الصفحة الأساسية > 6.0 فلسطيننا > الشهداء والأسرى > قراءة في كتاب الشهيد باسل الأعرج: وجد أجوبته، فماذا عنّا؟
كيف خرج إلى النور؟
بعد استشهاد باسل، تطوّع عدد من أصدقاء الشهيد وصديقاته، لجمع ما كتبه من أبحاث ودراسات، وكذلك التعليقات والمواقف على شبكة التواصل الاجتماعي، والمحاضرات واللقاءات التي أنجزها في جولاته الميدانية في القرى والبلدات على يوتيوب «تُقَدّر بآلاف الصفحات». وقد تمكّن كل أولئك، بجهد استثنائي في ظروف الاحتلال، من تأمين عدد لا بأس به من الدراسات والأبحاث والمقالات، وتجميعها في الكتاب الذي نتناوله في هذا العرض. طُبع الكتاب في دار رئبال في القدس المحتلة، العاصمة الأبدية لشعبنا، وصدر ووزّع في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد باسل، كما تم إنجاز طبعة أخرى في «بيسان للنشر والتوزيع» في بيروت في الفترة نفسها.
المضمون
بين دفّتي الكتاب تتوزع 400 صفحة، ما بين التقديم والأبحاث والمقالات التي أخذت نصف عدد الصفحات، ثم «البوستات»، مع إضافات ممن أشرف على إعداد المنشور: سيرة ذاتية للشهيد ومختارات مما كُتب عن باسل بعد استشهاده، إضافة إلى الكلمات التي ألقيت في ذكرى أربعين الشهيد، وفي ذكراه السنوية الأولى.
غلاف الكتاب الأمامي احتوى وصية الشهيد وصورة له من إحدى التظاهرات. يفتتح باسل تلك الوصية التي وجدت في الشقة التي استشهد فيها مع مجموعة من الكتابات الموجودة في هذا الكتاب بـ«تحية العروبة والوطن والتحرير». ثلاث كلمات فيها تكثيف واضح للثوابت التي آمن بها. أما خاتمتها، فتحمل من كاتبها اعترافاً بالاقتناع التام بما وصل إليه، بوعيه وثقافته وممارسته: «أنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً. وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني، وهل هناك أبلغ أو أفصح من فعل الشهيد. وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهور طويلة، إلا أنَّ ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء، فلماذا أجيب أنا عنكم، فلتبحثوا أنتم. أما نحن أهل القبور، فلا نبحث إلا عن رحمة الله».
يتشكّل محور موضوعات الكتاب، من التأكيد على ثلاث نقاط أساسية:
أ ـــ أهمية الوعي النظري المنغمس في قضايا الناس، وتحديداً الطبقات الشعبية، لأن هذا الوعي هو الذي يوفر للشعب ومناضليه القدرة على تحليل الراهن: الاحتلال والاستعمار، الاضطهاد والاستغلال، التخلف والاستبداد، من أجل مقاومته بالعنف الثوري في سبيل تغييره.
ب ـــ المقاومة، بكل أشكالها، وفي مقدمتها الكفاح المسلح. وقد أفرد الشهيد في أوراقه مساحات لتحليل الهبّات والانتفاضات الشعبية في مسار الصراع الأبدي مع الغزاة. وتناول تجارب المقاومة الاقتصادية: نموذج بيت ساحور خلال انتفاضة 1987. كما كان للمقاومة من أجل التنمية وقفة تحليلية (ص 53)، مُركزاً على نظرية التنمية بالحماية الشعبية.
ج ـــ حماية النسيج المجتمعي الفلسطيني من الأمراض الاجتماعية، خاصة، عند الشباب: الاستلاب وترسيخ الاكتئاب الوجودي لديهم، والنظرة الاستهلاكية في رسم أسلوب الحياة، وترسيخ مفهوم الدولة القُطرية وتشجيع الشوفينية الفلسطينية في الترويج لمتسابق فلسطيني في برامج الفضائيات الغنائية من أجل تصنيع «قدوة» مزيفة لشعب يقاتل الغزاة. يكتب باسل في «البوست» الرقم 24، الصفحة 263: «أنا شخصياً أُصوّت لحذاء الدقامسة ولا اُصوّتُ لأكبر رأس مشارك في مثل هذه البرامج».
القراءة والبحث من أجل معرفة الذات والمجتمع في وطن مُحتل
من الورقة الأولى في فصل الأبحاث والمقالات يبدأ باسل بتفكيك النكبة: المفهوم والواقع في فصل «الذاكرة الجريحة للنكبة». في المفهوم الذي يعتبر تجسيداً مادياً للكارثة المأساوية التي أصابت الشعب الفلسطيني، تمكّن هذا الشعب من تحويل المأساة التي أصابته إلى ذاكرة جريحة. لكنها في الجانب الآخر، حملت في ثناياها البطولة والتضحية التي قدّمها وما زال الشعب وأبناء الأمة وأحرار العالم. وتجلّت هنا قدرة الفرد والمجتمع على استخلاص نتائج المجازر التي يعدّدها الكتاب (الطنطورة، دير ياسين، الدوايمة، الطيرة…». كما يشير الشهيد إلى استنساخ اليهود الصهاينة لأساليب الغزاة البيض ضد أصحاب الأرض الأصليين في القارة الأميركية الذين اصطلح على تسميتهم الهنود الحمر، بطريقة القتل بالحرب الجرثومية. وقد قام اليهود الصهاينة بتلويث مياه قناة الشرب التي تغذي مدينة عكا بجرثومة التيفوئيد. أما «العونة والفزعة»، فقد تناولهما الشهيد من حيث كونهما تعبيراً عن وعي مجتمعي أبدع تنظيماً اجتماعياً أفقياً، بعكس الهرمية الحزبية، ظهر في المشاركات الشعبية الواسعة في البناء والزراعة، لكنه أخذ بُعداً سياسياً ووطنياً في العمل الجماعي لإعادة بناء بيوت عائلات الشهداء التي يهدمها جيش الغزاة المحتلين. كما استحضر الشهيد في هذا الجانب التجارب الجماعية في تطوير الاقتصاد المقاوم من خلال الوعي بأهمية بناء التعاونيات والاعتماد على الذات: الزراعة المنزلية وتربية الدواجن، خاصة في فترات الانتفاضات والهبات والحصار.
في فصل «وهم اليسار المتضامن»، يتصدى لكتبة يعملون بسوء النية لتحسين صورة الاحتلال ولدفع الأجيال الصاعدة إلى سراب السلام، الذي هو الاستسلام. يدحض باسل واحدة ممن يُصفّق لها البعض في مجالسهم وكتاباتهم، الكاتبة الصحافية عميرة هس. يكتب: عميرة هس لا تختلف عن أي مثقف من مثقفي المُستَعِمر، وهي ليست إلاّ جندياً في المعركة الخلفية التي يطلقها المستعمر في ميدان الثقافة والقيم… تعترف بـ«حقوقك» لكن بشروط، وأهم تلك الشروط أن تظل تدور في فلكها وأن لا تحاول التمرد على ما تُلقنه لك، وصار لزاماً على المستَعمَر أن يهضم ثقافة مضطهديه».
وقد واجه بشكل لافت ما يتعرض له مقاومو شعبنا في الجزء المحتل من الوطن الفلسطيني عام 1948، وكيف حاول العدو أن يصف كل فدائي بأنه «مريض نفسي». والكارثة هنا، أن يردد ذلك بعض أبناء الشعب. ويستشهد بما دار من ثرثرات وترهات عن الفدائي نشأت ملحم الذي نفذ العملية البطولية في شارع ديزنغوف في «تل أبيب» في 1/1/ 2016 ولوحق لمدة أسبوع قبل أن يسقط شهيداً في اشتباك مع وحدة «يمام». لقد كتب باسل في تحليل السقوط الوطني والأخلاقي لبعض أبناء الشعب من خلال تبنيهم لتفسير المحتلين، مشيراً إلى أن فرانز فانون عالج هذه الظاهرة في الجزائر، وذلك من خلال كون المستعمَر يشعر بالدونية، ما يجعله يتبنى ما يقوله المستعمِر الذي ينفي الصفة الوطنية والقومية عن المقاوم ويُقدمه كحالة مريضة فقط. وذلك من أجل تسخيف روح المقاومة وإسقاط أي فكرة للمواجهة.
