الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > تجارب وثورات > الحسم العسكري المفقود في تجربة أنغولا
عام 1976، وصلت طلائع القوات الكوبية الى لواندا و كابينداLuanda Cabinda -، الى جانب القوات المسلحة الشعبية لتحرير انغولا (FIPLA)، من أجل صدّ الغزو الاجنبي، الذي قامت به جنوب افريقيا العنصرية الفاشية، بالتنسيق مع الامبريالية الامريكية، دعما ل (الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام) المعروف باختصار "يونيتا" (UNITA) بقيادة جوناس سافيمبي (JONAS SAVIMBE) المضاد للثورة، في محاولة فاشلة لخنق الجمهورية الفتية وإغراقها في دماء ابنائها، وإعادتها الى حظيرة الاستعمار والتبعية. واجبرت القوات الاممية القوات الغازية على التراجع القهقرى، حتى الحدود الجنوبية لانغولا مع ناميبيا، وبقيت هناك بمثابة درع حصين، امام التهديد العسكري الدائم من قبل العنصريين، مراعية عدم التدخل في الصراع الداخلي، بين الحكومة الشرعية و الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام. و عهد الى تلك القوات الدفاع عن خط استراتيجي في الجنوب، يمتد من المحيط الاطلسي- ساحل انغولا- الى داخل البلاد (ناميبي- مينونغي، NAMIBE-MINONGUE) بطول 700كم وعلى بعد 250 كم عن الحدود مع ناميبيا. في ذلك الشريط الجنوبي، كانت القوات العنصرية تتدخل وتتوغل في انغولا، من خلال تسليح المجموعات المضادة للثورة، بالإشتراك مع الامبريالية الامريكية. كانت القوات الكوبية كافية للدفاع عن ذلك الخط الاستراتيجي، لكنها لم تكن كافية لمنع تلك التدخلات الجنوب افريقية.
كان ميزان القوى يميل لصالح جنوب افريقيا. واستمر هذا الوضع لغاية عام 1987 ، عندما نشأت أزمة عسكرية على أثر قيام القوات المسلحة الانغولية بحملة واسعة النطاق، ضد قوات الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام في جنوب شرق البلاد.
هذه الحملة لم تكن الاولى من نوعها، إذ وقعت حملة اخرى مماثلة عام 1985 انطلاقا من كويتو كوانافالي الواقعة على بعد 200كم عن مينونغي، حيث تتواجد القوات الكوبية. وتوغلت 150 كم الى الجنوب اي على بعد 350كم عن تلك القوات، عندما تدخلت قوات جنوب افريقيا واجبرت القوات الانغولية على التراجع.
كان لدى كوبا وجهات نظر وآراء حول تلك الحملات الشاملة واسعة النطاق، أحدها يتمثل في أنه لا يمكن القيام بمثل تلك الهجمات، دون الأخذ بالاعتبار تدخل جنوب افريقيا ، ولذلك كان يجب خلق الظروف المؤاتية، لمنع اي تدخل عسكري عنصري. عام 1986 لم تقم القوات الانغولية بمثل تلك العمليات، لكن للاسف لم تسمع وجهة نظر كوبا عام 1987 بما فيه الكفاية، وحصل ما كان في الحسبان. فعندما كانت القوات الانغولية تقوم بهجوم ناجح ضد "الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام" في تلك المناطق النائية من انغولا، تدخلت جنوب افريقيا بالدبابات والمدفعية والطائرات والقوات البرية، لصدّ القوات الانغولية ومطاردتها باتجاه كويتو كوانافالي، وحاولت تدمير اكبر وافضل تجمع من القوات الانغولية، وحسم الحرب لصالحها ولصالح "الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام". عندئذ طالب المعنيّون جميعا كوبا بالتصرف، ومنع وقوع كارثة، وحل المشكلة.
في ظل ذلك الوضع؛ تقدم القوات العنصرية وتراجع القوات الانغولية، حاول الاعلام الغربي المغرض، شن حرب نفسية شديدة الوطأة، فأخذ باطلاق الانباء والتاكيدات عن سقوط كويتو كوانافالي، ووقوع اصابات كبيرة في صفوف القوات الكوبية. غير ان وزارة القوات المسلحة الثورية الكوبية والسلطات الانغولية، أكدتا في 27 يناير 1988 زيف تلك الادعاءات، وأن كويتو المحاصرة قد صدت بنجاح كافة محاولات احتلالها.
امام تعقد الوضع العسكري في الجنوب، تحركت الامبريالية الامريكية سياسيا، باتجاه عقد لقاء بين وفد امريكي وآخر انغولي-كوبي مشترك في لواندا، من اجل البحث عن حل تفاوضي [عادل ومشرف لجنوب غرب افريقيا يؤدي الى استقلال ناميبيا وضمان السلام والامان لانغولا] وينقذ جنوب افريقيا من هزيمة مخزية. في ذلك الاجتماع تجلت وحدة الآراء بين البلدين-كوبا وانغولا- المتآخيين في الكفاح المشترك المعمد بالدم، من اجل الحرية والاستقلال، وضد نظام الابارتهيد البغيض.
منذ ذلك الحين أخذت تتزامن العمليات العسكرية والمفاوضات السياسية. ففي الاجتماع المذكور سالفا، طرحت انغولا الشروط التي لا بدّ منها، من اجل التوصل الى اتفاق مشرف وعادل وتتلخص فيما يلي:
* وقف التدخل الاجنبي في شؤونها الداخلية، والذي يتجلى حاليا في المساعدة اللوجستية الامريكية والجنوب افريقية الى عصابات الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام المضادة للثورة، والتي توظف من اجل زرع الذعر والموت في القرى العزلاء، وتدمير الاقتصاد الوطني.
* انسحاب قوات جنوب افريقيا التي تغير بانتظام على الشريط الجنوبي وعلى شرق جنوب انغولا.
*وضع قرار 435 الدولي موضع التنفيذ، ووضع حدّ للاحتلال العنصري اللاشرعي لناميبيا.
*ضمانات دولية تؤمّن عدم تجدد الاعتداءات العنصرية على انغولا.
فاذا ما تم التوصل الى اتفاق على اساس هذه المبادئ، فقط عندئذ، تكون انغولا وكوبا على استعداد لتنفيذ جدول زمني للانسحاب التدريجي للفريق الاممي الكوبي، وصولا الى اعادته كاملا الى كوبا. هذا الموقف العادل والموضوعي، يستند الى القانون الدولي، وميثاق منظمة الامم المتحدة، وقرارات عديدة صادرة عن مجلس الامن الدولي . وقد وضع هذا الطرح الكرة في ملعب الامبريالية الامريكية التي تعمل كَ "وسيط" في المفاوضات- فهي طرف في الصراع العسكري- وعلى مدى توفر ارادتها السياسية، تتوقف امكانية تحقيق مثل هذا الحلّ. إذ انه اذا انضمت الولايات المتحدة الامريكية، الى المطالبة الجماعية الدولية بتطبيق قرار 435 لن يكون بمستطاع جنوب افريقيا العنصرية تحدي المجتمع الدولي. وبالاضافة الى قوة الحق، هناك قوة الوقائع المادية في ميادين القتال، فهي على ابواب فشل كامل في مغامراتها العسكرية في انغولا.
بعد ذلك بحوالي شهرين (20-02-1988) شددت جنوب افريقيا هجماتها على كويتو كوانافالي، إسنادا ليونيتا،مستخدمة الطيران الحربي ومدافع G-5 وG-6 إلا انها منيت بخسائر فادحة في الارواح والمعدات، واستطاعت القوات الانغولية احتواء تلك الغارات، وقطع الطريق على الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام في مخططاته، لنقل عملياته الى شمال البلاد.
على أثر ذلك استنكرت لجنة حقوق الانسان الدولية في جنيف، تلك الاعتداءات العنصرية على انغولا وعموم بلدان خط المواجهة، فاعترضت على ذلك الموقف فقط كل من : الولايات المتحدة الامريكية، المانيا الغربية وبريطانيا، الحلفاء الاساسيين لنظام الابارتهيد. كما ناشد الامين العام ل منظمة الامم المتحدة خافيير بيريس دي كوييّارJAVIER PEREZ DE CUELLAR، جنوب افريقيا كي تنسحب من انغولا وتنهي الابارتهيد وتكف عن اثارة القلاقل في المنطقة ؟؟! في حين كان الرئيس الانغولي دوس سانتوس يؤكد امام "جمعية الشعب" (البرلمان) على تصميم بلاده على الدفاع عن سلامة اراضيها وسيادتها امام العدوان الفاشي [24-02-1988].
