Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > وثائق وتوثيق > دور التاريخ الشفوي في توثيق ملفات القضية الفلسطينية

5 تشرين الأول (أكتوبر) 2022

دور التاريخ الشفوي في توثيق ملفات القضية الفلسطينية

الرواية الشفهية عند يزيد صايغ في كتابه : الكفاح المسلح ، والبحث عن الدولة

- أ‌. عبد الحميد جمال الفراني

يصعُب على أي باحث في التاريخ المعاصر، أو أي مؤرخ يريد التأريخ لحقبةٍ معاصرةٍ له أو قريبة المعاصرة له، أن يتجاهل الاعتماد على روايات من عاشوا في هذا العصر، وإلاَّ كانت دراسته ينقصها الدقة، فقد أضحت الرواية الشفوية لازمة ومهمة وشاهدة على العصر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الباحث عندما يعتمد على تلك الروايات، ألاَّ يعتبرها بديلاً عما ورد في الوثائق والمصادر التاريخية الأخرى لأي سببٍ من الأسباب؛ بل يعد الرواية الشفهية داعمةً لتلك الوثائق والمصادر، إلا في حالة انفراد الرواية الشفهية بذكر خبر،أو حادثة لم يرد ذكر لها في الوثائق ،أو المصادر.
وتحتل الرواية الشفهية مكاناً بارزاً في معظم الدراسات التاريخية للقضية الفلسطينية ، وتكمن أهميتها في أنها تستقي معينها من أشخاص عاصروا معظم أحداث القضية الفلسطينية منذ نشأتها .
وسيتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل إحدى تلك الدراسات التي اعتمدت اعتماداً كبيراً على الرواية الشفهية في كتابة معظم فصولها ، وليس أدل على ذلك من أن صاحب هذه الدراسة قد قام بمقابلة أكثر من مائتي راوٍ ، قدموا له روايات شفهية مهمة ساهمت في إغناء المادة العلمية للكتاب .

المقدمة

بات من غير الممكن على أي باحثٍ أو مؤرخ يتناول التاريخ المعاصر لأية أمة أو شعب ، تجاهل الروايات الشفهية التي تتناول الوقائع التي عاصروها أو حدثت بعدهم مباشرةً، سواء أكانوا أنفسهم شهوداً عياناً لها، أو من خلال الرواة الآخرين الذين عايشوها. لقد أضحت الرواية الشفوية لازمة ومهمة وشاهدة على العصر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الباحث عندما يعتمد على تلك الروايات، ألاَّ يعتبرها بديلاً عما ورد في الوثائق والمصادر التاريخية الأخرى لأي سببٍ من الأسباب؛ بل يعد الرواية الشفهية داعمةً لتلك الوثائق والمصادر، إلا في حالة انفراد الرواية الشفهية بذكر خبر،أو حادثة لم يرد ذكر لها في الوثائق ،أو المصادر. فقد يداخل الراوي الهوى، فيذكر ما يحلو له من وقائع مع بعض المبالغة، خاصةً إذا كان مناوئاً لسياسة حكومته التي وقعت الأحداث في زمنها.
كما يجب تحري الدقة فيما يُنقل على لسان الرواة، وإلاَّ فقد تفقد الرواية الشفوية أهميتها، وقد تكون وبالاً على المتلقي، حيث نسمح بذلك للبعض بنقل روايات إما تافهة أو مختلقة سوف تتناقلها الأجيال على ما فيها من عيوبٍ ونقص. ويمكن الاعتماد على التاريخ الشفوي كمنهجِ بحث، غايته دراسة الماضي من خلال الكلمة المحكيّة المحفوظة في الذاكرة الإنسانية والمنقولة مشافهةً من خلال روايات الأفراد وذكرياتهم عن أحداث عاصروها ، وخبراتهم ومشاهداتهم، خاصةً تلك التي شاركوا فيها شخصياً، أو كانوا مجرد شهود عيان عليها، غير أن ذلك لا يعني التسليم المطلق على تناول الرواية الشفهية في الدراسات التاريخية، نظراً لِما قد تحتويه من أخطاء تؤدي بالباحث للوقوع في مزالق لا يسلم منها تاريخياً ، بعدما تستهويه رواية ما فيقبلها دون تمحيص لها ، والواجب علينا قبول الروايات الشفوية على اختلاف توجهاتها بشيءٍ من الحذر والدقة ، من غير مبالغة. ورغم أن مصطلح التاريخ الشفوي يبدو متناقضاً في ذاته، لأن التاريخ بمعناه الضيق عند البعض يعني الكتابة، والمؤرخون عامةً متحيزون للمصادر المكتوبة، فالرواية الشفوية تبدو المواقف منها متباينة، وبعض المؤرخين يرفضون الاعتراف بها كمصدرٍ من مصادر المعرفة التاريخية وذلك لسببين:
- الأول: اعتمادها على الذاكرة التي هي عُرضة للقصور والخطأ.
- الثاني: أن التاريخ الشفوي وتحديداً تاريخ الحياة هو عمليات تجري على الأحياء في حين أن التاريخ هو دراسة الماضي. وفي هذا السياق يجب تحري الدقة فيما يُنقل على لسان الرواة، وإلاَّ فقد تفقد الرواية الشفهية أهميتها، بل قد تكون وبالاً على المتلقي، حيث نسمح بذلك للبعض بنقل روايات إما تافهة أو مختلقة سوف تتناقلها الأجيال على ما فيها من عيوبٍ ونقص. وقد قام الباحثان بتقسيم الدراسة إلى عدة مباحث:

- المقدمة .
-  أولاً: ترجمة للمؤلف ، يزيد صايغ ، وعرض موجز لكتابه .
-  ثانياً: القيمة العلمية للروايات الشفهية عند الصايغ.
-  ثالثاً: منهج الصايغ الشفهي.
- التوصيات والنتائج . - قائمة المصادر والمراجع .

أولاً : ترجمة المؤلف

ولد المؤرخ والباحث يزيد صايغ في الولايات المتحدة الأمريكية 1955م، أنهى شهادتي البكالوريوس تخصص الكيمياء من الجامعة الأمريكية في بيروت ، والدكتوراة في الدراسات الحربية من جامعة لندن سنة سنة 1987م، عمل باحثاً في الشئون العسكرية والاستراتيجية للقضية الفلسطينية ، وللصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي في عدد من المؤسسات، والصحف المتخصصة. وهو مدير مساعد للدراسات في مركز الدراسات الدولية في جامعة كامبردج، ومستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
وقد عمل مستشارا للوفد الفلسطيني لمحادثات السلام الثنائية مع إسرائيل في واشنطن بين سنوات 1991-1993، وعضوا في الوفد الفلسطيني الذي قام بالتفاوض حول اتفاق قطاع غزة ومنطقة أريحا (اتفاق القاهرة) الموقع في 4/5/1994.. وهو حالياً يعمل في مركز الدراسات الدولية في جامعة كامبردج (بريطانيا)، كما يدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (لندن). وترأس الوفد الفلسطيني إلى مجموعة العمل المتعددة الأطراف لضبط التسلح والأمن الإقليمي في الفترة نفسها. من ضمن مؤلفاته( 1):
- الأردن والفلسطينيون ، التجربة العسكرية الفلسطينية (1965-1985م) .
- الأمن القومي الأردني منذ ( 1967م ).
- الصناعة العسكرية العربية.
- الأداء العسكري الفلسطيني في لبنان (1982م).
- الكفاح المسلح الفلسطيني بين الغاية والوسيلة.
- حول التفكير العسكري الفلسطيني.
- السياسة النووية العسكرية لإسرائيل.
- العرب والتحديات البحرية
- الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، الحركة الوطنية الفلسطينية (1949-1993م) ، وهو موضوع الدراسة.

- ثانياً: القيمة العلمية للروايات الشفهية عند الصايغ:

تناول كتاب صايغ مرحلة كاملة من تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، من قيام ما يسمى بدولة إسرائيل سنة 1948م حتى عقد اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي سنة 1993م( 2).
ومن خلال دراسة محتويات كتاب الكفاح المسلح تبين أن الكتاب قد احتوى على (26) موضوعا، اشتملت على (937) رواية شفهية- أي ما يشكل 33% من المصادر التي اعتمد عليها الكاتب -، واستفاد منها في دراسته عن القضية الفلسطينية.
ومن أهم الموضوعات التي وثقها الصايغ من خلال الروايات الشفهية؛ الحديث بالتفصيل عن نشأة وتكوين الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية، فأورد روايات شفهية عن :
1- حركة فتح ( 3).
2- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(4 ).
3- الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين(5 ).
4- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(6 ).
5- جبهة التحرير العربية(7 ).
6- منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية(8 ).
7- جبهة النضال الشعبي الفلسطيني( 9).
8- جبهة التحرير الفلسطينية( 10).
9- جيش التحرير الفلسطيني(11 ).
ويتمحور التطور لدى التنظيمات السياسية السابقة إلى "الكفاح المسلح"، فيظهر يزيد صايغ كيفية استخدام حالة الصراع والمواجهة من أجل تعبئة وحشد قاعدة جماهيرية، وتحقيق هيمنة مفاهيم ومصطلحات محددة للثورة والوطنية، وبناء المؤسسات الدولانية، وتأكيد شرعية طبقة سياسية ونخبة بيروقراطية جديدتين هذا ، ويستند الكتاب إلى أرشيفات م.ت.ف ، وإلى الوثائق الداخلية والمطبوعات الرسمية لمختلف الفصائل الفدائية، وإلى ما يزيد على (400) مقابلة أجراها المؤلف مع أعضاء وكوادر وضباط م.ت.ف. وفصائلها(12 ).
كما استعرض الصايغ فسي دراسته عدد من الروايات الشفهية التي تناولت الحديث عن اتفاقية السلام التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو مع حكومة الكيان الإسرائيلي، وبنود هذه الاتفاقية،وما تمخض عنها من نتائج وأحداث لا تزال المنطقة تعيش أثارها ( 13)؛ والجدير بالذكر أن الكاتب لم يعتمد كثيراً على الروايات الشفهية المتعلقة بهذا الفصل، بالمقارنة مع مثيلاتها من الروايات الشفهية التي اعتمد عليها في بعض الفصول، حيث بلغت رواياته عن هذه الاتفاقية تسع روايات فقط، على الرغم من قرب أحداث توقيع تلك الاتفاقية، ووجود عدد كبير من الرواة الذين شهدوا وشاركوا في توقيعها، ومازال معظمهم على قيد الحياة ( 14).

- ثالثاً: منهج الصايغ الشفهي.

اعتمد الصايغ في دراسته على المنهج التحليلي الوصفي والنقدي للروايات الشفهية التي استقاها من الرواة المعاصرين للأحداث التاريخية موضع دراستهم، وسيركز الباحثان على تتبع الروايات الشفهية التي تم الاعتماد عليها في دراسة الصايغ، والعمل على تتبع نقاط القوة والضعف في التعامل مع هذه الروايات ومدى استفادة الكاتب منها.
أما الضوابط التي ستسير عليها الدراسة في عملية التقويم، لنقيس على أساسها صحة ومنطقية الروايات فهي كالتالي(15 ):
1- مدى مساهمة الراوي في صنع أحداث الفترة التي يروي عنها.
2- مدى استخدام الباحث لعدة روايات لحدثٍ بعينه، مما يدعّم موقفه.
3- مدى استخدام الباحث لرواية الآحاد يُضعف من قوتها.
4- عدم ذكر الباحث لاسم الراوي يُفقدها أهميتها.
5- أن يكون الراوي مسئول حكومي يُعتدّ بروايته، وشاهداً عياناً للحدث، ذاكراً روايته دون مراء للسلطة التنفيذية.
6- عدم اعتبار الرواية الشفهية بديلاً عما ورد في الوثائق الرسمية لأي سببٍ من الأسباب؛ فقد يداخل الراوي الهوى، فيذكر ما يحلو له من وقائع مع بعض المبالغة.
وهذه الدراسة لن يكون همها الرئيسي استخدام كم كبير من المراجع، لأن دراسة التاريخ الشفوي من الموضوعات العلمية الحديثة، التي لا تحظى بعد بالمراجع الوافية، والتي نتمنى أن تنتشر في المستقبل القريب، ليستفيد منها الباحثون والمؤرخون في دراساتهم المزمع القيام بها عن التاريخ المعاصر.

أهمية الرواية الشفوية في الدراسات التاريخية المعاصرة( 16):

باتت الرواية الشفهية من الضرورات للباحث في تدوين التاريخ المعاصر لأية أمة أو شعب، فالرواية الشفوية أضحت متممة ولازمة لتوكيد ما ورد في الوثائق الرسمية التي صدرت عن الحكومات، إلاَّ أنه لا يجب على الباحث المؤرخ أن يعد تلك الرواية بديلاً عما ورد في الوثائق لأي سببٍ من الأسباب؛ فقد يداخل الراوي الهوى، فيذكر ما يحلو له من وقائع مع بعض المبالغة، خاصةً إذا كان مناوئاً لسياسة حكومته التي وقعت الأحداث في زمنها.
وعليه فإن من واجب الباحث الذي يتقصى الحقيقة، أن لا يدفعه تحمسه لقبول روايةٍ بعينها لمجرد أنها لاقت هوىً في نفسه، فلا بد من تدقيقها وتمحيصها؛ وإن شكَّ في صدق روايةٍ ما، فعليه تجنبها، حتى لا تُحسب عليه، فهو المسئول أولاً وأخيراً عما أورده من أحداثٍ تاريخية.
ويعد التاريخ الشفوي منهج بحث مهمته دراسة الماضي من خلال الكلمة المحكيّة المحفوظة في الذاكرة الإنسانية، والمنقولة مشافهةً من خلال روايات الأفراد وذكرياتهم عن أحداث حياتهم، وخبراتهم ومشاهداتهم، خاصةً تلك التي شاركوا فيها شخصياً، أو كانوا مجرد شهود عيان عليها( 17) .
والواقع أن التاريخ الشفوي أو إن جاز القول الرواية الشفوية وُجد منذ القدم، ولا زالت الكلمة المحكية وسيلة ضرورية لنقل المعلومات والأخبار والتجارب من جيلٍ إلى جيل، ورغم الابتكارات الجديدة التي تطل علينا يوماً بعد آخر، خاصةً اختراع وسائل الطباعة، ما زال الناس حول العالم يستخدمون الرواية الشفوية في نقل المعلومات والأخبار والمعارف( ) .
وما المخطوطات التي تتناول التاريخ الإسلامي العام والتاريخ الحديث على وجه الخصوص، والتي كتبها ودونها بعض المثقفين والعامة والتي وصلتنا، إما عن طريق دور الوثائق العربية والإسلامية أو من خلال دور الوثائق الأجنبية المختلفة، ما هي إلاَّ تدوينٌ لروايات دونها المؤرخون عبر الروايات الشفوية للأهالي الذين عاصروا الأحداث.
ويأتي في هذا المقام ما دونه عدد كبير من المؤرخين المسلمين، الذين اعتمدوا اعتمادا كبيرا على التاريخ الشفهي؛ فدونوا معظم كتاباتهم من أفواه الناس والرواة المعاصرين للاحداث، ونذكر منهم على سبيل المثال، كتاب السير، والفتوحات الإسلامية كالبلاذري، ومعاصري الحروب الصليبية كإبن منقذ في مذكراته المسماه الاعتبار، وغالبية كتاب الرحلات كالمقدسي، والإدريسي، وابة الشهير ابن بطوطة، وكتاب التاريخ العام، كالطبري، والمقريزي في سلوكه، وابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة"، وما دونه محمد ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، والأمير حيدر الشهابي في كتابه "الغرر الحسان في تواريخ أهل الزمان" ،المعروف باسم "تاريخ الأمير حيدر الشهابي"، وطنوس الشدياق في كتابه "أخبار الأعيان في جبل لبنان"، وشيخ المؤرخين المصريين عبد الرحمن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في الوقائع والأخبار" المعروف باسم "تاريخ الجبرتي" ... الخ.
والتاريخ بصورةٍ عامة هو كل ما يحيط بنا، في بيوتنا وعائلاتنا وكذلك في مجتمعاتنا، راسخٌ في الذكريات الحية لكبار السن المجربين، الذين يخبروننا بما نجهله من معلوماتٍ عن وقائع لم نعاصرها، فلكلٍ منهم رواية شخصية عن حدثٍ قد عاصره أو كان فعَّالاً في إنجازه، خاصةً تلك الروايات التي ألمت بالشعب الفلسطيني، مثل ذكرياتهم عن فترة الانتداب البريطاني أو حرب عام 1948م، وما ترتب عنها من ضياع فلسطين، أو العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة، وحرب عام 1967م، التي ترتب عليها ضياع ما تبقى من أرض فلسطين، ثم أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، المشهورة في التاريخ المعاصر،وكان لها أثرٌ بالغ في استعادة جزءٍ من أرض فلسطين(18 ) .
وكتابة التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر ما هي إلاَّ شكل من أشكال المقاومة، مقاومة التشويه الذي يتعرض له تراث هذا الشعب الثقافي يومياً، كما أنه وسيلةً للحفاظ على الهوية الوطنية المهددة بالضياع، ويبدو أن هذه المهمة ليست بالسهلة، نظراً لأن الأرشيف التاريخي الفلسطيني شأنه شأن الوجود الفلسطيني ذاته مبعثر ومسلوب؛ لذا فإنه من خلال غياب المؤسسات الوطنية الفعالة التي تعمل على المحافظة على التراث الوطني ونشره؛ فإن هناك خطراً واقعاً وحقيقياً من اندثار التراث والشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني. هذا الواقع المر يجعل المؤرخ الواعي لا يستطيع القفز عنه، وأن واجبه الوطني يحتم عليه في هذه الحالة أن يعتمد على الرواية الشفوية في كتابة التاريخ الفلسطيني المعاصر( 19) .
ورغم أن مصطلح التاريخ الشفوي يبدو متناقضاً في ذاته، لأن التاريخ بمعناه الضيق عند البعض يعني الكتابة، والمؤرخون عامةً متحيزون للمصادر المكتوبة، فالرواية الشفوية تبدو المواقف منها متباينة، وبعض المؤرخين يرفضون الاعتراف بها كمصدرٍ من مصادر المعرفة التاريخية وذلك لسببين: الأول: اعتمادها على الذاكرة التي هي عُرضة للقصور والخطأ. والثاني: أن التاريخ الشفوي وتحديداً تاريخ الحياة هو عمليات تجري على الأحياء في حين أن التاريخ هو دراسة الماضي(20 ) .
والمهم في الروايات الشفوية أنها أكملت وما زالت تكُمل ما تجاهلته الوثائق الرسمية أو المصادر التاريخية والاجتماعية السابقة، فتلك الوثائق أو المصادر أخبرتنا بالكثير عن حياة المشاهير والعظماء والمتنفّذين، وعن الحوادث الكبرى في التاريخ، لكنها تعمدت وتجاهلت الناس العاديين ومساهماتهم التي كان لها دورٌ بارز في صنع تلك الأحداث. وبما أن التاريخ عامةً يدونه مؤرخو الحكومات المختلفة، حيث يدونون إنجازات تلك الحكومات، فإن الرواية الشفوية وُجدت لتعطي المهمشين حقهم، ولتملأ الفراغ الذي تركه هؤلاء المؤرخون(21 ) .
وخلاصة القول، أن جمع الروايات الشفوية وتوثيقها عمل بالغ الأهمية، لأنه يحفظ خبرات وتجارب كانت ستُنسى أو تتحول في أحسن الأحوال إلى أساطير وخرافات بفعل تناقلها مشافهةً من شخصٍ إلى آخر، ومن جيلٍ إلى جيل. والرواية الشفوية إذا أُحسن استخدامها فسوف تشكّل مصدراً لا يقل أهمية ولا دقة عن المصادر المكتوبة، مع مراعاة تحري الدقة فيما يُنقل على لسان الرواة، وإلاَّ فقد تفقد الرواية الشفوية أهميتها، بل قد تكون وبالاً على المتلقي، حيث نسمح بذلك للبعض بنقل روايات إما تافهة أو مختلقة سوف تتناقلها الأجيال على ما فيها من عيوبٍ ونقص.
وفي هذا السياق نورد مجهود أحد الباحثين الفلسطينيين، وهو: الأستاذ الدكتور يزيد صايغ الذي اعتمد – إلي جانب الوثائق والمصادر- على الروايات الشفوية من أشخاصٍ عاصروا الأحداث. وعلى ذلك سوف تقتصر الدراسة التي بين أيدينا على كتاب الدكتور يزيد صايغ : " الكفاح المسلح والبحث عن الدولة ( الحركة الوطنية الفلسطينية 1949- 1993م) ، مبينين مدى القوة في اعتماده على الروايات الشفوية ومواطن الضعف فيها ، آخذين بعين الاعتبار عدم التقليل من أهمية دراساته التي بذل فيها جهَداً موفقاً.
المصادر الشفهية عند يزيد صايغ في كتابه الكفاح المسلح:
استفاد صايغ خلال جمع مادته العلمية كثيرا من الروايات الشفهية، من خلال السماع على أشهر القيادات والزعامات في عصره، وقد أخذها عن طريق المشافهة والسماع، وشكلت معظم مصادر رواياته، حيث اعتمد 33% من كتابه على الرواية الشفهية المباشرة، أي أن ثلث مصادره من الرواية الشفهية المباشرة، وقد استعان الكاتب على ثلث آخر من الكتاب على روايات شفوية غير مباشرة، لرواة لم يتمكن الكاتب من مقابلتهم رغم أنه سافر وتنقل بين البلدان العربية والأجنبية للحصول لجمع مادته العلمية؛ بل أنه استعان بمقابلات أجرتها المجلات والجرائد مع شخصيات فلسطينية عايشت الأحداث. وعليه فإنه يمكن اعتبار كتاب يزيد صايغ : " الكفاح المسلح والبحث عن الدولة من كتب الروايات الشفهية، وذلك لارتكاز مادته الأساسية على الرواية الشفهية. وقد أسند بعض الروايات إلي مجاهيل حدد جنسياتهم، ولكن لم يحدد أماكن التقائه بهم.
وقد استعان صايغ في التعامل مع الروايات الشفهية طريقة الإسناد إلي فريق من الباحثين في اجراء عدد من المقابلات، وكان منهجه في التعامل مع المقابلات من خلال ما يأتي:
1- ذكر اسم الراوي الذي روى عنه مباشرة(22 ).
2- عند قيام زوجته " روز ماري صايغ "، أو أحد من أقاربه " يوسف صايغ "، أو بعض طلابه " عدنان عودة"، بإجراء المقابلة مع الراوي، كان يقول" قام بمقابلته فلان نيابة عن المؤلف "(23 )، وهذا يشبه المسند الموصول في منهج المحدثين. لأنه من الطبيعي أن يقوم أولئك الذين أوكل إليهم الكاتب الفيام بالمقابلة قد حدثوه بروايات الرواة الذين قابلوهم.
3- استعمال الإسناد الجمعي، حيث اعتمد على عدة روايات شفهية لتأكيد الحدث التاريخي الواحد، ليدلل على صدق الخبر من خلال اتفاق الرواة عليه( 24)، وهذا مما يؤكد على حرص صايغ على عدم التساهل في الروايات التاريخية، ليخرج في النهاية بمعلومات صحيحة ومؤكدة.
4- ذكر الاسم الكامل للراوي في أغلب الروايات( 25)، وقد يكتفي بذكر اللقب الشهير للراوي، أو ما يسمى بالأسماء الحركية لعدد كبير من الرواة الذين قابلهم دون أن يذكر الأسماء الحقيقية لهم، ولعل ذلك كان من باب الحذر والحماية لأولئك الرواة الذين يبدو أنهم قد رفضوا التصريح بأسمائهم خشية أن تطالهم أيدي الموساد المتربصة بأبناء المقاومة الفلسطينية، مثل(26 ) " أبو خالد "، و " أبو رائد "، و " أبو رياض "، " أبو زيتون "، " أبو سهيل "، " أبو الشيخ "، " أبو صلاح "، " أبو طوق، علي "، " أبو عذاب "، " أبو عزام "، و" أبو محمد". أبو هيثم،أبو مهدي، والحقيقة ان ذلك قد يضعف من رواياتهم وخاصة بعد مرور مرحلة زمنية طويلة بعد وفاتهم، كما أن أحدا لا يعرفهم غير المؤلف، وهذا يعني أن رواياتهم قد تصبح عديمة الفائدة بعد وفاة المؤلف كذلك؛ وبالتالي فإن الروايات هي روايات مجاهيل.
5- اهمال المؤلف لذكر تواريخ وأماكن بعض المقابلات التي أوردها.
وقد ارتأى الباحثان تحليل الروايات ونقدها من خلال عمل جدولين؛ يحتوى الجدول الأول منهما على: عناوين الفصول، وعدد الروايات الشفهية التي استند عليها الكاتب، ونسبتها وتحليل لها.
أما الجدول الثاني فهو جدول تفصيلي بالمقابلات من حيث اسم الراوي، ومنصبه، وعدد رواياته، جنسيته، ومكان وتاريخ المقابلة، ثم تحليل تلك الرواية، ومدى استفادة الكاتب منها. وسنحاول الإحاطة بكل الرواة، والمعلومات الشخصية المتوفرة عنه، وهذا ما سنستدركه على المؤلف يزيد صايغ ، حيث لم يعط البيانات المطلوبة عن كل المقابلات الموجودة في الكتاب ، وسنورد أسماء الرواة حسب الترتيب الأبجدي، ومنصبه، وعدد رواياته ، وعدد بروايته، والجدير بالذكر أن ما سيقوم به الباحثان قد أغفل عنه صايغ في الكتاب، مما يعني أن ما سيتم عمله سيكون إضافة جديدة يقدمها الباحثان.

الجداول في ملف بي دي اف

وإذا قمنا بتحليل للجدولين السابقين، نجد اعتماد يزيد صايغ على الرواية الشفهية بشكل لافت وخاصة في بعض الفصول، وكانت هناك روايات شفهية مدعمه من بعض المصادر المكتوبة، وفي هذه الدراسة سوف يتمّ التركيز على الوقائع التاريخية التي أوردها الباحث معتمداً على الروايات الشفهية، وسوف يكون منهجنا معتمداً على ذكر الروايات التي صيغت بشكلٍ سليم أو أنها لا تضر السياق التاريخي للدراسة التي بين أيدينا.

ومن خلال الجدول الثاني يمكن لنا أن نستنتج الآتي:
1- الأخذ من رواة متعددي المشارب، ومختلفي التوجهات الفكرية والسياسية، ومتنوعي التخصصات، منهم المدنيين، وغالبيتهم من العسكريين الذين خاضوا تجربة كبيرة في ميدان السياسة والحرب، فكان من بين الرواة الذين استقى منهم رواياته الشفوية عدد من القادة، والأطباء، والسفراء، والعلماء، والكوادر، من الرجال، وحتى النساء، مما يدل علي أهمية التنويع في الروايات الشفوية لينعكس ذلك علي تنوع المادة التاريخية.
2- الاعتماد علي مصادر رسمية في مقابلاته، فأخذ عن كبار القادة والزعماء الذين كان لهم باع طويل ومباشر في صناعة الأحداث.
3- الاطلاع علي السجلات الرسمية واستقاء المعلومات منها، فأخذ من الوثائق الرسمية ما يثبت بعض الروايات الشفهية ليزيدها قوة وإثبات.
4- الحصول علي الروايات بطريقة غير مباشرة من خلال مكاتبة عدد من الرواة الذين لم يتمكن من مقابلتهم، أو إرسال من يقابلهم نيابة عنه، وقد ينقل الروايات من خلال الصحف والمجلات التي اجرت مقابلات مع الرواة، وقد يحصل على الروايات من خلال الإذاعة أو التلفزيون.
5- توثيق المعلومات من خلال المعاينة والمشاهدة المباشرة، مما يشير إلي أن أخبار صايغ وما نقله لنا من خلال المشاهدة هو بحد ذاته روايات شفهية ينقلها لنا صايغ مضافة إلي الروايات الشفهية المتعددة التي أوردها في كتابه.
6- الاطلاع على مؤلفات من سبقوه من المؤرخين والنهل منها، فذكر في كتابه قائمة طويلة لعدد من المؤلفين ممن عاصرهم، أو لم يعاصرهم، ولكنه أخذ منهم عدد من الروايات التاريخية التي ساهمت في دعم الروايات الشفهية لرواته؛ ويمكن للقارئ الاطلاع على القائمة الطويلة من المصادر والمراجع التي استفاد منها الكاتب.
ومن خلال دراستنا للروايات الكثيرة التي أوردها صايغ سنقوم بتحليل بعض تلك الروايات؛ وأول ما نورده من روايات شفهية ذكرها الباحث وهي في غاية الأهمية: عبد الله محيسن في سياق حديثه في الفصل الثاني: الفلسطينيون في الزي العسكري العربي ( 27). أي أن العرب في هذا الفصل بدأوا يلبسون الزي الفلسطيني، من خلال حرصهم على فلسطين، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة. وأول دولة سعت ودافعت عن القضية الفلسطينية هي مصر( 28) ، والرواية الشفوية التي استند إليها يزيد صايغ قوية الحجة، حيث أن الراوي عبد الله محيسن ضابط في حرس الحدود الفلسطيني في الفترة 1953-1963م ، أي أنه عاصر الحدث، فهو ضابط في جيش التحرير الفلسطيني ( ج.ت.ف)، منذ 1964م (قوات عين جالوت)( )، ومفاد الرواية: " أن الحكومة المصرية أصدرت قراراً بإنشاء شرطة الحدود الفلسطينية بقيادة عضو مجلس قيادة الثورة، عبد المنعم عبد الرؤوف(29 )؛ وقد تمكن من تدريب 250 متطوعاً فلسطينياً مع بداية آذار /مارس 1953م، وأتبعهم بثلاث مجموعات إضافية من المتدربين بين أيار /مايو وكانون الأول /ديسمبر من سنة 1953م "( 30). وهذه الرواية يمكن قبولها، لأنها جاءت من ضابط في حرس الحدود الفلسطيني في الفترة 1953م.حيث استعان يزيد صايغ برواية محيسن كمصدر في أكثر من خمس مرات من الكتاب.
وتوالت الروايات الشفوية في الفصل الثاني حيث بلغت 31 رواية، في هذا الفصل أي ما يقارب نصف المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف يزيد صايغ حيث بلغت: 81 مصدرا، منها ست روايات مدعمة بمصادر أخرى، حيث بلغت نسبة الرواية 38% من الفصل الثاني.
وقبولنا لهذه الروايات نابع من مساهمة الرواة في صنع أحداث تلك الفترة، وكانوا شهوداً عيان عما حدث بها من وقائع تاريخية أثّرت على تاريخ منطقة قطاع غزة على وجه الخصوص.
وفيما يخص الفصل الثالث: انبعاث الحركة الوطنية الفلسطينية. فقد أحسن الباحث استغلال الروايات في هذا الفصل لبناء الأحداث التاريخية، أضف إلى ذلك أنه دعَّم هذه الأحداث باستخدامه عدة روايات، لا روايةً واحدة فقط، كما أنه أحسن التحليل التاريخي للروايات التي استخدمها.
وفي سياق الحديث عن انبعاث الحركة الوطنية الفلسطينية أيضاً، ساق الباحث عدة روايات مدعمة بالمصادر، من ذلك رواية الهندي( 31)، وصحة هذه الرواية تنبع من كون أن مصدراً آخر قد دعمها وأكدها(32 ) .
وثمة روايات عدة ساقها الباحث عن الموضوع السابق، وكل هذه الروايات يمكن القبول بها، مثل رواية: قدورة(33 )، وصلاح صلاح ( 34)، وياسين( 35)، من الفصل الثالث، لأنها أولاً: جاءت على لسان شهود عيان لها، وثانياً: لأنه تمَّ تأكيدها من خلال مراجعٍ تاريخية أخرى.
كما في الإمكان قبول الروايات التي تحدث الباحث من خلالها عن الحد الفاصل " ولادة الكيان" في الفصل الرابع، والتي استقاها من عدة رواة كانوا شهوداً عياناً على ذلك، فهم أخبر، وكانوا قادة في هذا الكيان الفلسطيني، ألا وهو منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتلتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح ) أمثال: خليل الوزير أبو جهاد(36 ) الذي بلغت عدد رواياته ست روايات، ومحمود عباس(37 )، وآخرين كثر.
والشيء نفسه عند حديث الباحث عن: تحديات الكفاح المسلح في الفصل الخامس ، فقد قام الباحث بجهَدٍ رائع يُحسب له، حيث قام بإجراء 88 من المقابلات الشخصية مع الذين أسسوا جيش التحرير الفلسطيني، أمثال : خليل الوزير، ومحمود عباس، وسليم الزعنون، وخالد الحسن، وغيرهم الكثير. وبذلك يُعدُّ هذا المبحث الذي دونه الباحث مرجعاً واقعياً عن النضال الفلسطيني من أجل التحرر، وسيكون لزاماً على أي باحثٍ سوف يتناول هذه الأحداث لاحقاً الاطلاع عليه(38 ).
ونأتي للفصلين السادس والسابع اللذين تناولا موضعين مهمين من موضوعات الكتاب: فالفصل السادس حمل عنوان: تحويل الهزيمة إلى فرصة( 39). أما الفصل السابع فقد حمل عنوان: انتزاع القاعدة الآمنة للفدائيين( 40).
وقد شكلت الروايات الشفوية في الفصل السادس ما نسبتة 50% من نسبة المصادر والمراجع، نظرا لأهمية الرواية الشفهية في دراسة هذا الفصل. حيث تم خلاله مناقشة هزيمة 1967م ونتائجها، وأهم أحداثها، وكيف استفادت حركة فتح، والتنظيمات الأخرى من ذلك، وخاصة بإعلان حركة فتح الحرب على إسرائيل، وقيام عمليات فدائية ضد الجيش الإسرائيلي( 41).
ومن بين الروايات التي ذكرها الباحث رواية خليل الوزير حول العمل العسكري في الضفة وقطاع غزة: " وكان وزير الدفاع، حافظ الأسد أكثر مرونة، إذ شجع فتح على العمل في الضفة الغربية وغزة ( من دون أن تعبر الخطوط السورية )، وأعطاها كميات صغيرة من معدات القتال تسهيلاً لعملها هناك "( 42) .
وجاءت رواية أخرى لبعباع( 43): حيث بلغ خليل الوزير، والقدومي سويداني رئيس الأركان السوري أن فتح تعتزم استئناف الهجمات الفدائية ضد إسرائيل. وانزعج رئيس الأركان كثيراً من هذا الخبر، وقام بتذكيرهما لائماً بأنه: " لا توجد دبابة سورية واحدة بين القنيطرة ودمشق "( 44).
وجاءت رواية محمود عباس التي تلت رواية بعباع بالقول: حيث قال سويداني رئيس الأركان لأبي جهاد والقدومي: " أنا صديقكم، وأحذركم من أن الآخرين (في القيادة السورية) سيحملونكم المسؤولية (عن العواقب) ". (45 ).
والباحث أكَّد هذه الرواية من خلال مصدرٍ آخر، وهذا ما يجعلنا نميل لقبولها، فمن المعروف أنه في نهاية ستينيات القرن العشرين، أخذت حركة فتح بالتطور ، وتظهر على الساحة، بكفاحها المسلح .
وكل ما سبق من تحليل للروايات ما هو إلا مجرد أمثلة لا يتسع المقام للزيادة عليها، ومهما يكن من امر فإن صايغ قد أحسن انتقاء الرواة والروايات، وأصاب في الاستفادة منها وتوظيفها في دراسته، فجاءت على احسن ما يكون، وبذلك يمكن الاستفادة من المنهجية والأسلوب الذي قام باتباعه صايغ في التعامل مع التاريخ الشفهي وتوظيفه في توثيق مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الفلسطيني على لسان أشخاص عاينوا الاحداث وشاركوا في صنعها.

النتائج والتوصيات:

وفي ختام الدراسة يمكن لنا الخروج بعدة استنتاجات منها:
أهمية الرواية الشفهية في تدوين التاريخ المعاصر، إذ أضحت متممة ولازمة لتوكيد ما ورد في الوثائق الرسمية.
ومن النتائج أيضا؛ عدم اعتبار الرواية الشفوية بديلاً عما ورد في الوثائق؛ فقد يداخل الراوي الهوى، فيذكر ما يحلو له من وقائع مع بعض المبالغة، خاصةً إذا كان مناوئاً لسياسة حكومته التي وقعت الأحداث في زمنها.
إن جمع الروايات الشفوية وتوثيقها عمل بالغ الأهمية، لأنه يحفظ خبرات وتجارب شعوب كانت ستُنسى أو تتحول في أحسن الأحوال إلى أساطير وخرافات بفعل تناقلها مشافهةً من شخصٍ إلى آخر، ومن جيلٍ إلى جيل. والرواية الشفوية إذا أُحسن استخدامها فسوف تشكّل مصدراً لا يقل أهمية ولا دقة عن المصادر المكتوبة، مع مراعاة تحري الدقة فيما يُنقل على لسان الرواة، وإلاَّ فلن تفقد الرواية الشفوية أهميتها، بل قد تكون وبالاً على المتلقي، حيث نسمح بذلك للبعض بنقل روايات إما تافهة أو مختلقة سوف تتناقلها الأجيال على ما فيها من عيوبٍ وأدران.
كما لوحظ أن الباحث لم يأخذ موقفاً مسبقاً من الروايات التي اعتمد عليها قبل الاقتباس منها، بناءً على موقفٍ سياسي مسبق منه؛ لذا كانت الروايات قريبة من الحقيقة، حيث لم يوظفها في تحقيق مكاسب سياسية ولأغراضٍ حزبية، كما يفعل البعض، الأمر الذي يُحمد عليه ونتمنى أن يطال كافة الرسائل العلمية التي سيتم إنجازها لاحقاً، لكن يؤخذ عليه قلة الروايات الشفوية نسبياً في دراسته.

ملاحظة

1 - انظر ترجمة المؤلف في: التجربة العسكرية الفلسطينية المعاصرة ، ط1 ،1994م،ص4. والشبكة الدولية
( الإنترنت ) موقع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية على الرابط : http://www.pcpsr.org/arabic/cfr/full3.html#head32
2- حجازي ، يوسف : أيام فلسطينية في القرن العشرين ، ج9 ، ط1 ، المركز القومي للدراسات والتوثيق ، غزة ، 1999م ، ص29-32 .
( 3 ) صايغ ، الكفاح المسلح، ص144-158 . وعن حركة فتح انظر: أيام فلسطينية ، ج4 ، ص 37-38 . عيسى الشعيبي ، الكيانية الفلسطينية، ص52 حمزة ، أبو جهاد ، ص179.عرفات ، ثورتنا كلمة السر ، مجلة شؤون فلسطينية ، عدد 86 ، كانون الثاني ( يناير ) 1979م. آثار وذكريات مع الشهيد عبد الفتاح حمود ، الطبعة الأولى ، مكتب الشؤون الفكرية والدراسات ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " ، 1992م ، ص 17 .عدوان ، حركة التحرير ،ص68-70 .
( 4 ) صايغ ، الكفاح المسلح، ص132-144 . التجربة العسكرية، ص 43-51 وانظر ، زقوت ، خبرات، ص230 . الفدائيون، وكالة صيام للنشر والدعاية ، القدس ( د. ت) ،ص91-93 .
( 5 ) صايغ ، التجربة، ص51-55 . وانظر: حجازي ، أيام فلسطينية ، ج2، ص38-40 . زقوت ، خبرات، 237-273 الفدائيون، ص94-101 .
( 6 ) صايغ ، التجربة، ص55-58 .وانظر ، الفدائيون ، ص 74 .
( 7 ) صايغ ، التجربة، ص58-60 .وانظر: زقوت ، خبرات، ص579-594 .
(8 ) صايغ ، التجربة، ص60-62 . وانظر ، الفدائيون ، ص90-91 .
( 9 ) صايغ ، التجربة، ص ص62-63.
( 10 ) صايغ ، التجربة، ص63-64 . وانظر: زقوت ، خبرات، ص 595-599 .
(11 ) صايغ ، التجربة، ص 64-68.
( 12) يزيد، الكفاح المسلح، ص 8 وما بعدها .
( 13 ) صايغ ، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة ، ص890-ص923.
( 14 ) عدوان، فشل السلام، ص 158- 162 .
( 15 ) أبو نحل، الرواية، ص4 . موقع الجامعة الإسلامية. انظر الرابط : http://www.iugaza.edu.ps/ara/grants/search.asp
( 16 ) أبو نحل، الرواية، ص5.
( 17) يحيى، من يصنع التاريخ؟، ص7.
(18 ) مدلل، موضوعات، ص17.
(19 ) مدلل، موضوعات، ص17.
( 20) يحيى، من يصنع التاريخ؟، ص1.
21) المرجع السابق، ص9-10.
22) المدلل، موضوعات، ص18.
( 23 ) انظر الجدول الثاني.
( 24) انظر الجدول الثاني.
( 25 ) صايغ، الكفاح، ص 120، 136، 178، 280.
( 26 ) انظر الجدول الثاني.
( 27) صايغ، الكفاح، ص 126- 127، 190.وانظر الجدول الثاني
( 28) ملاحظة: اقتصرنا على ذكر أرقام الحواشي والفصول والصفحات من الفصل الأول حتى السابع نظراً لاحتوائها على أكبر نسبة من الروايات الشفهية.
( 29) أخذت التراجم السابقة عن الشخصيات من عدة مصادر: يزيد صايغ ، الكفاح المسلح، ص1204-1222. علوش ، فكر حركة المقاومة، ص1 وما بعدها . حمزة ، أبو جهاد، ص7 وما بعدها . حمادة ،أعلام، ص 31-32 . عدوان ، حركة التحرير، ص63-64 . حجازي، أبو جهاد، ص17وما بعدها .
(30 ) نفسه، ص118 .
( 31 ) الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني ، الدراسات الخاصة ، مج 5 ، البعد العربي للقضية الفلسطينية، 772-777.
( 32) صايغ ، الكفاح، ص118 .
(33 ) قائد لواء جوي سابق في جماعة الإخوان المسلمين . يزيد صايغ ، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة ، ص118 .
( 34 ) صايغ ، الكفاح، ص118 .
( 35) أحد مؤسسي حركة القوميين العرب ، وعضو قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ومسئول العمليات الخارجية حتى 1971م . يزيد صايغ ، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة ، ص1221 .
(36 ) صايغ ، الكفاح، ص136 .
( 37 ) واسمه فايز قدوره ، ضابط الارتباط السابق لحركة القوميين العرب في القاهرة في الفترة 1962 -1967م ، وفي دمشق في الفترة 1967-1967م ، ومساعد وديع حداد حتى سنة 1971م . يزيد صايغ ، المرجع السابق ، ص1218 .
( 38 ) وهو كادر سابق في حركة القوميين العرب ، ثم عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي التابعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . يزيد صايغ ، المرجع السابق ، ص1214 .
( 39 ) وهو موفق ياسين ، عضو دائرة العلاقات القومية التابعة ل(م.ت.ف) ، وسابقاً كادر في حزب البعث حتى سنة 1965م ، ثم كادر في فتح . يزيد صايغ ، المرجع السابق ، ص1222 .
(40 ) انظر : محمد حمزة ، أبو جهاد ، تقديم : سمير يوسف ، ط السابعة ، نيسان إبريل 1989م ، فلسطين ، ص7 وما بعدها . محمد عمر حمادة ،أعلام فلسطين، ج3 ، الطبعة الأولى 1412هـ -1991م،دار قتيبة ، بيروت ، ص 31-32 .و عصام محمد علي عدوان ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح " 1958-1968 ، مركز التخطيط الفلسطيني وزارة الإعلام ، ط 1426هـ/2005 م ، ص63-64 . و مازن حجازي،أبو جهاد "ثلاثون عاماً من الحرب السرية"،ط الأولى تشرين ثاني 1989م ،نيقوسيا ، ص17وما بعدها .
(41 ) وُلِـد محمـود رضا عبـاس " أبو مـازن " في صَفَـد عـام 1935 . رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. مثل منظمة التحرير الفلسطينية في عدة مناسبات رسمية منها توقيع اتفاقية إعلان المبادئ "اتفاق أوسلو" في واشنطن في 31/9/1993 والتوقيع على الاتفاقية الانتقالية في واشنطن في 23/9/1995. ألّـف العديـد من الكتب أهمهـا: " الصهيونيـة بدايـة ونهايـة " "، " قنطـرة الشـر "، " الوجـه الآخـر "، " سقـوط حكومـة نتنياهـو "، " الاستقطـاب العرقي والديني في إسرائيـل "، " طريـق أوسلـو " إضافـة إلى العديـد من الدراسات الهامـة . انظر ترجمته في مركز الإعلام الفلسطيني ، محمود عباس .انظر الموقع : http://www.pnic.gov.ps/arabic/president/Mahmoud-Abass/CV.html
( 42 ) صايغ ، الكفاح، ص185-225 .
( 43 ) صايغ ، الكفاح، ص243-268.
( 44) نفسه، ص269-297.
( 45 ) نفسه، ص267 .
( 46 ) نفسه، ص245.
( 47)هو مختار صبري بعباع (أبو فراس) . كادر كبير في فتح في منتصف الستينات . يزيد صايغ ، المرجع السابق ، ص1207.
(48 ) صايغ ، الكفاح، ص245.
( 49 ) صايغ ، الكفاح، ص246.

المصادر والمراجع
1. أبو نحل ، أسامة : الرواية الشفوية في الرسائل العلمية الخاصة بتاريخ فلسطين المعاصر دراسة تحليلية نقدية ، بحث مقدم لمؤتمر التاريخ الشفوي الواقع والطموح، الذي عُقد في الجامعة الإسلامية – غزة، في الفترة من 15-16 آيار (مايو) 2006م (عدد خاص).
2. آثار وذكريات مع الشهيد عبد الفتاح حمود ، الطبعة الأولى ، مكتب الشؤون الفكرية والدراسات ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " ، 1992م .
3. حجازي ، مازن : أبو جهاد (ثلاثون عاماً من الحرب السرية ) الطبعة الأولى ، نيقوسيا ، قبرص ، 1989م .
4. حجازي ، يوسف :أيام فلسطينية في القرن العشرين ، ج9 ، ط1 ، المركز القومي للدراسات والتوثيق ، غزة ،1999م
5. حمادة ، محمد عمر : أعلام فلسطين ، ج 3 ، الطبعة الثالثة ، دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1991م
6. حمزة ، محمد : أبو جهاد ، تقديم ، د. سمير سيف ، الطبعة السابعة ، مقدس ، فلسطين غزة الرمال – برج السعادة ، نيسان – أبريل 1989م .
7. زقوت ، ناهض : الندوة الفكرية السياسية ، خبرات الحركة السياسية الفلسطينية في القرن العشرين ، المحور الخامس / التيار الوطني ، حركة فتح ، المسيرة والجذور ، هاني الحسن ، الطبعة الأولى ، منشورات المركز القومي للدراسات والتوثيق ، غزة ، 2000م.
8. الشعيبي ، عيسى : الكيانية الفلسطينية ( الوعي الذاتي والتطور المؤسساتي 1947-1977م ) ، الطبعة الأولى ، مركز الأبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ، بيروت ، 1979م .
9. صايغ ، يزيد : التجربة العسكرية الفلسطينية المعاصرة ، ط1 ، الشؤون الفكرية والدراسات ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ، 1994م.
10. صايغ ، يزيد : الكفاح المسلح والبحث عن الدولة (الحركة الوطنية الفلسطينية ، 1949-1993م ) ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،بيروت ،2002م .
11. عرفات : ثورتنا كلمة السر ، مجلة شؤون فلسطينية ، عدد 86 ، كانون الثاني– يناير 1979م.
12. عصام عدوان ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " ، وزارة الإعلام ، دائرة المطبوعات والنشر ، 2001م .
13. علوش ، ناجي : فكر حركة المقاومة الفلسطينية (1948-1987م ) ، الطبعة الأولى ، لجنة تراث بيرزيت ، 1993م.
14. الفدائيون، وكالة صيام للنشر والدعاية ، القدس ( د. ت) .
15. مدلل، وليد: بحث بعنوان: "موضوعات التاريخ الشفوي وأهميتها. في كتاب: محاضرات في منهجية التاريخ الشفوي وتقنياته، إصدار مركز التاريخ الشفوي بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية، ط1، غزة 1426هـ (مايو 2005م).
16. الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني ، الدراسات الخاصة ، مج 5 ، البعد العربي للقضية الفلسطينية.
17. يحيى، عادل وآخرون: من يصنع التاريخ؟ التأريخ الشفوي للانتفاضة، مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، القدس 1994.
مواقع إنترنت :
18. موقع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية على الرابط : http://www.pcpsr.org/arabic/cfr/full3.html#head32
19. موقع مركز الإعلام الفلسطيني ، على الرابط : http://www.pnic.gov.ps/arabic/president/Mahmoud-Abass/CV.html
20. موقع الجامعة الإسلامية. انظر الرابط : http://www.iugaza.edu.ps/ara/grants/search.asp

titre documents joints

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916820 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق