Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > القضية الفلسطينية بين 1973-1991

6 نيسان (أبريل) 2023

القضية الفلسطينية بين 1973-1991

د. نايف أبو خلف

مقدمة

تدرس هذه الوحدة أهم الأحداث والتطورات الدولية والإقليمية والفلسطينية، وتداعياتها على القضية الفلسطينية في الفترة ما بين 1973م و 1991م.
وقعت خلال هذه الفترة حروباً عدة في المنطقة، من بينها حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973، والحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، والاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان (1978)، والعدوان الإسرائيلي الثاني على لبنان (1982)، والحرب العراقية – الإيرانية (1981-1988)، وحرب الخليج الثانية (1991).
شهدت تلك الفترة أيضاً امتداداً لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، التي جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) لتكون تتويجاً لها.
كان لتلك الحروب الإقليمية، وللإنتفاضة الفلسطينية أبعاداً كبيرة على تطورات عملية السلام في المنطقة، وعلى الجهود الدولية والإقليمية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، التي تمثلت في مظاهر مختلفة: مثل القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي شكلت بمجملها أو بعضها المرجعية القانونية لحل الصراعات في المنطقة، أو اتخذت شكل المؤتمرات الدولية للسلام حول الشرق الأوسط مثل مؤتمر جنيف (1973)، ومؤتمر مدريد (1991)، أو صفة الاتفاقيات والمعاهدات مثل اتفاقيتي "كامب- ديفيد" (1978)، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (1979)، في حين اتخذ بعضها صفة المبادرات أو مشاريع السلام مثل مبادرة الرئيس الأمريكي ريغان (1982)، ومبادرة السلام العربية في قمة فاس (1982).
أوجدت تلك الأحداث والتطورات ظروفاً موضوعية فرضت نفسها على الساحة الفلسطينية، ودفعت القيادة الفلسطينية إلى العمل على تطوير مواقف وسياسات منظمة التحرير الفلسطينية شملت تعديلات في الميثاق الوطني الفلسطيني، وتبني برامج سياسية جديدة، من أجل التعاطي بشكل واقعي وعلمي. من وجهة نظر القيادة الفلسطينية. مع مستجدات وتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط، والقرارات والأسس التي تقوم عليها تلك العملية، وجهود التسوية بشأنها.
تتناول هذه الوحدة، من خلال المنهج الوصفي التحليلي، دراسة لأهم الأحداث والتطورات التي شهدتها المنطقة في الفترة ما بين 1973-1991، سواء على صعيد الحروب والمواجهات، أم على صعيد القرارات الدولية ومشاريع التسوية السياسية، وذلك من أجل الوقوف على العوامل المسببة لها، ومعرفة وقائعها ومضامينها، واستعراض نتائجها وآثارها.
ستحاول الوحدة أيضاً دراسة المواضيع المرتبطة بمسألتي الحرب والسلام في المنطقة وفق ترتيبها الزمني قدر الإمكان، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة التداخل والترابط فيما بين المسألتين من جهة، ومدى التأثر والتأثير فيما بينها من جهة أخرى.

المبحث الأول حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973

هي الحرب العربية - الإسرائيلية الرابعة، وقعت في اليوم السادس من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وتوقفت يوم 28 من الشهر نفسه، واتخذت الحرب مسميات مختلفة: يسميها المصريون "حرب أكتوبر"، والسوريون "حرب تشرين"، والإسرائيليون "بحرب يوم الغفران"، لتصادف وقوعها مع أحد الأيام المقدسة لدى اليهود، كما تعرف أحياناً "بحرب رمضان" لوقوعها في العاشر من الشهر الكريم.
هناك مجموعة من العوامل أدت إلى وقوع حرب 1973م، من أهمها:
1- استمرار حالة اللاسلم واللاحرب التي ميزت الفترة الممتدة ما بين 1967-1973، فجهود المصالحة الدولية ومشاريع التسوية السياسية للصراع العربي – الإسرائيلي باءت جميعها بالفشل، بدءاً بمهمة المبعوث الدولي جوناريارينغ عملاً بالقرار الدولي 242، فمشروع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وليام روجرز في عام 1970 لوقف حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وبدء مفاوضات بين الجانبين، ثم محاولات الدول الأربع الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، وفرنسا، في عام 1969م، بناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت لدفع جهود السلام في المنطقة، فمبادرة الرئيس المصري أنور السادات عرض فيها اتفاق سلام مع إسرائيل مقابل الانسحاب الكامل إلى حدود 1967، ثم جاءت الموافقة المشروطة للرئيس السوري حافظ الأسد على القرار 242 في آذار 1972، وأخيراً تجديد الرئيس السادات قبوله بالدخول في اتفاق سلام مع إسرائيل في أيار 1973م.
ورغم كثرة تلك الجهود والمشاريع لتسوية الصراع في المنطقة، ولكنها لم تجد نفعاً بسبب رفض إسرائيل لفكرة الانسحاب الكامل إلى حدود 4 حزيران 1967، وإصرارها على مبدأ المفاوضات المباشرة مع الدول العربية دون تدخل خارجي، يعود الفشل أيضاً إلى غياب التوافق الدولي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حول مفاهيم السلام الشامل والعادل للصراع العربي - الإسرائيلي، وآليات تحقيقه. بالمقابل اقتصر دور القوتين العظمتين على تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للأطراف الإقليمية المتصارعة بهدف الحفاظ على النظام الإقليمي .
2- رغبة مصر وسوريا في تحرير أراضيهما المحتلة، والعمل على استعادة الكرامة العربية، إثر هزيمة 1967، كان واضحاً أن العرب لن يرضوا باستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وكان يتوجب تحريرها سواء من خلال الحرب أم من خلال عمل عسكري محدود يعطي دفعة قوية للعملية السلمية، ويسرع التحرك الدولي لبدء المفاوضات، من أجل ذلك، عملت مصر وسوريا على إعادة بناء قواتهما المسلحة التي دمرتها الحرب السابقة بهدف إعادة توازن القوى الإقليمي، الذي كان يميل لصالح إسرائيل، استعداداً للحرب القادمة.
ورغم التحذيرات العربية، وخاصة من الرئيس السادات، للكثير من أصدقاء إسرائيل بأن الحرب ستقع قبل نهاية عام 1973، إلا أن إسرائيل وأصدقاءها لم يأخذوا تلك التحذيرات بمحمل الجد.
3- الأطماع الإسرائيلية في التوسع الإقليمي على حساب الأرض العربية، وتفضيلها لبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، واحتفاظها بالأراضي العربية التي احتلتها في الحرب على السلام الذي يعني تخليها عن تلك الأراضي. ومما عزز من السياسة التوسعية لإسرائيل هو شعور الإسرائيليين بالتفوق العسكري على العرب بعد انتصارهم على الجيوش العربية في حرب حزيران 1967، وهذا أعطى القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل الشعور بالرضى بقدرة الجيش الإسرائيلي في إلحاق الهزيمة بالعرب مرة أخرى في حال إقدامهم على أية مغامرة عسكرية، مما ولد لديهم شعوراً بالغرور والغطرسة، ودفع بهم إلى التعنت والمماطلة، كانت إسرائيل مقتنعة بأن الزمن يعمل لصالحها، وأن لديها كل ما تربحه وليس لديه ما تخسره من خلال إطالة الوضع القائم .
وقائع الحرب
بدأت الحرب بهجوم مشترك ومفاجئ قام به الجيشان المصري والسوري ضد قوات الجيش الإسرائيلي في سيناء والجولان، كانت الحرب الأولى التي جاءت بقرار عربي على خلاف الحروب العربية – الإسرائيلية السابقة، سارت المعارك بشكل جيد لصالح القوات العربية على جبهتي القتال.

- أولاً: على الجبهة المصرية
حقق الجيش المصري انتصارات كبيرة في الأيام الأولى للحرب، وكانت الحرب مفاجأة شبه تامة لإسرائيل، إذ نجحت القوات المصرية في عبور قناة السويس، والانتشار على امتداد الضفة الشرقية من القناة، بعد تدمير المواقع والتحصينات العسكرية للجيش الإسرائيلي والتي كانت تعرف "بخط بارليف" ، خسر الجيش الإسرائيلي خلال المعارك خسائر فادحة في قواته ومعداته وآلياته وتحصيناته العسكرية وبخاصة في عمق شبه جزيرة سيناء، كما فقد سلاح الجو الإسرائيلي أعداداً كبيره من الطائرات الحربية.
في الأسبوع الأول للحرب، كانت إسرائيل على وشك الهزيمة ، طلبت إسرائيل مساعدات عسكرية عاجلة لتعويض الجيش الإسرائيلي عن الخسائر التي لحقت به في الحرب، سارعت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق "نيكسون" ببناء جسر جوي لإمداد الجيش الإسرائيلي باحتياجاته العسكرية من الدبابات والطائرات والصواريخ الذكية، عملت المساعدات الأمريكية على إنقاذ الجيش الإسرائيلي من هزيمة محتمة، ومكن القوات الإسرائيلية من وقف الهجوم المصري، ومن إحداث ثغرة في منطقة الدفر سوار، والعبور إلى الجانب الغربي من القناة، ومن الانتشار والتقدم جنوباً حتى السويس والإسماعيلية، وبالتالي حصار الجيش الثالث المصري .
أحدثت ثغرة الدفر سوار خلافاً حاداً بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية في مصر حول مسؤولية ما حصل، الرئيس المصري السادات أقال الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس الأركان، والذي من جانبه حمّل الرئيس السادات مسؤولية الفشل، واتهمه باتخاذ قرارات إستراتيجية خاطئة خلال الحرب أدت إلى وقف الهجوم المصري في سيناء، وفي فشل التصدي للقوات الإسرائيلية التي عبرت القناة، وأضاعت بالتالي فرصة الانتصار في الحرب .
- ثانياً: على الجبهة السورية
شنت القوات السورية هجوماً متزامناً مع الهجوم المصري ضد القوات الإسرائيلية على امتداد خط المواجهة في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وحققت تقدماً كبيراً، ودفعت بالقوات الإسرائيلية إلى ما وراء خط حزيران 1967، وإلى إخلاء الجيش الإسرائيلي للمستوطنين الإسرائيليين من الهضبة خلال أيام الحرب، ألحقت القوات السورية المهاجمة خسائر فادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي، ونجحت في ضرب مواقعه العسكرية المحصنة في الهضبة وتدميرها، وأسقطت له أعداداً كبيرة من الطائرات أنهت التفوق الإسرائيلي في سلاح الجو، والذي كان العامل الحاسم في انتصار إسرائيل في حرب حزيران1967، كما تمكن الجيش السوري من تحرير مدينة القنيطرة، وأيضاً جبل الشيخ ذو الأهمية الإستراتيجية، مع مراصده الالكترونية المتطورة .
غير أن سير المعارك في الأسبوع الثالث للحرب اتخذ مساراً مغايراً بعد وقف الهجوم المصري المفاجئ في سيناء، وكذلك الإمدادات العسكرية الهائلة التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب، إضافة إلى عامل الزمن الذي مكن الجيش الإسرائيلي من تعبئة قوات الاحتياط، جميعها أضعفت من تقدم الهجوم السوري، بل والانسحاب من كثير من المواقع التي تم تحريرها في الأسابيع الأولى من الحرب.

- ميزات الحرب
تميزت حرب 1973 بعدة مزايا، أهمها:
1- تحقق عنصر المفاجئة، إذ كان دوره حاسماً في تحديد نتائج الحرب، وذلك بفضل النجاح الذي تحقق في تمويه التحضيرات للحرب.
2- توفر الإرادة السياسية لدى القيادتين المصرية والسورية في إزالة آثار عدوان 1967، انطلاقاً من الاعتقاد "بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة".
3- الإعداد والتخطيط والتنفيذ الجيد من جانب القيادة العسكرية العربية خلافاً لكل التوقعات.
4- القدرة القتالية العالية لدى الجندي العربي في استخدام الأسلحة الحديثة وذات التقنية المتطورة.

- الموقف العربي
أظهرت الدول العربية تضامناً غير مسبوق في مواقفها الداعمة والمؤيدة للجهود الحربية لمصر وسوريا، فقد أرسلت دول عربية كالعراق والأردن والمغرب والجزائر والكويت والسعودية بقوات رمزية شاركت في القتال إلى جانب القوات العربية المحاربة على جبهتي القتال في سيناء والجولان، كما استخدم العرب ولأول مرة سلاح النفط، عندما قرر وزراء النفط العرب في اجتماعهم في الكويت بتاريخ 17تشرين أول 1973، تخفيض إنتاج النفط بنسبة (5%) خمسة في المائة شهرياً، حتى ينتهي الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967، وفي مقدمتها القدس، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي اليوم التالي قرر وزراء النفط العرب وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا بسبب مواقفهما المساندة لإسرائيل والمعادية للعرب .
انتهاء الحرب (القرار الدولي رقم 338):
أصدر مجلس الأمن الدولي في يوم 22 تشرين أول/ أكتوبر 1973 القرار رقم 338 دعا إلى وقف إطلاق النار بين القوات المتحاربة على الجبهتين في سيناء والجولان، وإلى تطبيق القرار الدولي رقم 242، والبدء الفوري في المفاوضات تحت إشراف مناسب من أجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، عكس القرار توافق القوتين العظميين على ضرورة إنهاء الحرب ووقف القتال، وتجنب امتدادها إلى حرب عالمية ثالثة.
ورغم موافقة إسرائيل على قرار وقف إطلاق النار، إلا أن القوات الإسرائيلية واصلت هجومها في غرب القناة، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إكمال محاصرة الجيش الثالث المصري، من جانبها رفضت سوريا القرار، وقررت مواصلة القتال حتى تحرير أراضيها المحتلة.

- مؤتمر جنيف الدولي للسلام حول الشرق الأوسط (كانون أول 1973)
انعقد المؤتمر تطبيقاً للقرار 338 تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، على مستوى وزراء الخارجية، فبالإضافة إلى وزيري خارجية الدولتين الراعيتين، حضر المؤتمر وزراء خارجية مصر والأردن وإسرائيل، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة كورث فالدهايم، رفضت سوريا المشاركة بسبب رفضها لمرجعية المحادثات على أساس القرار الدولي 242، على اعتبار أن القرار لا يدعو إلى الانسحاب الكامل إلى حدود 4 حزيران 1967، وكذلك لأنه يتجاهل الحقوق الفلسطينية، يذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية لم يتم دعوتها إلى حضور المؤتمر.
ولأول مرة في هذا المؤتمر جرت فيه مفاوضات بين دول عربية وإسرائيل تحت إشراف الدولتين العظميين في إطار مؤتمر دولي خارج إطار الأمم المتحدة، علماً بأن كافة القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والخاصة بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، بما فيها القرار الدولي 242، دعت إلى إجراء مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت رعاية الأمم المتحدة ووساطتها.
ومنذ عام 1973، أصبحت هناك حالة اقتران بين القرارين الدوليين 242 و 338، باعتبارهما المرجعية الوحيدة والمقبولة دولياً لعملية السلام في الشرق الأوسط، يأتي هذا التطور في مرجعية العملية السلمية منسجماً تماماً مع مساعي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في ضمان الرعاية الأمريكية للعملية السلمية في الشرق الأوسط وإنهاء أي دور للأمم المتحدة في رعاية تلك العملية.