في تلك الاثناء العصيبة، كان جورج ريسكيت JORE RISQUET عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي الكوبي، يقوم بالتنسيق مع السلطات الانغولية و سوابو، من اجل اتخاذ الاجراءات العسكرية الكوبية-الانغولية اللازمة في الوقت المناسب، بهدف إفشال التصعيد العنصري وبحث مساعي السلام ( 13-03-1988).
فبعد لقائه مع دوس سانتوس في لواندا/ العاصمة الانغولية/ التقى ريسكيت مع سام نوجوما SAM NUJOMA رئيس سوابو، في لوبانغو LUBANGO جنوب انغولا −منطقة العمليات العسكرية− وأكد له على تضامن كوبا الحازم، مع قضية شعب ناميبيا ووطنيّيها. في حين أكد نوجوما على دعم سوابو للمشروع الكوبي الانغولي، بخصوص اتفاق رباعي (كوبا، انغولا، سوابو، جنوب افريقيا) من أجل إجراء مفاوضات تؤدي الى استقلال ناميبيا، وتضمن الأمن لأنغولا، والسلام لمنطقة جنوب غرب افريقيا.
على الجانب الاخر، كانت واشنطن تلعب على حبلين، فهي من جهة تدعو الى تسوية الوضع المتفجر في المنطقة من خلال دورها "الوسيط"، ومن جهة اخرى، تتصرف كشريك مباشر لبريتوريا ويونيتا، وتنسف كل محاولة ترمي الى التوصل الى حلّ.
فبينما بلغت المساعدات العسكرية الامريكية ليونيتا من خلال ال "سي آي ايه" (وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية) خلال العامين الماضيين 38 مليون دولار، فانها تخطط الان لتقديم ثلاثة اضعاف هذا المبلغ من خلال جنوب افريقيا .
أمّا انغولا فقد أصدرت وزارة خارجيتها بيانا صحفيا في 12 مارس 1988 ، حول الجهود الدبلوماسية في لواندا للبحث عن حلّ سياسي للازمة الإقليمية، فيما يلي نصّه:
"خلال ايام 9، 10، 11، عقدت في لواندا مباحثات بين وفد مشترك من الخبراء الانغوليين والكوبيين ووفد من الخبراء الامريكيين، ترأسها على التوالي وزير العدل الانغولي فرانكا فان دونين Franca Van Dunin و رودولفو بوينتي فيرو Rodolfo Puente Ferro عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، وممثل وزارة الخارجية الامريكية لاري نيبرLarry Napper.
شكّلت المباحثات امتدادا لتلك التي عقدت في لواندا يومي 28 و 29 يناير الماضي بين الاطراف المذكورة، من اجل البحث عن حل سياسي للازمة الخطيرة القائمة في جنوب غرب افريقيا. وكما هو معروف، كان ذلك اللقاء برئاسة وزير خارجية جمهورية انغولا الشعبية الفونسو فان دونين مابيندا Afonso Van Dunen M´binda عن الطرف الانغولي، و جورج ريسكيت Jorge Risquet عضو المكتب السياسي بالحزب الشيوعي الكوبي عن الطرف الكوبي، ونائب وزير الخارجية الامريكية شيستر كروكر Chester Crocker عن الطرف الامريكي.
قدم الوفد المشترك المكوّن من الخبراء الكوبين والانغوليين للوفد الامريكي مقترحا لاتفاق رباعي [انغولا، كوبا، سوابو، جنوب افريقيا] بخصوص حل تفاوضي للصراع الخطير القائم في جنوب غرب افريقيا يؤدي الى استقلال ناميبيا، والأمان لانغولا، والسلام لكلا البلدين المشاطئين للمحيط الاطلسي في جنوب القارة. يشمل المشروع جدول زمني لتراجع القوات الاممية الكوبية المنتشرة في الجنوب، من خط عرض 13، نحو الشمال، والانسحاب التدريجي لمقاتليها نحو كوبا، حتى اعادتها كاملة الى الوطن.
هذه الإلتفاتة من المرونة وحسن النوايا الصادرة عن حكومتي انغولا وكوبا، بغية التوصل الى حل تفاوضي للصراع في المنطقة، لا زالت تشترط تلبية النقاط الاربعة الواردة في جدول اعمال مباحثات يناير 1988 و من بينها وقف دعم الولايات المتحدة الامريكية و جنوب افريقيا ليونيتا وهذا شرط لا غنى عنه (Sine Qua None).
جرت اعمال الخبراء في جو من الاحترام والروح البناءة، وتشكل خطوة تحضيرية للجولات القادمة من المفاوضات، على مستوى اعلى، بين البلدان الثلاثة".
أما كوبا فقد أصدرت وزارة قواتها المسلحة الثورية MINFAR بيانا بتاريخ 17 مارس 1988 حول الأحداث العسكرية الجارية في جنوب انغولا، هذا نصّه:
"لقد طرأ تغير جوهري على الوضع في انغولا. منذ ثلاثة اشهر ونصف تحاول جنوب افريقيا دون جدوى، باستخدام مشاة المنظمة المضادة للثورة الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام، وقوات مما يسمى "القوات الاقليمية الناميبية" ووحدات من نفس جيشها، تحاول احتلال قرية كويتو كوانافالي الواقعة على بعد 200كم الى جنوب شرق مدينة مينونغي، الواقعة على الطرف الايسر للخطوط التي تدافع عنها القوات الكوبية في جنوب انغولا.
الى كويتو كوانافالي (فيها مطار) تراجعت مجموعة من الألوية الانغولية، امام التصعيد الجنوب افريقي الهائل، الذي حصل في شهر اكتوبر 1987 من أجل الحؤول دون الحاق هزيمة بيونيتا في منطقة مافينغا Mavinga الواقعة على بعد حوالي 150 كم الى جنوب شرق كويتوكوانافالي.
لقد تدخل الجنوب افريقيون باستخدام كاسح للمشاة والدبابات والمدفعية الثقيلة بعيدة المدى والطيران الحربي. كان يتمثل هدفهم النهائي في ابادة تجمع القوات الانغولية في كويتو كوانافالي، والتي كانت قد شاركت في الهجوم، باتجاه الجنوب الشرقي، ضد الاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام .
في كويتو كوانافالي، لم يكن يتواجد مستشارون ولا وحدات قتالية ولا عسكريون كوبيون من أي نوع كان.
بناء على طلب من الحكومة الانغولية، منذ اوائل ديسمبر 1987 أرسل جوا الى كويتو كوانافالي، مستشارون كوبيون لألوية مشاة القوات المسلحة الشعبية لتحرير انغولا، وللمدفعية والدبابات، بالاضافة الى بعض العسكريين المتخصصين في المدفعية والدبابات.
بالتزامن مع ذلك تقريبا، تمّ تعزيز القوى الجوية الكوبية في انغولا بمجموعة من أكثر طيارينا مراساً.
في اواسط يناير 1988 وامام اصرار جنوب افريقيا على هدفها في احتلال كويتو كوانافالي ، أرسلت وحدات كوبية من المشاة المؤللة والدبابات والمدفعية، الى تلك النقطة من اجل تعزيز المقاتلين الابطال في القوات المسلحة الشعبية لتحرير انغولا، الذين دافعوا عن الموقع بالتعاون مع عدد محدود من المستشارين والخبراء الكوبين.
منذ اوائل ديسمبر 1987 وحتى اليوم 17 مارس 1988، تحطمت كافة الهجمات المعادية على صخرة المقاومة الانغولية- الكوبية الصلبة.
خلال هذه الفترة اطلقت المدفعية الثقيلة الجنوب افريقية على كويتو كوانافالي، اكثر من 20 الف قذيفة من عيار 155 ملم، دون ان تتضعضع مقاومة المدافعين عنها قيد انملة.
كافة المحاولات التي قامت بها قوات جنوب افريقيا وحلفاؤها لاحتلال كويتو كوانافالي ، تلقت في نفس الوقت وابلا من نيران المدفعية والضربات الجوية. لقد لعب الطيران الكوبي الانغولي دورا لامعا وبطوليا في مجرى المعارك. لقد قام الطيارون ببطولات حقيقية في مهاجمتهم المتواصلة والصلبة طوابير وتجمعات العدو.
كانت عملياتهم حاسمة، وببساطة تحطمت أنياب جنوب افريقيا على صخرة المقومة الفولاذية في كويتو كوانافالي، التي كان العدو قد اعلن عن سقوطها منذ23 يناير، اي قبل حوالي شهرين.
تصرف الجنود الانغوليون بشجاعة تثير الاعجاب. على عاتقهم، كونهم يشكلون السواد الاعظم من القوات المدافعة، وقع العبء الاكبر في المعارك.
وتكبدت وحداتهم بعض مئات الاصابات بين قتيل وجريح. منذ يوم 5 ديسمبر 1987 ولغاية 17 مارس 1988 ، تكبدت القوات الكوبية 39 اصابة بين قتل وجريح، وابلغت عائلاتهم بذلك في الوقت المناسب. وقعت هذه الاصابات بشكل اساسي خلال الشهرين الاخيرين.
لقد تكبد العدو حسب معطيات مأخوذة من نفس اتصالاته، وتقديرات المسؤوليين الانغوليين والكوبيين، اصابات جسيمة بين قتيل وجريح من بينها مئات الجنود التابعين لما تسمى ب "القوات الاقليمية الناميبية" ونفس القوات النظامية البيضاء الجنوب افريقية. منذ 16 يوما لم تقم جنوب افريقيا بأية محاولة جديدة لاحتلال كويتو كوانافالي . لقد تلقن عنصرييو جنوب افريقيا درسا لن ينسوه ابدا. لقد تحول المقاتلون الانغوليون والكوبيون الابطال، الذين كبحوا جماح قوات العنصرية والابارتهيد بقسوة، الى رمز رائع لكرامة شعوب افريقيا والعالم".
وعلى ضوء ما تقدم استمرت كوبا في اتصالاتها التنسيقية رفيعة المستوى مع السلطات الانغولية، وفي هذا الاطار التقى جورج ريسكيت مع الرئيس دويس سانتوس، وتناول معه تطورات الوضع العسكري والمباحثات الثلاثية (9-11/3/1988 و 16-18/3/1988) وتم التاكيد على ركائز الموقف المشترك للحل السلمي.
بموازاة ذلك، شنت كوبا حملة سياسية-دبلوماسية حول تطورات الاحداث العسكرية في جنوب انغولا، والمفاوضات الدائرة في لواندا،، فأرسلت مبعوثين الى زمبابوي، للقاء روبرت موغابي Robert Mugabe رئيس الجمهورية والرئيس الحالي لحركة بلدان عدم الانحياز، كما التقيا في لوزاكا/زامبيا الرئيس كاوندا Kawenda، الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الافريقية وسلماه رسالة من الرئيس الكوبي فيديل كاسترو. على اثر ذلك، اعربت بلدان خط المواجهة، والمؤتمر الوطني الافريقي، وسوابو، في مؤتمر قمة، عن التنديد بالدعم الامريكي لجنوب افريقيا والمساعدة العسكرية للاتحاد الوطني لاستقلال انغولا التام وعن دعمهم للموقف الكوبي-الانغولي المشترك.
وتكريما وعرفانا من كوبا وانغولا للموقف البطولي للمدافعين عن كويتو كوانافالي، اصدر مجلس الدولة في جمهورية كوبا و الجمعية الشعبية في جمهورية انغولا الشعبية، أوسمة وزعها عليهم وزير الدفاع الانغولي بيداليه Pedalé والسفير الكوبي في انغولا مارتين مورا Martin Mora
وتجدر الاشارة الى وجود اربعة(4) نساء كوبيات، طبيبات وممرضات، من بين المدافعين عن القرية. هؤلاء الرجال والنساء "مثلوا ارادة وضمير وكرامة وشجاعة شعوب آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وكل العالم الثالث"(1-4-1988).
منظمة الوحدة الافريقية، من جهتها، لم تبق مكتوفة الايادي، ولا مكتومة الانفاس، امام الصلف اليانكي وغطرسة "الرجل الابيض"، فتدارست مع انغولا، آثار التدخل الامريكي ميدانيا في الشؤون الداخلية لانغولا، وطالبت بحزم وعلى رؤوس الاشهاد، بوقف التدخل الامبريالي الامريكي، ورفضت بشدة نوايا الغرب الامبريالي الراسمالي، في الربط بين استقلال ناميبيا ووجود القوات الاممية الكوبية في انغولا الافريقية.(6-4-1988).
وبالتزامن مع المعارك في الجنوب، والمفاوضات السياسية الثلاثية، كانت قيادة الحزب والحكومة في جمهورية كوبا، بالاتفاق التام مع قيادة الحركة الشعبية لتحرير انغولا-حزب العمل والحكومة في جمهورية انغولا الشعبية، قد قررت، بعد تقييم الوضع الخطير الناشئ عن المغامرة العنصرية الجديدة، تعزيز الفريق الاممي الكوبي، المتمركز في جنوب انغولا، بعشرات الكوادر والطيارين والخبراء العسكريين المتمرسين، وبالقوات والوسائل القتالية الضرورية، من اجل ضمان اكبر قدر من السلامة لاراضي انغولا الشقيقة، وأمن نفس القوات الكوبية. إذ أن حنكة وخبرة وبراعة المفاوضين السياسيين والدبلوماسيين والحق والقانون الدولي، لاتكفي لوحدها، على أهميتها، مهما توفرت النوايا الحسنة، لإحلال سلام عادل ودائم، في منطقة تعيش صراعا تناحريا، ليس فقط بين انغولا و جنوب افريقيا العنصرية، بل بين الشعوب الافريقية كافة، ونظام عنصري فاشي دخيل، زرعته وربته وترعاه دائما، القوى الامبريالية العالمية، قديمها وحديثها. لذلك كان لا بد من القوة العسكرية، القادرة على القاء ظلالها على مائدة المفاوضات وفرض الحل السياسي.
تم تنفيذ عملية التعزيز تلك، بسرعة وكفاءة عالية، فأرسلت مجموعة قوية من وحدات المشاة المؤللة، والدبابات والمدفعية ووسائط الدفاع الجوي، من كوبا الى انغولا، عبر المحيط الاطلسي، الذي يفصل القارة الافريقية عن القارة الامريكية اللاتينية، مما أدّى الى خلق ظروف مؤاتية، اكثر من ذي قبل، من اجل مواجهة العدوان الجنوب افريقي.
وأمام المحاولات المتكررة التي قامت بها قوات جنوب افريقيا وحلفاؤها، لتحطيم الدفاع عن كويتو كوانافالي، والتي كان آخرها يوم 23 مارس 1988 حيث تحولت الى كارثة حقيقية لقواتها، تحت وابل نيران المدفعية والضربات الجوية الموجعة؛ وأمام عربدة جنوب افريقيا، وقرارها اللامعقول بالإبقاء على احتلال جزء من الاراضي الانغولية، ومواصلة هجماتها ضد القوات الكوبية-الانغولية التي تدافع عن كويتو كوانافالي ، صدرت الأوامر في 11مارس 1988 لتحرك القوات الكوبية-الانغولية-سوابو، المتموضعة على امتداد خط عرض 15 باتجاه الحدود مع ناميبيا، وتتواجد حاليا على بعد 200كم الى الجنوب من مواقعها الأصلية، في حين تقهقرت القوات العنصرية لغاية حدود ناميبيا. وبهذا تحولت كويتو كوانافالي الى معقل شامخ، ورمز تاريخي، ولم يعد ممكنا للقوات العنصرية، ان تعمل ضد اراضي انغولا دون عقاب، كما كانت تفعل سابقا، مزدرية القوانين الدولية وأصولها، ومستخفة بشعوب القارة السوداء.
وفي غمرة المعارك الضارية، تمكن سلاح الهندسة العسكرية من انشاء مطار حربي في جنوب انغولا [كاهاما، وافتتح رسميا يوم 27-7-1988]، واقترب معه الطيران الحربي الانغولي الكوبي مسافة 200كم نحو الجنوب، اي نحو ميدان القتال، بحيث اصبح قادرا ليس فقط على كيل الضربات الناجعة لتجمعات وفلول القوات الغازية، بل وتهديد نقاط استراتيجية حساسة لقوات جنوب افريقيا. وادى ذلك الى تغير جذري في الوضع السياسي والعسكري والدبلوماسي.
"العمل العسكري الكوبي بأسره، استند الى مبدأ عسكري يتمثل في عدم خوض معارك حاسمة في المكان الذي اختاره العدو، بل في المكان الذي تختاره القوات الكوبية، وضرب العدو في اماكن حساسة واستراتيجية.
"في 5 نوفمبر 1987، اتخذنا القرار السياسي والعسكري بمواجهة المشكلة وإتخاذ كافة الإجراءات الضرورية. أي موقف آخر، كان من شأنه ان يؤدي الى إبادة أفضل القوات الانغولية، ويهدد بقاء الجمهورية الشعبية على قيد الحياة، ويضع قواتنا العسكرية في وضع معقد"[ فيديل كاسترو، 5-12-1988].
وعلى الرغم من أن قرار مقاتلة العدو−الامبريالي بشكل خاص− يعتبر من مسلمات سلوك القوات الكوبية داخل وخارج كوبا، دون انتظار إشارات من القيادات العليا، ودون انتظار حصول معجزات، او تحقيق توازن عسكري استراتيجي، مع العدو الامبريالي والعنصري، فان القرار السياسي بمواجهة مشكلة كويتو كوانافالي، بكل ما يترتب عليه لم يكن سهلا ولا بسيطا "فعلى الصعيد السياسي، كانت قمة غورباشوف−ريغن لبحث مواضيع هامة بالنسبة للسلام الدولي على وشك الانعقاد (7 ديسمبر1987). كانت تلك أسوأ لحظة لاتخاذ قرار من هذا النوع"... "وللحقيقة، قيادة الحزب والقوات المسلحة لم تتردد لحظة واحدة، واتخذت القرار في نفس اليوم. بدأت كوبا بإرسال افضل الطيارين والوحدات القتالية والاسلحة الضرورية الى انغولا. الطيران وحده لم يكن كافيا وأرسلنا 200 خبير ومستشار، الى نفس كويتو كوانافالي، لمساعدة القوات الانغولية المحاصرة، واثناء ذلك أرسلنا الدبابات والمشاة والمدفعية برا، بعد ان قطعت 200 كم في الغابات، باتجاه نفس النقطة المعنية. عيّنت لنا حكومة انغولا مسؤولية الدفاع عن كويتو كوانافالي، واتخذنا كافة التدابير اللازمة، وحوّلناها الى مصيدة، تحطمت فيها أنياب الجنوب افريقيين، بحد ادنى من الخسائر في صفوف قواتنا. في كويتو كوانافالي كانت اكثرية القوات انغولية، وفي الزحف نحو الجنوب كانت اكثرية القوات كوبية"...
"لم نكن نبحث عن انتصار عسكري بل مواجهة وضع حرج فقط... لا نريد انتصارات على حساب إراقة قطرة دم واحدة او هدر حياة أي انسان، لان ذلك يتم، عندما لا يوجد أي خيار آخر" ومع ذلك "جنّب القرار والموقف الكوبيان، انغولا وافريقيا وكافة القوى التقدمية، إنهيارا سياسيا وعسكريا، وفتح آفاقا للسلام في المنطقة" [كاسترو 5-12-1988] أي أن "
فكرة إيقاف العنصريين في كويتو كوانافالي، وضربهم في الجنوب الغربي، غيّرت موازين القوى العسكرية، مما أتاح المجال أمام المفاوضات"، "فبدون الصمود لا يمكن ان يوجد سلام حقيقي، وبدون الصمود لا يمكن ان يكون هنالك ولا حتى مفاوضات"
[كاسترو 5-12-1988].
10 من الزوار الآن
917332 مشتركو المجلة شكرا