الثورية الواحدة ينتج عن المرحلة النضالية التي قطعتها هذه الحركة. وأن الاختلاف بين تصنيف المسلكيات بالسلب والإيجاب في الحركات الثورية الواحدة ينتج إلى جانب الاختلاف في المرحلة النضالية التي وصلت إليها كل حركة، من طبيعة الاختلاف في المجتمعات المختلفة ومرحلة التطور التي تعيشها إلى جانب الاختلاف في نوعية وكمية التراث الذي يؤثر على المسلكية الاجتماعية للأفراد.
والنقد والنقد الذاتي ليس عملية آلية تصنف بشكل ثابت روتيني. وإنما هو منهج للعمل والتفكير يتم بحيث يتلاءم مع القضايا المطروحة في الزمان والمكان. إن التصرف الذي يجب أن يوجه إليه النقد في وقت ما أو مكان ما قد لا يتوجب نقده في زمان ومكان آخرين، وهكذا فإن مهمة الحركة الثورية في كل مرحلة من مراحل تطورها أن تعمق الانتماء لخط الجماهير مما يجعل اكتشاف المناضلين لأخطائهم وأخطاء إخوتهم عملية تلقائية تنبع من تعميق حس أمني مرتبط بمصلحة الجماهير والمحافظة عليها.
8 من الزوار الآن
916826 مشتركو المجلة شكرا