- نتائج الحرب
انتهت حرب 1973 بنتائج هامة، يأتي في مقدمتها:
1- بدّدت الحرب الكثير من المفاهيم الخاطئة التي سادت بعد انتصار إسرائيل في حرب 1967، والتي جرى تضخيمها لأغراض الحرب النفسية، ومنها أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والصورة النمطية عن العرب بأنهم ضعفاء وعاجزون عن القتال.
2- عملت الحرب على تعزيز التضامن العربي الذي تجسد في ساحة القتال، وفي استخدام سلاح النفط، غير أن التطورات اللاحقة كشفت هشاشة ذلك التعاون، فمصر، تحت قيادة الرئيس السادات اتجهت نحو الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن قرار استخدام النفط كسلاح لم يكن موضع إجماع بين وزراء النفط العرب .
3- أحدثت الحرب حالة انفراج في التوتر بين القوتين العظميين ، مكنتهما من الاتفاق على مضمون القرار الدولي 338 بوقف إطلاق النار والبدء في رعايتهما لمفاوضات في إطار المؤتمر الدولي.
4- أظهرت الحرب خلافاً في المواقف بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، حيث عارضت دول أوربية كثيرة استخدام الطائرات الأمريكية لأراضي في تلك الدول في نقل المساعدات العسكرية لمساندة إسرائيل في الحرب، كما وجهت بريطانيا وفرنسا انتقادات لاذعة لواشنطن؛ لأنها تعرض العالم لحرب عالمية ثالثة هي والاتحاد السوفيتي، كما عارضت بريطانيا مشروع قرار أمريكي بوقف إطلاق النار في بداية الحرب، خشية تزايد ضغوط العرب باستخدام النفط .
5- كبدت الحرب إسرائيل خسائر فادحة كانت الأكبر بين حروبها السابقة مع العرب، مما دفعها إلى تشكيل لجنة تحقيق، ثم حملت مسؤولية الفشل للقيادتين السياسية والعسكرية، وأوصت باستقالة عدد من كبار الضباط في الجيش، وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان الأسبق "اليعازر" ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية واثنين من كبار مساعديه، ومع زيادة الغضب والتظاهرات الشعبية ضد الحكومة، قدمت رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير، ووزير دفاعها موشي ديان استقالتهما أيضاً.
6- أحدثت الحرب -إضافة إلى ضغوط شديدة مارستها أنظمة عربية كمصر- تغيراً في موقف القيادة الفلسطينية ودفعها إلى تبني إستراتيجية جديدة تسمح بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في العملية التفاوضية في إطار المؤتمر الدولي.
منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامج الحل المرحلي (برنامج النقاط العشر)
اجتمع المجلس الوطني الفلسطيني بدعوة من القيادة الفلسطينية في جلسة استثنائية عقدت في القاهرة في شهر حزيران 1974، وتبنى برنامجاً جديداً لمنظمة التحرير الفلسطينية، يقوم على مبدأ الحل المرحلي، ويتألف من عشر نقاط، أهمها :
1- التأكيد على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما فيها حق تقرير المصير والعودة.
2- التمسك بحق الفلسطينيين في النضال بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح.
3- إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين يتم تحريره أو الانسحاب منه.
عارضت بعض الفصائل الفلسطينية هذا التوجه الجديد للمنظمة، ورأت في البرنامج تراجعاً عن الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تبنته كافة الفصائل عام 1968، والذي تمسك بمبدأ التحرير الشامل من خلال الكفاح المسلح باعتباره وسيلة وحيدة للتحرير، شكلت مجموعة الفصائل المعارضة "جبهة القوات الفلسطينية الرافضة للحلول السلمية"، أو "جبهة الرفض" وفي مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي جمدت عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية .
المكاسب السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي:
إن التطور في موقف منظمة التحرير الفلسطيني، وقبولها بمبدأ المفاوضات السلمية في إطار المؤتمر الدولي، شهد العام 1974 ردود فعل عربية ودولية كان لها تداعيات كبيرة على القضية الفلسطينية وعلى مكانة منظمة التحرير الفلسطينية على الصعيد العربي والدولي.

- على الصعيد العربي

حظيت القيادة الفلسطينية وسياساتها الجديدة بدعم عربي كامل عندما أكد مؤتمر القمة العربي السابع الذي عقد في الرباط (المغرب) في شهر تشرين أول 1974 على:
"حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها" .
الأردن من جانبه، وعملاً بالقرار العربي، اتخذ قراراً بحل مجلس النواب الأردني الذي كان نصف أعضائه من الضفة الغربية.

- على الصعيد الدولي
حققت منظمة التحرير الفلسطينية انجازات سياسية كبيرة على الساحة الدولية في الأمم المتحدة، حين أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة التاسعة والعشرين (1974)، مجموعة قرارات داعمة للقضية الفلسطينية .
- ففي شهر تشرين أول 1974، أكدت الجمعية على أن الشعب الفلسطيني هو طرف أساسي في أية تسوية لحل القضية الفلسطينية، ودعت إلى ضرورة مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثل الشعب الفلسطيني في مناقشات الجمعية وأعمالها.
- كما تبنت الجمعية قراراً آخر يقضي بإعادة إدراج "قضية فلسطين" كبند مستقل في جدول أعمال الدورات العادية للجمعية بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على إلغائه.
- وفي الدورة نفسها، ألقى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بتاريخ 31/11/1974، كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فكان أول زعيم لحركة تحرير وطني يقوم بذلك، عرض فيها قضية فلسطين من كافة جوانبها التاريخية والسياسية، ودعا إلى إقرار المجتمع الدولي بالحقوق الفلسطينية وعلى رأسها حق تقرير المصير، وفي العودة، وإقامة سلطته الوطنية الفلسطينية المستقلة، وتأسيس كيانه الوطني على أرضه، كما أشار إلى حق الفلسطينيين بالنضال بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح. وفي ختام الكلمة ناشد الرئيس عرفات المجتمع الدولي بدعم التوجه الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما قال "جئتكم اليوم أحمل بندقية ثائر في يد، وغصن الزيتون في اليد الأخرى... فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
- بعد خطاب الرئيس عرفات تبنت الجمعية العامة القرارين 3236 و 3237، اللذان يعتبران من أهم القرارات التي تبنتها الأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

- القرار الدولي 3236 (22/11/1974)

أهم ما تضمنه القرار هو التأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومن ضمنها:
-  الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي.
-  الحق في السيادة والاستقلال الوطنيين.
-  حق العودة إلى الديار والممتلكات والتعويض.
-  الشعب الفلسطيني طرف رئيسي في إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
-  حق استعادة حقوقه بكافة الوسائل.
كانت تلك هي المرة الأولى التي تعترف فيها الأمم المتحدة لشعب تحت الاحتلال بحق المقاومة، بما فيها الكفاح المسلح كحق مشروع لإنهاء الاحتلال وتحقيق السيادة والاستقلال الوطنيين.

- القرار الدولي 3237 (22/11/1974):

في هذا القرار منحت الجمعية العامة منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في المنظمة الدولية، ودعتها إلى المشاركة في كافة دورات الجمعية العامة، وأعمالها بتلك الصفة، كما دعتها إلى المشاركة بالصفة نفسها في دورات وأعمال كل المؤتمرات الدولية التي تقام برعاية الجمعية العامة، أو برعاية هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة.

المبحث الثاني الحرب الأهلية اللبنانية (1975)

هي صراع دموي متعدد الأطراف والمراحل، دام لأكثر من خمسة عشر عاماً، تعود جذوره إلى تناقضات سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية عميقة ، إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية.

- حادثة عين الرمانة - بداية الحرب

اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عندما قام ملثمون من الميليشيات المسيحية، اثنان منهم من الكتائب اللبنانية بمهاجمة حافلة ركاب كانت تقل مدنيين فلسطينيين، في منطقة عين الرمانة، أحد أحياء مدينة بيروت، التي تقطنها أغلبية مسيحية، كانوا عائدين من مهرجان أقامته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهم في طريقهم إلى بيوتهم في مخيم تل الزعتر، قتل في الحادثة 30 فلسطينياً، وجرح آخرون جميعهم من ركاب الحافلة .
على إثر الحادثة وقعت اشتباكات مسلحة وعنيفة بين التنظيمات الفلسطينية والميليشيات المسيحية في العاصمة بيروت، وامتدت إلى كافة أنحاء البلاد، كانت تلك المواجهات بداية الحرب الأهلية في لبنان، والتي ارتكبت خلالها الجرائم بحق المدنيين من اللبنانيين والفلسطينيين على السواء، تمثلت في مجازر، وعمليات خطف، ورصاص قناصين من على سطوح الأبنية العالية التي كانت تتحكم في الطرق بكل الاتجاهات، وأقيمت المتاريس والحواجز من كل نوع وفي كل مكان، وتم عزل الأحياء التي تحولت إلى جبهات قتال، جرت خلالها عمليات تطهير طائفي، وقتل جماعي على أساس الهوية، عرفت "بحرب الأحياء" تم فيها تبادل إطلاق النار والقصف العشوائي بكافة الأسلحة الثقيلة من الصواريخ ومدفعية الهاون، وحتى المدفعية الثقيلة .
اتسمت الحرب الأهلية اللبنانية بالشراسة والعنف بكل ما يعنيه ذلك، ذهب ضحيتها أكثر من مئة ألف قتيل من اللبنانيين والفلسطينيين، وفاق عدد الجرحى ذلك العدد بثلاثة أضعاف، عدا عن الخسائر الاقتصادية الفادحة للبلاد.

- العوامل الممهدة للحرب

لم تكن حادثة عين الرمانة سوى الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان، بيد أن عوامل عديدة ساهمت في تأجيج حدة الصراع، وعملت على إطالته، من أهمها:

1- تزايد قوة منظمة التحرير الفلسطينية ونفوذها على الساحة اللبنانية، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن في عامي 1970و 1971، وكذلك تزايد النشاطات المسلحة للمنظمات الفلسطينية ضد إسرائيل.
2- تدهور العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، ويعود ذلك إلى:
أ. تزايد المواجهات بين قوات الجيش اللبناني وقوات الثورة الفلسطينية، حيث شهدت سنوات ما قبل الحرب، اشتباكات متقطعة، كان أعنفها الهجوم الواسع الذي شنه الجيش اللبناني في شهر أيار 1973، في محاولة للقضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان.
ب. المعاملة التمييزية ضد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، الذين عاشوا أوضاعاً سياسية ومعيشية كانت الأصعب بين التجمعات الفلسطينية الأخرى في الشتات، بسبب الإجراءات الأمنية والإدارية المشددة التي فرضت على المخيمات من قبل السلطات اللبنانية .
3- التركيبة الطائفية للحكومة والمجتمع.
أدت المواجهات بين قوات الجيش اللبناني وقوات الثورة الفلسطينية في سنوات ما قبل اندلاع الحرب الأهلية، إلى إذكاء الانقسامات الطائفية في مواقف الحكومة اللبنانية، وبين اللبنانيين أنفسهم، في كيفية التعاطي مع وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، وما نجم عنه من تدهور للأوضاع السياسية والأمنية في كافة أنحاء البلاد.
4- تشكيل الميليشيات الحزبية.
لم يكن الجيش اللبناني في وضع يسمح له القيام بالمهام المطلوبة منه، بسبب عوامل ضعف كثيرة منها: المعادلة الطائفية، والانشغال بالسياسة، وانتشار الفساد، إضافة إلى ضعف التنظيم والتسلح، ومن ثم لم يكن أمام الفئة الحاكمة، التي كانت تسيطر عليها الأحزاب المسيحية سوى اللجوء إلى تشكيل الميليشيات المسلحة لتقوم بالمهمة، كان من أشهرها وأقواها تحالف القوات اللبنانية بزعامة حزب الكتائب اللبناني الذي أسسه بيير الجميل، وتحالف الجبهة اللبنانية بزعامة حزب الوطنيين الأحرار الذي رأسه كميل شمعون، أظهرت تلك التحالفات التي سيطر عليها المسيحيون الموارنة مواقف عدائية ضد المقاومة الفلسطينية، التي رأت فيها تهديداً خطيراً لمصالحها ومقومات وجودها، كما تلقت تلك الميليشيات دعماً سياسياً وعسكرياً من جهات عربية وإسرائيل.
5- اليد الخفية لإسرائيل.
لعبت إسرائيل دوراً بارزاً في الحرب الأهلية في لبنان، كان لإسرائيل دوافع كثيرة في تغذية الفتنة وإذكاء الصراع والانقسامات في الساحة اللبنانية، لعل أهمها:

أ- ضرب الاقتصاد اللبناني، وإضعاف دوره الحضاري في المنطقة، حيث وصل لبنان إلى مستوى متميز بحكم موارده البشرية ذات الخبرات المتقدمة، وصلاته القوية مع الغرب ...

ب- زعزعة استقرار لبنان سياسياً وأمنياً، وإيجاد المناخ الملائم لاحتلال جنوب لبنان، بهدف فرض معاهدة سلام معه، والسيطرة على مياهه.

ج- إحداث خلخلة في التوازن الإقليمي لصالح إسرائيل، وذلك من خلال خلق قضية عربية جديدة، تضعف من عناصر القوة العربية، وتعمل على إشغالهم في تلك القضية، وتصرفهم عن المواجهة مع إسرائيل لتحرير الأراضي المحتلة، على غرار ما حصل في حرب 1973.

د- زعزعة الاستقرار الإقليمي في المنطقة، والعمل على تسميم الأجواء التي سادت في المنطقة، وإجهاض أية جهود دولية في إحياء العملية السلمية في إطار المؤتمر الدولي برعاية القوتين العظميين، فإسرائيل أبدت معارضة للتدخل الخارجي، وكانت تصر على مفاوضات مباشرة مع الدول العربية من جهة، كما أبدت إسرائيل قلقاً متزايداً من التوجه "المعتدل" للقيادة الفلسطينية التي أبدت استعدادها للمشاركة في المفاوضات السلمية من جهة أخرى.

هـ- توجيه ضربة للمقاومة الفلسطينية في لبنان لما تشكله من تهديدات لمصالحها الأمنية، بيد أن دوافع إسرائيل لضرب المقاومة الفلسطينية لم يكن أمنياً فقط، رغم ما شكلته المقاومة من تهديد أمني عليها، بل كانت إسرائيل تسعى إلى تهيئة الأجواء الأمنية والسياسية لاحتواء لبنان وإبعاده عن عمقه العربي، وتمكينه من الإبقاء على سياسته الخارجية التي اتسمت بالحياد تجاه قضايا المنطقة الإقليمية والدولية وعلى رأسها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما يفسر التعاون بين إسرائيل وميليشيات حزب الكتائب اللبناني واللتين جمعهما مصلحة مشتركة في ضرب المقاومة الفلسطينية، وإخراجها من لبنان على غرار ما حصل في الأردن.

- إستراتيجية إسرائيلية من شقين

تبنت إسرائيل لتحقيق أهدافها في لبنان إستراتيجية من شقين: الأول، يقوم على إغراق لبنان في حرب أهلية دموية ومدمرة من شأنها تحقيق هدفين في آن واحد:
1- خلق بيئة معادية لعمل المقاومة الفلسطينية في لبنان.
2- تشويه صورة النضال الفلسطيني، وبأن المقاومة الفلسطينية ليست في حقيقة الأمر سوى عملاً إرهابيا، يضع منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها في وضع حرج ، ويضعف من فرصة قبولها كشريك في العملية السلمية.

الشق الثاني من الإستراتيجية الإسرائيلية يقوم على تأمين دعم وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها طرفاً رئيسياً في رعاية العملية السلمية مع الاتحاد السوفيتي، في احتواء مكاسب المنظمة وعزلها دولياً، فإسرائيل وكثمن لموافقتها على اتفاقية فك الاشتباك الثانية مع مصر (1975)، توصلت إلى مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقع عليها وزيرا خارجية البلدين في شهر أيلول 1975، تلزم الإدارة الأمريكية بعدم إجراء أي حوار أو اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية طالما أبقت المنظمة على مواقفها الرافضة الاعتراف بإسرائيل، والقبول بقرار مجلس الأمن 242، والتخلي عن الإرهاب.
القضية الفلسطينية بين الحرب والسلام في الشرق الأوسط (1976-1979)
شهدت السنوات التي تلت اندلاع الحرب الأهلية في لبنان أحداثاً إقليمية ودولية كان لها تداعيات كبيرة على قضيتي الحرب والسلام في المنطقة، إضافة لأبعادها العميقة على القضية الفلسطينية.
الحدث الأول هو مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد في الرياض بتاريخ 16/10/1976 لبحث الأزمة في لبنان وسبل حلها.
الحدث الثاني هو توصل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي لبيان مشترك حول السلام في الشرق الأوسط في إطار المؤتمر الدولي بتاريخ 1/10/1977، والحدث الثالث هو زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل بتاريخ 19/11/1977م، والحدث الرابع العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان في شهر آذار 1978.

- أولاً: مؤتمر الرياض – 1976
عقد مؤتمر قمة سداسي طارئ بمبادرة من السعودية والكويت لبحث سبل حل الحرب الأهلية في لبنان، ضم السعودية ومصر وسوريا والكويت ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، لم يتوصل إلى بيان ختامي، ومع ذلك اتخذ المؤتمر القرارات التالية:
- وقف إطلاق النار والاقتتال نهائياً في كامل الأراضي اللبنانية مع التزام كافة الأطراف المعنية بذلك.
- تعزيز قوات الأمن العربية الحالية لتصبح قوات ردع داخل لبنان، وإعادة الحياة الطبيعية إلى لبنان.
- التعهد العربي، وتأكيد منظمة التحرير الفلسطينية على احترام سيادة لبنان ووحدته.
- توجيه الحملات الإعلامية بما يكرس وقف القتال وتحقيق السلام وتنمية روح التعاون والإخاء بين جميع الأطراف، والعمل على توحيد الإعلام الرسمي.

- ثانياً: البيان الأمريكي - السوفيتي المشرك (1/تشرين أول 1977):

أحدث فوز الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1976 تغيراً في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من العملية السلمية في الشرق الأوسط، يقبل بمبدأ السلام الشامل في إطار مؤتمر دولي برعاية مشتركة مع الاتحاد السوفيتي، ويشارك فيه كافة الأطراف المعنية، بما فيها الفلسطينيون، يذكر أن الرئيس كارتر كان أول رئيس أمريكي تحدث عن "وطن قومي" للفلسطينيين، باعتباره أحد متطلبات السلام في الشرق الأوسط.
نتيجة لهذا الموقف الجديد للإدارة الأمريكية، توصل وزيرا خارجية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي آنذاك بصفتهما راعيي مؤتمر جنيف الدولي حول السلام في الشرق الأوسط، إلى إعلان بيان مشترك بتاريخ 1/تشرين أول 1977، أكد البيان على النقاط التالية :
- الحاجة للتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع العربي الإسرائيلي، تشارك فيه كافة الأطراف، وتعالج كافة القضايا الرئيسية، بما في ذلك انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضٍ محتلة في صراع 1967، ودعا إلى حل المسألة الفلسطينية بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
- إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات سلام طبيعية على أساس الاعتراف المتبادل لمبادئ السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي.
- اتخاذ الإجراءات التي تضمن أمن الحدود بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، بما في ذلك إقامة مناطق منزوعة السلاح تتواجد فيها قوات مراقبين دولية.
- الوسيلة الفضلى والفعالة للتوصل إلى حل يكون من خلال المفاوضات في إطار مؤتمر جنيف حول السلام يشارك فيها ممثلون عن كافة الأطراف المعنية في الصراع، إضافة إلى ممثلين عن الشعب الفلسطيني.

- موقف الحكومة الإسرائيلية من البيان المشترك:

جاء رد فعل الحكومة الإسرائيلية على البيان المشترك سريعاً، ففي اليوم التالي لصدور البيان المشترك، أصدرت الحكومة الإسرائيلية بياناً انتقدت فيه البيان المشترك لأنه لم يأت على ذكر عبارة "معاهدة سلام" كما لا يشير إلى القرارين الدوليين 242 و 338، اللذان يشكلان المرجعية لعقد مؤتمر جنيف، واعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن توقيت البيان كان خاطئاً، لأنه جاء في فترة محادثات حول إحياء عقد المؤتمر الدولي، مما سيؤثر سلباً على مواقف الدول العربية ويجعلها أكثر تصلباً، كما انتقدت الحكومة الإسرائيلية الطلب منها الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 1967، باعتبار ذلك يتناقض مع المعنى الحقيقي للقرار 242 والمعروفة للجميع، إضافة إلى رفض الحكومة الإسرائيلية للمشاركة السوفيتية في العملية السلمية، وهو ما يتفق مع موقف مصر التي تفضل هي كذلك، الرعاية الأمريكية لتلك العملية .
أما بخصوص مواقف أطراف أخرى، فقد جاءت زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل في 19/نوفمبر 1977، بمثابة الرد العملي على البيان المشترك، وهو ما سيتم توضيحه في الآتي.

- ثالثاً: زيارة السادات لإسرائيل (19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977):

بعد أقل من خمسين يوماً على صدور البيان الأمريكي السوفيتي المشترك، الذي عكس وفاق الدولتين العظميين، ولأول مرة منذ انعقاد مؤتمر جنيف الدولي حول السلام في الشرق الأوسط في عام 1973، قام الرئيس المصري أنور السادات بزيارة إسرائيل في نهاية عام 1977، شكلت بداية الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم جاءت تلك الزيارة لتشكل وضع حد لحالة الوفاق الدولي، ونسف الجهود الدولية تجاه محاولة إحياء عقد المؤتمر الدولي للسلام، باعتباره الإطار الأكثر قبولاً لتحقيق السلام الشامل والعادل للصراع العربي الإسرائيلي، وقضية فلسطين تحديداً.
عكست الزيارة عزم الرئيس المصري على استعادة سيناء المحتلة بأي ثمن، حتى لو كان على حساب القضايا العربية، بما فيها قضية فلسطين، كما عكست توجهاً ثابتاً للسادات في الابتعاد عن الاتحاد السوفيتي، والتقرب من الولايات المتحدة الأمريكية اعتقاداً منه بأنها تمتلك كافة الأوراق في تحقيق السلام، أكدت الزيارة استعداد السادات للخروج عن الاجماع العربي، وسعيه إلى سلام منفصل مع إسرائيل .
تباينت الآراء حول زيارة السادات لإسرائيل، بعضهم نظر إلى أنها أتت منسجمة مع نمط الجهود الدبلوماسية للسادات، التي تعود إلى مبادرته في شباط 1971، التي تحدث فيها لأول مرة عن رغبته في التوصل إلى سلام مع إسرائيل، وفي العام نفسه قام السادات بإبعاد معارضي سياسته في الانفتاح الاقتصادي على الغرب، كما قام بطرد الخبراء والمستشارين السوفييت من مصر في العام التالي، وحتى حرب أكتوبر في عام 1973 يمكن النظر إليها كحرب تحريكية وليست تحريرية، إضافة إلى أن مصر السادات كانت مبادرة للعديد من التحركات الدبلوماسية فيها بعد الحرب، ولعل أبرزها قراره بزيارة إسرائيل في نوفمبر 1977.
محللون آخرون نظروا للسادات كضحية للابتزاز الأمريكي – الإسرائيلي، السادات كان جاداً في التوصل إلى سلام شامل ينهي الصراع مع إسرائيل، دون التخلي عن القضية الفلسطينية، أو الخروج عن الاجماع العربي، بيد أن التبدل في التحالفات الدولية، وتحديداً ابتعاده عن الاتحاد السوفيتي، جعله معتمداً أكثر فأكثر على الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع إسرائيل للتحرك نحو السلام، أصبح السادات أسير الموقف الإسرائيلي الذي جاء أكثر تشدداً، والموقف الأمريكي الأقل اهتماماً وتأثيراً، هذا الوضع أخل بميزان القوى ضد المصالح العربية، وأجبر السادات على القبول بسلام منفرد، بعد نفاذ الخيارات أمامه، وتحديداً استحالة خيار الحرب من موطن ضعف. السادات من وجهة نظر هؤلاء كان ضحية ولم يكن شريكاً كاملاً في المحادثات التي انتهت بمعاهدة سلام مع إسرائيل .

- رابعاً: الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان 1978

كانت إسرائيل هي الرابح الأكبر من وراء الحرب الأهلية في لبنان، إذ عملت الحرب على استعداء الرأي العام اللبناني ضد الفلسطينيين، وعلى تأزم علاقات المنظمة مع عدد من الحكومات العربية.
فمصر خشيت من التأثيرات السلبية للحرب الأهلية على جهود السلام، وسوريا من جانبها نظرت بخطورة إلى تعاظم النفوذ الفلسطيني على الساحة اللبنانية، وحكومات عربية أخرى أبدت قلقها من أثر التحالف الفلسطيني مع الحركة الوطنية اللبنانية، والتيارين القومي واليساري في زيادة النفوذ الشيوعي في المنطقة.
ومع ذلك، فقد عززت الحرب الأهلية من قوة منظمة التحرير الفلسطينية ونفوذها التي كانت لها الغلبة في الحرب، وأكسبت مقاتليها خبرة قتالية سواء في حرب المدن أم الجبال، في الوقت الذي ضعفت فيه قدرات الحكومة اللبنانية، والميليشيات الحزبية المسيحية، وكذلك الجيش اللبناني في إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح على الساحة اللبنانية، أو حتى كسر شوكة المقاومة الفلسطينية على أقل تقدير.
هيأت تلك الأوضاع أمام إسرائيل لشن عدوانها على الجنوب اللبناني في شهر آذار من عام 1978، فيما عرف "بعملية الليطاني" ، كانت تلك هي العملية الأولى التي اجتاحت فيها إسرائيل الأراضي اللبنانية.
احتلت إسرائيل جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، ودفعت بقوات المقاومة الفلسطينية المنتشرة في الجنوب إلى شمال النهر، بررت إسرائيل عدوانها بأنه جاء رداً على الهجمات التي شنتها التنظيمات الفلسطينية على شمال إسرائيل، جاء العدوان الإسرائيلي بعد 3 أيام من عملية "الطريق الساحلي" التي نفذتها وحدة من حركة فتح بقيادة دلال المغربي، أدت إلى مقتل 37 إسرائيليا وجرح 76 آخرين ، استمرت العملية الإسرائيلية حوالي سبعة أيام، وانتهت باحتلال إسرائيل الجنوب اللبناني وحتى نهر الليطاني، أقامت إسرائيل منطقة "حزام أمني" بعد أن أخرجت المقاومة الفلسطينية بعيداً عن حدود إسرائيل الشمالية وإلى شمال النهر، أوكلت إسرائيل جزءاً من مهمة الأمن في المنطقة التي احتلتها إلى ما سمي بجيش لبنان الجنوبي، بقيادة الضابط اللبناني المنشق سعد حداد.
نتائج الاجتياح:
شرعت الولايات المتحدة، منذ بدأ الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، في البحث عن صيغة لإرسال قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة التي احتلتها القوات الإسرائيلية، بهدف انسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية من الجنوب اللبناني، وإقامة منطقة عازلة خالية من المقاومة في جنوب لبنان، ونتيجة للدبلوماسية الأمريكية، اجتمع مجلس الأمن الدولي، وأصدر القرار رقم 425 والذي تضمن الدعوة إلى :
- احترام السلامة الإقليمية، والسيادة والاستقلال السياسي للبنان في حدوده الدولية المعترف بها.
- كذلك دعا إسرائيل إلى الوقف الفوري لعملها العسكري ضد لبنان، وسحب قواتها من الأراضي اللبنانية.
- تشكيل قوة مؤقتة تابعة للأمم المتحدة بهدف تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية، واستعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة الحكومة اللبنانية في استعادة سلطتها الفاعلة في المنطقة.
على إثر صدور القرار الدولي، انسحبت إسرائيل جزئياً لتمكن أفراد القوة الدولية "اليونيفيل" من العمل، التي اتخذت من مدينة الناقورة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مقراً لها، تعرض أفراد تلك القوة إلى هجمات مستمرة من كافة الأطراف.
اتفاقيتي كامب ديفيد (1978):
توصلت مصر وإسرائيل، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاقيتي إطار للسلام في الشرق الأوسط، وقعهما كل من رئيس مصر أنور السادات، ورئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغن، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية جيمي كارتر، في السابع عشر من أيلول عام 1978:

- الاتفاقية الأولى: إطار لمعاهدة سلام منفردة بين مصر وإسرائيل.

والثانية: إطار للسلام في الشرق الأوسط، ويتألف من قسمين: القسم الأول، يتعلق بحكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، والثاني، يتناول تطبيع العلاقات المصرية – الإسرائيلية، يعقبها اتفاقيات مشابهة بين إسرائيل وكل من الأردن وسوريا ولبنان.
جاء الربط بين الاتفاقيتين من أجل التأكيد ظاهرياً على أهمية الصلة التي توليها مصر بين سلامها المنفصل مع إسرائيل من جهة، وبين حل القضية الفلسطينية، وكذلك السلام مع الدول العربية الأخرى من جهة ثانية، بهدف تلافي الاتهامات بأن مصر تسعى إلى سلام منفصل ومنفرد مع إسرائيل.
أما إسرائيل فأرادت التأكيد على أن اتفاقية الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة، لا يلغي حقها بالمطالبة بالسيادة على "يهودا والسامرة" وقطاع غزة .
ألحق باتفاقيتي كامب ديفيد رسائل بشأن وضع القدس، وضح فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة لإسرائيل، في حين صرح الرئيس السادات أن القدس العربية هي جزء من الضفة الغربية، ويجب إعادتها إلى السيادة العربية، كذلك فقد أقر الرئيس الأمريكي كارتر أن بيغن أعلمه بأن إسرائيل تعتبر المصطلحات "الفلسطينيون" و "الشعب الفلسطيني" على أنها مصطلحات مطابقة "لعرب أرض إسرائيل" .
اتفاقية كامب ديفيد: "إطار للسلام في الشرق الأوسط حول الضفة الغربية وقطاع غزة" .
حددت اتفاقية الإطار الأطراف المشاركة في المفاوضات وهي مصر، وإسرائيل، والأردن، وممثلين عن الشعب الفلسطيني، بهدف التوصل إلى حل القضية الفلسطينية بكافة جوانبها، تجري على ثلاث مراحل:

- المرحلة الأولى: تبدأ بمفاوضات حول ترتيبات لإقامة سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، تتضمن تلك الترتيبات إجراء انتخابات تمكن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من اختيار ممثليهم في سلطة الحكم الذاتي. وفي المفاوضات حول تفاصيل الترتيبات الانتقالية، ستجري دعوة الأردن للمشاركة في المفاوضات على أساس الإطار، وهذه الترتيبات الجديدة يجب أن تعطي اعتباراً لمبدأ الحكم الذاتي "لسكان المناطق"، والاهتمامات الأمنية المشروعة للأطراف المعنية، بمعنى أن توازي بين الاعتبارات الفلسطينية، والاعتبارات الأمنية لإسرائيل.
المرحلة الثانية: وتبدأ بمفاوضات بين الأردن ومصر وإسرائيل للاتفاق حول نموذج إقامة سلطة حكم ذاتي منتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة، من الممكن أن يشارك فلسطينيون من الضفة الغربية وقطاع غزة في الوفدين من مصر والأردن، باتفاق متبادل.
في هذه المرحلة تدور المفاوضات بين الأطراف جميعها حول تحديد السلطات والمسؤوليات التي ستمارسها سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تسحب إسرائيل خلال هذه المرحلة قواتها المسلحة، وتعيد انتشار القوات المتبقية في مواقع أمنية جديدة، وستشمل الاتفاقية ترتيبات أخرى تضمن الأمن الداخلي والخارجي والنظام العام، ستنشأ لهذه الغاية قوات شرطة محلية قوية، وممكن أن تشمل مواطنين أردنيين، إضافة لقوات أردنية – إسرائيلية مشتركة تشمل دوريات مشتركة لضمان أمن الحدود.
المرحلة الثالثة: تبدأ مع السنة الثالثة من المرحلة الانتقالية، وتتناول المفاوضات حول الوضع النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة، والعلاقات مع دول الجوار، وكذلك التوصل إلى معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن مع نهاية الفترة الانتقالية.
الأطراف المشاركة في المفاوضات في هذه المرحلة هي مصر، واسرائيل، والأردن، والممثلين المنتخبين للسكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، تجري المفاوضات في مسارين منفصلين: الأول، مفاوضات رباعية بين الأطراف جميعها حول الوضع الدائم والعلاقات مع الجوار، والمسار الثاني، تجري فيه مفاوضات ثنائية بين إسرائيل والأردن، ينضم إليها الممثلون المنتخبون لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، حول معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل، تأخذ في الاعتبار الاتفاقية التي سيتم التوصل إليها حول الوضع الدائم للضفة الغربية وقطاع غزة.
المفاوضات في هذه المرحلة الأخيرة تستند إلى كافة نصوص قرار مجلس الأمن الدولي 242 ومبادئه، ومن أهداف المفاوضات كذلك وضع الحدود، وطبيعة الترتيبات الأمنية، مع الأخذ بالاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة في أي حل يتم التوصل إليه خلال المفاوضات، وبهذا يشارك الفلسطينيون في تقرير مستقبلهم من خلال:
1- مشاركة الممثلين المنتخبين في المفاوضات المتعددة حول الوضع النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة مع نهاية الفترة الانتقالية.
2- مصادقة الممثلين المنتخبين لسلطة الحكم الذاتي على الاتفاقيات التي سيتم التوصل إليها.
3- ترك الحرية للممثلين المنتخبين الفلسطينيين في تحديد الكيفية التي سيحكم فيها الفلسطينيون أنفسهم، وبشكل يتماشى مع نصوص الاتفاقيات.
4- الانضمام إلى المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والأردن حول معاهدة السلام بين الجانبين.
تضمنت اتفاقية الإطار أيضاً نصوصاً عديدة حول أخذ الترتيبات الضرورية لضمان أمن إسرائيل وجاراتها خلال الفترة الانتقالية، ومن ثم سيسمح لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني بتشكيل قوة شرطة محلية قوية تتشكل من السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون على ارتباط دائم في مسائل الأمن الداخلي، مع ضباط إسرائيليين ومصريين وأردنيين يجري تعيينهم لتلك الغاية.
كذلك تناولت اتفاقية الإطار قضيتي النازحين واللاجئين، فقضية النازحين تجري معالجتها من خلال لجنة رباعية تضم كافة الأطراف المشار إليها بهدف التوصل إلى اتفاقية نماذج قبول للأشخاص الذين نزحوا من الضفة الغربية وغزة في عام 1967، مع الأخذ في الاعتبار كافة الإجراءات الضرورية لمنع الإخلال بالأمن. أما قضية اللاجئين، فتتم معالجتها من خلال مفاوضات بين مصر وإسرائيل، وأية أطراف أخرى معنية، بهدف وضع آليات متفق عليها للتنفيذ العادل والدائم لحل مشكلة اللاجئين.
ملاحظات حول اتفاقية الإطار للسلام بشأن الحكم الذاتي الفلسطيني:
رغم أن اتفاقيات كامب ديفيد أشارت إلى الحاجة لمعالجة القضية الفلسطينية بكافة جوانبها، إلا أن نصوص الاتفاقيات تشير إلى تجاهل تلك الاتفاقيات لمجموعة من الحقائق، تظهر عدم جدية أطراف تلك الاتفاقيات، إسرائيل ومصر والولايات المتحدة في التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية يرقى إلى الأماني والطموحات السياسية للشعب الفلسطيني، ومن بين تلك الحقائق:
1- تجاهلت الاتفاقية مسألة الاعتراف بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، كما أقرتها قرارات الشرعية الدولية، ومن بينها الحق في تقرير المصير، والحق في السيادة والاستقلال الوطنيين، وحق العودة، واكتفت بالإشارة لفظياً إلى الأخذ بالاعتبار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومطالباته العادلة، دون تحديد لطبيعة تلك الحقوق والمتطلبات.
2- تجاهلت الاتفاقية ذكر منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كطرف وشريك رئيسي في أية عملية سلمية لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية تحديداً، ومعترف بها عربياً ودولياً.
3- تنكرت الاتفاقية بالكامل لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره بنفسه، واكتفت بالإشارة إلى حقه في المشاركة بتقرير مستقبله في إطار المحادثات الرباعية المتعددة، التي تشمل أيضاً إسرائيل.
4- لم تأت الاتفاقية على ذكر "معاهدة السلام" مع الفلسطينيين مثل معاهدات السلام مع الدول العربية الأخرى كمصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، بل حددت الاتفاقية بأن هدف المفاوضات مع الفلسطينيين هو تقرير الوضع النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة من خلال المفاوضات، بمعنى رفض إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ترتبط معها بمعاهدة سلام، بل تركت تحديد مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة مفتوحاً ليفسره كل طرف، بما في ذلك إسرائيل، كيفما يشاء.
5- لم تحدد الاتفاقية قضايا الوضع النهائي للضفة الغربية، وقطاع غزة، ومن ثم لم تأت الاتفاقية على ذكر قضايا مثل القدس والمستوطنات والمياه والحدود.
يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن كان ضمّن اتفاقيات كامب ديفيد رسالة ملحقة حول وضع القدس وضح فيها أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة لإسرائيل.
6- تنكرت الاتفاقية لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة والتعويض بما يتماشى مع القرار الدولي 194، واكتفت بمفاوضات ثنائية بين مصر وإسرائيل، ينضم إليها أية أطراف معنية لوضع آليات متفق عليها لتنفيذ حل عادل لمشكلة اللاجئين.

المبحث الثالث حرب لبنان 1982

- تقديم

شنت القوات الإسرائيلية عدواناً واسع النطاق على لبنان في السادس من حزيران 1982، لم يكن العدوان الإسرائيلي مفاجئاً، بل كانت القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل تعد لتلك الحرب منذ فترة.
فبعد تولي مناحيم بيغن زعيم حزب الليكود لرئاسة الحكومة في عام 1977، أعلن نيته في عدم التنازل عن الضفة الغربية المحتلة، معتبراً إياهاً جزءاً من أرض إسرائيل ، وعمل على تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السورية.
وفي سعيه لتحقيق أطماع إسرائيل التوسعية، وإحكام سيطرتها على الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، صرح بيغن أن إسرائيل ستعمل على اعتراف الدول العربية بها، إن لم يكن طوعاً، ومن خلال معاهدات سلام، فإنها ستنتزع ذلك الاعتراف بالقوة .
أهداف إسرائيل من الحرب
أرادت إسرائيل من وراء عدوانها على لبنان (1982) تحقيق عدد من الأهداف السياسية والأمنية، ومن أبرزها:
أولاً: إقامة معاهدة سلام مع لبنان، كان هذا بمثابة الهدف الأبعد للحرب، إن إقامة إسرائيل لمعاهدة سلام مع لبنان من شأنها تحقيق أهداف أخرى، منها:
- فصل لبنان عن محيطه العربي، فإسرائيل كانت تسعى إلى إعادة بناء لبنان كدولة مسيحية، أو دولة يسيطر عليها المسيحيون.
- طرد اللاجئين الفلسطينيين إلى خارج لبنان، وتوطينهم في الدول العربية المجاورة.
- إنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان، فإسرائيل أبدت خشيتها من التدخل السوري في الحرب الأهلية في لبنان، وأرادت من عدوانها على لبنان إحباط إقامة حكومة معادية مدعومة من سوريا.
ثانيا:ً توسيع إسرائيل لمنطقة "الحزام الأمني" الذي أوجدته في غزوها السابق عام 1978، وتقليل مساحة منطقة عمل قوات المقاومة الفلسطينية وتواجدها.
لم تتمكن قوات "اليونيفيل" الدولية من الحفاظ على الأمن والسلام، ولا من تمكين الحكومة اللبنانية من إعادة بناء سلطتها في الجنوب، كما تضمن ذلك قرار مجلس الأمن 425، فرغم ذلك استمرت المواجهات، مما دفع الإدارة الأمريكية في تموز 1981 إلى إرسال المبعوث فيليب حبيب في محاولة الوصول إلى اتفاقية لوقف النار بين لبنان وإسرائيل، وإنهاء كافة الأعمال العسكرية العدوانية على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
إن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في إنهاء تهديدات المقاومة الفلسطينية، وزيادة عملياتها من الجنوب، أصبح محرجاً لبيغن وحكومته وشكل ضغطاً على حكومته للعودة وتصحيح الأوضاع .
ثالثاً: ضرب البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو هدف يتوافق مع مشروع شارون في خلق نظام "جيو – سياسي" داخل إسرائيل وحول حدودها من جهة، وفي احتواء الوضع الدولي لمنظمة التحرير الفلسطينية، من جهة ثانية، خاصة أن وضع المنظمة أخذ يتعزز مع اعتراف المجموعة الأوروبية في بيان قمة البندقية في حزيران 1980، بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وحقهم في المشاركة، بممثلين عنهم، بما في ذلك، منظمة التحرير الفلسطينية، التي يجب إشراكها في المفاوضات، فإسرائيل رفضت الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، كما رفضت الاعتراف في المنظمة كممثل وشريك في مفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني في إطار اتفاقيات كامب ديفيد، وأصرت -كما أشرنا سابقاً- على إعطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حكماً ذاتياً محدوداً للسكان، يمكنها من الاحتفاظ بالضفة الغربية وغزة، وضمهما كجزء من أرض إسرائيل. لقد نما العدوان الإسرائيلي على لبنان من رحم محادثات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل حول الحكم الذاتي الفلسطيني، ففي عام 1981 أنشأت الحكومة الإسرائيلية، في نهاية محادثاتها مع مصر إدارة مدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، برئاسة مناحم ميلسون، تابعة للحكم العسكري الإسرائيلي، وذلك تمهيداً لإقامة سلطة الحكم الذاتي الانتقالي للسكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أنشأت إسرائيل في العام نفسه روابط القرى لتكون القيادة البديلة لرؤساء البلديات المنتخبين في الضفة الغربية (1976) وجميعهم من المناصرين لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، ستقضي على الأماني الفلسطينية في تقرير المصير، وسيجهز على مقاومة القيادة المحلية المنتخبة لرؤساء البلديات في الضفة الغربية أمام القيادة البديلة لروابط القرى.

- العوامل التي مهدت للعدوان الإسرائيلي على لبنان

تكاثفت مجموعة من العوامل ساعدت الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ قرارها بالعدوان على لبنان عام 1982، لعل أهمها:
1- اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980 سلب الأضواء بعيداً عن الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحضيرات إسرائيل للحرب.
2- مجيء الرئيس الأمريكي رونالد ريغان للسلطة في عام 1981، والمعروف بمواقفه المتطرفة والمعادية للاتحاد السوفيتي الذي طالما وصفه "بإمبراطورية الشر"، أعطى توجه الحكومة الإسرائيلية نحو الحرب دفعة قوية. يذكر أن الكسندر هيج، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، والمناصر القوي لإسرائيل في إدارة ريغان، لعب الدور الأكبر في إقامة التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة واسرائيل في عام 1981 .
3- أثرت معاهدة السلام الإسرائيلية - المصرية في عام 1979 بعمق في موازين القوى في المنطقة لصالح إسرائيل، وذلك بفقدان مصر لدورها المركزي في العالم العربي على الصعيدين السياسي والعسكري.
في الحقيقة لم يكن العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 مفاجئاً، بل كان متوقعاً حتى في إسرائيل، فسابقاً للحرب بثلاثة أشهر، كتبت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالاً تحت عنوان" حتمية الحرب" جاء فيه:
"خلف التبرير الرسمي بعدم التساهل مع القصف والعمليات الإرهابية، تكمن النظرة الإستراتيجية التي تقول أن القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن يتحقق ليس فقط من خلال قطع أصابع وأيدي المنظمة في الضفة الغربية (كما هو حاصل الآن من خلال القبضة الحديدية)، ولكن قلبها ورأسها في بيروت يجب التعامل معهما، وحيث أن إسرائيل لا تريد المنظمة كشريك في المحادثات، أو راعياً لأي حل في الضفة الغربية، فإن مؤيدي المواجهة مع المنظمة يقولون أن منطق استمرار المواجهة مع المنظمة في المناطق (الضفة الغربية) هو في لبنان، وبخسارة المنظمة لقوتها المادية من وجهة نظرهم، فإنها ستخسر ليس فقط سيطرتها على المناطق (الضفة الغربية) ولكن أيضاً وضعها الدولي المتنامي" .
إسرائيل في انتظار المبرر:
لم يعد غزو إسرائيل للبنان مفاجئاً البتة، وأصبح مسألة وقت ليس إلا، فمع بداية الثمانينيات لم يعد السؤال هل تغزو أو لا تغزو إسرائيل لبنان، بل متى؟ وكيف؟ إسرائيل كانت في انتظار المبرر.
تحولت إسرائيل إلى السياسة الهجومية، وأخذت تصعد من اتهاماتها للمقاومة الفلسطينية العاملة في لبنان بانتهاك وقف إطلاق النار أكثر من مرة، وأعلنت أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي، صرح رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي آنذاك، رفائيل ايتان "بأن الحرب على الإرهاب لا تعرف قيوداً أو قوانين" .
وجاء هذا الاستفزاز الأخير عندما قامت جماعة فلسطينية يتزعمها "أبو نضال" باغتيال السفير الإسرائيلي في لندن "شلومو آرغوف" في 3 حزيران 1982.

- معركة بيروت 1982

جاء رد إسرائيل سريعاً، ففي 6 حزيران 1982، قامت قوات إسرائيلية كبيرة باجتياح واسع للبنان، بتعليمات من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك شارون، أطلقت حكومة بيغن على تلك العملية "بعملية سلامة الجليل". ادعت الحكومة الإسرائيلية أن تلك العملية جاءت رداً على القصف الفلسطيني لشمال إسرائيل وإعادة المنظمة الفلسطينية لبناء قواتها في لبنان، وليس محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا ، كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن الهدف من "العملية" هو دفع قوات المنظمة لمسافة 40كم شمالاً، بيد أن الهدف غير المعلن تبين بعد أن تعرضت مدينتي صور وصيدا إلى تدمير كبير، وتم قصف العاصمة اللبنانية بيروت لمدة عشرة أسابيع، أدى إلى قتل عدد كبير من المدنيين.
كانت موازين القوى في الحرب تميل لصالح إسرائيل، فقد أظهرت المواجهات تفوقاً للقوات الإسرائيلية على القوات الفلسطينية والسورية في لبنان، حيث تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من إسقاط أعداد كبيرة من الطائرات الحربية السورية في معركة جوية شاركت فيها أكثر من 150 طائرة حربية من الجانبين السوري والإسرائيلي، كما تم تدمير معظم قواعد وبطاريات الصواريخ السورية المضادة للطائرات الموجودة في لبنان.
بعد حصار إسرائيل لبيروت، وقصفها المكثف لغرب العاصمة حيث تواجدت قوات كبيرة من المقاومة الفلسطينية، توصل فيليب حبيب، مبعوث الرئيس الأمريكي ريغان إلى لبنان، إلى اتفاقية حول خروج المقاتلين الفلسطينيين، الذين قدر عددهم بحوالي 14 ألف مقاتل، إلى خارج العاصمة بيروت، تحت إشراف قوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام، تشكلت من قوات أمريكية وفرنسية وإيطالية، كما قدم المبعوث الأمريكي تعهداً أمريكياً لمنظمة التحرير الفلسطينية بحماية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت بعد خروج المقاتلين منها، وبأن المدنيين الفلسطينيين من سكان تلك المخيمات لن يتعرضوا للأذى، غير أن القوات الأمريكية غادرت غرب بيروت قبل أسبوعين من انتهاء الفترة المتفق عليها بشهر بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين.
في 14 أيلول 1982، جرى اغتيال الرئيس اللبناني الجديد بشير الجميل (مسيحي ماروني، كان قائداً لميليشيات الكتائب التي أسسها ورأسها والده بيار الجميل، والمعروف بعدائه الكبير للفلسطينيين وللمقاومة، والتي ارتكبت ميليشياته أبشع المجازر بحق
الفلسطينيين خلال الحرب الأهلية اللبنانية).

- مجزرة صبرا وشاتيلا (17/أيلول 1982):

في اليوم التالي لاغتيال الجميل، سمحت القيادة العسكرية الإسرائيلية لوحدة اغتيال من ميليشيات الكتائب المسيحية الموالية لإسرائيل، قدرت بحوالي 150 مسلحاً بقيادة إيلي حبيقة، بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في غرب العاصمة اللبنانية بيروت، مدعية بوجود قوة متبقية من حوالي 2000 مقاتل فلسطيني في المخيمين.
ارتكبت الوحدة المهاجمة وتحت أعين الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يحاصرون المخيمين، ولا يبعدون بأكثر من 100-150 متراً عن حدود المخيمين، مجزرة راح ضحيتها أكثر من 3000 من سكان المخيمين الأبرياء والعزل. شكلت إسرائيل لجنة "كاهان" لتقصي الحقائق والتي حملت وزير الدفاع الإسرائيلي شارون مسؤولية غير مباشرة لفشله في منع وقوع المجزرة، أدت إلى استقالته كوزير للدفاع .

- نتائج حرب 1982

إن العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 أعقبه نتائج خطيرة فيما يخص الوضع الفلسطيني في لبنان، منها:
1- ضرب البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإخراج المقاومة الفلسطينية من الجنوب اللبناني ومن بيروت، ودفعت القوات الفلسطينية إلى إعادة تمركزها في سهل البقاع وفي شمال لبنان.
2- رفع الحماية عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين منها، مما عرض سكان تلك المخيمات لأعمال القتل والطرد والإهانة.
3- حدوث انشقاق داخل حركة فتح على خلفية التعديلات التي أدخلها الرئيس الراحل عرفات في قيادة الحركة بعد الانسحاب من بيروت، وكذلك إلى المعارضة القوية من قبل المنشقين المدعومين من سوريا لموقف الرئيس الفلسطيني من التقارب مع الأردن في السعي نحو التوصل إلى سياسة مشتركة تجاه المبادرات السلمية لحل الصراع.
4- تدهور العلاقات الفلسطينية-السورية الذي يعود في جانب منه إلى الخلافات في مواقف القيادتين الفلسطينية والسورية حول الجهود الأمريكية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
5- وقوع انقسامات بين التنظيمات الفلسطينية، ونشوب الاقتتال الداخلي بينها في أيلول 1983، بين مقاتلي حركة فتح من جهة، ومقاتلي التنظيمات الفلسطينية الأخرى المعارضة والمدعومة من سوريا، انتهت المواجهات بانتقال القيادة الفلسطينية إلى تونس، وبرحيل مقاتلي فتح إلى عدد من الأقطار العربية.
6- تعزيز النفوذ السوري في لبنان، على عكس ما هدفت وخططت له الحكومة الإسرائيلية، فالإتحاد السوفيتي قام بتزويد سوريا بما تحتاجه من أنظمة دفاع جوي، وصواريخ أرض- أرض، مكنها من العمل مع حلفائها في لبنان من تقويض المكاسب السياسية والعسكرية التي حققتها إسرائيل من عدوانها على لبنان.
7- فشلت الحكومة الإسرائيلية في التوصل إلى معاهدة سلام مع لبنان، والتي شكلت الهدف الأساسي لمغامرت ونفوذ ها العسكرية برمتها، فالرئيس اللبناني بشير الجميل، الصديق الحميم، والذي كان من المفترض أن يوقع على معاهدة السلام، تم اغتياله قبل توليه الرئاسة.
كما أن الاتفاقية التي وقعها الرئيس اللبناني الجديد أمين الجميل، شقيق الرئيس الراحل بشير الجميل، في 17/أيار 1983، لم يتم المصادقة عليها من قبل الحكومة اللبنانية، بضغط من سوريا، التي نظرت بخطورة إلى تلك الاتفاقية، ووصفتها بأنه "أخطر من كامب ديفيد" ، ومن ثم نجحت في إسقاطها.
8- خلق حالة من الإحباط لدى الإسرائيليين، وصفها بعضهم بمغامرة عسكرية فاشلة لم تحقق أي من أهدافها الإستراتيجية في لبنان، إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي لحقت بالقوات الإسرائيلية، والتي قدرت بحوالي 492 قتيلاً .
9- زيادة حدة الخلافات والانقسامات الحزبية الداخلية في إسرائيل، تلك الخلافات التي كانت سبباً وراء عدوانها على لبنان، لكنها بعد الحرب كانت سبباً في خروج رئيس الحكومة الإسرائيلية اليائس من التاريخ. ففي 28/آب 1983، أعلن بيغن استقالته بعد سنوات من العمل الحافل كرئيس وزراء وتركه للحياة السياسية، اعتقد بيغن خطأ أن إسرائيل تستطيع الخروج من لبنان "برمشة عين"، غير أنها بقيت حتى بعد عام من الاجتياح.
وفي الضفة الغربية، لم تجر الأمور كما كانت تشتهي إسرائيل، فلم تنجح في فرض الحكم الذاتي الذي خطط له بيغن وشارون في اتفاقيات كامب ديفيد، فمناحم ميلسون، رئيس الإدارة المدنية للحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، قدم استقالته في فترة الحرب، وبعده بعام، قدم مصطفى دودين، رئيس رابطة القرى التي أوجدتها إسرائيل استقالته أيضاً.
10- حدوث تقارب في العلاقات الفلسطينية - الأردنية، وهو ما سيتم إيضاحه تفصيلاً في الصفحات القادمة.

- المبادرات السلمية وموقف منظمة التحرير الفلسطينية منها:

أحدثت حرب لبنان (1982) وضعاً إقليمياً معقداً، دفع بجهات دولية وعربية إلى التقدم بمشاريع حول إقامة السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط، ومن أهم تلك المشاريع:
1. مبادرة الرئيس الأمريكي ريغان حول الحكم الذاتي الفلسطيني المرتبط بالأردن بتاريخ 1/9/1982.
2. مبادرة السلام العربية في قمة فاس المغربية حول الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967، بتاريخ 6/9/1982م.
3. مبادرة الرئيس السوفيتي "بريجنيف" حول المؤتمر الدولي للسلام بتاريخ 16/9/1982.
سنتناول في الصفحات القادمة دراسة تحليلية لهذه المبادرات السلمية الثلاثة، ثم نتعرض إلى موقف منظمة التحرير الفلسطينية منها، كما تجسد في قرارات الدورة 16 للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في شهر شباط 1983.
أولاً: مبادرة الرئيس الأمريكي ريغان (1982):
سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استغلال الواقع الميداني الذي نتج عن العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق في لبنان من أجل تحقيق إنجازات ومكاسب سياسية تمكن إسرائيل من تحقيق أهداف تلك الحرب.
فغداة انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من العاصمة اللبنانية بيروت، وانتشار قوات "المارينز" الأمريكية في غرب العاصمة، تطبيقاً للاتفاقية التي رعاها المبعوث الأمريكي فيليب حبيب، ألقى الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان" خطاباً في الأول من شهر أيلول 1982، حدد فيه الأسس التي تحكم التوصل إلى تسوية سلمية للصراع العربي - الإسرائيلي، وحل القضية الفلسطينية، أكد الرئيس الأمريكي أن السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط يتحقق من خلال:
- مفاوضات مباشرة بين كافة الأطراف يقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام، كما نص على ذلك قرار مجلس الأمن الدولي 242.
- الولايات المتحدة الأمريكية لها دور ومسؤولية خاصة، وأنها الوحيدة التي تتمتع بثقة، ومصداقية الأطراف للصراع.
- قبول الدول العربية بإسرائيل كحقيقة واقعة.
- المشاركة الواسعة في العملية السلمية من الأردن والفلسطينيين.
- الربط ما بين مصالح إسرائيل الأمنية، وبين الحقوق المشروعة للفلسطينيين.
- ترتيبات انتقالية لحكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتقرر من خلال مفاوضات مباشرة بين الأردن وإسرائيل على أساس القرار الدولي 242، مع الأخذ في الاعتبار ما يلي:
أ) السلام لا يتحقق من خلال دولة فلسطينية مستقلة في هذه المناطق، ولا من خلال ضم أو سيطرة دائمة لإسرائيل على تلك المناطق، بل من خلال التوصل إلى حل وسط.
ب) إن حل مسألة الحدود بين البلدين (إسرائيل والأردن) لا تتطلب بالضرورة انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المحتلة عام 1967م. وأن الانسحاب يكون بعمق السلام والتطبيع مع إسرائيل من ناحية، ومتطلباتها الأمنية من ناحية أخرى.
ج) رفض تقسيم مدينة القدس، والتي يجب أن تبقى موحدة دون تقسيم، غير أن وضعها النهائي يتقرر من خلال المفاوضات.

- ملاحظات حول المبادرة الأمريكية:

من الواضح أن المبادرة أغفلت عن عمد مسائل تشكل متطلبات أساسية لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة:
- إن أهم متطلبات السلام هو الاعتراف بكامل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، والاستقلال والسيادة الوطنيين، وحق العودة، وفقاَ لقرارات الشرعية الدولية.
- إن تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة يتطلب مشاركة كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، والمعترف بها عربياً ودولياً.
- إن تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة يتطلب الرعاية الدولية للمحادثات في إطار المؤتمر الدولي للسلام، وفق القرار 338.

- ثانياً: مؤتمر قمة فاس (1982):

عقد في مدينة فاس المغربية في 6/ أيلول 1982 مؤتمر قمة عربي، شاركت فيه تسع عشرة دولة، وتغيبت ليبيا، ومصر، أقر المؤتمر مشروع السلام العربي مع إسرائيل، الذي تضمن مبادئ إقامة السلام الشامل والعادل في المنطقة، أهمها :
- انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967.
- إزالة المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي التي احتلت بعد عام 1967.
- قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
- تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب في العودة.

- ثالثاً: مبادرة الرئيس السوفيتي "بريجنيف" (16 أيلول 1982):

أكد الاتحاد السوفيتي على دعوته لعقد مؤتمر دولي، كما ورد في مبادرة بريجنيف في شهر شباط من العام 1981، من أجل بحث أزمة الشرق الأوسط يشارك فيه جميع الأطراف المعنية، وهي الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية والعرب، ومنهم منظمة التحرير الفلسطينية- وإسرائيل. وبينت المبادرة شروط إحلال السلام في المنطقة، والتي تتضمن :
أ) انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967.
ب) الاعتراف بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة.
ج) تأمين سلامة جميع الدول في المنطقة، وسيادتها، بما في ذلك إسرائيل.
من الواضح أن الاتحاد السوفيتي كان يدعم الموقف العربي حول الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود 1967، إلا أنه يرى في عقد المؤتمر الدولي الوسيلة الملائمة لتحقيق وإقامة السلام العادل والشامل في المنطقة، كما أبدى الاتحاد السوفيتي رغبة في توسيع المشاركة في المحادثات لتشمل كذلك الدول الأوروبية إلى جانب الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بصفتهما راعيي مؤتمر جنيف للسلام.
قرارات الدورة 16 للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر (شباط 1983):
واجهت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أوضاعاً سياسية وميدانية صعبة بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت في شهر أيلول 1982. إذ تعرضت القيادة إلى انتقادات حادة من قبل فصائل فلسطينية معارضة، ومدعومة من سوريا، حول سعي الرئيس عرفات إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية في إطار الجهود الأمريكية.
رفضت القيادة الفلسطينية تلك الاتهامات، ورأت أنها محاولة تستهدف النيل من استقلالية القرار الفلسطيني، وأن المرحلة الدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، تستدعي التعامل مع الواقع بمرونة أكبر، وذلك من أجل حماية الحركة الوطنية الفلسطينية، وحماية مشروعها الوطني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى وإن اقتضى ذلك قبول فكرة الحل الانتقالي للقضية الفلسطينية في الأرض المحتلة عام 1967، بما في ذلك دولة فلسطينية لا تلعب المنظمة دوراً رئيسياً في قيادتها ، إن كان تحت إشراف الأمم المتحدة، أو مرتبطة بنوع من الإتحاد الكونفدرالي مع الأردن.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته السادسة عشرة في الجزائر في شهر شباط 1983، واتخذ عدداً من القرارات الهامة حول أكثر من صعيد :
فعلى الصعيد الفلسطيني:
أ- أكد المجلس على تعزيز الوحدة الوطنية بين فصائل الثورة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
ب- استمرار التمسك بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل وصيانته ومقاومة الضغوط التي تستهدف النيل من هذه الاستقلالية من أي جهة كانت.
وعلى صعيد العلاقات مع الأردن:
أ- أكد المجلس على العلاقات الخاصة والمميزة التي تربط الشعبين الأردني والفلسطيني، وضرورة العمل على تطويرها.
ب- الانطلاق من أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها.
ج- ضرورة أن تقوم العلاقة المستقبلية مع الأردن على أساس كونفدرالية بين دولتين مستقلتين.
أما على صعيد المبادرات السلمية، فقد أكد المجلس الوطني الفلسطيني موقفه منها على النحو التالي :
- رفضه لاتفاقيات كامب ديفيد وما يرتبط بها من مشاريع الحكم الذاتي، والإدارة المدنية.
- عبر المجلس عن تقديره وتأييده للمقترحات التي تضمنها مشروع الرئيس بريجنيف الصادر في 16/9/1982.
- اعتبر أن مشروع ريغان في نهجه ومضمونه لا يلبي الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني؛ لأنه يتنكر لحق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ويتناقض مع الشرعية الدولية.
ولذلك أعلن المجلس رفضه اعتبار الخطة الأمريكية أساساً صالحاً للحل العادل والدائم لقضية فلسطين والصراع العربي – الإسرائيلي.
- اعتبر المجلس قرارات قمة فاس "المشروع العربي للسلام" الحد الأدنى للتحرك السياسي للدول العربية الذي يجب أن يتكامل مع العمل العسكري بكل مستلزماته من أجل تعديل ميزان القوى لصالح النضال والحقوق الفلسطينية والعربية.
من الواضح أن المجلس الوطني الفلسطيني قد حاول البحث عن نقطة التوازن التي يتم عندها التوفيق بين مشروع السلام العربي في قمة فاس حول الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967، وبين مبادرة الرئيس الأمريكي ريغان حول الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمرتبط مع الأردن.
فقد اعتبر المجلس الوطني قرارات قمة فاس بأنها تشكل الحد الأدنى للتحرك السياسي العربي، وكذلك اعتبر مبادرة الرئيس الأمريكي في نهجها ومضمونها لا تصلح أساساً للحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، إلا أن المنظمة أبدت استعداداً لقبول نوع من العلاقة الاتحادية بين الأردن وفلسطين، بمعنى في إطار الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس في إطار الحكم الذاتي الفلسطيني، أي قبول المنظمة لمبدأ الاستقلالية في المبادرة العربية، ومبدأ الارتباط في المبادرة الأمريكية.
في هذا الإطار، فوض المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السادسة عشرة في الجزائر (1983)، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية باتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق التقارب مع الأردن، بهدف التوصل إلى صيغة مشتركة بينهما لدفع جهود التسوية الدولية لحل الصراع في المنطقة.

- التقارب الأردني - الفلسطيني

شهدت العلاقات بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية تحسناً ملحوظاً بعد انعقاد الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان في شهر تشرين ثاني 1984، فقد جاء انعقاد تلك الدورة بعد أحداث خطيرة شهدتها الساحة الفلسطينية خلال الثمانية عشر شهراً التي سبقت ذلك الاجتماع. وناقش المجلس الوطني ما خلفته تلك الأحداث من نتائج وآثار على وحدة النضال الفلسطيني، ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك محاولة مصادرة القرار الوطني المستقل، وتعطيل دور المؤسسات الشرعية في منظمة التحرير .
في تلك الدورة، ألقى الملك حسين خطاباً افتتاحياً تضمن المبادئ والأسس التي تقوم عليها العلاقة الفلسطينية الأردنية، أهمها التأكيد على وحدة الهدف والمصير، واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ومتحدثاً باسمه في كافة المجالات، وبحق الشعبين الأردني والفلسطيني في تحديد طبيعة العلاقات المميزة التي تربط بينهما، كما قدم مقترحات للتحرك المشترك مع منظمة التحرير الفلسطينية .
أكد المجلس في قراراته التي اتخذها على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية وسبل تعزيزها، وضرورة حماية المسيرة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في ممارسة النضال بكافة أشكاله وأساليبه من أجل إحقاق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
رفض المجلس محاولات اللجوء للسلاح، واستخدام العنف بهدف فرض نتائج معينة داخل صفوف الثورة، واعتبر تلك المحاولات خروجاً على مقررات الشرعية الفلسطينية، التي أكدت مبدأ الحوار الديمقراطي لحل الخلافات، كما أدان المجلس كافة المحاولات التخريبية التي هدفت إلى شق الصف الفلسطيني، والعمل على إيجاد قيادات بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية.
أكد المجلس تمسكه بوحدة المنظمة وشرعية مؤسساتها، وفق الأسس التالية:
1. الالتزام بالقرار الوطني المستقل.
2. الالتزام بالميثاق الوطني ومقررات المجالس الوطنية السابقة.
3. الالتزام بالمؤسسات الفلسطينية الشرعية والتمسك بالحوار الديمقراطي داخلها.
أما من جانب تطوير العلاقات مع الأردن، أكد المجلس الوطني على العلاقات الأخوية والمميزة التي تجمع بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وعلى ضرورة تمتين هذه العلاقات، وتنسيق الجهود للتحرك المشترك من أجل استعادة الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة.
دعا المجلس اللجنة التنفيذية لدراسة المقترحات التي تقدم بها الملك حسين في ضوء أهداف النضال الفلسطيني، ومقررات الدورتين الأخيرتين السادسة عشرة والسابعة عشرة، كما دعا اللجنة التنفيذية للمنظمة لمتابعة الحوار والتنسيق مع الأردن طبقاً لمقررات الشرعية الفلسطينية، ومع الالتزام بمقررات القمم العربية في الرباط وفاس، وخاصة المشروع العربي للسلام.
وفي الدورة نفسها، انتخب المجلس عبد الحميد السائح رئيساً للمجلس الوطني بدلاً من خالد الفاهوم، أحد مؤسسي منظمة التحرير، والمقرب من دمشق .

- اتفاق عمان (11 شباط 1985):

كان أول اتفاق لتحرك مشترك بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بهدف إعطاء المجال لمنظمة التحرير للمشاركة في العملية السلمية على أساس القرارين 242و338، وسحب الاتهام لها بالإرهاب، فالمنظمة لم تكن مقبولة دولياً، وكان ينظر إليها بأنها منظمة إرهابية، وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك مصلحة مشتركة للقيادتين الفلسطينية والأردنية للتوصل إلى هذه الاتفاقية.
القيادة الفلسطينية أصبحت بعد حرب 1982 أكثر استعداداً للمشاركة في تسوية سلمية على أساس قرارات الشرعية الدولية، بما فيها قراري 242 و338، وكانت الحكومة الأردنية على قناعة بأهمية المشاركة الفلسطينية في العملية السلمية، وأن السلام لا يتحقق دون مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب حثها على القبول بالقرار 242، من أجل تذليل عقبة مشاركتها في المؤتمر الدولي للسلام.
دعت الاتفاقية إلى تحرك مشترك لتحقيق تسوية سلمية للصراع في الشرق الأوسط، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك القدس، على أساس المبادئ التالية :
1- انسحاب كامل من الأراضي المحتلة عام 1967، مقابل سلام شامل وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
2- حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، يمارس الشعب الفلسطيني حقه الثابت في تقرير المصير، عندما يكون في مقدور الشعبين الأردني والفلسطيني فعل ذلك في إطار كونفدرالية مقترحة بين الدولتين الأردن وفلسطين.
3- حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
4- حل القضية الفلسطينية من كافة جوانبها.
5- على هذه الأسس، تجري مفاوضات سلمية تحت إشراف مؤتمر دولي تشارك فيه الأطراف المعنية كافة، بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أن تكون مشاركتها في المفاوضات في إطار (وفد أردني – فلسطيني مشترك).
ردود الفعل على الاتفاق
تباينت ردود الفعل على اتفاق عمان ، فالإدارة الأمريكية اعتبرته خطوة بناءة في معالجة النزاع العربي الإسرائيلي، لكنها ليست كافية. القاهرة رحبت بالاتفاق، واقترحت أن تبادر الولايات المتحدة إلى دعوة الوفد الأردني - الفلسطيني المشترك لإجراء حوار مع الولايات المتحدة كبداية وتمهيد لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بينما رفض الاتحاد السوفيتي رفض المقترح المصري، ووصفه بأنه مثير للدهشة؛ لأن غالبية الدول العربية تتبنى موقفاً مغايراً، أما الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق فقد أدانت الاتفاق باعتباره يتنكر لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وشنت حملة ضده، وضد صيغة الوفد المشترك، الذي أشار إليه الاتفاق، واعتبرت ذلك تفريطاً بالتمثيل الفلسطيني.
وكان رد فعل سوريا هو الأقوى، إذ حركت سوريا بعض وحداتها العسكرية بالقرب من الحدود الأردنية، وشجعت بعض فصائل جبهة الرفض على القيام بهجمات مسلحة ضد الجيش الأردني، وكذلك ضد أهداف إسرائيلية في منطقة الأغوار، بما في ذلك إطلاق قذائف صاروخية ضد المستوطنات الإسرائيلية، في الفترة نفسها جرى اغتيال فهد القواسمي (عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) في عمان.

- إلغاء الاتفاق

لم يدم اتفاق 11 شباط طويلاً، إذ أعلن الراحل الملك حسين عن إلغائه بعد عام واحد، عندما اتهم قيادة المنظمة بعدم الوفاء بالتزاماتها، على إثر ذلك قامت الحكومة الأردنية بإغلاق مكاتب منظمة التحرير في عمان، وطلبت من المسؤولين الفلسطينيين مغادرة عمان، بحجة أنه لم يعد هناك سبب لبقائها واستمرار عملها، وأن التعاون مع المنظمة لم يعد له ما يبرره. ويمكن إرجاع أسباب إنهاء الاتفاق إلى مجموعة من العوامل، أهمها:
1- المعارضة القوية داخل القيادة الفلسطينية، إذ أعلن الرئيس الراحل عرفات انسحابه من الاتفاق في اليوم التالي للتوقيع.
2- أزمة الثقة بين الجانبين الأردني والفلسطيني، فعلى الرغم من أن الأردن أوضح خلال المحادثات مع الفلسطينيين أن ليس له أطماع في الضفة الغربية، ولا ينوي منافسة المنظمة، إلا أن الفلسطينيين كانوا يخشون دور الأردن في الضفة الغربية، بسبب الدعم الذي كان يحظى به الأردن من الولايات المتحدة الأمريكية.
3- غياب الدعم العربي للاتفاق، فلم يجد قبولاً في الاجتماع الطارئ للقمة العربية في الرباط (المغرب) في آب 1985 (والذي تمت مقاطعته من قبل سوريا، ولبنان، وليبيا، والجزائر، واليمن) بل ركز على التحالف العربي مع خطة فاس (أيلول 1982).
4- سلسلة العمليات التي قامت بها مجموعات فدائية فلسطينية، مثل عملية اختطاف الباخرة الإيطالية "Achille Lauro" في عرض البحر المتوسط من قبل جبهة تحرير فلسطين بقيادة (أبو العباس)، ومهاجمة مكاتب شركة طيران "ال - عال" الإسرائيلية في مطار روما.
5- قصف طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي لمقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في الأول من تشرين أول 1985، مما تسبب في وقف التقدم في المبادرة السلمية.
6- التحسن في العلاقات الأردنية – السورية، إذ جرت محادثات بين مسؤولين في البلدين
– بوساطة سعودية – في أكتوبر 1985، تم الاتفاق بينهما على رفض أية حلول جزئية أو منفردة، مع الالتزام بخطة فاس، دون الإشارة إلى مبادرة السلام الأردنية – الفلسطينية. وفي شهر كانون الأول من نهاية عام 1985، التقى الملك حسين مع الرئيس حافظ الأسد في دمشق، أكدا في ذلك اللقاء على تحسين العلاقات بين البلدين، والحاجة لعمل عربي مشترك للتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط.
7- قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في كانون أول 1985 برفض التعامل مع القرار الدولي 242.
شكل قرار الأردن إلغاء اتفاق التحرك المشترك نهاية لتحسن العلاقات الأردنية – الفلسطينية، التي اتخذت مساراً مغايراً بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987.

المبحث الرابع الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987

اندلعت في التاسع من شهر كانون الأول/ ديسمبر 1987، بعد أربعين عاماً على النكبة التي تمثلت بضياع أرض فلسطين، وتشريد أهلها عام 1948، كما جاءت بعد عشرين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي لبقية أرض فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
بدأت الانتفاضة من مخيم جباليا، ومنه انتشرت إلى كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة، ومن ثم إلى الضفة الغربية، وكانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة قيام شاحنة عسكرية إسرائيلية بالاصطدام المتعمد بسيارة تقل عمالاً فلسطينيين من مخيم جباليا أثناء توجههم عبر معبر "ايريز" إلى أماكن عملهم داخل إسرائيل، أدت إلى سقوط 4 شهداء فلسطينيين، وجرح 7 آخرين. في اليوم التالي، وقعت مواجهات في المخيم بين الحشود التي كانت تشارك في الجنازة، وقوات الاحتلال الإسرائيلي، استشهد على إثرها فتىً فلسطينياً، فانتشرت الانتفاضة إلى كافة مدن وقرى ومخيمات الوطن .
والانتفاضة الفلسطينية وإن امتازت بعفويتها، فإنها لم تكن حدثاً عارضاً في التاريخ الفلسطيني، كما لم تكن مجرد ردة فعل على سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وممارساته القمعية ضد الفلسطينيين، بل هي هبة جماهيرية واعية لطبيعتها وأهدافها، تأتي تتويجاً لمسيرة طويلة من النضال الفلسطيني تعود لأكثر من 80 عاماً، سطر خلالها الشعب الفلسطيني أروع صور النضال والتضحيات، هي جزء من مسيرة نضال مستمرة هدفها الاستقلال والتحرر واستعادة الحقوق المغتصبة. المشاركة الجماهيرية الواسعة للشعب الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه وأماكن تواجده كانت الدليل القوي على وعي تلك الجماهير بطبيعة مسيرة نضالها الوطني وأهدافه.
وسائل المقاومة الشعبية
استخدم الفلسطينيون في مواجهة جنود الاحتلال الإسرائيلي وسائل متنوعة تتلاءم مع إدراك الفلسطينيين لإمكاناتهم وقدراتهم، وكذلك لواقعهم الذي يعيشونه كشعب أعزل يواجه قوات جيش احتلال مدجج بالسلاح.
استخدم الفلسطينيون وسائل مقاومة متجددة لها دلالات رمزية بهدف تجديد روح المقاومة لدى الفلسطينيين أنفسهم، فاستخدام الفلسطينيون "الحجر"، أكثر أسلحة الانتفاضة شهرة، وفعالية، كان يرمز إلى رفض الشعب الفلسطيني لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، والإصرار الشعبي على مواجهة الاحتلال، والعمل على إنهائه بكل ما يملك الشعب الفلسطيني من أدوات يمكن استخدامها، أو تقع بين يديه، استخدم الحجر بكثرة لقذف سيارات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين لدرجة أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عرفت باسم "انتفاضة أو ثورة الحجر"، كما أطلق على فتيان الانتفاضة "بأطفال أو جنرالات الحجارة"، استخدم الفلسطينيون وسائل مقاومة غير تقليدية أخرى إلى جانب الحجارة، مثل المقاليع والزجاجات الحارقة "المولوتوف" والإطارات المشتعلة والعوائق كالمسامير وغيرها ، وهي جميعها تعبر عن المقاومة بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وشهدت الأراضي الفلسطينية مسيرات وتظاهرات جماهيرية حاشدة ضد قوات الاحتلال في كافة المدن والقرى والمخيمات.
ولجأ الفلسطينيون إلى استخدام وسائل مقاومة لاعنفية اشتملت على أنواع مختلفة من "العصيان المدني الوطني"، كالدعوة للاضرابات التجارية والعمالية، والامتناع عن التعامل مع الإدارة المدنية للحكم العسكري الإسرائيلي، ودعوة العاملين في الإدارة المدنية للاستقالة، من باب تنظيف البيت الفلسطيني، وكذلك الدعوة لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية.
إن الدلالات الرمزية لاستخدام الفلسطينيين لمثل هذه الوسائل في مقاومة الاحتلال، لا تكمن فقط فيما تلحق تلك الوسائل من أضرار في الاقتصاد الإسرائيلي، أو في زيادة تكلفة الاحتلال، وإنما تكمن في معانيها التي تهدف بالأساس إلى تعزيز الصمود والانتماء الوطنيين، وذلك من خلال تنمية الشعور والحس الوطني لدى الفرد الفلسطيني بضرورة التخلص من حالة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي والعمل على استعادة الكبرياء الوطني، والانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي في إطار السعي نحو الاستقلال والحرية.
لم تكن الانتفاضة في مجملها مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، بل كان الجزء الأكبر منها يأتي في إطار معركة التحرر والبناء، وما قد يكون الوجه غير المرئي للانتفاضة، فمع ازدياد المعاناة الفلسطينية، وخاصة الضائقة الاقتصادية الناتجة عن فقدان الدخل نتيجة الإضرابات، ومقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، أخذت العائلات الفلسطينية في تطوير اقتصادياتها المنزلية في محاولة الاعتماد على الذات من خلال الزراعة المحلية للخضروات والمحاصيل، وكذلك تربية الدواجن... الخ، إضافة إلى التعليم الشعبي، الذي جعل البيوت الفلسطينية حصناً من حصون مواجهة سياسة الاغلاقات الإسرائيلية للمدارس والجامعات.
كما أن وسائل المقاومة الشعبية التي هدفت إلى زيادة تكلفة الاحتلال، أخذت في الاعتبار ليس فقط التكلفة المادية، وإنما التكلفة المعنوية كذلك، سواء من خلال أثر تلك المواجهات على نفسيات جنود الاحتلال، أو على آثارها المدمرة لصورة إسرائيل في الخارج، وأمام الرأي العام العالمي تحديداً.
الممارسات القمعية للاحتلال الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة
استخدم الجيش الإسرائيلي ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة قوة مفرطة في مواجهة الفلسطينيين، مارس خلالها أبشع الأساليب القمعية في تفريق التظاهرات السلمية بقنابل الغاز المسيل للدموع، وبالرصاص الحي، وبالرصاص المطاطي أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والمصابين.
وهددت قيادة الجيش الإسرائيلي باستخدام كل ما يلزم لوقف الانتفاضة التي وصفتها بأنها من عمل نشطاء محليين يعملون لصالح "المنظمات الإرهابية" في الخارج من أجل تصعيد الوضع الأمني في "المناطق" وأنها لن تسمح لتلك الأقلية المحرضة من التحكم بالأغلبية الواسعة التي تريد العيش بهدوء .
الارتفاع العالي في معدلات القتل والإصابات تعود إلى إطلاق الجنود الإسرائيليون الرصاص الحي بشكل عشوائي، مما أدى إلى قتل وإصابة ليس فقط المتظاهرين ولكن المارة والجالسين في بيوتهم أيضا.
يمكن التمييز بين نوعين من السياسات والوسائل التي استخدمها الاحتلال ضد الفلسطينيين في محاولة قمع الانتفاضة :
1. سياسات وممارسات قمعية تنتهك حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وبصفة خاصة قيام الجيش الإسرائيلي:
أ- بإطلاق النار مما أدى إلى مقتل وجرح مدنيين فلسطينيين عزل.
ب- حملات اعتقال واسعة كانت تجري من بيت إلى بيت.
ج- التوقيف الإداري دون محاكمة أو توجيه تهم.
د- إبعاد عشرات النشطاء تحت ذرائع أمنية.
هـ- الضرب المتعمد والممنهج بالعصي وأعقاب البنادق وتكسير العظام.
و- حملات اغتيال ضد نشطاء فلسطينيين من قبل ما سمي "بفرق الموت" أو
"المستعربين".
2. سياسات وممارسات عقابية جماعية ضد المدنيين، من بينها:
أ- الإغلاق المتكرر لمناطق فلسطينية وإعلانها مناطق عسكرية مغلقة.
ب- فرض منع التجول الذي كان يمتد أحياناً لأيام وأسابيع.
ج- إغلاق مؤسسات فلسطينية عامة وأهلية، لفترة غير محددة، كالجامعات والمعاهد
والمدارس، والجمعيات الخيرية.
د- هدم وإغلاق البيوت التي كانت تنفذ دون إجراءات قضائية.
هـ- فرض الحصار على التجمعات السكانية الفلسطينية، ومنعهم من حرية التنقل بهدف
عرقلة وصولهم إلى أعمالهم ووظائفهم وأراضيهم.
و- قطع الأشجار أو تدميرها، وإتلاف المحاصيل الزراعية.
اغتيال القائد خليل الوزير (أبو جهاد)
في محاولة يائسة لاغتيال الانتفاضة، قامت وحدة إسرائيلية خاصة من الاستخبارات العسكرية، بتاريخ 16/4/1988م بعملية اغتيال للقائد الكبير أبو جهاد، من مؤسسي حركة فتح الأوائل، وذلك للدور الكبير الذي لعبه في توجيه الانتفاضة وتنظيمها، شارك وأشرف على إعداد وتنفيذ عملية الاغتيال عدد من كبار العسكريين الإسرائيليين، من بينهم اللواء أيهود باراك (الذي أصبح في فترة لاحقة رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وكذلك رئيساً للوزراء في عام 1999). واللواء أمنون شاحاك (الذي أصبح هو الآخر رئيساً لهيئة الأركان).
ورغم نجاح عملية الاغتيال، إلا أنها فشلت في تحقيق الهدف الرئيسي وهو وقف الانتفاضة، بل شكلت العملية وقوداً إضافياً للانتفاضة، فما أن انتشر الخبر حتى شهدت الأراضي المحتلة أعنف التظاهرات والمواجهات منذ اندلاع الانتفاضة، انتهت، في يوم واحد، باستشهاد سبعة عشر مواطناً، بينهم ثلاث نساء .

- رد الفعل الدولي: قرار مجلس الأمن الدولي رقم 605 (1987)

عملت الانتفاضة الفلسطينية على زيادة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، كما أن سياسة إسرائيل وممارساتها القمعية ضد الفلسطينيين عرضها إلى انتقادات من الأمم المتحدة والعالم، فبعد أقل من أسبوعين من بداية الانتفاضة، وبتاريخ 22/ كانون الأول 1987، ناقش مجلس الأمن الدولي تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودرس الحاجة إلى إجراءات لحماية المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال، إذ أدان مجلس الأمن الدولي في قراره 605 بشدة السياسات والممارسات الإسرائيلية باعتبارها تنتهك حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وأكد أن ميثاق جنيف الخاص بحماية المدنيين زمن الحرب (1949)، تنطبق على الأراضي الفلسطينية والعربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس، ودعا إسرائيل إلى الالتزام بتلك الاتفاقية واحترام نصوصها، وأكد القرار الدولي على الحاجة الماسة إلى التوصل إلى تسوية سلمية عادلة ودائمة للصراع العربي الإسرائيلي .

- مؤتمر القمة العربي لدعم الانتفاضة - الجزائر (حزيران 1988)
وضعت الانتفاضة حداً للتجاهل العربي للقضية الفلسطينية، وذلك بعد سنوات من الإهمال والانشغال بالحرب العراقية - الإيرانية، وبذلك تكون الانتفاضة قد وضعت القضية الفلسطينية على الساحة العربية، وشدت العرب على طريق التضامن، ففي شهر حزيران 1988، انعقد في الجزائر مؤتمر قمة عربي طارئ لدعم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وتعزيز فعاليتها وضمان استمراريتها، فطالب المؤتمر بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة، كما طالب بتجديد الالتزام بتطبيق أحكام مقاطعة إسرائيل، وإدانة السياسة الأمريكية المشجعة لإسرائيل في مواصلة عدوانها وانتهاكاتها .

- مزايا الانتفاضة

امتازت الانتفاضة الفلسطينية الأولى بعدة ميزات، أهمها:
1. المشاركة الشعبية الواسعة، وخاصة في الشهور الأولى للانتفاضة التي شهدت مسيرات وتظاهرات جماهيرية حاشدة جرت في كافة أنحاء الوطن.
2- وحدة وتضامن الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وذلك بوقوف فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 مع أشقائهم في الضفة والقطاع، وكذلك تلاحم فلسطينيي الداخل والخارج.
3- عفوية الانتفاضة واستمراريتها، فهي لم تكن وليدة قرار خارجي ، كما أن استمراريتها قد فاقت كل التوقعات.
4- تحويل مركز ثقل القرار السياسي الفلسطيني من الخارج إلى الداخل.
5- الانتشار الواسع لظاهرة قتل العملاء والمتعاونين مع الاحتلال وملاحقتهم.
قيادة الانتفاضة
جرى تنظيم فعاليات الانتفاضة من قبل لجان وطنية وشعبية عملت تحت مظلتين منفصلتين:
الأولى: هي القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، ائتلاف ضم أربعة فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية هي: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني.
الثانية: هي الحركات الإسلامية التي تمثلت في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامي.

- نتائج الانتفاضة

حققت الانتفاضة عدداً من الانجازات الهامة للفلسطينيين ولقضيتهم، ومنها:
1- تعزيز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم في مواجهة قوات الاحتلال، معتمدين على قدراتهم وإمكانياتهم الذاتية، دون الاتكال على آخرين، كما كان عليه الحال سابقاً.
2- بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية، فأصبحت القضية الفلسطينية قضية شعب له حقوقه الثابتة التي يجب أن تحترم.
3- أعادت الانتفاضة رسم الحدود السياسية لفلسطين مع إسرائيل والأردن :
- فبالنسبة لإسرائيل، وضعت الانتفاضة نهاية لأطماع الأحزاب الصهيونية المتطرفة حول ضم الأراضي المحتلة تحت مقولات وحجج دينية وتاريخية، بهدف تحقيق أطماعهم في إقامة "إسرائيل الكبرى". كما وضعت نهاية لأحلام الأحزاب اليسارية الصهيونية وطموحاتها كحزب العمل حول "الخيار الأردني" ومقولات التقاسم الوظيفي مع الأردن وغيرها.
- وبالنسبة للأردن، دفعت الانتفاضة القيادة السياسية في الأردن إلى إعادة النظر في العلاقات الوحدوية بين الأردن وفلسطين، وإلى الإعلان في نهاية تموز 1988 عن قرار فك الارتباط الدستوري والإداري مع الضفة الغربية.
4- زادت الانتفاضة من تعاطف وتأييد الرأي العام العربي والعالمي مع الفلسطينيين وقضيتهم، وفي المقابل أحدثت الانتفاضة أضراراً كبيرة في صورة إسرائيل وسمعتها دولياً، بسبب ممارساتها القمعية والوحشية ضد الفلسطينيين.
5- نجحت الانتفاضة في تنظيف البيت الفلسطيني من العملاء الذين أفرزهم الاحتلال.
6- أعادت الانتفاضة لمنظمة التحرير الفلسطينية مكانتها ودورها على الساحتين العربية والدولية، ومكنت القيادة الفلسطينية للمنظمة من وضع تصورها السياسي المستقبلي، وهو ما اتضح في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر في شهر تشرين ثاني 1988، التي تم فيها الإعلان عن وثيقة الاستقلال، وتبني المجلس للمبادرة الفلسطينية للسلام.
7- أعادت الانتفاضة الأولوية الدولية للقضية الفلسطينية، وضرورة إيجاد حل لها، وأصبحت على رأس النزاعات الإقليمية في العالم.

- دورة الانتفاضة والاستقلال الوطني/ الجزائر (1988)
أحدثت الانتفاضة الفلسطينية تحولاً كبيراً في موقف القيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير من مشروع الاستقلال الوطني الفلسطيني، خاصة بعد قرار الحكومة الأردنية فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في شهر تموز 1988. فدعت القيادة الفلسطينية إلى عقد دورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني من أجل وضع تصور سياسي مستقبلي لمشروع الاستقلال الفلسطيني، عقدت الدورة في الفترة ما بين 12-15/ تشرين الثاني 1988 في الجزائر، وسميت بدورة الانتفاضة والاستقلال الوطني.
اتخذت الدورة (التاسعة عشرة) عدداً من القرارات الهامة، منها:
1. إعلان قيام الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية (1967) وعاصمتها القدس الشريف.
2. توفير كل الوسائل والإمكانيات لتصعيد الانتفاضة الفلسطينية واستمراريتها.
3. التقدم بمبادرة سلام فلسطينية لحل الصراع العربي – الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية.
4. تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين.

-  أولاً: إعلان قيام الدولة الفلسطينية (وثيقة إعلان الاستقلال):

أعلن المجلس الوطني الفلسطيني، في 15/ تشرين الثاني 1988 وثيقة إعلان الاستقلال التي نصت على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشريف.
أسندت الوثيقة قيام دولة فلسطين إلى:
- الحق الطبيعي والتاريخي للشعب الفلسطيني في وطنه.
- تضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله.
- قرارات القمم العربية.
- قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947.
أشارت الوثيقة كذلك إلى الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده وحرمانه من حقوقه الوطنية الثابتة، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، إثر القرار الدولي رقم 181 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 1947، والذي دعا إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية، ودولة عربية، ومع ذلك، فقد اعتبرت الوثيقة أن هذا القرار ما يزال يوفر شروطاً موضوعية للشرعية الدولية تضمن حق الشعب الفلسطيني بالسيادة والاستقلال.
وعن طبيعة الدولة الفلسطينية المعلنة، أكدت الوثيقة أنها دولة ديمقراطية، تنتمي للوطن العربي، ملتزمة بمواثيق الأمم المتحدة وبالسلام العادل والشامل.
الوثيقة اعتبرت بمثابة ميثاق جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ومن ضمنها قرار التقسيم رقم 181، وقرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين رقم 194.
أكدت الوثيقة تمسك المنظمة الفلسطينية بمبادئ الأمم المتحدة، وحل الصراعات الدولية بالطرق السلمية. وأولت الوثيقة أهمية خاصة للتراث الفلسطيني باعتباره أحد المكونات الأساسية للهوية الوطنية، ونادت بضرورة الحفاظ على التراث الفلسطيني.
كما أرست الوثيقة أساس النظام السياسي الفلسطيني وفلسفتة، القائم على الديمقراطية والتعددية، والمساواة واحترام مبادئ وحقوق الإنسان، فقد حددت الوثيقة طبيعة هذا النظام، ووصفته نظام برلماني ديمقراطي، يحترم حرية الرأي، وتكوين الأحزاب السياسية وحرية المرأة، ويرسخ سيادة القانون.

- ثانياً: تصعيد الانتفاضة واستمراريتها:

أكد المجلس الوطني الفلسطيني في هذا المجال على:
أ- توفير كل السبل والإمكانيات لتصعيد الانتفاضة وضمان استمراريتها.
ب- دعم المؤسسات والمنظمات الجماهيرية العاملة في الأراضي المحتلة.
ج- تقوية اللجان الشعبية والأطر النقابية المختلفة ودعمها.
د- ترسيخ الوحدة الوطنية التي جسدتها الانتفاضة.
هـ- العمل على إطلاق سراح المعتقلين وعودة المبعدين، ووقف ممارسات الاحتلال القمعية ضد الشعب الفلسطيني.
و- وضع الأرض الفلسطينية تحت إشراف دولي لحماية الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ز- دعم الجماهير الفلسطينية في الشتات للانتفاضة وتكثيف الجهود لاستمراريتها.
ح- زيادة الدعم السياسي والمادي والإعلامي العربي الرسمي والجماهيري للانتفاضة.
ط- دعوة الأحرار والشرفاء في العالم للوقوف مع الجماهير الفلسطينية، ودعم انتفاضتهم المباركة.

- ثالثاً: المبادرة الفلسطينية للسلام (1988):

أطلق المجلس الوطني الفلسطيني في الدورة (19) في الجزائر مبادرة تسوية سياسية شاملة للصراع العربي – الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، في إطار مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة، وبمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وجميع أطراف الصراع في المنطقة، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حددت المبادرة أن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة يقوم على الأسس التالية:
1. محادثات تحت رعاية دولية على أساس قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و 338، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ووفق قرارات الشرعية الدولية.
2. انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ العام 1967، بما فيها القدس العربية.
3. إلغاء جميع إجراءات الضم والإلحاق، وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والعربية منذ عام 1967م.
4. حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن.
5. أن العلاقة المستقبلية بين دولتي الأردن وفلسطين ستقوم على أسس كونفدرالية.
رابعاً: قرار تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين:
قرر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة الطارئة ما يلي:
1. تشكل حكومة مؤقتة لدولة فلسطين في أقرب وقت ممكن، وبما يتماشى مع تطور الظروف والأحداث.
2. تكلف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتشكيل الحكومة المؤقتة وبعرضها على المجلس المركزي لنيل ثقته.
3. يتم تشكيل الحكومة المؤقتة من فعاليات فلسطينية من داخل الوطن وخارجه، وعلى أساس التعددية السياسية، وبما يرسخ الوحدة الوطنية.
4. تحدد الحكومة المؤقتة برنامجها السياسي على أساس وثيقة الاستقلال والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقرارات المجالس الوطنية.
5. تفوض اللجنة التنفيذية للمنظمة بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لحين موعد تشكيل الحكومة.

- ردود الفعل الدولية
شكلت قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في الدورة (19) في الجزائر 1988، تطوراً كبيراً في موقف منظمة التحرير الفلسطينية، من حيث قبول قيام الدولة الفلسطينية في حدود 1967، ومن منطلق أن السلام القائم على أساس قراري 242 و338 هو الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه وإقامة دولته.
وبسبب التغيير الكبير في الموقف الفلسطيني، اعترفت الأمم المتحدة بفلسطين، وأصبح العضو المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة مراقب فلسطين، كما اعترفت العشرات من دول العالم بدولة فلسطين، وتحولت مكاتب وممثليات المنظمة إلى سفارات لدولة فلسطين في أكثر دول العالم، وخاصة دول عدم الانحياز والدول الإسلامية، والإفريقية، والاشتراكية، وأمريكا اللاتينية، والتي بلغ عددها أكثر من 108 دول .
ورغم الدعم الدولي للموقف الفلسطيني الجديد، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستجب للمبادرة الفلسطينية، وضغطت باتجاه الاعتراف الرسمي بإسرائيل، وليس فقط الاعتراف الضمني بقبول قرار مجلس الأمن الدولي 242. كما أصرت على موقفها بضرورة أن تتخلى منظمة التحرير الفلسطينية عن "الإرهاب".
خطاب الرئيس عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف (13/12/1988):
كان الخطاب الثاني له منذ عام 1974، وعقد الاجتماع في جنيف بعد أن رفضت الحكومة الأمريكية منح الرئيس عرفات تأشيرة دخول إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ومع ذلك فقد دعمت 154 دولة قرار الجمعية العامة بنقل مكان اجتماعها إلى جنيف .
أكد الرئيس عرفات أمام الأسرة الدولية على قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر 1988، وتحديداً الحاجة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام حول الشرق الأوسط، يعقد على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، كما دعا الرئيس عرفات إلى الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعيش دول منطقة الشرق الأوسط بما فيها فلسطين بسلام.
وصرّح الرئيس عرفات آنذاك أن منظمة التحرير الفلسطينية لا ترتبط بالإرهاب، وتعارض الإرهاب، مع حقها في مقاومة الاحتلال.

- المؤتمر الصحفي للرئيس عرفات في جنيف (14/12/1988):

في اليوم التالي لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف، أعلن الرئيس عرفات عن تغيير في سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، ووافق على شروط الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية عندما وافق على "حق كافة الأطراف المعنية في صراع الشرق الأوسط في العيش بسلام وأمن، بما في ذلك دولة فلسطين وإسرائيل وجيران آخرين، بالاعتماد على القرارين 242 و338، ونحن كلياً ندين كل أشكال الإرهاب، بما في ذلك الفردي والجماعي وإرهاب الدولة" .
بعدها، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز أن الولايات المتحدة الأمريكية توافق على بدء حوار دائم وحقيقي مع منظمة التحرير الفلسطينية، بيد أن الوزير الأمريكي نوّه بأن هذا الموقف الأمريكي لا يتضمن قبول دولة فلسطينية مستقلة.
بدأت جلسات الحوار الأمريكي - الفلسطيني على مستوى السفراء في تونس، واستمرت حتى منتصف عام 1990، عندما توقف الحوار بسبب العملية الفدائية التي قامت بها جبهة تحرير فلسطين (أبو العباس) على شاطئ تل أبيب، وبعد أن رفضت القيادة الفلسطينية للمنظمة الطلب الأمريكي بإدانة تلك العملية.

ملاحظة

- 
- Fred J. Khouri, The Arab Israeli Dilemma, Second Edition, Syracuse University Press, New York, 1976, p.365.
- Fred J. Khouri, The Arab Israeli Dilemma, مصدر سابق، ص (363)
نسبة إلى رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق "حاييم بارليف" خط دفاع حصين أقامته إسرائيل على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس، انظر: خط بارليف- موقع ويكيبيديا/ الموسوعة الحرة.
http//www.wikipedia.org/wiki.

- حقيقة اعترف بها سفير إسرائيل الأسبق في واشنطن في حوار له مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر، وهو أمر شكل صدمة للوزير الأمريكي الذي توقع "أن العرب سيهزمون خلال 72 ساعة على غرار هزيمتهم في حرب 1967، انظر: الوثائق الأمريكية لحرب أكتوبر 1973، مجموعة وثائق سرية نشرها بالانجليزية مركز أرشيف الأمن القومي الملحق بجامعة جورج واشنطن، ونشرت بالعربية في كتاب الأهرام: "أسرار الحرب الأمريكية لحرب أكتوبر 1973". انظر موقع المركز: www.gwu.edu أنظر أيضاً مقتطفات من نص الحوار على موقع يوم- كيبور للمعلومات:
http://www.uom-kippur-1973 info/after- war/usa documents.html. وثيقة رقم (19)
حرب أكتوبر 1973، موقع ويكيبيديا/ الموسوعة الحرة، موقع سبق ذكره.
مذكرات حرب أكتوبر لسعد الشاذلي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة المصرية في حرب 1973، ويوصف بأنه العقل المدبر والمخطط الرئيسي للهجوم المصري على إسرائيل في تلك الحرب. انظر: الموقع الرسمي لمذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي
http:// el-shazly.com/Book/040/htm.

- حرب أكتوبر 1973، موقع الويكيبيديا، الموسوعة الحرة، موقع سبق ذكره.
تجدر الإشارة إلى أن الاجتماع جرى تحت مظلة وزراء النفط العرب، وليس وزراء منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (الأوابك) بسبب غياب الإجماع حول قرار التخفيض، وانسحاب وزراء معترضين من الاجتماع.

- رفع حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماع لوزراء النفط العرب في فينا بتاريخ 18/3/1974، اعترضت سوريا وليبيا على القرار. أنظر:
- الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مجلد 15، ط1، ص82. عن الرأي العام، الكويت 19/3/1974.

- كشف وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني أن الهدف من وراء قرار وزراء النفط العرب في تخفيض انتاج النفط في اجتماع الكويت بتاريخ 17/10/1973 ليس استخدام البترول كسلاح، ولكن "كأداة سياسية لإشعار الرأي العام في الغرب أن هناك مشكلة ما بين إسرائيل والعرب" انظر: مقابلة مع الوزير السعودي في برنامج زيارة خاصة، قناة الجزيرة الفضائية، 16/9/2006، على موقع الجزيرة نت، http://www.aljazeera.net
اعترف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر في اتصال مع نظيره وزير الخارجية البريطانية خلال الحرب، بأن الإدارة الأمريكية أكرهت على بدء اتصالات مع موسكو بدافع الخوف من أن استمرار الحرب سيجعل الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى مؤن جديدة هائلة، وعندها "سينفذ مخزوننا وسنعاني كثيراً" انظر: قراءات في الوثائق البريطانية- حرب أكتوبر 1973، صحيفة الشرق الأوسط لندن، 24/يناير 2004، العدد 9188، على موقع الصحيفة الالكتروني
http://www.alsharqa/awsat.com.

- قراءات في الوثائق البريطانية- حرب أكتوبر 1973: محضر اجتماع سري لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق وكبار مساعديه بعد 6 أيام من الحرب، صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 24/يناير 2004، العدد 9188.
المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة الثانية عشرة)، القاهرة 1/9-6/1974 على موقع المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات.
مصدر سابق. http://www.malaf.info/

- عدلت الجبهة الشعبية عن قرارها بتجميد العضوية بعد وصول الفصائل الفلسطينية إلى موقف سياسي مشترك، وتشكل "جبهة الصمود والتصدي" في أعقاب توقيع مصر على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل في آذار -1979.
مؤتمرات القمة العربية في نصف قرن، إعداد أسماء ملكاوي، صفحة المعرفة على موقع شبكة الجزيرة:
http://www.aljazeera.net/nr/exeres,12/1/2008.
Important events of the last 100 year (1961-1985)
بعثة المراقبين الدائمة لفلسطين في الأمم المتحدة، موقع البعثة على شبكة الانترنت:
http://www.un.int/palestine/plo/back.html.

- لمزيد من التفاصيل عن أبعاد الأزمة اللبنانية قبيل الحرب الأهلية، انظر: الحرب الأهلية في لبنان 1975، إعداد وبحث فريق عمل يا بيروت، على موقع يا بيروت الالكتروني
http://www.yabyrouth.com/pages/index1480,htm.
كشف صلاح خلف (أبو اياد) أن المعلومات الأولية عن الجريمة كانت توجه أصابع الاتهام إلى حزب الكتائب اللبناني باعتباره العقل المدبر والمنفذ للحادثة، غير أن دلائل قاطعة أظهرت أن الجريمة كانت مدبرة بتآمر مشترك بين العقيد جول بستاني رئيس المكتب الثاني في الجيش اللبناني، وبين كميل شمعون زعيم حزب الوطنيين الأحرار، انظر: أبو إياد، صلاح خلف، فلسطيني بلا هوية، لقاءات مع الكاتب الفرنسي أريك رولو، نقلها إلى العربية نصير مروة، مؤسسة صباح للدعاية والنشر، دون سنة نشر، ص 249-255.
الحرب الأهلية في لبنان، 1975، موقع يا بيروت، مصدر سابق.

- الحرب الأهلية في لبنان 1975، موقع يا بيروت، مصدر سابق.
- أبو إياد، فلسطيني بلا هوية، مصدر سابق، ص268.
- مؤتمرات القمة العربية في نصف قرن، إعداد أسماء ملكاوي، صفحة المعرفة، على موقع شبكة الجزيرة:
http://www.aljazeera.net/nr/exeres.12/1/2008.
البيان الأمريكي- السوفيتي المشترك، صدر في كل من نيويورك وموسكو، انظر: النص الكامل للبيان على موقعIPCRI بشبكة الانترنت:
http://www.ipcri.org/files/ussoviet.html

- بيان صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية بتاريخ 2/أكتوبر 1977 موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية بشبكة الانترنت:
http://www.mfa.gov.il/mfa/foreign 20% Relations/Israel.

- William Quant (edit), "The Middle East: Ten Years after Camp David". Brookings Institution Press, Washington, 1988, p.2.
William Quant (edit), "The Middle East: op. cit, pp.2-3. مصدر سابق

- يتضح من الاسم الذي أطلقته اسرائيل على عملية اجتياحها لجنوب لبنان أهدافها في السيطرة على المياه العربية، حيث كانت اسرائيل من ضمن أشياء أخرى تتذرع بالمياه التي تذهب هدراً لتبرير اجتياحها للبنان، انظر: عملية الليطاني، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة على الموقع الالكتروني:http://www.wikipedia.ors/wiki/141
انظر: عملية الليطاني، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، مرجع سابق.
قرارات مجلس الأمن، صفحة الوثائق الرسمية للأمم المتحدة، إعداد قسم خدمات شبكة الإنترنت بالأمم المتحدة/ إدارة شؤون الإعلام، الأمم المتحدة، 2008.
http://www.daccessdds.un.org/doc/Resolation/ nro/368/71/IMG.

- اتفاقيات كامب ديفيد، على موقع الكنيست الإسرائيلي بشبكة الإنترنت:
http://www.Knesset.gov.il/ feedback/feedback Knesset-arb.asp.2006.
اتفاقيات كامب ديفيد، على موقع الكنيست الإسرائيلي، مصدر سابق.

- The Camp David Accords:The Framework for Peace in the Middle East.
موقع مكتبة الرئيس كارتر على شبكة الإنترنت:
http://www.jimmy carter library.org/documented/campdavid/accords.phtm.

- باقتراح من بيغن، أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يمنع إخلاء أية مستوطنة في الضفة الغربية أو غزة، انظر:
David Hurst, The Gun and the Olive Branch: The Roots of Violence in the Middle East, Faber and Faber, second edit, London, 1984, p398.
المصدر نفسه.

- لماذا قامت إسرائيل باجتياح لبنان في عام 1982؟ على الموقع الإلكتروني:
http://www.palestinefact.org/pf.1967-1991.20,9,2008. تجدر الإشارة في هذا الصدد أن مستوطنين إسرائيليين نفذوا محاولة اغتيال لرؤساء بلديات سابقين في الضفة الغربية، منهم بسام الشكعة، رئيس بلدية نابلس، وكريم خلف، رئيس بلدية رام الله، كما قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي، في وقت لاحق، بإبعاد رؤساء بلديات سابقين آخرين، كفهد القواسمي رئيس بلدية الخليل، ومحمد ملحم، رئيس بلدية حلحول.

- فاز الرئيس ريغان على منافسه جمي كارتر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في شهر نوفمبر عام 1980، وتولى منصبه في البيت الأبيض كما هي العادة بعد أداء اليمين، وإلقاء خطاب الاتحاد في 20 كانون الثاني 1981.
مذكرة التفاهم حول التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
Us-Israel Memorandom of Understanding on Strategic Cooperation
على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية بشبكة الإنترنت: www.mfa.gov.il/ http://
Yoel Marcus. The War is Inevitable, in Haaretz, 26 March, 1982.

- David Hurst, The Gun and the Olive Branch, op, cit, p400. مصدر سابق
- حرب لبنان 1982، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، مرجع سابق.
- نصت الاتفاقية بين إسرائيل وحكومة الجميل على إنهاء حالة الحرب بين لبنان واسرائيل، إلى انسحاب القوات السورية من لبنان، للنص الكامل أنظر: The Israel-Arab Reader, pp.691-94
David Hurst, The Gun and the Olive Branch, op.cit,p.492 مصدر سابق:
المصدر نفسه

- مؤتمرات القمة العربية في نصف قرن، موقع الجزيرة نت، مصدر سابق، 12/1/2008م.
محمد عزيز شكري، البعد الدولي للقضية الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، المجلد السادس، دراسات القضية الفلسطينية، الطبعة الأولى، بيروت 1990، ص44.

- Helena Cobban, The Palestinian Liberation Organization: People, Power and Politics, Cambridge University Press, 1989, p.18.
المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة السادسة عشرة). الجزائر 14-22/2/1983. المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات، موقع ملف: http//www.Malaf.info/pa-documents
المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة السادسة عشرة) مصدر سابق.

- المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة السابعة عشرة). عمان 22-29/ تشرين ثاني/ 1984.
على موقع ملف الإلكتروني http//www.Malaf.info/pa-documents
المصدر نفسه.

- خالد الفاهوم، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السابق، عارض سياسة الرئيس عرفات، وشكل جبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني "جبهة الرفض"، والتي ضمت الفصائل العشرة المناوئة لسياسة حركة فتح، انظر: صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 6 شباط 2006، عدد 9932. http/www/asharqlawsat.com/
Joint Palestinian-Jordanian Accords, February11,1985, PASSIA Diary 1994, PASSIA, Jerusalem. 1994.

- صدمة فلسطينية من الصدام الأول، على موقع http://www.mnofal.ps
- تاريخ الحروب العربية – الإسرائيلية، موقع تاريخ فلسطين على الإنترنت:
http://www.Palestinehistory.com/arabic/histor/war.htm
انظر أيضاً: الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الويكيبيديا/ الموسوعة الحرة، مصدر سابق.

- الانتفاضة، موقع مركز القدس للإعلام والاتصالات.
http://www.Jmcc.org/research/report/intifada.

- الانتفاضة، موقع مركز القدس للإعلام والاتصالات، مرجع سابق.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل ترفض الاعتراف بأن اتفاقية جنيف الرابعة، والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب والمؤرخة بتاريخ 12 آب 1949، تنطبق على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل منذ العام 1967، بما فيها القدس.
لمزيد من المعلومات، انظر:
The Intifada: An overview: The First Two Years.
على موقع مركز القدس للإعلام والاتصالات:
http://www.Jmcc. Org/researcl/reports/ intifada (Jmcc. pp.52, December 1989)htm.
أعمال القتل والعنف الوحشية، التي ارتكبها جنود الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، كانت وباعتراف عدد منهم ممنهجة، جرى تدريب الجنود عليها قبل انتقالهم للخدمة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، اقرأ شهادة أحد أولئك الجنود ويدعى "Yishai Karin" وهو أحد 21 جندياً اعترفوا بارتكاب اعتداءات وحشية متكررة ومنتظمة ضد الفلسطينيين في عام 1990، بما فيها القتل العمد لأحد المارة الفلسطينيين (25 سنة) دون سبب.
انظر: الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الويكبيديا/ الموسوعة الحرة، مصدر سابق.

- أبو جهاد- شهيد الانتفاضة، المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات، على موقع ملف، مصدر سابق.
- قرار مجلس الأمن الدولي رقم 605 (1987) بتاريخ 22 كانون الأول (ديسمبر) 1987.
على موقع هديل الإلكتروني:
http://www.hadil.org/Arabic-web/Documents/Protection/SC-Res-605.htm.
مؤتمرات القمة العربية في نصف قرن، على موقع الجزيرة نت، مصدر سابق.

- جواد الحمد، الانتفاضة الكبرى وتطور القضية الفلسطينية، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، تحرير جواد الحمد، مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان، 1997، ص418.
- مهدي عبد الهادي، الانفصال الأردني (أسبابه وآثاره) الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، Passia، الطبعة الثانية 1995، على موقع الجمعية بشبكة الإنترنت: http://www.Passia.org
المجلس الوطني الفلسطيني (الدورة التاسعة عشر) الجزائر 12-15/ تشرين ثاني/ 1988.المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات، موقع الملف:
http:// www.malaf.info/page=show.

- تجدر الإشارة إلى أن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش هو من كتب وثيقة الاستقلال.
- وثيقة إعلان الاستقلال، الويكيبديا/ الموسوعة الحرة، مصدر سابق. عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على موقع الباب الالكتروني:
http://www.al-bab.com/arab/docs/pals

- خطاب الرئيس عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على موقع شبكة الشرق الأوسط.
http://www.mideastweb.org/arafat1988.htm

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916824 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق