الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > في الثورة والثوار > الثورة والقيم الإسلامية
إن الإنسان الذي يحصل على الشعور الإلهي، وتصبح القيم الإنسانية الرفيعة هدفا له هذا الإنسان يتحرر من أتباع الفرد كفرد، أو معاداة الشخص كشخص ذلك أنه يصبح من أتباع العدالة وليس العادل، ويعادي الظلم وليس الظالم، وان أتباعه للعادل وعداءه للظالم ليس ناشئاً من العقد النفسية والشخصية، بل ناشئاً عن الأصول الفكرية التي يعتقد بها ورسالته التي يحصلها.إن الوعي والشعور الذي ظهر في الوجدان الإسلامي لمجتمعنا هو الذي دفعه لكي يبحث عن (القيم الإسلامية)، وأن هذا الوجدان المشترك والروح الجماعية الملتهبة للمجتمع الإسلامي، هي التي دفعت الفئات والطبقات المختلفة والمتناقضة أحيانا في حركة متناسقة واحدة.
جذور الثورة
أما عن جذور الثورة، فأننا نستطيع أن نبحث عنها في أحداث النصف الأخير من هذا القرن وبالضبط في التيارات التي اصطدمت بالروح الإسلامية للمجتمع الإيراني ذلك أنه في النصف الأخير من هذا القرن وقعت أحداث كانت ضد الأهداف الإسلامية السامية، ومخالفة لأهداف المصلحين في المائة سنة الأخيرة ومن الطبيعي أن لا يستطيع المجتمع السكون وعدم إبداء أي رد فعل تجاه ذلك.
جرائم الشاه
ويمكن تلخيص ما جرى على المجتمع الإسلامي الإيراني خلال الخمسين عاما الماضية في النقاط التالية -* تحكم الديكتاتورية العنيفة والوحشية وانعدام كل نوع من الحرية.* نمو الاستعمار الجديد، أي الاستعمار اللا مرئي والخطير في جوانبه الثلاث السياسية والاقتصادية والثقافية. * فصل الدين عن السياسة.
* محاولات إرجاع إيران إلى عهد الجاهلية ما قبل الإسلام، وإحياء الشعائر المجوسية وإماتة الشعائر الإسلامية الأصيلة، وقد كان تغيير التاريخ الهجري المحمدي إلى التاريخ المجوسي -الشاهنشاهي - مثالا واحدا لذلك.* قلب وتحريف (الثقافة الإسلامية) القيمة ثم تسميتها بتسمية وهمية هي (الثقافة الإيرانية).* إشاعة (الماركسية الحكومية) أي فقط الجوانب الإلحادية من الماركسية وليس الجوانب السياسية والاجتماعية وكما تعلمون أن العناصر الماركسية الأجيرة وصلت إلى اتفاق مع النظام الشاهنشاهي الحاكم حول العمل على إشاعة الجوانب المضادة للدين والإلحادية والمادية للماركسية، والسكوت عن الجوانب السياسية والاجتماعية. إننا رأينا بوضوح في الجامعات نشاطات العناصر الماركسية المأجورة والتي كانت تحظى بحماية كاملة من قبل النظام الحاكم.* وقوع المجازر الوحشية، وعدم إعطاء قيمة لدماء المسلمين الإيرانيين، وتعميم التعذيب والسجون للمتهمين السياسيين.
* النمو الفاحش للاختلاف الطبقي برغم الإصلاحات الظاهرية الكاذبة.* تسلط العناصر غير المسلمة على المسلمين، عبر الدولة وسائر الأجهزة الحكومية.* النقض الصريح والعلني للقوانين والإحكام الإسلامية سواء بصورة مباشرة أو على شكل إشاعة الفساد في جمع المجالات الثقافية والاجتماعية.* مكافحة الأدب العربي الإسلامي الذي كان حافظا وحارسا للروح الإسلامية في إيران، باسم مكافحة اللغات الأجنبية.* قطع العلاقة مع البلدان الإسلامية، والتعاون مع البلدان
غير الإسلامية، وضدها أحيانا «كإسرائيل».هذه الأمور وأمثالها التي وقعت خلال الخمسين سنة الماضية، ألهبت الوجدان الديني لمجتمعنا، وأصبحت بؤراً مستعدة للانفجار، هذا من جانب.
الإسلام والجيل المعاصر
خلال ثلاثين عام ونيف الماضية أي منذ عزل رضا بهلوي عام 1941- المترجم - استطاع الباحثون والخطباء والكتاب الإسلاميون أن يعرضوا للجيل المعاصر، إلى حد ما الوجه الناصع والجذاب للإسلام الواقعي.لقد كان علماء الدين الواعون المناضلون في إيران الذين تعبوا في المآسي التي جرت على المجتمع يبحثون عن فرصة مناسبة للقيام والثورة، وفي هذه الأجواء والشروط المناسبة بدءوا بالتحرك، وفي نفس الوقت لبى الجيل المعاصر المتحمس ضد مآسي الخمسين عاما الماضية، واليائس من التيار الغربي والشرقي، والمتعرف على التعاليم الإسلامية لبى بكل وجوده نداء علماء الدين.وهكذا نشأت جذور الثورة الإسلامية في إيران، وبهذه الجذور تغذت الثورة.فقد انتشرت (الشعارات الإسلامية) في كل إيران ابتداء من العاصمة حتى أبعد قرية حدودية ولم يطرح أحد هذه الشعارات
الإسلامية على الشعب إنما استطاع هو بنفسه أن يستوحيها من أعماق ضميره الإسلامي فهل تجد في كل الشعارات التي طرحها الشعب بنفسه شعارا واحدا غير إسلامي؟.
أهداف الثورة الإسلامية في إيران
أهداف الثورةالثورة الإسلامية في إيران ماذا تهدف؟ وماذا تريد؟ هل تريد الديمقراطية؟ هل تريد قطع يد الاستعمار عن إيران؟ أم تريد الدفاع عن ما يسمى اليوم بحقوق الإنسان؟ على تريد إنهاء الطبقية واللا مساواة؟ هل تريد قلع جذور الظلم؟ أم تريد محاربة المادية؟ أم ماذا ...
الجواب على كل هذه الأسئلة يظهر من المقال السابق حول ماهية الثورة وجذورها، ويظهر أيضا في البيانات والخطب التي طرحها قادة الثورة. ولكن الذي نريد أن نقوله هنا وبإيجاز جواباً على تلك الأسئلة هو نعم ...ولا.
نعم ... ذلك أن كل تلك الأهداف هي جزء من أهداف الثورة
ولا.. ذلك أن أهداف الثورة لا تتحدد بتلك المطاليب فالثورة الإسلامية لا يمكن أن تكون محدودة الأهداف، لأن الإسلام بحد ذاته هو (كل لا يتجزأ)، وإن الإسلام لا ينتهي بالوصول إلى هذه الأهداف. وذلك لا يعني بأن الثورة من الناحية التكتيكية لا تقدم بعض الأهداف على
الأخرى، أو تراعي مراحل الوصول إلى أهداف إذا لم يطبق الإسلام - من الناحية التكتيكية - بصورة تدريجية؟ فاليوم تمر الثورة بمرحلة النفي والهدم ومحاربة الديكتاتورية والاستعمار، وغداً- بعد أن تعبر هذه المرحلة - ستصل إلى مرحلة البناء الإيجابية، وتعقب الأهداف الأخرى (ملاحظة، كتبت هذه السطور في أيام الثورة وقبل الانتصار).إن الكلمات التي ذكرتها في بداية الكتاب عن نهج البلاغة من الإمام على (عليه السلام) حول أهدافه الإصلاحية. والكلمات التي ذكرتها أيضاً عن الإمام الحسين (عليه السلام) المعبرة عن أهداف نهضته أيام يزيد والتي قالها أمام مجموعة من كبار الصحابة والشخصيات الإسلامية في موسم الحج، إن هذه الكلمات في الحقيقة تعبر عن الأهداف العامة لكل النهضات والثورات الإسلامية ومن الطبيعي أن تكون لكل ثورة أيضا في مرحلة زمنية معينة، أهدافاً فرعية وجزئية خاصة بها.
الأهداف العامة للثورة
أما الأهداف العامة - للثورة الإسلامية حسب كلمات الأمام علي - فقد لخصت في أربع جملات* (نرد المعالم من دينك).
أي نرجع مظاهر وعلائم الدين الإلهي يقصد به الرجوع إلى الإسلام الأولي، والأصول الإسلامية الأصيلة، ومحو البدع وجعل السنن الأصيلة مكانها، وبعبارة أخرى (الإصلاح في الفكر والرؤى، والتغيير في الروح والضمير والقضاء في مجال الإسلام).
* (نظهر الإصلاح في بلادك ) .
أي نوجد الإصلاح الجذري والظاهر والجذاب الذي يشد
أنظار الجميع حتى تظهر جليا، علائم التحسن في حياة الناس، وبعبارة أخرى، (التغيير الجذري في حياة الناس).
* (يأمن المظلومون من عبادك) أي نقطع يد الظالمين من على رؤوس عباد الله المظلومين، وبعبارة أخرى (إيجاد الإصلاح والتغيير في العلاقات الاجتماعية للناس).
* (تقام المعطلة من حدودك)أي نرجع القوانين الإلهية المعطلة والحدود الإسلامية المتروكة مرة أخرى، حتى تحكم بين المجتمع الإنساني، وبعبارة أخرى (إيجاد التغيير المفيد والإسلامي من النظم المدنية والاجتماعية للمجتمع).
عوامل الانتصار
وكل مصلح يستطيع أن يطبق هذه الأصول الإصلاحية الأربعة.-أن يوجه الأفكار والرؤى إلى الإسلام الأصيل وأن يكنس البدع والخرافات من العقول.
أن يوجد التغيير الإيجابي من الحياة العامة للناس من حيث الغذاء والسكن والصحة والتربية والتعليم.-أن يحكم أصول المساواة والأخوة في العلاقات الإنسانية بين الناس.-وأن يطبق الأحكام والقوانين الإسلامية الإلهية على المجتمع. أن كل مصلح يستطيع أن يطبق هذه الأمور بنجاح، فهو مصلح ناجح ومنتصر.
قيادة الثورة الإسلامية في إيران
مؤهلات قيادة الثورة
لا جدال في أن كل ثورة تحتاج إلى قيادة وقائد ولكن السؤال المطروح هولو كانت الثورة ماهيتها إسلامية، وأهدافها إسلامية، فكيف يجب أن تكون قيادتها، ومن هم الأفراد أو الجماعات التي تصلح لقيادة هذه الثورة؟والجواب واضح، هو أن يملكون إضافة إلى مؤهلات العامة للقيادة، الشروط التالية-أن يكونوا عارفين بالإسلام معرفة جيدة.-أن يكونوا عارفين بالأهداف والفلسفة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والمعنوية للإسلام.-أن يكونوا على معرفة كاملة بـ (نظرة الإسلام إلى الحياة)، أي رؤية الإسلام عن الوجود والخلقة والخالق والمبدأ والمصير، ونظرة الإسلام إلى الإنسان والمجتمع الإنساني.
أن يستوعبوا الأيديولوجية الإسلامية استيعابا كاملا، أي استيعاب أطروحة الإسلام في أنه كيف يجب أن يكون الإنسان؟ وكيف يجب أن يعيش؟ كيف يجب أن يبني نفسه ومجتمعه؟ وكيف يجب أن يسير؟ ومع من يجب أن يحارب؟ وضد من يناضل؟ والخلاصة ما هو طريق الإنسان وكيف يسير ...و...و...
ومن البديهي أنه لا يستطيع أحد أن يتحمل هكذا قيادة بهذه المؤهلات والشروط إلا أن يكون قد تربى في صميم الفكر الإسلامي، وأن يكون عارفا بالقرآن والسنة والفقه والمعارف الإسلامية، معرفة كاملة وعلى هذا الأساس أيضا لا يستطيع إلا (علماء الدين) من قيادة الثورات الإسلامية.
من هم قادة الثورة في إيران؟
ان الثورة الإسلامية في إيران لتفتخر اليوم، بأن تكون قيادتها على أكتاف مراجع وأعين وشجعان ومناضلين، يعرفون متطلبات العصر، يحسون بآلام الجماهير، يهمهم إعلاء كلمة الإسلام، ولا يستسلمون لليأس والخوف أبداً.لقد كان في تاريخنا مراجع وقيادات كان نفوذهم المرجعي أوسع رقعة، وعدد مقلديهم اكثر عددا من (قيادة الثورة) اليوم، ولكنهم كانوا لا يملكون ذلك الحب والولاء والنفوذ في الناس والالتئام مع روح وحياة الجماهير، بقدر ما تملكها القيادة المرجعية للثورة الإسلامية اليوم.إننا نحترم بقدر قيادة هؤلاء العظام، فنترك للتاريخ أيضاً أن يكتسب محاسنهم، ونطلب من الله تعالى لهم عزما راسخا، وسعيا حثيثا ووعيا نافذا وتوفيقا.إن المراجع العظام المحترمين _ دامت بركاتهم - في (قم)، والذين خطوا خطوات واسعة من أجل إعلاء كلمة الحق، هم رمز الفخر
والمباهات للإسلام والمسلمين، وسيبقى ذكرهم الطيب أبدا في تاريخ هذا الوطن، هو أقل ما يكون من أجر وثواب من الله تبارك وتعالى لهم ولكن.. ذلك المعشوق الذي تهويه مئات القوافل، فإن اسمه وذكره .. خطابة وروحه المتعالية؟.. إرادته وعزمه الحديدي.. استقامته وشجاعته .. وعيه وإيمانه وأعني روح الأرواح، وبطل الأبطال، قرة الأعين، وعزيز الشعب الايراني، استاذنا المعظم والقدير آية الله العظمى الخميني - أدام الله عزه - إن ذلك نعمة أنعمها الله في قرننا وحياتنا المعاصرة هذه، وحقا أنه مصداق حي وواضح للحديث القائل(إن لله في كل خلف عدولا، ينفون عنه تحريف المبطلين).
القيادة كيف خدمت الثورة؟
ولا يخفي أن الذين اشتركوا ولازالوا يشتركون في هذه النهضة الإسلامية، من الشخصيات الدينية وغير الدينية، ويلعب كل منهم دوره الخاص، هم كثيرون فبعض الشخصيات والجماعات وعبر نشاطات إسلامية فكرية وعملية مفيدة لعبت درواً مهماً في تهيئة الأرضية الفكرية للجيل المعاصر حتى يشترك في ثورة إسلامية عظيمة.والبعض الآخر، استطاع عبر التضحيات والفداء تحمل السجون والنفي، أن يغذي هذه الثورة بالاستقامة والقدسية والقيمة الرفيعة.وبعضهم استطاع أن يكون عنصراً مؤثراً وفعالاً في الثورة، عبر نشاطاته التي كانت تستهدف توسيع رقعة النهضة، أو تعميقها، أو هدايتها إلى جهة فكرية خاصة ولكن البعض الآخر، وقفوا وسط الطريق أو رجعوا إلى الوراء أو أن بعضهم انحرفوا عن الطريق واتجهوا نحو المذاهب الفكرية الأخرى، وبذلك وجهوا ضربة إلى الثورة.
آفات الحركات الإسلاميّة
الآفات لماذا؟
* (الثورة والحركة) كأية ظاهرة أخرى تصاب بالآفات والأمراض، ومسؤولية (القيادة) هي الوقاية من هذه الآفات، أو محاربتها بالوسائل الموجودة في حال تسللها داخل الحركة من المؤكد أنه لو لم تستطع القيادة من معالجة آفات الحركة أو إهمال محاربتها، فإن الحركة أمّا أن تفشل أو أنها تتحول إلى حركة مضادة للثورة تتبعها نتائج معكوسة.إننا نحاول هنا طرح بعض أنواع الآفات التي استطعنا ملاحظتها، ولا ندعي بأننا استقصينا جميع الآفات التي يمكن أن تواجه أية ثورة أو حركة.1-تغلغل الفكر الأجنبيبعد انتصار أية حركة ثورية، يستطيع (الفكر الأجنبي) أن يتغلغل إليها عبر طريقين طريق الأعداء، وطريق الأصدقاء.أما طريق الأعداء فعندما تتوسع رقعة التغيير لدى أي حركة اجتماعية، وتجمع حولها الأنصار وتثبت تفوقها على جميع الحركات
والمذاهب الأخرى، عند ذاك يحاول أنصار الحركات الأخرى، التسلل داخل الحركة الثورية والقيام بتخريبها من الداخل عبر إدخال أفكار ونظريا أجنبية وغربية ومغايرة تماماً لأفكار تلك الحركة الثورية، وبهذا العمل تقوم بإسقاط دور المذهب الفكري لتلك الحركة أو التقليل من أثرها.ولنا دليلا واضحا لذلك مما حدث في صدر الإسلام فبعد انتصار الإسلام وانتشاره في العالم، حاول الأعداء محاربة هذا الدين عبر تحريف أفكاره، وبدءوا يستوردون أفكارهم الإسرائيلية والمجوسية باسم الإسلام، وتحت غطاء إسلامي، وأدخلوها في الحديث والتفسير وأذهان المسلمين، وفعلوا ما فعلوا بالمسلمين، ولكن من حسن الحظ أن علماء الإسلام انتبهوا لذلك، وحاربوا تلك الآفة، ولا زالوا يحاربونها.وأما الطريق الثاني، فهو طريق الأصدقاء والأنصار.. ففي بعض الأحيان نرى أن أنصار تلك الحركة الثورية يتأثرون - بسبب جهلهم بأيديولوجية الحركة - بسلسلة من النظريات والأفكار الغربية والأجنبية، ويحاولون - عن علم أو جهل- إعطاء تلك الأفكار صبغة شرعية ثم عرضها على الجماهير.ومثال ذلك تشاهده أيضا من القرون الأولى للإسلام، عندما تأثرت بعض الفئات بالفلسفة اليونانية أو العادات والرسوم الإيرانية، أو التصوف الهندي، فادخلوا تلك الأفكار والنظريات في الفكر الإسلامي، لا بقصد خيانة الإسلام، بل بقصد خدمته.واليوم .
يعد اتساع رقعة الحركة الإسلامية من ايران، وتفوقها على سائر المذاهب والنظريات الفكرية الأخرى، نرى ظهور هاتين الفئتين داخل الحركة.فبالإضافة إلى أننا نرى مجموع من أنصار المذهب الطبيعي -
المادي- يحاولون عرض أفكارهم المادية الأجنبية باسم الإسلام، لأنهم يعلمون بأنهم لا يستطيعون التأثير على الشباب الإيراني باسم الأفكار والشعارات الطبيعية، ومن الواضح أن يترك الشباب ذلك الإسلام الذي كون ظاهره إسلامي.. وحقيقته مادية.بالإضافة إلى ذلك، نرى مجموعة ثانية، وهي أخطر من الأولى، من الذين لا يعرفون الإسلام جيدا، ولكنهم متأثرين بالفكر الأجنبي، يحاولون الكتابة باسم الإسلام، فيكتبون عن الأخلاق الأجنبية باسم الأخلاق الإسلامية، ويكتبون أيضا عن فلسفة التاريخ وفلسفة الدين والنبوة الأجنبية وعن الاقتصاد الإسلامي و...و... الإسلامي.إنني كفرد وبحكم مسئوليتي الإلهية، أحذر كل قيادات الحركة الإسلامية الذين أكن لهم وافر الاحترام وأتمم الحجة بيني وبين الله، وأقول بأن تغلغل وانتشار الفكر والنظرية الغربية في مجتمعنا باسم الفكر الإسلامي وبغطاء إسلامي، سواء كان عن حسن نية أم سوء نية هو خطر كبير يهدد الكيان الإسلامي.وأن مكافحة هذا الخطر، لا يتم عبر تحريم هذه الأفكار أو منعها. فهل يمكننا أن نمنع العطاشة الذين يلهثون لجرعة ماء من شربه، بدليل أن الماء ملوث بالمكروب؟ إننا المسؤولون في هذا المجال وإننا لم نقدم للمجتمع القدر الكافي من الكتب في جميع المجالات الإسلامية.. وبقلم سلسل عصري.. أننا لو كنا عرضنا الماء الصافي والمنعش لما قصدوا أبداً المياه الملوثة.إن الطريق الصحيح لمكافحة الأفكار الأجنبية، هو طرح الإسلام في جميع مجالاته وبلغة عصرية حديثة.واليوم بعد أن دخلت (الحوزة العلمية الدينية ) مجال النشاط الاجتماعي بهكذا حرارة وروحية، يجب عليها أن تعرف بدقة مسئوليتها العلمية والفكرية العظيمة، يجب عليها مضاعفة أعمالها العلمية
والفكرية إلى عشرة أضعاف، يجب أن تعرف بأن الانشغال بدروس الفقه والأصول وحدها، لا يستطيع أن يستجيب لمشاكل الجيل المعاصر.
التجدد المفرط في الإسلام
الوقاية من الإفراط والتفريط واتخاذ الاعتدال من أي عمل، ليس بسهولة من شيء .. فأن طريق الاعتدال في المسير ضيق إلى درجة، بحيث أن اقل غفلة يسبب الانحراف والخروج عن الطريق. وإن ما جاء في الحديث الشريف عن أن (السراط) أحدّ من (الشفرة) إشارة إلى أن اتخاذ طريق الاعتدال - بين الإفراط والتفريط - في أي عمل صعب ومشكل.ومن البديهي أن مشاكل المجتمعات البشرية تتجدد وأن المشاكل الجديدة بحاجة إلى حل جديد، وما جاء في الحديث الشريف (وأما الحوادث الواقعة)(الإمام المهدي (عجلالله فرجه الشريف)(وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) فهي تشير إلى الأحداث الجديدة التي لا يستطيع أن يحلها إِلا أصحاب المعارف الإسلامية، وهذا هو بالضبط سر ضرورة وجود (المجتهد) في كل مرحلة من المراحل البشرية. وضرورة (تقليد)( التقليد عند الشيعة يعني إطاعة ولي الأمر وأتباع المجتهد العالم في تطبيق الأحكام الإسلامية - المترجم) المسلمين من المجتهد الحي. ذلك إنما - باستثناء المسائل الحديثة - فإن التقليد في أكثر الأحكام والمسائل الشرعية المتفق عليها، لا يختلف بين تقليدي المجتهد الحي أو المجتهد الميت ولو لم يهتم المجتهد بالمسائل والأحكام الحديثة والمشاكل المستجدة، فيجب أن نصتفه في قائمة الأموات.وهنا يظهر الإفراط والتفريط من العمل فالبعض - من المجتهدين - يتبع أذواق (عوام الناس) وأكثر اهتمامات عوام الناس هو الاتجاه نحو القديم وعدم الاهتمام بقضايا الساعة والمسائل المستقبلية. والبعض الآخر - من المجتهدين - يهتم بالمسائل المعاصرة والمستقبلية، ولكن مع الأسف عملهم هذا يكون على حساب الإسلام، فباسم (الاجتهاد الحر) يجعلون المتطلبات والروح العصرية معياراً للحق والباطل، بدل أن يكون الإسلام معياراً لذلك مثلا يقولون أن المهر - في الزواج - مخالف للحياة العصرية وان تعدد الزوجات يذكرنا بعهود الرق، والحجاب رمز الرقيق ... وإن الإجارة والمضاربة والمزارعة تذكرنا بعهود الإقطاعيين و..و.. وبما أن الإسلام هو دين العقل والاجتهاد، فإن الاجتهاد يسمح لنا بان نجتهد ونحكم بإلغاء هذه المسائل.ولابد من الانتباه إلى هذه النقطة، بأننا في نفس الوقت الذي لا نستطيع أن نتبع المجتهدين الشيعة في هكذا اجتهادات فأننا نستطيع أن نقبل ما حكم عليه بعض العلماء الواعين والتقدميين من علماء أهل السنة من أمثال عبده.. وإقبال .. في طرح الحلول لبعض المشاكل
المستجدة، عندما فرقوا بين المسائل العبادية والمعاملات. أو التعابير والتفاسير الخاصة التي طرحوها عن الإجماع والاجتهاد والشورى وغيرها ... أو آرائهم الإسلامية عن الحياة والمجتمع، ذلك بأننا نملك تلك الثقافة الإسلامية التقدمية الشيعية .. بحيث نرى أن علوم الفقه والحديث والكلام والفلسفة والتفسير والفلسفة الاجتماعية عند الشيعة أكثر تطوراً وتوسعاً من هذه العلوم في العالم السني.وبالرغم من أن إخواننا السنة-ولأسباب جغرافية أو غير جغرافية-واجهوا المدنية ومشاكلها ومسائلها أكثر من الشيعة، ولذلك أيضا تعرفوا على المدنية أكثر، وذهبوا وراء كشف الحلول لمشاكلها و قضاياها، وأن الشيعة تأخرت كثيراً في عرض آرائها . على كل حال .. فإن التجدد المفرط - الذي ظهر ولا يزال عند الشيعة والسنة معاً- والذي يعني حقيقتا ربط ما هو ليس بإسلام بالإسلام، وإخراج ما هو إسلام منه، تنازلاً لمتطلبات العصر، وإعطاء الوجه العصري للإسلام، إن هذا التجدد المفرط هو آفة ومرض كبير للثورة والحركة الإسلامية، ومن واجب القيادة الإسلامية الوقوف أمام هذه الأعمال.
د. حسان عبد الله
يقدم محمد شفيعي فر - الباحث الإيراني – أطروحته الجامعية - الصادرة عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي - حول الأسس الفكرية للثورة الإيرانية, وقد تم تنظيم الدراسة في أربعة فصول، خصص الفصل الأول منها للجانب النظري، وعالج فيه نظريات الثورة، ومناشئ التحولات الاجتماعية بحسب كل واحدة من هذه النظريات.
- أهم أفكار الكتاب -
* الكتاب مشروع بحثي متحيز للتيار الفقهي صاحب نظرية ولاية الفقيه.
* الفكر الإيراني غير الإسلامي قبل الثورة كان مستوردا، وهذا سبب فشله.
* الفكر المستورد لم يحاول توطين أفكاره لتنطلق من التربة الإيرانية.
* لم تقد التيارات الوافدة ركني الثورة الأساسيين: نفي النظام القائم وتقديم البديل.
* يرى أن الخطوة الأولى نحو الإصلاح تبدأ من الفرد عبر التحول الفكري.
وفي الفصل الثاني عالج التيارات التى كانت فاعلة في الساحة الإيرانية قبل عام 1953، أهمها التيار العلماني والتيار القومي، وأشار إلى نظرتهما لمشكلة المجتمع الإيراني، وسعيهما لحل هذه المشكلة وفق الإطار الذي يؤمنان به ويعملان داخله. وفي الفصلين الثالث والرابع تناول التيارات التى أدعى لها أو أدعت أنها المؤسسة لفكر الثورة الإسلامية. وأخيراً خصصت الخاتمة لإبراز ما خلص إليه البحث من نتائج في ضوء فروض البحث التى حددها في منهجيته .
منهجية الدراسة الكتاب
يوضح الباحث افتراضاته الأساسية التى يسعى إلى اختبارها من خلال معالجته في هذه الدراسة، والفرضية الأساسية التى ينطلق منها تقول : "إن كل ثورة أو تحول اجتماعي ينبغي أن يكون مسبوقاً بفكر أو مذهب فكرى نظري، تستند إليه الثورة في نفيها للوضع القائم وتجاوزه، وبالتالي لاعتماد هذا التوجه الفكري لإعادة هندسة المجتمع من جديد بوحي منه".
وميدانياً يدعى الباحث أن سيرورة التحولات الفكرية الثقافية بين عامي 1953 – 1978 أنتجت تياراً فكرياً يمكن تسميته التيار الإسلامي "الفقهي – الولائي"، وساعدت على تشكيله مجموعة من الظروف والعوامل التاريخية. وقد أحدث هذا التيار تحولاً في الخطاب السياسي الشيعي، نجم عنه تصور يقضي بإمكانية استلام زمام السلطة السياسية وتشكيل الدولة على ضوء مرتكزاته الفكرية.
وبالتالى فإن "فرضية البحث" هي أن الثورة الإسلامية انعكاس لمجموعة من التحولات الفكرية، وتجسيد ميداني للتيار الفقهي – الولائي بوصفه مشروعاً لحل المشكلات الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، ترتكز هذه الدراسة على قاعدة سيسيواجتماعية وهي: أن كل تحول اجتماعي سياسي لابد من أن يكون مسبوقاً بتحول فكري على حد قول الشهيد مرتضى مطهرى، ومن أهم وظائف هذا التحول الفكري بل وأركانه الأساسية، رفض النظام القائم، وإعادة بناء النظام الاجتماعي والسياسي على قواعد جديدة تختلف في طبيعتها وجوهرها عن النظام المرفوض.
وتهدف الدراسة كما يذكر الباحث إلى تحليل دور الدين، والبحث عن موقعه في التمهيد للثورة والتحريض عليها، كما في الرؤية الفكرية التي مهدت لما بعد الثورة؛ من خلال مراجعة أهم التيارات الفكرية التى ينسب لها فضل التأسيس لفكر الثورة الإسلامية، أو تدعي هي ذلك لنفسها. ثم إن لهذه الدراسة ارتباطاً وثيقاً بحاضر الجمهورية الإسلامية والتيارات الحية التى ما زالت ناشطة على الساحة السياسية الإيرانية، والتي لكل منها تصوره وتحليله الخاص للنظام الإسلامي وولاية الفقيه. ومن الأهداف الفرعية التي ترمي إليها، دحض النظريات التى تولي الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية دوراً كبيراً على حساب دور الدين والمقولات الدينية.
ملاحظات منهجية على المنهجية
من الملاحظات المنهجية الأولية التى تظهر فى البدايات والتحديدات الأولية لمنهجية البحث هو ذلك الانحياز الواضح والمعلن نحو تبنى أحد إحدى فرضيات الدراسة بل يتضح بعد ذلك أنها فرضية واحدة قد اختبرها الباحث قبل الولوج في حقله البحثي وطريقه الشاق ومن ثم فهو قد عنى بالنظر إلى كافة الفرضيات الأخرى نظرة غياب أو تغييب أو عجز عن إحداث الثورة.
وتوضيحاً لا توجد ثورة يقوم بها تيار سياسي واحد ولا توجد ثورة يمكن أن يوجدها اتجاه فكرى او اجتماعي واحد فى ظل مجتمع متعدد الأفكار فضلاً عن مجتمع متعدد الأجناس والأعراق والقوميات مثل إيران , وهذا ما يحاول البحث نفيه منذ البداية وذلك لصالح تيار واحد أسماه " التيار الفقهي الولائي" والذي عرف فيما بعد بخط الإمام والذي يقوم على النفي والإقصاء للآخر لكل الآخر، فى صورة انحسارية لمدخلات الثورة ومسبباتها وعواملها التى تعددت بالفعل ليس فقط فى لحظة الثورة الراهنة ولكن امتداداً لبعد فكرى وعمق اجتماعي وديني معاً ,فلا يمكن فصل الثورة الإيرانية مثلاً عن ثورة التنباك , والثورة الدستورية , وعن مقاومة :شريعتي ومدرس وجلال آل أحمد و محاولات إيقاظ العقل الإيراني. كل ذلك وغيره لا يمكن فصله عن الثورة التى قامت 1979 وسميت بالثورة الإسلامية.
وأيضاً فإنه كما كان للدين دور في الثورة وختمت به إلا أنه لا يمكن إهمال أو التغافل عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التى بلورت فى هذه الثورة الدينية أو التى بلورها الفقهاء في ختام مقدمات الثورة ,وهذا لا يقلل من شأن العامل الديني كما يظن الباحث ,بل يمكن اعتبار الدين في هذه الحالة معبراً عن احتياجات الإنسان الدنيوية كما هو معبر عن احتياجاته الأخروية لهذا جاء متناغماً مع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى مهدت للثورة.
التيارات الفكرية الأساسية (53 19– 1978)
أ - التيار العلماني:
تقوم رؤية هذا التيار على مجموعة من الأصول الفكرية أهمها : تقليد الغرب وأتباعه تحت شعار العلم الحديث أو الحداثة، واعتبار التدين أمراً شخصياً، وفصله عن ميدان الاجتماع والسياسة (العلمانية). ومنذ دخول هذا التيار إلى إيران ظهرت بوادره الفكرية والتى تمثلت فى النظرة إلى الدين بوصفه أمراً شخصياً له علاقة بمسألة العبادة فحسب، كما خرج من هذا التيار طائفتين لقيادة مشروع الإصلاح الدينى:إحداهما,معادية للدين في واقع أمرها، ولكنها تزعم رغبتها في إصلاحه، والثانية:تقبل الدين وترضاه، ولكنها، لانبهارها بعلم الغرب وثقافته، بدأت تبحث في داخل الدين لتبرر كل ما هو غربي.
ومن الشخصيات البارزة في التيار العلماني الإيراني "ميرزا فتح على أخوند زاده" والذى نادى بترك الخط العربي في الكتابة ورأى ضرورة انصراف الناس عن الدعاء (الذى يمثل ركيزة تربوية أساسية فى المجتمع الإمامي)، والعودة إلى ما قبل الإسلام والانطلاق من تلك المرحلة إلى العصر الحديث. ويعتقد – أيضاً – أن وصول إيران إلى الرقى طريقة التحرر من الدين والمعتقدات الدينية؛ لأن كل فلاسفة الغرب، بل كل فلاسفة الدنيا يؤمنون بأن التمسك بالمعتقدات الدينية من أسباب الذل والهوان لكل من الملك والأمة!
ويتفق عبد الرحيم طالبوف مع – أخوند زاده – حول تبديل الخط ، و تحديد قبلة الإصلاح في الغرب ,ويعتقد أن علماء الدين يتكلمون بلسان الموتى، وكل ما لديهم من علوم عفا عليه الزمن ولم يعد له جدوى، ثم جاء أيضاً "ملكم خان" و"ميرزا أغا خان الكرمان" وكان لهذا الأخير دور بارز في شروع دعاوى الإلحاد وتكوين فرقة "البابية"، وكان يدافع عن قورورش وداريوش (ملوك إيران في العصور القديمة) في مقاومة للإسلام وللفكر الإسلامي الذى اعتبره سبب كل تخلف حل بإيران. وقد تابعهم – أيضاً – حسن تقي زاده.
ويرى أن الباحث أن سبب تراجع وفشل هذا التيار في مشروعه العلماني فى إيران يرجع إلى عاملين أولاهما : عدم توفر المنجزات الإيجابية الحضارة الغربية (التحرر والتنوير ومحاربة الاستعمار)،والثاني : الاكتفاء من القومية بالتفاخر والتغنى بأمجاد الماضي ومعاداة الدين.
ب - التيار القومي – الوطني:
وهو التيار الذى يدعى أن الحق في السلطة وتشكيل النظام السياسي أساسه اللغة والعادات والتقاليد أى ركائز فكرة القومية – المستوردة من الغرب، ومنذ استقرار نظام رضا خان (1941) وبداية الدعم الأمريكي له، تجددت موجة الدعوة إلى إحياء تاريخ إيران قبل الإٍسلام، وتصفية التاريخ الإيراني من شوائب الفكر الإسلامي – حسب زعم القوميين – وعمل بعضهم على رفع شعار "الفارسية الخالصة" رغبة بتخليص اللغة الفارسية من الخط العربي واللغة العربية (تمثل مفردات اللغة العربية نحو ما يقرب من 40% من إجمالي اللغة الفارسية بعد الإسلام والفتح العربي لها).
وقد تطورت دعوة القوميين إلى محاربة الدين تحت عنوان "محاربة الخرافات" ومن رموز هذا الاتجاه "أحمد كسروى" الذى ألف كتاباً تحت عنوان "ﭘاكدينى" (أى الدين الطاهر، أو التطهير الدينى) والذى هدف فيه إلى تطهير الدين – على حد قوله – من الخرافات.
وبعد رضا خان دخل التيار القومي مرحلة جديدة في التطور الفكري أهتم فيها برفع شعار "رفع التخلف عن الشعب الإيراني" والذى كان يضرب كل أركان المجتمع ولم يحرك الاستقلال السياسي قطار هذا التخلف نحو التقدم وظلت الحاجة إلى الغرب قائمة لاسيما لسد ثغرة التخلف الاقتصادي. لذا سعى التيار الوطني الجديد إلى رفع شعارات الديمقراطية للتخلص من الاستبداد القائم وهنا يظهر "مصدق" تحت هذه الرؤية التاريخية. وحدد للمواجهة إطاراً واضحاً ألا وهو دستور الحركة الدستورية.
ويفسر الباحث إخفاق حركة "مصدق" فى تحقيق ثورة حقيقية أو تغيير شامل في المجتمع الإيراني بالخطأ في التصور الأساسي للبرنامج السياسي لحركة "مصدق" الوطنية ذلك أنهم نظروا للمجتمع الإيراني نظرة سطحية. حيث اعتقدوا أن ديمقراطية الغرب هي سبب تقدمه والحل لرفع التخلف عن إيران واللحاق بالغرب هو نشر الديمقراطية. أى أن الحل هو سياسي لذا كثف هذا الاتجاه الحديث عن "الحرية" و"الديمقراطية" و"الدستور". ومن أسباب الإخفاق – أيضاً – كما يراها الباحث – أن الفكرة القومية مستوردة غير نابعة من وجدان المجتمع الإيراني وضمير أفراده، وظهرت – أى القومية – في بيئة مسبوقة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية أدت إلى نهضة شاملة، الأمر الذى لم يكن موجوداً في المجتمع الإيراني.
ج - التيار الماركسي:
كان يمثل هذا الاتجاه في إيران حزب توده، والذى أرجع مشكلة التخلف في المجتمع الإيراني إلى أسباب اقتصادية سمحت للرأسمالية والامبريالية بالتحكم فيه والتسلط، ومن الطبيعي أن يكون الحل والخلاص من هذا الوضع مرهوناً بتحالف القوى العاملة، وتضامنها فى مواجهة الإمبريالية العالمية والرجعية.
ويؤكد الباحث أن أهم أسباب إعاقة نشاط الحزب هو استناده إلى فكر لا يتناسب مع طبيعة التركيبة الثقافية والنفسية للشعب الإيراني ولاسيما في الجانب الدينى، ولذلك لم يكن لينضوى تحت لوائه كثير من الناس لولا المنسوب العالي من العداء للظلم والمطالبة بالعدالة الاجتماعية – بالإضافة إلى توجس الشعب الإيراني من الارتباط بالاتحاد السوفيتي نتيجة للتاريخ المثقل بالخبرة السيئة بين إيران والاتحاد السوفيتى.
د - التيارات الفكرية التلفيقية:
يصف الباحث هذا التيار الفكري بأن السمة الغالبة على نمط تفكير رواده الذين هم غالباً من المسلمين المؤمنين بالإسلام، أنهم تتنازعهم رغبتان، فهم من جهة شاهدوا وشهدوا انحسار التيارات غير الدينية وهزيمتها في ساحة المواجهة الاجتماعية، وبالتالي لا يدعوهم داعٍ إلى تكرار التجربة المرة التى ذاقها أسلافهم، ولكنهم من جهة أخرى يرغبون باستخدام ما خبروه من أفكار العصر وعلومه، وبين هذا وذلك اعتقدوا أنهم باستثمارهم لهذه الأفكار الجديدة يمدون الإسلام بعنصر قوة إضافية، لتوهمهم عدم قدرة الإسلام وحده على مواجهة مشاكل العصر ومآزقه. وقد سمى هذه الاتجاه بـ"التلفيق". ومصطلح "التفليق" مترجم عن الأصل الإيراني "الالتقاط" والذى يصف بعض التيارات التى تدمج إلى الفكر الدينى أفكاراً وضعية من تيارات ومذاهب غير دينية وتحاول المزاوجة بينهما.
وهذا التلفيق (أو الالتقاط كما يسمى في الثقافة الإيرانية) هو: "مزج المعبودين والأهداف والقيم التى يقبلها الإنسان ويهواها بالعقائد الإلهية الحقة والأحكام الشرعية الطاهرة" ويقصد بالملفق ذلك الشخص الذى يضم ضغثا إلى ضغث كحاطب ليل، من دون مراعاة التناغم والانسجام بين الأفكار التى يستوردها وتلك التى يحملها بالأصل. وبعبارة أخرى : الملفق هو الذى يكون فكره من مجموعة أفكار لا يجمع بينها جامع.
ومن الطرق التى اعتمدت للتجديد محاولة إثبات العقائد الدينية بواسطة مكتشفات العلم التجريبي. وقد أدى هذا المنهج إلى التداخل بين مجالي العلم التجريبي والدين، وأقل أخطار هذا العمل وأبرز مما يستحق الإشارة إليه هو تحول الدين والعقائد الدينية إلى عالة على المعارف العلمية. كما أدى ذلك إلى اختزال الأفكار الدينية التى لا يمكن إثباتها بواسطة العلم، بذريعة رد اتهام الدين بأنه يشتمل على الخرافات.ومن أبرز خصائص هذه الحركة الفكرية:
1- تولي قيادة هذه الحركات أشخاص متدينون من غير رجال الدين.
2- قبول العلم المعاصر والفكر المعاصر مع الرغبة بالتوفيق والتلفيق.
3- التسليم بتفوق المعرفة العلمية على المعارف الدينية الموروثة، والاستفادة من نتائج العلم لتصحيح المعتقدات الدينية وإثباتها.
4- الاعتقاد بأن الإسلام الصحيح هو الإسلام الذى يرفض الاستبداد ويحث على العلم.
5- الاعتقاد بأن المؤسسة الدينية متخلفة عن ركب العصر.
6- نقد الغرب وبخاصة الانحرافات الأخلاقية عنده.
7- إطلاق شعار العودة إلى الذات والعودة إلى القرآن.
ومن مظاهر هذا الاتجاه التلفيقي فى الواقع الإيراني :التلفيق بين العلم والدين، العودة إلى القرآن، التلفيق بين الدين والقومية.أما التيار التلفيقي الراديكالي فقام على أدلجة "الإسلام الثوري" وقد تأثر هذا الاتجاه بأفكار طالقاني، ويد الله سحابي، ومثَل هذا التيار "منظمة مجاهدى خلق" والتى تعتقد أن الإسلام الخالي من الفكر الثوري لا يمكن تعليق الأمل عليه ليكون عاملاً محركاً، بل هو سبب من أسباب الجمود والرضا بالقضاء والقدر، لذا فإن الحوزات – من وجهة نظرها – تحولت إلى مؤسسة لا يمكن الرهان عليها في عملية الإصلاح والتغيير.
ويضيف الباحث إن على شريعتي كأحد الممثلين عن الاتجاه التلفيقي الراديكالي والذى حاول طرح أفكار تؤسس لذلك مثل: البعد الاجتماعي السياسي للإسلام، والتفسير الديالكتيكي للدين، والبروتستانيتية الإسلامية.
هـ - التيار الفكري الإسلامي:
إلى جانب التيارات الفكرية السابقة (العلمانية – القومية – الماركسية) يطرح تيار رابع نفسه داخل المجتمع الإيراني والذى لم تخل الساحة منه وهو التيار الفكري الإسلامي. وقد أثرت الظروف السائدة والمناخ الدعائي على توجهاته الفكرية ودعواته آنذاك. والتى جعلت منه مدافعاً عن الإسلام – ضد موجات التغريب والعلمانية – بوصفه صالحاً للحياة. وبخاصة عندما نلاحظ أن تبعة التخلف الضارب في المجتمع الإيراني كانت تُلق على عاتق الإسلام. وفى المقابل كابد التيار الإسلامي معاناة كبرى وبذل جهوداً كبيرة ليرد التهمة أو يثبت أن سبب التخلف هو البعد عن القيم الإسلامية، وليس الإسلام.
ومن هنا فقد واجهت الحوزة العلمية الإيديولوجيات الوافدة، واعتمدت التربية والتعليم وسيلة للمواجهة وسد السبل التى كانت تؤدى إلى حذف الدين من ساحة الاجتماع الإيراني. ومن أبرز رواد هذا التيار "آية الله مدرس" والذى حارب على ثلاث جبهات هي:الاستعمار، الاستبداد، الفكر الغربي. ثم الخميني والذى كتب "كشف الأسرار" ينتقد فيه إصلاحات الشاه رضا خان المخربة وطرحه لتصور عام للسلطة في الإسلام وأية الله كاشانى والذى غلب عليه العمل السياسي والذى رأى أن "المشروطة" (أى الحركة الدستورية) أقرب للإسلام من الاستبداد وأفق بتعاليمه.
كان ينبغي أن يشير الباحث هنا إلى الجمود الذي كان سائداً فى المؤسسة الحوزوية والتى لم تطور نفسها إزاء متغيرات العصر والتى سمحت من ناحية أخرى بمهاجمة الدين عبر مهاجمة العلماء الجامدون ,بل إن ذلك ما كان يشتكى منه الإمام الخميني نفسه من " العلماء المتحجرون" والذين مثلوا حجر عثرة فى وجه تيارات التجديد الإسلامي الأصيل وليس فقط الوافد .
يطرح الباحث تقييماً ونقداً للتيارات الفكرية السابقة في ضوء تفسيره الذى يعتمد على عوامل إخفاقها؛ فيرى أنه لم يكن أي من التيارات الأربعة المشار إليها أعلاه، يتوفر على معالجة نظرية فكرية لمشكلة الاجتماع الإيراني، وذلك بالمعنى الذى حددناه للمعالجة النظرية. أما التيارات غير الدينية الثلاثة، فهي تتسم بسمة الاستيراد لفكر جاهز مؤسس على سيرورة اجتماعية مختلفة عن حركة المجتمع الإيراني وحراكه. وما يؤكد المشكلة ويزيدها عمقاً هو أن مستوردي هذه الأفكار لم يكونوا من أهل التأمل النظري والفلسفي، ولم يكن ذلك همهم، وإنما استوردوا هذه الأفكار لاستخدامها كأيديولوجيا موجهة للعمل السياسي. ومن هنا، عانت هذه التيارات من التلفيق والترقيع بما لا يجانس الواقع الاجتماعي المستورد له. وبالتالي لم تكن تحظى بقبول اجتماعي، لتكون مؤثرة في تغيير الواقع على نحو ما كانت ترفع من شعارات. وأما التيار الإسلامي، فقد كان مشغولاً بالدفاع عن الدين، ولم تتح له الفرصة لابتكار الحلول والتأسيس النظري للتغيير.
ومن جهة أخرى، لم يكن أى من هذه التيارات مشتملاً على ركني الثورة الأساسيين، وهما نفي النظام القائم وتقديم البديل. فلم يكن أى من هذه التيارات ينفي الملكية، ويسعى إلى إزالتها، بل كانت جميعاً تعمل في إطار الدستور الذي يعترف بالملكية ويقرها. وعندما لا ينفي الواقع القائم، فلا مجال للحديث عن طرح جديد للدولة البديلة.
التيار الفقهي الولائي: يصل الباحث إلى التيار الذى تنحاز له الدراسة كمؤسس للمنظومة الفكرية للثورة الإسلامية – والذى أطلق عليه "التيار الفقهي الولائي، نسبة إلى دور الفقهاء فيه والذي أسسه الخميني، والذى يقسم أدواره حتى قيام الثورة حسب العمل الذى قام به الفقهاء لاسيما الخميني، ومرتضى مطهرى، حيث انشغلا في الفترة الأولى بتثبيت القواعد الأمنية ونشر الوعي الدينى من خلال تربية الطلاب والعلماء ونشر الفكر والكلمة، ثم الجهاد السياسي – الاجتماعي.
ويضيف الباحث واصفاً ذلك الدور الفاعل للتيار الفقهي ورائديه من خلال قاعدتين أساسيتين له أحداهما في قم بزعامة الخميني ومن حوله من طلابه، والأخرى في طهران بزعامة مرتضى مطهرى وزملائه.
ويتميز هذا التيار بمجموعة من الخصائص بدءًا من نقطة انطلاقه الفكرية التى تفترض أهلية الإسلام وصلاحيته لحل مشكلة الاجتماع المعاصر، ثم في افتراضه أن الخطوة الأولى نحو الإصلاح تبدأ من الفرد عبر التحول الفكري الذى يطرأ عليه. ومن هنا، عمل هذا التيار على خطين:الأول , الدفاع عن الإسلام وقدرته على تقديم البديل.ثانياً: على تربية الأنصار والأتباع قبل الشروع في العمل السياسي وقضى هذا التيار ما يقرب من عقد من الزمان ناشطاً في هذا الميدان.
وهكذا، فإن الطابع المميز لأنشطة هذا التيار هو الطابع الثقافي الفكري، لا السياسي ولا العنف المسلح. وبعد استناد هذا التيار إلى فترة تأمل نظري طويلة نسبية دخل ساحة العمل السياسي، قدم نموذجاً مختلفاً عن التقليد الإمامي الموروث، يقضى بأن الإصلاح وتطبيق أحكام الإسلام يتوقف على استلام الفقهاء زمام السلطة، تحت عنوان نظرية ولاية الفقيه في عصر غيبة الإمام على النحو الذى طرحه الإمام الخميني.
9 من الزوار الآن
916818 مشتركو المجلة شكرا