هنا يتقدم الشهيد الصفوف بتقديم رؤية فكرية معرفية جذرية في فصل «لا تكن مع الاحتلال ضدهن»، لتبديد العديد من أنماط التفكير، وأساليب التعامل مع المرأة. يكتب باسل ص 192، «تنشأ عند أبناء المجتمعات المقهورة، والواقعة تحت الاستعمار، خاصة، علاقة ازدراءٍ ضمنية للذات والآخر داخل المجتمع، فَتُصَبُّ على غيرهم من أفراد المجتمع حيث يعكسون العار والمأساة ضمن منهجية واحدة. وعندما يجاهر المقهور بمقولات مسيئة لغيره من الواقعين تحت القهر ذاته، إنما هو يعبّر عن مدى شعوره بالضعف والدونية والذنب، وذلك من أجل الحصول على توازن نفسي والتخلص مما يحيط به من توتر وانفعال». لهذا فإن رفض استلاب المرأة انطلاقاً من استلابها العقائدي لدورها في المجتمع، إلى رفع الظلم الذي يلحق بها بالاستلاب الاقتصادي ووضع العراقيل لمنعها من الاعتماد على إنتاجها الذاتي، ثم استلابها الجنسي، يُصبح مهمة ثورية، لأن التسلط الداخلي الذي يحيط بالمرأة ضروري من أجل تمكين نصف المجتمع للانتقال من موقع الضحية إلى موقع الحرية والتحرر من غلال التخلف والنظرة الدونية، وبالتالي، إلى رحاب الميادين في مواجهة المحتل الذي يضطهد كل الشعب.
في فصول عدة، ورغم اختلاف العناوين والصياغات لكل مادة وحادثة وموقف، إلا أن المضمون متشابه من حيث تحديد الهدف المباشر. في فصلي «حلوها وأسقطوهم» (كانون الأول 2012) و«الشعب يريد مجلساً وطنياً جديداً» (30 آذار 2013) يحلل الشهيد عوامل ضعف السلطة ويكشف عن ضرورة حلها، لأنها كما يكتب «مقاول من الباطن». فمن خلال تفكيك بنيتها القائمة على «الفساد وثقافة أوسلو والتنسيق الأمني والاستجداء ووجود شريحة صغيرة ترتبط مصالحها مع الاحتلال ويشارك رموزها في مؤتمر هرتسيليا»، هنا يستحضر الشهيد دور الحركيين في الثورة الجزائرية. ولهذا فإن كل ذلك يكفي لإعداد لائحة اتهام لمن يجب إسقاطهم، وبالتالي إسقاطها. ويختتم الفصل بما قاله الشاعر الثوري المتمرد مظفر النواب «سنصبح نحن يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى، إن بقيت حالتنا هذي الحال بين حكومات الكسبة».
أما عن المجلس الوطني، فكأن باسل بيننا ومعنا في مراقبته ومتابعته للمجلس ولكل مؤسسات المنظمة. يكتب الشهيد «في كل المظاهرات التي شهدتها شوارع بعض مدن الضفة وقادها الحراك الشبابي، بُحّ صوت الشباب والشابات بهتاف الشعب يريد مجلساً وطنياً جديداً». ويغوص باسل في تفاصيل الهدف المنشود: كيف تتم الانتخابات لعضوية المجلس؟ وعلى أيّ أرضية نقف؟ وهل نتوجه إليها وفق التزامات منظمة التحرير أم وفق الميثاق المشوه «المُعدل»؟ وهل يتم ضمن سياسة الكوتا والمحاصصة بين الفصائل؟ أم بما يخدم مصالح الكومبرادورات وهوامير المال والأعمال؟ يجيب الشهيد على ذلك باستفاضة (ص203) ليصل إلى استنتاج «أنا لا أؤمن إلاّ بالتغيير الجذري للنظام الاجتماعي والسياسي. نعم، أنا مع الإقصاء، ومن يتنازل عن 78% من فلسطين يجب إقصاؤه، من يرتبط بعلاقات مع العدو «المعسكر الاستعماري ككل» يجب إقصاؤه، ومن يحترف فلسفة اعتذارية عن نضالات شعبنا ويحقرها يجب إقصاؤه، وهل يستقيم الوضع بدون إقصاء هذه الفئة المارقة؟».
في ص 122، وتحت عنوان «الانتفاضة دمرتنا»، يتحدث عن هذه الادعاءات، مفنّداً ما يردّده بعض أفراد الشعب من تكرار لما تقوله ماكينة العدو الإعلامية. يكتب باسل «المطلوب لكي يكون النقد موضوعياً ووطنياً وثورياً، أن يقوم على مراجعة التطبيق وليس النظرية أو الأيديولوجيا التي تقف وراء التجربة».
المقاومة المسلحة رأس حربة المواجهة مع الغزاة
أفرد الشهيد باسل عشرات الصفحات وهو ينبش تاريخ الكفاح المسلح الفلسطيني: أفراداً ومجموعات في مواجهة الغزاة المحتلين، بريطانيين ويهود صهاينة. من بين العمليات الفردية، أحمد عبد الغني أبو طبيخ الذي حاول تصفية المدعي العام البريطاني بنتوتيش في فترة ثورة 1929 – 1930 إلى غسان وعدي أبو جمل، أبطال عملية القدس المحتلة في المدرسة الدينية التلمودية 18/ 11/ 2014، وما بعدها، عشرات العمليات الاستشهادية الفردية، ليستنتج الكاتب الشهيد أن هناك ضرورة دائمة لتقديم صورة البطولة والتضحية على البكائية والنواح اللذين يحاول البعض التمسك بهما كلما أقدم المحتل وعصاباته على قتل وحرق أبناء شعبنا، وكمثال على ذلك عائلتا أبو خضير والدوابشة. كذلك فإن الحديث عن المقاومة المسلحة لا يستوي إلّا إذا كانت البندقية الواعية والمسيّسة (ص 119) قد انتقلت من رمزيتها في الهوية والوعي، كما ظهرت في الأغاني والأهازيج والأمثال والفن التشكيلي والملصقات وفي «الرجال والبنادق للأديب والسياسي المقاتل الشهيد غسان كنفاني»، إلى دلالة سياسية، بما تحمله من قدرة فاعلة في خدمة متطلبات المرحلة النضالية التي يخوضها الشعب.
ويرصد الشهيد باسل بعين الباحث والدارس مسار الانتفاضات والثورات المسلحة والمعارك التي قاتل فيها الشعب ضد الغزاة. في فصل «الكفاح المسلح في ثورة 1936» يتحدث عن تلك الثورة بعد سردية تاريخية مهمة عن سنوات الركود «1921 – 1925» التي انتهت باشتباكات آب 1928 يوم عيد الغفران الذي مهد لثورة البراق عام 1929، لتنتشر شرارة الثورة لتشعل النار في الوطن كله. من القدس إلى الخليل فصفد إلى يافا وعمال الموانئ. ولتبدأ بعدها بعدة سنوات ثورة عز الدين القسام التي كانت «بروفة» لثورة 1936. وقد شكّلت الثورة الكبرى في عام 1936 انعطافة مهمة في درجة الوعي والاستعداد والشمولية للحركة الشعبية، من حيث التنسيق الكامل بين العمليات العسكرية والتمرد الثوري الشعبي الذي استمر في إضرابه الشهير لستة أشهر.
وتعتبر معارك الدفاع عن المدن والقرى في وجه العصابات اليهودية الصهيونية المسلحة والمدربة جيداً، واحدة من أشرس جولات الصراع. وهنا برز دور القادة الكبار: فرحان السعدي وأحمد طافش وعبد الرحيم الحاج أحمد وأبو ابراهيم الكبير وعبد الحليم الجولاني وعبد القادر الحسيني وعارف عبد الرزاق. ولا ننسى للشهيد باسل دوره في الإضاءة على فدائيَّين أسطوريَّين هما: فوزي نامق القطب، الفدائي الشبح الذي أفقد العدو صوابه لأنه العقل العلمي والتقني، وقائد فرقة التدمير العربية وأحد أبرز القيادات الفدائية المتخصصة في تصنيع المتفجرات وتفخيخ السيارات، كما يُسجل له أنه كان سباقاً في صناعة البالونات المتفجرة. أما الفدائي الآخر، المقاتل الأممي بجدارة، فهو الفلسطيني الجذور، لأسرة من بيت لحم هاجرت إلى أميركا الجنوبية، الكولومبي المولد عام 1909، إنه أنطوان جميل بارود (ص 225) الذي قاتل تحت قيادة عبد القادر الحسيني وبشراكة كفاحية وعملية/ تقنية مع فوزي القطب، ثم عاد إلى أميركا الجنوبية ليقاتل في أكثر من مكان ضد الجيش الاستعماري الأميركي، وليدخل مع كاسترو وغيفارا هافانا، وبعدها رافق غيفارا إلى بوليفيا وقاتل معه. وقد انضم لاحقاً إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ووافته المنية في الكويت، في آب 1969 أثناء زيارةٍ لأقاربه هناك.
تحت عنوان «عش نيصاً وقاتل كالبرغوث» الذي كتبه في أواخر عام 2013 اقتباس عن حياة النيص في عالمه الخاص داخل جوف الأرض عبر الأنفاق، وعن قدرة تلك الحشرة الصغيرة جداً «البرغوث» التي تمتص دم ضحيتها من خلال معرفتها بنقاط الضعف الجسدي، وبقدرتها على القفز والتنقل الدائمين فوق ذلك الجسد. في ذلك النص الجميل والبسيط، أراد باسل أن يقدم لكل مهتم بالمقاومة تلك النماذج التي يعرفها أبناء الريف الفلسطيني، للتعلم من أسلوب حياتها في الاختفاء والحركة.
في «البوستات» التي امتدت لتسعين بوستاً، بعضها سطر واحد ومعظمها عدة صفحات، كتب خلالها الشهيد تعليقات سريعة على الأحداث، كما عالج بعضها بتفصيل من أجل الاستخلاصات المهمة. كذلك أطلق لخياله الثوري كتابة بعض النصوص الرائعة، كما تجسّد في «البوست» الرقم 6 ص 235 «مدونات بانوراما اغتيال زئيفي». للوهلة الأولى يعتقد القارئ أن الشهيد باسل كان ضمن المجموعة التي نفذت إعدام الوزير السابق والمجرم المستعمِر رحبعام زئيفي، صاحب نظرية الترانسفير للفلسطينيين. كان مع مجدي الريماوي وحمدي قرعان وباسل الأسمر وعلى معرفة بالقائد المخطط والمشرف، مسؤول الجناح العسكري للجبهة الشعبية في الضفة الغربية عاهد أبو غلمة الذي قدمه قائداً ثورياً مُجرّباً، وأطلق عليه في الفقرة الأولى من الصفحة 239 «مثقفٌ مشتبك بكل معنى الكلمة».
في «البوست» الرقم 8 ص 245 يكتب «سنن ثورية فلسطينية» عن شكل الثورة المتوّج والمتحرك وعن تيارين يتصارعان داخل الشعب «التعامل مع العدو ورفض التعامل»، وعن فترات الكمون في الحركة الشعبية وتفجرها.
دور الشباب في حماية النسيج المجتمعي وفي قيادة عملية التغيير
عندما تقرأ ما يكتبه الشهيد عن هذه الفئة العمرية، تستنتج أن التحليلات والاستخلاصات تكون أقرب إلى الموضوعية منها إلى التوصيف المجرد. ففي فصل «حزب الكنبة الفلسطيني»، المنشور في مجلد الدراسات الفلسطينية مجلد رقم 23، عام 2012، بالمشاركة مع زيد الشعيبي، تأكيد على أن الشباب كانوا هم وقود وجنود جميع المراحل النضالية. لكنهم الآن في مرحلة الإقصاء أو العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية، على عكس دورهم في انتفاضَتي 1987 و2000، والسبب برأي الشهيد: دور السلطة في قيادة المجتمع من خلال مؤسسات بيروقراطية تعمل بمحددات اتفاق أوسلو، من حيث إن السلطة عملت على تشويه الرموز الوطنية، ولم تكتفِ بإفراغها من مضامينها، في محاولة لتشويهها في عقول الجيل الجديد، ما أدى إلى انتشار ثقافة الخلاص الفردي على حساب المصلحة العامة. وهنا يبرز دور المنظمات غير الحكومية في التخريب الناعم. لكن الشهيد يشدد على ضرورة أن يعمل القادة الشبابيون داخل الحراك الشعبي، على إعادة بناء القيم الوطنية الجماعية، لإعادة النهوض بالشعب، بعد أن بدأت معاول قوى التخريب المحلية والاحتلالية بهدمها.
خاتمة
رغم لغة المواجهة والاشتباك والتحدي التي غلّفت معظم محتويات الكتاب، إلا أن صفحات عديدة كانت تعكس لنا رهافة أحاسيس الشهيد ومشاعره. في «البوست» الأخير الرقم 90، ص 326، يكتب باسل نصاً جميلاً بعنوان «لماذا نذهب للحرب»، بصيغة رسالة، مخاطباً «صديقي العزيز» في حوارية تتنقل ما بين مناجاة الذات وما بين مخاطبة الآخر. في جوابه على السؤال يكتب «نذهب لها بحثاً عن الرومانسية، رومانسية الحرب التي تخلق صنفاً آخر من البشر… في الجبال تهاوت رومانسية الحرب، إلا أنني كنت أراها أمامي فأركض وأحاصرها وأحاول الإمساك بها وتظل تسحبني… وفي السجن أيضاً نُطارد الرومانسية، فهي التي تمنحني رؤية واحتها». لقد عززت تلك الرومانسية عند باسل الاقتناع بأن سعادة الإنسان في وطننا لن تتحقق ما دام كيان الغزاة المحتلين قائماً. يكتب الشهيد «لا تحلموا بعالم سعيد ما دامت إسرائيل موجودة».
أيها الباسل، كن على ثقة وأنت في عليائك، أننا نحلم ونعمل من أجل وطن متحرر من الاستعمار الاحتلالي والفاشي والعنصري، ومن كل أشكال الاضطهاد والاستبداد والفساد. وطن تتوفر فيه الحرية والكرامة لأبنائه وبناته.
محمد العبد الله
3 من الزوار الآن
916791 مشتركو المجلة شكرا