Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > المقاومة الشعبية الفلسطينية : نمذجة المواقع وإشكاليات الرؤية ؟؟

16 كانون الثاني (يناير) 2023

المقاومة الشعبية الفلسطينية : نمذجة المواقع وإشكاليات الرؤية ؟؟

الملخص

تهدف الكتابة في هذا الموضوع إلى استعراض وصفي تحليلي لتجربة المقاومة الشعبية في فلسطين في الفترة التي تلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية من خلال الرجوع إلى الأطر النظرية والأرضيات التاريخية ، لا سيما أن تجربة النضال الفلسطينية منذ الاحتلال وحتى الآن اكتنزت بالعديد من التجارب الشعبية في المقاومة السلمية واللاعنفية. كما يهدف هذا البحث في صميم ثناياه وجزئياته التحليلية المختلفة إلى تبيان أهمية هذا النمط من المقاومة الشعبية متنوعة النماذج ، ومدى قدرة هذا النمط من المقاومة على تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية العليا خاصة في مجال الاستقلال وبناء الدولة الوطنية المستقلة ، لا سيما في ضوء الانسداد الواضح في الخيارات الأخرى بما فيها خيار المفاوضات السلمية والمقاومة المسلحة. ويستعرض هذا البحث الأدبيات النظرية والمفاهيمية المختلفة المنتجة وفق سياقات محلية وطنية وعالمية.
منهجياً، فان هذا البحث يعتمد على المعلومات والمعطيات الأولية والثانوية المتوافرة في الكتب والمجلات والدوريات وبعض الوثائق ، فضلاً عن تنظيم مجموعة من المقابلات مع نشطاء ميدانيين فلسطينيين في مواقع مختلفة من جنين إلى الخليل ، حيث تشكل أفكارهم والتغذية الراجعة منهم، العمود الفقري لهذا البحث ، لا سيما أنهم اكتسبوا خبرات طويلة في العمل الميداني والشعبي والأهلي ، كما أن لهم تصورات نظرية وفلسفية وخبرات عملية تمكنهم من استعراض المطلوب فلسطينياً في هذه المرحلة حتى تستطيع المقاومة الشعبية الفلسطينية الوصول إلى محطات التقييم والانجاز والتواصل مع بقية المكونات الوطنية الفلسطينية. ومن نتائج البحث واستنتاجاته المتوقعة ، إن المقاومة الشعبية ذات التوجهات السلمية أصبحت تشكل أهم الخيارات الفلسطينية المتاحة اليوم في ضوء عدم وجود خيارات وبدائل عملية أخرى .

مقدمة:

ازداد الحديث عن مصطلح " المقاومة الشعبية" في السياق الفلسطيني خاصة في الدوائر السياسية والحزبية ، وحتى في الدوائر الأكاديمية والبحثية ، ليس لأن المصطلح ذو محتوى ديكوري مغر من الناحية السياسية ، ولكن لكونه مرتباطاً بالمرحلة الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية ، والحالة الوطنية الفلسطينية على وجه العموم. وإذا كانت المقاومة الشعبية تعني بحرفية الكلمات والعبارات ذات النسق النضالي السلمي، ولاعنفية المشروع التحرري الانعتاقي من سطوة الاحتلال وقيود المحتل ، فان المقاومة الشعبية الفلسطينية موغلة في التاريخ الفلسطيني ، ولها جذور عميقة في مسيرة الفلسطينيين في منذ بداية القرن الماضي على الأقل، لأنها مرت بمراحل مختلفة كان أهمها إضراب عام 1936، ومختلف الثورات والهبات الشعبية العفوية خلال فترة الانتداب البريطاني ، مروراً بانتفاضة عام 1987 ، وانتهاء بانتفاضة عام 2000 ، وما تبعها من نماذج مختلفة من المقاومة الشعبية. ومع هذا يمكن القول ، إن شيوع هذا المصطلح على نطاق واسع في آخر عشر سنوات تقريبا جاء بفعل مجموعة من العوامل والمتغيرات ، التي لا بد من الوقوف عليها، ومنها:
1. تجربة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي مالت بوضوح نحو العسكرة والتصعيد العسكري الواضح مع الاحتلال ، ما أسهم في إحداث دمار هائل في الأراضي الفلسطينية ، سواء على الصعيد البشري أو على صعيد البنية التحتية والإرهاب النفسي وإعادة احتلال إسرائيل للمدن والتجمعات الفلسطينية التي أخلتها بموجب اتفاقية أوسلو الموقعة مع م.ت.ف في عام 1993. ويبدو أن الفلسطينيين في تلك المرحلة من عمر الانتفاضة الفلسطينية الثانية لم يستطيعوا الاستثمار السياسي بالشكل الأمثل في العمليات العسكرية والفدائية التي نجحت فصائل العمل الوطني بالقيام بها ضد أهداف إسرائيلية. فالقيادة الفلسطينية عجزت عن الموازنة بين العمل العسكري المقاوم بما فيها "العمليات الاستشهادية" من جهة ، والعمل السياسي المقاوم والمفاوض من جهة أخرى للوصول إلى نتائج سياسية على ارض الواقع.
2. قيام إسرائيل بالبدء ببناء الجدار الفاصل داخل أراضي الضفة الغربية لفصلها بشكل تام عن أراضي عام 1948 ، وعن المستوطنات الإسرائيلية الموجودة داخل الأراضي الفلسطينية. فبناء الجدار والتفافه داخل الأراضي الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب، قاضماً مساحات واسعة من الأراضي ، وتاركاً وراءه آثاراً ديموغرافية وجغرافية ونفسية كثيرة، وقد ولد موجة تضامن دولية لمناصرة الفلسطينيين. في هذا السياق ، لفت نمط المقاومة الشعبية ذات التوجهات السلمية أنظار المتضامنين الأجانب بمن فيهم بعض قوى اليسار الإسرائيلية ، لأنهم اعتبروا أنفسهم جزءاً من هذه العملية النضالية التحررية الراقية كونها ذات طابع سلمي ، وأبعادها الأخلاقية السامية سهلة التسويق عالمياً، ولدى الرأي العام الدولي.
3. أما العامل الثالث فمرتبط بالنموذج التنموي الذي تبنته السلطة الوطنية الفلسطينية خاصة بعد الانقسام السياسي في عام 2007، وبداية "مشروع سلام فياض" لبناء الدولة من خلال المأسسة والتنمية المستدامة والمكاشفة والشفافية ، ورفع شعار المقاومة الشعبية كرافعة للعمل السياسي المفاوض. ويبدو للباحث أن الإستراتيجية الفلسطينية في التعاطي مع الاحتلال في الخمس سنوات الأخيرة جمعت ثلاثة متغيرات هامة ، أحدها كان المقاومة الشعبية ، إضافة إلى متغيري المأسسة والتنمية المستدامة من جهة ، واستنطاق الدعم الدولي من جهة أخرى. ومن هنا دعمت حكومة سلام فياض اللجوء لخيار المقاومة الشعبية عبر الترويج لنماذج معروفة في مقارعة الاحتلال وفق هذه الآلية، خاصة في بلعين ونعلين والمعصرة والنبي صالح وبيت أمر وأم سلمونة والعقبة في الأغوار الشمالية ، وما إلى ذلك من نماذج أخرى. وقد حضر سلام فياض شخصياً ، والعديد من الوزراء والنشطاء السياسيين والحزبين والبرلمانيين الفلسطينيين نشاطات متعددة في هذه المواقع تعبيراً عن دعمهم لهذا النمط من المقاومة السلمية المدعومة دولياً.
4. أصبحت المقاومة السلمية خياراً فلسطينياً استراتيجياً في الآونة الأخيرة بسبب انسداد الأفق التفاوضي مع الإسرائيليين حيث أدى الانقسام الفلسطيني الداخلي إلى ضعف شوكة القيادة الفلسطينية في مطالبها بالدولة والاستقلال والتحرر ، كما أن صعود حكومة اليمين في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو قد خلق إشكاليات إضافية على صعيد العملية التفاوضية حيث أن قناعات نتنياهو اليمينية المتطرفة عبر عنها من خلال عدم الاقتناع بوجود شريك تفاوضي فلسطيني قوي ، فضلاًً عن إيمانه العميق أن إدارة الصراع مع الفلسطينيين ، وخلق حالة من السلام الاقتصادي ، سيمكن الحكومة الإسرائيلية من إكمال سيطرتها على القدس ، وتكثيف عمليات الاستيطان على الأرض لخلق وقائع لا يمكن تغييرها بسهولة إن تجددت المفاوضات مع الجانب الفلسطيني مستقبلاً.
5. زيادة الاهتمام الأكاديمي الفلسطيني بموضوع المقاومة الشعبية ، لان مثل هذا النموذج يستفيد من نماذج عالمية في النضال والمقاومة ومحاربة الظلم ، ولعل نموذج غاندي في الهند ، ومارتن لوثر كينج في أمريكا، ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا ، وتجارب إحداث الدمقرطة والتحولات الديمقراطية في أوروبا الشرقية في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي ، كلها تعد نماذج هامة يجب الأخذ بها والاستفادة منها في هذا السياق. كما أن الربيع العربي الذي ما زالت موجاته مستمرة وتداعياته واضحة في أكثر من مكان ، قد انعكس فعلاً على التجربة الفلسطينية في المقاومة لا سيما أن الجماهير العربية خاصة في تونس ومصر، قد نجحت فعلاً في إحداث التغيير السياسي المطلوب عبر اللجوء إلى آليات المقاومة السلمية والاحتشاد في الميادين بالرغم من مواجهتها بالقمع البوليسي والعصا الأمنية والبلطجية الشوارعية.

تأطير نظري ومفاهيمي:

تتداخل مفاهيم " المقاومة الشعبية" ، و"المقاومة المدنية " ، و"المقاومة السلمية" ، و"المقاومة اللاعنفية " ببعضها البعض في المحتوى والمضمون ، وحتى في أساليب المقاومة ، بالرغم من بعض الاختلافات في طرق تطبيقها، بناء على السياقات الثقافية والاجتماعية والوطنية من بلد إلى آخر. والتداخل هنا يحدث بسبب عدة عوامل هامة ، أولها ، طبيعة الخصم أو العدو الذي تواجهه في ثورة شعبية كأن يكون العدو أو الخصم نظاماً دكتاتورياً وطنياً ، أم عدواً خارجياً أو محتلاً استيطانياً ، أما العامل الثاني فيتوقف على التعريف العام للمقاومة في ظل بيئة ثقافية/ اجتماعية/ دينية/ فلسفية لها نظرتها وتصوراتها ومفاهيمها العامة تجاه العنف واللاعنف. أما ثالث هذه العوامل، فينصب حول التجارب العالمية المتعددة في التحرر والاستقلال الوطني وآفاق التغيير الاجتماعي / السياسي في مناطق مختلفة من العالم خاصة في دول العالم الثالث وشرق أوروبا ، والوسائل والأدوات التي استخدمت لإحداث هذا التغيير البنيوي.
بالمجمل ، يمكن القول أن المقاومة الشعبية بكل ألوانها وأطيافها وتلاوينها ومسمياتها تركز على بناء نظام قيم عالمي World-Wide Value System لمقاومة الظلم والقمع والعدوان ، ومعالجة كل أشكال العنف الدموي بوسائل سلمية أو لاعنفية. في الحالة الفلسطينية ، تعد دراسة المقاومة الشعبية أو السلمية بمثابة حالة مقاومة ضد احتلال مباشر وقمع بنيوي منظم يمارسه المحتل ضد شعب واقع تحت الاحتلال. وهنا لا بد من الإشارة إلى مدرستين فكريتين هامتين ، وتناولتا المفاهيم والمضامين العامة للمقاومة الشعبية أو السلمية وآفاق عملها : المدرسة الأولى تبناها المهاتما غاندي Mahatma Gandhi – المدرسة الغاندية المثالية- في بدايات القرن العشرين في سياق تجربته الشخصية والوطنية في مقاومة المستعمر البريطاني في شبه القارة الهندية حينما دافع عن استنهاض طاقات الخير عند العدو ، واستنطاق إنسانية المستعمر والانفتاح عليه ، والحديث معه بلغة العقل والبحث المشترك عن الحقيقة (مضية ، 2002، 181-191). أما المدرسة الثانية ، فتبناها جني شارب Gene Sharp ذو التوجهات الواقعية البراجمايتة ، حيث دافعت هذه المدرسة عن إستراتيجية عملية واضحة المعالم لهزيمة الخصم ، من دون بذل جهد كبير لاستنطاق إنسانيته ، أو إثارة عوامل الخير بداخله (Sharp , 1980).
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اغلب حركات المقاومة الشعبية والسلمية ، في سبيل توجهها نحو التغيير الاجتماعي/ السياسي في ظل أنظمة دكتاتورية أو في طريق جهدها لهزيمة العدو أو المحتل ، يجب أن تنطلق من رؤية قادرة على تحديد مصادر وأعمدة دعم هذا الخصم بما فيها عناصر قوته المادية والمعنوية والقمعية ، وحالة الاستسلام والخنوع والتعاون والسلبية التي تميز الشعوب الخائفة والخانعة. فالمستعمر أو الدكتاتور على حد سواء لا يعتمد فقط على قوة القمع والتوحش لديهم ، إنما –أيضا- على الخضوع والخنوع عند عامة الناس عبر استعدادهم الدائم للتعاون والتجاوب مع سياسات المحتل أو الدكتاتور على حد سواء ، بما فيها دفع الضرائب واحترام قوانين القمع ، والوقوف في طوابير الانتظار أمام مؤسسات وأجهزة الخصم أو المحتل (Sharp , 1980). بكلمات أخرى ، ركزت اغلب دراسات تغيير الأنظمة السياسية السلطوية /التوتاليتيرية على أهمية العمل لتغيير الأرضيات التي تقف عليها هذه الأنظمة عبر خلخلة مصادر دعمها الداخلية والخارجية ، لا سيما القاعدة البشرية والاقتصادية والمادية والعسكرية ، فضلاً عن أصدقائها وحلفائها على المستويات الإقليمية والدولية ، وهذا يتطلب وضع إستراتيجية صبورة ، هادئة، متأنية، ثابتة وعقلانية تأخذ بالأسباب والمسببات (Ackerman & Kruegler , 1994 : 21-30).
ومن أجل أن يتم إحراز نتائج ملموسة على أرض الواقع ، فان حركة اللاعنف أو المقاومة الشعبية على الأرض يجب أن تعمل جاهدة لزيادة تكلفة السياسات القمعية للنظام الدكتاتوري Repressive Policies of the Regime ، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى التخفيف من استعماله للقوة الغاشمة والأسلحة القاتلة ضد الحركة الشعبية ، ويفقده الشرعية عند أصدقائه وحلفائه المحليين والخارجيين لا سيما القوى البيروقراطية والأمنية الداعمة له، ويشجع حركة الانشقاق بين جنوده وقواه الأمنية التي تعمل في الميدان على قتل المتظاهرين وقمع الحركة الشعبية المسالمة (Galtung , 1989). يضاف إلى ذلك أن حركات المقاومة الشعبية/ السلمية التي تثور ضد نظام حكم دكتاتوري قمعي تختلف في أساليبها وتكتيكاتها واستراتيجياتها عن تلك الحركات العاملة في الميدان ضد محتل خارجي ، يستعمر الأرض بشكل مباشر ، لان الحركة الشعبية هنا في الحالة الثانية يجب أن تعمل للانطلاق من فكرة مقاطعة الاحتلال والاستعمار على المستويات كافة : الاقتصادية والعلمية والثقافية والأكاديمية والطبية والقانونية ، إضافة إلى عملها على ترسيخ القناعة عند عموم الناس أن إرادة الشعوب أقوى بكثير من سياط المحتلين والجلادين (ٍSemelin , 1993 :28-49).
وتتعدد أشكال المواجهة مع الخصم المحتل أو الدكتاتور في الميدان من بلد إلى آخر ، ومن موقع إلى آخر اعتماداً على طبيعة هذا الخصم أو العدو ، واعتماداً على إمكانيات الحركة الشعبية وقدراتها ، لكن بالمجمل يمكن الحديث عن أشكال متعددة للنضال السلمي على النحو التالي :
1. المقاومة الرمزية Symbolic عبر المحافظة على قنوات الاتصال الفعال بين أعضاء المقاومة نفسها ، والعمل على استخدام الإشارات والرموز والأسماء الحركية وحتى اللباس في سبيل تدعيم الشعور الوطني بين الناس ، وحضور المناسبات الوطنية وإحياء التراث الشعبي.
2. المقاومة التراكمية Accumulative من خلال المحافظة على أداء الحركة في الميدان ، ونقل الاحتجاجات إلى أوساط الحركة الشعبية ، والعمل الجاد لتشجيع الآخرين للمحافظة على الكفاح أو النضال ضد الخصم أو العدو.
3. المقاومة الهجومية Offensive عبر تنظيم سلسلة فعاليات على الأرض لإحباط الخصم ودفعه للشعور باليأس ، وتكثيف المظاهرات والإضرابات وكل النشاطات الأخرى المباشرة التي تأخذ من الشعب والجماهير صفوفا مؤيدة لها.
4. المقاومة الدفاعية Defensive التي تعمل على المحافظة على الإنسان والبشر وعدم الانسياق وراء قوة الخصم المدمرة ، والمحافظة على أخلاقيات المقاومة والقيم الإنسانية العالمية خاصة فيما يتعلق بالعنف والقتل وتخريب الأملاك والممتلكات. مثل هذا النشاط يهدف في المحصلة النهائية إلى تحييد قوة الخصم المدمرة ، ويمنعه من الاستخدام المكثف للقتل والتدمير.
5. المقاومة الايجابية Positive البناءة التي تعمل على إيجاد بدائل على مستوى القانون العام أو المؤسسات والتي تخدم بدورها الناس ، وتدفعهم لعدم اللجوء إلى مؤسسات المستعمر أو النظام الدكتاتوري ، وتفصلهم مع مرور الوقت عن بنية المستعمر وتركيبته الاقتصادية والتنموية والبيروقراطية والأمنية أيضا (Semelin , 1989).

ومن أجل إحداث مقاومة شعبية ذات طابع مدني لمقاومة الاحتلال أو الاستعمار أو الأنظمة القمعية التوتاليتيرية ، فلا بد من خلق مقاومة جماعية على المستوى الوطني مع الأخذ بالاعتبار الظروف المواتية لبروز هذه الحركة ومنها :
1. الشعور القوي بالانتماء إلى الهوية الوطنية والتضامن الاجتماعي بين السكان المحليين الواقعين تحت الاستعمار أو تحت حكم العسكر والسياسات القمعية ، وهذا يتطلب تذويب الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع من المنظورين الاجتماعي والاقتصادي، لان مثل ذلك يسهل خلق هوية وطنية متجانسة ومتضامنة.
2. قيادة ميدانية فاعلة موجودة بين الناس ، وتتحرك من منطقة إلى أخرى ، تمتلك الرؤية والإستراتيجية وقريبة من الناس، وقادرة على الاستجابة لمطالب الناس ، وتمتلك القدرة على الإبداع والتفكير الحر والخلاق خاصة في المواقف الصعبة والمؤثرة، إضافة إلى مقدرتها على تلبية حاجات الناس، وتقلل اعتمادهم على المستعمر أو الدكتاتور ، والمقدرة على طرح البدائل في زمن المواجهة.
3. ثقافة ديمقراطية وطنية تحتضن الجميع ، ولا تستثنى أحداً أو تهمش أحداً، تعتمد على تقاليد المواطنة والحريات الأساسية للمواطنين واحترام حقوق الإنسان والتسامح الفكري والديني ، ومكافحة كل أشكال العنف والظلم المجتمعي والديني والمجتمعي.
4. العمل الجاد والدؤوب على مستوى القاعدة الشعبية لاستنهاض كل المؤسسات القاعدية ومنظمات المجتمع المدني واللجان الشعبية والمجالس المحلية والنقابات واتحادات المرأة والشباب والطلبة ليكونوا جزءاً من معركة النضال والتحرير الشعبي العام (Roberts & Gorton , 2009).
ومن أجل أن تنجح هذه الحركة الشعبية المقاومة في تحقيق أهدافها السياسية العليا في التحرير أو الانعتاق من الحكومات القمعية السلطوية ، فلا بد أيضا من توافر شروط ومستلزمات أخرى يقف على رأسها :
1. الشعور التضامني داخل الحركة الشعبية المقاومة نفسها بحيث تكون واسعة الصدر ورحبة لاحتضان كل الجماهير من مختلف الشرائح الاجتماعية والطبقات الاقتصادية ومن مختلف الألوان السياسية والمناطقية والجغرافية.
2. العمل على إيجاد توازنات هامة على صعيد القدرات الذاتية والأهداف ، إضافة إلى دراسة قدرات المستعمر أو الدكتاتور ، وخلق مساحة من الأمل والشرعية وقرب الخلاص الوطني العام.
3. تمتين التركيبة التنظيمية العامة لحركة الاحتجاج وتقويتها عبر تشجيع الأشخاص والقيادات الميدانية التي تمتلك الخبرات التنظيمية لقيادة العمل الميداني وقيادة حركة الاحتجاج السلمي في الشارع.
4. وضع إستراتيجية واضحة للمواجهة مدعومة بمجموعة من التكتيكات المحورية بحيث يقوم على تنفيذها ووضعها موضع التجربة العملية من خلال تدريب النشطاء على الأرض، وبث روح العمل الجماعي المنضبط بينهم ، وإقناعهم بعدم الانجرار وراء استفزازات العدو أو المستعمر من اجل تحييد قدراته المدمرة. كما أن هذا يتطلب المحافظة على قنوات اتصال وتواصل فعالة داخل الحركة نفسها ، ومع الشارع العام بما فيه بعض المتفرجين المتعاطفين مع حركة التغيير الوطني السلمي ، كما أن التواصل في قنواته الضيقة يحب أن تستمر مع الخصم أو الدكتاتور من أجل تشجيع بعض العناصر الأمنية والبيروقراطية على الهجرة والانضمام إلى صفوف الشعب والجماهير الثائرة في الشوارع.
5. تحشيد مصادر الدعم الداخلي والخارجي للثورة الشعبية السلمية ، وهذا يشمل مصادر الدعم الاقتصادي والمالي والمادي والدعم الطبي واللوجستي ، وخلق دوائر من المناصرين المحليين والقوى واللاعبين الخارجيين من اجل عبور حركة الشارع جسور الأمان والانجاز والتحرير ( Mc Adam , 1999 ).

محطات تاريخية هامة في مسيرة المقاومة الشعبية في فلسطين:

بالرغم من أن مازن قمصية ، المتخصص في دراسة تاريخ المقاومة الشعبية في فلسطين ، قام بدراسة هذه الحركة السلمية المدنية منذ بداية القرن الماضي ، عبر المرور بمحطات هامة من تاريخ المقاومة اللاعنفية في فلسطين منذ أيام العثمانيين الأتراك ، والانتداب البريطاني ، وانتهاءاً بالاحتلال الإسرائيلي المباشر لفلسطين ، إلا أن هذه الدراسة ستحاول التركيز على محطات هامة في تاريخ الثورة الشعبية السلمية في فلسطين (قمصية ، 2011) ومن ابرز هذه المحطات ثورة عام 1936 وانتفاضة عام 1967 ، ثم الولوج إلى انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000. لقد مهدت الظروف الصعبة والقاسية التي مر بها الفلسطينيون العرب في بدابة الثلاثينات من القرن الماضي ، الأرضيات الصلبة لثورة عام 1936 التي لعبت دوراً هاماً في زيادة درجة الوطنية ، ومنسوب روح القتال والنضال عند الفلسطينيين.
فأوضاع الفلسطينيين تعقدت كثيرا وتدهورت بشكل واضح في بداية العقد الثالث من القرن العشرين بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة ، وزيادة وتيرة هجرة اليهود من كل أصقاع الأرض إلى فلسطين ، وتوسع حملة الاستيلاء على الأراضي العربية . وقد مارس الفلسطينيون في ظل تلك المرحلة أشكالاً مختلفة من النضال والمقاومة بما فيها المقاومة الشعبية الرمزية والانفعالية Symbolic عبر التركيز على الإعلام المتاح ونشر المقالات في الصحف اليومية ، ومع أن البريطانيين منعوا صدور العديد من الصحف الوطنية الفلسطينية بسبب دورها في إذكاء روح العمل الوطني ، ألا أن هذه الفترة شهدت ميلاد حزب الاستقلال في عام 1932 ، والذي دعا إلى استقلال فلسطين الكامل عن الانتداب البريطاني ، وتزامن تشكيل حزب الاستقلال مع انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين (Kramer , 2008).
إضافة إلى المقاومة الإعلامية والرمزية ، وقفت القيادات الفلسطينية مع عموم الناس في تبني شكل آخر من أشكال المقاومة الشعبية أخذ طابع الدفاع عن الأرض ، وعدم التعاون مع اليهود في إدارة مصانعهم وتشغيل مزارعهم ، وتحريم بيع الأراضي العربية لليهود ، وقد قاد حملة المقاطعة هذه حزب الاستقلال بالتنسيق مع اللجنة العربية التنفيذية. وترافق مع ذلك دعوات صريحة صادرة عن حزب الاستقلال تدعو فيها الناس إلى عدم التعاون مع سلطات الاحتلال البريطانية ومقاطعة البريطانيين واليهود على حد سواء على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ، وعدم دفع الضرائب لهم ، ومقاطعة كل أشكال النشاطات التي رعتها الحكومة البريطانية بما فيها المناسبات والاحتفالات واستقبال القادة وزعماء الدول.
وصدرت خلال تلك الفترة العديد من المبادرات الوطنية التي شكلت بمجملها أنماطاً جديدة من المقاومة الشعبية الدفاعية ومنها :
1. سعى الصندوق القومي العربي إلى إنقاذ الأراضي الفلسطينية حتى لا تقع لقمة سهلة بيد اليهود الذي غرقوا في نهم البحث عن الأرض من أجل شرائها والاستيلاء عليها بكل الوسائل المتاحة.
2. تصدت المؤسسات الدينية والأوقاف الإسلامية والمسيحية في تلك المرحلة لعمليات بيع الأراضي لليهود واعتبروها حراماً شرعاً لا سيما أن فلسطين هي أرض وقف إسلامية حرام بيعها لليهود.
3. تم تأسيس البنك العربي الزراعي لتمويل فلاحة الأرض ولتثبيت الفلسطينيين فوق أرضهم.
4. تشكيل لجان ونقابات عمالية في فلسطين للدفاع عن شؤون العمال العرب ، وحتى لا يستغلهم اليهود وخاصة أولئك العمال العرب العاملين في المدن المختلة مثل القدس وحيفا ويافا وعكا.
5. انعقاد مؤتمر الشباب العربي الأول في القدس عام 1932 والذي دعا إلى تأسيس الحركات الشبابية ولجان الحراسة للدفاع عن القرى والمدن الفلسطينية من هجمات المستوطنين اليهود (Paroth , 1974).

ومن المعروف أن المرحلة الأولى من ثورة عام 1936 كانت سلمية الطابع ولاعنفية المحتوى والمضمون ، حيث برزت كل أشكال المقاومات الرمزية والانفعالية والإعلامية والدفاعية والهجومية ، وأهمها ما ميزها خروج أعداد كبيرة من العرب الفلسطينيين في مظاهرات واحتجاجات ومسيرات ، كما عمت حركة الإضرابات والمقاطعات وعدم التعاون والعصيان المدني سائر المدن الفلسطينية. ومع انطلاقة اللجنة العربية الوطنية في مدينة نابلس في نيسان 1936 ، وقيام اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني تقريباً في الفترة نفسها ، دخلت اغلب المدن الفلسطينية والقرى والأرياف في أطول إضراب تقوم به وتنظمه الحركة الوطنية الفلسطينية إذ دام لأكثر من ستة شهور متتالية . وكان الإضراب شاملاً ووصل إلى أغلب المدن والتجمعات الفلسطينية ، والى مختلف القطاعات الاقتصادية ومناحي الحياة، وتوسع ليشمل المحلات التجارية والمواصلات والمصانع والمزارع. لكن كان الإشكال في معارضة القيادة السياسية الفلسطينية تحت إمرة الحاج أمين الحسيني دعوات الإضراب الشامل حتى تصل إلى موظفي الدولة والإدارة العامة والخدمة المدنية ، كون الحاج أمين رغب في تلك المرحلة من عمر الانتفاضة من المحافظة على خطوط الاتصال والتواصل مع إدارة الانتداب البريطاني ، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة معهم (Paroth , 1974).
تشكلت اللجنة العربية العليا بمبادرة من الحاج أمين الحسيني وبعض قادة الأحزاب العربية الفلسطينية الأخرى ، خلال ثورة عام 1936-1939 والتي توجت بالإضراب العظيم الذي دام أكثر من ستة أشهر. واللافت للنظر هنا قدرة الحاج أمين الحسني على قيادة اللجنة العربية العليا في وقت حساس ومعقد خاصة أنها ضمت شخصيات مقدسية وفلسطينية مختلفة في مشاربها ومأربها وأطروحاتها السياسية ، ولعل هذا يعكس الصفات النخبوية والقيادية التي امتلكها الحاج أمين، لان اللجنة كانت مسئولة عن إدارة المعركة السياسية مع الانجليز ، وإدارة العمل الميداني بشكل كاف لضمان استثماره سياسياً ، لا سيما أن بعض الزعامات العربية في تلك الفترة أبدت فتوراً شديداً اتجاه الأحداث واتجاه الإضراب العظيم الذي نفذه الفلسطينيون في تلك المرحلة من عمر القضية الفلسطينية (يوسف ، 2007 : 541-566).
وفي خضم الإضراب الطويل تكثفت الاجتماعات ، وتم تشكيل اللجان القومية في أغلب المدن الفلسطينية الكبرى ، وأصر الجميع على المضي بمشروع الإضراب وعدم دفع الضرائب للمنتدب البريطاني. في هذه الأثناء كان هناك جهد منظم لتعميق الإضراب وتطوير أشكال جديدة من المقاومة اللاعنفية شعبية الطابع ومنها تشكيل اللجان المختلفة، وكان منها لجان الإسعاف ولجان خدمة المحتاجين ولجان دعم المرضى وتقديم المساعدات العينية والمادية للأسر المحتاجة. وقد خرجت العديد من المظاهرات الضخمة بعد صلاة الجمعة حيث واجهها البريطانيون بالعنف والدم ، ونجم عنها العديد من الضحايا كما هو الحال في يافا، إذ سقط العديد من القتلى والجرحى في مظاهرة الجمعة 15 أيار 1936 . يقول هنا مازن قمصية : " حينما ذهبت شكاوي السكان المحليين حول وحشية قوات الاحتلال البريطانية أدراج الرياح ، قرر الشباب تشكيل لجان حماية خاصة ، حيث انتخب سكان يافا خمسة عشر شاباً لهذا الغرض، أطلق عليهم الحرس الوطني. واعتبر هذا الحدث بداية حركة شبابية فاعلة في فلسطين" (قمصية ، 2011: 129- 131)
وقد تم تأسيس العديد من اللجان الشعبية التي كانت مهمتها الأولى توزيع بعض النقود والمواد الغذائية على الأسر المحتاجة ، لا سيما أسر العمال والفلاحين الذين اضر بهم الإضراب من ناحية مادية ، إذ تم جمع بعض المال من أغنياء الفلسطينيين ، ومن بعض المتعاطفين معهم من العرب والمسلمين في بلدان الجوار. لكن هذا الإضراب الطويل لم يحق غاياته السياسية بسبب قلة المبالغ التي جمعها البريطانيون من الضرائب المباشرة المفروضة على السكان المحليين ، كما أن الخدمات لم تتأثر كثيرا بسبب عدم إضراب اليهود أنفسهم الذين أداروا قطاع الخدمات والصناعات والمزارع، واعتمدوا على ذواتهم بدل الاعتماد على العمالة العربية ، فضلاً عن غياب الخطة الميدانية المحكمة التي توجه الإضراب والحركة المقاومة ، واتساع الفجوة بين القيادة السياسية وعامة الناس ، وأخيراً تحولت المقاومة في هذه المرحلة من عمرها إلى النمط العسكري والكفاح المسلح.
أما المحطة الثانية، في تاريخ حركة المقاومة الشعبية في فلسطين فهي انتفاضة عام 1987، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القفز من المحطة الأولى (1936) إلى المحطة الثانية في (1987) لا يعني إهمال الفترة الواقعة بين المحطتين الهامتين ، وإنما يبرر هذا على قاعدة أن هذه الدراسة لا تستطيع التعرض بالتفصيل لكل مراحل الحركة الشعبية الفلسطينية المقاومة ، وإنما ستقف عند محطات هامة ، قبل الولوج إلى المحطة الأهم وهي نماذج المقاومة الشعبية في فترة انتفاضة الأقصى التي تفجرت في عام 2000.
في الانتفاضة الأولى (1987) تفنن الفلسطيني في استخدام وسائل وأدوات المقاومة الشعبية وكان على رأسها المسيرات والرموز الاحتجاجية والمظاهرات الشعبية والاعتصامات الجماهيرية الحاشدة ، وتكثيف إقامة الصلوات في المساجد والكنائس ، وفي المناطق المهددة بالمصادرة والاقتلاع ، لما لهذه الوسائل من فاعلية هائلة على صعيد زيادة منسوب الوطنية الداخلية وكسب الرأي العام الدولي. كما عمدت قيادة الانتفاضة إلى إحياء المناسبات الوطنية والدينية خاصة يوم الأرض والنكبة والنكسة ووعد بلفور ويوم الشهيد والأسير وانطلاقة الثورة الفلسطينية ، وذكرى إحراق المسجد الأقصى ، وغيرها من المناسبات الهامة حيث عبر الفلسطينيون من خلالها عن رفضهم للاحتلال وسياساته القمعية (نزال ، 2010: 146).
جرب الفلسطينيون خلال الانتفاضة الأولى أساليب اللاتعاون مع الاحتلال بأشكاله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ورفض التعاطي مع الاحتلال ومؤسساته السلطوية الأخرى ، خاصة الإدارة المدنية وسلطة الضرائب ، والشرطة وأجهزة الصحة والتعليم . وقد كان هناك نصوص وفقرات كاملة في نداءات القيادة الوطنية الموحدة تدعو فيها كل فئات المجتمع الفلسطيني إلى عدم دفع الضرائب ، خاصة التجار ورجال الأعمال والحرفيين والمهنيين (قطيط وآخرون ، 1989: 30-40). وعملت قيادة الانتفاضة إلى تشكيل حالة من الصراع والمواجهة اليومية مع الاحتلال ، والعمل على تطوير العقلية النضالية وإنماء التربية الوطنية عند نشطاء العمل الميداني حتى يصلوا إلى كل فئات المجتمع ، إضافة إلى أن يكون الشعب هو صاحب الدور الأساسي في المقاومة الشعبية ، فضلاً عن تشكيل اللجان الشعبية والقوات الضاربة (صامد الاقتصادي ، 1989 : 191-200)
ويعد نموذج بيت ساحور في عدم دفع الضرائب والذي بدأ فعلياً في 7-7-1988 من ارقي النماذج في العصيان المدني والمقاومة الشعبية في تاريخ فلسطين المعاصر. وهنا تضامنت كل فئات المجتمع الفلسطيني في بلدة بيت ساحور في قضية عدم دفع الضرائب ، ما دفع الاحتلال إلى اقتحام المنازل وكسر أقفال المحلات التجارية ومصادرة السيارات والأجهزة الكهربائية ، ونهب الدكاكين وتخريب الأسواق ، فضلاً عن اعتقال العشرات من الرجال والنساء ، خاصة ممن اعتبرهم الاحتلال " محرضين على العصيان المدني". وجرب الفلسطينيون باقتدار إستراتيجية عدم الخضوع إلى أي شكل من أشكال الإرهاب الممارس من قبل الاحتلال عليهم ، وتجلت سياسة عدم الخضوع وعدم الخنوع وعدم الإذعان من جانب الفلسطينيين من خلال كسر أوامر منع التجوال، وتشكيل لجان الحراسة الليلية في الأحياء والقرى والأرياف ، وكسر أوامر إغلاق المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ، واللجوء إلى التعليم الشعبي في الأماكن العامة رداً على سياسة إسرائيل في إغلاق المؤسسات التعليمية العليا (عريقات ، 1990 : 30-35 ).
كما ظهرت تصورات نظرية وتجارب عملية لناشطين فلسطينيين تدعو إلى تعميق عمل الانتفاضة ونقلها إلى دور المؤثر في الاحتلال ، وفي المجتمع الإسرائيلي على حد سواء عبر الحديث الواضح عن الاستقلال الاقتصادي ورفض التبعية لإسرائيل وإحياء الزراعة ومشاريع الاستصلاح الزراعي ومكننة الزراعة ومحاربة الاستيطان ودعم مجهودات المرأة الريفية ، ومساعدة العمال للعمل في المزارع الفلسطينية بدل المصانع الإسرائيلية. هذا إضافة إلى بناء المؤسسات التربوية والجامعية الوطنية ، ودعم نشاطات اتحادات الكتاب والفنانين والعمال والمزارعين والطلبة والمرأة ، ووضع خطة إعلامية محكمة لتقف في مواجهة الماكينة الإعلامية والدعائية الإسرائيلية الجبارة والخادعة والملفقة (صالح ، 1990 : 4-12).
كما يعتقد بعض المهتمين والباحثين بالحركة الوطنية الفلسطينية وتتبع حركات التحرير والانتفاضات الشعبية ، أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى استطاعت أن تتجذر في العمق الفلسطيني نتيجة للأدوار الايجابية الفاعلة التي لعبتها المنظمات غير الحكومية لا سيما أن وجودها في الأراضي الفلسطينية كان سابقاً لوجود التنظيمات والقوى السياسية ، وأنها كانت قريبة جدا من الناس العاديين بحكم الخدمات التي تقدمها للفئات الفقيرة في الميدان ، وهذا ينطبق على الاغاثات الطيبة والزراعية والعيادات الصحية المتنقلة والجامعات ومراكز التعليم الشعبي ، إضافة إلى لجان الإقراض الزراعي والتعاونيات الصناعية والبرامج المتنامية لتدريب وتشغيل المرأة ، فضلاً عن الحركات الطلابية والشبابية والنقابات المهنية والاتحادات الشعبية. وكان التأثير الأعظم لهذا التوجه هو الاعتماد على الذات وفك الارتباط مع الاقتصاد الإسرائيلي ، وتغيير ثقافة الاستهلاك ، والنمو الكبير في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات وزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية خاصة الحبوب والفواكه والزيتون ، وهذا جاء كنتيجة مباشرة لإعادة الإنسان الفلسطيني الاعتبار للأرض وأهميتها الحيوية والوطنية (العبد ، 1991: 105-126).
يرى جني شارب Gene Sharp الذي يعد الأكثر تخصصا في تتبع حركة اللاعنف في فلسطين ، أن أهم ستة أهداف لانتفاضة عام 1987 كان : 1- تطوير مؤسسات خاصة بالفلسطينيين بديلة عن مؤسسات الاحتلال ، 2- الاستدامة والتصميم في استخدام كل أشكال المقاومة السلمية حتى تصبح الأراضي الفلسطينية محررة وغير مرتبطة بسلطات الاحتلال ، 3- العمل على انقسام الرأي العام الإسرائيلي وبناء جبهة مؤيدة للفلسطينيين داخل إسرائيل ، 4- إضعاف معنويات الجيش الإسرائيلي لتقليص حجم عملياته القمعية ، 5- العمل على إضعاف الدعم الأمريكي لإسرائيل ، 6- تشجيع الرأي العام الدولي لإنصاف الفلسطينيين (Sharp , 1989 :3-13). وبالرغم من أن الانتفاضة الأولى تحولت إلى انتفاضة مسلحة في آخر سنتين من عمرها إلا أن العاميين الأوليين 1988-1990 شهدا تحقيق الفلسطينيين العديد من الانجازات على صعيد التمكين الذاتي والاقتصادي ، وبناء البنية التحتية الاقتصادية والاعتماد على الذات ، وتنمية الإلمام بأساليب المقاومة اللاعنفية من خلال التعلم للعمل بشكل جماعي بعيداً عن الارتجال والاعتباط الميداني. كما أن الانتفاضة أسهمت في تحول الرأي العام العالمي لمصلحتهم وحسنت من صورة الفلسطيني المقاوم سلمياً أمام المؤسسات الدولية والنشطاء الدوليين ، في الوقت نفسه أظهرت فيه عنف الاحتلال وقسوته خاصة في قمع المظاهرات السلمية ، وممارسة كل أشكال العنف المنظم ضد شعب أعزل عبر الاعتقال والقتل وإغلاق المدن والقرى وتكسير العظام والأطراف (Andoni , 2001: 210).

نمذجة المقاومة الشعبية في انتفاضة الأقصى:

اختلفت الانتفاضة الثانية عن مثيلتها الأولى في السياق الفلسطيني، حيث كانت مسلحة واستخدمت فيها الوسائل والأدوات العنيفة بما فيها السكاكين والأسلحة النارية والعمليات الفدائية وخطف الجنود والمستوطنين ، واحتلت الأجنحة العسكرية لمختلف الفصائل مكان الواجهة في النضال الميداني ، بينما بقي المدنيون يقومون بوظائف الدعم المعنوي والمادي واللوجستي. وامتازت أيضا أن السلطة في الشارع أصبحت بيد الجماعات المسلحة ، التي حملت السلاح وتجولت في الشوارع ، من دون أن تكون هناك قيادة ميدانية لهذه الجماعات، ومن دون أن تأخذ أوامرها من القيادة السياسية العليا. وازدادت القناعات الإيمانية والدينية عند هذه المجموعات فدفع بعضها إلى تنفيذ العديد من العمليات الاستشهادية في العمق الإسرائيلي ، وضد أهداف مدنية وعسكرية على حد سواء. بالتزامن مع هذه الحركة الميدانية المسلحة ، أصبح تأثير جماعات السلام الإسرائيلية وقوى اليسار محدودة للغاية ، وجنح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرف، ونحو التصويت للأحزاب الدينية واليمينية والاستيطانية بسبب استخدام العنف المباشر والخوف ما أثر على السلوك السياسي للإسرائيليين. وترافقت ردود الأفعال الفلسطينية العنيفة مع قيام الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون في آذار- أيار 2002 بحملة عسكرية أطلق عيها السور الواقي في إعادة احتلال كل المدن والبلدات الفلسطينية التي أخلتها إسرائيل بموجب اتفاقية أوسلو ، ما أحدث دماراً وخراباً هائلين.
وبدأت إسرائيل ، بالتزامن مع حملة السور الواقي ، في بناء جدار الضم والتوسع في ربيع 2002 ليلف الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب ، وليصادر آلاف الدونمات ويحرم الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم خلف الجدار ، ومنذ ذلك الوقت أصبح الجدار نقطة استقطاب دولية وشعبية وتضامنية وحقوقية وقانونية مع الفلسطينيين حيث حوكم أمام محكمة العدل الدولية في 2004 ، وأمام المحاكم الإسرائيلية في عدة مقاطع وأماكن. وكان هذا حقيقة التحدي الأول الذي واجهه الفلسطينيون إذ استخدموا القنوات القانونية المتاحة دولياً وإسرائيليا لإبعاد الجدار عن أرضهم ، وكان هناك نجاحات عديدة في عدة مقاطع وفي أكثر من مكان (http://www.btselem.org/english/seperation_barrier/beit_surik_ruling.asp).
ففي رأيها الاستشاري ، قضت محكمة العدل الدولية في لاهاي في 9-7-2004 أن بناء الجدار داخل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية مخالف للقانون الدولي ، بينما دعت إسرائيل إلى وقف بناء الجدار ، وتفكيك المقاطع التي تم بناؤها ، والى إلغاء كل الخطوات التشريعية والتنظيمية واللوجستية المرتبطة به (صالح ، 2010: 25-29). كما كانت هناك انجازات قانونية على طريق متابعة الجدار أمام المحاكم الإسرائيلية خاصة في مقطع فلامية- جيوس (قلقيلية) إذ اعتبرت المحكمة الإسرائيلية الجدار في هذا المقطع غير شرعي وطالبت بتفكيك جزء منه، مما أعاد حوالي 11628 دونماً للقريتين ، وفي حكم آخر صادر عن مكتب المدعي العام الإسرائيلي ، أعاد ما يقارب 4000 دونماً للسكان الفلسطينيين في منطقة مستعمرة معاليه ادوميم (شرق القدس) ، وآخر هذه الانجازات القضائية كان في حكم المحكمة الإسرائيلية العليا في 4-9-2007 والذي يقضي بإعادة رسم مسار الجدار في قرية بلعين بإزاحته 500 متر خارج المنطقة العمرانية للقرية مما قربه أكثر نحو الخط الأخضر ، وهذا يعني إعادة حوالي 1100 دونماً للقرية (صالح ، 2010: 31-32).
لجأ الفلسطينيون إلى أشكال أخرى من المقاومة الشعبية خلال الانتفاضة الثانية خاصة المظاهرات والاعتصامات والشعارات والمسيرات وتشكيل مجموعات الاحتجاج لا سيما ضد الجدار والحواجز والاستيطان، ما جعلهم في مواجهة مباشرة مع الجنود الإسرائيليين. وقد استجلب الفلسطينيون دعماً دولياً وشعبياً كبيراً ، وفي أوساط حركات السلام الإسرائيلية منذ بدايات تنفيذ بناء الجدار حيث تشكلت حركات التضامن الدولية ، وازدادت أعداد الإسرائيليين المشاركين في المظاهرات والمسيرات المؤيدة للفلسطينيين، والناقمة على سياسات إسرائيل في الأرض المحتلة. وتجلت مظاهرات يوم الجمعة من كل أسبوع في العديد من البلدات الفلسطينية المحاذية للجدار خاصة في بلعين في منطقة رام الله التي تحولت إلى نموذج للمقاومة الشعبية غير العنيفة ، واستجلبت المئات بل الآلاف من المتضامنين الدوليين (Dudouet , 2009 : 125-135).
وتعددت نماذج المقاومة الشعبية في مختلف الأراضي الفلسطينية من زبوبا وعانين والطيبة وطورا الغربية في جنين ، إلى دير الغصون وكفر قدوم وجيوس وفلامية وحبلة وعزون وعزبة طبيب في طولكرم وقليقلية ، إلى نعلين وبلعين وبدرس في رام الله ، مروراً بالمعصرة وأم سلمونة والولجة في بيت لحم وانتهاء في بيت أمر ويطا في الخليل. اعتمد سطوع شمس هذه المواقع بفعل نضالاتها ضد الاحتلال ، واستقبالها أعداد كبيرة من المتضامين الأجانب وحتى الإسرائيليين ، وطبيعة قربها الجغرافي من مراكز صناعة القرار السياسي ، فضلاًَ عن مشاركة السياسيين المتنفذين في فعاليات هذه المواقع. فبلعين مثلا احتضنت فعاليات كثيرة للمقاومة الشعبية ، إضافة إلى نشاطات متنوعة أخرى ، ميدانية وفكرية وفنية ورياضية وإعلامية ، وحضر مؤتمراتها السنوية رئيس الوزراء نفسه وفي مناسبات متعددة، وفي أكثر من تاريخ. في هذا السياق يقول الصحفي سامر خويرة من نابلس : " أن التغطية الإعلامية لفعاليات المقاومة الشعبية مرتبطة مع الحدث نفسه ، فبوجود شخصية مهمة في الفعالية يكون الحشد الإعلامي كبيراً ، بشكل العام التغطية الإعلامية روتينية لا تحمل أية جديد ، ومع تقلص أعداد وحجم الفعاليات ، فبينما كان هناك أكثر من عشرين موقعاً ونقطة احتكاك في السابق ، تناقص هذا العدد اليوم إلى أقل من عدد أصابع اليد. تعد فكرة المقاومة الشعبية عند البعض فكرة طارئة ليست أصيلة ، لكن مع هذا هناك محاولات حثيثة لإظهارها كبديل عن الخيارات الأخرى المتاحة "
تم حصر بعض الانجازات لهذا النمط من المقاومة الشعبية في بعض المواقع مثل بلعين بفعل مأسسة العمل المقاوم على الأرض، عبر تشكيل اللجان المحلية التي تضم فعاليات القرية والمجتمع المحلي المحيط. وهذا ما أكده عبد الله أبو رحمة منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار في قرية بلعين ، إذ يقول في اليوم الأول لبدء الجرافات الإسرائيلية في قضم أراضي القرية وتجريفها ، اجتمع الشباب وعملنا على تشكيل لجنة شعبية تشمل كل القوى والفصائل والمؤسسات في القرية ، وبدأنا بتنظيم مسيرات ومظاهرات شبه يومية أو أسبوعية على مواقع الجرف والتهويد (صالح : 2010: 96). ويسترسل منوها إلى الإبداعات والوسائل الخلاقة التي استخدمها نشطاء المقاومة الشعبية في مواجهة الجدار ومواجهة الجنود والمستوطنين، إذ امتاز عملهم بالجماعية وتقسيم العمل بشكل واضح بين المسؤوليات الإعلامية والميدانية ومهمات الحراسة. كل يوم وفي كل مظاهرة أو مسيرة هناك تفكير بإبداع وسيلة جديدة للعمل الميداني من أجل لفت أنظار الرأي العام العالمي وجذب نظر وسائل الإعلام إلى ما يدور في القرية وفي نواحيها القريبة والبعيدة، وفي عموم الوطن الفلسطيني الذي يلتهمه الجدار بنهم وبلا رحمة. تحدت أبو رحمه عن أشكال نضال شعبية سلمية جديدة جربها النشطاء الفلسطينيون والدوليون والإسرائيليون في مقاومة بناء الجدار على أراضي القرية مثل ربط المتضامين أنفسهم بأشجار الزيتون حتى تكون أجسادهم نقاط الدفاع الأولى عن هذه الأشجار التي تحاول الجرافات الإسرائيلية اقتلاعها من الجذور ، فضلاً عن ربط مشانق على الأشجار وتعليق النشطاء والمتضامنين الدوليين أنفسهم عليها ومسيرات الشموع والحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية وحفلات الزواج وما إلى ذلك من نشاطات مختلفة (صالح ، 2010: 96)
مع احترام وتقدير إبداعات القرى والمواقع الملتهبة الأخرى التي هي مع تماس مباشر مع قوات الاحتلال عبر فعاليات المقاومة الشعبية ، إلا أن بلعين ، القرية الفلسطينية الصغيرة الواقعة غرب رام الله كانت الأبرز في تحقيق إنجازات على مستوى المقاومة الميدانية السلمية المدعومة شعبيا ودوليا وحتى على مستوى القيادة الفلسطينية. وقد رصد د. مازن قمصية في كتابه حول تاريخ المقاومة الشعبية الفلسطينية الأشكال التالية لهذه المقاومة على أرض الواقع في قرية بلعين بالتحديد: 1- ربط المتظاهرين الفلسطينيين والمتضامين الدوليين أنفسهم عبر الحبال في سلسلة بشرية طويلة ثم يبدؤون بالتماس مع قوات الاحتلال التي تجد صعوبة كبيرة في التعامل مع هذا الكم البشري المتضامن، 2- مقاطعة وحرق المنتجات الإسرائيلية علناً وضمن إستراتيجية معده سلفاً والحديث عن بدائل وطنية، 3- تكريم أهالي الشهداء والأسرى والجرحى في مسابقات وحفلات عامة ، 4- قيام متضامين دوليين يحملون ملصقات لقادة بلدانهم ويرفعون قفصاً كبيراً بداخله فلسطيني يلبس العلم الفلسطيني ، وهذا كناية عن جعل إسرائيل الأرض الفلسطينية سجناً كبيراً ، بمساندة بعض الدول الغربية ، 5- دعوة أعضاء كنيست من اليسار الإسرائيلي والأحزاب العربية الفلسطينية في إسرائيل ، وأعضاء من المجلس التشريعي الفلسطيني للمشاركة في فعاليات المقاومة الشعبية ، والتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطيني في مسيرة التحرر والنضال، 6- استخدام الملابس برتقالية اللون في المظاهرات ضد الجدار وإلباس المتضامنين الأجانب والإسرائيليين هذه الملابس كتعبير عن ملابس الأسرى والسجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال، 7- الجلوس في الشوارع العامة أمام المركبات العسكرية لمنعها من المرور واستقبال الهراوات والضرب المبرح ، 8- مسيرات الأطفال والنساء في القرية ، وأخيرا اللجوء إلى القانون الإسرائيلي والقضاء الإسرائيلي لمتابعة قضايا الجدار والاستيطان هناك (صالح ، 2010: 27).
من هنا قامت إستراتيجية المقاومة الشعبية في بلعين على عقد عدة نشاطات وفعاليات وقف على رأسها المظاهرات والمسيرات واللجوء إلى الإعلام والقضاء والمحاكم الإسرائيلية، والاستفادة قدر الإمكان من وفود التضامن الدولية ومجموعات السلام الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك أبدع نشطاء المقاومة الشعبية في بلعين تبني العديد من الاستراتيجيات الأخرى بما فيها الاشتباك المباشر ومواصلة الاشتباك وفرض الوقائع والتنوع والتغيير ورفض التهديد والابتزاز وتحدي منع التجول وفضح التزوير والتضليل من جانب الاحتلال (قمصية ، 2011: 254-257). وامتازت تجربة بلعين بتشكيل لجان محلية بهدف تفعيل مشاركة المجتمع المحلي في القرية بكل فئاته وأطيافه وشرائحه الاجتماعية في نشاطات المقاومة الشعبية ، ومن هنا تم تشكيل لجان الطلبة في المدارس والجامعات ولجان العمل الشبابي واللجان النسوية ، ولجان متابعة شؤون الإعلام والفضائيات وإصدار البيانات وعمل المؤتمرات الصحفية ، إضافة إلى اللجان القانونية المؤلفة من محامين محليين وفلسطينيين وإسرائيليين لمتابعة بعض القضايا الحقوقية والقانونية أمام المحاكم الإسرائيلية.
كما حازت هذه التجربة الفريدة في المقاومة الشعبية على دعم قطاعات واسعة من المجتمع المحلي الفلسطيني ، فضلا عن علاقات دولية متضامنة معها مثلتها الوفود العديدة التي زارت القرية في آخر 5-7 سنوات. فقد زار القرية متضامناً ومعبراً عن دعمه لنشاطاتها وفعالياتها وفود من الجامعات الفلسطينية والنقابات والاتحادات الشعبية وأعضاء في المجلس التشريعي ، وأمناء سر حركة فتح في الضفة الغربية ، واللجنة الوطنية للعلوم والتربية، ومجموعة الهيدرولوجيين، وأعضاء كنيست وأحزاب عربية فلسطينية في الداخل وأعضاء في البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي والبرلمان اليوناني والفرنسي والايرلندي والأرجنتيني والبرازيلي ، وقناصل الدول الممثلين في فلسطين بمن فيهم القنصل الأمريكي العام في القدس ، ورئاسة الوزراء وديوان الرئاسة ، والعشرات من وفود المتضامين الأجانب والإسرائيليين لا يتسع المجال في هذا البحث لذكرهم والوقوف عندهم جميعا (منصور ، 2007: 247).ومن منطلقات حركة اللاعنف الفكرية والفلسفية ، يمكن الإجمال والقول أن تجربة بلعين مثلت نموذجاً خاصاً في السياق الفلسطيني ، مزجت أشكالاً ووسائل مختلفة ، إلا أنها جمعت أساليب اللاتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي مع الاحتلال والقوى المناصرة له أو الواقفة معه ، إضافة إلى أسلوب التدخل أو الهجوم اللاعنفي في تجلياته المتعددة ومنها التدخل النفسي كالإضراب عن الطعام والصيام ، والتدخل البشري كالاقتحام والدروع البشرية والاعتصامات وسلاسل الأشخاص المربوطين بالأرجل ، والتدخل الاجتماعي كالمقاطعة الكلامية ، فضلاً عن التدخل الاقتصادي عبر مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ، والسير باتجاه العصيان المدني الشامل (نزال ، 2010: 30-40).

إشكاليات العمل الشعبي المقاوم في فلسطين:

في تقييمه لتجربة قرية بلعين في مقاومة الجدار والاستيطان ، وبعد صدور قرار المحكمة الإسرائيلية في صيف 2007 والذي قضى بإعادة رسم مسار جدار الضم والتوسع في تلك المنطقة ، اعتبر أبو علاء منصور ذلك انتصاراً كبيراً ليس فقط لبلعين ، وإنما أيضا لمستقبل المقاومة الشعبية في فلسطين ، على اعتبار أنها رافعة ميدانية أخلاقية لمصلحة المفاوض الفلسطيني، ولمصلحة المشروع السياسي الفلسطيني في الوقت الحالي لا سيما في ضوء هذا الانسداد الواضح في مسار التسوية مع إسرائيل. لكنه في الوقت نفسه ابدي تخوفاً من أن هذا الانتصار يمكن أن يقود إلى خلافات داخلية بين أعضاء اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار إذا ما قام كل عضو بالادعاء انه وراء ذلك الانتصار القانوني في المحاكم الإسرائيلية ، وإذا اختلط العام مع الخاص ، وتداخلت المصالح الوطنية العليا مع المصالح الخاصة الضيقة (منصور ، 2007: 290). كما أن هناك جدلاً حول مستقبل هذا النموذج المقاوم في ظل غياب الرؤية التي تضع الأهداف والاستراتيجيات المستقبلية ، وعلاقة نموذج بلعين مع الإستراتيجية الوطنية الشاملة التي من المفروض أن تضعها السلطة الوطنية بالتنسيق مع الفعاليات الأخرى لترسم من خلالها مكانة المقاومة الشعبية وعلاقاتها مع المشروع الوطني الفلسطيني اليوم. وأين تلتقي هذه المقاومة ذات الطابع الخاص مع متغيرات أخرى مثل التنمية والمأسسة والاستدامة والتخطيط القطاعي داخل مؤسسات السلطة الوطنية، واللجوء إلى المنظمات الدولية وتفعيل الاعتبارات الحقوقية والقانونية للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية (يوسف ، 2011: 35).
هذا بالرغم من قيام بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية والصحافة اليمينية المحافظة المقربة من الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو باستهداف كل من محمود عباس وسلام فياض على اعتبار أنهما يميلان في هذه المرحلة من عمر الصراع مع إسرائيل إلى حلول أحادية الجانب واستثنائية الطابع ، بحيث يتم تجسيد إستراتيجية البناء المؤسساتي الدولاني ، المدني والأمني على أرض الواقع ، مع تكثيف الجهد الدبلوماسي والدولي لإقناع المجتمع الدولي بأهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة التي ولدت من رحم المؤسسات التي بنيت ، ومن رحم المساعدات الدولية التي تدفقت على الأراضي الفلسطينية في آخر عقدين من الزمن ، ومن رحم المقاومة الشعبية على الأرض، وفي ظل عدم جدية الجانب الإسرائيلي في عملية التفاوض خاصة انه استغل هذه المفاوضات كتمرين للعلاقات العامة يمكن أن تؤدي في حال استمرارها على هذه الشاكلة إلى تدهور خطير في الأراضي الفلسطينية وفي عموم الشرق الأوسط (يوسف ، 2011: 35).
وبالرغم من وجود مواقع ملتهبة ونماذج حية للمقاومة الشعبية من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها ، وفي قطاع غزة أيضا ، وبالرغم من مجهوداتها في إبداع أشكال نضالية ميدانية جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة التي تمر بها الحالة الوطنية الفلسطينية ، لكن اللافت للنظر عدم وجود قيادة ميدانية موحدة ، وعدم فاعلية القيادة السياسية الموجهة لهذه النشاطات والفعاليات السلمية/ اللاعنفية. بالنسبة للقيادة السياسية ، لم تظهر حسبما اعتقد ذلك التوجه القوي والواضح لتبني خيار المقاومة الشعبية كخيار استراتيجي ، بحيث يعد رافعة ميدانية مكملة للمشروع السياسي والجهد السياسي الفلسطيني في المحافل الدولية. وهذا يعني بكلمات أخرى أن القيادة الفلسطينية لم تستطع حتى الآن وضع استراتيجيه تعامل فلسطينية مع الاحتلال تدمج المقاومة الشعبية ومكتسباتها الميدانية والإعلامية مع الجهد السياسي والدبلوماسي في العالم ، اقتراناً بإعادة إحياء البعد الحقوقي والدولي للقضية الفلسطينية .
وبالتوازي مع ذلك يجب النظر والتدقيق في قيادة العمل الميداني المقاومة الذي تبنى المقاومة الشعبية السلمية كأحد أشكال المقاومة ضد الاحتلال ، فان غياب الرؤية الموحدة بين أجسامها ولجانها يشكل عائقاً كبيراً أمام انجاز الحسم مع الاحتلال. فهناك ثلاثة أجسام تمثل المقاومة الشعبية على الأرض، هي الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان ( تمثل الجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية وحزب الشعب) والحملة الوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان ( تمثل حركة فتح في الضفة الغربية) واللجنة التنسيقية لمقاومة الجدار (تمثل رئاسة الوزراء ) ومقربة بشكل كبير من سلام فياض من حيث الفعاليات والنشاطات والتكتيك الميداني وكذلك التمويل. إن وجود قيادات ميدانية ثلاثة خلق إرباكات على صعيد تنظيم الفعاليات المشتركة ، لا سيما أن لهذه القيادات الميدانية مشارب سياسية واعتبارات أيديولوجية ومصالح شخصية ، ما أضعف الأداء العام للمقاومة الشعبية ، وأضعف العمق الشعبي والمشاركة الشعبية الأوسع من الناس في النشاطات المختلفة التي تنظم في عدة مواقع . وما أضعف المشاركة الشعبية ومشاركة عامة الناس في فعاليات المقاومة السلمية في العديد من المواقع هو احباطات الناس وشعورهم أن لا إنجاز حقيقي على أرض الواقع حيث تم بناء الجدار وتم مصادرة الأرضي على نطاق واسع ، وأن هناك منافسة في الأجندات والبرامج والمصالح الذاتية بين نشطاء مقاومة الجدار خاصة فيما يتعلق ببعض الأمور مثل طبيعة الفعاليات ومشاركة المتضامنين الأجانب والإسرائيليين والبحث عن تمويل وتصيد التمويل الأجنبي .
الحاج سامي صادق ، ناشط سياسي وحقوقي وميداني ، ورئيس مجلس محلي قرية العقبة الصغيرة الواقعة إلى الشرق من طوباس في الأغوار الشمالية ، اعتبر أن التحدي الأكبر الذي يواجه الفلسطينيين في إدارة المقاومة الشعبية هو الأداء الإعلامي الضعيف في إيصال رسالة المقاومة وأهدافها ومراميها إلى العالم من أجل خلق رأي عام دولي مؤيد للقضية الفلسطينية لا سيما أن اسم الفلسطيني ارتبط بالعمل العسكري والمقاومة " الإرهابية" ، وأن القنوات الإعلامية الرسمية والشعبية على الصعيد الفلسطيني ما زالت غير فاعلة في متابعة الفعاليات المختلفة التي تنظم في غير موقع في الأراضي الفلسطينية . ومن الإشكاليات الأخرى التي تناولها الحاج سامي غياب الخطة الفاعلة والمنظمة لعمل المجموعات اللاعنفية وغياب البرامج المطلوب السير وفقها ، ووجود فجوة كبيرة بين القيادة الميدانية والقيادة السياسية العليا خاصة فيما يتعلق بالإستراتيجية والتكتيك والربط بالأهداف الوطنية العليا. كما أن مواقع ساخنة مثل العقبة مهددة بالهدم والتضييق والابتزاز من قبل سلطات الاحتلال غير حاضرة إعلامياً أو سياسياً أو ميدانياً بحكم موقعها في الأغوار الشمالية بعيدًا عن مواقع القيادة في رام الله ، فضلا عن عدم التوثيق بشكل جيد وأرشفة انتهاكات الاحتلال في كل مناطق التماس والجدار والاستيطان ضمن مشروع وطني شامل للأرشفة والتوثيق والمتابعات القانونية والحقوقية .
في نفس السياق المذكور سابقا تحدث أيضا خالد منصور ، الناشط السياسي والحقوقي في حزب الشعب الفلسطيني الذي اعتبر أن توثيق فعاليات المقاومة الشعبية والنشاطات السلمية المعادية للاحتلال في الأرضي الفلسطينية ذات صبغة وأهمية وطنية لان مثل هذا التوثيق السليم يعزز متابعة الكثير من القضايا قانونياً على اعتبار أن الوثائق موجودة ، كما أن التوثيق يدعم بناء رواية فلسطينية مستقلة نوعاً ما حول هذا النمط من المقاومة ، بمساعدة الباحثين والأكاديميين خاصة أن المعركة مع الاحتلال تكتسب أهمية خاصة على الصعيد الإعلامي والبحثي والأكاديمي والقانوني .
أثبتت المقاومة الشعبية في الكثير من مواقع التماس مع الاحتلال الحاجة الماسة إلى إعادة الاعتبار إلى عنصر المشاركة الشعبية الواسعة خاصة أن مشاركة الناس من رجال ونساء وشباب وشابات في هذه الفعاليات أصبح يأخذ طابعاً محدوداً ، لدرجة أن النشطاء الأجانب في بعض المظاهرات كانوا أكثر عددا من النشطاء المحليين بالرغم من أن المعركة مع الاحتلال هي معركة الفلسطينيين أنفسهم بالدرجة الأولى. وهنا تحدث بعض النشطاء في الميدان حول العلاقة بين المتضامنين الأجانب والمجتمعات المحلية الفلسطينية حيث حاجة هؤلاء النشطاء إلى تعلم الكثير من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالاحتلال وممارساته في الأرض الفلسطينية مثل منع التجول والحواجز والاغلاقات والمقاطعة والمستوطنين ، فضلا عن أهمية تعليمهم الكثير حول الثقافة الفلسطينية المحلية في الكثير من المواقع النائية والتجمعات الصغيرة التي تمتاز ثقافتها بالانغلاق والتخوف من الأجنبي. وقد أثبتت التجارب أن المجتمعات المحلية في بعض هذه المواقع لم تستطع أن تستوعب أهمية الأدوار التي يلعبها هؤلاء المتضامنون الأجانب في مساعدة الفلسطينيين وتثبيتهم فوق أرضهم ، ومنع الاحتلال من مصادرتها أو فتح طرق التفافية فيها .
تبين من خلال التجارب المختلفة والأدبيات الموجودة أن مواقع المقاومة الشعبية خاصة في مناطق شمال الضفة الغربية في جنين ونابلس وطولكم أن اللجان المكلفة في متابعة النشاطات الميدانية ليست على مستوى عال من الهيكلة والتنظيم والمأسسة الداخلية لان كثير منها ليست رسمية وغير مرخصة وعمقها الشعبي ضعيف حيث المساهمة المحدودة من النساء في هذه اللجان بسبب العقلية الاجتماعية المحافظة وبسبب العقلية الذكورية السائدة حيث ارتبطت المقاومة بالرجال، وكذلك القيادة في الميادين ، وهذا بالطبع أضعف الاستمرارية لا سيما أن العمق الشعبي الضعيف اقترن بمشكلة التمويل الوطني المتوفر لمثل هذه الفعاليات ، وعدم التنسيق بين اللجان الشعبية والمحلية في مقاومة اللجان ، كما أن التنسيق تقريباً غائب مع اللجان الأخرى على مستوى المنطقة والمحافظة ، وحتى على مستوى الأحزاب السياسية والقوى السياسية العاملة في الميدان . كذلك كان هناك تشديد واضح من نشطاء العمل الشعبي المقاومة على الأرض على أهمية وجود إستراتيجية وطنية واضحة الأهداف والغايات والمرامي واليات لمقاومة الاحتلال ، وان يكون هناك قرار سياسي وإرادة سياسية من قبل الجميع حتى تصبح المقاومة الشعبية خياراً فلسطينياً استراتيجياً مقروناً بمتغيرات أخرى من اجل الوصول إلى نتائج حقيقية ذات طابع سياسي. ولعل احد أهم الأسباب وراء غياب مثل هذه الرؤية الموحدة في الميدان هو غياب العلاقة التناغمية والانسجامية بين الأجسام الثلاثة التي تمثل المقاومة الشعبية ، وغياب الثقة الشعبية في بعض قياداتها ورموزها بسبب إشكاليات متعلقة بالأهداف الشخصية والمصالح الضيقة التي تمثلها ، إضافة إلى عدم القدرة على إدارة الدعم المقدم لمثل هذه الفعاليات باقتدار وفاعلية وشفافية .
من هنا يمكن تلخيص بعض إشكاليات ومعيقات المقاومة الشعبية في الميدان حسبما يرى الناشط الميداني صلاح الخواجا من قرية نعلين بالتالية:
1- إشكالية إدارة التمويل الأجنبي خاصة الأوروبي لدعم فعاليات المقاومة السلمية.
2- ضعف العمق الشعبي والمشاركة الشعبية في هذه الفعاليات.
3- نظرة الناس المغلقة إلى مشاركة النشطاء الأجانب ونشطاء السلام الإسرائيليين جنبا إلى جنب مع الميدانيين الفلسطينيين.
4- الانقسام الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وصراع فتح وحماس مما اضعف المشاركة الشعبية وخلق حالة من الخوف واليأس .
5- عدم وجود الرغبة السياسية الواضح من قبل القيادة السياسية الفلسطينية في تبني هذا الخيار وتعميق فاعليته فلسطينياً وإعلامياً ضمن رؤية واضحة المعالم .
6- إشكالية المشاركة الإسرائيلية من قبل بعض نشطاء السلام من اليسار الإسرائيلي أثارت بعض إشارات الاستفهام لا سيما أن بعضهم كانوا رجال امن سابقين وجنود خدموا في الأراضي الفلسطينية ضمن وحدات الجيش الإسرائيلي، وأثبتت التجارب في أكثر من موقع أنهم ليسوا معنيين بالعمل المقاوم ضد الاحتلال بقدر أهمية ربط علاقات " تطبيع" مع الجانب الفلسطيني على مستوى الشباب والشابات والأسر والفعاليات الشعبية مثل النوادي والجمعيات والمجالس المحلية. وكأن هدف هذه المشاركة هي تجميل صورة الاحتلال في عيون النشطاء الأجانب والإعلام الأجنبي ، وتخفيف الضغوط الممارسة على الاحتلال لكنس احتلاله ومستوطنيه من الأرض الفلسطينية .
ملاحظات ختامية:
إن استعراض تاريخ المقاومة الشعبية في فلسطين في هذه العجالة البحثية والمفاهيمية إنما يعكس حقيقة هامة مفادها أن هذا النمط من المقاومة السلمية اللاعنفية له تاريخ طويل في فلسطين ، ربما يعود إلى عقود تاريخية إلى الوراء ، لكن المشكلة تكمن في قلة ما كتب حول هذا الموضوع فلسطينياً ، وضعف التوثيق والأرشفة من جانب الفلسطينيين لا سيما في تدوين ملاحظاتهم حول تجربتهم النضالية السلمية. هذا بالإضافة إلى طغيان الاهتمام الفلسطيني بموضوع المقاومة المسلحة كونها ارتبطت أكثر وبشكل أعمق مع الوطنية الفلسطينية منذ أيام الانتداب البريطاني ، وانتهاء بالاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين. اغلب الانتفاضات الفلسطينية بدأت سلمية الطابع ثم تحولت مع مرور الوقت إلى مسلحة وعسكرية بسبب دكتاتورية وقمعية المحتل ، وبسبب غياب القيادة السياسية الواعية وضعف العلاقة بين الأهداف السياسية من جهة والاعتبارات الميدانية من جهة أخرى.
يضاف إلى ذلك ، لا بد من التشديد على الاستنتاجات التالية:
1- نجحت المقاومة الشعبية الفلسطينية خاصة في الانتفاضة الثانية في ابتكار أدوات ووسائل وأشكال مقاومة جديدة تجلت بوضوح في عدة مواقع لهذا النمط من المقاومة.
2- نمذجة المقاومة الشعبية في فلسطين عبر التركيز على مجموعة محدودة من المواقع من دون الوصول إلى كل أوساط الفلسطينيين العاديين الذين اظهروا عدم اكتراث واضح بفعاليات المقاومة الشعبية ، وبسبب حسابات الربح والخسارة من جانب نشطاء المقاومة الشعبية. في بعض المواقع كانت مشاركة النشطاء الأجانب والمتضامين الدوليين ونشطاء السلام الإسرائيليين أكثر من المشاركين الفلسطينيين في المظاهرة الواحدة.
3- التركيز الإعلامي على مواقع محدودة في منطقة رام الله وبيت لحم من دون بذل الجهد الكافي للوصول إلى الأماكن البعيدة في شمال الضفة الغربية وجنوبها ، مما اضعف المظلة الوطنية الشاملة التي تستظل بها فعاليات العمل الشعبي المقاوم.
4- غياب الرؤية السياسية العليا المنظمة لعمل فعاليات المقاومة الشعبية ، وعدم القدرة على وضعها في إستراتيجية وطنية تحررية انعتاقية ، وربطها منطقياً مع متغيرات أخرى قادرة على حمل الأحلام الفلسطينية في التحرر والاستقلال.
5- صراعات الأشخاص والقيادات الميدانية ، وصراع الأجندات بين النشطاء الميدانيين الفلسطينيين المختلفين سياسيا وايدولوجيا ومصالحيا ، صراع أثاره وغذاه في نفس الوقت وبشكل واضح الوصول إلى التمويل الأجنبي والمحلي الذي تدفق على هذه المواقع ، وكان هذا عامل سلبي ومعيق في وضع الاستراتيجيات الوطنية الجامعة والقادرة على هزيمة الاحتلال حتى نقول أن هناك انجازات تحققت على ارض الواقع.

- د. أيمن يوسف

ملاحظة

المراجع العربية
1. صالح ، عبد الجواد (1990) حول مهمات المرحلة القادمة أساليب الدعم الجماهيري للانتفاضة ، لندن : مركز القدس للدراسات الإنمائية ، ص، 4-12
2. صالح ، محسن (محرر) ، (2010) الجدار الفاصل في الضفة الغربية ، بيروت : مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ص. 25-29
3. صامد الاقتصادي ، (1989) أساليب المقاومة الشعبية في الانتفاضة ، السنة 11، العدد 75 ، ص. 191-200.
4. العبد ، جورج (1991) المجتمع المدني في ظل الانتفاضة المقاومة الشعبية الحركة الوطنية الفلسطينية ، مجلة الدراسات الفلسطينية ، العدد 5 ، ص. 105-126
5. عريقات ، صائب (1990) الانتفاضة والمتغيرات ، القدس : دار العودة للدراسات والنشر ، ص. 30-35
6. قطيط ، جهاد وآخرون (2006) ، العرب ومقاطعة إسرائيل ، عمان : مركز دراسات الشرق الأوسط ، ص. 30-40
7. قمصية ، مازن (2011) المقاومة الشعبية في فلسطين : تاريخ من الأمل والتمكين: لندن ، دار النشر البريطانية بلوتو بوكس . انظر أيضا ، مازن قمصية ، المقاومة الشعبية في فلسطين : تاريخ حافل بالأمل والانجاز ، رام الله ، مؤسسة مواطن لدراسة الديمقراطية .
8. قمصية ، مازن (2011) المقاومة الشعبية في فلسطين : تاريخ حافل بالأمل والانجاز ، رام الله : مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية ، 129-131
9. مضية ، سعيد (2002)، نضال اللاعنف انسجام الوسيلة مع الهدف ، رؤية ، السنة الثانية ، العدد 16 ، شباط 2002، ص. 181-191.
10. منصور ، أبو علاء (2007) ، بلعين في المقاومة الشعبية ، رام الله : مكتب الشؤون الفكرية في حركة فتح ، ص. 247
11. نزال ، حسبان (2010) النضال السلمي في الصراعات الدولية : فلسطين نموذجاً ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بير زيت ، ص. 146
12. يوسف ، أيمن (2011) التشابك والتزاحم في مفردات الحالة الوطنية الفلسطينية بين المأسسة الداخلية واستنطاق الدعم الدولي : رؤية إسرائيلية ، مجلة أريحا للدراسات الأمنية والدولية ، المجلد الثاني ، العدد الأول ، ص. 34-56
13. يوسف ، أيمن ، (2007) الحاج أمين الحسيني بين العقائدية التقليدية والواقعية السياسية : دراسة حالة في النخبة السياسية الفلسطينية ، مجلة جامعة النجاح للأبحاث ، المجلد 21، العدد 2، ص. 541-566

المراجع بالنجليزية
1- Ackerman , P and C. kruegler , (1994) Strategic non-Violent conflict , The Dynamics of People’s Power in the Twentieth Century , Westport: Pragaer, 21-30.
2- Andoni , Ghassan (2001) A Comparative Study of Intifada 1987 and Intifada 2000 , in The New Intifada : Resisting the Israeli Apartheid Roane Carey , ed. New York : Verso , p. 210 .
3- Dudouet , V (2009) Cross Bordet Non-Violent Advocacy During the Second Intifada: The International Solidarity Movement , in H. Clark Ed. Unarmed Resistance and Global Solidarity London : Pluto , pp 125-135
4- Galtung , J (1989) Non-Violence and Israel/Palestine , Honolulu: University of Hawaii, 1989.
5- Kramer , G (2008) A History of Palestine from the Ottoman Conquest to the Founding of the State of Israel , New Jersey : Princeton University Press.
6- Mc Adam , D (1999) Political Process and the Development of Black Insurgency ,Chicago: Chicago University Press , 1930-1970.
7- Paroth , Y (1974) The Palestinian Arab National Movement 1918-1929 , London: Frank Cass.
8- Roberts , A and Gorton , T (2009) Civil Resistance and Power Politics : The Experience of non-Violence Action from Gandhi to the Present , Oxford: Oxford University Press.
9- Semelin , Jacques (1993) Unarmed Resistance against Hitler : Civilian Resistance in Europe 1939-1943 , London: Praeger Publisher , 1993, pp. 28-49.
10- Sharp , Gene (1989) The Intifada and Nonviolence Struggle , Journal Of Palestine Studies , Issue 19 , No 1, PP. 3-13
11- Sharp , Gene , (1980) Social Power and Political Freedom, Boston: Porter Sargent.

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916824 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق