الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > اقتصاد المعركة > منظور اقتصادي لسيناريوهات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لمؤسسةراند
إعداد: أحمد عبدالعليم
ظلت القضية الفلسطينية في صدارة الأجندة العربية لعقود طويلة، قبل أن يتم تفكيك الصراع العربي الإسرائيلي، وتحجيمه في أن يكون صراعاً فلسطينياً- إسرائيلياً، في ظل انشغال معظم الدول العربية بقضاياها الداخلية خلال السنوات الأخيرة، وما يعصف بالمنطقة من أحداث جسيمة أدت إلى تفكيك بنية الدولة في العديد من الدول العربية الرئيسية.
في هذا الإطار، تأتي دراسة "تكاليف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي"، والتي أعدّها مجموعة من الباحثين المتخصصين في هذا المجال من مؤسسة راند الأمريكية، حيث تحاول هذه الدراسة توضيح التكاليف إذا امتد هذا الصراع خلال السنوات العشر القادمة، ومحاولة استشراف الاحتمالات المستقبلية للصراع، بالإضافة إلى عرض الخيارات المتاحة لنتائج الصراع المتوقعة على المدى الطويل.
ويعرض الباحثون خمسة سيناريوهات متوقعة لمسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي حتى عام 2024، مع تحديد مزايا تلك السيناريوهات المختلفة اقتصادياً وأمنياً للطرفين، وكذلك عرض أهم الخسائر التي قد تلحق بالطرفين في حال عدم تنفييذ أي سيناريو، بالإضافة إلى توضيح أفضل سيناريو محتمل لمسار الصراع، خاصةً في ظل التوترات الكبيرة في إقليم الشرق الأوسط، وضرورة الوصول لحل في وقت قريب.
السيناريوهات الخمسة المتوقعة
تشير الدراسة إلى أن ثمة خمسة سيناريوهات متوقعة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي خلال السنوات العشر القادمة، وتلك السيناريوهات تأخذ في الحسبان الجوانب الاقتصادية والأمنية. ففيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، فإن إسرائيل في الوضع الحالي تدفع تكاليف كبيرة جداً نظير الإنفاق على المستوطنات وعلى التعبئة العسكرية، في حين أن تكلفة الفرصة البديلة عن هذا الوضع هو وجود تجارة مع الفلسطينين ومع الدول العربية بشكل يُدر دخلاً كبيراً على الاقتصاد الإسرائيلي.
أما بالنسبة للفلسطينين، فإنهم يتكلفون اقتصادياً من تدمير الممتلكات والبنية التحتية، بالإضافة إلى التكاليف الأمنية المباشرة، ووجود قيود تعيق حركة التجارة ناجمة عن وجود حواجز أمنية، مما يعيق أي تقدم اقتصادي. وبالتالي، فإن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يدفعان تكاليف باهظة اقتصادياً نتيجة الوضع الحالي.
وفيما يتعلق بالجوانب الأمنية، فإن إسرائيل تقوم بآليات استباقية من أجل ردع أي خطر محتمل، ووجود آليات للإنذار المبكر في الضفة الغربية وصحراء النقب، وتقييد أي هجمات محتملة، حيث تعتقد تل أبيب أن قوات الأمن الفلسطينية غير مؤهلة للقيام بأدوار للتصدي للهجمات المسلحة، ومع ذلك فإن إسرائيل تحاول دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تراها من الممكن أن تقوم بأدوار أمنية مناسبة.
وفي هذا الصدد، تطرق الباحثون إلى خمسة سيناريوهات للصراع بين إسرائيل وفلسطين، على النحو التالي:
السيناريو الأول "حل الدولتين": يعتمد هذا السيناريو على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية. ويأتي ذلك السيناريو في إطار بعض المبادرات التي تمَّت بالفعل، منها "حزمة أولمرت- عباس"، وهي حزمة الإجراءات التي حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت القيام بها من أجل إثبات حسن النية للرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويأتي هذا الحلّ أيضاً في إطار مبادرات جنيف القائمة على حل النزاع بين الطرفين بإقامة دولتين ذات سيادة.
السيناريو الثاني "الانسحاب أحادي الجانب": يقوم هذا السيناريو على انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من جزء كبير من الضفة الغربية، ويفترض هذا السيناريو وجود تنسيق إسرائيلي مع الفلسطينين بدعم من المجتمع الدولي.
السيناريو الثالث "انسحاب بدون تنسيق": يتركز هذا السيناريو على انسحاب من جانب واحد من إسرائيل بدون تنسيق مع الفلسطينيين أو حتى مع المجتمع الدولي، على أن يشمل هذا الانسحاب جزء من الضفة الغربية.
السيناريو الرابع "المقاومة السلمية من الفلسطينيين": يعتمد على وجود مقاومة لا تتسم بأي عنف من قِبل الفلسطينيين ضد الإسرائيليين، من أجل تحقيق طموحاتهم. ويعتبر هذا السيناريو متوافقًا مع الجهود الفلسطينية في الأمم المتحدة وكذلك في الهيئات الدولية الأخرى، سواء بأشكال قانونية أو من خلال المطالبة بفرض قيود اقتصادية وتجارية على إسرائيل من قِبل المجتمع الدولي.
السيناريو الخامس "انتفاضة عنيفة": يركز على توجُّه غير سلمي من قِبل الفلسطينيين ضد الإسرائيليين، وذلك من خلال القيام بانتفاضة عنيفة قد تنطلق من قطاع غزة وتمتد لتشمل الضفة الغربية، وهو سيناريو من الممكن حدوثه بشكل كبير.
التكاليف والمنافع الاقتصادية للسيناريوهات الخمسة
تتطرق الدراسة إلى حساب التكاليف والمنافع الاقتصادية للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وذلك بمقارنة الأوضاع الحالية بما يمكن أن تؤول إليه الأحداث من خلال أحد السيناريوهات الخمسة في عام 2024، وتوضيح كل سيناريو بشكل منفرد من حيث المنافع الاقتصادية وما يمكن أن يترتب عليه من تكاليف، وذلك على النحو التالي:
السيناريو الأول "حلّ الدولتين": يفترض هذا السيناريو انسحاب اسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967، وهو ما يفيد الفلسطينيين من خلال استغلال الموارد المتاحة في الأراضي التي سوف تنضم إليها، وكذلك الاستفادة من رفع جميع القيود المفروضة على التجارة والسفر على الفلسطينيين، وعودة أكثر من نصف مليون لاجيء فلسطيني إلى الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل. كذلك، فإن إسرائيل سوف تستفيد أكثر اقتصادياً من خلال توفير النفقات العسكرية الهائلة، وهو ما من شأنه أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل عام 2024 إلى ما يزيد عن 23 مليار دولار.
السيناريو الثاني "الانسحاب أحادي الجانب": سوف يترتب على هذا السيناريو انسحاب إسرائيل من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وذلك بالتنسيق مع الفلسطينيين والمجتمع الدولي، حيث يتحمل المجتمع الدولي 75% من تكلفة الانسحاب، بينما تتحمل الحكومة الإسرائيلية 25%، وسوف يترتب على ذلك انتعاشة للاقتصاد الفلسطيني بشكل يجعل الناتج المحلي الإجمالي أكثر نحو 8% عن وضعه الحالي، وكذلك فإن تل أبيب سوف تستفيد من الاستثمارات الدولية المباشرة أو المعونات المقدمة من قِبل المانحين.
السيناريو الثالث "انسحاب بدون تنسيق": يعتمد على تحرك إسرائيلي منفرد بدون تنسيق مع الفلسطينين أو المجتمع الدولي، حيث تنسحب إسرائيل طواعيةً من بعض مناطق الضفة الغربية، وتهجير حوالي 30 ألف مستوطن إسرائيلي تتحمل تل أبيب وحدها تكلفة نقلهم كاملة وإعادة توطينهم من جديد.
وطبقاً لهذا السيناريو، من المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي انخفاضاً بنسبة حوالي أربعة مليارات دولار عام 2024، وبالتالي ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في إسرائيل بنسبة 0.9%، وفي فلسطين بنسبة 0.5%.
السيناريو الرابع "المقاومة السلمية من الفلسطينيين": في إطار هذا السيناريو سوف يكون هناك ضغط دولي على إسرائيل - سواء من الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية - وضغوط اقتصادية متمثلة في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
ومن المتوقع أن ترد إسرائيل على ذلك بخفض عدد تصاريح العمل الصادرة للفلسطينين في إسرائيل، وزيادة الحواجز الداخلية والخارجية على التجارة والحركة للفلسطينيين، وهو ما يعني زيادة التكاليف الأمنية وارتفاعها للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وسوف ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي بنحو 15 مليار دولار أي بنسبة 3.4% عن الوضع الحالي، وسوف ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بنحو 3.4 مليار دولار أي بنسبة 12% للفرد الواحد.
السيناريو الخامس "انتفاضة عنيفة": هذا السيناريو كفيل بانهيار السلطة الفلسطينية، وسوف يكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث سوف ينخفض الناتج المحلي له بنحو 45 مليار دولار، في حين ينخفض نظيره الفلسطيني بنحو 9.1 مليار دولار.
وسوف يكون لذلك انعكاسات على زيادة التكاليف الأمنية في إسرائيل، ووجود بيئة غير مستقرة تؤثر سلباً على الاستثمار والسياحة الإسرائيلية. أما في فلسطين، فسوف ينخفض النشاط التجاري والاقتصادي، وتنهار البنية التحتية وتدمر المنازل، بالإضافة إلى انتشار البطالة وتراجع العمالة الفلسطينية. ومن المتوقع أن يؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى تراجع في مجالات الأمن والصحة والتعليم، وبالتالي فإن هذا السيناريو هو الأصعب للطرفين مقارنةً بتكاليف السيناريوهات الأخرى المتوقعة.
حل الدولتين باعتباره السيناريو الأفضل للطرفين
تشير الدراسة إلى أن العوامل غير الملموسة مثل الدين وعدم الثقة بين الطرفين، بالإضافة إلى الخوف من التخلي عن قدر من الأمن، يمكن أن تُمثل قلقاً على مسارات المستقبل المحتمل في ظل الحديث عن حل الدولتين. وقد توصل الباحثون في هذا السياق إلى النتائج التالية:
إن حلّ الدولتين يوفر إلى حد بعيد نتائج أفضل اقتصادياً لكلِ من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني؛ فالإسرائيليون سوف يحصلون على أكثر من ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه الفلسطينيون، أي ما يوازي حوالي 123 مليار دولار للإسرائيليين مقابل 50 مليار دولار للفلسطينيين، وذلك على مدار عشر سنوات.
سوف يزيد متوسط دخل الفرد للفلسطينين بنسبة أكثر من الإسرائيليين، حيث يمكن تقدير متوسط زيادة دخل الفرد الفلسطيني بأكثر من 36% مقابل 5% زيادة للمواطن الإسرائيلي، وذلك بحلول عام 2024.
إن العودة للعنف سوف يكون له تبعات اقتصادية سلبية كبيرة على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث من المتوقع في ظل تلك المعطيات أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 46% في الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل انخفاضه بنسبة 10% في إسرائيل بحلول 2024.
إن الاستفادة من الفرص الاقتصادية لتحقيق حل الدولتين من شأنه أن يتطلب استثمارات كبيرة في القطاعين العام والخاص وبدعم من المجتمع الدولي ومن كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
ختاماً، تشير الدراسة إلى أن التوسع الاستيطاني المتواصل من جانب إسرائيل سوف يجعل من الصعب على نحو متزايد إمكانية نقل المستوطنين، وهو ما يعقد الأمور، ويُصعّب الوصول إلى السيناريو الأفضل بحلّ الدولتين، وأكد الباحثون على ضرورة أن تكف إسرائيل عن التعنت، وأن تعي أن الرأي العام الأمريكي من الممكن أن يتحول ضدها، خاصةً في ظل صعود يهود أمريكيين شباب يشعرون بقدر أقل من التقارب والتعاطف مع إسرائيل وسياساتها، وأيضاً في ظل وجود برلمانات أوروبية باتت متعاطفة أكثر مع الفلسطينين مثل برلمانات السويد وأيرلندا وبريطانيا وحتى فرنسا في ظل سعيهم للتصويت لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كذلك، فإن إسرائيل يتعين عليها أن تعي أن ثمة تغيُّرات إقليمية كبيرة تتطلب منها أن تغيُّر من سياساتها، خاصةً في ظل وجود عم استقرار إقليمي، وزيادة مخاطر تنظيم "داعش"، ووجود حروب أهلية في اليمن وسوريا وليبيا، وكذلك بروز طموحات إيرانية كبيرة بالمنطقة.
* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "تكاليف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي"، والصادرة عن "مؤسسة راند" الأمريكية في يونيو 2015.
المصدر:
C. Ross Anthony, Daniel Egel and others, The Costs of the Israeli- Palestinian conflict (USA, The RAND Corporation, June 2015).
9 من الزوار الآن
916820 مشتركو المجلة شكرا