الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > في الثورة والثوار > رجالات وشهداء ثورة 1936
تعد هذه الثورة من أعظم الثورات في تاريخ فلسطين في القرن العشرين وقد عبرت عن روح التضحية والفداء والمصابرة والإصرار على الحقوق التي تميز بها أبناء فلسطين. وتمكنت هذه الثورة في بعض مراحلها من السيطرة على كل الريف الفلسطيني، بل والسيطرة على عدد من المدن، بينما انكفأت السلطات البريطانية في بعض المدن الهامة. وقدمت هذه الثورة نموذجا عالميا هو أطول إضراب يقوم به شعب كامل عبر التاريخ الحديث حيث استمر 178 يوماً. وربما لو كان الامر مقتصراً على الصراع بين شعب فلسطين وبين الاستعمار البريطاني لنالت فلسطين حريتها واستقلالها منذ تلك الثورة، إذا ما قارنا هذه الثورة بثورات الشعوب التي نالت استقلالها، ولكن وجود العامل اليهودي-الصهيوني وتأثيره القوي داخل فلسطين وفي بريطانيا والدول الكبرى جعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً، وفرض أن تتسع دائرة مشروع التحرير إلى الدائرة العربية والإسلامية. وتنقسم الثورة إلى مرحلتين، كانت بينهما مرحلة توقف أشبه " بالهدنة المسلحة " المشوبة بالتوتر
نضاله
بدأ كفاحه الوطني في تشرين الأول سنة 1933 حين شارك في مظاهرات يافا الدامية، فتعقبته سلطات الانتداب البريطاني ولكنه أفلت منها. وتجول بين القرى العربية طوال ثلاثة أعوام دعا فيها سكانها إلى الثورة، واختار من يترسم فيهم الشجاعة والخير من شبابها. وحين أعلنت الثورة الفلسطينية، في مطلع أيار سنة 1936، أسندت إليه قيادة منطقة اللد – الرملة، ثم أضيفت إليها منطقة يافا، فأبلى مع قواته بلاء حسناً ضد القوات البريطانية والمستعمرات الصهيونية ودوائر الحكومة، ومن ذلك إتلاف قضبان السكك الحديدية وأعمدة الكهرباء وخطوط المواصلات، وإحراق البيارات الصهيونية والاشتباك مع قوات الانتداب والصهيونيين. وكان يشارك في قيادة العمليات وتنفيذها، ومنها نسف قطار اللد – حيفا سنة 1938 مع رفيقه محمد سمحان وآخرين. وقد لاحقتهم القوات البريطانية واشتبكت معهم فقتل رفيقه، وأصيب هو بجراح بالغة في عنقه. ولكنه تمكن من النجاة وأطلق لحيته كي يتخفى فدعاه الناس بالشيخ، ولزمه هذا اللقب طوال حياته.
ترك حسن سلامة فلسطين سنة 1939، حين توقفت أعمال الثورة، إلى لبنان، فسورية، فالعراق حيث التحق بالكلية الحربية في بغداد. ثم اشترك في ثورة رشيد عالي الكيلاني. وأسندت إليه قيادة 165 مقاتلاً فلسطينياً انضموا إلى العراقيين لمحاربة القوات البريطانية. ولما أخفقت تلك الثورة لجأ إلى شمالي سورية، ومنها انتقل إلى تركيا، ثم إلى ألمانيا حيث أتم تدريبه على القتال وبث الألغام.[2]
وفي سنة 1943 أرسل حسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف وثلاثة من الألمان جواً إلى فلسطين للاتصال بالقوى الوطنية فيها وإشعال ثورة ضد البريطانيين والصهيونيين. وقد هبطوا بالمظلات في سهل أريحا فاعتقلت السلطات البريطانية ذا الكفل واثنين من الألمان، وتمكن هو والألماني الثالث من الاختفاء في جبال القدس*، ثم انتقلا خفية إلى حيفا* ومنها إلى سوريا.
حرب 1948
الواجهة الشمالية من مبنى حسن سلامة في 2015.
حسن سلامه كان أحد قادة جيش الجهاد المقدس في حرب 1948[3]، ولد في قرية قولة قضاء اللد عام 1912، اشترك في مظاهرات يافا الدامية عام 1933، وطاردته قوات الانتداب البريطاني فلجأ إلى القرى يدعو أهلها إلى الثورة.
يستمع لشرح حسن سلامة قائد المنطقة الغربية الوسطى بجيش الجهاد المقدس والصورة داخل ملجأ بمقر قيادته في بناية الرجاء قرب مدينة الرملة نشرت هذه الصورة بجريدة المصور المصرية في 12 يناير 1948.
كان حسن سلامة قائد قوات الفدائيين في منطقة الرملة [4]، شرق مدينة يافا. رافقه في النضال في معركة راس العين التي استشهد فيها المناضل جمعة يوسف عبد الجليل (أبو يوسف) وفايز حسن سالم (أبو حسن) وعيسى عبد الفتاح عبدالهادى (أبوزياد). وقد اتخذ من قرية العباسية مركزا له ساعده، في ذلك من اهالي قرية العباسية محمود درويش (وحسين حماد).
خطط وقاد عدداً من المعارك الناجحة، وأصيب في رئته اليسرى[5]، في معركة رأس العين شمال غرب القدس أثناء قيادته هجوماً مضاداً كاسحاً على مراكز العصابات الإرهابية الصهيونية في 31 مايو 1948، ونقل إلى المستشفى واستمر رجاله يقاتلون الأعداء حتى طردوهم من رأس العين، استشهد القائد حسن سلامة يوم 2 يونيو 1948.
(1908 – 2002)
ولد عبد الحليم محمد الجيلاني عام 1908م في مدينة خليل الرحمن، ويعود نسبه إلى الشيخ العالم العارف عبد القادر الجيلاني صاحب الطريقة المعروفة باسمه ، وقد أرسل إلى الكرك في عام 1915م، وعمره لا يتجاوز سبع سنوات، حيث أقام عند عمته لطيفة الجيلاني وزوجها يوسف، وهناك تعلم في الكتاتيب ليتلقى علومه الأولية، كما تعلم الفروسية وركوب الخيل عند سليم وعطا الله المجالي.
وفي سنة 1917م عاد إلى الخليل عن طريق وادي الموجب إلى عمان، ومنها القدس فالخليل. و في سنة 1920م حاول السفر إلى مصر مع عمه إلا انه فشل وسجن وسبب ذلك انه حاول السفر عن طريق جواز سفر لشخص آخر، وهو محمد يوسف عابدين في سجن الخليل، وخرج بكفالة من رئيس البلدية ناصر الدين. وبالرغم من ذلك قام عام 1923م برحلة إلى مصر عن طريق الرملة مع ابن عمه علي محمد صالح الجيلاني، من اجل معرفة أخبار والده الذي وجده متوفيا، وتاركا له ولدا اسمه محمود في الصعيد، فأحضره معه إلى الخليل وقام بتربيته، وقد اشتهر عبد الحليم الجيلاني (ويلقب بالشلِف) وهو فخذ من فخوذ تلك العائلة والمنصور لأنه عرف بالجرأة والشجاعة.
ومنذ تفتحت عينيه وهو يرى الإنجليز يظلمون شعبه فأصبحت نفسه تتوق للثورة. فحاول الحصول على سلاح أحد الجنود الإنجليز سنة 1931م إلا انه فشل وحكم عليه بالسجن لمدة ستة اشهر. وبعد خروجه قام ببيع أملاكه الكائنة في باب السلسلة بالقدس القديمة لشراء السلاح، واخذ يقوم بأعمال فردية، منها قتل جنود إنجليز، والتحريض على الاستعمار البريطاني والمشاركة في الإضرابات والمظاهرات ضد المستعمر وخطط الصهيونية. اشترك الجيلاني في المظاهرات التي أقيمت في فلسطين ضد السياسة الاستعمارية البريطانية في عام 1933م وكان يحث المتظاهرين في خطبه الحماسية على الجهاد والمزيد من المظاهرات والثورات ضد الإنجليز.
وفي 25/3/ 1934م وجه عبد القادر الحسيني دعوة لعقد اجتماع موسع لقيادة التنظيم، وقد شارك المجاهد عبد الحليم الجيلاني في هذا الاجتماع. وبعد الإضراب العام في فلسطين سنة 1936م الذي استمر حتى ستة اشهر، قام عبد الحليم الجيلاني بتحريض الشعب على حمل السلاح أمام قوات الانتداب البريطاني، فقام أيضا من خلال ذلك بتنظيم ما يقارب على 20 شابا من الخليل وتم تدريبهم على حمل واستعمال السلاح، وقام أيضا بتشكيل فصائل للثورة في عموم حارات الخليل البالغة أربع عشرة حارة، وقام هو ومن انضم إليه بضرب دوائر ومصالح الاحتلال وإتلاف وتعطيل الخدمات والمواصلات التي تمد جنود الانتداب بالتموين والعتاد. شكل الجيلاني شبه دولة في منطقة الخليل، سماها المعاصرون له دولة شعب الملح، تحدى من ذاك المكان طائرات العدو وجنوده، وأصبحت جميع منطقة جنوب فلسطين تحت سيطرته، كان قد التحق بثورته مئات من المجاهدين من أهل الخليل ومنطقتها.
قام مع المجاهدين بمساعدة زعيم الجهاد المقدس الشهيد عبد القادر الحسيني وقام بالسيطرة على المستعمرات الصهيونية الواقعة بين الخليل والقدس. و يوم 6/10/1936م، اشترك في معركة الخضر التي جرح بها القائد عبد القادر الحسيني وبقي عبد الحليم الجيلاني مرافقا له حتى دمشق، وعاد إلى فلسطين ليقارع الاستعمار. وفي أواخر عام 1937م شكلت في دمشق لجنة لدعم الثورة في فلسطين تدعى “اللجنة المركزية للجهاد الوطني في فلسطين” تولى إدارتها عزة دروزه بتوجيه من الحاج أمين الحسيني، وبذلك أصبحت دمشق مركز تجميع وتسليح وإرسال الأسلحة للمجاهدين، وتولى القيادة في الداخل قادة بارزون يرتبطون بأوثق الصلات بالفلاحين والقرى التي تقع ضمن مناطق عملياتهم، وكان أبرز قادة المرحلة الثانية من الثورة عبد الرحيم الحاج محمد (القائد العام) وعارف عبد الرازق في منطقة المثلث وعبد القادر الحسيني في منطقة القدس وعبد الحليم الجيلاني في منطقة الخليل، وقادة آخرون في مناطق مختلفة. أما المرحلة الأولى فكانت أثناء الإضراب. أصدر الملوك العرب (الأمير عبد الله والملك السعودي وملك العراق) نداءً إلى أبنائهم عرب فلسطين للإخلاد للسكينة ووقف الإضراب، فلبى الطلب عرب فلسطين وأصدرت اللجنة العربية العليا أمراً لإيقاف الإضراب، ثم جاءت لجنة بيل الإنجليزية فأوصت بتقسيم فلسطين، لذا اندلعت نار الثورة الفلسطينية من جديد في شهر أيلول عام 1937م.
وفي يوم 25/5/1938م قام المجاهد عبد الحليم الجيلاني يقود العشرات من الثوار بربط كمين لقافلة سيارات تابعة للجيش الإنجليزي وبعض الشرطة العرب، حيث استولى الثوار على 36 قطعة من السلاح وبعض العتاد والذخيرة وافرج عن ركاب القافلة بسلام. وقام المجاهد الجيلاني باحتلال مدينة الخليل لمدة طويلة وقطع المواصلات إلى القدس. مما حدا بالجيش البريطاني أن يبحث عن الثوار بالطائرات وبقصف مواقعهم وقراهم.
كان قائد منطقة الخليل عيسى البطاط وقد استشهد عام 1938 نتيجة لإخبارية غادرة دلت على وجوده في إحدى المنازل بالقرب من قرية القبيبة. فاستلم القيادة بعده عبد الحليم الجيلاني. ورقم منطقته(20) وامتد نشاط الجيلاني حتى شمل جبال الخليل وقسماً من بئر السبع في صيف عام 1938م وكان على نزاع دائم مع عبد الرحمن العزة من بيت جبرين لتعاون الأخير مع عصابات فخري النشاشيبي المتعاونة مع الاستعمار والتي تدعى عصابات السلام. وقد استطاع الجيلاني أن يجلب العزة لصفّه لمقارعة الاستعمار ومن المعروف أن العزة هو رئيس فصيل بيت جبرين، ولم يفكر الجيلاني بقتل العزة أو غيره خوفاً من أن تنقلب الثورة إلى الأخذ بالثأر (الدموم) بين العائلات. شعر المجاهدون في الخليل أن عليهم مسؤوليات كثيرة لتحرير فلسطين وكان على رأسهم عبد الحليم الجيلاني الذي تولى قيادة منطقة الخليل، فقام بتأسيس نواة لجيش نظامي بلغ تعداده خمسين رجلاً، وانتخبت القيادة العامة لهذا الجيش مكونة من:
*عبد الحليم الجيلاني (قائداً عاماً)
*سعيد عبده (مساعداً للقائد العام)
*شكري زيتون
*الحاج ناجي القواسمي
*محمد إسماعيل مرعب
*عبد الرزاق الجيلاني
*محمد سليمان منصور
*عبد شاكر الجنيدي
*عبد الأشهب
*هاشم الدويك
*يونس الجيلاني
*يوسف جنيد
*صادق الجعبري
*محمد عمر النتشة
*منير البكري
*زين الدين مسوده
*سليمان العوامة
*إبراهيم أحمد أبو دنهش
*جميل العزة
*عبد العزيز الديري
*محمود أبو شخيدم
*عبد الرحمن شاكر الجنيدي
وعين الجيلاني مستشارين له هم السادة الأستاذ عبد الخالق يغمور والأستاذ عمر التكروري والأستاذ مخلص عمرو. وأصدرت القيادة العامة أمراً إلى كل مخاتير الخليل طلبت فيه من كل مختار حارة أن ينسب خمسين شاباً من شبابها وتسليحهم ويبقى هؤلاء الشباب في مزارعهم ووظائفهم إلى حين طلب القيادة العامة التحاقهم في صفوف المجاهدين. ذهب القائد الجيلاني إلى قرية حلحول ليلاً فكانت أول قرية يدخلها الجيلاني لجمع مجاهدين. وأمر مختاريها ملحم وعبد الهادي بتنسيب عشرة شباب من كل حمولة مع التسليح التام فاستجابت حمائل حلحول لطلب القائد الجيلاني وإخوانه. واتصلت القيادة بعموم قرى الخليل وطلب من كل حمولة تقديم عشرة شباب من كل حمولة مع التسليح التام فاستجابت حمائل حلحول لطلب القائد الجيلاني وإخوانه. واتصلت القيادة بعموم قرى الخليل وطلبت من كل حمولة تقديم عشرة مجاهدين للجهاد، فاستجابت القرى لذلك. ولكثرة أعداد المجاهدين تم تقسيمهم إلى قسمين. الأول جيش نظامي وعدده (500) مجاهد، والثاني جيش احتياطي يستدعى حين الطلب. وبقي يحشد المجاهدين من عدة مناطق حتى وصل حدود مصر في مهمته.
عقدت القيادة العامة في الخليل اجتماعاً في شعب الملح لكافة المجاهدين ومن المعروف أن شعب الملح هو مكان مناسب للثورة حيث يقع غربي مدينة الخليل وفيه عدد من الجبال والوديان ومن الصعب على الإنجليز ملاحقة الثوار في تلك المنطقة لوعورتها وكثرة التعاريج الطبيعية فيها، وفي المنطقة عدد من المغر (مفردها مغارة) استعملها الثوار كسجن ومحكمة للثورة ومأوى للمجاهدين ومكان لحفظ السلاح. وقد قررت قيادة الثورة في هذا الاجتماع ما يلي:
1. إعلان العصيان المدني على الإنجليز ومقاطعة محاكمهم ورفض أوامرهم.
أن يقوم الشعب بارتداء الكوفية والعقال دعماً للمجاهدين الذين كانوا يطاردون من قبل الإنجليز لارتدائهم هذا اللباس.
رفض جوازات السفر البريطانية ورفض كل تصريح أو هوية شخصية صادرة من قبلهم وكل من يحمل هوية شخصية أو جواز سفر صادر عن الإنجليز دون علم القيادة يحكم عليه بالإعدام.
استقر الجيلاني في منطقة شعب الملح غربي المسكوبية في الخليل، وبدأ ثورته من هناك، وانضم له عدد كثير من المجاهدين، ولمع اسمه وصيته في الخليل كلها، وأصبح يخافه الإنجليز وحسبوا له ألف حساب، وقد أطلق على المنطقة التي استقر فيها بدولة شعب الملح تعبيراً عن قوته وقوة الثورة. وكان هو قائدها “ولا يتحرك شيء في هذه الدولة إلا بإذنه”.
لم يكتف الجيلاني بحرب الإنجليز بل اهتم أيضاً برعاية شؤون الأهالي فكان يتقبل شكاوي الناس ويأمر بحلها، فإذا لم تستطع المحكمة الشرعية حل بعض الأمور كان يستشير قاضي (حكومة شعب الملح) وهو الشيخ عبد الحي عرفه. وذكر عيد أحمر و على لسان والده قائلاً أنه عاصر ستة حكومات في فلسطين هي الحكومة التركية والحكومة الإنجليزية وحكومة شعب الملح والحكومة المصرية والحكومة الأردنية وإسرائيل وهذا دلالة على قوة ثورة الشلف التي تعتبر كأنها حكومة. خطط الجيلاني لاحتلال مدينة الخليل وطرد الإنجليز منها، وكان هذا أول عمل نظامي قام به حيث تجمع لديه ألف مقاتل وهاجموا الخليل من خمس جهات في5/5/1938 م, لقد أطلق على القوات الموجودة في جبل الخليل “الجيش العربي الجنوبي” وقائدها عبد الحليم الجيلاني. لقد أعلن القائد أن طريق القدس الخليل غير آمن إطلاقاً حتى في النهار، لذا نُسفت الجسور ولغمت الطرق الفرعية في الحقول، وأخليت مراكز الشرطة في المنطقة كلها وتعرض مركز الشرطة في الخليل لهجمات عنيفة من المجاهدين. وكان المجاهدون ينزلون من الجبال ليلاً إلى السهول ويقطعوا أسلاك التلفونات ويقيموا كمائن للدوريات الإنجليزية ليلاً خوفاً من ضرب الطائرات لهم نهاراً. دخل الثوار مدينة الخليل واستولوا على مركز البرق والبريد وبنك باركليز ورفع العلم الفلسطيني على كل دائرة حكومية في الخليل، وبقيت المدينة محررة لمدة 24 ساعة، ولما علمت السلطات البريطانية بذلك أرسلت الطائرات لتعقب الثوار، فانسحب هؤلاء إلى قراهم ولم يبق مع القائد سوى 250 مناضلاً. وقد فرض الجيلاني ضريبة على موظفي الدولة قيمتها 25% من الراتب تدفع للثورة، كما بدأت الجالية الفلسطينية في القاهرة بالتبرع للثورة بمبالغ شهرية مكنت رجال الثورة من الاستمرار في ثورتهم ضد الإنجليز.
جاء الإنجليز بقوات كبيرة لتعقب الثوار وبدأوا بتطويق القرى والمدن واعتقال كل شخص يرتدي الكوفية والعقال وهذا اللباس هو رمز الثورة، عندئذ أصدر القائد الجيلاني أمراً إلى جميع الشعب عن طريق بيانات ومناشير بارتداء الكوفية والعقال بدلاً من الطربوش الذي كان استعماله سائداً في فلسطين. وهكذا أصبحت الكوفية والعقال رمزاً للجهاد في فلسطين وذلك إعلاناً لتضامن سكان البلاد التام في الجهاد ورمزاً لكون جميع من في البلاد ثائراً ابتداءً من 27/8/1938م. وهكذا سار الثوار مع الشعب جنباً إلى جنب بلباس الرأس: الكوفية والعقال وهذا أعاق خطة الإنجليز بالقبض على الثوار الذين يلبسون الحطة والعقال على رؤوسهم. وقد ذكر تشارلز تيغارت الضابط الإنجليزي المسؤول عن القضاء على الثورة الفلسطينية ومطاردة الثوار أنه تشكلت في فلسطين منظمات وخلايا تضم ما بين 6-50 ثائراً في كل مجموعة. كما شكل الثوار جمعية ثورية للدفاع عن القدس كان من بين أعضائها شباب من الخليل وكانت الجمعية تعطي من 5-10 جنيهات فلسطينية لكل من يقوم بعملية فدائية أو قتل جندي إنجليزي. وعدت سلطة الانتداب بتقديم مكافآت مالية للذين يقدمون معلومات عن مكان وجود المجاهدين، “واعترف وزير المستعمرات البريطانية بالفشل أمام لجنة الانتداب عام 1938م حيث قال أنه أعلن عن مكافآت مجموعها عشرون ألف جنيه لاعتقال المتهمين بقيادة الثورة فلم يتقدم أحد”. وقد زار وزير المستعمرات البريطانية فلسطين وذلك للاطّلاع عن كثب على الحالة في فلسطين، وكانت زيارته قبل صدور قرار اللجنة الفنية بالنسبة للتقسيم، وأذاع الوزير أثناء عودته إلى لندن قائلاً: “إن فلسطين أسوأ بلد في العالم، وأن قمع الثورة ليس بالسهولة المظنونة وأنها قد تستمر أمداً طويلاً، ولهذا أقدم الوزير على العدول عن فكرة التقسيم والجنوح إلى تهدئة العرب وإيجاد حل مناسب بالتباحث مع الأمة العربية بحكوماتها ووصفت الرواية الإسرائيلية الحالة في فلسطين قائلة أن “الشارع والبيت والمسجد والمقبرة جميعها في قبضة الإرهاب” أي في قبضة الثوار الأبطال.
الهجوم على مركز البوليس الإنجليزي في بئر السبع:
وقرر المجاهدون برئاسة الجيلاني الهجوم على مركز البوليس الإنجليزي في بئر السبع، فخططوا أولاً لرصد ومراقبة تحركات الجيش الإنجليزي في بئر السبع، واعتمد الثوار في عملية الرصد على أساتذة من الخليل كانوا يقومون بالتدريس هناك وهم الأساتذة عمر التكروري وإسماعيل حجازي وأكرم دودين وهاشم التكروري، واجتمع الثوار مراراً مع الأساتذة كي يعلموا عن تحركات الجيش، وساعد الأساتذة في مراقبة الجيش الإنجليزي الشيخ سلمان أبو الربيعات من بئر السبع والشاويش العربي داود العقيلي وهو من جماعة الربيعات. خرج المجاهدون من الخليل بقيادة الجيلاني من شعب الملح إلى بئر السبع وعددهم ألف مجاهد وقام الجيلاني بوضع مجاهدين على طريق القدس الخليل وفرقة أخرى لحراسة جنوب الخليل وقطع طريق غزه الخليل وذلك لضمان عدم تمكين وصول نجدات إنجليزية إلى بئر السبع. سار المجاهدون بتاريخ 9/9/1938م على متن 11 مركبة تحمل الثوار وقطعت 40كم، وانطلق الثوار من الظاهرية ظهراً إلى نقطة التجمع (عين الأنقر) وكانت أربع فصائل وزعها الجيلاني. وفي الساعة الثالثة من ظهر ذلك اليوم تمكن الجيلاني من السيطرة على مستودعات الأسلحة في المدينة وغنموا 250 بندقية و250 صندوق من الذخيرة و50 مسدساً و200 قنبلة ومائة بندقية ومدفع رشاش سريع الطلقات، استعمله الثوار في المعركة وتمكنوا من إسقاط طائرات بريطانية. ثم فتح أبواب السجن وأطلق سراح السجناء العرب وتمت هذه العملية كلها في نصف ساعة. وقد أعطى القائد كل منهم بندقية وذخيرة. وقد قتل من الإنجليز كبير موظفي البوليس وعدد من الجنود الإنجليز وظل الثوار يسيطرون على بئر السبع مدة 70 يوماً حتى قدم الطيران وسيطر عليها مرة أخرى. وبعد المعركة سار المجاهدون إلى دوائر الحكومة يهللون ويكبرون، فاحتلوا دوائر الحكومة وفتشوها واستولوا على ما يفيد ثم أحرقوها، وفي الصباح انسحبوا وهذه أول معركة كبيرة تقع في الجنوب مما أذهل الإنجليز الذين كانوا مطمئنين إلى منطقة بئر السبع لا تسهم في الثورة. أهدى القائد الجيلاني للأستاذ عارف العارف الذي كان يشغل منصب القائم مقام لمدينة بئر السبع بندقية كرمز للأخوة الإسلامية التي تجمعهم وكرمز للكفاح. وتم تعيين السيد عبد الله أبو ستة رئيس فصيل بئر السبع لحفظ الأمن. وعندما سمع عبد الرحيم الحاج محمد قائد منطقة الشمال أخبار انتصارات الجيلاني في بئر السبع بعث له رسالة طلب منه تزويد الثوار في الشمال ببضع الأسلحة التي غنمها الجيلاني والثوار.
معركة بني نعيم الكبرى:
وجرت معركة بني نعيم الكبرى في 4/10/1938م بين المجاهدين وبين القوات الإنجليزية، وقصة هذه المعركة أن الإنجليز استطاعوا شراء بعض ذوي الضمائر الشريدة للإيقاع بعبد القادر الحسيني ورجاله الثوار الذين كانوا خارج الخليل، فأرسل مختار قرية بني نعيم خطاباً إلى عبد القادر الحسيني يدعوه للحضور إلى بني نعيم لحل إفساد مزعوم وقع بين المجاهد عبد الحليم الجيلاني وبين أهالي جبل الخليل. لبى عبد القادر الدعوة وذهب إلى بني نعيم مع 30-40 رجلاً وقصد دار المختار المتآمر مع الإنجليز ضد المجاهدين، فأخر المختار موعد الغداء حتى يكتمل التطويق البريطاني الذي كان متمركزاً في قرية يطا. قام الإنجليز بتطويق القرية وجرت معركة خطط لها الإنجليز، وعددهم 3000 جندي تدعمهم الطائرات والدبابات بقيادة القائد الإنجليزي ويفل. انسحب عبد القادر من القرية خشية تدميرها وجرت المعركة خارج القرية، وقد خف لنجدته عبد الحليم الجيلاني الذي قام بتطويق القوات البريطانية المحاصرة لعبد القادر في بني نعيم. خسر المجاهدون 30 شهيداً منهم علي حسين الحسيني الذي دفنه الجيلاني. وفي روايات ذكرت أن عدد الشهداء 80 شهيداً من جماعة عبد القادر الحسيني وشهيداً واحداً من جماعة الجيلاني. ومن الشهداء عمر الحسيني شقيق سليم الحسيني وهما نجلا رئيس بلدية القدس الأسبق حسين سليم الحسيني. كما استشهد إبراهيم خليف قائد فصيل بيت لحم وعيسى أبو قدوم قائد فصيل عرب التعامرة والقائد عبد الله مشعل وغيرهم. نقل الجيلاني سراً الجريح عبد القادر الحسيني على جمل من بني نعيم ليلاً إلى بيت الشيخ عبد الكريم القواسمي ثم اصطحب معه حسن عابدين وخليل عابدين كممرضين وطلب من الدكتور مستر صوفر معالجة هذا الجريح لأنه يهمه أمره، دون أن يذكر اسمه، واستمرت مدة العلاج 13 يوماً، وفي النهار قام الجيلاني بدفن علي الحسيني وآخرين من الشهداء. وأحضر المجاهد الجيلاني بعد فترة العلاج سبعين مجاهداً لنقل عبد القادر للأردن، فحمله على فرسه واتجه نحو نهر الأردن حيث ينتظره جماعة من آل الجيلاني. ثم تم نقل عبد القادر الحسيني إلى بيروت حيث قام الجيلاني بتسليمه إلى سماحة الحاج أمين الحسيني لوضعه تحت العلاج الكامل. ثم رجع الجيلاني إلى فلسطين.
معركة “جورة بحلص” و اسقاط الطائرات البريطانية:
بتاريخ 11/10/1938م خطط الجيلاني وجماعته في شعب الملح القيام بمعركة كبرى مع الإنجليز فكانت معركة جورة بحلص ، استطاع الجيلاني مع إخوانه الثوار التصدي لقافلة إنجليزية مكونة من أربع سيارات فيها 70 جندياً بريطانياً في منطقة جورة بحلص بين حلحول والخليل، وبعد معركة ضارية قتل فيها سبعين جندياً واستولى القائد الجيلاني وإخوانه الثوار على كافة أسلحتهم بعد أن حرقوا سياراتهم، وقد اشترك في هذه المعركة أكثر من مائتي متطوع من أبناء القرى بالإضافة إلى المجاهدين المتفرغين الذين يزيد عددهم على خمسين مجاهداً وعلى رأسهم الجيلاني، واستطاع الجيلاني أن يسقط ثلاث طائرات إنجليزية في معركة جورة بحلص علماً أنه لم يكن معه من الأسلحة إلا البنادق الخفيفة، أما القوات الإنجليزية فكانت مجهزة بالأسلحة الثقيلة كالمدافع والرشاشات والطائرات. سقطت إحدى الطائرات في جورة بحلص بين حلحول والخليل ونزل الطيار في مظلته وسقف في محجر الحاج عثمان التكروري، وألقى التكروري القبض على الطيار الإنجليزي، وبدلاً من أن يقضي على الطيار الأسير، قام التكروري بالحفاظ عليه وألبسه اللباس العربي خوفاً من تدمير الإنجليز لمدينة الخليل، وعلم الجيلاني أن الطيار الأسير وقع في محجر الحاج عثمان التكروري فذهب الثوار للقبض عليه ولكن التكروري رفض تسليمهم الطيار خوفاً من شنقه من قبل الثوار واستطاع التكروري أن يقنع الثوار أنه من الأفضل عدم قتل الأسير حفاظاً على أرواح الأسرى الثوار المتواجدين بأيدي الإنجليز، وخوفاً من غضب الإنجليز على مدينة الخليل والانتقام منها. وعلم الإنجليز عن مكان وجود الطيار الأسير فطوقوا البيت وسألوا عن مكان الأسير فسلمه التكروري للإنجليز وشكروه على ذلك. وقام الإنجليز بجمع الشباب في الخليل وضربهم كي يعترفوا عن مكان وجود الطيار الثاني الذي سقط شرقي الخليل، لكن العرب لم يعترفوا عن مكان الطيار الثاني، علماً أنهم شاهدوه وهو يهبط في مظلته التي سقطت شرقي المدينة، وربما قتل من قبل الثوار ولم يظهر له أثر، وقد هدد الإنجليز أهل الخليل بإحضار الطيار الأسير الثاني وإلا فإنهم سيدمرون الخليل، عندئذ قام التكروري وقال للإنجليز “إن أهل الخليل لا يعلمون شيئاً عن الأسير الثاني، أما الأسير الأول فأمسكناه وحافظنا عليه كأسير”. واقتنع الإنجليز بكلامه، وبذلك استطاع أن يجنب الخليل من تدمير الإنجليز لها، وأثناء وداع الطيار الأسير الأول قال للعرب أنه لن يضرب أي عربي مدى الحياة لأنهم حافظوا على حياته.
رغم المحاولات المتكررة من الإنجليز للقضاء على الجيلاني إلا أنهم فشلوا وذلك بسبب النجدات (الفزعات) التي كان يقوم بها ثوار الخليل لنجدته ومساعدته، فعندما حوصر الجيلاني في منطقة شعب الملح ذهب لنجدته محمد سليمان عصفور وهو من آل أبو اسنينه ومعه مجاهدون مسلحون وساروا إلى جنوب الخليل كي يعترضوا السيارات العسكرية الإنجليزية القادمة لضرب الجيلاني، إلا أن الطائرات الإنجليزية شاهدت محمد سليمان عصفور وجماعته فقذفته بقنابلها وفتلته وقد استشهد قبل وصوله إلى شعب الملح حيث وجود الجيلاني.
استشهد في هذه المعركة خمسة من المجاهدين هم هاشم الدويك رئيس فصيل حمولة الدويك وعبد الرحمن شاكر الجنيدي رئيس فصائل المنطقة الغربية، وعبد الأشهب رئيس فصيل عائلة الأشهب، والحارس الخاص لقائد الثورة وهو محمد عمر النتشة، والشهيد عبد الفتاح محمد بن بني نعيم، كما جرح سبعة أفراد.
بقي الجيلاني قوياً في منطقة الخليل حتى سقوط مناطق فلسطين بيد اليهود عام 1948م. وهناك ثوار آخرون لعبوا دوراً هاماً في الثورة ( لا مجال هنا لذكر أدوارهم ) ومن هؤلاء عيسى البطاط الذي استطاع أن يهرب من السجن وتمكن من قتل مدير الآثار الإنجليزي ستاركي. وهناك ثائر ثالث هو سالم السيخ من قرية دورا، الذي هرب من سجنه في عكا والتحق بالثورة في الشمال مع عبد الرحيم الحاج محمد وغيره من الثوار. وقد بث الإنجليز دعاية كاذبة قالوا بأن البطاط والشلف وسالم السيخ هم قطاع طرق ولصوص وذلك كي لا يقوم أهل الخليل بمساعدة هؤلاء الثوار. لكن الشعب في منطقة الخليل قدموا للثوار كل ما طلبوه من مؤنة وغذاء. وهناك ثوار آخرون مثل الحاج ناجي الني القواسمي كان رئيس فصيل وموسى يونس (ضابط المدينة) وحمزه النتشة (مسؤول التجنيد) وداود الحاج داود القواسمي وقد عينه الجيلاني جابياً والجباية عبارة عن تبرعات من الأهالي وليس فرض على السكان. ويوسف جنيد وعبد شاكر جنيد ومحمود عبدا لحافظ شاهين (زريق شاهين) وبدوي جنيد العجوري وغيرهم.
وخططت قيادة الثورة لهجوم جديد على القوات البريطانية وذلك عندما علموا عن وجود قافلة عسكرية بريطانية على طريق الخليل بيت لحم قاصدة بئر السبع، فرابط المجاهدون في قرية بيت خيران، وعندما وصلت القوة العسكرية البريطانية الكمين، أصلاها الثوار ناراً حامية، فطلب الإنجليز النجدة، فسارعت عشر طائرات وقوات بريطانية من القدس والرملة إلى ميدان المعركة، وجرت معركة على طول خمسة كيلو مترات، حاول الإنجليز تطويق الثوار، إلا أن وصول القائد الجيلاني على رأس قوة من مئة مجاهد وعدد من رجال قرى بيت لحم والقدس والخليل أحبط خطة الإنجليز واستمر القتال لمدة 9 ساعات خسر الإنجليز أكثر من 80 قتيلاً واستطاع الثوار من حرق خمس دبابات والاستيلاء على كمية من الأسلحة بينما خسر الثوار ثمانية شهداء وستة من سكان القرى.
معركة خربة قلقس:
اشترك الجيلاني في معركة خربة قلقس في بداية عام 1939م. قتل فيها عشرون جندياً بريطانياً واستشهد من الثوار ثلاثة وجرح خمسة. كانت المعركة الفاصلة والتي تعرف بمعركة شعب الملح حيث مقر الجيلاني، وقد وقعت في أيار عام 1939م، اشترك في المعركة عدة آلاف من الجنود الإنجليز و36 طائرة، وقد خطط لها الجنرال دل، استمرت المعركة طوال النهار استشهد خلالها 12 مجاهداً، اتسع ميدان المعركة واشترك فيها مجاهدون من بيت جالا وبئر السبع وخان يونس والساحل الغربي وبيت جبرين. وقد أصيب الجيلاني بعدد من الشظايا وجرح 15 شخصاً. بينما كانت الخسائر الإنجليزية 400 قتيل وجريح. اضطر الثوار المغادرة خاصة بسبب قيام الحرب العالمية الثانية فمنهم من غادر إلى سوريا ومنهم من التحق بالحاج أمين الحسيني، أما القائد الجيلاني فقد رحل إلى مصر وبقي فيها حتى عام 1941م. قابل عبد الحليم الجيلاني أثناء وجوده في مصر الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين وشرح له ما يعانيه الشعب الفلسطيني ومصير فلسطين المظلم بسبب الإنجليز واليهود، وتوطدت العلاقة بينهما، وأرسله البنا إلى عمان وفلسطين لتأسيس جمعيات للإخوان المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي عام1944م سافر الجيلاني إلى عمان ومعه سعيد رمضان والشيخ عبد الحي عرفه وإسماعيل البلبيسي من شباب القدس، وقابلوا الأمير عبد الله الذي سمح لهم بتأليف جمعية للإخوان المسلمين في عمان، ثم تشكلت عدة فروع في الزرقاء وإربد وتشكل فرع في القدس. سافر الجيلاني بعد ذلك إلى العراق للاشتراك في ثورة رشيد عالي الكيلاني، وعندما وصلته الأخبار بفشل الثورة اضطر للعودة إلى سوريا والمكوث متخفياً حتى صدر قرار العفو عنه من المندوب السامي مكمايكل في 24/4/1944م، ومما جاء فيه ست بنود تقيده من التحرك ومنها:
“أ- عليه أن يسكن ضمن حدود مدينة الخليل، كما أن عليه أن لا يبرح من حدود مدينة الخليل المذكورة إلا بتصريح قانوني.
ب- عليه أن يمثل لأقرب نقطة بوليس إذا ما طلب منه ذلك من قبل أي فرد من البوليس في اللواء الذي يسكنه، هذا وعليه أن يمتثل مرة في الأسبوع لمركز بوليس الخليل.
جـ- عليه أن يمكث ضمن أبواب منزله من الساعة الواحدة بعد غروب الشمس حتى شروقها ويكون عرضة للتفتيش في منزله من قبل البوليس في أي وقت كان”.
انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وخطط الإنجليز والصهاينة لرفع ملف فلسطين إلى الأمم المتحدة للحصول على قرار دولي بتشكيل كيان صهيوني في فلسطين، وقد صدر قرار التقسيم من الأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947م فدخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة من الجهاد. فبدأت قوات الجهاد المقدس برئاسة عبد القادر الحسيني بتشكيل اللجان القومية للدفاع عن الوطن.
وعين سماحة المفتي المناضل عبد الحليم الجيلاني قائداً للمنطقة الجنوبية لفلسطين، وتشكلت في تلك الفترة منظمات عسكرية منها “الفتوة” وقد شكلها كامل عريقات، و”النجادة” وقد شكلها نمر الهواري، وقد بلغ عدد المجاهدين في هاتين المنظمتين 500 مجاهد، واتخذوا اللباس العسكري لأفرادها، وقد قابلوا المفتي الحاج أمين الحسيني والملك فاروق الملك المصري وهذه المنظمات كان يصرف عليها الجيش المصري لأن المجاهدين هم جيش نظامي. وكان الجيلاني وتقي الدين النبهاني يرافقان هذا الجيش من المجاهدين. إلا أن المشاكل الداخلية بين الفتوة والنجادة أدت إلى حملها، لذا شكل الجيلاني منظمة الشباب في يافا وشكل النبهاني حزب التحرير الفلسطيني.
بدأ الجيلاني من جديد في نضاله ضارباً عرض الحائط التقيدات التي فرضها عليه المندوب السامي. ففي 22/12/1947م استطاع الجيلاني السيطرة على سيارة من سيارات الجيش البريطاني كانت متجهة لبئر السبع فاستولى على مدفعين وعتاد وملابس عسكرية.
ومن المعروف أن أهل الخليل عندما كانوا يسمعون عن حدوث معركة كان يجتمعون أمام مقر اللجنة القومية، وكانوا يعرفون عن وجود معركة عن طريق إشارات حمراء تطلق من باب الزاوية حيث مركز اللجنة القومية، وكان يشاهد هذه الإشارات معظم أهل الخليل فيذهبون إلى مقر اللجنة القومية بسرعة ويسيرون إلى ساحة المعركة كي يقدموا النجدة إلى إخوانهم في العركة، وعملهم هذا يسمى “فزعة”.
وعندما بدأ الجهاد في فلسطين عام 1948م قام الشيخ حسن البنا بتجهيز بعض الإخوان المسلمين في مصر للاشتراك في الجهاد والدفاع عن قبلة المسلمين الأولى. وبناءً على تكليف المفتي الحاج أمين الحسيني قام المجاهد عبد الحليم الجيلاني بمرافقة الشيخ حسن البنا والشيخ محمد الفرغلي الذين جهزوا عدداً من السيارات وذلك لنقل المجاهدين والأسلحة والتموين إلى غزة ومنها إلى جميع أنحاء فلسطين. مكث الشيخ حسن البنا في غزة مدة أسبوع ثم عاد إلى مصر بعد أن سلّم القيادة للشيخ محمد الفرغلي.
اشترك علماء الدين في الجهاد، فكانوا يقاتلون مع المجاهدين ليلاً ويلبسون العمامة نهاراً، وقد عرف من هؤلاء الشيخ عبد الحي عرفه الذي أصبح مندوب الثورة الفلسطينية في سوريا، والذي قام بتعليم الجيلاني مبادئ الجهاد، والشيخ محمد خلوي الجيلاني الذي كان إمام طابور في الثورة عام 1936م، والشيخ حلمي المحتسب الذي كان يعلم المجاهدين مبادئ الجهاد، وغيرهم من علماء الدين.
معركة بيت لحم الكبرى:
ومن المعارك التي اشترك بها الجيلاني معركة بيت لحم الكبرى- أو معركة الدهيشة وكانت بتاريخ 27/3/1948م، وبدايتها أن المجاهدين في القدس علموا أن هناك قافلة يهودية عليها حراسة مشددة وصلت مستعمرة كفار عتصيون قرب الخليل، وأنها ستعود للقدس، لذا اجتمع عدد من المجاهدين من مناطق بيت لحم وبيت فجار وبيت جالا والخضر وبيت ساحور وعرب التعامرة وجبل الخليل وغيرها تجمعوا على الطريق العام قرب بيت لحم وأعدوا كميناً بعد أن تمنطق بحزام ناسف، وكان المجاهدون قد أغلقوا الطريق في عدة مواقع واشتبكوا مع رجال القافلة في قتال مرير، فأخذ اليهود يهربون، انتصر المجاهدون والتجأ اليهود إلى بيت مهجور واستنجدوا بالقوات البريطانية التي أرسلت لهم الكولونيل هاربر ومعه عدد من الضباط والجنود الإنجليز لإنقاذ اليهود المحاصرين، هدد المجاهدون بإطلاق النار عليهم إن هم تقدموا خطوة واحدة، وأبى المجاهدون إلا أن يستسلم اليهود، لذا تم عقد اتفاق مكتوب بين قائد الجيش الإنجليزي والهاغانا من جهة وبين كامل عريقات نائب القائد العام الذي كان يقود المجاهدين يساعده عبد الحليم الجيلاني ورفيق عويس وجاد الله الخطيب، ثم خرج اليهود من البيت المهجور نحو المجاهدين الذين جردوهم من أسلحتهم وذخائرهم واستلمهم رجال الجيش الإنجليزي، كان عدد قتلى اليهود 129 واستشهد 12 مجاهداً.
استولى الجيلاني على أسلحة اليهود ووزع الأسلحة على المجاهدين، كما استولى على أسلحة إنجليزية نتيجة هجومه على ثكنات الجيش الإنجليزي ومراكزهم كما ذكرنا سابقاً. ومن المعروف أن المجاهدين كانت تنقصهم الأسلحة والذخيرة، وكان المجاهد يبيع أحياناً قطعة أرضه أو يبيع ذهب زوجته كي يشتري قطعة سلاح أو طلقات رصاص.
كان الجيلاني قد اتخذ مقره في دير الطنطورة بتاريخ 22/4/1948م وكان يعمل تحت قيادته أكثر من 500 مناضل، ستة منهم برتبة ضابط وهم عبد القادر زلوم وعبد الحفيظ عسيله ويونس أحمد أبو عمر الجيلاني ومصباح مصطفى حجازي ومحمد يوسف الجيلاني وشحادة أبو ميالة، وكان هؤلاء يتقاضون رواتبهم من الهيئة العربية العليا، وكان الجيش المصري يمونهم بالمؤن والذخائر.
واشترك الجيلاني في معركة جبل المكبر حيث حاول اليهود، وكان عددهم 300 جندي، إخراج الجيلاني من جبل المكبر لأن الجبل كان تحت إشرافه وسيطرته وتحت أمرة الضابطين عبد القادر زلوم وعبد الحفيظ عسيله، إلا أن قوات الجيلاني وبمساعدة قوات صور باهر والقدس والخليل استطاعت أن ترد القوات اليهودية على أعقابها إلى تل بيوت.
واشترك الجيلاني في معركة القسطل في 7/4/1948م عندما أرسل عبد القادر الحسيني رسولاً يطلب المدد والنجدة من المناطق المجاورة. وما أن تمت محاصرة اليهود لعبد القادر الحسيني ورجاله في القسطل حتى زحف المتطوعون والمجاهدون من كل حدب وصوب لنجدته.
كما أرسل السيد أنور نسيبه – سكرتير اللجنة القومية في القدس – إلى عبد الحليم الجيلاني رسالة ذكر فيها أن يسرع إلى الالتحاق بقوات عبد القادر الحسيني لمساندته في القسطل، فوصل القسطل قاسم الريماوي يقود مجموعة من شباب الجهاد المقدس، والحاج عبد الحميد المدني يقود عدد من حراس الحرم الشريف، وعبد الحليم الجيلاني يقود مجموعة من أهل الخليل وبهجت أبو غربية ومحمد عادل النجار على رأس مجموعة من شباب القدس ورشيد عريقات وجمال رشيد يقودان بعض جماعات المتطوعين. وقد استشهد عبد القادر الحسيني في هذه المعركة بسبب عدم التوازن بين العرب واليهود في الأسلحة والعتاد وعدد النجدات اليهودية المتكررة ويذكر بهجت أبو غربية في مذكراته بعد استشهاد عبد القادر الحسيني أن المجاهدين في هذه المعركة الذين كانوا مع أبو غربية والمجاهدين الذين مع محمد عادل النجار بقوا في القسطل للدفاع عنها. وأن الجيلاني بعث لبهجت رسولاً أخبره بأنه على استعداد لمساعدة أبو غربية إذا طلب ذلك. وأنه على بعد 5كم منه وأنه يقيم في قرية صوبا.
وفي 6/5/1948م هاجم اليهود قافلة عربية كانت في طريقها من القدس إلى الخليل وكانت القافلة مكونة من 30 سيارة مدنية وعسكرية، طلبت القافلة نجدة عربية فجاءت النجدة من القدس يقودها حكمت مهيار من الجيش الأردني، كما وصلت نجدة من الخليل بقيادة الجيلاني ومعه 400 مجاهداً، زحف الجميع نحو دير الشعار الذي يقيم فيه اليهود الذين اعترضوا القوافل العربية، وبعد معركة قصيرة هرب اليهود إلى كفار عتصيون، بينما ذكر القائد الأردني عبد الله التل في مذكراته عن هذه المعركة أن اليهود كانوا قد استولوا على دير الشعار المشرف على الطريق الرئيسية بين الخليل والقدس، ,أن التل اتفق سراً مع الضابط الذي يقود القافلة العربية أن يتحرش بالمستعمرة عند عودته من رفح للقدس، وبعد ظهر 7/5/1948م استلم برقية مستعجلة من قائد القافلة يشير فيها إلى اشتباكه مع يهود المستعمرة، فعرض البرقية على غلوب باشا قائد الجيش الأردني (الإنجليزي) وتظاهر التل أن المستعمرة هي المعتدية واستأذنه في السفر لإنقاذ القافلة، فاشتبك مع اليهود وأنقذ القافلة وبدأ يخطط أثناء الليل لهجوم يشنه على المستعمرة في الصباح. احتل الجنود الأردنيون والمجاهدون دير الشعار وهرب اليهود منه لكن وصلت برقية من غلوب إلى التل تقول: “كفوا الهجوم عن المستعمرة إذا لم يهاجموكم لا تعتدوا عليهم”. كان اليهود في كفار عتصيون يعيقون حركة التنقل العربية من القدس للخليل لكثرة الهجوم على العرب في هذه الطريق، عندئذ قرر الجيلاني إنهاء هذا الخطر الخبيث في المنطقة، فوضع خطة لاحتلال المستعمرات الواقعة على طريق القدس الخليل، وكانت الخطة تقضي التعاون مع بعض ضباط الجيش الأردني مثل عبد الله التل ومحمد أبو رغدة ونزار المفلح وحكمت مهيار وقسيم محمد قاسم الناصر وحمد أبو دخينة وسعود الخشمان ومدير البوليس في بيت لحم والخليل محمد العناني. اقتحمت الدبابات الأردنية والمناضلون الفلسطينيون في فجر 12/5/1948م مستعمرة كفار عتصيون، وقتل من اليهود حسب إحصاءاتهم 100 جندي يهودي بينما ذكر الجيلاني أن قتلى اليهود بلغ أكثر من 700 جندي يهودي، واستشهد من العرب 100 شهيد وهكذا انتصر العرب في كفار عتصيون. وفي 15/5/1948م سلّم الصليب الأحمر رسالة إلى الجيلاني من اليهود الذين يقطنون المستعمرات الثلاث المجاورة موفقتهم على التسليم، وهي مستعمرات نحالين والحبيلة وبيت اسكاريا (ريفاديم وعين تسوديم وماسوتوت يسحق). أبرق الجيلاني إلى ضابطي البوليس الأردني في الخليل وهما حكمت مهيار ونزار المفلح القدوم إلى كفار عتصيون لاستلام اليهود الذي بلغ عددهم 297 رجلاً و53 امرأة.
ويذكر عبد الله التل في مذكراته أنه استلم برقية من حكمت مهيار قال فيها أن المستعمرات المجاورة لكفار عتصيون عرضت أن تسلم بواسطة الصليب الأحمر حسب الشروط التالية:
تسليم السلاح للعرب.
أخذ الرجال أسرى حرب.
تسليم النساء والأطفال والعجزة للصليب الأحمر. وأن الوكالة اليهودية وافقت على هذه الشروط، ويضيف التل أن الجيش الأردني أخذ 350 أسيراً إلى المفرق شرقي الأردن وأن المستعمرات الثلاث استسلمت.
وتأكيداً لرواية التل ذكر الجيلاني أنه استطاع أسر هذا العدد من اليهود 350 أسيراً يهودياً ولم يضرهم ولم يؤذهم بل سلمهم للجيش الأردني وكان قادراً على إبادتهم لكنه لم يفعل ذلك. واستطاع الجيلاني من تدمير رامات راحيل ثلاث مرات مع الضابط المصري أحمد عبد العزيز.
كانت الحراسة على أماكن تواجد المجاهدين مستمرة، وكانت كلمة سر الليل التي يحفظها الحارس الليلي عن ظهر قلب تتغير كل أسبوع وذلك كي لا يستطيع اليهود اقتحام أماكن وجود المجاهدين.
وبهذا استطاع المجاهدون مسح هذه المستعمرات من طريق الخليل ونتيجة لتدميرها زال الخطر الذي كان يهدد لواء الخليل. وهكذا أدى التعاون بين الجيش الأردني والمناضلين نتائج باهرة ويعود هذا النجاح إلى عبد الله التل وسامي الحسيني ونواف جبر وتفاني مناضلي الخليل بقيادة الجيلاني.
حصار الفالوجة نوفمبر 1948:
حاصرت القوات اليهودية الجيش المصري في الفالوجة في تشرين ثاني عام 1948م وكان عددهم 2500 جندي مصري وكانت القوة المحاصرة بقيادة العميد السيد طه والرائد جمال عبد الناصر واستمر الحصار مدة 125 يوماً دون أن يفكروا في الاستسلام. وقد كلفت الجامعة العربية القائد عبد الحليم الجيلاني بتزويد وتموين حامية الفالوجة المحاصرة، وقام بالفعل بتزويد الحامية مدة ثلاثة أشهر وكانت وسيلة النقل (50) جملاً يحملون عليها الذخيرة والتموين سراً. وتمكن اليهود أخيراً من كشف القافلة من الجمال فنصبوا لها كميناً وألقوا القبض عليها وتم أسر معروف أحمد الخضري، وبعد إطلاق سراحه سجن في مصر وقد أخرجه من السجن الرئيس جمال عبد الناصر. استمرت المعركة حامية الوطيس حتى الفجر حيث تمكن الجيلاني وجماعته من الانسحاب إلى الخليل وتعتبر هذه المعركة الأخيرة في حياة الجيلاني، حيث صدر الأمر من القيادة الأردنية آنذاك بانضمام جيش الجهاد المقدس بعموم رتبه العسكرية إلى الجيش الأردني النظامي مع الاحتفاظ بكامل حقوقه كبقية الجيش الأردني باعتباره قطعة منه. كان جيش الجهاد المقدس قد تعاون مع الجيش المصري، وكانت الجامعة العربية تصرف عليه. كان المفتي قد وجه دعوة إلى الجيلاني في دير الطنطور في بيت لحم للحضور إلى غزة، فحضر الجيلاني مع 250 من المناضلين وكان جمال الصوراني مساعداً للجيلاني. وفي غزة كلف الجيلاني كلاً من الملازم أول عبد الحفيظ عسيله والضابط محمد يوسف الجندي والشاويش سعيد أبو خلف بحراسة الحاج أمين الحسيني. كما قام الجيلاني ورجاله بحراسة أعضاء حكومة عموم فلسطين يوم تكونت في غزة في 1/10/1948م. وذلك بعد أن وجهت الدعوات لـ 151 شخصية فلسطينية وتم افتتاح المجلس الوطني الفلسطيني أعماله في 30/9/1948 بمدرسة الفلاح الإسلامية في غزة وأعلنت قيام حكومة عموم فلسطين ورئيسها أحمد حلمي. وبعد تأسيس حكومة عموم فلسطين وجهت القيادة المصرية أمرا للحاج أمين بالحضور إلى مصر وحل هذه الحكومة، ورغم ذلك بقي الجيلاني في غزة.
كان السيد ياسر عرفات (أبو عمار) قد زار فلسطين بعد حرب حزيران عام 1967م، وقد مكث أبو عمار في زيارته السرية مدة 42 يوماً في بيت عبد الحليم الجيلاني، وكان الحرس الخاص له جمال ابن عبد الحليم الجيلاني ثم استطاع أبو عمار العودة إلى الأردن بواسطة جمال الجيلاني الحارس الخاص.
كان عبد الحليم الجيلاني يسكن في عمان يعاني من آلام الغربة عن الوطن ويعاني من شظايا القنابل سنوات طويلة لأنه جرح مراراً في المعارك التي خاضها. وقد عولج أثناء وجوده في الأردن عام 1972م على نفقة رؤساء الوزارات الأردنية. ومنهم أحمد اللوزي ومضر بدران وزيد الرفاعي.
وعندما رجع الجيلاني إلى الخليل من الأردن عبر جسر اللينبي أوقفته المخابرات الإسرائيلية، وقابله الكابتن هارون ضابط المخابرات الصهيوني، وبعد توجيه عدة أسئلة واتهامات للجيلاني تم سجن الجيلاني 32 يوما في أريحا. وقد هدمت القوات الإسرائيلية بيته في أريحا وفي الخليل، كما سجنت إسرائيل ابنه جمال مدة 5 سنوات لأنه قام بحراسة أبو عمار أثناء زيارته السرية إلى القدس. ويعيش عبد الحليم الجيلاني الآن في الخليل في بيت متواضع على تلة تشرف على شعب الملح، المكان الذي له فيه ذكريات البطولة والشرف.
خاتمة:
عبدالحليم الجيلاني ولا يكاد يذكره احد هذه الايام كان قبل ستين عاما ملء السمع والبصر وكان بطلا قل ان قدم احد ما قدمه من بطولات للدفاع عن ارض فلسطين.
وكان رفيق جمال عبدالناصر والسيد طه عندما حوصر الجيش المصري في الفالوجة وهو الذي كان يخرق عليهم الحصار ويؤمن لهم الغذاء والدواء بناء على طلب من الجامعة العربية، وكان يعتمد في خرقه الحصار على 45 جملا يحملها التموين والذخيرة ذهابا والجرحى ايابا، ويقول السيد احمد الشقيري الامين العام المساعد للجامعة العربية في ذلك الحين ان الجيلاني كان هو الذي ينفق طيلة ثلاثة اشهر على فك هذا لحصار عن الجيش المصري من جيبه الخاص. واصبح القائد الجيلاني بطلا يفاخر به كل فلسطين ويغيظ كل الاعداء والطامعين حتى ان القيادة البريطانية رسمت خطة لأنهاء اسطورته خصوصا عندما اقام كمينا لقافلة من سيارات الجيش البريطاني القادمة من منطقة القدس للخليل فأقام لها الكمين في موقع جورة بحلص وهي منطقة زراعية تقع ما بين الخليل وحلحول وقد استطاع تدمير القافلة وقتل سبعين جنديا بريطانيا مما دفع الجيش البريطاني الى اشراك خمس طائرات في تلك المعركة للانتقام من المجاهدين الذين سجلوا انتصارا على القوات البريطانية ولقد استطاع البطل الجيلاني ان يسقط اول طائرتين في سماء فلسطين عندما كان يختبىء وراء الصخور ثم يقفز على الصخرة عندما تقترب الطائرة ويصوب بندقيته نحو قائدها ويصيبه بمقتل تهوي بعد ذلك الطائرة وفعلا كانت اول طائرتين تتحطمان في معارك فلسطين وقد اصابهما البطل الجيلاني فسقطت الطائرة الاولى على الطريق الرئيسي في جورة بحلص واحترق فيها الطياران اما الثانية فقد تحطمت ووقعت جنوب الخليل وقتل احد طياريها بينما الثاني استطاع الهرب واللجوء الى احد البيوت التي آوته وسلمته للحاكم البريطاني.
الفقيد الكبير الذي غاب عن فلسطين دون ان يتحقق الحلم الذي طالما عاشه وهو تحرير فلسطين من الاعداء وذهب بكل هذا الهدوء وكأنه لم يكن ذات يوم او ذات مرحلة البطل القومي الذي كان كل يوم في حياته مدرسة كان يجب ان تتعلم منها الاجيال معنى الجهاد وطريق الجهاد ومصير الجهاد.
المجد والخلود لبطلنا القائد ولجميع ابطال فلسطين الذين يضربون الامثال أن الابطال ليسوا مثل الممثلين لا يسعون الا للثروة والدعاية والظهور.
انهم اعطوا الف دليل ان الجهاد له درب واحد وهو درب التضحية ونسيان الذات والانتصار للوطن مهما كانت الصعاب وبلغت التضحيات.
كان صديقاً للمفتي الحاج أمين الحسيني وصديقاً للشيخ حسن البنا زعيم حركة الإخوان المسلمين وصديقاً للرئيس ياسر عرفات، وعاش وتوفي في مدينة الخليل في زاوية النسيان.
بعد النكبة استقر به المقام في مزرعته في تلول الحمر عند عرب النعيرات ليعمل فيها. وعاش بقية حياته في الأردن، بعد أن انتقل إليها للإقامة اثر حرب حزيران سنة 1967م. و بقي يعيش هناك حتى سنة 1993م حيث صدر له كتاب عن دار الجليل للمطبوعات. عبد الحليم الجيلاني، الذي أمضى حياته مجاهداً يقارع الإنجليز والصهاينة، يواجه دبابات الإنجليز وطائراته، ويواجه العصابات الصهيونية وقد انتصر عليهم مراراً.
استطاع هذا الثائر المجاهد المنسي أن يغطي حقبة من تاريخ فلسطين، وأن يقود المجاهدين من نصر إلى نصر، خطط لتمدير أهداف عسكرية إنجليزية ونجح في الوصول إليها وتدميرها، وخطط لمسح مستوطنات صهيونية فوصلها وحاربها ومسحها من الوجود في حينه.
توفي المناضل الجيلاني في مدينة الخليل في 19/8/2002 وجرى له تأبين كبير.
فارس جبال الخضر
ولد محمد سعيد شهاب في مدينة حماه عام 1889، وفيها تلقى دراسته الابتدائية ثم تابع دراسته الرشدية والإعدادية في دمشق ، بعدها التحق بالكلية الحربية في الآستانة (اسطنبول – تركيا) وبعد أن تخرج منها عام 1907 برتبة ملازم ، عين ضابطاً في دمشق ، ثم تنقل بين مراكز عسكرية مختلفة إلى أن التحق بمدرسة الأركان الحربية سنة 1908 . وفي أوائل عام 1910 أخرج من المدرسة المذكورة لأسباب سياسية عربية (كما تفيد الموسوعة الفلسطينية دون أي توضيح آخر) وعين في كتيبة الرماة وغادر مع فرقته إلى البانيا ومنطقة البلقان الخاضعة لحكم الدولة العثمانية ، وشارك في القتال الدائر مع الثائرين ضد الحكم العثماني . في منتصف العام 1911 وقع أسيراً في قبضة اليونان ، إلا أنه تمكن من الفرار من الأسر ، والوصول إلى الآستانة . في هذه الأثناء عمل في التنظيمات العربية السرية كحزب العهد العسكري، وبدأ ينشر مقالات له باسم مستعار.
ويعد العاص من أحد ألمع الشخصيات السورية التي التحقت بالثورة الفلسطينية أمثال محمد الأشمر ونبيه العظمة وعادل العظمة وفوزي القاوقجي وفؤاد سليم ورشيد طليع. ومن بين هؤلاء كان له مجد الاستشهاد فوق أرض فلسطين على غرار ابن وطنه عز الدين القسام. لم يكن سعيد العاص وعز الدين القسام السبّاقيْن إلى النضال الفلسطيني، بل كانا المثال والقدوة معاً، فقبلهما، في سنة 1929، تقاطر كثير من المناضلين الذين حاربوا الانتداب الفرنسي في سوريا إبان ثورة 1925، على فلسطين، والتحقوا بأول منظمة فلسطينية مسلحة لقتال اليهود والبريطانيين، أي «عصابة الكف الأخضر» التي أسسها الفلسطيني أحمد طافش غداة «هبة البراق»، واتخذت من قضاء صفد ميداناً لعملياتها.
وسعيد العاص بطل من أبطال التحرر الوطني، وأحد كبار المناضلين في سبيل الاستقلال، والكفاح ضد الاستعمار. وهو، على غرار أمثاله من قادة التحرير، ولد في مكان، وعاش في أمكنة متعددة، واستشهد في مكان آخر، ودفن في مكان استشهاده، أي في قرية الخضر الفلسطينية. وسارت وراء نعشه جنازة شعبية كبيرة، الأمر الذي جعل سلطات الانتداب البريطاني تمنع نقل أنباء تشييعه إلى بقية بلدان العرب. لقد كان فلسطينياً أبياً وسورياً أصيلاً وعربياً حراً في نهاية المطاف.
الثورة السورية:
التحق سعيد العاص بالجيش العربي (الفيصلي) فور إعلان الحكومة العربية في سوريا، لكنه لم يحتمل خروج الملك فيصل مهزوماً من سوريا على أيدي الفرنسيين بعدما انتخبه المؤتمر السوري العام الذي يمثل الأقاليم السورية كلها (لبنان وفلسطين والأردن والشام) ملكاً دستورياً على البلاد. وكان لمعركة ميسلون الباسلة التي وقعت على أبواب دمشق الشأن الكبير في تفتح وعيه القومي. ومنذ ذلك التاريخ الذي كتبه يوسف العظمة بدمائه ودماء رفاقه، اختار سعيد العاص سبيله وحدد غايته، وهي النضال في سبيل وحدة سوريا وتخليصها من الانتدابين الفرنسي والبريطاني. فطفق يشارك في الانتفاضات التي اندلعت ضد الفرنسيين منذ سنة 1919 إلى جانب الشيخ صالح العلي تارة وإلى جانب عمر البيطار وعز الدين القسام في جبال اللاذقية طوراً، ومع إبراهيم هنانو في نواحي حلب تارة أخرى فضلاً عن وادي فيسان في الهرمل مع حسن طعان دندش. وفي سنة 1921 تمكن من الوصول إلى شرق الأردن بعدما ضيّقت سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا عليه وكادت تعتقله. ولم يلبث أن تطوع إلى جانب الهاشميين للقتال ضد جيش عبد العزيز آل سعود في الحجاز في سنة 1923، وتولى قيادة «لواء النصر» الذي كان بإمرة الملك علي بن الحسين.
- سوريا مرة ثانية:
مع نشوب الثورة السورية الكبرى سنة 1925 عاد إلى سوريا، وشارك في معارك جبل العرب ضد حملة الجنرال غاملان، ثم ساهم في معارك الغوطة والقلمون إلى جوار فوزي القاوقجي وجرح في أثناء ذلك مرتين. وقد عينه سلطان الأطرش قائداً لحملة حمص وحماه سنة 1925، وقاتل إلى جانب الأمير عز الدين الجزائري الذي استشهد في معركة عين الصاحب سنة 1927. وخاض آخر معارك الثورة السورية ضد القوات الفرنسية في غوطة دمشق في نيسان 1927. ولما أصدرت سلطات الانتداب الفرنسي حكماً بإعدامه، وكانت الثورة السورية الكبرى قد أصابها الإنهاك، تسلل مجدداً إلى الأردن مع كثيرين من قادة الثورة ورجالها أمثال عبد الرحمن الشهبندر وعادل أرسلان وفوزي البكري ونسيب البكري وأمين رويحة ونزيه المؤيد العظم ومنير الريس وغيرهم.
على أرض فلسطين:
انتمى سعيد العاص، على الأرجح، إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1936. وحين انفجرت الثورة الفلسطينية الكبرى في ذلك العام كان في طليعة الذين التحقوا بهذه الثورة منذ بداياتها الأولى، فدخل إلى فلسطين في أيلول 1936، واتخذ منطقة الخليل ـ بيت لحم، جنوب القدس، ميدانه العسكري، وراح يدرب الناس وينظمهم في وحدات عسكرية، فتمكن من تأليف قوة قوامها 250 رجلاً. وهذه القوة هي نواة «جيش الجهاد المقدس» الذي قاده سنة 1948 عبد القادر الحسيني. أما في سنة 1936 فكان سعيد العاص هو مؤسس وقائد هذا الجيش، وكان عبد القادر الذي كان أطلق للتو من سجن الصرفند، نائبه. بدأ سعيد العاص منذ وصوله يعمل على تغذية الثورة بأعداد من المتطوعين ، وأخذ يتصل بقرى المنطقة ، ويعد الرجال والعتاد يعاونه في ذلك عبد القادر الحسيني بعد أن كان أطلق سراحه من معتقل أنصار ، وقد استجاب لدعوته مئات من سكان منطقة القدس وأقضية بيت لحم والخليل فقرر القيام بهجوم شامل على القوافل العسكرية الإنكليزية التي تمر في تلك المنطقة. واختار جبال قرية حلحول القريبة من طريق بيت لحم – الخليل مركزاً لتهيئة الهجوم ، ورأى أن يتم ذلك نهاراً ليتمكن من الإجهاز على أكبر عدد ممكن من الجنود ، فعمد إلى إغلاق الطريق العام بالحجارة الكبيرة ثم وزع الثوار إلى ثلاثة أقسام ، رابط القسم الأكبر منها في الجبال ، وتوزع القسمان الآخران جنوبي الطريق بقيادة سالم الشيخ ، وشماليه بقيادة إبراهيم خليفة ، لمنع وصول النجدات إلى القوات المعادية في مسرح القتال . وعلى أرض فلسطين خاض في 24/9/1936 معركة حلحول على طريق الخليل ـ بيت لحم، ضد القوات البريطانية. ففي الساعة الثالثة من بعد ظهر 24 أيلول 1936 وصلت قافلة عسكرية بريطانية من الخليل فوجدت الطريق مسدوداً بالحجارة ، ولما حاول الجند فتحها إنهال عليهم الرصاص من ناحية المجاهدين الرابضين قرب الطريق . عندها طلب القائد البريطاني النجدة فأسرعت قوة تتألف من ألف وخمسمائة جندي بريطاني ، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى ساحة المعركة إذ تصدى لها المجاهدون الرابضون جنوبي وشمالي الطريق لمنع وصول النجدات وانتصر فيها بعد خمس عشرة ساعة من القتال المتواصل، واستشهد فيها ثلاثة من المجاهدين فقط، بينما سقط للبريطانيين نحو 40 جندياً. وقد طيّرت هذه المعركة صواب الجيش البريطاني، فعمد إلى تجميع أكثر من ثلاثة آلاف جندي، ووضع خطة تطويق محكمة للمنطقة التي يتحرك فيها سعيد العاص. وفي 4/10/1936 تمكنت القوات البريطانية من تحديد مكانه في جبال قرية الخضر وتطويقه بينما كان مع 120 رجلاً من رجاله، وبين هؤلاء عبد القادر الحسيني. وفي 6/10/1936 اندلعت المعركة الأخيرة في المنطقة الواقعة بين قريتي نحالين ورأس أبو عمار. وكان سعيد العاص يخوض هذه المعركة واقفاً وهو يوجه رجاله إلى القتال، فأصيب بثلاث رصاصات، لكنه ظل يطلق النار، إلى أن أصيب في رأسه برصاصة رابعة فخر شهيداً. أما نائبه عبد القادر فجرح وأُسر، لكنه تمكن من الفرار لاحقاً. وقد اختلفت الروايات في أمر استشهاده فرواية تقول بأنه التجأ إلى كهف وقاوم بمسدسه ، فتكاثر عليه الجند ورموه بالقذائف اليدوية والرشاشات ، ورواية تقول أن استشهاده كان اغتيالاً وغدراً وأن الجاسوس رشدي البرمكي هو الذي أبلغ الجيش البريطاني عن محل الشهيد سعيد العاص وقد قبض على الجاسوس لاحقاً فاعترف بأسماء بقية الجواسيس وأنه تقاضى 35 جنيهاً مقدماً على أن يقبض 500 جنيهاً بعد ذلك . في البلاغ الصادر بتاريخ 10/10/1936 عن “القائد العام للثورة العربية في سورية الجنوبية – فلسطين” فوز الدين القاوقجي (المعروف بـ فوزي القاوقجي) نقرأ في البند الرابع منه ، ما يؤكد الرواية الثانية ، موضحاً أن السلطة الإنكليزية راحت تطلق سراح المجرمين والمحكوم عليهم بالإعدام ، ثم تزودهم بالمال والسلاح وتتركهم يتعقبون الثوار لينضموا إليهم كمجاهدين ، ثم يتحينون الفرص للغدر بالزعماء .
دفن جثمان الشهيد سعيد العاص في قرية الخضر في احتفال شعبي كبير ، وأقيمت له حفلات تأبين متعددة ورثاه كثيرون ، منهم الأديب الشهير أمين الريحاني الذي سماه “فارس الثورات”.
وقد كتب على شاهد القبر:
<ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءً عند ربهم يرزقون>.
ضريح المغفور له المجاهد سعيد العاص ،ولد في حماة بسورية سنة 1889 وقضى حياته مجاهداً حتى استشهد في معركة الخضر في 6 تشرين الأول سنة 1936.
رزق الشهيد سعيد العاص بابنة وحيدة هي سعاد، والدة المهندس سعيد الترك.
لمحه في جغرافية وتاريخ عزون
نشأ الثائر “فارس” محمد الحواري(1913-1940) في قرية عزون، وهي تقع على المرتفعات الجبلية القريبة من الساحل الفلسطيني وترتفع عن سطح البحر في بعض مواقعها 176مترا، وتمتاز بكونها نقطة اتصال مهمة على خطوط المواصلات بين نابلس وقلقيلية وطولكرم ورام الله، و تتوسط مجموعة قرى. تعرضت عزون لمحاولة احتلال من قبل الفرنسيين الذين ساروا في حملة متجهين نحو مدينة عكا في عام 1898 وقد توجهت كتيبة من الجيش يقودها دوماس لغرض احتلال القرية ولكن جموع قرى بني صعب والتي تضم كفر جمال، كفر زيباد، كفر عبوش، كفر صور، الرأس، فرعون، الطيبة، الطيرة، قلنسوة، جيوس بقيادة شيخ قرى الصعبيات الشيخ محمود الجيوسي ومركزه قرية كور، وقتل القائد الفرنسي دوماس على يد فلاح من عزون يدعى عابد مريحة العدوان، والذي اغتنم فرصة احتساء دوماس لكأس من القهوة وعندها صوب بندقيته واقتنصه، مما بعث الذعر في صفوف الجيش الفرنسي، كما أن الهزيمة دبت في نفوسهم بعد أن أشعل أبناء الجبل النار في الأحراج فأحاطت بهم ألسنة اللهب ودخانها من كل جانب. ففروا مذعورين إلى يافا حيث صب نابليون جام غضبه عليها، وكانت معركة فاصلة ردت الجيش الفرنسي عن جبل نابلس الذي أطلق عليه من يومها لقب: جبل النار وهي معركة خلدها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان:
سائل بها عزون كيف تخضبت بدم الفرنجة عند بطن الواد
شارك أبناء عزون في معظم الثورات الفلسطينية وكان لهم السبق فيها. ففي ثورة 1921 هاجموا مستعمرة ملبس إلى جانب قرى أخرى، وبرز دورهم في ثورة 1936 وقدموا الشهداء وحدثت معركة وادي عزون في 26/6/ 1936. وبعد أن فك الإضراب في تشرين أول 1936 وبعد أن حضرت لجنة بيل في العام اللاحق وصل إلى عزون رئيس اللجنة، والذي استمع لرأي السكان فرد عليه مختار البلدة الشيخ مصطفى سرور قائلاً “من جرب المجرب عقله مخرب. لقد جربنا بريطانيا ولم تصدق في وعودها وتعهداتها”. وعندما تجددت الثورة في عام 1937 قام الشاب يونس الشايب بإطلاق ا لنار على سمسار عربي عمل على تسريب الأراضي العربية لليهود، ولكنه قبض عليه بعد أن فر باتجاه البحر وقامت حكومة الانتداب بشنقه وقد دفن في قريته عزون وكتب على قبره.
سقى الله رمساً حل فيه مجاهد شهيد غدت أعماله خير مؤنس
فدا وطن غال يقهر العدا شكو إلى القهار متجسس
طفولة “فارس” العزوني
ولد “فارس” في “خربة تُبصُر ” من أعمال عزون، وهي أحدى الخِرَب التي نزلها أهالي عزون بعد عام1810، ودعيت أيضاً “غابة عزون ” والتي أقيمت على أراضيها مستعمرة رعنانيا وبجوارها مستعمرة كفار سابا، و قد دمرت خربة تبصر وأجبر أهاليها على الرحيل في الثالث من نيسان عام 1948. عاش “فارس” يتيماً، وتلقى تعليمه في مدرسة عزون، ودرس فيها حتى الصف الرابع، وقد تعهدته والدته بالعناية، وقد عمل في الزراعة والفلاحة وكانت والدته وإخوانه يديرون بيارة زرعت بالبرتقال. عرف عنه ولعه المبكر بالسلاح، وقد اعتقل مرات عديدة قبل بلوغه سن الرشد، وحينما بلغ سن السادسة عشرة من عمره، توجه إلى قرية المزيرعة من قرى قضاء اللد مع صديقه مصطفى غزال سويدان، الذي يكبره سنا بهدف شراء بندقية، حيث وجد شخصا تعّود بيع بندقيته للباحثين عن سلاح. وكان يبيعها ومعها طلقات مغشوشة، ثم يفاجئ من يشتريها بعمل كمين، وتحت تهديد السلاح يقوم باستردادها، ويسلبه ما لديه من مال وتكرر هذا الأسلوب مع عدة أشخاص. سمع “فارس” الحواري وصديقه مصطفى غزال بقصة هذا الرجل، وحكاية سلاحه فخططا للحصول عليها فتجهزا بطلقات احتياطية وذهبا إلى المزيرعة وحدث معهما كما يحدث مع الآخرين، واعترضهما خارج القرية فحّذراه من مغبة صنيعه، ولكنه لم يتراجع عندها أردياه قتيلا . بعد التحاق “فارس” بالثورة عاد إلى قرية المزيرعة، وقبل دخوله القرية أرسل مندوبين يستأذنون له بالدخول كزائر وضيف، وأذن له أهلها بالدخول وأكل بها وشرب، وقاموا بإجراء مصالحة، وتفهم أهل القرية حادثة القتل التي كان سببها ابن قريتهم.
حدثتني أرملة “فارس” السيدة عيشه جودة نقلا عنه
” سجنت عدة مرات وخرجت من السجن، توجهت إلى قرية المزيرعة ومعي صديقي مصطفى غزال، واشترينا بندقية ورجعنا لقريتنا، واقتربنا من بئر ماء يقع في مدخل القرية، وعليه يقف أحد الرعاة الذي كان يسقي دوابه، وحدق بي وطلب مني خلع بارودتي وقد طمع فيها واستهتر بي وظن أني صغير، واتجه نحوي وحذرته أن يقترب مني لكنه لم يرتدع، فأطلقت عليه النار مضطراً وسقط المهاجم على الأرض، وهربت ومعي مصطفى غزال”.
و حدثنا عبدالله جوده من بلدة عزون نقلاً عن أبو علي ناصر أحد مواطني قرية المزيرعة أن “فارس” اشترى بندقية من قرية المزيرعة، ولكنه تعرض لمحاولة تقشيط (سلب) من نفس الشخص الذي باعها له، ورغم أن “فارس” حذره من الاقتراب منه إلا أنه اندفع باتجاهه مما حمل “فارس” على إطلاق النار عليه فأرداه قتيلاً، وقد تسبب نزيف الدم الذي أصاب جسمه في موته. بعد مقتل الرمحي من المزيرعة أصبح “فارس” وصديقه مصطفى فارين تبحث عنهما سلطات الاحتلال البريطاني، وتقتفي آثارهما للقبض عليهما ، حيث بقيت خلفهما بعض آثار العملية، ومنها عثورهما على قطعة من أهداب الكوفية. حضرت قوات الشرطة إلى قرية كفر ثلث المجاورة لقرية عزون، ظناً منها أن القاتل منها، وقامت السلطات بعمليات تحقيق مع بعض الأشخاص، وقد اتهمت سليم عيسى بأنه وراء حادثة قتله، حيث كان يلبس كوفية وعقالاً تشبه لباس “فارس”، وقد نفى التهمة المنسوبة إليه وانتهى علم المخابرات البريطانية ورجال الشرطة أن القاتل من قرية عزون ويدعى “فارس” محمد الحواري، الذي يقطن خربة تبصر (غابة عزون ) ويرتدي نفس اللباس فأسرعوا بالتوجه إليها، وطلبوا من مختار خربة عزون أن يصطحبهم إلى بيت “فارس”، حيث تم اعتقاله. أجرت السلطات البريطانية تحقيقا مع “فارس” وصديقه مصطفى، ووجدت بعد التشخيص أن أهداباً قد مزقت من كوفيته، واعترف بالتهمة المنسوبة إليه، وأنه هو القاتل ؛ لكن السلطات البريطانية أعدمت صديقه مصطفى غزال، وحكم “فارس” الحواري بالحكم مدى الحياة بسبب عدم بلوغه السن القانوني.
حدثني محمد كايد عواد سويدان ـ صديق “فارس” في طفولته ـ فقال
“هو من أجيالي تعلق بحمل السلاح، وسجن لفترات عديدة، وفي أحدى فترات سجنه سمع عن شخص في المزيرعة يبيع السلاح. وبعد ها ذهب مع مصطفى غزال، وكان أكبر منه سنا، حيث قاموا بشراء قطعة السلاح المطلوبة، وبداخلها رصاص مغشوش، وقب لذهابهم لشرائها أحضرا رصاصا حيا واشتروا البندقية،، وعادا إلى بلدتهم ، وفي طريق عودتهم فاجأهم المحتال (بائع البندقية ) بمحاولته تجريده البندقية ولكن “فارس” لم يمهله طويلا حيث أطلق النار عليه من الرصاص الحي فأرداه قتيلا. أخذ أهل القرية قتيلهم وأحضروا البوليس البريطاني، وأخبروهم أن القاتل من عزون. ودافع عنهم المحامي الإنجليزي أبو كاريو، وأعدم مصطفى لكبر سنه، وحكم “فارس” بالمؤبد لأنه لم يبلغ سن الرشد ” .
فرار “فارس” من سجن عكا
سُجن “فارس” في معتقل المسكوبية في مدينة القدس، وانتقل إلى سجن عكا، وبعد أن قضى بضعة أعوام في المعتقلات والسجون، سمع أخبار الثورة الفلسطينية التي اندلعت في عام 1936، فقرر الهرب من سجنه في صيف عام 1938. فكر في طريقة ملائمة للهرب فهداه تفكيره بالتعاون مع رفاق السجن وأقام علاقات وطيدة مع السجّانين العرب، وبفضل هذه العلاقة نجح في الهرب. حدثتنا أرملة الثائر “فارس”: “بعد إعدام صديقه مصطفى وقضائه مدة في المعتقل، طلب نقوداً من أمه لشراء أسلاك ومنشاره حديد، وقام برشوة السّجانين وكانوا عرباً، وفي الليل قطع قضبان الشباك، وتدلى بحبل من الأسلاك الشائكة، وشاركه بعض المسجونين من العرب، ونجح “فارس” بالقفز خارج الخندق المحيط بالسجن لكن يديه انسلخت من الأسلاك أثناء الهبوط بينما وقع أحد أصدقائه في الخندق وكسر ظهره، و وقع آخر وكسرت يده، أما “فارس” فقد وصل لأقرب منزل إلى السجن، حيث قام أهل البيت بعلاجه بعدها بقليل طرق الجيش باب البيت، وقامت ست البيت ولفّت “فارس” بالحصيرة، وأوقفته في زاوية الدار كأنه جزء من أثاث البيت. بحثوا عنه في جميع أنحاء الدار ولكن لم يجدوه، بعد يوم أو يومين توجه “فارس” إلى منطقة طولكرم واختبأ عند صديقه الثائر عبد الله الأسعد من عتيل، الذي كان مسجوناً معه وبقي عنده قرابة عشرة أيام. وفي الليل اتجه “فارس” لغابة عزون وانتظر في موقع سيل الماء عند بيارتهم حتى حضر أخوه حامد وأعمامه يوسف وعبد الجليل “.
وتتفق رواية الحاج محمد كايد مع رواية أرملة الشهيد لكنه يذكر تفاصيل أخرى حدثنا
“أودع في سجن عكا في الطابق العلوي، قام برشوة البوليس الذين أحضروا أسلاكا ومنشارا، وأخبرهم بنيته للهرب وكان معه عبدالله الأسعد من عتيل، وفارس” الطوباسي. نجح عبدالله الأسعد في الهرب، بينما فشل “فارس” الطوباسي الذي وقع على ظهره في الخندق وتكسرت أضلاعه وباغت “فارس” مدير السجن ولبس ملابس غسيل وهرب إلى غابة عزون ووصلها ليلاً ، وأخذه أخوه حامد، وصديقه أسعد القاسم إلى القائد عارف عبدالرازق كي يلتحق بالثورة”
- التحاق “فارس” بالثورة وقيادته فصيل الموت وتأسيس “فصيل الموت” في جنوب طولكرم
نجح “فارس” في الهرب من سجنه في أوائل صيف عام 1938، حيث ساعده الشرطي أحمد شطارة من قلقيلية والذي عمل في الشرطة البريطانية. وبعد نجاحه في الهرب من سجن عكا، لمعت في ذهنه فكرة تشكيل فصيل ثوري، وقد سماه باسم فصيل الموت، بينما كان الآخرون يسمون فصائلهم بأسماء القادة و الصحابة المسلمون أو معارك الفتح الأولى أو باسم فصيل محمد صلى الله عليه وسلم. عمل “فارس” على تجنيد أبناء عزون وكفر ثلث وغيرهم من منطقة قلقيلية ومعهم عرب سعوديين ويمنيين وسوريين، وفي غضون فترة قصيرة بلغ عددهم ما لا يقل عن خمسة وسبعين إلى مائتي ثائرً. ويظهر أن عدد عناصر الفصيل كانت في تغير من وقت إلى آخر، ويرتبط ذلك بالمناسبات والمعارك؛ ففي مؤتمر دير غسانة الذي عقد في منتصف أيلول 1938 كان عدد عناصر الفصيل 200 عنصر حسبما يذكر أحد الباحثين . أجمع الرواة الذين قابلتهم على أن الرقم تجاوز سبعين شخصا، حدثني أسعد القاسم أن عدد فصيل “فارس” بلغ خمسة وسبعين رجلا،، وأتفق مع هذا الرأي لأن هذا الشخص كان أحد مرافقيه والمقربين منه. وحول عدد عناصر فصيل الموت حدثني عبدالعزيز إسماعيل الأعرج أنه بلغ في أحد المرات سبعين رجلا والدليل على ذلك أن “فارس” طلب إحضار سبعين دجاجة لإطعامهم، وأخرجت له كفر ثلث هذا العدد . ضم فصيل الموت عناصر عديدة من قرى طولكرم، و دخلت إليه عناصر أخرى من الأقطار العربية المجاورة، وبعضهم عمل مع عارف وتركه لينضم إلى فصيل الموت، وهذه هي بعض الأسماء التي شاركت فيه:
1) قرية عزون: التحق كل من محمود أبو غزال ابن الشهيدة فاطمة غزال التي استشهدت في معركة عزون في 26/ 6/ 1936، وعبدالله القنبر، ونمر القنبر وكامل الحواري، وزعل بدران، وابراهيم الكيوي، وسعيد أبو حلاوة، وعبد الرحيم الرياشي، وعبد العزيز الجودة، وأحمد البدوان، وقاسم الشايب الطحلة من عزون واّخرين .
2) قرية عِسلة: أسعد القاسم، وجاسر سليمان، وابراهيم البم راضي.
3) قرية سنيريا: عمر أبو طبنجة، وسليمان فرح .
4) كفر ثلث: إسماعيل أبو هنية، ورشيد أبو هنية، وموسى مقبل، وحسين شقير، ويونس أبو خالد.
5) دير بلوط: محمود قرعوش.
6) كفر الديك: الأخوين حافظ عبد المجيد علي الأحمد، ومحفوظ عبد المجيد علي الأحمد، وأحمد عودة علي الأحمد.
7) كفر قاسم: علي بدير وآخرين، وتعاون المختار وديع أبو دية مع الفصيل.
8) كفر قدوم: فهمي صوفان، وكان بمثابة سكرتير الثورة وكاتبها ، وأحمد القدومي.
9) مسكة: المعلم إبراهيم عبدالحفيظ الذي كان يتولى مهمة الكتابة على الآلة الطابعة الخاصة بالثورة.
10) خريش: حسن أبو عمر، ومهمته تصنيع الكبسولات.
11 ) قلقيلية: انضم إلى الفصيل: عبد الرحيم الدكة، وقام بالتنسيق مع الفصيل مسؤول اللجنة القومية حسين جميل هلال، والذي لعب دورا هاما في إحضار الذخائر والتمويل للفصيل وتوجيههم نحو أهداف محددة في محطات سكة الحديد، والمستعمرات القريبة، ومنها: كلمانيا، وهاكوفيش ومحطة رأس العين وغيرها، وقد لاقى “فارس” الترحاب والحفاوة من آ ل زيد في ديوانهم بمدينة قلقيلية. التحق به من البلدان العربية سوريون، ويمنيون، وسعوديون، ومنهم:ـ جميل السوري وعبدالرحيم السوري والحاج عبده والحاج محمد مسلم، والحاج محمد اليمني، والجدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة الأخيرين كانوا مدعاة للشك في أن يكونوا عربا، وقد قابلت أشخاصاً شاركوا في الثورة من جبل الخليل و قلقيلية، وطولكرم، ورام الله وفي رواياتهم اتهام للحاج محمد مسلم، والحاج محمد اليمني، والحاج عبده كانوا مدسوسين في الثورة ويعملون لحساب الحركة الصهيونية توزعت مهمات أعضاء الفصيل بين مهمات قتالية، وعمليات مختلفة مثل: الاغتيالات، وشراء الأسلحة والذخائر والمناظير، ومن الأمثلة على ذلك تكليفه موسى مقبل عودة من كفر ثلث بشراء منظار من مدينة نابلس، بينما قام فهمي صوفان بتسجيل أحداث الثورة بصورة يومية، وكلف عدد كبير من الناس بتنظيف الرصاص القديم الذي بقي من الحرب العالمية الأولى . اهتم “فارس” باتخاذ لباس عسكري موحد لفصيله حيث لبس المقاتلون اللباس الخاكي (الكاكي ) والحذاء البني الطويل والشروال الواسع مقلدين الثوار السوريين فيه، وحمل “فارس” مسدسين، ومما قام به تكليف البعض بتأدية مهمات عسكرية كالاغتيالات وأجرى تحريات عن بعض الأشخاص، وقام أحيانا بالتخفي وملاحقة بعض أبناء بلده وأقربائه للتأكد بنفسه إذا كانوا جواسيس أم لا ؟. كان “فارس” يشعر بالتقدير والامتنان للدروز السوريين، الذين ضمهم” فصيل الموت “، وعرف منهم جميل السوري، وعبدالرحيم السوري، وعبر عن إعجابه وتقديره لهم بأن لقب نفسه ب “أبي معروف “.
أبرز الأعمال الثورية لفصيل الموت
قام فصيل “فارس” بالعديد من العمليات العسكرية إلى جانب قتل عملاء وجواسيس يعملون لحساب الاحتلال البريطاني كانت أولى العمليات التي قام بها فصيل الموت هي زرع ألغام على الطريق الترابي الواصل بين نابلس ومدينة قلقيلية، الذي كانت تمر منه مركبات الجنود والسيارات الفلسطينية وهي قليلة ونادرة.
حدثني عبد الخالق سويدان، و محمد كايد سويدان في مقابلتين منفصلتين أنه كلف عبدالله القنبر بوضع لغم على الجسر القريب من قريته عزون ووقف الثوار من الجانبين ودمرت دبابة مرت من هذا المكان وبها ثمانية أشخاص وغنموا منها أسلحة وذخيرة .
أما أرملة الشهيد “فارس” فقد روت للباحث أن أولى العمليات التي قام بها فصيل “فارس” ومن معه كانت في تعرضهم لسيارات ودوريات إنجليزية عند كفر لاقف في موضع “القرنين “، الذي تقوم عليه الآن مستعمرة قرني شمرون. حيث أقام الثوار حاجزاً من الحجارة في وجه الدوريات الإنجليزية المارة من المكان، وقد راح فيها العديد من القتلى والجرحى وربح فيها الثوار الأشخاص والأسلحة والمناظير، التي استخدمها “فارس” فيما بعد، وقد شارك فيها فصيل حمد زواتا. توجه “فارس” إلى نقطة حراسة أقامها اليهود حول مستعمرة مجدييل اليهودية القريبة من بيار عدس ومدينة قلقيلية، وكمن خلف أرض مرتفعة من الرمال، وانتظر حتى تم تبديل حراسها من شرطة اليهود الإضافية وأطمئن إلى سكون الليل، وقد جلسوا على غير عادتهم خارج تحصيناتهم، فأطلق عليهم النار وقتل منهم ثلاثة، وجرح اثنان، وأسرع إلى مدينة قلقيلية . وكانت هذه الشجاعة كافية لأن يسلمه القائد عارف عبدالرازق قيادة فصيل. جرت اشتباكات أخرى كان منها اشتباك جرى عام 1938 على جانبي وادي عزون الجنوبي حيث وقف الإنجليز شرقي قرية عِسلة في شمال وادي عزون، في حين رابط الثوار إلى الجنوب بجوار “خربة الخراب “من أراضي كفر ثلث، وجرت اشتباكات سقط خلالها الثائر يوسف عوده من قرية بديا شهيدا. حدثنا توفيق أبو صفية: ” كنت إصغير يوم استشهاد يوسف عودة من بديا، وقد جاء أهله وحملوه على جمل وتحمست نساء القرية وقلن في الأفراح:ـ
يوم معركة الخراب انقتل يوسف شيخ الشباب
ومن أعمال ” فصيل الموت ” القيام بوضع ألغام في خط سكة حديد حيفا ـ رأس العين بالقرب من جلجولية التي أدت إلى انحراف القطار عن مساره وانقلابه. وقد تخصص فرح عوده من سنيريا في وضع الألغام، حيث استفاد مما تبقى من أسلحة وقنابل العثمانيين، التي كانت مخبأة في مغارة قريبة من خربة خريش، وظل عودة يضع الألغام حتى جاءت قوة بريطانية إلى خريش وتوجهت إلى مغارة قريبة منها، وجمعت القنابل المخبأة بها منذ عهد الأتراك والتي اعتاد الثوار استخدامها كلما دعت الحاجة لوضع الألغام . كما اعترض “فارس” وعدد من رفاقه إلى دورية إنجليزية مرت بالقرب من رأس العين، التي قتل فيها 8ـ12 إنجليزيا، ومما قام به الثوار الهجوم على بنك باركليز البريطاني في مدينة يافا وحرقه، وقام “فارس” بمهمات سرية واستطلاعية وتكليف أشخاص باغتيال سماسرة في مدينة يافا، حيث أرسل قاسم الشايب لاغتيال أحد السماسرة فيها و قام فصيل “فارس” بتصفية عدد من العملاء والجواسيس وسماسرة الاحتلال البريطاني في منطقة رام الله . لم يقتصر نضال فصيل “فارس” العزوني على العمليات المذكورة بل شارك في معركة الهجوم على القدس لتحريرها برفقة الثوار وقادتهم، ومنهم: عارف عبد الرازق” أبو فيصل “، ومحمد عبدالكريم النوباني “ابو شوكت”، وحمد داود زواتا ” أبو فؤاد “، وآخرين كانوا داخل المدينة المقدسة.
كتب فيصل عبدالرازق نقلاً عن الثائر حمد زواتا والثائر سعيد الناشف أن عارف أعد خطة لتحرير القدس، وبناءَ على ذلك طلب من فصيل حمد، وفصيل “فارس”، وفصيل محمد عمر النوباني، وفصيل عارف عبدالرازق العمل على تحرير القدس و نظمها عارف وجهزها لاحتلال القدس القديمة، وأمر كلا من “فارس” الحواري وحافظ عبدالمجيد أن يدخلا سراً إلى المدينة لترتيب الفصائل الثائرة تحت إمرتهم، ووضع فصائل على مقربة من الطرق المؤدية للخارج لتقف في وجه أي قوات تجلب لداخل الأسوار، وتم ترتيب الإعداد للمعركة مع ضابط الشرطة العربي جميل العسلي، ومع بهجت أبو غربية، وفوزي القطب، وشكيب القطب، وقد ساعد هؤلاء في نجاح المعركة لمعرفتهم بأسرار المدينة. نجح الثوار في تحرير المدينة لمدة ثلاثة أيام وسيطروا فيها على مركز الشرطة وحرقوا مستنداته، وقد استخدم الجنرال هايننغ السلالم لإرسال قوة للنجدة ، وقد قوبل دخول الثوار بالفرح والتهليل والزغاريد، وأخيراً اضطر الثوار للانسحاب من المدينة . وكان لفصيل “فارس” حضوراً في اجتماع عقده رؤساء مجموعة كبيرة من الفصائل الفلسطينية في قرية دير غسانة في 15 ـ 18 أيلول 1938، الذي جرى فيه بحث أمور الثورة وتنظيم عملها بانتخاب ” مجلس قيادة الثورة ” وعن اجتماع دير غسانة، والتحضير له حدثنا حسن حسين:ـ “جاء إلى كفر ثلث عدد من قواد الفصائل كان منهم: عبد الرحيم الحاج محمد، وكان لباسه يشبه لباس الشاميين، جاكيت طويل، وسروال واسع، وحطة وعقال، وجاء عارف عبدالرازق، وفارس” العزوني، وعبدالرحيم المرداوي، واستراحوا في كفر ثلث، عند حيط دار سعيد عبدالسلام، وأحضر الناس كراسي من بيت المختار سلامة عودة، والثوار رايحة جاية داخل البلد كأنهم في عرس، وبعدها توجهوا للجنوب، وهناك أطلق “فارس” وجماعته طلقات على طياره إنجليزية، ويقال أنهم أسقطوها في مطار اللد، ثم حدثت معركة استشهد فيها الثائر محمد صالح ” أبو خالد” . غمرت القرى التي مر منها الثوار مظاهر البهجة والسرور بعد قدوم الثائر عبدالرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة وعارف عبدالرازق وعبدالحميد المرداوي، وعبدالقادر الحسيني، حيث أقيمت الدبكات الشعبية. حدثنا محمود أسعد خطيب، فقال: جاء عبدالرحيم الحاج محمد (أبو كمال ) إلى كفر ثلث. ومعه ثوار يحملون العلم الفلسطيني وهم يغنون
حطوا البيارق على الجبل وتباشري يا بلادنا
و يا كافر والله ما نطيح حتى تشوف فعالنا
عاداتنا حمل السيوف وذبح العساكر كارنا
أظهر “فارس” ميلاً وحماساً ظاهرا نحو أسلوب التصفيات الجسدية للمعارضين والعملاء، وبعث عمله الذعر والخوف في نفوس المخاتير خاصةً في قرى رام الله الغربية والشمالية وقرى قلقيلية. وقد سببت هذه الأحداث لجوء البعض للقوات البريطانية ورافقوهم في عمليات مطاردة للثوار وتعقبوا قادة الفصائل، حيث عملوا جنباً لجنب مع قوات الجيش البريطاني، وركبوا دباباتهم. حدثنا أسعد القاسم أن “فارس” أعطى أوامره بتصفية طاهر عبد سعيد من قرية بديا، والذي شعر بأنه مستهدف من قبل الثوار فهرب وسلم نفسه للإنجليز، وشارك فيما بعد في مرافقة قوة إنجليزية اشتبكت مع ثورة “فارس” في معركة الوادات، ويقال إن هذا الشخص كان مسؤولاً عن قتل كامل البعنة في هذه المعركة التي جرت بالقرب من عزون، حتى أن هذا الشخص كان يفخر بقوله: “ما أحلى قتل الثوار على ظهر الشجر “، وقد راح مقتولاً في أواخر عام 1948. وقام “فارس” بالتخطيط وسعى جاهداً لاغتيال قائد الجيش الأردني البريطاني غلوب باشا، الذي أشرف على الجيش الأردني بتكليف من بريطانيا، وكان يتعارض وجوده مع الطموحات القومية العربية، ولا بد أن “فارس” أدرك الدور الذي يلعبه هذا القائد البريطاني المسيطر على الجيش الأردني، والذي كان يعيق حركة الثوار والمجاهدين الذين عبروا إلى فلسطين. حدثنا الثائر أسعد القاسم: ” ذهبنا إلى قرية قريبة من طوباس، وكنا قرابة عشرين وكان قائد المجموعة من قرية جلبون من أصدقاء “فارس”، واستضافنا شيخ قبيلة الزيناتي لمدة يومين، وأراد “فارس” القضاء على غلوب باشا، وكان يساعده رجل من الأردن، عمل كدليل له، واستطلعوا المنطقة فوجدوها ملغومة ويستحيل الوصول إليه، حيث يحيط به حراسه، ووجدنا من الصعوبة بمكان قتله، وقوتنا لا تعادل قوته، ورجعنا من هناك ووجدنا عارف عبدا الرازق، وحمد زواتا قد قاموا بقتل حسن أبو نجيم، ربما بسبب تفوقه عليهم، وقد شعر “فارس” بالانقباض وتأثر تأثراً شديداً “.
محاكمة “فارس” وإعدامه
معركة الوادات ونهاية “فصيل الموت”
جرت معركة الوادات في موقع غير بعيد عن قرية عزون، و يقع على بعد 2كم إلى الغرب من القرية ويطلق عليه أيضا واد اسحق، تعد هذه المعركة الأخيرة بين فصيل “فارس” والإنجليز، قبل أن يقرر ”فارس” الرحيل مرةً ثانية إلى سوريا، وينتهي دور فصيله، وقد جاءت في ظل غياب القائد عارف عبدالرازق عن ساحة فلسطين، ومعه عدد من الثوار الذين توجهوا إلى سوريا واستشهاد القائد العام للثورة الفلسطينية الشهيد عبدالرحيم الحاج محمد، ووصول الثورة الفلسطينية إلى حالة من الاختناق إضافة إلى سوء الأوضاع العربية والدولية.
حدثنا أسعد القاسم عن ظروف المعركة:
” كنت في لبنان ومعي “فارس” العزوني، ونمر القنبر أوائل عام 1939 و زرنا القائد عبد الرحيم الحاج محمد في مكتب اللجنة المركزية للجهاد، والتقينا من أعضاءها محمد عزة دروزة، وداود الحسيني، و سليم أبو لبن. وكان “فارس” يقيم في بيت خاص به وزوجته، وذهبنا إلى بيت داود الحسيني ورحب بنا وسلم الواحد منا أكثر من مائة دينار. بعدها فكرنا بالرجوع مع الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد إلى البلاد، إلا أن داود الحسيني عارض ذهابنا معه، فسألته عن السبب فقال: إنك من رجالي وأخشى عليك أن تقتل إذا رافقت عبد الرحيم الحاج محمد وسأؤمن وصولك إلى كور أقرب بلد إليك. وحّملني رسائل لعدة أشخاص ودعمنا برسائله وتوصياته في هذه البلاد، حيث رتب لنا في القرى من نتوجه إليه، وملأ الُخرجين بما يلزم من الأكل، و وصلنا إلى بلدنا عِسلة ونمنا خارج القرية تحسبا من عملاء الإنجليز وحدث ما توقعنا حيث جاء الإنجليز يبحثون عنا. نام الإنجليز ليلتهم على سطوح الدور بانتظار رجوعنا للبيت. بعدها سمعنا أن “فارس” رجع إلى البلاد، ولم التحق به مرةً أخرى ، حيث عملت بحصاد الأرض غربي حبلة. توجه “فارس” إلى رأس العين ورابط قرب شجرة صبار قريبة من سكة الحديد بانتظار مرور دورية إنجليزية لينقض عليها ومعه مجموعة من فصيله، ومرت سيارة تنقل عربا حكم عليهم بالعمل الشاق في كسارات قرية المجدل، ومن خلفهم كانت تحرسهم سيارة عسكرية بريطانية تحمل ثمانية جنود أو أكثر قام “فارس” بإطلاق النار على الجنود وتبعه رفاقه، وصعد “فارس” إلى الدورية وأكمل على من بقي حياً . وقال “فارس”: دعوني فأنا من سيقضي على الناجين منهم ومن مسدسه أطلق النار على سائقها الذي كان أمامه مدفع رشاش، و قفز بداخلها وقضى على الباقين منهم. لكنه أصيب بطلقة في فخذه، وقد شعر بها بعد وصوله إلى خريش، وأسعفه مختار كفر ثلث أحمد الخطيب، وجاء به رفاقه إلى أرض الوادات من أراضي عزون القريبة من جيوس، لحقه الإنجليز يبحثون عنه ويريدون القضاء عليه بأي ثمن، وقاموا بتعذيب بعض أقاربه حتى يعرفوهم عن مكانه، وقد اعترف أحدهم عن مخبأه من شدة القتل والتعذيب، وأشار إلى أنه في “أرض الزايدة” من أراضي عزون. جرت هذه العملية حينما كان عارف عبد الرازق خارج البلاد، في حين أستشهد عبد الرحيم الحاج محمد في صانور، وظل “فارس” وحيدا في الميدان ربما جرى هذا الحادث في أول أيار صيف عام 1939.
حدثني جدي عبدالهادي عرار:
“جرح “فارس” في معركة رأس العين ونقل على نقالة إسعاف وسار به رفاقه إلى قرية سلمان ومنها توجه إلى مغارة تقع في أرض “حريقة أبو فارة ” من أراضي كفر ثلث، و حضر لمعالجته طبيب العيون الدكتور رفعت عودة من بلدة بديا “. وتذكر زوجته نقلاً عنه أنه: نقل بعد العملية إلى أرض “حريقة السيد ” شمال كفر ثلث، واعتنى به مختار كفر ثلث وخربها، وصارت معركة الزايدة و اعتنى به مختار جيوس محمد عمر الذي وضعه في مغارة بأرض محمد النوفل، وقمت مع والدته بزيارته في خربة نوفل من أراضي جيوس، و رفض الكشف عنه حتى تأكد أنها أمه وأني زوجته. مرت أيام وحصلت المعركة وبعدها قرر التوجه إلى لبنان وسوريا. أما كيف حدثت معركة الزايدة، وكيف انتهى مصير فصيل “فارس” العزوني، فقد أجمع الرواة الذين قابلتهم على أن مجموعة من الثوار يقارب عددها عشرون ثائراَ كانوا يجتمعون بين قريتي عزون وجيوس في وادي عزون، بمكان يدعى ” الزايدة ” ـ كما يعرفها أبناء عزون ـ ، وبينما كانوا يجتمعون كانت الطائرات الإنجليزية تحلق بعلو منخفض، وقد رصدت تجمع الثوار ومعهم خيولهم، وقد اختاروا الاشتباك مع الإنجليز فأطلق أحدهم طلقة على الطائرة التي تحلق في سماء المنطقة، مما سهل انكشافهم، وأمطرت الطائرات الثوار بقذائفها الملتهبة ، وجوبهت بسلاح ناري بسيط، يمتلكه الثوار، وكانت المنطقة مكشوفة بشكل جيد للطائرات البريطانية، مما أدى إلى استشهاد ثماني أشخاص، ولم يخسر البريطانيون أحداً منهم.
حول هذه المعركة حدثنا محمد كايد سويدان:
بعد ستة شهور من اعتقالنا في مزرعة عكا التي كان بها حوالي ألفين شخص معتقلين عند شط البحر. روحَّنا وسَّلمنا على “فارس” في البلد من شامى، وثاني يوم جابوا خيل، ونزلوا على خربة خريش من شامى وربطوا الخيل في البيارات القريبة منها، ومرت دورية إنجليزية وبها ما لا يقل عن ثمانية أشخاص، باغتهم الثوار ونجحوا في قتلهم وأخذ سلاحهم وركبوا الخيل وهربوا، وفيها جرح “فارس” بطلقة في فخذه، ويقال أنها أطلقت من أحد مرافقيه، وبعد وصولهم خريش قال لهم “فارس”: أصبت. حّطوه في “واد اسحق ” شمال عزون، وأخذ الإنجليز يبحثون عنه، وكشف الجواسيس مكانه ، وحلقت طائرة حول عزون فكشفت من معه في ” أرض الوادات “، وكان بعضهم يشكو من الجوع، مثل نمر القنبر، وقذفت الطائرة على عزون المناشير التي كتبت باللغة الإنجليزية لغرض فرض منع التجول، وهجم الجيش الإنجليزي بدباباته وطائراته على الثوار. بينما كان أبناء عزون يتعرضون للتعذيب. بعد استشهاد رفاقه وجرح عدد منهم اختار “فارس” الانسحاب من الجهة الغربية لا من الجهة الشرقية، حيث يتوقع الإنجليز ذلك، وتسلل من بين الدبابات البريطانية، وفعل مثله عبد الرحيم عثمان زيد، حيث رجع إلى بلده قلقيلية. وقف “فارس” في “أرض العابد” قرب النبي الياس وهو منهك، وقد أعياه التعب والعطش ونادى على قريب له بأعلى صوته وطلب ماءً للشرب، وتأسف “فارس” لاستشهاد رفاقه. حضر أبناء جيوس لرفع الشهداء، ونقلوهم ودفنوهم في مقبرة القرية وبعدها نقلوا لعزون وخسرت عزون ثمانية شهداء منهم: ـ نمر القنبر، كامل البعنة، أحمد أبو خديجة، وشهيدين من سوريا أحدهما جميل السوري .
وعن المعركة يتحدث أسعد القاسم الذي يقيم في قرية عِسلة المجاورة لقرية عزون والمطلة على موقع المعركة
حدثنا أسعد: يوم المعركة كنت غير بعيد عنها، ولكنني لم أشارك فيها. قام الإنجليز بتطويق عزون، وشًددوا الخناق عليها بدهم يعرفوا وين راح “فارس”، وقد اعترف عن مكان وجوده بعض أقاربه من القتل والتعذيب وقالوا أنه بين عزون وجيوس، أخذت الطيارات تحلق وتحوم على طيران منخفض، و كشفت الثوار مجتمعين في الزايدة. و أطلق أحدهم طلقة على الطيارة و صارت معركة من الظهر حتى المساء، واستشهد فيها مجموعة من رفاقه، وبعد انتهاء المعركة وقد قارب الوقت على المغيب قرر “فارس” ترك المكان واتجه غربا جنوب الطريق العام في الاتجاه الذي وقفت فيه الدبابات، وقيل أنه تخبى في عرق بلوطة وأن ضابط إنجليزي كان بالقرب منه، و “فارس” متخبي فيها، ولم يراه الضابط، وبعدها توجه إلى جهة النبي الياس وصار ينادي على عبد البري حتى يسقيه ويطعمه، و فيما بعد توجه إلى مختار حبلة محمد القدورة . وحول عملية رأس العين، التي حدثت أواخر ربيع عام 1939، التي أثارت سخط المسؤولين الإنجليز واليهود معاً. يسود الاعتقاد أن بعض الأشخاص اغتنموا فرصة حدوث المعركة المكشوفة مع البريطانيين في معركة الوادات وراحوا ينتهزون الفرصة في معاونة الجيش البريطاني. ووجد المعارضون للثورة فرصتهم فيها، واتخذوها وسيلة لتصفية الحساب والقضاء على مجموعة من أعضاء الفصيل، وقام بعضهم بملاحقة الثوار ودلوا البريطانيين عليهم و كانت حصيلة المعركة استشهاد كوكبة من الثوار المرافقين ل”فارس” خاصةً من أقاربه والقوة الثورية التي اعتمد عليها مما قلل من حماسه لتجديد العمل الثوري، وأخذ يعد العدة للرحيل عن البلاد ريثما تتغير الأحوال وتنجلي الأمور.
بعد ان شفي “فارس” من جرحه بمدة تقارب الشهر قرر الرجوع إلى لبنان، وقد رتب خروج زوجته معه، وقد أصابه اليأس، وذلك للأسباب الأتية:
أولا: بعد أن أستشهد الأهل والأصحاب وتفرق عنه رفاق الثورة والسلاح.
ثانيا: سوء الأوضاع العربية الداخلية والخارجية والدولية المحيطة، حيث تحالفت قوى الردة الداخلية “عصابات السلام ” العميلة مع الاحتلال البريطاني، كما تحالف الفرنسيون مع البريطانيين نمع اقتراب الحرب العالمية الثانية.
إجراءات الاحتلال البريطاني للقضاء على الثورة:
تضايق الاحتلال من أعمال الثوار، وقرر القضاء عليهم بأي ثمن، فماذا فعل لتحقيق هذه الغاية ؟
قام الإنجليز بسلسلة من المضايقات للسكان والأعمال التعسفية، فتارةً يقذفون المناشير من الطائرات، التي كانت تحرض الأهالي ضد الثورة، وتارةً يقومون بفرض منع التجوال على السكان ولمرات عديدة خاصةً في قريتي عزون وكفر ثلث اللتين اعتبرتا حاضنتين لفصيل الموت ثم سائر القرى التي تؤويه مثل قرى: حبلة، وصير، وقلقيلية والزاوية من قرى جبل نابلس وقد فرض حظر التجوال ثماني مرات على قرية كفر ثلث لوحدها، وقد رافقتها حملة قمع وممارسات تعسفية راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى . كانت سلطات الاحتلال البريطاني حريصةً كل الحرص على القضاء على فصيل “فارس”، وقد اتخذت سبلاً للضغط عليه وكلفت أشخاصاً للتوسط بينه وبين سلطات الاحتلال البريطاني حتى من أقرب الناس إليه ولكن الثائر “فارس” رفض هذه الوساطات أو أن يخدم أغراضها، أو أن يكون طوع إرادتها، ورفض التساهل أو التجاوب مع السلطات الاستعمارية والتخلي عن مواصلة أسلوبه في الكفاح المسلح.
حدثنا فضل عبدالجليل نقلاً عن أبيه أن أحد أخوته طلب للحاكم العسكري البريطاني، وأن الحاكم عرض عليه أن تقوم بريطانيا بدعم الفصيل بالمال على أن لا يتعرض للإنجليز بالقتل وأن يسير وفق ما تمليه السياسة البريطانية، ولكن “فارس” طلب من أخيه أن لا يعود للحديث معه بمثل هذا، وطلب منه أن لا يلبي طلبهم إذا أرسلوا مرة ثانية في طلبه وإذا فاتحه بهذا الحديث مرة أخرى سيقتله بمسدسه. وعن الإجراءات التعسفية مع أبناء القرى التي تؤويه قام الجيش البريطاني في يوم الثالث من آذار عام 1939 بفرض منع التجوال على كفر ثلث، حيث منع فيه السكان من الخروج، وجمعوا في جامع القرية رجالاً ونساءً وأطفالا، وأعلن المحتلون في مناشير قذفوها من طائراتهم أن على السكان أن يلتزموا بقرار منع التجوال. وأخذت طائراتهم تحلق في سماء القرية ومحيطها، في حين كانت مجموعة من رجال القرية ونساؤها يعملون في الحقول. أخذت طائرات الإنجليز تسقط المناشير، التي تحذرهم وتطلب منهم العودة إلى القرية، وعدم خرق حظر التجوال. سمع أبناء القرية بمنع التجوال، فعاد بعضهم إلى القرية، ومنهم: عبدالله القصاص، وأحمد حامد شواهنة، وفاطمة حامد عوده، وصديقه إبراهيم موسى شواهنة، وكان هؤلاء قد رجعوا للقرية عند سماعهم خبر منع التجوال فعادوا عبر وادي العجمي (وادي حامد) عند ظاهرها الشمالي، لكن طائرات العدو حلقت فوق رؤوسهم استعداداً لإطلاق قذائفها عليهم. لقد اختبأوا في جذوع “الزيتون الرومي “، وقام طيار بريطاني بتصويب قذائفه باتجاههم، فاستشهد عبدالله قصاص، بعد أن احترق جذع الزيتون الذي اختبأ فيه فخر شهيداً. استشهد عبد الله بينما كان في طريقه إلى مدينة يافا، وقد توجه لإحضار ملابس الزفاف لعروسه وكان خروجه من السجن قبل فترة وجيزة من استشهاده، حيث اعتقل في معتقل عتليت مع آخرين من كفر ثلث وعزون وجرح يومها عدد من أبناء القرية الذين كانوا يعملون في حقولهم. ومن الإجراءات التعسفية المتبعة في هذا العهد سن قانون الاعتقال الإداري، الذي يجيز لسلطات الاحتلال البريطاني اعتقال وحجز وسجن أي شخص تتهمه بالخطر على أمن الدولة دون محاكمة، وقد طبقت السلطات هذا القرار وراحت تعتقل من تشاء في منطقة قلقيلية، وقد اقتيد عدد كبير منهم إلى سجن عتليت، بهدف عزل الثوار عن الفلاحين، وفي عام 1938 قام الإنجليز بهدم بيت الثائر “فارس” العزوني، وقد صادف يوم عيد الأضحى المبارك، وقاموا باعتقال زوجته ووالدته في محاولة واضحة للانتقاص من معنوياته القتالية . وتعرضت أسرة الشهيد لمختلف الضغوط للانتقاص من عزيمته التي لا تلين ومن قوته الفولاذية، وقد صمم على مواصلة الكفاح مهما كانت الصعاب.
حدثتنا عيشة جودة أرملة الشهيد:
تزوجت قبل العيد الصغير، وبعد العيد بثلاثة شهور نسفوا الدار، أي بعد العيد الكبير، وهي دار اشتراها من حسن حمد الشبيطة ب600 دينار. حضر الجيش البريطاني الساعة العاشرة ليلا، وقد جاءه مكتوب من الثوار وهو في البيت معنا، وقد أوعز له شخص بالخروج قبل تطويق المكان، عندها أرسل “فارس” شخصا لأحد أفراد المجموعة في واد أبو شعر شرقي عزون، طالبا اللحاق به غرب عزون، قام الجنود بطرق الباب وركلوه بأرجلهم وقد طوقت المنزل قوة كبيرة من جنود الإنجليز وفتحوه بالقوة وفاجأني القائد بتسليط المسدس علي، ولم يجد أحد.
سألني أين زوجك ؟
قلت:ـ ليس لي زوج، وسألني من معك ؟
قلت:ـ هي أمي.
أخذونا غصبا عنا إلى قلقيلية ومعي حماتي التي أصيبت بالإغماء وقبضوا على أشخاص كانوا قرب المنزل ومنهم كامل القنبر من عزون وأحمد عبدالرحمن من نابلس واتجهوا بنا غربا. قام “فارس” بوضع بعض حراسه عند النبي الياس، و في هذه الأثناء نادى أحد الثوار وقال: سر الليل. سمع الجنود البريطانيون هذا الصوت، فانبطحوا أرضا واشتبك الثوار معهم ، وأخذ الإنجليز يجرون اتصالاتهم حتى تأتيهم قوة أكبر ولحقوا الثوار إلى عِسلة دون القبض عليهم، وواصلوا المسير فينا حتى وصلنا مركز بوليس قلقيلية وقد وصلنا عند أذان الصبح، ولم يحصلوا منا على إفادة، وأخذونا على مستعمرة نتانيا. وجاءت شرطية تطلب منا الإمضاء أنه لم يحدث للدار شيء فرفضت فادخلوا حماتي ووقعوها على الإمضاء وأفرج عنا وروحنا إلى عزون.
القبض على “فارس”، وتسليمه للسلطات البريطانية:
دفعت الخسائر الفادحة التي حلت في عناصر ” فصيل الموت ” واستشهاد الأهل والأصحاب ، ومنهم أقربائه وأخلص الناس إليه ومريديه والذين يشكلون الحلقة المركزية في نضاله إلى قناعة “فارس” العزوني بضرورة الهجرة للخارج، وأن الظروف لم تعود مهيئة للاستمرار في الثورة، وكان قد سبقه رحيل القائد العام عارف عبد الرازق وتسلله إلى الحدود السورية ومعه اثنا عشر شخصا، وهذا أدى إلى تشجيعه على الهجرة خارج البلاد، ويظهر أنه بات يدرك الصعوبات البالغة والظروف القاسية التي مرت بها فلسطين قبيل الحرب العالمية الثانية واللقاء الذي تم بين الحليفتين بريطانيا وفرنسا، كما دفعت مشاعر العزلة والكراهية لقادة الثورة المسلحة التي انتشرت بين أبناء المنطقة إلى الترتيب لهذه الهجرة القسرية. تمت الترتيبات مع عبد الرحيم الشنطي من مدينة قلقيلية الذي أحضر وثيقة السفر لوالدته وزوجته، وأخيه من أمه أحمد الزماري. في حين توجه “فارس” عبر الحدود ووصل إلى مدينة طرابلس اللبنانية، وسمى نفسه باسم مستعار وكانت هذه المرة الثانية التي يتوجه فيها إلى سورية ولبنان. وإذا كان “فارس” قد نجا في المرة الأولى من العملاء والجواسيس؛ حيث كان قد رحل إلى لبنان وسوريا، إلا أن قدر الشهادة رافقه هذه المرة. فقد قامت مجموعة من العملاء والحاقدين بمتابعته إلى لبنان ورصد حركاته فيها، وكانوا ككلاب الصيد يقتفون آثاره، ويراقبون تحركاته، وقد عرفوا بالحقد على الثورة والثوار، حيث اندفعوا يطالبون بثأرهم أو لارتباطهم بحزب المعارضة العميل لبريطانيا.
حدثنا فضل حواري نقلا عن محمد مصطفى شريم الذي يقيم في عمان أن “فارس” العزوني أرسل شخصين إلى مدينة قلقيلية لاغتيال محمد قاسم أحد أبناء القرية، وقد شعر محمد قاسم بقدوم الثائرين الذين وجها له رصاصةً فرمى بنفسه في حضن نمر السبع فسقط مضرجاً بدمه، وراح المرحوم نمر ضحية الحادث، بينما نجا محمد من القتل وتشافى بعد فترة من الزمن، وقد أرسل “فارس” لآل شريم يعتذر لهم عما جرى، وأعرب عن استعداد فصيله لدفع دية مقابل ما حدث، ولكن طرأ ما هو جديد، فقد قتل أحمد الشطارة ـ أحد أبناء العائلة ـ الذي ساعد “فارس” في الخروج من سجن عكا، وعرفت سلطات الاحتلال أنه وراء هروبه من السجن، فضغطت عليه، وخّيرته بين السجن والإعدام أو اغتيال “فارس”، فخضع لابتزازهم، والتحق ب”فارس” وفصيله وحاول أن يتصيده ويطلق النار عليه من الخلف، وتذرع أنها بالغلط، وشجع هذا العمل “فارس” على تصفيته، وأرسل “فارس” إلى آل شريم يطلب مالاً للثورة، فاجتمعوا في ديوان العائلة، وكان رأي شيوخ العشيرة وبحضور محمد مصطفى شريم أن يشتروا سلاحاً بهذا المال على أن لا ينصاعوا لفصيل “فارس” مستهزئين بهذا الدور الذي يقوم به ، وقد تعمقت الخلافات وشعر الإنجليز بهذه الحركة وغذوها من طرفهم حتى عرف بعضهم بمكان “فارس” في طرابلس ـ لبنان راحوا يجرون اتصالاتهم مع شيف وهو ضابط يهودي في البوليس البريطاني، وضغطوا على إبراهيم النصار المرافق ل”فارس” حيث أعلمهم بمكانه وكان ذلك مقابل الوعد بالإفراج عنه، واتصلت السلطات البريطانية مع الفرنسيين وطالبتهم بتسليمه باعتباره مجرماً فاراً من فلسطين، وقد أراد الضابط اليهودي شيف الانتقام من مقتل “الشرطة الإضافية” من اليهود الذين قتلوا عند رأس العين، وقبض الفرنسيون على “فارس” وسلموه للسلطات البريطانية . لقد تبسم الحظ للثائر “فارس” أكثر من مرة، وقد نجح في الانسحاب أو التخفي ولم تنجح أعمال منع التجول في القبض عليه، الا أنه في هذه المرة قبض عليه كمغنم كبير. جاء قبض السلطات الفرنسية على “فارس” ليشكل النهاية المحتمة لكفاحه. لقد اقتيد في أغلاله إلى سجن عكا ومعه عدد من الثوار الذين قبض عليهم في فلسطين، ومنهم إسماعيل أبو هنية (كفرثلث)، ومحمود قرعوش (دير بلوط) وعمر طبنجة (سنيريا) وآخرين من كفرالديك وقرى رام الله.
وحول الطريقة التي اتبعتها بريطانيا للقبض عليه، ثم إعدامه حدثنا الحاج محمد عواد: ” هرب إلى سوريا ومعه إبراهيم النصار قبض الفرنسيون على إبراهيم حطوه في السجن، وضغطوا عليه، ثم قبضوا على “فارس” ثم هرب إبراهيم إلى فلسطين وضغط عليه بعض الأشخاص في قلقيلية كي يعرفهم بمكان “فارس” مقابل العفو عنه من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، وعرف بمكانه الضابط اليهودي شيف رئيس قسم المباحث الجنائية، وسلمه الفرنسيون للإنجليز، جاءوا به إلى عكا، واتهم إسماعيل أبو هنية بمساعدته وذهب صالح عبدالهادي عيسى لحضور جلسة المحكمة، وقال: ” والله يا “فارس” لو أن الرجال تفدى بالمال لفديتك الآن “
وحول محاكمته، وموقف “فارس” من جلاوزة الاحتلال البريطاني، حدثنا الراوي السابق عن محاكمته
” سألوه يا ”فارس” من قتل الإنجليز في رأس العين ؟
قال: أنا من قتلهم.
ـ أين ذهب الذين كانوا معك ؟
ـ غادروا إلى بلادهم أو انتقلوا للرفيق الأعلى.
ـ ماهي علاقتك بإسماعيل أبو هنية، ومحمد قرعوش وعمر طبنجة ؟
“فارس”: هؤلاء أولاد، وانا لم أتخذ غير السوريين أصحاب.
وسأله المدعي العام البريطاني : الا تطلب الاسترحام ؟
ضحك “فارس” وقهقه: لا لن أطلب الاسترحام.
القاضي: وهل تفضل الموت على الحياة ؟
ـ “فارس”: نعم وسأبقى أحارب الاستعمار من داخل قبري، ولوكان معي مسدس لأفرغته في رأسك الاّن.
وردد “فارس” قول الخالق عز وجل “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون “.
أعدم “فارس” بعد أسبوع، بقرار فاجأ الأهل والأحباب حتى أن زوجته لم تتوقع إعدامه، وحكم على رفاقه بأحكام مختلفة، حيث حكم على إسماعيل أبو هنية بالسجن سبع سنوات، وسجن عمر طبنجة من سنيريا بالحكم المؤبد، واستأنف قرار المحكمة، فجاء إعدامه في المرة الثانية، وحكم على محمود قرعوش بالسجن عشرة أعوام وأفرج عنه، وخرج للعمل في الولايات المتحدة الأميركية. وأعدم الأخوين حافظ، ومحفوظ عبدالمجيد من كفر الديك، وبإعدام هؤلاء الثوار انتهت الثورة في جنوب طولكرم وبقي بعض الثوار يتنقلون من مكان لآخر، ولكن دون فعاليات تذكر، وقد لاذوا بالتخفي عن العيون . كان الثائر حمد زواتا أوفرهم حظا ولكن سلطات الاحتلال البريطاني قبضت عليه صيف عام 1941، حيث أنهكه الجوع والتعب ونام في بيادر قرية حجة، وبعد سنوات أفرج عنه بوساطة مجموعة من الشخصيات الفلسطينية. وقام الإنجليز بحملة قمع شرسة استخدموا فيها سلاح الطيران، وقبض على الأخوين الثائرين حافظ ومحفوظ بعد أن غدر البعض بهما وقبض عليهما بخيانة، ونقلوا إلى سلفيت، وسجنوا في بيت أحد المعارضين للثورة، وجاءت نسائهم يولولن، ويصحن، وأعربن عن استعدادهن لإعطاء حليهن وأساورهن مقابل الإفراج عنهما، لكن مجموعة المعارضة كانوا يشددون الخناق عليهما وقيدوهما، وحضرت دوريات الإنجليز التي نقلتهما إلى سجن عكا، وتحركت “عصابات السلام ” العميلة للاحتلال البريطاني لمضايقة السكان، والبحث عن الثوار، وقادها في المنطقة عزيز بلاطة، ولم يبق في منطقة غربي نابلس مشردا وثائراً غير الثائر أحمد عوده (كفر الديك)، الذي اختبأ في الكهوف، والمغارات المهجورة، وبين الصخور العالية، وقد حفّته الرعاية الإلهية، وساعدته خفة حركاته ونشاطه ويقظته وسهره الدائم، ومساعدة الفلاحين على النجاة، وكان ذكياً لا يقيم في مكان واحد.
تقول وفاء أرملة الشهيد “فارس”: رحل “فارس”، وقذف الإنجليز جثته في وسط القرية دون بلاغ مسبق، وأخذ أهله الجثة، وقبل أن يدفن ودعته زوجته الوداع الأخير قبل أن يوارى جثمانه ويدفن في ساحة بيته، وتقدم العديد لخطبة أرملته بعد بضعة شهور من استشهاده لكنها رفضت الزواج منهم، وأخلصت لزوجها في حياته وأصاب والدته مس من الجنون، حيث مات ابنها الذي كان يحظى بنصيب وافر من محبتها وتقديرها ولقد انفعل الناس بهذا الحادث الجلل وعز على نساء عزون وكفر ثلث وخريش وسائر قرى قلقيلية، استشهاده بعد إعدامه، فبكت النساء وقلن هذه البكائية:
قلن انكسر ريح المراكب وانكسر مركب نحاسي
اخسارة يا أبو معروف يا قايد كل الناس
قلن انكسر ريح المراكب وانكسر مركب ذهب
يا خسارة يا بو معروف يا قايد كل العرب
قلن إنكسر ريح المراكب وانكسر مركب حديد
يا خساره يابو معروف يا قايد كل الاجاويد .
تقييم التجربة الثورية
مسيرة فصيل الموت تحت المجهر:
سُجلت على هذا الفصيل عدد من المآخذ مما حمل البعض للقول أن “فارس” يمثل سلوك “مجرم ” أكثر منه ثائراً، وقد وصفه الكاتب الصهيوني سمسار الأراضي عزرا دانين والحاقد على الثورة الفلسطينية 1936ـ 1939 بهذا الوصف ويظهر أن العديد من الفلاحين تأثروا بهذه الرواية، كما أن المتضررين أشاعوا بين الناس هذا القول رغم بطولته النادرة ومقارعته لقوات الاحتلال.
وقد وجد الباحث أن الانتقادات تتمحور حوله في المسائل الآتية:
1) لم يكن فصيل “فارس” يمتلك وعياً ثورياً كافياً أو نظرية ثورية تحدد توجيه بوصلة الثورة، وتكشف الطريق المناسب للعمل. كان عمله عفوياً وفردياً يقوم على ردة الفعل المباشرة مصحوباً بهاجس أمني كبير، وذلك بسبب كثرة العملاء والجواسيس الذين لاحقوه وفصيله، كما أن “فارس” كان صغير السن قياساً بغيره من الثوار، ومنهم: عبدالرحيم الحاج محمد وحمد زواتا، وعارف عبدالرازق.
2) يظهر أن بعض العملاء والمشبوهين استطاعوا التسلل في الفصيل، ويشاع أنهم من اليهود ومنهم: محمد الحاج مسلم الحجازي الذي التحق بفصيل عارف عبدالرازق ثم انضم إلى فصيل “فارس” لاحقاً، وكان هذا الشخص قاسياً في ردة فعله تجاه أي مشكلة تعترض الفصيل أو تُهم توجه للبعض وضد رجال المعارضة الموالين للبريطانيين، ووصفت ممارساته بالابتزاز والقسوة بذريعة العمل لمصلحة الثورة. وكأنه كان يُسعر نار الخلافات العائلية و كان حضوره قوياً في اغتيال عدد من قادة حزب المعارضة والمخاتير، وحوله دارت شبهات عديدة، وهو يقوم بتعذيب الأشخاص وابتزازهم إذا ما تأخروا عن دفع المال، ويجلدهم بسوطه بطول مترين وبه رصاصة في مقدمته وله قصص عديدة رواها لنا أشخاص في حبلة وكفر ثلث ورأس عطية وطيرة بني صعب وخريش وغيرها، ويبدو أنه على علاقة باغتيال حسن صدقي الدجاني وربما اخترق فصيل “فارس” ومن قبله فصيل عارف عبدالرازق واستغل تكليفه ببعض المهمات وراح يعمق الشرخ بين العائلات الفلسطينية لمصلحة الاستعمار البريطاني والصهيونية وقد تصرف محمد الحاج مسلم بتصرفات قاسية أوحت للكثيرين على أن يده غير نظيفة، بل اتهموه بأن يهودي مندس في الثورة، ولقد كان عنواناً للاستياء العام، ومثالاً صارخاً للقسوة في تعامله مع الجماهير التي كرهت الثورة لوجود أمثاله في صفوفها.
وهذه بعض الأعمال التي شارك فيه الحاج مسلم وأثارت الاستياء الشعبي:
أولاً: تجريد وتصفية حسن أبو نجيم قائد فصيل قلقيلية:
نسب إلى “فارس” تصفية أبو نجيم، فهل كانت له علاقة بهذه التصفية ؟ كانت البداية الأولى للخلاف بين قادة فصائل الثورة في منطقة قلقيلية قد ظهرت في الخلاف الذي حدث بين حسن علي ابو نجيم قائد فصيل في مدينة قلقيلية، والقائد العام عارف عبدالرازق في صيف عام 1938. ضم فصيل أبو نجيم عددا من شباب قلقيلية وشباب كفر ثلث كان منهم: بركات يوسف عودة، وسلامة عودة، و يونس عبدالله أبو خالد وغيرهم. وقد تحدث عن هذا الخلاف وأسبابه رواه عديدون. وتذكر هذه الروايات أن حسن اتهم بسلب فرس من قرية مجدل الصادق، وأن الناس فيها اشتكوا لقائد الثورة العام عارف عبدالرازق، وبناءً عليه تقرر الاجتماع به في كفر ثلث، لبحث الشكاوى الموجهة ضده. عندما شعر حسن أبو نجيم أنه سيحاسب من قبل القائد العام عارف عبدالرازق ومن معه من قادة الثورة أمثال: حمد زواتا وفارس” العزوني. بيَّت خطة للانقضاض عليهم، بحسب المثل الشعبي القائل: ” بتغدى فيهم قبل ما يتعشوا فيي “، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
كتب فيصل عبدالرازق نقلاً عن القائد حمد داود زواتا وآخرين حول الأحداث التي أوصلت لتجريد قائد الفصيل أبو نجيم ” إن حسن من قلقيلية عين وسلح من قبل عارف وفصيله، وصلت إلى عارف تعديات قام بها في منطقة قلقيلية لأسباب شخصية ليس لها علاقة بالثورة. ثم جمع أموالاً وتصرف بها لحسابه الخاص، شكاه الناس لعارف فأرسل في طلبه ولكنه بدلا من الحضور أرسل من يتوسط له فوسط سيف أبو كشك، حضر سيف ومعه وجهاء آخرون إلى القيادة، قبل عارف الوساطة على أن يمتنع أبو نجيم عن القيام بأعمال مماثلة. عاد يتصرف كالسابق فاستدعاه عارف. عند ذلك تآمر أبو نجيم مع فصيله لاغتيال عارف. ففي أثناء وجود عارف وقسم من مساعديه في قرية كفر ثلث وكان حمد زواتا أحدهم. توجه أبو نجيم إلى كفر ثلث ومعه فصيله المكون من ستين ثائراً، ولكن قبل أن يدخل القرية أمر فصيله بالاختفاء في بقعة أرض مغطاة بالزيتون تابعة للقرية، وقد أمر ثوار الفصيل أنه عند سماعهم ثلاث طلقات عليهم التقدم نحو البيت الذي يتواجد فيه عارف ومن معه، وعند وصولهم للبيت عليهم تطويق البيت ثم القضاء على كل من بداخله من جماعة عارف. جلس أبو نجيم مقابل عارف وكان عارف في تلك الأثناء مشغولاً بأمور تتعلق بالثورة. كان بالغرفة حمد و ”فارس” العزوني. أخذ الثلاثة بالحديث، ولكن الشكوك جعلت حمد يهتم بمراقبة أبو نجيم بدقة، لاحظ حمد أن أبو نجيم يحاول فك أزرار سرواله العسكري فارتاب بالأمر وامسك بكلتا يديه خلف ظهره بينما شق حمد سروال أبو نجيم وأمسك “فارس” باليد الأخرى.
ويحفظ عدد كبير من الرواة الذين قابلتهم قصة أبو نجيم ويتفق سردها، مع اختلافات وتلاوين بسيطة من شخص إلى آخر. حدثني عدد من الرواة، ومنهم: الثائر أسعد قاسم الذي كان مرافقاً لفارس” العزوني يومذاك حدثنا: صعد حسن أبو نجيم إلى الطابق الثاني في دار داود حسين شواهنة في كفرثلث، أحد أقارب “فارس”، وترك أعضاء الفصيل خارج الدار وقال لهم: إذا سمعتم إطلاق نار قوموا بتجريد الفصائل الأخرى من السلاح واستعد لمقابلتهم، و قد عقد العزم على تصفيتهم، وخبأ مسدسه بين لباسه وحذائه الطويل. جرى نقاش بين القادة الثلاثة وهم: عارف عبدالرازق وحمد زواتا، وحسن أبو نجيم، بينما كان “فارس” العزوني مختبئًا في شباك الغرفة، والمغطى بقماش رقيق وأثناء نقاشهما معه وتوجيه بعض الأسئلة له، وقد اتهموه بسرقة فرس في قرية مجدل والإساءة للثورة، واتهمه عارف بالتقصير تجاهه حينما طوقه الجيش البريطاني ومن معه في أحد المعارك ولم يحاول تخليصهم. حاول حسن أن يلتقط مسدسه في محاولة منه لتصفية عارف وحمد، فأسرع “فارس” بتحذير عارف عبدالرازق الذي اصفر لون وجهه و تعارك معه، وقبضوا على يديه وجردوه من سلاحه وأخذوه خارج البيت، وأمروا أعضاء فصيله بالتخلي عنه وترك بعضهم الثورة منذ ذلك اليوم وانضم الباقون لفارس” وطلب عارف من “فارس” أن يتولى مهمة تصفيته ، لكن “فارس” همس في أذن أسعد القاسم، ونمر القنبر أن يتظاهروا بأنه هرب ويطلقوا عليه رصاصات طائشة في الهواء، ونجح حسن أبو نجيم بالهرب و ُقبض عليه مرة ثانية في قرية سمسم من قرى غزة، وسلم مرة أخرى إلى عارف عبدالرازق الذي أمر فصيل حمد زواتا بتصفيته بعد أن جلدوه وعروه وعذبوه ثم أطلقوا النار عليه حيث وصلوا به إلى كفر لاقف، وبقيت جثته في العراء المكشوف أياما وليال، وبعدها حضر أهله ودفنوه في أحدى المغارات الأثرية .
أثار قتل حسن في أهله مشاعر التذمر والتقزز من هذا العمل ؛ خاصة وأن حسن أبو نجيم سبق له أن شارك في أعمال جهادية ومنها: عملية قتل بضعة أشخاص من الشرطة الإضافية البريطانية في قرية عزون وهي عملية راح فيها ما لا يقل عن 6 أشخاص، وكان ثائرا تطارده القوات البريطانية للقبض عليه بعد أن قام بعمليات جريئة في السهل الساحلي الفلسطيني وهاجم فصيله عددا من المستعمرات القريبة من مدينة قلقيلية مثل كلمانيا وهكوفيش، ورعنانيا، وسكة حيفا ـ رأس العين. عن هذه العملية التي حدثت في عزون يروي الحاج محمد عواد ” تمركزت الشرطة الإضافية في دواوين عزون منها: ديوان رضوان، و ديوان عدوان، ودار سليم، وكان مطلوب من الناس خدمتهم، واطعام خيولهم عندها قرر الثوار وعلى راسهم عارف عبد الرازق الهجوم بغتة وهجمة رجل واحد، ووزعهم في مجموعات منها: مجموعة حسن أبو نجيم تتوجه لديوان رضوان، ومجموعة علي الهنطش (من صير ) تهاجم ديوان دار سليم، وتوجه حمد داوود زواتا إلى ديوان العدوان ومجموعهم ثلاثون ثائرا موزعين في ثلاث مجموعات، ولكن حسن أبو نجيم عاجلهم بإطلاق النار قبل الباقين وطوقهم، وأخذ الثوار سلاحهم وقتلوا من الشرطة البريطانية بضعة أفراد مع خيولهم وهرب الباقون.
وبعد ذلك قام الجيش الإنجليزي بضرب الناس وتعذيبهم حتى جاء شوقي عبد الهادي أحد ضباط الشرطة، وقال: ” اللي بمد يده على عزون بورية، ويا فواز الهواش كفى ” ويضيف الراوي بأنهم حملوا القتلى الذين كان عددهم ثمانية، وصادر الثوار سلاحهم وانسحبوا بعد مقاومة وعلى أثر الحادثة نسف الإنجليز محلات شطارة، ودار “فارس”، وعددا من الدور ومجموعها 10 دور. كانت هذه العملية الثورية الجريئة عنواناً رئيساً لصحيفة الدفاع التي كان يحررها ابراهيم الشنطي، وجاء في صدر صفحتها الأولى “مقتل 6 من البوليس الإضافي وأخذ 11 بندقية ومسدسين. مسلحون يطوقون قرية كفر ثلث لمدة طويلة ” وأشارت الصحيفة إلى ان تطويق قرية عزون تم في الساعة الثانية صباحاُ حيث طوقت عزون بما يقرب من مئة مسلح، ثم دخل فريق منهم إلى القرية، حيث طوقوا ديوان اّل رضوان الذي كان فيه أحد عشر نفرا من البوليس الإضافي، ودخل المضافة ثلاثة مسلحين وطلبوا من البوليس الذي كان جالسا مع أهل المضافة الخروج خارج المضافة ثم أخذوا يطلقون النار عليهم وعلمنا أنه قتل منهم ستة انفار، وجرح اثنان وأخذ المسلحون أحدى عشرة بندقية، كما جاء في إخبارية وكيل المختار للبوليس، وعلمنا ان المسلحين قتلوا ثلاثة رؤوس خيل للبوليس الإضافي واستمر إطلاق النار بين الطرفين مدة ثلاث ساعات. حول مصير حسن أبو نجيم حدثني كايد عواد حدثنا: هرب أول مرة من قبل عبد الله القنبر، وجاسر سليمان وتظاهروا بأنه فر منهم، وقد أطلقوا النار عليه في الهواء وفي يوم من الايام قام شخص من قرية سمسم من قرى غزة بتقييده وإحضاره للثائر حمد زواتا الذي أعدمه على طريق عزون كفر لاقف. أدى قتل حسن إلى كراهية بعض أقاربه ومؤيديهم للثوار، وافتراق عدد كبير من أعضاء فصيله عن الثورة، وقد نسب إلى “فارس” مسؤوليته عن قتل حسن أبو نجيم وهي رواية ثبت للباحث عدم صحتها.
ثانياً: قتل أحمد شطارة من مدينة قلقيلية:
ومما نسب إلى “فارس” العزوني من ممارسات وأخطاء قيامه بقتل أحمد أبو شطارة من عائلة شريم في مدينة قلقيلية، وهو شخص ساعد “فارس” في هربه من سجن عكا، وتم تصوير “فارس” على أنه شخص ناكر للجميل ومجرم بحق أصحابه.
حدثنا أسعد القاسم: ” التحق أحمد الشطارة مع الثورة وقالوا لفارس” إنه يريد اغتيالك قال: هذا صاحبي.
ولكنهم في أحدى الليالي كانوا سائرين، وأحمد شطارة معهم وأخذ أحمد شطارة يطلق النار على “فارس”، وتظاهر “فارس” بعدم الاهتمام بما حدث، وقال لجماعته: انسحبوا وتوجهوا لمروج عِسلة.
وقال له أحمد شطارة: لا تؤاخذني يمكن جاء الرصاص بالخطأ تجاهك.
“فارس” لم يحتمل الموقف أخذه لعيون كفر قرع شرقي كفر ثلث وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا، وأوصى بعد فترة من قتله بقدوم أخيه وابن عمه، وقام لطفي محمد عبد الرحمن عيسى وخليل أبو هنية من كفر ثلث بنقله على جمل مقابل الحصول على خمسة دنانير بعد أن تركه “فارس” في العراء المكشوف .
ثالثاً: إعدام أربعة نساء وقتل مختار من قرية عزون:
يرى الباحث أن إعدام بضعة نساء من قرية عزون يعد من الأخطاء الجسيمة، التي ارتكبت وأساءت للثورة برغم المسوغات والمبررات التي ساقها البعض ممن تحدثوا عن إعدامهن، حيث تم إعدامهن رمياً بالرصاص بتهمة الإساءة للأخلاق والشرف أثناء حصار الإنجليز المتكرر لبلدة عزون، وقد طالت أربع نساء متزوجات. وحول مسوغات قتل مجموعة النسوة توجهت بسؤال إلى المعلم المتقاعد والكاتب في تاريخ عزون عبد الخالق يحيى، فأجابني: “أن مسوغات، ومبررات قتلهن لم تكن منطقية، وغير مقبولة خاصة وأن بعضهن طالبن بميراثهن من الأهل، فاشتكوا لفارس” واتهموهن بإساءة الأخلاق “. حول الأسباب والطريقة التي تم فيها إعدامهن، حدثتني أرملة الشهيد “فارس” فقالت: ” جاء “فارس” من قرية الزاوية على دار رضوان، وقد وقعت مجموعة كبيرة من رجال عزون ورقة بهذا الخصوص وفيها توقيع شيخ كبير من البلد ومعه مجموعة من أهالي البلد، وطالبوا بمحاكمتهن واتهمن بالعلاقة مع الإنجليز وطلب إحضارهن وأخذ أبنائهن من بين أيديهن وأمر بإحضار أزواجهن، الذين شهدوا على سوء أخلاقهن، وقام “فارس” وصفّهن في صف واحد، وأعطاهن طلقا واحدا، وأغلق عليهن الباب وخرج وكانت أمه قد نصحته بأن لا يقتلهن.
وقالت: هذا حرام يا بني.
رد عليها هذا في رقبة الشيخ والذين شهدوا ضدهن .
كانت عمليات القتل والتصفية التي طالت أيضاً أشخاصاً من قرى بيتلو ودير نظام قرب رام الله واغتيال حسن صدقي الدجاني و تعذيب آخرين سببا في نشر الرعب الذي طال أفئدة المخاتير والمعارضين والموالين لبريطانيا ويظهر أن المعارضين في منطقة رام الله نالهم قسط وافر من التصفيات والبطش، وما من شك أن قرارات التصفية التي قام بها فصيل “فارس” كانت تقف خلفها قيادة عليا توجه له التعليمات ولأوامر، وليس من المعقول أن تكون جميعها وليدة قرارات يتخذها “فارس” في غضون شهور من حياته الكفاحية.
و يميل الباحث للرأي القائل أن اللجنة المركزية للجهاد كانت تعطي تعليمات للثوار للقيام بهذه الاغتيالات وكان الحاج أمين الحسيني على علم بها. ومما يجدر ذكره أن أعمال الاغتيال والدس والتخريب جرت في مناطق أخرى
وقد اتفق سلوك يوسف أبو درة الذي اغتال أكثر من 42 مختاراً اتهموا بالعمالة، وكان أبو درة يحبسهم في أحد الآبار، واذا أشار بإيماءة وقال: “ريحوه ” فمعنى ذلك أنه قتل وراح في غيابة الجب، كذلك الحال غرق عبدالله الأسعد في قرى الشعراوية في عمليات قتل نساء وتصفية أشخاص اتهموا بالعمالة والجاسوسية ، وقد انتقدت الصحافة المقربة من المعارضة سياسة الاغتيالات والقتل لأكثر من سبعين رجلاً وامرأة قتلوا بمبررات ومسوغات شتى وهاجمت عارف عبدالرازق باعتباره اليد اليمنى للذراع المتطرف الذي يقوده مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني.
كانت حادثة قتل مختار عزون وهو أحد أقربائه مدعاةً للتساؤل وفيها قيل وسمع الباحث قول كثير، وقد تراوحت بين اتهام “فارس” له بالعمالة للبريطانيين وبعضهم اعتبره دسا وافتراء راح “فارس” ضحيته، ومنهم من نسب قرار تصفيته للحاج مسلم المتهم بيهوديته ، وآخرون قالوا إن “فارس” قام بإعدامه عن سابق تصميم ولم تنجح شفاعة أمه فيه، وأجال الباحث النظر في مصادر عديدة فلم يجد أية وثيقة عربية أو إنجليزية تنفي أو تثبت صحة هذا الموضوع.
ويظهر أن “فارس” أخذ بالشبهة ودون التحقق الكافي من خبر الوشاة. ففي كفر ثلث أخذ قرارا بتصفية عشرة أشخاص من حامولة عودة بتهمة الخيانة وبيع الأراضي ولولا توسط الثائر حمد زوتا وتصديه ومجيئه إلى كفر ثلث في اللحظة المناسبة ومنعه لعملية التصفية؛ لوقعت عملية سفك دماء غير محمودة العواقب وكانت التهمة من دس أشخاص منافسون من عائلات أخرى، وقال حمد: “بهذه الطريقة ستخرب الثورة يا “فارس”، وتجلب الأعداء “.
أثار عمل “فارس” الغضب لدى عائلة عودة في خريش، ومنهم: عضو الفصيل حسن أبو عمر، الذي أبدى امتعاضه مما حدث من قتل وسواه من تعذيب لعدد من الأشخاص من أقاربه فقرر أن لا يعمل تحت لوائه.
حضر “فارس” إلى خريش وطلب من حسن أبو عمر تصنيع كبسولات للثورة فاعتذر بأنه مشغول في بعض الأعمال الخاصة به .عندها استشاط “فارس” غضبا وهدده بالموت، وتعارك الاثنان أمام جمع من الناس.
حدثنا حسن أبو عمر: ” كنا في دار رشيد عبد حسن وحضر “فارس” ومعه سليم عيسى حط فيه جلد، وتوسط له رشيد ويعقوب إسماعيل، فطلب منهم أن يدفع مالاً للثورة، وقد طلب خمسين جنيهاً، توسطوا حتى نزلها إلى عشرة، ثم طلب مني “فارس” أن أصنع كبسولات فاعتذرت، لكنه حاول أن يغصبني فرفضت واسودت الدنيا في ناظري وتخانقنا وتعاركنا، وحاول الحاج محمد مسلم أن يقتلني، لكنني دفعت “فارس” أمامه، والناس تحاول الفصل بيننا، وقلت أعطيني الأمان وأعطاني، وأصلحونا وعاد يطلب أن أعمل كبسولات.
قلت: سأعمل خمسين كبسولة، ولكن بعدين. فقال “فارس”: اسمعوا يا الحاضرين لو أنكم جميعا بجرأة هذا الرجل لانتصرنا على العدو “.
رابعاً: اتهام فصيل “فارس” باغتيال حسن صدقي الدجاني.
حسن أحد الشخصيات الفلسطينية البارزة. كان سكرتيراً لحزب الدفاع، عرف كمعارض للحاج أمين الحسيني، عرف بدوره في إضراب سائقي السيارات. كان على صلة وثيقة مع القائد عارف عبدالرازق واجتمع معه مراراً، وتدارس معه شؤون الثورة، وقدم العون للثوار من ملابس ومال، و في يوم 12/ 10/ 1938 اجتمع مع عارف و أثناء عودته إلى القدس تعرض للاغتيال، وكان عارف أكثر الناس حزناً وتأسفاً على اغتياله خاصة أن مصرعه يرتبط بزيارته له، واعتبر أنه عمل جبان وغادر، وأنهم سيقولون إن عارف مسؤول عن اغتياله، ولم يكن هذا العمل بعيدا عن عملاء المخابرات البريطانية والصهيونية، وقد سبب هذا العمل فسادا في البلاد، ولقد أخذ فخري النشاشيبي يوزع منشورات في فلسطين وخارجها وفيه يتهم “عارف” بأنه وراء حادثة قتله، وأخذ يثير أحقادا مختلفة في منشوراته
كان اغتيال حسن من أكثر أعمال القتل سببا لحدوث الفتنة والفوضى في فلسطين، وتسعير الخلافات العائلية، والعصبيات الحزبية، و ثارت الاسئلة الكثيرة حول اغتياله وظل السر مجهولاً، وتضاربت الأقوال في هذا الاغتيال ومن المسؤول عنه، وقد ألصقها البعض بعارف عبدالرازق وأخرون قالوا إن داود الحسيني كان وراء الاغتيال، ونسبها البعض إلى عملاء دوائر بريطانية ويهودية.
بعد البحث والتقصي وسماع روايات من مصادر مختلفة رجح الباحث أن أعضاء من فصيل الموت بقيادة “فارس” العزوني كانوا على علاقة باغتياله ويظهر أنه كان من عمل الحاج محمد مسلم الحجازي، ومشاركه اثنين من أعضاء الفصيل، وشاع في منطقة قلقيلية أن أحدهما من قرية عِسلة والآخر من قرية عزون، ويرجح أن أوامر القتل جاءتهما من داود الحسيني، مع مباركة ضمنية من المفتي الحاج أمين الحسيني ومعرفة مسبقة من قائد الفصيل “فارس” العزوني، وكان خروج حسن بعد اجتماعه بعارف عبدالرازق مدعاةً للظن به واتهامه وأنه لا يوجد ما يبرئ عارف عبدالرازق منها إلا أن الخلق العربي المسلم يرفض الغدر بالضيف، حيث قتل بعد اجتماعه معه وإعرابه عن مد يد العون للثورة والثوار !.
لقد اتهم عارف بأنه وراء اغتياله رغم نفيه لهذه التهمة ولكن كيف اغتيل حسن ؟
تذكر بعض الروايات التي تناولها أحد الباحثين أن حسن صدقي الدجاني دعي إلى عارف عبدالرازق و بناءً على طلب القائد عارف للبحث في وضع الثورة والحاجة للمساعدة، وتقديم ملابس للثوار، وقد جرى اجتماع ودي بينهما، وفي الوقت الذي كان يجتمع فيه عارف مع حسن، كان يتواجد ثلاثة من الرجال يلبسون ألبسة شامية هم الدكتور داود الحسيني وسليم حسين الحسيني ومحمد سليم أبو لبن؛ كانوا في مهمة تتعلق بالثورة ومبعوثين من اللجنة المركزية للجهاد في دمشق وبيروت وعند وصول حسن صدقي دخلوا إلى غرفة أخرى، ولم يشاهدهم حسن وعارف عبدالرازق ، وغادر هؤلاء المكان قبل تناول حسن العشاء مع عارف.
كان محور السؤال أين ذهب هؤلاء ؟ ومع من اجتمعوا بعد ذلك وماذا فعلوا، وهل كان لهم صلة بمصرع حسن صدقي ؟
وهل كان للصهاينة والاستعمار البريطاني ضلع في هذه المسألة؟.
ما أن خرج حسن من اجتماعه مع عارف وقاربت الشمس على المغيب، واقترب من قرية رأس ابن سمحان (راس كركر) حتى التقى به ثلاثة أشخاص وقتلوه وفوجئ عارف عبد الرازق في اليوم التالي بالصحف وأقلام حزب المعارضة التي دقت طبولها في طول البلاد وعرضها، والتي اتهمته بقتله، وكان على رأس هذه الأقلام فخري النشاشيبي. أنكر عارف ما نسب إليه وراح فخري يغذي مشاعر الحقد والكراهية ضد الثورة ونشط في إقامة صلاته مع البريطانيين واليهود، وأصدر منشورات تهاجم عارف ونشرها في كتيب سماه (صوت من قبور فلسطين )، واعتبر الحاج أمين شخصا يغذي الأعمال الهدامة ويعتمد فيها على عارف الذي باع نصف أراضي طولكرم لليهود والذي انحصرت جهوده في الفتك بزعماء البلاد، وأنه كان وراء تشتيت الفلاحين بعد أن سمسر وباع الأرض لليهود، وأن أوامر القتل جاءت من الشام، وقد رد عليه عارف بمنشور ثوري كذب ادعاءاته ووصفه بخائن الأمة والخارج عن دينها ووصفه ” بالأدون فخريوش ” تعبيرا عن يهوديته.
شاع بين الناس في منطقة قلقيلية أن ثلاثة أشخاص من فصيل “فارس” كان لهم دور في اغتيال حسن بناءً على أوامر جاءتهم من داود الحسيني، ومنهم: الشهيد نمر القنبر من قرية عزون، والثائر المرحوم أسعد القاسم، ومحمد الحاج مسلم، حتى أن السلطات البريطانية أرسلت في طلبهم وسجنوا وأنكروا ذلك. اهتم الباحث بسماع عدد من الروايات وقابل الأشخاص المتهمين وسواهم وهذه عدد من الروايات التي قيلت حول مصرع حسن:
حدثنا الثائر الشيخ عبدالفتاح المزرعاوي قائد فصيل رام الله وغور الأردن في مقابلة جرت معه بمنزله عام 1993في قرية المزرعة الشرقية أن فصيل “فارس” ومعه الحاج محمد المسلم كان وراء اغتيال حسن صدقي
الدجاني و بأوامر من الدكتور داود الحسيني، وأن عدد الذين نفذوا مهمة الاغتيال كانوا ثلاثة أشخاص وقد رجاهم أن يتركوه وشأنه ويدفع لهم مالاً لكنهم رفضوا.
وتوجه الباحث ومعه عبدالخالق يحيى وولده جهاد بسؤال الثائر أسعد القاسم إن كانت له علاقة بمصرع حسن فأنكر ثم لم يقدم معلومات عن القاتل.
حدثنا أسعد أنه سجن ومعه نمر القنبر لمدة شهر في سجن طولكرم وعذبوا تعذيباً شديدا، حيث اتهموا باغتيال حسن صدقي الدجاني وأنكروا بعد تعذيب شديد، وأفرج عنهم دون اعتراف، وبسبب ذلك شاع بين الناس أنهما مسؤولان عن اغتياله.
حدثنا أحمد البدوان من قرية عزون الذي كان عضواً في فصيل “فارس”:” قام الحاج مسلم وأسعد القاسم، ونمر القنبر بقتل حسن الدجاني، وأخذت من أسعد القاسم القلم الذي أخذه من حسن بعد اغتياله، وكانوا قد أخذوا قلمه وساعته وخاتمه “
حدثنا عبدالعزيز إسماعيل عودة عن مختار كفر ثلث أحمد عبدالرحمن الخطيب صديق “فارس” في زمن الثورة أنه قال ” لقد كلفني “فارس” ان أحمل خاتم حسن صدقي، وتوجهت به إلى لبنان إلى دار مفتي فلسطين، واجتمعت به بعد أن فوجئ حراسه بي، ومنعوني من الدخول ولكن حينما اطمأن المفتي وعرف سبب قدومي سمح لي بالدخول، وقلت له “فارس” يهديك السلام ويقول هذه علامة قتل حسن، وكان الخاتم هو العلامة “
وحول هذا الموضوع أورد فيصل عارف تقارير لجواسيس عرب محفوظة في الأرشيف الصهيوني المركزي في القدس تحت رقم 10098/ 25 س وفيه:
لقد كان حسن صدقي أكثر رجال المعارضة مقاومة للمفتي، لم يترك أي مناسبة بدون أن يتحداه سواء في داخل البلاد وخارجها. حاول المفتي عدة مرات مصالحته ولكن بدون جدوى… ومع ازدياد الإرهاب في القدس ومنطقتها طلب من عائلة الدجاني عدة مرات مساعدة العصابات ماليا فاستجابت لذلك الطلب. عائلة الدجاني طلبت من حسن أن يكون الوسيط بين العائلة والإرهابيين وبدأ حسن بالتقرب من عارف عبدالرازق وأقام صداقة معه وكان عارف يدعوا حسن لمقابلته كلما كان في منطقة القدس ويتشاور معه، هذه الأمور وصلت المفتي فأثارت غضبه فطلب المفتي من عارف أن يستغل زيارة حسن صدقي إليه ويقتله، ولكن عارف أجل الموضوع من يوم لآخر وفي النهاية ازداد ضغط المقتي عليه فرفض وطلب إيضاح الأسباب لقتله وتكرر طلب المفتي. بعث المفتي مواد كثيرة تتهم حسن صدقي ولكن ذلك لم يساعد في اقناع عارف، ونتيجة لذلك توجه المفتي لعبد الرحيم الحاج محمد. أصر عبد الرحيم على عارف فوافق عارف على اغتيال حسن صدقي ولكن بشرط ان لا يتم تنفيذ ذلك على يده أو على يد أحد من الثوار التابعين له.”.
وفي تقرير آخر قدمه أحد الجواسيس العرب للصهاينة ويسمى حسن والمرقم برقم 150 / 281 الموجود في ارشيف الهاغانا في تل أبيب “… كان في الاجتماع لجنة قضاة جرى تركيبها في سوريا، أعضاؤها كانوا الدكتور داوود الحسيني، عارف الجاعوني، عزالدين الشوا، أبو ابراهيم الكبير وكان رئيس اللجنة الدكتور داود الحسيني ( قتلوا حسن صدقي الذي حكم عليه بالموت من قبل اللجنة المذكورة التي حضرت من سوريا، وكان ذلك في قرية رأس كركر، عندما حضر اليها حسن صدقي وأخوه داوود وابن عمه عزيز الداودي بناء على دعوة من عارف تتعلق بقضية شكوى قدموها على أحد الثوار، ارسلوا وراءهم شخص يدعى الحاج محمد المسلم ومعه بعض المسلحين وعندما لحق المسلحون بحسن صدقي ومرافقيه قرب الحرش قتلوا حسن صدقي… ثم ذهبوا إلى بديا، حيث قاموا بهدم بيت طاهر أبو حجلة وبيت رفيق أبو حجلة ” .
توجه الباحث بسؤال للثائر عبدالفتاح المزرعاوي فكانت روايته أقرب للرواية الأخيرة حيث أكد أن اجتماعا جرى مع عارف وأن “فارس” والحاج مسلم وداود الحسيني كانوا قريبين من المكان وربما خططوا لاغتياله.
يبدو أن هناك مجموعة من الرعاع أو المستعربين نجحت في دخول الثورة ويمكن الاستدلال على دورها الواضح من خلال الدور الذي لعبه الحاج محمد المسلم، الذي قام بتعذيب العديد من الأشخاص، حيث طلب منهم تارةً المال لحساب الثورة أو سارع بقتل البعض بتهمة العمالة للاحتلال البريطاني، ومنها حادثة قتل حسن صدقي الدجاني، وقتل حسن علي أبو نجيم وقتل علي بدوان، وتعذيب أحمد صالح خروب من قرية حبلة، وإجباره على دفع مال لحساب الثورة رغم فقره المدقع إلى الحد الذي اضطر فيه أن يرسل ولده الشاعر الشعبي محمد خروب إلى كفر ثلث عند أخواله من آل عرار للاستدانة ودفع الضريبة للثورة ويظهر أن الشبهات راجت حول شخصية الحاج مسلم كيهودي تسلل لصفوف الثورة حدثني عبد الخالق سويدان: “ولقد أثارت اللكنة الغريبة عن اللغة العربية عند الحاج مسلم استهجان الفلاح أحمد خروب من حبلة الذي صاح بين الحاضرين، وقال: “بيقولوا حاج ومسلم والله ما هو مسلم هو من خور الواوي ( أي مستعمرة رعنانيا )“
وحول شخصية الحاج محمد مسلم لم يؤيد أسعد القاسم أن يكون يهودياً مستعرباً، ولكنه أقر بأنه عمل لمصلحته الخاصة.
حدثنا أسعد القاسم:” كنا مع بعض نتمازح فوجدت أنه يلف حول وسطه زنار من الذهب المرصع داخل التمر سألته لمن يجمع هذا.
قال: لأهلي في السعودية، وقد غادر برفقة عارف عبد الرازق إلى العراق، ومنها توسط له عارف عند قنصل السعودية، وعاد إليها “.
لقد أجمع رواة كثيرون على أن الثورة اخترقت من قبل مجموعة يهود كان أحدهم الحاج مسلم، وقد سمعت روايات شتى عن مصيره، فالبعض أشار أنه توجه للسعودية، وآخرين شاهدوه في مستعمرة رأس العين بعد حرب 1967.
يميل الباحث للقول أن الحاج محمد المسلم وأمثاله أساءوا للثورة، سواء أكان مندسا أو يعمل لحسابه الشخصي وليس من الغرابة في شيء أن يندسوا في الثورة التي كان ينقص أصحابها الوعي الكافي، ويظهر أن “فارس” استجاب لرغبة الحزب العربي في اغتيال وتصفية عدد من معارضيهم، خاصة وأن “فارس” كان معجبا إلى حد كبير بالمفتي ويضع صورة المفتي على صدره، وربما أعطى داود الحسيني تعليماته بالاغتيال بعد أن رافقهم بذريعة أنه مفتش ثورة وأحيانا كثائر سوري يلبس ملابس شامية بلحية كثيفة ويميل للتخفي حسبما روى أسعد القاسم، وقد يتطابق هذا مع اتهامات لمصادر عديدة من أن مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني كان على علاقة بالاغتيالات والقتل لمعارضيه أو بمحاولته شراء الذمم بالمال.
موقف القائد العام للثورة عارف عبدالرازق من تمرد “فارس” العزوني:
أصدر عارف أمراً باعتقال “فارس” العزوني بعد أن كثرت الشكاوى ضد فصيله وتمرده على القائد العام عارف عبدالرازق ورفضه تطبيق بعض أوامره، وقرر عارف القبض عليه وتجريده سلاحه ومحاكمته ولكن كيف تمت هذه الخطوة؟
يذكر فيصل عارف عبدالرازق نقلاً عن الثائرين حمد زواتا وذياب المرجان في مقابلاته معهما أن عارف أرسل صديقه حمد ومعه ثلاثة ثوار إلى كفرثلث حيث كان يتواجد “فارس” وفصيله. وقد وصل حمد إلى كفرثلث وتحدث مع “فارس” وأظهر له تجاهله لخلافه مع عارف، وذكر له أن مكاتيب جاءت من دمشق.
مرت هذه الحيلة على “فارس” ووافق الذهاب معه. توجه “فارس” ومعه ما يقارب خمسة عشر ثائراً واتجهوا إلى سرطة وحينما وصلها “فارس” ومن معه كان متعباً فنزلوا في بيت. نام “فارس” في غرفة ونام حمد في الغرفة الأخرى، ونام الثوار المرافقين لفارس” في غرفة ثالثة وصل عارف إلى البيت الذي يقيم فيه “فارس” وكان يغط في نوم عميق. جلس حمد وعارف على جانبي “فارس” وبعد التحية أخرج عارف بعض الرسائل وقال إنها من دمشق، وقبل أن يتم عارف حديثه كانت أيدي عارف وحمد قد سبقت “فارس” على الإمساك به قبل أن يدخلها لجيبه حيث كان يحمل مسدسين، وحوكم “فارس” في محكمة الثورة وصدر بحقه حكم تلاه عبد المنان الجبالي حيث حكم عليه بالإعدام، ولكن رصيد أعماله الثورية غطت على أعماله وشفعت له.
هذه لائحة بالاتهامات الموجهة لفارس” كما جاءت في منشور وزعه عارف عبد الرازق.
مكتب الثورة الكبرى في فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ 9/ 2/ 1939 قرار حكم صادر ضد “فارس” العزوني رقم 15/ 39.
لائحة الاتهام
1– أهداف شخصية، عدم إطاعة الأوامر الصادرة عن القيادة العليا.
2- تهديد السكان مما سبب انقلابهم إلى أعداء للثورة، نتج عن ذلك ازدياد عدد الجواسيس في البلاد.
3- قتل كثير من الناس الأبرياء بينهم أربعة نساء من عزون بدون أي سبب أو مبرر.
4- توجيه سلاح الأمة ضد الأمة من أجل المصالح الشخصية كما حدث في إطلاق الرصاص على عائلة شريم من قلقيلية عندما رفضت دفع مائتي جنيه، ونتيجة لهذا الحادث هرب أفرادها على سوريا من الظلم والاضطهاد.
5- اختلاس ممتلكات السكان دون سبب مقنع وبدون تفويض من القيادة.
6- إطلاق سراح الجاسوس الخائن فهمي صوفان بسبب أهداف شخصية.
باسم الله والوطن: أنا القائد العام للثورة العربية في فلسطين آمر بإلقاء القبض على “فارس” العزوني وتجريده من سلاحه وإحضاره للمحاكمة أمام محكمة الثورة العسكرية بسبب الجرائم المذكورة التي نفذت على يده. محكمة الثورة العسكرية تعقد جلسة طارئة لمحاكمة هذا الرجل. وبصفتي رئيساً للمحكمة العسكرية بالدرجة الأولى وبدرجة محكمة استئناف فحصت الاتهامات، وحيث إنه وجد مذنباً بالاتهامات المذكورة التي تناقض وتلطخ اسم الثورة المقدسة، وتؤكد المسموعات السيئة المنتشرة ضدنا وضد الثورة العربية الكبرى.
وبصفتي قائداً عاما للثورة ورئيسا للمحكمة العسكرية أحكم بما يلي:
1- المتهم المذكور “فارس” العزوني يحكم بالموت رميا بالرصاص وهذا الحكم تلي أمامه وهو غير قابل للاستئناف.
2- إرجاع الممتلكات التي اغتصبها من السكان.
” الله مولانا وناصرنا… آمين “
التوقيع: رئيس محكمة العدل العليا للثورة في فلسطين
المتوكل على الله عارف عبدالرازق
ختم قيادة الثورة في سوريا الجنوبية “
انظر: وثائق وشخصيات: (عزرا دنين، ص 79ـ 80 )
وحول الطريقة التي استدرج بها القائد العام عارف عبدالرازق قائد فصيل الموت العزوني . حدثنا أسعد القاسم، فقال: ” أرسل عارف لفارس” بواسطة رفيقه حمد زواتا كتابا يدعوه للقدوم إلى قراوة بني حسان للاطلاع على مكاتيب جاءت من سوريا وأمره بأن لا يأتي برجاله ومن الأفضل أن يجردهم من سلاحهم لأنهم سيغادرون إلى دمشق فانطلت الحيلة على “فارس” وخبأ السلاح شرق قرية عزون، وأبقى معه مسدسين.
رفضت ومعي نمر القنبر أن نخلع سلاحنا، وراودنا الشك فيما قاله حمد، وتوجهنا إلى قراوة بني حسان ووصلها “فارس” وهو متعبً واستلقى على الأرض ونام، عندها جاء إليه عارف عبدالرازق وحمد داود واشهروا عليه سلاحهما، وطلبا منه أن يمتثل لأوامر محكمة الثورة ووقف “فارس” أمام المحكمة الشعبية ليوجه له عبد المنان الجبالي بعض التهم، منها: التمرد على أوامر القائد العام عارف عبدالرازق وارتكاب أعمال جرائم وقتل وقبل بدء المحاكمة، قال عارف: إن من يحاكم أمام محكمة ثورية عليه أن يخلع لباسه العسكري، والبسوه بدلا منها ملابس ممزقة، وكانت حالته تثير الشفقة، ونحن نراقب الموقف وقد أحضروا طاولةَ لمحاكمته ومدعيا عاما وشهودا، بعد أن أخذوا مسدسه وسألوا “فارس” أن يسلم قيادة الفصيل وزعامته لنمر القنبر فوافق، لكن القنبر رفض، وبعدها أركبوه فرسه، وساروا به إلى سرطة، وحينما أبعدوا عن الطريق قذفوا به عنها، وأركبوه جحشاً خوفا من أن يراه الناس، وفي الطريق حاول ذيب المرجان من قرية بديا أن يأخذ سلاحي فاستحكمت، وهددت من يقترب مني فقال عارف يا أخي ليس لنا حاجة عند أسعد، ووصلوا سرطة، وهناك في وسط القرية جمعهم عارف، وخطب فيهم، وقال: أصبحت نمرودا يا “فارس” !و تقتل فلاناً وفلانا.
فرد “فارس”: هذا بأمرك، وهذا بأمرك.
وسأله عارف: من أمرك بقتل نساء عزون.
ـ هذا بأمري .
وبأمر من قتلت مختار عزون ؟
ـ قتلته بأمري.
وقد قرأ فيها لوائح الاتهام التي صاغتها محكمة الثورة وجاءت على لسان أحد مساعديه المدعو عبد المنان الجبالي، الذي أدان “فارس” بالحكم شنقا. وحكم عليه عارف عبدالرازق بصفته القائد العام المسؤول عن محكمة الثورة بالإعدام. قابل الناس هذا الحكم بالهتاف والتهليل، وهتفوا بصوت مدو قائلين: الله أكبر ألله أكبر فليحيا العدل. وسار عارف و رفاقه و “فارس”. وعبروا وادي قانا متجهين إلى دير استيا، وحاول عارف أن يغير طريقه واتجاهه حتى لا نعرف وجهته، ولأني كنت أعرف أساليبه اتجهت نحو دير استيا، ونزلنا في بيت “أبو معروف ” من دار منصور، وتساءل قائلاً: مالكم شو صار لكم. ونزلوا بفارس” في دار زعيم القرية مصطفى موسى أبو حجلة وتضايق عارف من وجودي وما هي سوى لحظات وإذا بالإنجليز قادمون. فقال عارف: أنت أخبرت عنا، أنت جاسوس. قلت: هذا ليس عملي، وأنا جئت بالصدفة. ولما اقتربوا من البلد توجهنا إلى كفل حارس بناءً على أوامر عارف، وبعدها بساعات أرسل لنا مصطفى أبو حجلة تعالوا وأكلنا معه الحلوى حيث جاء الإنجليز اليه لتهنئته بالعيد عندها زالت عني الشبهة العاطلة، وفي اليوم الثاني حضر من عزون الشيخ رشيد عبدالسلام، ووجهاء البلد وأصدروا عريضة بتوقيع جميع أبناء عزون وهددوا عارف أنه اذا حصل لفارس” أي مكروه فستكون حرب بين قريتي عزون والطيبة الصعبية بلد عارف واتجهوا به ثاني يوم إلى قرية صير، وهناك تصالحوا، وأرجع له عارف مسدسه، فقال “فارس” هذا مسدس النجس حمد وليس مسدسي، وكان سلاح “فارس” جديد وبيلمع “. أبدى أبناء عزون أسفهم، وتعاطفهم معه حدثني عبدالخالق يحيى سويدان، أن أبيه قال بهذه المناسبة :
” فخر الرجال سلاسل وقيود وفخر النساء أساور وعقود “
يبدو أن وقفة أبناء عزون القوية كانت سبباً في العفو عنه وترجح على رأي فيصل عبدالرازق الذي ذهب إلى القول إن والده عفى عنه بسبب سِّجله وأعماله الثورية كما أن مصطفى الموسى زعيم دير استيا لم يرض هو الآخر عن عمل عارف عبدالرازق وتخطيطه لتصفية الثائر “فارس” العزوني ، بينما كان حمد زواتا ميالاً للتخلص منه، كما حدث مع حسن أبو نجيم. ويظهران يقظة أبناء عزون ومنهم: نمر القنبر وأسعد القاسم وغيرهم حالت دون الاستفراد بفارس” وإعدامه. ويجدر الذكر أن “فارس” خرج إلى سوريا وتغيّب قرابة شهرين بناءً على أوامر من عارف عبدالرازق، وعاد إلى البلاد بعد أن رحل عارف عنها. كانت هذه المسلكيات تبرز طبيعة الشروخات العميقة في داخل الثورة وضعف سيطرة القيادة على رجالاتها، وأنها سلبية تضاف إلى سلبيات الثورة.
خاتـمة
كان “فارس” العزوني شجاعاً إلى أبعد حد، وجريئاً إلى درجة التهور، وكان صلباً لا يعرف المهادنة ولا المرونة في علاقاته مع الجماهير ، ولما كان شابا في قمة تطوره وعطائه، حيث كان عمره 27 عاماً يوم إعدامه، وفي هذا السن كان ينقصه الحكم الرصين الهادئ، ويظهر أنه تسرع في قبول الأحكام وتأثر بالمسموعات، وكانت دائرة المحيطين به ممن يستمرئون القتل ويأخذون بالشبهة. كما أن ولاءه لقيادة وحزب الحاج أمين الحسيني أدى إلى قبوله تعليمات القيادة التي دفعته لاغتيال أشخاص معارضين، وهذا يفسر سبب مرافقة داود الحسيني للثوار والسير معهم، وربما يقدم أسباب إعدام “فارس” لعدة أشخاص من قرى رام الله ويافا ومنطقة رام الله وقلقيلية وطوباس. ورغم أن بعضهم عرض عليه المال ليطلق سراحه إلا أن “فارس” كان يرفض الارتشاء ويحكم بإعدام البعض ممن شهدوا على صلاته بالبريطانيين أو دارت حولهم الشبهات. لقد اتهم العديد من قادة الثورة بأعمال الاغتيال والمنافية للعمل الثوري العقلاني ورغم أن بعضهم رفض التورط في قتل واغتيال أشخاص ومنهم المجاهد عبدالرحيم الحاج محمد لكنه اتهم باغتيال أخوين من آل ارشيد، ومثله عارف عبدالرازق، وكذلك رفيقه عبد الله الأسعد. لقد توصل الباحث عبر الاستقراء والتقصي إلى أن عدداً من المشبوهين والمندسين وبعض المخاتير الموالين لبريطانيا حاولوا تخريب مسار الثورة وذلك بالتقرب من قادتها والتأثير عليهم. ومثل ذلك فعل يعض مخاتير القرى القريبة من عزون، وقد أثبتت الأيام أن بعضهم كان على اتصال مع بريطانيا وحزب المعارضة.
في رأي الباحث أن “فارس” كان ابن مرحلته، حيث لم تسلم الثورة من أعمال الاغتيال، وكان هذا التصرف دأب الكثيرين منهم. ومما يؤسف له أن شراع الثورة أخذ يغرق في الاغتيالات في عام 1939، بينما اتجهت المعارضة وجهة سافرة وشكلت “عصابات السلام” المتعاونة مع البريطانيين التي راحت تلاحق الثوار وتهاجم القرى التي تحتضن القادة مما استنزف القوى الثورية وأنهكها وقوى جبهة الأعداء من بريطانيين وصهاينة. وفي ظل غياب الرؤية الثورية و النظرية الثورية الواضحة، كان لابد لقائد فصيل الموت الشاب “فارس” أن يمارس العمل الفردي الذي يهوى وأن يتورط في أعمال منافية للثورية، وهي أعمال كانت نتائجها سلبية ومخاطرها جسيمة على الثورة والثوار. ورغم كل الأخطاء المذكورة إلا أن أبناء المنطقة لم ينسوا آن “فارس” كان شجاعا وجريئا ، ولم يتورط أثناء الثورة في قضايا تسيء للشرف والأخلاق ، كما أنه حاول جهده إحياء الثورة في ظل تراجع الآخرين من القادة، وهذا سر قيامه بعملية رأس العين بعد أن رجع من سوريا إلى فلسطين في أواخر شهر نيسان 1939 بينما كان قائده عارف عبد الرازق قد شد الرحال خارج فلسطين ووصلت أخبار عبوره إلى دمشق في 12/4/ 1939. لقد تميز “فارس” برفضه الارتشاء ولم يتصالح مع البريطانيين وحزب المعارضة العميل للبريطانيين وما كانت بندقيته مأجورة لحسابهم في حين كانت بعض الفصائل مأجورة وتعمل لحساب البريطانيين. كان المأخذ عليه تسرعه في الأحكام وتنفيذه الأصم لما يأتيه من تعليمات من القيادة، ومما لا شك فيه أن لكل ثائر دائرة وعيه، وهذا هو الوعي الذي حكم سير وسلوك الثوار باستثناء القلائل منهم.
يوسف الحمدان العبد والملقب “ابو العبد علم” من آل طميش في حي المحاجنة بأم الفحم , من ابطال ثورة 1936 في فلسطين عامة ومنطقة ام الفحم خاصة , ولد حسب كل الدلائل في عام 1899 إذ انه عندما استشهد كان عمره اربعين سنة ، لا نعرف شيئا عن نشأته الأولى سوى أنه كان يتيم الأب ، في الثلاثينيات انضم الى عصبة الشيخ عز الدين القسام وخاض العديد من المعارك والاشتباكات مع القوات الانكليزية المستعمرة , وشهد له العدو قبل الصديق بالشجاعة والاقدام , حتى كان استشهاده في آخر معارك الثورة في منطقة ام الفحم ومرج ابن عامر في العام 1939.
انضوى الشهيد يوسف الحمدان في الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936 في بداياتها الاولى ,حيث كان ثوار ام الفحم وفصيل “البطيمات” بقيادة حديث الوراد من اهالي قرية البيار ,ملتحقون بفصيل الشيخ القسامي فرحان السعدي ومن بعده الشيخ عطية محمد عوض ليلتحقوا بعد استشهاده في معركة اليامون ,بقيادة القائد يوسف ابو درة قائد منطقة جنين ,وبقيت كذلك تعمل تحت امرته حتى تشكل في ام الفحم فصيل مستقل بقيادة بعض ابناءها المجاهدين وهم علي الفارس محاميد واخيه احمد الفارس محاميد ويوسف الحمدان محاجنه.
وعن ظروف تشكيل هذا الفصيل الفحماوي المستقل ,يذكر الفحماويون ان مشاكل وخلافات برزت بين ثوار ام الفحم وبين يوسف ابو درة – ابو العبد – لدرجة انه مُنع من التواجد في ام الفحم , بعد ان كان القائد غير المنازع في جميع منطقة جنين, وكان يوسف الحمدان يعمل مساعدا له, وجاء في احدى الوثائق الموجهة الى قائد الثورة آنذاك عبدالرحيم حاج محمد – “ابو كمال” – ان ثوار ام الفحم وقرى رمانة ويعبد وعرابة اتفقوا على العمل ضد ابو درة قائد منطقة جنين .وهكذا تم تشكيل فصيل مستقل , وقف على قيادته الشهيد احمد الفارس وشقيقه علي الفارس محاميد ويوسف الحمدان محاجنه كما اسلفنا , وانضم اليهم احمد اسعد عزام جبارين واحمد ابو حلوة وعبد الوهاب مصطفى عثمان (مشيرفة) وتوفيق الصالح وخليل الصالح جبارين وغيرهم من الثوار الفحماويين .
شارك ثوار ام الفحم وفي مقدمتهم يوسف الحمدان بمعارك الثورة منذ بداياتها , وخاضوا المعارك الكبرى قبل وبعد وصول القائد العربي – المثير للجدل- فوزي القاوقجي , وشارك “ابو العبد”(يوسف الحمدان) في اولى معارك الثورة تحت قيادة القاوقجي , “معركة بلعا الثانية” في 3-9-1936 وابلى فيها بلاء حسنا.(انظر تفاصيلها في مقالنا في موقعي “امد للإعلام” وفي موقع “برق نت”).
“وزع القاوقجي القوات على ارض المعركة :المفرزة العراقية بقيادة “جاسم الحسين” ,المفرزة الدرزية بقيادة “حمد صعب” ويعاونه “محمود ابو يحيى”, والمفرزة الحموية – الحمصية بقيادة “منير الريس” , والمفرزة الشامية – الشرق اردنية بقيادة “محمد الاشمر” فالمفرزة الفلسطينية بقيادة “فخري عبد الهادي وعبد الرحيم حاج محمد والشيخ توفيق من علار , اضافة الى الشيخ فرحان السعدي والعريف يونس ومحمد الصالح (ابو خالد) والشيخ عطية احمد عوض ويوسف الحمدان ,وانيط بالمفرزة الفلسطينية حراسة جبل المنطار, : “فقد تقصدت ان لا اجعلهم في خط النار , يجابهون صدمة عنيفة ويجبرون على مجابهة الاسلحة الميكانيكية الفتاكة طيلة النهار, وذلك لعدم اعتيادهم على هذا النوع من الدفاع”- وفقا للقاوقجي .
بدأت المعركة صباح 3-9-1936 , ولم يكن الانكليز يتوقعون مثل هذه المفاجأة , فكانت الاصابات منذ اللحظة الاولى”, ودخلت الطائرات المعركة , بلغ عددها تسع طائرات وفقا لمذكرات القاوقجي12 , و8 طائرات وفقا للبلاغ الذي اصدره القاوقجي عن المعركة وحمل رقم 3 , و15 طائرة وفقا لصحيفة فلسطين , وقد استطاع الثوار اسقاط 3 منها, وخاض الثوار معارك عظيمة, استبسل فيها القادة الشيخ محمد الاشمر والمجاهد الدرزي حمد صعب وقادة المفرزة العراقية, اضافة لاستبسال المفرزة فلسطينية بقيادة الشيخ فرحان السعدي حيث “جرت معركة عظيمة بين بعض النجدات وبين مفرزة شيخ المجاهدين “فرحان السعدي “استبسل فيها المجاهدون ايما استبسال”. انتهت المعركة “بفوز المجاهدين على المستعمرين ,وبفوز الايمان والارادة على الظلم وقوة الميكانيك, فوزا باهرا لا يقدر قيمته, ولا تأثيره ونتائجه , الا الاجيال المقبلة”, حسب اقوال القاوقجي.
وقد انشد الفلاحون الفلسطينيون الاهازيج والاغاني بهذا النصر في بلعا قالوا فيه :
بين بلعا والمنطار صار اشي عمره ما صار
واضاف الفحماويون عليه قولهم :
اسروا ابو العبد علَم هلي علم الثوار
حبسوه في حاووز المي ومن حاووز المنطار
اشارة الى وقوع يوسف الحمدان بالآسر وزجه بمعتقل عتليت كما سيأتي معنا ذكره لاحقا.
ثم شارك ابو العبد في اول معركة فحماوية ضد الانجليز وهي المعركة التي يطلق عليها الفحماويون اسم “معركة عين الزيتونة” او “معركة خلة الحمارة” , لوقوعها في هذه المنطقة الفحماوية الواقعة على شارع وادي عارة الرئيسي, والتي اطلق عليها د. محمد عقل اسم “معركةالموابر وخلايل التفاح” واطلق عليها القيادي الفلسطيني نجيب الاحمد “معركة ام الفحم”.
“مرت صباح يوم 12-9-1936 دورية – انجليزية – مؤلفة من ثلاث سيارات كبيرة مملؤة بالجند فهاجمها الثوار المتحصنون في الجبل الجنوبي واطلقوا النار عليها بكثافة, “ولكن السيارات قفلت راجعة بسرعة , دون ان تجاوب طلقة واحد, حسب اقوال القاوقجي . ومع انسحاب القوات الانكليزية ,حضرت طائرات حربية على ارتفاع قليل جدا وأخذت تطلق النار من رشاشاتها على مكامن الثوار , يذكر ان احد المحاربين الفحماويين يدعى – علي الطرشة , اصابته الطائرة ” بأكثر من عشرين رصاصة ” الا انه نجا من الموت المحتم . ويروي شهود عيان ان احدى هذه الطائرات اخذت تغير على ارتفاع منخفض , مطلقة رصاصها على الثوار الذين اتخذوا اشجار الزيتون غطاءً ومخبأً لهم , ويقال ان احد المقاتلين – سامي مصطفى الاحمد (من رمانة) – صاح بالثوار ان يفترشوا الارض واخذ يطلق النار باتجاه الطائرة, “وتمكنا من اسقاطها بعيدا عنا”. ويروي الكاتب خضر العلي ان الشيخ “محمدا لأشمر” (السوري) امتطى صهوة جواده وشهر سيفه من غمده وهجم لناحية العدو فكان اقدامه هذا يدعو للإكبار حقا وقمينا بالإعجاب”. ثم كانت مشاركة الشهيد ابو العبد فيما يُعرف بأدبيات الثورة الفلسطينية باسم: “معركة ام الفحم” (معركة المدرسة بلسان الفحماويين) في 30-1-1938م , والتي أذاق فيها الفحماويون ومن شاركهم بالفزعة من ابناء القرى المجاورة , القوات الانجليزية مرارة الانكسار والهزيمة , ما دفعها الى أتخاذ ام الفحم مقرا لقواتها لمحاصرة الثوار والثورة. ويذكر ابناء ام الفحم ذاك اليوم الذي حدثت فيه المعركة ويتحدثون عنه كما وكأنه حدث في الامس القريب, البعض يروي القصة ببعض المرح المجبول بالاسى والبعض الاخر يذكرها بتأوه وحسرة , الا ان جميعهم يروونها بفخر واعتزاز , كيف لا وهذه هي المعركة التي شاهدوا فيها المستعمر الانجليزي يفر مهزوما امام الثوار , “يبحث عن الملجأ عند النساء وفي الطوابين” .
“كنا يومئذ في المدرسة ندرس , واذا بأحد المعلمين يدخل علينا الصف ويطلب منا ان نغادر لان الانجليز قرروا ان يتخذوا المدرسة مقرا لهم ومعسكرا لقواتهم في ام الفحم” , هكذا حدث من عاصروا الواقعة , فغادر الطلبة المدرسة وذهبوا ليستطلعوا الامر , وقد تجمعت الناس على التلة التي يتواجد عليها الان بيت السيد طلحة جبارين, وشاهدوا القوات الانجليزية وقد حملت معداتها ومدافعها وسلاحها على “حمير قبرصية” , اذ انه لم تكن هناك ,لا شوارع ولا سيارات في ذاك الوقت . ولما وصلوا قرب بيت حلمي شفيق الموسى ( اليوم) -في منطقة الكينا – اجبروا بعض الاهالي على حمل أمتعة الجنود ومعداتهم , وبدأ الجنود المسير باتجاه المدرسة. في هذه الاثناء كان الثوار بقيادة يوسف الحمدان وعلي الفارس والشيخ عطية احمد عوض والشيخ يوسف ابو درة قد انتشروا في البلدة, ووقف قسم منهم في منطقة الميدان – اليوم- وبدأوا بأطلاق النار على الجنود الانجليز الذين بلغ عددهم ما بين 300-400 جندي.
“طبعا, الانجليز معهم سلاح افضل من سلاح الثوار” ,فبدأوا بملاحقتهم , فسار قسم منهم باتجاه الست خيزران حيث انسحب الثوار , وسار قسم آخر باتجاه المدرسة , مارا عن طريق البلدية .
وما ان بلغت القوات الانجليزية بيت السيد طلحة ,حيث كان الثوار قد نصبوا كمينا للإنجليز بين اشجار الست خيزران , حتى صاح احد الثوار بالناس ان يبتعدوا ,واخذوا بإطلاق النار على الانجليز , ويروى ان بعضا لثوار كان يطلقون النار باتجاه الانجليز من خلف “مواشي السيد مروح السكران ” حتى قيل ان هذه الماشية انقذت الثوار.
“واستمر الثوار بانسحابهم والانجليز من ورائهم حتى بلغوا المدرسة , وهناك كانت فرقة اخرى من الثوار قد نصبت كمينا لهم , وما ان وصلت القوات الانجليزية حتى فتحت عليهم النار من عدة اتجاهات فسقط الكثير منهم بين قتيل وجريح . وتشتت جمعهم واخذوا يولون الادبار باتجاه البيوت بحثا عن مخبأ لهم. واشتبك الثوار مع القوات الغازية في معركة “حامية الوطيس استمرت ثماني ساعات …واستولى الثوار والاهالي على اسلحة حربية وافرة … وحدث المعاصرون – ان الثوار الكامنين على جبل الست خيزران بدأوا بقنص الجنود الانجليز واحدا تلو الاخر , فغضب قائدهم وقرر الصعود بنفسه الى الجبل فقنصه الثوار وعلى رأسهم احمد اسعد عزام – ابو تيسير ,فأصيب هذا الضابط وأخذ “يشخر” حتى الموت. وقد شارك اهالي القرى المجاورة بالمعركة – الفزع-ومنهم ثائران من يعبد , عرفهما الاهالي باسمي : “ابوالللك” و”العرنيطي” – وفقا لاحدى رواتنا , مضيفة انا لقائد الانكليزي بعد انتهاء المعركة حضر لبيت المختار وقالله انه عرف اسماء بعض الثوار ويريد مساعدته للاستدلال عليهم , وقال له ان اسم احدهم “يعبد” , فقال له المختار ان هذا اسم بلدة جاء بعض ثوارها ليفزعوا لاهل ام الفحم وليس اسم شخص معين. وروى اخرون من اهلنا ان بعض الجنود دخلوا للاختباء في بعض الطوابين عند النساء , حتى يروى ان جنديا دخل الى احد هذه الطوابين وفيه احدى النساء واثناء دخوله مشيا الى الوراء , كوته بنار الطابون ,فولى هاربا. وبحلول المساء انتهت هذه المعركة مخلفة ورائها ما بين20-30 قتيلا انجليزيا حسب رواية الاهالي ,ولم يصب احدمن الثوار ,حسب روايتهم , رغم انه سرت اشاعة بأن يوسف ابو درة اصيب فيها, ولكنها كانت مجرد اشاعة. وانسحب الانجليز مرغمين “وهم يجرون اذيال الخيبة والانكسار , اما الثوار فقد انسحبوا دون ان تقع بين صفوفهم اية اصابة وبعد ان سجلوا نصرا رائعا , وقد كانت جولات رائعة للقائد يوسف الحمدان لا بد من ذكرها انصافا للحق”.
اقوال المجاهد صبحي ياسين:
فيما كتب القيادي الفلسطيني اكرم زعيتر في يومياته ان القتال استمر قرابة 8 ساعات استخدمت فيه مدافع جبلية وطائرات قاذفة, واستشهد خمسة مجاهدين وجرح ثمانية . ويضيف زعيتر ان :”اصابات الجيش (الانكليزي)جسيمة دلت عليها سيارات الاسعاف التي ظلت تغدوا وتروح حاملة القتلى والجرحى . وفي البلاغ الرسمي(الانكليزي) اعلن المندوب السامي اسفه لمقتل جنديين بريطانيين وجرح اثنين فيهما ضابط”. ….ومن المعارك الاخرى التي شارك فيها الفحماويون بما فيهم الشهيد ابو العبد , سواء بالعمليات العسكرية او بتوفير الملجأ والمأوى للثوار اثناء انسحابهم , نذكر “معركة اليامون” 3-3-1938م , حيث كانت القوات البريطانية وبعد هزيمتها النكراء في معركة ام الفحم ,قد قررت الانتقام من الثوار فتجمع ما يزيد عن 3000 جندي انكليزي مدججين بالسلاح والدبابات والمدرعات تساندهم الطائرات بفرض طوق محكم من جبل اسكندر لغاية قرية اليامون , بهدف تصفية الثوار الذين اتخذوا من هذه المنطقة منطلقا لهم. بدأت المعركة عند العاشرة من صباح يوم 3-3-1938 :”بعد نجاح القوة البريطانية في فرض طوق حول مواقع الثوار استمر حتى حلول الظلام , عندما استطاع الثوار فتح ثغرة ومن ثم الانسحاب, وقد اشترك فيها حوالي 3000جندي بريطاني بالاضافة الى مفرزة من قوات الحدود الاردنية وتسع طائرات استدعت بعد 15 دقيقة من بداية الاشتباك مقابل 300 ثائر فلسطيني, وقد اعترفت القوات البريطانية بجرح ضابط ومقتل جندي وجرح آخرين واصابة 5 طائرات اصابات طفيفة كما ادعت قتل 60 ثائر او اسر 16 آخرين .اما الثوار فقد اعلنوا من جانبهم عن استشهاد تسعة كان احدهم الشيخ عطية احمد عوض قائد الثوار , بالاضافة الى اكثر من ثلاثين مناضلا من النجدات العربية وسقوط عدد كبير من الجرحى, كما اعلنوا عن مقتل وجرح اكثر من 70 بريطانيا”.
ويضيف المؤرخ العسكري الفلسطيني رجب الرضيع ان بريطانيا حاولت من خلال هذه المعركة – معركة اليامون – مفاجأه الثوار والقضاء على قيادة الثورة في المنطقة باستدراج اكبر عدد من المقاتلين والقوات المحلية , واستطاع الثوار الصمود على جبهة طولها كيلومترين ، من جبل اسكندر في ام الفحم وحتى اليامون . ونقلت صحيفة “دافار” (6-3-1938) تفاصيل المعركة معقبة عليها بالقول : “يبدو ان معركة يوم الجمعة – بعد الظهر- هي الاكبر منذ اندلاع الثورة” , واضافت الصحيفة ان من بين الاسرى مناضل عربي من السودان تم اسره وبحوزته بندقية المانية و50 رصاصة. ويذكر احد المعاصرين لتلك الفترة من ابناء ام الفحم انه تم نقل رفات الشهداء الى جنين . ويضيف ان قائد الفصيل الفحماوي يوسف الحمدان اوكله باعداد العدة للانتقام من الانجليز اثر معركة اليامون :
“اوكل الي قائد الفصيل يوسف الحمدان مهمة الاستطلاع ومن داخل المعسكر- البريطاني الذي اقيم على ظهرة الشيخ (جبل اسكندر) , ارتديت ملابس العمل البسيطة وفوطة العمل على صدري وحملت عدة العمل والسندان ووليت وجهي صوب المعسكر ووصلت باب المعسكر”. الا ان امر هذا الفحماوي سرعان ما انكشف , “وعلى الفور جلبوا عشرات الزعماء العائليين والشخصيات الى المعسكر واعلنوا ان أي هجوم للثوار سيعقبه قتل المحتجزين ثم هدم القرية وحرق الاخضر واليابس ” ..
ولما كان الثوار على علم بالحقد الذي يملأ قلب القيادة البريطانية وتصيدهم الفرص للانتقام من اهل ام الفحم ثأرا لمعركة ام الفحم قبل عدة اشهر, فقد تقرر العدول عن القيام بهذه العملية الانتقامية لمعركة اليامون . وكان لاعتقال يوسف الحمدان بعد مدة قصيرة من معركة اليامون عاملا آخرا في تأجيل الانتقام من القوات الانجليزية كما كان مقررا , فقد نجحت القوات الانجليزية من اعتقاله قرب “الخضيرة” وتم ايداعه في سجن عتليت , الا انه وخلال عمله خارج السجن استطاع الهرب ليلتحق مجددا بالثوار , ونقل “شلومو بن الكنا” في كتابه – “قصة تحقيق” ان اشاعات سرت حينها ان هروب يوسف الحمدان تم “بالاتفاق” مع مدير السجن الضابط “كلمان كوهين” لقاء تسليمه يوسف ابو درة , الا ان الحمدان تحايل عليه ونجح بالافلات والانضمام للثورة ,ليشارك بمعاركها حتى استشهاده في اواخر الثورة – 1939. لم تطل مدة حبس يوسف الحمدان في “حاووز” عتليت, فقد استطاع الافلات والهرب لينضم مجددا للثورة وليقود عملية الهجوم على مستوطنة “جفعات عادا” في10-7-1938 والتي قال عنها المؤرخون الاسرائيليون انها : “من اجرأ العمليات التي نفذها رجال العصابات طوال فترة الاحداث”. تلت عملية جفعات عادا, معركة اخرى حدثت في منطقة ام الفحم وهي المعركة التي عرفت باسم “معركة رمانة” ( 16-8-1938) رغم انها حدثت فعلا في قرية الطيبة التابعة لام الفحم .
وقد ذكر اكرم زعيتر هذه المعركة في كتابه “الحركة الوطنية الفلسطينية 35- 1939” قائلا :
” وتلخص معركة رمانة في ان القوات -الانجليزية-طوقت قرى ام الفحم وعانين ورمانة وعرعرة وسيلة الحارثية و اليامون , فاصطدم بها المجاهدون في الطيبة واستمرت المعركة اربع ساعات , واستشهد منهم سبعة ابطال وجرح ثلاثة , اما الجند فقد قيل ان عدد قتلاهم يربو على الاثني عشر قتيلا ” .
و”كرد فعل لما حدث في الطيبة-ام الفحم- ورمانة ,قامت مجموعة من فصيل يوسف ابو درة بقيادة يوسف الحمدان وعدد كبير من الثوار (قرابة المائة) من ام الفحم وقراها وكفر قرع (عرفنا منهم المرحوم مصطفى عرباصي) ومن عين غزال (ومنهم سليم الصعبي) بنفس ليلة 16-17-8-1938 باقتحام سجن عتليت , حيث تمكنوا من تحرير قسم من المعتقلين العرب ومن اختطاف ضابط السجن “موشيه لازاروفيتش” – ابو موسى- وزوجته واخيها واولاده الثلاثة, وضابط شرطة عربي (انعام جابر) , بعد تلقيهم المساعدة من بعض رجال الشرطة العرب الذين كانوا يخدمون في المعسكر, وفتحوا لهم الابواب , فيما وجه احد الضباط العرب من عائلة غريب امرا لرجال الشرطة العرب عدم اطلاق النار على الثوار المهاجمين , ليمكنوهم من اقتحام المعسكر … وقد اطلق ابو درة سراح الاولاد بعد 7 ايام حيث قامت بعض نساء قرية الغبيا التحتا العربية باعادة الاطفال ومعهم رسالة من القائد ابو درة لمختار مشمار هعيمق ينبئه فيها “ان العرب لا يقتلون الاطفال” , وقد البسوهم اللباس العربي – دمايات- واوصلنهم حتى مدخل مشمار هعيمق سالمين ,اما الباقون فقتلوا في ظروف غامضة …واستطاع الضابط بن الكنا – الذي اطلق عليه الفلاحون اسم ابن كنعان – بعد مشوار بحث طويل خلال سنوات الحكم العسكري زار خلالها ام الفحم وقراها وقرى اخرى في منطقة المثلث والساحل – التوصل الى مكان دفنهم قرب قرية “عين حوض” …..
شارك ابو العبد والثوار الفحماويون في معركة ام الدرج في 11-9-1938 بقيادة يوسف ابو درة حيث “دارت رحى معركة حامية اتسعت حتى شملت مساحة طولها 12كم واستمر القتال مدة ثماني ساعات التحم خلالها الثوار بالسلاح الابيض مع الاعداء”, ويضيف صبحي ياسين : “ومن الحوادث التي تُذكر لابطالنا بكل فخر واعجاب , ان القائد يوسف الحمدان ضرب القائد الانكليزي بالسيف في تلك المعركة ففصل رأسه عن جسمه” , وقد اشتهر يوسف الحمدان باستعمال السلاح الابيض بالمعارك”. اضافة الى هذه المعارك فقد شارك الفحماويون الملتحقون بالثورة بالعديد من المعارك مع قوات الاستعمار الانجليزي , ومنها معركة الجعارة , وذكر احد الثوار الفحماويين ( توفيق صالح اسماعيل جبارين) , ان فصيل يوسف الحمدان شارك في هذه المعركة حيث اشتبك اثناء عودته من حيفا عن طريق ام الزينات ” فنصب الانجليز كمينا للثوار وحدث اشتباك استمر قرابة ثلاث ساعات ,ومررنا ولم يصب احد بأذى “.
وشارك فصيل يوسف الحمدان والاخوين فارس ومعهم ثوار ام الفحم في معركة اجزم , التي استشهد فيها 12 ثائرا وكانت الطائرات الانجليزية تلقى القنابل الكبيرة الحارقة على الثوار . وشارك الفحماويون ايضا في معركة “بيت راس” , ويروي الشيخ صالح توفيق صالح اسماعيل ان الثوار قتلوا اربعة جنود من الانكليز واستشهد اربعة من الثوار ,ويضيف ان الاعداء استعملوا الدبابات : ” وقمنا بمهاجمتها, الا ان احدى الدبابات “طلعت” على احد الثوار , فلم نحتمل المنظر , فهجمنا نرفع الدبابة وقائدها لم يحرك ساكنا , ولم يطلق النار علينا “.
في هذه الاثناء كان القائد احمد الفارس وفصيل يوسف الحمدان يوالون نشاطاتهم العسكرية ضد القوات الانجليزية , وحدث الصدام مع قائد ثورة منطقة جنين –يوسف ابو درة حتى كادت ان تنشب معركة مسلحة بين فصيل علي الفارس ويوسف الحمدان وبين فصيل ابو درة بعد اتهام(الاخير) بقتل مختار رمانة “رشاد المصطفى الاحمد” , ومرة اخرى كادت قوات الثورة تشتبك ببعضها البعض عندما عاد احمد الفارس من حيفا وجمع الثوار ومعهم يوسف الحمدان والتقوا بيوسف ابو درة في اللجون في بيت سليمان مصطفى العبدلله , وكادوا يشتبكون لولا تدخل وجهاء اللجون , وبعد يومين عُثر على سليم الصعبي مقتولا ومدفونا في “رجوم” الروحة , فغادر ابو درة البلاد ووصل الاردن وهناك القت القوات الاردنية القبض عليه وسلمته للانكليز وجرت له محاكمة بتهمة قتل رشاد الاحمد وشهد عليه مواطن من ام الفحم كان قد تعرض ظلما للتعذيب على يد ابو درة , وحكمت المحكمة باعدام ابو درة في 30-9-1939. غير ان ثوار ام الفحم حافظوا على نقاء ثورتهم وسيرتهم واستمروا في حربهم ضد المستعمر الانجليز يعدوهم الاول والاساسي , ولعل الحقيقة ان آخر معركة من معارك شمال فلسطين عامة ومنطقة ام الفحم – جنين خاصة , كانت معركة استشهاد البطل يوسف الحمدان في 1939تثبت ذلك.
استمر فصيل احمد الفارس ويوسف الحمدان وثوار ام الفحم في تصديهم للانجليز فيما غادر علي الفارس البلاد الى دمشق بطلب من القيادة, وكانت القوات الفرنسية قد اعتقلته قرب درعا , وطالب الاردن تسليمه اليها بتهمة محاولة قتل جنود اردنيين , فتوجه وفد من عشائر المحاميد في درعا يرافقهم فياض الفارس وشخصيات اردنية للامير عبدالله طالبين العفو عن علي الفارس , فكان لهم ذلك , وقام “غلوب باشا” بتسهيل اطلاقه بعد تسلمه مباشرة من الفرنسيين بدعوى: “انه ليس لحكومة فلسطين(الانكليزية)أي ملف جنائي او غير جنائي ضد علي الفارس” –اقوال ابو فاروق , وصحب الوسطاء علي الفارس في العام 1941الى ام الفحم واستقبلوا احسن استقبال .
يذكر الفحماويون ان “يوسف بيك الخليل” وهو ابن مصطفى باشا الخليل, احد الاقطاعيين الذين امتلكوا اراضي في فلسطين, والذي سكن بل وامتلك قرية الغبيةالتحتا (قرب اللجون) وكان على علاقة حميمة مع حكومة الانتداب والقادة الصهيونيين , وعلى علاقة مع مدير بوليس حيفا ومع مساعديه الضابط “كوهين” والضابط “صوصة”, اللذان عرضا عليه بحكم صداقته مع الثوار ايضا ان يعرض عليهم التسليم مقابل العفو ,فدعا اليه القائد يوسف الحمدان, بعد معركة المنسي وعرض عليه العفو الكامل والمعاش الابدي من الانجليز مقابل توقف فصيله عن الثورة , الا ان يوسف الحمدان رفض هذا العرض وتوجه من فوره الى القائد احمد الفارس واخبره بما حصل, ويقال ان احمد الفارس غضب من يوسف الحمدان لمجرد اجتماعه مع يوسف بيك الخليل , ثم غادر ام الفحم باتجاه بيت يوسف بيك في قرية الغبية التحتا ونادى عليه وسأله عن العرض الذي تقدم به ليوسف الحمدان, ولما اعترف يوسف بيك بذلك اطلق عليه احمد الفارس النار وارداه قتيلا. يذكر ان مختار كيبوتس مشمار هعيمق – “الخواجة سليم” – نقل بسيارته يوسف بيك لمستشفى العفولة الا انه فارق الحياة قبل وصوله متأثرا بجراحه. نذكر هنا ان بعض المصادر نقلت معلومات عن محاولة الشهيد يوسف الحمدان تسليم نفسه للانجليز والتعاون معهم ضمن قوات “فصائل السلام” , وقد كتب الضابط اليهودي شلومو بن الكنا ان الحمدان توجه عبر عائلة “مقبل” من قرية السنديانة للتوسط لدى الانجليز ولدى فخري عبد الهادي لهذا الغرض , ويضيف ابن الكنا ان هذا الامر لم يتم, ليستمر ابو العبد بجهاده ضد المستعمر الغاصب. تجدر الاشارة هنا انه وبعد قتل يوسف بيك الخليل ,امتطى الفارس احمد الفارس صهوة جواده وتوجه باتجاه قرية كفر قرع حيث كان الثوار مجتمعون , ولم تمض بضع ساعات حتى كانت القوات الانجليزية تحاصر احمد الفارس وتنصب له كمينا على مفرق كفر قرع وتنجح قوات الغدر اخيرا ان تغتال احد ابرز القيادات الشجاعة والحكيمة لثورة فلسطين – احمد الفارس- في اواخر 1938 .
آخر معارك ثورة المرج واستشهاد يوسف الحمدان1939م:
لم تتوقف الثورة بعد استشهاد احمد الفارس , فقد حدثت بعد ذلك العديد من المناوشات والاشتباكات والعمليات العسكرية المختلفة ضد قوات ومنشآت الاحتلال البريطاني . وبالمقابل استمرت القوات البريطانية في ملاحقتها للثوار واغتيالهم, وقبل اسدال الستار على احداث ثورة مرج بن عامر- او قل ثورة ام الفحم ومنطقتها حدثت معركتين هامتين الاولى اطلق عليها الفحماويون اسم معركة “خلة الحمارة” , وهي الثانية في هذه المنطقة, وشارك في هذه المعركة الحامية – الفصيل الفحماوي وبمشاركة العديد من الثوار في قرى المنطقة, من السيلة ومن اليامون, اضافة الى العديد من ثوار المرج من قبائل التركمان. واما المعركة الثانية وكانت عمليا آخر معارك الثورة في منطقة ام الفحم وهي “معركة الطفوف” التي اُستشهد فيها يوسف الحمدان كما سيأتي تفصيله لاحقا. كان العديد من قيادات الثورة قد التجأ الى سوريا ولبنان بعد استشهاد احمد الفارس, وكان القائد يوسف الحمدان احدهم , الا انه سرعان ما قرر العودة لمواصلة الثورة ضد الانكليز , وفعلا عاد يوسف الحمدان والقائد ابو بكر من قرية شعب ومحمود الديراوي من دير ابي ضعيف ومعهم قرابة 200 مقاتل ودخلوا فلسطين من جبال البصة شمال فلسطين :
“وصلنا قرية كوكب ابو الهيجا وحاصرنا الانجليز واختبأنا اكثر من يوم , تقسمنا الى مجموعات من 20-25مقاتلا واكرموا جانبنا , وكنت ضمن مجموعة اختبأت في احد الكهوف , وغطونا بالقش ورفث الحيوانات حتى يئس الانكليز واخلوا المنطقة ثم تفرق كل فصيل الى منطقته وقواعده .
عاد يوسف الحمدان الى الوطن في وقت حرج جدا للثورة, حيث انتقل زمام المبادرة من يد الثوار الى يد الانجليز واصبح من الصعب على الثوار ان يفرضوا المعركة وفق شروطهم , وبدأت القوات البريطانية ” عملية نزع سلاح عامة , بالتعاون مع العناصر المعادية للثورة استطاعت خلالها الاستيلاء على 2076 بندقية785 مسدسا, 235 بندقية صيد, كما استطاعت احتلال وتفتيش 758 قرية حتى تموز 1939. وادى الضغط المتزايد الى انهاك الثوار واهتزاز تنظيماتهم وخاصة بعد فقدان القيادة العسكرية والسياسية الفعالية القادرة على تحدي تفوق الخصم الساحق , فالقيادة العسكرية لم تعد موجودة في الداخل من الناحية الفعلية, وخاصة بعد استشهاد القائد العام للثورة عبد الرحيم حاج محمد في اذار 1939 , وقيام عارف عبدالرازق بتسليم نفسه للسطات الفرنسية على الحدود اللبنانية , ووجود عبد القادر الحسيني خارج البلاد منذ خريف عام 1938″. وبمجرد وصول يوسف الحمدان وفصيله الى منطقة ام الفحم قامت القوات الانكليزية ,قدر صبحي ياسين عددها ب5000 جندي بقيادة الجنرال “مورتون” القائد العسكري لمنطقة جنين (اسماه الفحماويون “مارتين”) بفرض طوق شامل على البلدة , بعد ان بلغها نبأ وصوله ومكان تواجده من احد رجاله , وفق ما ادعت وثيقة للهاغانا مؤرخة في17-12-1939, ويحدث الاهالي ان “مورتون” هذا كان “ظالما, مجرما ومتسلطا على المنطقة , يفعل ما يشاء بغير حساب”, وقد جمع اهل البلد عند منطقة الكينا- من احياء البلدة -واعتلى شجرة زيتون وجلس على فرع من فروعها وبدأ يخاطب الناس بعنجهية ووقاحة متناهية ويهز رجليه بغرور واستعلاء . واخذ يهاجم المخاتير والزعماء والوجهاء مخاطبا الاهالي بلهجته العربية قائلا :
“كان لرجل ما ولد مدلل كان يطعمه احسن الطعام ويلبسه احسن اللباس ولكن الولد عندما كبر اصبح يشتم اباه ونحن ايضا كان لنا ولد وكان مدللا واضاف : كان بامكاننا ان نقمع الثورة ولكننا امتنعنا عن ذلك , ولكن الان لن نسمح باستمرار هجمات الثوار” . وطالبهم بأقناع يوسف الحمدان تسليم نفسه للسلطات واعدا اياهم انه لن يمسه بسوء . ولكن يوسف الحمدان رفض تسليم نفسه , وانتشر الثوار في مناطق ام الفحم , ويحدث الثائر توفيق صالح اسماعيل جبارين – من قرية مشيرفة :
ويضيف الاهالي محدثين عن صدق جهاد القائد يوسف الحمدان , انه لما اشتد الطوق من حول الثوار ,حاول بعضهم اخذه واخبأءه في بيته الا انه رفض قائلا : انا عاهدت الله الا اخون او اهون او اتراجع .
“لقد ذهب بعض الرجال لفحص امكانية افلاتنا من الطوق , وبالقرب من “الست خيزران” طوقتنا النساء وارغمتنا على دخول احد البيوت, لقد شاهدت عشرات الجنود ينقضون نحونا , دخلنا خوابي القمح في بيت ابو مصطفى الدوبلي وهاجمت الفرقة البيوت تبحث عنا, كنتا نا والثائر الشيخ محمد (يوسف الكرم) وكان يحمل مصحفا صغيرا يقرأ فيه , والخابية مكان ضيق فأخذوا يدخلوا يديهم من الطاقات- النوافذ- الصغيرة وكنا في كل مرة نرفع ارجلنا الى اعلى حتى كادوا يمسكوا بنا في اكثر منمرة “.اقوال الثائر توفيق صالح. واستطاع الثوار بعد ذلك الانسحاب والوصول الى منطقة طفوف ابو عويمر – الشارع الرئيس امام موشاف ميعامي – والانجليز وراءهم على “الصواري” (الخيول)وحدثت المعركة ولكنها لم تدم طويلا .
وينقل الاستاذ تيسير خالد مؤلف كتاب “عرين الثوار”, عن السيدة عفيفة حمدان , شقيقة الثائر يوسف الحمدان ان اخاها واصحابه قاتلوا ببسالة وقاوموا قوات الاستعمار وقُتل وهو يقاتل ويقاوم لانه رأى الشهادة تزغرد كما حكى وكما صاح مخاطبا المقاتل الثائر ابو شتيوي – هو محمد اشتيوي من قبيلة بني سعيدان من عرب التركمان ,رفيق درب احمد الفارس – (المؤلف) حيث قال له :” فتحتا بواب الجنة يا اشتيوي ” . واستشهد البطل. هذا البطل الذي كتب عنه اكرم زعيتر قائلا انه :” المجاهد الشجاع يوسف الحمدان,” ومعه لفيف من اخوانه الابطال , عرفنا منهم :
–الفحماوي محمد الشيخ يوسف كرم محاميد .
– عبد الوهاب مصطفى عثمان جبارين (مشيرفة) قتل في منطقة بدرانة ,عين جرار.
– عبد الرؤوف ابو شرقية من قرية جت
– مسعود ابو رزق – جت
– محمد مصطفى قرمانو من سكنة ابو كبير – قرب يافا.
– عبد مصطفى قاسم من ربية.
– محمد الشامي- ثائر سوري عاش في ام الفحم واستشهد في اخر معاركها , ويذكر الاهالي انه القي القبض عليه حيا, بعد ان اصيب بجراح في المعركة , الا ان الانجليز قتلوه وهو مكبل في الطريق للاسر في جنين .
اضافة الى اخوانهم من المناضلين ابناء القبائل التركمانية, الشهداء :
– محمد اشتيوي , من قبيلة بني سعيدان التركمانية .
– القائد الشيخ ابراهيم شلهوب الحجات وهو من عرب العلاقمة من المنسي.
– القائد خالد ابو فواز كاتب الثورة , من عرب العلاقمة .
– الثائر احمد صالح المصطفى الجلجميني من عرب العلاقمة .
– القائد محمد ابو رميلة من عرب العلاقمة
– عبد الحميد قاسم الجندي من بني سعيدان.
“وقد تم قتل عدد من الجرحى اثناء نقلهم الى جنين, “فقد جروهم بجروح دامية وقتلوهم في القيادة الانجليزية في جنين”. ويقول بعض الاهالي ان طبيبا عربيا كان من بين الثوار ونجا من المعركة ولا يعرفون شيئا عنه سوى انه كان قصير القامة ولم ننجح في الاستدلال عليه من يكون ؟وبعد انتهاء المعركة انسحب الانجليز بعد ان احضروا جثث الثوار والقوا بها على بيادر الميدان . وحدثنا بعض الرواة ان جنود انجليز حملوا جثمان يوسف الحمدان من يديه ومن رجليه في حين كان ظهره يرتطم بالأرض , وقد تقاسمت الحمائل الفحماوية الجثث ودفنتها ووضعت النساء التشاكيل على الجنازات , فيما النساء اقمن “زفة” لشهيدين من رمانة في الجامع , حتى حضر اهلهما واخذوهما على الجمال . وحين انسحب الانجليز هاجمت النساء صفوفهم ببسالة بالحجارة والعصي , ثم اخذن يعفرن (ينثرن) السكن (الرماد) على رؤوس الانجليز , ولم يجرؤ احد من الرجال على منع النساء من ثورتهن العارمة واستماتتهن في ايذاء الانجليز . ” اقوال عفيفة الحمدان .واخذ الجنود الانجليز بالاعتداء على النساء بالكرابيج (السوط) اثناء عملية الانسحاب . يُذكر ان الانتداب الانجليزي اعلن عن مكافأة قيمتها500 جنيه استرليني لكل من يساعد في القبض على القائد يوسف الحمدان , بينما كانت المكافأة المعلنة على القائد يوسف ابو درة 250 جنيه استرليني .
وجاء في كتاب “العصابات العربية” لمؤلفه عزرا دانين ان المدعو “احمد ابو زيتون” من قادة الثوار في لواء طولكرم قرر ان يسلم نفسه للانتداب ويتعاون معهم ,واختار التعامل مع اليهود في حيفا ووهب نفسه في محاولة تسليم “صديقه وزميله” القائد يوسف الحمدان للقوات الانجليزية ,وقد كافأه الانجليز على ذلك بمبلغ من المال وان لم يكن كل قيمة المكافأة المعلنة 500 جنيه استرليني, لانها توزعت على الكثير من المتعاونين الذين تطوعوا على اخبار الانجليز موقع وتحركات يوسف الحمدان. ويضيف عزرا دانين في كتاب اخر له ان المخابرات الصهيونية – قبل قيام الدولة – ساعدت القوات الانكليزية على تصفية قيادات الثورة , ويؤكد ان ضابطا في شرطة “الخضيرة”- يدعى “بنحاس ميتال” هو الذي قاد القوات الانكليزية لمكان تواجد يوسف الحمدان بعد ان ساعدوه في ذلك بعض المتعاونين العرب . نُقل رفات الشهيد يوسف الحمدان الى قرية اللجون مع رفات الشهيد محمد الشامي ,فيما دُفن محمد اشتيوي في ام الفحم بجانب ضريح احمد الفارس تلبية لوصيته . وتروي عفيفة الحمدان وغيرها العديد من الاهالي ان عشرات الالاف من ابناء فلسطين هبوا للمسير في جنازة الشهيد البطل وتقول :
” كان الرجال يردحون بالحطات والعُقل , هذه اول مرة ارى فيه الرجال تبكي وتنوح وتردح , اول مرة ارى الرجال يغنون ويزغردون مع المآقي الملتهبة المتفجرة, وكانت (زينب الشيخ عبدالله) تحدو بالاشعار الثائرة والرجال والنساء يرددون, مئات الحلقات تنط (تقفز) وتلوح وتبكي , وكل مجموعة تأتي الى اللجون تبكي وتنعي آخر الثوار …مرج ابن عامر يضيق ببني البشر …” . هذا وفي حين يذكر بعض الاهالي ان هذه المعركة واستشهاد يوسف الحمدان حدثت في فصل الشتاء, الا ان الاستاذ اكرم زعيتر يقول في يومياته انه تلقى يوم 25-5-39 ” تفاصيل عن محاصرة جديدة لقرية ام الفحم من قبل القوات البريطانية واشتباك مع الثوار حين محاولتهم الانسحاب استشهد فيه المجاهد الشجاع يوسف الحمدان(من ام الفحم ومساعد القائد ابي درة) ولفيف من اخوانه الابطال : محمد يوسف كرم وغيره ” , ويختم زعيتر اقواله بالقول :
” ان الفلسطينيين قد يملون كل شيء الا الاستشهاد في سبيل الله“.
واذا ما صحت يوميات زعيتر فأن استشهاد يوسف الحمدان كان في النصف الثاني لشهر ايار 1939 والارجح انه في 24- 5- 1939 , كما كتب ذلك ايضا صبحي ياسين في كتابه “الثورة العربية الكبرى”, كما وان بعض المصادر العبرية تؤكد هذا التاريخ . فيما قال مصدر عبري اخر ان المعركة التي استشهد فيها الحمدان وصحبه حدثت في 17-12-1939 , وتؤكد صحيفة “دافار” هذا التاريخ , وليس في شهر-5-1939 كما ذكر سابقا .
فقد جاء في أحد تقارير الهاغانا والمؤرخ في 18-12-1939 الى أن القائد يوسف الحمدان قد استشهد في 17-12-1939مع أحد عشر مجاهدا كانوا معه في أم الفحم ، وجاء في التقرير :
” أمس كان يوم الثأر الأكبر ويوم الحساب العسير الذي أنهى درب الآلام وسفك الدماء ، حيث تم القضاء على يوسف الحمدان ومعظم معاونيه منذ فترة طويلة ، تنقل يوسف الحمدان من مكان الى آخر دون أن يجد الراحة لنفسه ورجاله ، توجه الى فخري عبد الهادي كي يتوسط بينه وبين حكومة الانتداب لتعيينه رئيسا لفصيل سلام ولكن هذا الأمر لم يتم ، كما أن دور آل مقبل الذين اعتمد عليهم يوسف الحمدان انتهى تقريبا في الآونة الأخيرة فلم يعد لهم أي تأثير ، جاء يوم السبت جالبا معه الخير كله إذ خرجت اعداد كبيرة من الجنود في سيارات عسكرية الى أم الفحم وعلى رأسها جاسوس ، حدث تبادل لاطلاق النار في القرية استشهد على إثره ستة من الثوار على الفور ، أما الستة الباقون فعلى ما يبدو جرحوا وأسرعوا الى ملاقاة إخوانهم في الجنة ( يبدو أنهم أعدموا ) ، هرب اثنان وقد تم الاستيلاء على ثلاث عشرة بندقية ومسدسين وقنبلتين”.
“بسقوط يوسف الحمدان, خسرنا الشاب الذي كان اول من استعمل السلاح الابيض ضد العدو“… اقوال الكاتب الفلسطيني صبحي ياسين .
هذا ولم تمض فترة طويلة على استشهاد يوسف الحمدان وصحبه الثوار حتى قام مناضل ,نصف معوق من قباطية بالانتقام من “مارتين” القائد الانجليزي الذي لاحق فصيل يوسف الحمدان , فقد ادعى ان يده مكسورة ووضع السلاح في داخل الجبس , ودخل الى مكتب مارتين(مورتون) في مقره بجنين واخبره ان معه رسالة , فما ان بدأب قراءتها حتى قام هذا المناضل باخراج سلاحه واطلاق النار عليه , فاصابه بجراح بالغة ,وهرب من المكان ولاحقته القوات الانجليزية واغتالته ليسقط شهيدا اخر من شهداء الثورة.
وعن شخصية يوسف الحمدان وفصيله ورد في تقرير استخباري صهيوني مفصل عنه (بعد استشهاده) بــ 19-8-1940 ما يلي:
” في الاربعين من عمره، كان يتحرك في اغلب الاحيان بين القرى في الليل ، يروي القرويون عنه انه كان مؤدبا جدا، وذا اخلاق حميدة ، ويعامل الفقراء معاملة جيدة ويعطف عليهم ، إنصبَّ جل اهتمامه في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني واليهود ،ولا توجد معلومات عن قيامه بتعذيب المعتقلين”.
أما عن مصادر تمويله ، فقد ورد في التقرير آنف الذكر ما يلي:
” يُروى انه لم يحصل من الخزينة المركزية( لقيادة الثورة في دمشق) على اي مبلغ من المال ، كان تابعا لمدة طويلة الى القائد يوسف ابو درة وباسمه أنشأ فصائل منظمة في قضائي جنين وطولكرم، لما هرب القائد يوسف ابو درة اعتمد يوسف الحمدان على الضرائب التي فرضه اعلى القرى … لأجل ذلك عين في كل قرية ممثلا عنه وظيفته تركيز الضريبة وجمعها من قمح وشعير وغيرها وبذلك أنشأ طريقة عصرية في جباية الضرائب، اذ ان قادة(العصابات) الاخرى اعتادوا اختلاس الاموال ورافقت ذلك بلبلة ، لم تواجه يوسف الحمدان أية مشاكل او صعوبات في جمع هذه الضرائب لأن ممثله في القرية كان يخبره على الفور باسم الممتنع الذي كان يعاقب امام الجمهور ، لم يجرؤ احد على الامتناع لان الجمهور كان يشارك في عقابه. عبر الاهالي عن تأييدهم ومحبتهم “لعصابة” الحمدان بواسطة الشعارات والصور ، لم يكن هناك من يجرؤ على اخبار الشرطة بأماكن تواجد افراد هذه العصابة لأن العقاب هو الاعدام بقرار حكم فوري . عادة كان يجمع المال نقدا بعد ان يقوم قائد الفصيل بزيارة القرية بنفسه. ولم تزد الضريبة على مئة جنيه فلسطيني وفي معظم الاحيان حتى خمسين جنيها فلسطينيا.
أما عن قيادة فصيل يوسف الحمدان فقد ورد في نفس التقرير ما يلي:
” ساد بين رجاله نظام عسكري بحت، كانت الطريقة تركية-المانية وفي الآونة الاخيرة انكليزية جراء هروب قسم ممن خدموا في الشرطة . “كان الانضباط شديدا بحيث كان اي اخلال بالاوامر يجر في اعقابه قرارا بالاعدام ..كان الهدف من ذلك منع الخوارج من اختراق العصابة ، كان الفصيل متماسكا ومتحدا الى حد المثالية ولكن اعتماد يوسف الحمدان كان في الحقيقة على عشرة من رجاله لا اكثر، ورغم ان حكم الاعدام كان مخيفا الا ان احد رجاله هو الذي خانه واخبر الشرطة عن مكان تواجده ، كانت الاوامر الصادرة عن قائد الفصيل غير قابلة للجدل ويجب ان تنفذ مهما كانت الظروف، كما كان باستطاعة هذا القائد ان يأمر حتى اولئك الذين لا ينتمون الى فصيله بتزويده بمعلومات ،وقد نجح بعض هؤلاء في اختراق الشرطة المركزية ، كان العرب يخبرون القائد بكل حركة مهما كانت ووفقا لذلك كان يُغيّر مواقعه ،ولذا من السهل ان نفهم فشل الشرطة في القاء القبض عليه”.
كان معظم سلاح فصيل يوسف الحمدان عبارة عن البارودة الالمانية والبارودة التركية وفي حالات نادرة لبارودة الانكليزية ، كانت حالة هذا السلاح سيئة للغاية اذ لم يكن هناك زيت خاص لمسح البارود او تنظيفه من الداخل، كان معظم هذا السلاح من مخلفات الحرب العالمية الاولى وخُزّن في مغاور مما ادى الى صدئه… في معظم الاحيان كانت البارودة تسمع صوتا او صدى وينفجر الرصاص بداخلها واحيانا كانت الباغة تخرج مفلوقة واحيانا لم يعمل الدفاش، نوع آخر من السلاح كان اللغم الذي هدد المستوطنات اليهودية وطرق المواصلات.
ترك الشهيد يوسف حمدان محاجنه في اللجون زوجة (خديجة صالح محاجنه) بدون ابناء ولكنه كان متزوجا من امرأة اخرى من الغبيات( شناره ابو رميلة) التي مرت تحت اللحد يوم جنازته لتعلن انها حامل منه كما كانت العادة وكانت عده محاولات للعثور على الابن , ولكن عندما علمت زوجته بهذه المحاولات تركت منطقه طولكرم الى الاردن, وادعى فيما بعد شخص من اربد يدعى “ابو شاهر” من عشيرة ابو رميلة انه ابن القائد يوسف حمدان ,وحضر لزيارة الاهل في ام الفحم , ولم يتم التأكد من صحة نسبه كما اعلن احد الفلسطينيين المغتربين انه حفيد يوسف الحمدان ويدعى محمد حمدان يوسف الحمدان , مقيم بالولايات المتحدة الامريكية.
ولادته ونشأته:
ولد المجاهد الشيخ يوسف سعيد جرادات، والمعروف أكثر باسم يوسف أبو درة في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين سنة 1900 وتلقى دراسته الأولية في مدرستها. اشتغل في الزراعة لبعض الوقت، ثم انتقل إلى مدينة حيفا حيث عمل في السكة الحديدية.
الانضمام للثورة:
كان الشيخ عز الدين القسام رحمه الله منارة علم وجهاد في حيفا، قل فيها من الناس من لا يعرفه، وقل من الناس من يأتي إلى حيفا ولا يتعرف عليه، ويتأثر به، وشهيدنا البطل قد تعرف على القسام رحمه الله، وسمع خطبه المنبرية الجهادية على منبر مسجد الاستقلال، وسمع دروسه في المسجد، فصار من تلامذته في العلم والجهاد، فانضم إلى حركة القسام الجهادية. واشترك معه في معركة أحراج يعبد، التي استشهد فيها القسام مع نفر من أصحابه (1935). وقد استطاع أبو درة أن يفلت من الطوق الذي ضربته القوات البريطانية حول الأحراج، بعدما رأى استحالة المقاومة واختفى عن الأعين بعض الوقت. وحين بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى (1936)،التحق أبو درة بها تحت قيادة الشيخ عطية أحمد عوض، قائد منطقة حنين فقام وأصحابه من المقاتلين في المنطقة الممتدة ما بين جنين وحيفا بمهاجمة المستعمرات والقلاع الصهيونية ونسف الجسور ونصب الكمائن للقوات البريطانية والصهيونية. ولقد لمع اسم المجاهد الشهيد أبو درة في فلسطين بشكل عام، وفي منطقة جنين بشكل خاص، إذ استطاع سنة 1937م أن يسيطر على قضاء جنين وما جاوره من قضاء الناصرة وعلى قرى جبل الكرمل.
وعندما استشهد الشيخ عطية في معركة اليامون في مارس 1938 تولى أبو درة قيادة المعركة التي حقق فيها الثوار الانتصار ثم أوكلت إليه قيادة المنطقة خلفا للشيخ عطية، وأصبح واحدا من الخمسة الذين يقودون الثورة في فلسطين. وشارك في الرد على بيان وزير المستعمرات البريطاني المتعلق بسياسة الحكومة البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد (1938). وقد جاء في ختام ذلك الرد بعد تفنيد البيان البريطاني:
“هذا وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة مستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة“.
- نشاطاته وعملياته:
نفذ أبو درة ومجموعته عدة عمليات فدائية نوعية كان أبرزها مهاجمة مستعمرة “كفار خاروشت” ليلاً في مطلع 1938 حيث هاجموا سيارة بوليس يهودي وقتلوا عدداً منهم، كما شارك في معركة اليامون الكبيرة والتي تم خلالها التصدي لهجوم يهودي على بلدة اليامون. وتنسب لمجموعة أبو درة القيام بأعمال مميزة من بينها استهداف المستوطنين الصهاينة بعمليات جريئة مثل أسر ثلاثة منهم ينتمون لمستوطنة (جفعات عيدا)، وتمت عملية الاختطاف على بعد نحو كيلو متر واحد عن تلك المستوطنة، واقتيد الثلاثة إلى مقر الشيخ أبو درة وعقدت لهم محكمة ثورية أصدرت بحقهم أحكاما بالإعدام، وتم تنفيذ هذه الأحكام. وكانت عملية الأسر هذه حافرا للثوار للقيام بأعمال مماثلة، ولكن من أهم ما قام به أبو درة ورجاله هو الهجوم على مستوطنة جفعات عيدا نفسها في 10/7/1938 والذي جاء، حتى من وجهة نظر مؤرخي الجيش الإسرائيلي، في إطار ردود الفعل الانتقامية على الأعمال الإرهابية التي نفذها عصابة ايتسل الصهيونية بوضع القنابل والمتفجرات في الأسواق والأحياء العربية مما أدى إلى سقوط المئات من المدنيين الفلسطينيين. وخطط أبو درة ورجاله للهجوم على تلك المستوطنة التي تقع على إحدى سلاسل جبال الكرمل واعتبرت عملية الهجوم على تلك المستوطنة وفق مؤرخي الجيش الإسرائيلي بأنها “من أجرأ العمليات التي نفذها رجال العصابات طوال فترة الأحداث”.
تقدم يوسف حمدان المساعد الأول لأبي درة نحو مائة من الثوار وهاجموا المستوطنة وفق خطة أعدت سلفا ومن أكثر من محور، وحقق الثوار منذ بداية الهجوم، انتصارا موضعيا، وشلوا عمل حراس المستوطنة، ووصلوا إلى داخلها، وقتلوا وجرحوا العديد من المستوطنين ولم ينسحبوا إلا بعد أن بدأت النجدات تصل للمستوطنين. وكانت عملية أبو درة في هذه المستوطنة فاتحة لعمليات جريئة أخرى للثوار في مستوطنات أخرى. وعاد أبو درة إلى أسر المستوطنين، وكان ذلك يثير الذعر في أوساطهم، وفي 16/7/1938 هاجم رجال أبو درة سجن عتليت، بقيادة سليم الصعبي من قرية عين غزال، وفي أثناء ذلك أسروا ستة من عائلة صهيونية، ولم تنجح العصابات الصهيونية أو المحتلون الإنجليز من تحرير الأسرى، وضرب أبو درة مثلا مهما في التفوق الأخلاقي فأطلق سراح ثلاثة من المخطوفين لأنهم أطفال وقدم الثلاثة الآخرين إلى محكمة ثورية قضت بإعدامهم وهو ما نفذه رجال أبو درة.
وفي 19 يوليو 1938 هاجم نحو مائتين من الثوار بقيادة الشيخ يوسف أبو درة سجن عتليت الواقع إلي الجنوب من مدينة حيفا لتحرير السجناء العرب. ابتدأت المعركة باحتلال منزل يبعد عن السجن 300 م من جهة الشمال بينما قام فصيل ثان من الثوار بإطلاق النار على مراكز حراس السجن فقتلوهم. وكمن فصيل ثالث للنجدات الانكليزية القادمة من حيفا، وفصيل رابع اشتبك مع النجدات الانكليزية القادمة من الجنوب وكان من قادة الفصائل ابو شحرور من عرب التركمان وصالح المدبوح من شفا عمرو واستمرت المعركة ثلاث ساعات انحسب بعدها الثوار الى جبل الكرمل بعد ان قتلوا عشرين انكليزي اضافة الى ضابط يهودي حاول الهرب من الثوار. اما خسائر الثورة فكانت شهيدا واحدا من قرية قباطية هو محمد قاسم الشواهين.
كما نفذت مجموعة الشيخ أبو درة في 24 آب/ أغسطس 1938، عملية اغتيال “موفي او موفات” مساعد حاكم لواء منطقة نابلس في جنين. ومما يجدر ذكره أن المستر موفات كان شديداً على أهل فلسطين متحمساً لتهويدها، شرساً في معاملة الأسرى والمساجين من المجاهدين، واستمر في سياسته الحاقدة ومعاملته السيئة على الرغم من الإنذار الذي وجه إليه، والتهديد الذي حذر به، وعلى الرغم مما حدث لعميلهم حليم بسطا الذي كان مساعداً لمدير الشرطة من قتله رمياً بالرصاص، وعلى الرغم مما حدث لحاكم لواء الجليل المسمى أندروز إذ قتله المجاهدون وحارسه الإنجليزي على مسافة أربعة أمتار فقط فخرا صريعين.
وبينما كان المدعو موفات حاكم جنين قد أحاط نفسه بمجموعات من البوليس والجنود يحرسونه، ويحمون مقره بعد أن تلقى إنذاراً من المجاهدين كان هذا نصه:
“من القائد الصغير يوسف أبو درة إلى مستر موفات.. إذا لم تحسن سلوكك مع الأهالي خلال ثمانية أيام فسأقتلك.”
ولكن المستر موفات ركب رأسه واستمر في سوءه، بل ازداد شراسة على أهل فلسطين، لأنه صليبي حاقد، اجتمع مع اليهود في كره المسلمين وعداوتهم، ولكنه نقل سكنه إلى معسكر الجيش البريطاني خارج جنين، واشتدت حراسته بالمصفحات، ولم يبق أي احتمال للاعتداء عليه. ولكن القائد المجاهد الكبير الذي أطلق على نفسه القائد الصغير الشهيد يوسف أبو درة كان صادقاً في وعيده، فبعد ثمانية أيام تماماً أرسل إليه اثنين من المجاهدين تسلق أحدهما أنابيب المياه حتى وصل الدور الذي به مكتب المستر موفات، فوجه إنذاراً إلى سكرتيره العربي رأفت الدرهلي، واجتاز غرفته إلى غرفة الحاكم البريطاني وأفرغ فيه رصاص مسدسين كانا معه، واستمر يطلق الرصاص دون أن يجفل أو يخاف، وعاد تاركاً المكان، بينما أخذ رفيقه يطلق الرصاص خارج البناء لتغطية الانسحاب، والحرس في ذهول وارتباك شديدين. جن جنون المندوب السامي، كيف يصرع المجاهدون أركان إدارته التهويدية في فلسطين، فأصدر أمره باعتقال عديد من العلماء والقضاة والأطباء والمحامين والمثقفين ونكلت السلطة بالشعب وزعمائه المجاهدين، فاعتقلت أعضاء اللجان، وعزلت رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وأبعدت إلى جريرة سيشل نفراً من المجاهدين.
كما هاجم الشيخ يوسف أبو درة ليلة 18 نوفمبر 1938 ومعه نحو مائتين من الثوار ثكنات الجيش الإنجليزي الموجودة في مدينة جنين وقتل عدداً من الجنود الإنجليز، وجاءت على أثر ذلك نجدات إنجليزية من مدينتي نابلس وحيفا تقدر بألفين وخمسمائة جندي واشتبكوا مع الثوار قرب قرية يعبد في معركة امتدت لتشمل منطقة واسعة، واشترك في المعركة طائرات إنجليزية كانت تلقي القنابل على الثوار، وخسر الإنجليز في هذه المعركة عدداً من الجنود فيما استشهد ستة من الثوار.
ومن كبريات المعارك التي خاضها معركة أم الزينات في 28/11/1938 في منطقة الكرمل. وقد كان عدد مقاتليه فيها بضع عشرات وعدد الجنود البريطانيين يتجاوز الألف تؤازرهم 13 طائرة حربية. وأسفرت المعركة عن استشهاد خمسة من الثوار ومقتل عشرات الجنود البريطانيين. وقد سرت شائعة إثرها عن استشهاد أبو درة، فأصدر بيانا وصف فيه المعركة وختمه بقوله:
“هذا وإني أعلن ألا صحة مطلقة للإشاعة القائلة أني، أنا يوسف سعيد أبو درة، قد أصبت بضرر ما، فأنا لا زلت بحمد الله أتمتع بالصحة والعافية، وأعاهد الله والرسول على مواصلة الكفاح إلى النهاية حتى تصل الأمة إلى ما تصبو إليه، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا”.
وكان أبو درة ورجاله وراء مئات العمليات الفدائية المتعددة، وكان رأسه مطلوبا لقوات الاحتلال البريطاني، التي جندت العملاء لرصد تحركاته وأرسلت له (المستعربين) لقتله، واستخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي للإشارة لوحداتها الخاصة التي تتوغل في المدن الفلسطينية وتلاحق المناضلين ورجالها متنكرين بملابس عربية. في واقعة وصفها الأستاذ أكرم زعيتر، في يومياته، بالطريفة ومنها عرفنا عن (المستعربين) الإنجليز، يقول زعيتر نقلا عن تقرير رفعه أبو درة أنه في يوم 22/12/1938م كان “القائد الشيخ يوسف سعيد أبو درة وفريق من رجاله في قرية السيلة الحارثية وعددهم 16، إذا بالحرس يشاهدون عددا من الرجال آتين من جهة الطريق العام نحو القرية لابسين العباءات والعقل أي لباس الثوار. ولما اقتربوا صاح بهم أحد المجاهدين “كلمة السر؟” فأجابوه “رهمان” وكانت “رحمان” كلمة السر فأدرك المجاهد هويتهم! وكان اشتباك في معركة توالت في أثنائها النجدات للجنود من جهات أم الفحم ورمانة واليامون، وأسفرت المعركة عن عدة قتلى من الجنود واستشهاد مجاهد. ثم انسحب المجاهدون من القرية، وفي الصباح فتش الجند قرية السيلة بأسلوبهم الوحشي وفرضوا عليها غرامة مالية”.
قرار المقاومة بلبس الكوفية والعقال:
في عمليات المقاومة الفلسطينية والعمليات البطولية الفدائية الجريئة التي كان ينفذها المقاومون الفلسطينيون وكثيرا منهم ينتمون إلى أصول ريفيه أو في الريف قرويون محاربون شجعان ، كان زيهم الشعبي الفلسطيني في لباس الرأس ، الكوفية والعقال ، ولما يتم تنفيذ إي عملية قتاليه في مناطق الانكليز والصهاينة ينسحب الثائر القروي الفلسطيني ويختفي وهو يلبس الكوفية والعقال ، فيأتي وعلى الفور جلاوزة الانكليز وجندهم ومخابراتهم وترى من يلبس هذا الزى الشعبي القروي من بين الناس فتقوم باعتقالهم والتحقيق معهم وتعذيبهم بسبب زيهم القروي المميز .. على أساس أنهم من الثوار وأنهم من قاد عمليات جهادية . ! ؟ تذمر رجال المقاومة من هذه الثغرة في صفوفهم التي عرفها الانكليز ذهبوا إلى قائد الثورة الفلسطينية في بعض مراحلها يوسف سعيد أبو دره وشكوا له من هذا الأمر حتى يتصرف ويجعل لهم حلاً مناسباً سريعاً ، ولم يجد بد ولا مناص في الحالة المحرجة هذه من أن يصدر أمره الصارم العام بتعميم وجود ولبس هذا الزى على كل من يقيم أو يزور أو يسير في ارض فلسطين العربية من شمالها إلى جنوبها اجل لقد أمر القائد يوسف أبو دره بوجوب لبس الكوفية والعقال من قبل كل الناس والمجتمع ، فتم إصدار الأمر بتاريخ 27 / 8 / 1938 م بإلزام الجميع بلبس هذا الزى وإلا لقي العقاب الصارم من يجدوه يخالف هذا الأمر وهذا الزى. استجاب أبناء فلسطين فلبسوا الكوفية والعقال على رؤوسهم ، وحتى أبناء العاصمة القدس ومدن فلسطين وكل القرى والأرياف ، كلهم استجابوا لهذا الأمر بوجوب لبس هذا الزى لتفويت الفرصة على الجيش البريطاني والقيام بعمليات قتالية دون أن يعرف الانكليز من الفاعل وحتى بعض الأجانب والصحفيين الأجانب وبعض البريطانيين والسواح وبعض السياسيين الصهاينة .. لبسوه أما خوفاً وأما افتخاراً وأما تزلفاً.
بعد انتهاء الثورة انسحب أبو درة إلى دمشق وعاد إلى الأردن، فاعتقله الأردنيون وكان ذلك يوم 25/7/1939م وحسب بلاغ الحكومة الأردنية آنذاك “إن دورية من الجيش العربي كانت تحرس الأنابيب بسبب عطل طرا عليها منذ أسبوع، فقبضت على ثلاثة أشخاص اشتبه بهم، وقد تبين من التحقيق معهم أن أحدهم، يوسف أبو درة، من فلسطين والحكومة تتدبر أمر إقامتهم إقامة جبرية في الكرك”.
وسلمه قائد الجيش غلوب باشا، للمحتلين البريطانيين، المسؤولين عن كثير من شرور هذا العالم، حسب تعبير الدكتور زياد منى، وأعدموا أبا درة في القدس يوم 30/9/1939.
تأملات شعرية:
وفي أثناء تنقيب الشاعر الراحل توفيق زياد في آثار شاعر تلك الثورة نوح إبراهيم عثر على موال عن أبو درة نشره في مجلة الجديد الحيفاوية (العددان:11،12 لعام 1970). ويشير توفيق زياد إلى أن أبو درة هو احد القواد الشعبيين لتلك الثورة والذي “تطور من ثائر عادي إلى قائد فصيل، حتى أصبح اشد أولئك القواد سطوة في المنطقة الشمالية من البلاد”.
وينوه زياد، وأنا اتفق معه إلى أن أبو درة وغيره من قادة الميدان “كانوا في نهاية الأمر، خاضعين للقيادة السياسية الفاشلة لتلك الثورة” تقول كلمات الموال الذي كتبه نوح إبراهيم:
فلسطين لا تفزعي، نجمك في السما درة
حولك فوارس يوم المواقع درة
ما يهابوا الموت ولو ما بقي ذرة
ثوار حايزين النصر صيتهم بالدنيا لمع
يهاجموا الأعداء وسيوفهم تضوي لمع
إسلام ونصارى نجمهم بالسماء لمع
يا رب نصرك ما دام رئيسهم أبو درة”.
ولادته و نشأته:
هو واحد من قادة الثورة الفلسطينية الكبرى (ثورة 1936 – 1939) ودعاتها، ومشارك في كل الثورات السابقة منذ 1921. ولد سنة 1894 في قرية طيبة بني صعب قضاء طولكرم وينتمي الى حمولة عبد القادر من المقدادية، تلقى تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه، وتعليمه الثانوي في مدينة طولكرم. في مطلع شبابه، شارك في هبة الشيخ شاكر أبو كشك ضد المستعمرات اليهودية في منطقة الساحل. وقد ورد في تقرير للوكالة اليهودية أنّه في 3 أيار/مايو 1921 م، اشترك عارف عبد الرازق في الهجوم على بتاح تكفا ووقف على رأس خمسين رجلاً، وكان يلبس لباس الكشافة مسلحًا ببندقية ومسدس ومنظار. شارك في هذا الهجوم أيضًا الآلاف من الشبان والرجال العرب الذين جاءوا من قلقيلية والطيرة والطيبة وطولكرم وغيرها، وكان منهم الشيخ نجيب عبد المنان من الطيرة الذي سقط عن جواده وأصيب بسكتةٍ قلبيةٍ ومات إثرها. وقد فشل الهجوم العربي جرّاء تدخل الجيش البريطاني، الذي كان أغلب جنوده من الهنود، وألقى الإنجليز القبض على الشيخ شاكر أبو كشك، وحاكموه لاحقًا، وحكموا عليه بالسجن وبدفع غرامة باهظة، وقد سقط في هذه الهبّة من الجانب العربي قرابة الثلاثين شهيدًا.
في سنة 1933انضم عارف عبد الرازق إلى منظمة «مؤتمر الشباب » بزعامة يعقوب الغصين، وكان رئيسًا لفرع هذه المنظمة في منطقة الطيبة. اعتُقل عدة مرات قبل نشوب الثورة جرّاء نشاطه السياسي في صفوف أنصار المفتي، الحاج أمين الحسيني، ثم تفرغ للعمل في الحقل الاجتماعي. عند نشوب الثورة في شهر أيار/مايو 1936 م، شَكَّلَ عارف عبد الرازق فصيلاً من المجاهدين، وراح يهاجم الجيش والمستعمرات اليهودية وينسف الجسور والقطارات، ثم شارك مع فصيله في معركة نور شمس التي وقعت في 21 حزيران/يونيو 1936 م؛ وشارك في معركة بلعا الأولى التي وقعت في 10 آب/أغسطس 1936 م.
تولى قيادة الثورة في المنطقة الوسطى من فلسطين، فاستبسل في القتال ضد العدوين: البريطاني والصهيوني، وكانت بإمرته عدة فصائل من المجاهدين من قرى الطيبة، والطيرة، وقلنسوة، وكفر عابود، وكفر صور، وخربة عزون. وبرئاسة حمد زواتا وفارس العزوني ومحمد عمر النوباني وآخرين. كما أن منطقته هي التي كانت تمد، بالسلاح والمجاهدين، منطقة الساحل بقيادة حسن سلامة، ومنطقة القدس بقيادة عبد القادر الحسيني.
قاد عارف عبد الرازق حملات كثيرة على المستعمرات الصهيونية وعلى محطة رأس العين وهاجم مراكز الشرطة وقوات الانتداب واشتبك معها في معارك عتيقة، وقد رصدت حكومة الانتداب مكافأة لمن يلقي القبض عليه. وفي 20 تشرين الأول/أكتوبر 1937 نشرت جريدة فلسطين خبراً من الطيبة أرسله مراسلها الخاص، يفيد بوصول بعض جباة المال من موظفي الحكومة بطولكرم إلى القرية ومعهم نفر من البوليس، وأنّهم أخذوا يطوفون على السكان لجمع 150 جنيهًا، وهي مبلغ الغرامة التي فرضتها السلطة على البلدة بسبب عدم قيامها بتسليم السيد عارف عبد الرازق ورفاقه، ويقول المراسل بأنّهم لقوا صعوبة كبيرة في جمعها لسوء الحالة الاقتصادية، فأنذروا كل من يتخلف عن الدفع بحجز أملاكه.
وقد أوردت صحيفة فلسطين في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1937 م خبراً مفاده أن قوة من الجند في السيارات العسكريّة ذهبت في الصباح الباكر إلى قرية الطيبة، ومعها المستر فوت حاكم لواء نابلس، وهناك طوقت هذه القوة القرية وشرعت في تفتيش البيوت تفتيشًا دقيقًا.
وفي 2/ 11 / 1937 م، نشرت صحيفة فلسطين خبرًا جاء فيه: «زادت قيادة الشرطة عدد أفراد الشرطة الإضافية في الطيبة من 15 شرطيًا إلى 25 شرطيًا، وفرضت على السكان دفع معاشاتهم ومقدارها ثمانية جنيهات للشرطي وعشرة جنيهات للعريف الذي يرأسهم، وفرضت أيضًا على القرية دفع مبلغ 250 جنيهًا ثمن 25 بندقية للشرطة، ودفع أجرة البيت الذي احتلته الشرطة وهو بيت علي القاسم.
من الثابت تاريخيًا أنه فُرِضَت على الطيبة غرامة أكثر من مرة بسبب عارف عبد الرازق ونشاطه المسلح، فقد نشرت صحيفة فلسطين بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1937 م خبراً مفاده أن الحكومة قررت، بعد أن هاجم
عارف قوة من البوليس الإضافي في الطيبة، اتخاذ التدابير التالية:
نسف دار عارف عبد الرازق
فرض غرامة جماعية كبيرة على القريةوتعزيز الشرطة الإضافية بزيادة عددها.
وفعلاً، نُسِفَت دار عارف في 24 كانون الأول/ديسمبر 1937م، وفُرِضَت على الطيبة غرامة مقدارها 1500 جنيه، فرفض السكان دفعها، وسلَّموا المخاتير مفاتيح بيوتهم وتركوا البلدة عشرة أيام، وعندها اضطرت السلطات إلى إلغاء هذه الغرامة. أهلته شخصيته لتولي مهمة إصدار الأوامر، باسم الثورة الفلسطينية، بإعدام الأشخاص الذين تثبت خياناتهم للثورة، وكان يوقع بياناته وأوامر باسم “المتوكل على الله – عارف عبد الرازق”، و يمهرها بختم “القيادة العامة لجيش الثورة في سورية الجنوبية”. وهو أيضاً من قادة الثورة الذين وقعوا على بيان، أكدوا فيه، إن الثورة ستضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إلقاء الرعب والقلق في نفوس الناس، أو سلبهم أموالهم، أو محاولة الانتقام والكيد الشخصي للإيقاع بهم.
في سنة 1938 م، أصبح عارف عبد الرازق قائدًا لعدد كبير من الفصائل الثورية المسلّحة، إذ امتد نشاطه ليشمل ناحية بني صعب والسهل الساحلي وقسم من ناحية الشعراوية وقضاء يافا واللد والرملة، ووصلت الفصائل التي كانت تنشط تحت إمرته مشارف القدس جنوبًا. وكانت العلاقة خلال هذه المرحلة من الثورة بين القائدين عارف عبد الرازق وعبد الرحيم الحاج محمد مبنيّة على التنافس، إذ تمركز عارف في منطقة بني صعب، بينما تمركز عبد الرحيم في منطقة وادي الشعير، ففي تقرير لجاسوس عربي مُؤرّخ في 21 آذار/مارس 1938 م كتبه لصالح استخبارات الوكالة اليهودية، ومحفوظ في الأرشيف الصهيوني المركزي، ورد قوله: «إن العلاقات بين عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق ليست جيدة. أما السبب في ذلك فيعود إلى الكراهية القديمة القائمة بين منطقة الشعراوية وادي الشعير ومنطقة بني صعب التي منها عارف، وحسب ذلك فقد قسَّموا مناطق النفوذ، فليس يدخل هؤلاء إلى منطقة هؤلاء، خوفًا من الوشايات والتسليم، ويحافظ كل طرف على البقاء في منطقته، وقد حاول رجال طولكرم التوسط بين الاثنين ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. وفي تقرير آخر مُؤرّخ في 23 تمّوز/يوليو 1938 ورد فيه أنّ وضع القائد عبد الرحيم الحاج محمد قوي وثابت، وأنَّ عارف عبدالرازق يُجهد نفسه في المقابل لكي «يحصل على تخويل من خارج البلاد بأن يكون القائد العام للثورة. ويقول كاتب التقرير إنّ «رجال البلاد لا يميلون إلى تحقيق رغبته هذه.
في 13-14 أيلول 1938 كان عارف من الذين حضروا مؤتمر دير غسانة الكبير لقادة الثورة، ، مع عبد الرحيم الحاج محمد وحسن سلامة ومحمد صالح الحمد وغيرهم، وقد التحق به فريد يعيش، إثر تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت، مستشاراً له وأوكل إليه أمانة سر القيادة. وذلك لرأْب الصدع بين قادة الفصائل الكبار، ولتجميع الصفوف، وللبت في مسألة القائد العام، يقول د. نمر سرحان ود. مصطفى كبها في كتابهما «عبد الرحيم الحاج محمد » استنادًا إلى تقرير كتبه يهودي حضر الاجتماع متنكرًا بصفة ثائر: «يتّضح بأنه في اجتماع كبار القادة الذي عقد في بيت عمر الصالح البرغوثي، تم تثبيت التعيين الذي حصل عليه عبد الرحيم الحاج محمد كقائد عام للثورة في فلسطين في مطلع عام 1938 م أثناء وجوده في دمشق، على أن يكون هناك مجلس قيادي يتولى رئاسته أحد أعضائه بشكل دوري. و قد شَكَّلَ قادة الفصائل المذكورين أعضاءَ هذا المجلس، وانضم إليهم فيما بعد القائد عبد الفتاح محمد مسئولاً عن الجباية والتموين. لم ينجح اجتماع دير غسّانة في تحقيق أهدافه فقد هاجمت القوات البريطانية المجتمعين، فانفضّ الاجتماع دون إصدار بيان رسمي، فعاد الوضع بعد الاجتماع إلى ما كان عليه من قبل، بحيث تمترس كل قائد في منطقة نفوذه، ولم يجرِ توحيد للفصائل المجاهدة تحت قيادة موحّدة، ولم ينشأ بين القادة تعاون أو تنسيق.
وفي 19/11/1938 نشر، باسم ديوان الثورة في سورية الجنوبية، تعليقات إلى رؤساء الفصائل يحظر فيها على أي رئيس فصيل أو مجاهد أن يقبل النظر في الدعاوى أو الخلافات، قائلاً: إن “واجبكم هو عسكري فقط، وهو جهاد في سبيل الله ورسوله وفي سبيل القضية الوطنية”، وحظر فرض الغرامات، وأنذر من يخرج على هذا. وكان أحد الموقعين على بيان قادة الثورة في 3/12/1938 رداً على بيان وزير المستعمرات البريطاني حول سياسة الحكومة البريطانية في البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد، وجاء فيه بعد سوق الحجج والبراهين على سوء نية بريطانية:
“لهذا كله لا يرى ديوان الثورة العربية في أقوال الحكومة البريطانية وتصاريح وزيرها بارقة تدل على حسن نيتها في تحقيق مطالب العرب وميثاقهم القومي. هذا وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة، ومستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة”.
كان القائد عارف عبد الرازق يُلقِّبُ نفسه بالمتوكل على الله ويُوقِّع بياناته باسم القائد العام لجيش الثورة في سورية الجنوبية، أي فلسطين، والقائد العام للثورة العربية الكبرى في سورية الجنوبية. وهو القائد الوحيد الذي أصدر منشورات باللغة الإنكليزية، كان أحدها مُوجّهًا إلى الجنود البريطانيين في فلسطين، وأصدر منشورًا آخر باللغة العبرية مُوجّهًا إلى اليهود داخل فلسطين وخارجها، وقد نشرته صحيفة كول هعام في نشرتها . وكانت هذه المناشير تُطبعُ على الآلة الكاتبة، وقد لاقت رواجًا وانتشرت انتشارًا كبيرًا. ودأب عارف عبد الرازق على نشر تعاليمه إلى قادة الفصائل والمجاهدين بواسطة مناشير مطبوعة. نَفَّذَ عارف وفصائله عمليات جريئة وكثيرة ضد الجيش الإنكليزي والبوليس وأعوانهما ذكرها جميعها ابنه فيصل في كتابه «أمجاد ثورية فلسطينية ». في الحقيقة فقد كان عارف شخصية مركزية في الثورة، وهو يستحق دراسة خاصة، فالأبحاث التي تطرقت إلى سيرته شوّهت صورته وألصقت به شتّى التّهم، منها أنه كان من أصحاب السوابق والجنايات، وأنه استغلّ منصبه لجمع الأموال. وهذه التهم بلا شك ملفّقة، وخير دليل على ذلك ما كتبه تسفي البيلغ في كتابه الثورة العربية الفلسطينية كان «أبو فيصل » بعيدًا عن التواضع الذي تحلّى به أبو كمال عبد الرحيم الحاج محمد، وأحبّ أن يتزيّن بألقاب رفيعة، وحتى بزيّ ضابط من الجيش البريطاني، ولكن من خلال ما يتضح من شهادات أبناء قريته، فقد كان ذا دوافع وطنية، فهو ابنٌ لعائلةٍ رفيعة النسب في منطقة بني صعب، جنوبي طولكرم. وكان أخوه الأكبر محمد أولَ من تلقّى ثقافة أكاديمية في الجامعة في بيروت من بين أبناء بلده، بينما كان هو نفسه وكذلك إخوته التسعة الآخرون قد تلقوا تعليمًا ثانويًا أو ثانويًا زراعيًا…. وقد رأى فيه أبناء بلده مناضلاً وطنيًا، وظلّ ركام منزله الواقع في مركز قريته، والذي هدمته السلطات البريطانية، في مكانه دون أن يُمسّ، وظلّ الناس لأعوام طويلة بعد أن خمدت الثورة يشيرون إليه باعتزاز. هذا ومن الجدير بالذكر أن تسفي البيلغ طلب من رئيس قسم التسجيل الجنائي القيام بفحص ماضي كل من: عارف عبد الرازق، عبد الرحيم الحاج محمد، وعبد القادر الحسيني، فأعلمه خطيًا بأنه بعد فحص الملفات تبين أنهم غير واردين في ملفات قسم التحقيق الجنائي، مما يُثبت على حدّ قول تسفي البيلغ بأن نواة الثورة قد تكونت من رجال كانت دوافعهم الوطنية لا يتطرق إليها الشك.
أمّا القبض على عارف فقد فشلت السلطة فيه، لأنّه كان عادةً ما يلبس ملابس امرأة محجبة فيتملص من الطوق. فقد توجه متسللاً إلى سورية وسلم نفسه للسلطات الفرنسية التي لم تعترف به لاجئاً سياسياً بل أبعدته إلى تدمر الصحراء السورية ثم لم تلبث تتفاوض مع البريطانيين لتسلمه إليهم وقد بلغته أخبار تلك المفاوضات واستطاع أن يهرب إلى العراق، الذي أنزلته حكومتها في ضيافتها، إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني فشارك فيها ولما هزم العراق ودخل البريطانيون بغداد فر إلى إيران ثم إلى تركيا ومنها وصل إلى ألمانيا حيث أقام فيها مدة، انتقل بعدها للاستقرار في صوفيا عاصمة بلغاريا حيث توفي فيها سنة 1944 غربياً مريضاً ودون أن يشعر أحد ولم يعلم أبناء وطنه بوفاته إلا بعد انتهاء الحرب. وقد أقام له أهل فلسطين مأتماً عظيماً في طولكرم شاركت فيه وفود من جميع أنحاء البلاد.
نشأته:
ولد القائد المجاهد إبراهيم الشيخ محمد الحاج نصار في بلدة عنبتا الواقعة في منتصف وادي الشعير إلى الشرق من طولكرم سنة 1895م، تلقى تعليمه الأساسي في عنبتا والثانوي في الكلية الإسلامية ببيروت حتى تخرج منها في العام 1912، أرسله والده الشيخ محمد للدراسة في الأزهر الشريف في القاهرة (1912 – 1914), كان أحد ضباط الجيش العثماني 1914، فالثورة العربية الكبرى حيث التحق إبراهيم نصار في الثورة العربية الكبرى، ملبيا دعوة الشريف حسين بن علي لأحرار العرب بالثورة على الحكم العثماني في حزيران عام 1916 ويلاحظ من خلال الوثائق المتوفرة والموجودة أن هناك إشارات وتعليمات عسكرية وكان بموقع المسؤولية فيها 1916م.
أعماله ونشاطاته:
بعد انتهاء أحداث الحرب العالمية الأولى عاد إلى بلده وخدم في دائرة المعارف في فلسطين في الفترة الممتدة من 16/9/1922ـ 9/9/1932م عمل معلما ومديراً لمدرسة حطين لواء الجليل ثم مدرسة الخالصة قضاء صفد ثم مدرسة عين ماهل قضاء الناصرة وبعد ذلك ترك إبراهيم الوظيفة في ظل الانتداب البريطاني إبان ثورة صفد سنة 1932م واستقال من التعليم بسبب سياسات دولة الاحتلال البريطاني تجاه التعليم وسيطرة دائرة المعارف على قطاع التعليم والتحكم بسياساته، وقد اضطر لبيع معظم أرضه التي ورثها عن والده غرب طولكرم داخل الخط الاخضر. انضم إبراهيم نصار لمؤتمر الشباب العربي وشارك في المظاهرات والمسيرات والأنشطة الشبابية، وكان له اهتمام بقطاع التعليم، وقد ألقى فيه ورقة عن أوضاع التعليم وقارنها باليهود. عرف إبراهيم نصار بنشاطه الثقافي ولم يقتصر على التعليم فقد اهتم بقراءة الصحف المتنوعة، وكذلك نشاطات الجمعيات الخيرية والنقابات العمالية. حيث وجهت له الدعوات من الصحف المحلية في فلسطين للمشاركة بالكتابة فيها ومن هذه الصحف جريدة الاتحاد. كذلك وجهت له الدعوات من جمعية العمال العرب. كذلك كان يكتب في جريدة الزمر والاقدام وغيرها من الصحف في فلسطين حيث أن له عددا من القصائد في جريدة الزمر المشهورة والتي تأسست عم 1921 من قبل الشيخ خليل زقوت والملقب خليل الصغير. كذلك لا يخلو جهده ونشاطه من العمل الدؤوب والمتواصل لفتح المدارس في بلدة عنبتا حيث وجه الرسائل لإدارة المعارف عام 1932م كما إن مواقفه وآرائه كان يعتز بها.
وقد انضم إبراهيم نصار لمؤتمر الشباب ويظهر أنه كان مسؤولا لمكتب اللجنة التنفيذية فيه، وقد قدم ورقة في أحد مؤتمراته شرح فيها أحوال التعليم وسوء إدارة المعارف البريطانية التي أهملت التعليم عن قصد وعدم اهتمام العرب الاهتمام الكافي بالتعليم ووصف حكومة بريطانيا بأنها تمارس التسويف والتخدير وقد كذب حكومة الانتداب التي تدعي أنها جاءت لتهذب الفلسطينيين وتعلمهم وقد استعرض في إحصاءات وقارن بين التعليم عند المستعمرين الصهاينة وأبناء البلاد وهو الذي يكذب ادعاء الإنجليز وحرصهم على التعليم واستعرض أوضاع التعليم من حيث عدد الطلبة ومناهج التعليم عند العرب واليهود والحصص المخصصة للدين الإسلامي وجميع مظاهر التمييز الواضح والفاضح ووصل إلى نتيجة أن الحكومة تقصد التجهيل ومسخ العلم واستشهد بمقولة سمبسون الذي بين أن المستعمرات بمساعدة بريطانيا والوكالة اليهودية كانت أوفر حظا وأن العرب يوجسون خيفة من التأخر الاجتماعي.
- الانضمام للثورة الفلسطينية:
التحق إبراهيم نصار بالثورة الفلسطينية وكان مؤيدا للمفتي محمد أمين الحسيني وقد سمى ابنه بهذا الاسم وكان واحدا من أعضاء اللجنة المالية للثورة والذين اعتمدهم المجاهد فوزي القاوقجي بعد وصوله إلى فلسطين وكان عددهم 7 أشخاص بما فيهم إبراهيم نصار وهذه اللجنة هي المؤهلة فقط بجمع الإعانات المالية أو من يتم تفويضهم خطيا، وهؤلاء هم : فخر الدين عبد الهادي وعبد الرحيم الحاج محمد وإبراهيم الحاج نصار، وعارف عبد الرازق وفرحان السعدي، وخالد القنواتي توفيق الصالح الحاج محمد، وهذ ما جاء في البيان الصادر عن الثورة العربية لسوريا الجنوبية والموقع من القائد العام للثورة فوزي القاوقجي وكان هذا البيان صادرا بتاريخ 4/9/1936م بعد معركة بلعا الثانية مباشرة والتي حدثت في 2/9/1936م والتي كان الثوار قد ألحقوا بالإنجليز خسائر فادحة ويتضح أن البيان جاء من قادة الثورة الفعليين عام 36 والذين أعطوا القيادة للقائد فوزي القاوقجي.
معركة نور شمس:
وكان من جليل أعماله وفعاله دوره القيادي في معركة نور شمس في 21/06/1936. حيث نظمها السيد إبراهيم نصار أفضل تنظيم وكان قائدها، وقد اعترض سير قوافل الجيش البريطاني حينما أتى الجيش من حيفا متحمساً، فكانت معركة عظيمة بدأت في النهار وامتدت إلى الليل ودامت نحو تسع ساعات وقد امتدت نحو عشر كيلومترات شرقاً، وقد اشتركت فيها الطائرات البريطانية التي أسقطت إحداها وقد خسر فيها الجيش البريطاني عدداً كبيراً من الجنود ولم يستشهد فيها إلا اثنين من المجاهدين وجرح منهم بضعة أشخاص، فكان لهذه المعركة أثر في نظر الجيش والحكومة البريطانية. ولاحقته طائرة إنجليزية واتجه صوب كفر اللد ولاذ باتجاه جدار عالي ونزل عن فرسه وراحت الطائرة تحوم في نفس المكان دون نتيجة . وفيها حذرته امرأة من الاقتراب من البيت ورفعت صوتها خوفا من هدم الدار من قبل المحتل البريطاني، فخرج لها شخص آخر، وقال هذا أبو عادل إبراهيم نصار قالت “شو بدها تجبلنا الثورة” وأسكتها الرجل. وقد تعرض ذات مرة للحصار في كفر رمان القريبة من بلدة عنبتا وكانت معه مجموعة من الثوار واستعان فيها بامرأة تدعى سعيدة وكانت بمثابة الأخت لإبراهيم نصار وعندما شعر بالطوق والحصار سلمها السلاح والذخيرة والفرس وقال لها: دبريهن. قام الإنجليز بجمع الناس، وحفر الإنجليز للبيت الذي توجد فيه هذه المرأة وكانت فرسه مربوطة ولكنها نّزلت الخرج وما عليها من رشمات. قال الإنجليز هذه فرس القائد ردت المرأة هذه لنا. قام الإنجليز بحلها من رباطها ومشت الفرس تتبختر ولكزها، وهي تنكر أنها فرس القائد وفي المكان الذي جمعوا فيه أحضروا طفلا ووضعوه إمام القائد وكان البوليس العربي يشير لإبراهيم نصار أن ينزل الحطة الكوفية عن عينيه، وقام البوليس واتكأ على رأسه ونزل العقال والحطة على عينه وكانت مجازفة من البوليس العربي حتى لا يعرفوه.
يقول المؤلف إحسان النمر في كتابه تاريخ جبال نابلس والبلقاء:
حدثني السيد المجاهد إبراهيم النصار قائد هذه المعركة فقال: “وردتني كمية من الفشك وبطاقة من سليمان بك طوقان يذكر فيها أن فرقة من الجنود الإنجليز البحارة ستمر آتية من حيفا إلى نابلس فرابطت لها، بدأت المعركة بعشرة أشخاص الساعة الواحدة بعد الظهر وتوالت علي النجدات وقد جعلت بين كل واحد وآخر عشرة أمتار وبعد إقامة السدود وصل الجيش فأطلقنا عليه نيران بنادقنا وهم يجيبون، وقد استمر امتداد السدود والمرابطين إلى مسافة عشرة كيلو مترات، وقد دامت المعركة تسع ساعات وقد بلغ عددنا المئات وتكبد الجيش البريطاني خسائر منها طائرة أسقطناها، ولم نخسر سوى شهيدين وبضعة جرحى”.
تولى إبراهيم نصار شراء السلاح من قرية طمون وغيرها لصالح الثورة، وكان يشتري السلاح من أبو جلدة حيث كانت صلة الوصل بينه وبين أبي جلدة ابن عم أبي جلدة كما روى ذلك. وفي رواية حضر عبد الرحيم محمود ليستطلع أحداث معركة حدثت في صيف عام 1936م (في بداية الثورة حيث أن الشهيد عبد الرحيم محمود لم يكن وقتها قد التحق بالثورة) التي قام بها الثوار بقيادة إبراهيم نصار أبي عادل، وكان يقترب من منطقة الخطر غير هياب وكان عبد الرحيم محمود ذو شجاعة وهو القائل الذي قال وصدق فيما قال:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
ولكن القائد ابن خاله طلب منه العودة والابتعاد عن منطقة الخطر حرصا عليه والجدير بالذكر أن الشهيد عبد الرحيم محمود تزوج من ابنة ابن خاله إبراهيم الحاج نصار، وكانت علاقة إبراهيم الحاج نصار بالشهيد عبد الرحيم محمود قوية من جهة القرابة ومن جهة الفكر الثوري والنضالي. التحق بفصيل إبراهيم نصار كل من عبد الرحيم حجازي (أبو حجاز) ومعه عبد الجبار أبو عليا، ويوسف الحاج نصار ومحمد إبراهيم أبو عسل والأخوين أحمد عبدالله قبج ومصطفى عبدالله قبج، ورشيد سعادة وحسين حجاز وأحمد الحاج عبد الرحمن وعطية السبوبة وغيرهم الكثير من أبناء عنبتا. كان إبراهيم أحد الثوار والقادة البارزين في الثورة الأولى والتي امتدت من بدايات 1936 حتى أواخر عام 1937، و أحد الثوار والقادة النشيطين في عنبتا ووادي الشعير. ولكنه في الثورة الثانية أي نهاية عام 1937 ترك الثورة بعد أن لاحظ أن شراعها بدأ ينحرف وكذلك كثرت فيها أعمال الاغتيال والقتل والتصفيات الجسدية وأصبحت الثورة أشبه بحرب أهلية. وحين اختفى بسبب الثورة مصطفى جابر العموري والذي حضرت أمه لإبراهيم نصار، وقالت: إن شعوري أنهم سيقتلونه وسألها أين أخذوه؟ قالت لا أدري.
وبحث عنه إبراهيم نصار وسأل فخري عبد الهادي عنه فقال ليس عندي.
لم يصدقه إبراهيم، ورأى فخري في وجهه الاستنكار وعدم التصديق، فقال له تعال معي أراك غير مصدق لي، هذه الزنازين وهاي المعتقلين.
نزل إبراهيم في بيته ورأى أناسا مقيدين.
قال له: يا فخري من هذا الظلم تفشل الثورة.
قال : هؤلاء لهم ارتباطات باليهود والإنجليز وكيف نحمي أنفسنا إذا لم نسجنهم.
تركه إبراهيم ولم يعجبه هذا الحال. ورد عليه إن الثورة كثرت أخطائها، وأدرك إبراهيم بحسه أن الثورة التي اندفعت فيها الجماهير قد كثر فيها المنتحلين للثورة وممن حملوا السلاح لم يكونوا ثوارا حتى أن بعضهم راح يلعب بالثورة ويحملون سلاحا بريطانيا وعملهم جمع الإتاوات وفرض المال على الناس وهكذا ترك إبراهيم الثورة وبعد أن تركها راح بعضهم يرسل له كتبا ومنهم بعض قادة الثورة يطالبونه بإعادة نشاطه فيها واحتلال موقعه، وتكرر إرسال الرسائل من نفس المصدر ولكنها هذه المرة حملت طابع التهديد والوعيد وكرر الثوار قدومهم لبيته وحضر إليه أربعة مسلحين إلى داره ويطلبون منه العودة لصفوف الثورة ولكنه رفض ورد عليهم قائلا :إنها ثورة يلعب بها الانجليز.
فقال أحدهم ردا عليه : ولكن أليس فيها أناس نظيفون
رد عليهم : النظيف مغفل، وباتوا ليلتهم عنده.
ولكن زوجة عمه يوسف الحاج نصار خشيت وأصابتها الريبة منهم.
قالت له خذ بالك منهم، لقد حضروا لأمر خطير.
قال لا تهتمي ، وحذرته من النوم معهم.
سألوه أين ستنام ؟
قال : سأنام في العلية ولا أنام خارجها.
وشعروا أن لا مجال للغدر به ونزلوا من باب غربي وحدثوا بعضهم البعض وقالوا هذه المرأة نبهته.
- بعد نكبة فلسطين 1948:
مارس إبراهيم حياته العادية حتى حلت نكبة فلسطين 1948 وعندها أسرع بحمل بندقيته بعد أن وردت شائعة ودعاية أن اليهود يستهدفون عنبتا ولكنه لم يستمر في التطوع أو المشاركة في حرب 1948. حاول الالتحاق بمديرية التربية والتعليم بعد وحدة الضفتين (المملكة الأردنية الهاشمية)، ولكن النظام الأردني حرمه الوظيفة في وزارة التربية والتعليم بسبب تاريخه حيث أن أبو عادل (إبراهيم نصار) ذهب الى مصطفى الدباغ سنة 1955 وكان وكيل لوزارة المعارف وطلب معرفة السبب فأجابه أن الوزارة لا يمكن أن تعين شخصا اشترك في ثورة الشريف حسين وانسحب منها وكذلك لا يمكن تعيين من اشترك في ثورة 1936م حيث أنه كان معلما ومديرا لعدة مدارس إلى سنه 1932م وترك الوظيفة تمردا وعصيانا. بعد ثورة يوليو المصرية عام1952 أرسل إبراهيم نصار للرئيس الراحل جمال عبد الناصر رسالة حب ووفاء وتهنئة بالثورة المصرية وفيها من الشعر الذي غرد به حافظ إبراهيم:
لمصر أم لربوع الشام تنتسب لنا العلا وهناك المجد والحسب
وقد رد عليه الرئيس جمال عبد الناصر برسالة فيها شكر وتقدير للشعب الفلسطيني وظل إبراهيم نصار يفخر برده ويحتفظ بها وعلق صورته في صدر عليته. ولكن الجيش الأردني عندما حضر لبيته بعد قيام الوحدة المصرية – السورية عام 1958 وعلى إثر سوء العلاقات بين البلدين قام بأخذ صورة عبد الناصر وصادر هذه الأوراق واختفى بعضها. عمل إبراهيم في الزراعة وفي خدمة قضايا مجتمعه كالصلح والإصلاح وكتابة الحجج والعرائض للمحاكم الشرعية، وقد خلف ابنته محفوظة التي تزوجها الشاعر الشهيد المرحوم عبد الرحيم محمود.
وأرسل ابنه محمد أمين ليتلقى علومه في جامعة دمشق ودرس الفلسفة فيها. ترك إبراهيم ذكرا طيبا وسيرة حسنة وعرف كرجل خير وإصلاح في بلده، وانتقلت روحه إلى بارئها في 18/01/1985م عن عمر يناهز 90 سنة.
الجدير ذكره إلى أن هناك ثوار آخرين بهذا الاسم التحقوا بالثورة وهم من قرية عنبتا ومدينة قلقيلية.
الشهداء فؤاد حسن حجازي عطا أحمد الزير محمد خليل جمجوم
فؤاد حسن حجازي:
ولد فؤاد حسن حجازي في مدينة صفد- شمال فلسطين عام 1904. تلقى دراسته الابتدائية في مدينة صفد ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية واتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت.
شارك فؤاد حسن حجازي مشاركة فعالة في مدينته في ثورة البراق التي عمت أنحاء فلسطين عقب أحداث البراق سنة 1929 وقتل وجرح فيها مئات الأشخاص وقد اقرت حكومة الانتداب حكم الإعدام على كل من:
فؤاد حسن حجازي ، محمد خليل جمجوم ، عطا احمد الزير
كان فؤاد حسن حجازي الأول من بين المحكومين الثلاثة الذين اعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في يوم 17-6-1930، بسجن القلعة بمدينة عكا، وأصغرهم سنًا.
وقد سمح له أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام فكتب وصيته وبعث بها إلى صحيفة اليرموك فنشرتها يوم 18-06-1930 بخط يده وتوقيعه وقد قال في ختامها:
“إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب اقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، ان هذا اليوم يجب أن يكون يوما تاريخيًا تلقى فيها الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية.”
محمد خليل جمجوم:
ولد محمد خليل جمجوم بمدينة الخليل عام 1902 م وتلقى دراسته الابتدائية فيها. أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت وشارك في الأحداث الدامية التي تلت ثورة البراق ضد مواطنين يهود في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين.
عرف محمد خليل جمجوم بمعارضته للصهيونية وللانتداب البريطاني. جعلت مشاركته في المقاومة ضد الصهيونية أن تقدم القوات البريطانية على اعتقاله في 1929 م مع 25 من العرب الفلسطينيين وقد حوكموا جميعاً بالإعدام، ألا ان الأحكام تم تخفيفها إلى مؤبد، الا عن هؤلاء الثلاثة.
وفي يوم الثلاثاء 17 يونيو 1930 تقرر إعدام الثلاثة، وكان تطبيق حكم الإعدام شنقاً في محمد خليل جموم الساعة التاسعة صباحاً في سجن القلعة بعكا.
عطا أحمد الزير:
ولد عطا احمد الزير في مدينة الخليل- فلسطين عام 1895م
عمل عطا في عدة مهن يدوية واشتغل في الزراعة وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسمانية.
كانت له مشاركة فعالة في مدينته في ما يسمى ثورة البراق سنة 1929 وشارك في مذبحة 67 يهوديا ، فأقرت حكومة الانتداب حكم الإعدام عليه مع كل من: فؤاد حسن حجازي ومحمد خليل جمجوم.
وتم إعدامه في يوم 17-6-1930 في سجن القلعة بمدينة عكا على الرغم من الاستنكارات و الاحتجاجات العربية. كان الزير أكبر المحكومين الثلاثة سنا.
و قد سمح له أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام وقد جاء في رسالته:
كتب عطا الزير هذه الرسالة لوالدته (الرسالة باللهجة الفلاحية) :
“زغردي يما لو خبر موتي أجاك زغردي لا تحزني يوم انشنق شو ما العدو يعمل روحي أنا يما عن هالوطن ما بتفترق بكره بعود البطل ويضل في حداكِ حامل معو روحه ليقاتل عداكِ لا تزعلي لو تندهي وينو عطا كل الشباب تردْ فتيان مثل الورد كلهم حماس وجدْ لما بنادي الوطن بيجو ومالهم عدْ وفري دموع الحزن يما لا تلبسي الأسود يوم العدا بأرض الوطن يوم أسود هدي شباب الوطن بتثور كلهم عطا كلهم فؤاد ومحمد والشمس لما تهل لازم يزول الليل يا معود فوق القبر يما ازرعي الزيتون حتى العنب يما والتين والليمون طعمي شباب الحي لا تحرمي الجوعان هدي وصية شاب جرب الحرمان اسمي عطا وأهل العطا كثار والجود لأرض الوطن واجب على الثوار جبال الوطن بتئن ولرجالها بتحن حتى كروم العنب مشتاقة للثوار سلمي على الجيران سلمي على الحارةْ حمدان وعبد الحي وبنت العبد سارةْ راجع أنا يما وحامل بشارَةْ عمر الوطن يما ما بينسى ثوارَهْ لما بطول الليل وبتزيد أسرارُه وجرح الوطن بمتد وبتفيض أنهارُه راجع بطلة فجر حامل معي انوارُه حتى نضوي الوطن ويعودوا أحرارُه”.
وقد قدم الشاعر الشعبي نوح إبراهيم مع الفرقة الشعبية فرقة العاشقين مرثية للمحكومين الثلاثة ما زالت مشهورة لدى الفلسطينيين.
من سجن عكا وطلعت جنازه محمد جمجوم وفؤاد حجازي
وجازي عليهم يا شعبي جازي المندوب السامي وربعو عموما
محمد جمجوم ومع عطا الزير فؤاد حجازي عز الذخيره
انظر المقدر والتقادير بأحكام الظالم تا يعدمونا
ويقول محمد انا اولكم خوفي يا عطا اشرب حسرتكم
ويقول حجازي انا اولكم ما نهاب الردا ولا المنونا
امي الحنونه بالصوت تنادي ضاقت عليها كل البلاد
نادو فؤادي مهجه فؤادي قبل نتفرق تا يودعونا
تنده ع عطا من ورا الباب وامي بستنظر منو الجواب
عطا يا عطا زين الشباب يهجم علي العسكر ولا يهابونا
خيي يا يوسف وصاتك امي اوعي يا اختي بعدي تنهمي
لاجل هالوطن ضحيت بدمي وكلو لعيونك يا فلسطينا
ثلاثه ماتو موت الاسودي وجودي يا امي بالعطا جودي
علشان هالوطن بالروح نجودي ولاجل حريتو بيعلقونا
نادي المنادي يا ناس إضراب يوم الثلاثا شنق الشباب
اهل الشجاعه عطا وفؤادي ما يهابو الردا ولا المنونا
Standard
ثوار 1936
عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال)
07/02/2016
ZYAD ZAKARIA
LEAVE A COMMENT
المناضل عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال)
(1892 – 1939)
الولادة والنشأة:
ولد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد في قرية ذنابة قضاء طولكرم ، عام 1892 لأسرة فلاحية من آل سيف الذين ينسبون أنفسهم أو ينسبهم بعض النسابين إلى (سيف بن ذي يزن)، ويقال أن أجداد آل سيف قدموا من اليمن ضمن نجدة لبت نداء القائد صلاح الدين الأيوبي، واختار المجاهدون اليمانيون –بعد معركتي حطين والقدس- سكنى (ذنابة) و(برقة) و(البروة).
في هذا البيت الكريم ولد (عبد الرحيم الحاج محمد)، وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب القرية. و حين أصبح شابا طلبته السلطات العثمانية للجيش، وتم فرزه إلى الوحدات العثمانية المرابطة في طرابلس بلبنان، نقل بعدها إلى بيروت حيث تم إلحاقه بمدرسة عسكرية تخرج منها وفي جعبته الكثير من العلوم العسكرية. التي وظفها في المعارك التي خاضها العثمانيون في مواجهة القوات البريطانية. و لما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 سرح عبد الرحيم من الجيش وعاد إلى مسقط رأسه، ليجد أن كل فلسطين باتت خاضعة للاحتلال البريطاني. فعمل في الزراعة والتجارة في مدينة طولكرم. وقد عرف بالنزاهة والاستقامة والخلق الرفيع والتهذيب والأمانة، لذا أحبه الناس، ولجأوا إليه في حل مشكلاتهم.
في ذلك الوقت كانت فلسطين تمر بمرحلة قاسية بسبب الاستعمار البريطاني والخطر الصهيوني، فأخذ عبد الرحيم الحاج محمد يدعو إلى الجهاد ضد أعداء الأمة العربية من مستعمرين بريطانيين ومستوطنين صهيونيين، موضحاً خططهم ومشروعاتهم وأهدافهم، متبعاً في ذلك خطى الشهيد عز الدين القسام. وقام سراً بجمع التبرعات وتنظيم المجاهدين وتدريبهم مستفيداً من خبرته العسكرية السابقة. وبعد إعلان الإضراب العام الكبير في شهر نيسان 1936 قاد مجموعة من الثوار قامت بعدة هجمات على البريطانيين والمستوطنين الصهيونيين، فلاحقته سلطات الانتداب، فاضطر إلى ترك بيته وأهله، والانتقال إلى العمل الثوري السري، وأخذ يصعد عمليات الثورة، ثم ظهر علناً في معركة نور شمس، وهي أول معركة منظمة وأكبرها خاضها الثوار الفلسطينيون مع قوات الاحتلال لبريطاني والمستوطنين الصهيونيين في 22/6/1936.
وتوالت الهجمات وأعمال المقاومة التي قادها عبد الرحيم الحاج محمد وحقق فيها نجاحاً كبيراً على قوات الاحتلال وخرب طرق مواصلاتها ودمر منشآتها العسكرية، وبذلك ازدادت شهرته، واتسعت دائرة نشاطه. وفي 25/8/1936 وصل فوزي القاوقجي إلى فلسطين لقيادة الثورة، وعلى رأسهم عبد الرحيم الحاج محمد. و بحث معهم أوضاع الثورة وكيفية تنظيم شؤونها، وأسندت إلى عبد الرحيم قيادة المنطقة الثانية، أهم مناطق الثورة، وتقع في المثلث وسط فلسطين.
تابع عبد الرحيم الحاج محمد جهاده في ظل القيادة العامة الجديدة التي ترأسها فوزي القاوقجي، وانتصر، في هذه الفترة أيضاً، في جميع المعارك التي خاضها، ومن أهمها: معركة نابلس (24/9/1936) ومعركة بلعا (25/9/1936) ومعارك جبع ودير شرف. فشددت سلطات الانتداب على ملاحقته، ورصدت جائزة مالية كبرى لمن يأتي به، وقامت بنسف بيته. ولما غادر القاوقجي فلسطين في أواخر تشرين الأول 1936، بعد نداء الملوك والرؤساء العرب في الثاني عشر من ذلك الشهر، أوكلت إلى عبد الرحيم الحاج محمد القيادة العامة للثورة خلفاً له. ثم توقفت أعمال الثورة، ولجأ عبد الرحيم إلى دمشق في تشرين الثاني، مستأنفاً نشاطه الوطني مع من قدم إليها من قادة الثورة واتخذ قرية قرنايل اللبنانية مكاناً لتجميع السلاح وإرساله إلى فلسطين. وكان لهذا النشاط أثره في استمرار أعمال المقاومة، إلى أن اندلعت الثورة من جديد في شهر تشرين الأول 1937. فعاد عبد الرحيم الحاج محمد من دمشق إلى فلسطين على رأس عدد من المجاهدين، واتخذ من قرية النزلة الشرقية، قضاء طولكرم مقراً موقتاً لقيادة الثورة. وفي أوائل سنة 1938 اكتملت تنظيمات الثورة من جديد، ونظمت الفصائل وقيادات المناطق والقيادة العامة، وتولى عبد الرحيم الحاج محمد، إضافة إلى القيادة العامة، قيادة منطقة المثلث، يساعده عدد من القادة الثوار، منهم يوسف سعيد أبو درة ومحمد الصالح (أبو خالد) وعارف عبد الرازق، كما اتخذ له عدداً من المستشارين المثقفين الشبان، منهم الشاعر عبد الرحيم محمود وممدوح السخن، سكرتيره الخاص، وأحمد جميل.
خلال هذه الفترة خاض الثوار، بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد، معارك ضارية، وألحقوا بالقوات البريطانية خسائر كبيرة. ومنها معركة بيت أمرين التي جرح فيها القائد عبد الرحيم، ومعركة دير غسانة (20/9/1938) التي وقعت عندما كان قادة الثورة يعقدون مؤتمراً لتدارس أوضاع الثورة، وقد استشهد فيها القائد محمد الصالح (أبو خالد).
وفي مطلع سنة 1939 سافر عبد الرحيم الحاج محمد إلى دمشق ولقي المفتي محمد أمين الحسيني وبحث معه أوضاع الثورة وما تحتاج إليه من سلاح ومساعدات. وفي 26/3/1939 عاد إلى فلسطين، مع نفر من أصحابه، وتوقفوا في قرية صانور، قضاء جنين، ليمضوا ليلتهم. وقد علمت سلطات الانتداب بوجودهم هناك ولا شك من جواسيس لهم، فوجهت قوة عسكرية كبيرة هاجمتهم في صباح 27/3/1939. و خاض القائد عبد الرحيم مع هذه القوة معركة غير متكافئة استشهد فيها، كما استشهد بعض مرافقيه ومنهم رفيقه في الجهاد (سليمان أبو خليفة الحوراني) بعد معركة بطولية في مواجهة قوة عسكرية بريطانية كبيرة تساندها الطائرات، ضربت ثلاثة أطواق حول القرية طالبة من أبي كمال الاستسلام، لكنه رفض واشتبك معها في قتال استمر من السادسة صباحا حتى الرابعة مساء، استطاع القائد عبد الرحيم خلاله أن يخترق مع إخوانه المجاهدين الطوق الأول والثاني، ليشتبك مع الطوق الثالث بالسلاح الأبيض، لكن رصاصة أصابت القائد في بطنه قضت عليه، أما رفيقه (سليمان أبو خليفة الحوراني) فقد جرح وأسر لكنه ما لبث أن قضى نحبه متأثرا بجراحه –كما قيل، وإن كان المرجح أن الإنكليز أجهزوا عليه-. وعثر الجنود البريطانيين على مسدسين مع أبي كمال، وعلى ثلاثة مسدسات مع رفيقه. قامت سلطات الانتداب البريطاني بدفن جثمانه سراً في صانور، ولكن الثوار استرجعوا الجثمان، ونقلوه إلى ذنابه، مسقط رأسه، ودفنوه فيها.
كتب قائد القوة البريطانية التي داهمت صانور، جيوفري مورتسن، في مذكرات له عن القائد الشهيد أنه لم يكد خبر استشهاده يذاع في البلاد “حتى أقفلت الحوانيت حداداً على الرجل الذي كان يتمتع بأسمى درجات الاحترام” وأضاف: أنه لدى إذاعة النبأ جاء عدد من المسؤولين البريطانيين ليطلعوا على تفصيلات الحادث، ومن هؤلاء الجنرال هايننغ، القائد العام للقوات في فلسطين، واللورد غورت رئيس أركان حرب الامبراطورية قبل الحرب والذي أصبح مندوباً سامياً لفلسطين، والجنرال بيرنارد مونتغمري.
كان الشهيد يوقع بياناته ورسالته بصفة “المجاهد الصغير خادم دينه ووطنه”، ويصدرها عن “ديوان الثورة العربية الكبرى في فلسطين”. وهذا يدل على مدى تواضعه وإيمانه وتفانيه من أجل وطنه، ويظهر هذا بوضوح أيضاً في البيانات والقرارات ذات الطابع السياسي التي أصدرها أو التي شارك في التوقيع عليها، ومنها الرد على بيان الحكومة البريطانية اثر تقرير لجنة وود هيد في 3/1/1938. وقد صدر هذا الرد باسم الثورة، ووقعه خمسة من القادة الفلسطينيين كان عبد الرحيم أحدهم.
آمن عبد الرحيم الحاج محمد بالكفاح المسلح لتحرير الوطن ونيل الاستقلال، لذلك وقف ضد الذين اتصلوا بالحكومة البريطانية، وعند هجرة القادة الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة. كما آمن أن العمل الثوري الحقيقي يكمن في مقاتلة العدو على أرض الوطن وعدم تمكينه من غرس نفسه في هذه الأرض العربية الطاهرة. لذلك أصدر الانذارات واتخذ الإجراءات الرادعة ضد سماسرة العقارات، وضد الذين يبيعون أراضيهم للمستوطنين الصهيونيين. وألف “محكمة الثورة العربية لفلسطين” برئاسة المجاهد عبد القادر اليوسف عبد الهادي، وأوقف دفع ديون الفلاحين إلى دائنيهم بسبب اشتداد الازمة الاقتصادية آنذاك، واتخذ موقفاً حازماً ضد أولئك الذين تعاملوا مع العدو، ومع قتل الأسرى من الأعداء.
كان عبد الرحيم الحاج محمد قائداً فلسطينياً ثورياً، استطاع أن بقوة الثورة الفلسطينية بنجاح في فترة عصيبة من الزمن. وأن ينظم أوضاعها الداخلية وشؤونها الإدارية بحزم و حكمة. وباستشهاده فقدت الثورة إحدى دعاماتها الأساسية.
في مدينة (وادي السير) إلى الغرب من عمان –عاصمة الأردن- من جهة الغرب، بين منطقة (تلاع العلي) و(صويلح) شمالا، و(بلدية الوادي الأخضر) جنوبا، و(منطقة زهران) شرقا، و(منطقة بدر الجديدة) غربا.. تم إطلاق اسم (الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد) على شارع كبير يربط بين أحياء المدينة الأردنية. ويتردد المئات من الأردنيين على مطاعم هذا الشارع التي تحمل أسماء غريبة مثل (برجر كنج) و(ماكدونالدز) و(لبنان سناك).. من دون أن يستوقفهم اسم القائد الكبير الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد. الذي دوخ الإنكليز إبان قيادته للثورة الفلسطينية بين عامي 1936-1939، ولو سألت أكثرهم لقلبوا شفاههم نفيا أو تعجبا..
عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد فلسطيني ولد في القدس في 1908 واستشهد في 8 أبريل 1948 في قرية القسطل القريبة من القدس بعد أن قاد معركة ضد العصابات الصهيونية لمدة ثمانية أيام.
كان الأب موسى أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم يكترث واستمر في نضاله الدؤوب، واشترك في الكثير من المظاهرات، كانت آخرها المظاهرة الكبيرة في يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م.
التحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ودرس في قسم الكيمياء بها، وطيلة فترة دراسته لم يظاهر بنشاطه الوطني أملاً في الحصول على شهادة، وما إن تحقق مأربه حتى أعلن في حفل التخريج أن الجامعة لعنة بكل ما تبثه من أفكار وسموم في عقول الطالب، وطالب الحكومة المصرية أن تغلقها مما حدا بالجامعة الأمريكية في اليوم التالي بسحب شهادته، الأمر الذي أدى إلى تظاهرة عظيمة قام بها رابطة أعضاء الطلبة التي أسسها الحسيني وترأسها أيضاً وانتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي بطرده من مصر فعاد أدراجه إلى القدس عام 1932 منتصراً لكرامته وحاملاً لشهادته التي أرادوا حرمانه منها.
على الرغم من المحاولات الحثيثة من جانب الإدارة البريطانية لضمه تحت جناحها من خلال توليته عدداً من المناصب الرفيعة إلا أن إيمانه بالجهاد المسلح من أجل الحرية والاستقلال كان أقوى من جميع إغراءاتهم وخططهم الدنيئة، وتأكد له صواب اعتقاده حينما رحل الشيخ السوري عز الدين القسام شهيداً مدافعاً عن حرية فلسطين فخطا على نفس دربه وراح منذ العام 1936 يعمل على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها إذا ما تعرضتا للهجوم من غزاة طغاة، وبالفعل في ذات العام قام عبد القادر الحسيني بإلقاء قنبلة على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين تلتها قنبلة أخرى على المندوب السامي البريطاني، بالإضافة إلى اشتراكه مع أفراد الوحدات التنظيمية التي أسسها في مهاجمة القطارات الإنجليزية، وظلت هذه المناورات بصورة متفاوتة حتى عام 1939.
وفقا لموسوعة «رجالات من بلاد العرب، للدكتور صالح زهر الدين، (المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، طبعة أولى 2001، ص (445ـ452)، وكذلك وفقا ل «قضية فلسطين في سيرة بطل/ الشهيد الحي عبد القادر الحسيني» لنبيل خالد الآغا (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، )1982، فقد كان الشهيد عبد القادر الحسيني أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة على الاستعمار البريطاني في 6 أيار 1936، حين هاجم ثكنة بريطانية (بيت سوريك) شمالي غربي القدس، ثم انتقل من هناك إلى منطقة القسطل، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان من فلسطين.
وبلغت الثورة الفلسطينية أوج قوتها في تموز عام 1936، حيث انضم إليها من بقي من رفاق الشهيد عز الدين القسام، وبلغت أنباؤها العالم العربي كله، فالتحق بها المجاهدون العرب أفواجاً، وخاض الثوار العرب معارك بطولية ضد المستعمرين البريطانيين والصهاينة، ولعل أهم هذه المعارك كانت (معركة الخضر) الشهيرة في قضاء بيت لحم، وقد استشهد في هذه المعركة المجاهد العربي السوري سعيد العاص وجرح عبد القادر جرحاً بليغاً، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس، بعد مغامرة رائعة قام بها المجاهدون من رفاقه فهاجموا القوة البريطانية التي تحرس المستشفى وأنقذوه وحملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه. عاد عبد القادر إلى فلسطين مع بداية عام 1938، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس، وقاد هجومات عديدة ناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الانتداب البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحيها. و في خريف عام 1938، جُرح عبد القادر ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان. ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي يحمل اسم محمد عبد اللطيف. وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه، فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة .. ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943، بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية. فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة أسرته. وفي مطلع عام 1944 تسلل عبد القادر من السعودية إلى ألمانيا، حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها، ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة وهناك وبسبب نشاطه السياسي وصلاته بعناصر من حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين، وتجميعه الأسلحة، وتدريبه الفلسطينيين والمصريين على صنع المتفجرات، أمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده.. لكن الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المصرية حالت دون تنفيذ ذلك الإبعاد. وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947، تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان، والتقوا جميعاً بعبد القادر ، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد. فأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس، واتخذت بلدة (بير زيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها. وكان عبد القادر الحسيني قد غادر القدس متوجها إلى دمشق نهاية آذار من عام ثمانية وأربعين ،وذلك بهدف الاجتماع بقيادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية ،والحصول على السلاح اللازم لتنفيذ القدس والمحافظة على التفوق الذي حققه المجاهدون في معاركها . ومع وصول أخبار معركة القسطل إلى المجاهد الحسيني غادر دمشق على وجه السرعة متوجها إلى القدس ،وبدل نيل متطلباته الكثيرة والمتنوعة التي قدمها إلى اللجنة العربية العسكرية عاد بنصف كيس من الرصاص فقط .ومن القدس توجه الحسيني- وفقا للباحث نافز حسنة – إلى القسطل بسرعة فوصلها ظهيرة السابع من نيسان، وعمد على الفور إلى إعادة تنظيم صفوف المجاهدين ،وعين على الميمنة في الجهة الشرقية ،المجاهد حافظ بركات ،وعلى الميسرة من الجهة الغربية، الشيخ هارون بن جازي ،وفي القلب فصيلتان بقيادة إبراهيم أبو دية ،وفي موقع القيادة كان الحسيني ،وعبد الله العمري ،وعلي الموسوس إضافة إلى فصيلي استناد في الجهة المقابلة ،وبدأ الهجوم وفق هذا الترتيب ،لتتمكن قوات القلب والمسيرة من اكتساح مواقع العدو واستحكاماته الأمامية ،ولكن التقدم كان صعبا بسبب قلة الذخيرة ،وأصيب إبراهيم أبو دية مع ستة عشر من رجاله بجراح ،هنا اندفع عبد القادر الحسيني لتنفيذ الموقف ،فاقتحم القرية مع عدد من المجاهدين تحت وابل من نبران الصهاينة ومع طلوع فجر الثامن من نيسان ،وقع عبد القادر ومن معه في طوق الصهاينة ،فاندفعت نجدات كبيرة إلى القسطل ،كان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف ،لكن هذه النجدات على كثرتها لم تكن منظمة . عند الظهر تمكن رشيد عريقات من الإمساك بزمام القيادة ، فأمر بتوجيه نيران الأسلحة المتبقية جميعها على القرية لاقتحامها، وبالفعل تمكن المجاهدون بعد ثلاث ساعات من الهجوم المركز من اقتحام القرية وطرد الصهاينة منها حيث فر من تبقى منهم بسيارات مصفحة باتجاه طريق يافا. حاول قادة المجاهدين استثمار النصر، بمطاردة فلول الصهاينة، ولكن العثور على جثمان الشهيد عبد القادر الحسيني، ترك في نفوس المجاهدين وقعا أليما، وساد صفوفهم الارتباك، وفقد القادة سيطرتهم على الأفراد الذين شرعوا في مغادرة القسطل لتشييع عبد القادر الحسيني وعند المساء لم يعد داخل القرية سوى رشيد عريقات وعبد الحليم الجيلاني مع عدد قليل من المجاهدين، وبقي أربعون مناضلاً من المقدسيين بقيادة بهجت أبو غربية، وقد انضم إليهم عصر 8/4/1984 ضابط مصري ومعه ثلاثة مناضلين . وقد اضطر ابو غربية ومن معه لمغادرة المكان بعد أن تعرّضوا لقصف شديد، وبعد أن سمعوا بأنّ هناك مجزرة حدثت في قرية دير ياسين وقد قدّر الصليب الاحمر الدولي عدد ضحايا هذه المجزرة من الرجال والأطفال والنساء بثلاثمائة وخمسين شهيداً . علماً أن من كان من الشبان والرجال هناك قاوم بشدة، وأوقع الخسائر في صفوف مجرمي ” الشتيرن ” و ” الارغون “، المنظمتين الارهابيتين الصهيونيتين .
استشهد عبد القادر صبيحة 8/4/1948، حيث وجدت جثته قرب بيت من بيوت القرية و قام ضابط بوسني مسلم كان مع المهاجمين هو “شوقي بك” ومعه مصفَّحة بحمل جثة الشهيد عبد القادر في مصفحته، وكذلك إبراهيم ابو دية الذي أُصيب في سلسلة ظهره وتوجَّه بهما إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد… وسمي بطل القسطل، وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي. وارتبطت معركة القسطل باسم شهيدها المجاهد عبد القادر الحسيني .وكانت معركة القسطل رغم الظروف غير المتكافئة مثلا رائعا من أمثلة التضحية والحماسة والاندفاع ولكنها كانت أيضا انتصارا ضائعا نتيجة ضعف التسليح، والافتقار إلى التنظيم وقلة الذخائر وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال. وبينما انشغل المجاهدون في وداع قائدهم الكبير، استغل الصهاينة الفرصة ليقترفوا المجزرة البشعة في دير ياسين.
من أقوال الشهيد الحسيني- إن الشعب الفلسطيني لن يكون وحيداً، لأن له أصدقاء كفاح يؤيدون قضيته وعدالته.- نحن الفلسطينيين أقوياء على الرغم من قلة عددنا، لأننا نؤمن بقضيتنا، ولأننا نعلم أننا مؤيدين من جميع الشعوب التي ليس لها مطامع خفية كحكوماتها، سنقاتل حتى النهاية، وسيقاتل أبناؤنا وأصدقاؤنا من بعدنا، نحن مصممون على القتال. وعندما طلب عبد القادر الحسيني من الجامعة العربية سلاحاً.. فرفضت، قال: جئتكم أطلب سلاحاً لأدافع به عن فلسطين، وأما وقد خُذلت، فأبلغكم أننا لن نرمي السلاح حتى النصر أو الشهادة، أنا ذاهب إلى القسطل، ولن أسأل أحدكم أن يرافقني، لأنني أعرف حقيقة مواقفكم، ولكني أحذركم بأن التاريخ سيكتب أنكم خذلتم الأمة وبعتم فلسطين.. وإن التاريخ لا يرحم أحداً! <جريدة الدستور الاردنية 14/4/2011>.
من ناحية اخرى ولشدة ما نحن فيه من اختراق من قبل الصهاينة، أكد مصور إسرائيلي أن الهاغاناه لا تزال تحتفظ بجواز سفر وخنجر يعودان لقائد جيش “الجهاد المقدس” الشهيد عبد القادر الحسيني، وذلك في معرض تعليقه على كتاب ضمنه عددا من الأسرار حول اختراق العصابات الصهيونية لتلك القوات خلال تلك المرحلة التاريخية من حياة فلسطين والمقاومة الشعبية قبل النكبة.
ففي كتابه “وطني إسرائيل” يروي يسرائيل نيتح كيف انضم كجاسوس مندس باسم مستعار إلى قوات الجهاد المقدس بتكليف من قوات الهاغاناه وشارك في معركة القسطل ونهب بعض الأغراض الشخصية للحسيني بعد لحظات من استشهاده. ويزعم في كتاب سيرته الذاتية أنه انضم إلى الهاغاناه وانتحل اسما عربيا هو إبراهيم السيد، قبل البدء في أداء وظيفته باختراق فرق المجاهدين وجمع المعلومات الاستخباراتية بمساعدة رجل مقدسي يدعى محمود وكان يقيم في مدينة يافا وتم تجنيده في صفوف الهاغاناه. ويروي المؤلف الإسرائيلي كيف التقى الحسيني لأول مرة مطلع عام 1948 عندما دخل برفقه “محمود” صالون أحد المنازل حيث تم تقديمه للحسيني على أنه مصور.
ويتابع نيتح “في اليوم التالي توجهنا إلى كفار عصيون بشاحنات وكان الثوار العرب يرتدون العباءات والكوفيات.. هناك انقسم الثوار إلى مجموعتين واحدة من المقدسيين وأخرى من الخليل بقيادة عبد القادر الحسيني ومحمد علي الجعبري”. ويقول الكاتب إن نشره صور المجاهدين في الصحف الفلسطينية ساعدته على التقرب منهم وكسب ثقتهم وتعزيز مكانته بينهم حتى بات جزءا لا يتجزأ منهم.
عن (الجزيرة نت) موضوع الشهيد الحسيني
بعد استشهاده
وفي حديث للجزيرة نت قال نيتح إنه كان يجلس في مقر عبد القادر الحسيني يوم بلغه نبأ سقوط بلدة القسطل في غرب القدس بيد القوات الصهيونية التي انتقلت من الدفاع إلى الهجوم لاختراق الطريق نحو القدس في عملية “نحشون” يوم 4 أبريل/ نيسان 1948.
وأضاف “كنت شاهدا على لقاء الحسيني قادة المجاهدين وهو يشرح لهم تفاصيل العملية المضادة التي بدأت يوم 7 أبريل/ نيسان مستعينا بخريطة، فصورته ولم أكن أعرف أن هذه صورته الأخيرة”. وكشف نيتح أن عبد القادر الحسيني استشهد في تلك الليلة فاغتنم فرصة وجوده بالقرب منه وسارع إلى تفتيش ملابس الشهيد بحثا عن وثائق، قبل أن يسرق خنجره وجواز سفره وخاتم الزواج، لافتا إلى أن جميع هذه الأشياء لا تزال محفوظة حتى الآن في متحف الهاغاناه بتل أبيب. يشار إلى أن بعض الروايات الفلسطينية تتحدث عن استشهاد الحسيني اغتيالا من الخلف على يد بعض الجواسيس المندسين في قوات الجهاد المقدس.
الشهيد الحسيني
وتتفق الروايات الفلسطينية على أن عبد القادر الحسيني استشهد إثر إصابته بطلقات نارية أثناء معركة الدفاع عن القدس والمعروفة بمعركة القسطل وهو في الأربعين من عمره.
ويفيد الدكتور مصطفى كبها المتخصص في التاريخ الفلسطيني أن الحسيني نصب قائدا لقوات الجهاد المقدس طبقا لقرارات اتخذتها الهيئة العربية العليا برئاسة المفتي الحاج أمين الحسيني من منطلق معارضتها دخول جيوش عربية إلى فلسطين، وبادر بتشكيل جيش فلسطيني كان عماده قادة ومقاتلي فصائل ثورة 1936-1939. ويستذكر كبها في تصريح للجزيرة نت أن الشهيد عبد القادر الحسيني تخرج من الكلية العسكرية في بغداد مع ضباط فلسطينيين آخرين منهم حسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف وعبد الرحيم محمود وأكرم زعيتر وانضم جميعهم إلى ثورة رشيد عالي كيلاني عام 1941.
ولفت الانتباه إلى أنه تم إلقاء القبض على الحسيني بعد فشل الثورة المذكورة ونجا رفاقه، حيث سجن سنتين وأفرج عنه بعدما ساءت صحته وتدخل بعض زعماء العرب ليعود إلى فلسطين عام 1946 في نفس الفترة التي ولد فيها ابنه الراحل فيصل الحسيني في بغداد.
ويؤكد كبها أن استشهاد عبد القادر الحسيني انعكس سلبيا على معنويات كل الشعب الفلسطيني وعلى تماسك الجبهة الداخلية بعدما بنيت آمال كثيرة على “جيش الجهاد المقدس”. وأضاف “باستشهاده تعرض لضربة قاصمة وما لبث أن تعرض لأخرى باستشهاد القيادي حسن سلامة قائد منطقة المركز في هذا الجيش في معركة راش العين يوم 31 مايو/ أيار 1948”.
خليل محمد عيسى عجاك
قسامي، وأحد قادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة (1936-1939م) كني (أبا إبراهيم الكبير) تمييزا له من القائد الآخر أبى إبراهيم الصغير، وهو توفيق إبراهيم من قرية اندور قضاء الناصرة في مرج ابن عامر.
ولد في أواخر القرن التاسع عشر في بلدة المزرعة الشرقية قضاء رام الله، ثم عمل فلاحا في بلدة شفا عمرو بالجليل وانتقل بعد ذلك إلى مدينة حيفا حيث افتتح حانوتا لبيع الصوف والأكياس.
في مذكراته التي سردها قبل وفاته للكاتب نزيه أبو نضال وصدرت في رام الله سنة 2010 عن منظمة التحرير الفلسطينية، انه وجد نفسه وهو دون سن الخامسة عشرة مضطراً للعمل في الفلاحة، من أجل إعالة أسرته نظراً إلى وفاة والده، وسجن أخيه الأكبر بسبب حادثة دهس، وكان هذا في بداية الحرب العالمية الأولى سنة1914 ، وبقي مسؤولاً عن أسرته إلى أن خرج أخوه من السجن مع انتهاء الحرب سنة 1918 . نضم في حيفا إلى حلقة الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام وشاركه في مراحل جهاده التنظيمي والتنفيذي، ثم اصبح من قادة التنظيم القسامي، وقد ألح على الشيخ القسام بضرورة تدريب أفراد التنظيم على السلاح وتسليحهم، وساهم هو نفسه في إحضار محمد أبو العيون الذي تولى في نهاية جلسة الدعوة تدريب المجاهدين الموجودين، على البندقية الوحيدة المتوفرة آنذاك لديهم.
اتهمته سلطات الانتداب البريطاني بمناوئتها، وفي سنة 1931م انفجرت قنبلة في مستوطنة نهلال الصهيونية الكائنة في مرج ابن عامر، فاعتقل أبو إبراهيم الكبير مع المجاهدين مصطفى علي الاحمد وزوجته واحمد الغلاييني واحمد التوبة وإبراهيم الحاج خليل. وبعد توقيفهم تسعة اشهر حكم على مصطفى الاحمد بالإعدام. ونفذ الحكم فيه، وعلى احمد الغلايني بالإعدام أيضا ثم خفف إلى السجن خمسة عشر عاما، وبرئت ساحة أبى إبراهيم الكبير وبقية المجاهدين في أوائل 1935م.
وحين خرج الشيخ القسام وصحبه إلى الجهاد، كان لأبى إبراهيم الكبير رأي مخالف يدعو إلى التريث حتى تستكمل الأسباب والظروف الموجبة لإعلان الجهاد، وبعد استشهاد القسام، تولى قادة حركته قيادة قطاع الثورة الفلسطينية الكبرى الممتد من شمال فلسطين حتى وسطها، واستلم أبو إبراهيم الكبير قيادة المنطقة الشمالية، وكان يوقع بلاغاته وبياناته باسم “المتوكل على الله، أبو إبراهيم”.
وقد رصدت السلطات البريطانية مكافأة مالية قدرها 500جنيه فلسطيني لمن يرشدها عليه.
وفي فترة توقف الثورة سنة 1937م التقى أبو إبراهيم بالمفتي محمد أمين الحسيني في بلدة قرنايل اللبنانية، وأشار عليه بضرورة استمرار الثورة وعودة قادة الثورة إلى ارض فلسطين وبقائهم فيها لان بُعدهم عنها سيقضي على الثورة ويذهب تضحياتها عبثا.
ولما عاد إلى ارض المعركة واستأنف القتال رفض وقف نقل السلاح إلى فلسطين عبر شرقي الأردن.
غادر أبو إبراهيم الكبير فلسطين عندما توقفت الثورة سنة 1939م إلى دمشق، ثم العراق حيث اشترك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941، وعندما أخفقت هذه الثورة غادر بغداد إلى حلب في سوريا، ثم إلى اليونان فبرلين حيث أقام ما تبقى من سنوات الحرب.
عا إلى فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الثاني وساهم في تعبئة القوى ضد الأطماع الصهيونية، ثم اشترك في القتال قائدا لبعض القطاعات في شمالي فلسطين. عندما صدر قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 ، انخرط في صفوف جيش الإنقاذ قائداً لمجموعة فلسطينية، تحت إمرة أديب الشيشكلي، وقد نشأ نزاع بينهما نتيجة لما اعتبره أبو إبراهيم الكبير تقصيراً وتهاوناً من الشيشكلي، خلال الهجوم على مستعمر جدّين في 21 كانون الثاني/يناير 1948 . وحين وقعت نكبة فلسطين لجأ إلى دمشق، لكنه تعرض لمضايقات من أتباع الشيشكلي، فارتحل إلى عمّان، وبقي فيها إلى أن توفي عن عُمْرٍ يُناهز الثمانين عاماً سنة 1979 . عاش أبو إبراهيم في عمّان فقيراً، وعمل مدة بائعاً متجولاً على عربة صغيرة. سار ابنه صلاح على دربه والتحق بالثورة المعصرة ،وكان مناضلا في صفوفها وتوفي في الاردن في نهاية القرن الماضي.
ترسم مذكرات الكتاب لحياة أبو إبراهيم الكبير صورة مجاهدٍ ذي شخصية عصامية ونزيهة، وصاحب التزام عالٍ في الدفاع عن الوطن العربي بأكمله ضد الغزو الاستعماري الأوروبي، الفرنسي والبريطاني، ويتمتع بدرجة عالية من الحكمة وبُعْد النظر، ممّا جنّبه الوقوع في أخطاء وقع بها قادةٌ آخرون من قادة الثورة، خصوصاً في موضوعي المال واغتيال المشتبه بتعاونهم مع السلطات البريطانية. والمُطّلع على تاريخ الثورة الفلسطينية الكبرى، يعرف أنّ الكثير من قادتها، ومنهم قسّاميون، وقعوا في إحدى هاتين المشكلتين أو في كلتيهما؛ فمنهم من استخدم أساليب الغَصْب والإكراه gللحصول على المال من الفلاحين الفقراء، ومن أهل المدينة سواءً متوسطي الحال أو الأغنياء منهم، فيشير بالنقد إلى كل من عارف عبد الرازق ونائبه فارس العزّوني وجماعتهم، الذين نشطوا في منطقة طولكرم وقلقيلية ومغاريب نابلس، وتورطوا في ممارسات سيئة ضد الأهالي، ومنها غَصْب المال والقتل والتعذيب. والمعروف أنَّ عدداً من قادة الثورة تورّط في عمليات اغتيال لأشخاص لم يكن لهم أية صلة غير شريفة بالإنكليز أو الصهاينة، بل كان قتلهم بسبب معارضتهم لزعامة الحاج أمين الحسيني. الواضح أنّ أبو إبراهيم الكبير، رغم علمه ومساهمته في التخطيط لاغتيال متعاونين كبار مع الإنكليز، مثل حليم بسطة وأحمد نايف، اللذين ساعدا في الكشف عن المجاهدين، وساهما في قتل الشيخ القسّام ورفاقه، إلاّ إنّه وقف ضد اغتيال من لم يثبت تورُّطهم في الخيانة الواضحة، أو من كان بالإمكان ردعهم وإبعادهم عن العمل لمصلحة الإنكليز.
يزودنا أبو إبراهيم الكبير بصورة من الداخل عن وحدة جيش الإنقاذ، التي عمل معها وكانت تحت قيادة القائد السوري أديب الشيشكلي، وهي صورة سلبية بكل تأكيد، فيشير إلى جملةٍ من الأخطاء التي رافقت عمل الجيش في فلسطين، ومنها محاباة الشيشكلي لأخيه وأنصاره في الترقية؛ والتخاذل عن القتال وعدم الالتزام بالخطة المتفق عليها؛ والاستهانة بقدرات الصهاينة العسكرية؛ والقيام بأعمال مخالفة للدين والانضباط العسكري، مثل إقامة حفلة لشرب الخمر في معسكرالتدريب، اشترك فيها الشيشكلي وكبار معاونيه.
الشيخ فرحان السعدي
ولد الشيخ فرحان السعدي في قرية المزار من أعمال قضاء جنين، شمال فلسطين، في منتصف القرن التاسع عشر. تلقى علومه في كتّاب القرية ومدرسة جنين الابتدائية، إلا أنه كان مولعاً في شبابه بتلقي الدروس الدينية في المساجد، والاجتماع مع العلماء ورجال الدين، فأضفت عليه نشأته الدينية والعلمية مهابة واحتراماً في بيئته. ولما احتل الإنكليز فلسطين كان يُعرف بين الناس بـ"الشيخ فرحان". حافظ للقرآن الكريم والأحاديث النبوية لذلك عرف بـ"الشيخ".
الجهاد
شارك الشيخ فرحان في المؤتمرات الوطنية وفي المظاهرات ضد الانتداب البريطانية بصورة متواصلة، وألّف، في ثورة 1929، عُصبة من المجاهدين في قضاء جنين تصدت لسلطة الانتداب بالتمرد والعصيان، فقبضت عليه السلطة وسجنته ثلاثة أعوام في سجن عكا وسجن نور شمس. وانتقل، بعد خروجه من السجن، إلى حيفا، حيث اتصل بالشيخ عز الدين القسام وانضم تحت لوائه.
الاستشهاد
السعدي بعد إلقاء القبض عليه من قبل قوات الإحتلال البريطاني 1937.أعدم في وقت لاحق.
في 17 أبريل 1936 هاجم الشيخ فرحان السعدي، ورفيقه الشيخ عطية أبو أحمد، القافلة اليهودية، ثم انتقل بعد هذه الحادثة (التي أدت إلى ثورة 1936) مع رفاقه إلى الجبال، معتصمين بوعورها وكهوفها، يناضلون طوال المرحلة الأولى. ومنذ مقتل ’أندروز’ (Andrews)، بثت السلطة عيونها، تتعقب القساميين، حتى تمكنت من القبض على الشيخ فرحان وثلاثة آخرين من رفاقه. ولما كانت السلطة تعلم أن الشيخ هو العقل الأول في العصبة بعد استشهاد القسام، فقد حاكمته محاكمة صورية في ثلاث ساعات موجهة إليه تهمة مقتل ’أندروز’، وأصدرت حكمها بعدها بالإعدام شنقاً.
رفض السعدي أن يتكلم في أثناء المحاكمة مدافعاً عن نفسه، فكان هادئاً وكانت كلماته قليلة جداً وجريئة، وعندما سألوه: "أأنت مذنب؟" أجاب: "معاذ الله أن أكون مذنباً!" وعندما سألوه، أثناء مفاجأته في مخبئه والقبض عليه، إن كان يملك أسلحة، أجاب بـ"نعم"، وبأنه يملك مسدساً قديماً معلقاً على الحائط في بيته.
تبرع عدد من المحامين للدفاع عن السعدي، وكانت حجتهم في الدفاع عنه أنه لم يقبض عليه وهو يستعمل السلاح، وأنه قد ذكر من تلقاء نفسه بأنه يملك مسدساً، كما أنه أكبر عمراً من أن يتمكن من القيام بأي عمل حربي. إلا أن المحكمة العسكرية (التي تألفت قبل أيام قليلة، في 11 نوفمبر) لم تأخذ بأي من هذه الحجج ولم تستمع إلى النداءات العربية الصادرة من فلسطين ومن خارجها بتخفيف حكم الإعدام، فقد قررت الحكم ونفذته في 22 نوفمبر1937، وقيل في 27 . ولم تبالِ بكون الشيخ السجين صائماً في شهر رمضان، فنفّذ فيه الحكم. إلا أن النتيجة جاءت على عكس ما توخته حكومة الانتداب، إذ لم يحدث في تاريخ البلاد أن أعدم شيخ في مثل عمره، وفي شهر رمضان المبارك.
أدى إعدام السعدي إلى انبعاث الحماسة الجماهيرية الثورية من جديد، وقد اشتهرت حادثة إعدام السعدي إلى درجة أنها طغت على دوره الكبير، وعلى حقيقته كباعث رئيسي من بواعث الثورة، إلا أن رفاقه يعترفون له بذلك، فقد لقبه المؤرخ القسامي صبحي ياسين بـ"المجاهد الصادق"، كما ذكر بأنه "خليفة الشهيد القسام وأول من أطلق رصاصة في سنة 1936".
ويبقى الشيخ فرحان السعدي منارة من منارات الجهاد، ومدرسة للمقاومة ينهل منها المقاومون على مدار الزمان.
المراجع:
عبد الحكيم سمارة
الجيلاني.. رحل بعد ان حدد الطريق للتحرير!…
بقلم: عرفات حجازي – جريدة الدستور السبت، 24 أغسطس/آب، 2002
صقر أبو فخر – تشرين الثاني 2010
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية – 2016
الموسوعة الفلسطينية.
جريدة “الزوبعة” التي كان يصدرها أنطوان سعاده في الأرجنتين.
مجلة “اليرموك” في عددها رقم 13206 شهر مايو (أيار) سنة 1927.
مجلة “الشرق” لصاحبها موسى كريّم الصادرة في سان باولو ، وفي العدد 20 تشرين أول 1936
الدباغ، مراد مصطفى، بلادنا فلسطين، إصدار دار الهدى كفر قرع، 1991، ص 617.
النمر، إحسان، تاريخ جبل نابلس والبلقاء، ج1، مطبعة جمعية العمال التعاونية، 1975، ص 219.
الحنبلي، مجير الدين: الأنس الجليل في تاريخ القدس الجليل جزآن، مكتبة المحتسب، عمان الأردن، سنة1973
الساريسي، عمر عبد الرحمن: الحكاية الشعبية في المجتمع الفلسطيني دراسة ونصوص، مؤسسة الدراسات العربية والنشر، ط1، سنة 1980.
النمر، إحسان: قضية فلسطين في دورها البلدي، مطبعة جمعية العمال التعاونية، نابلس، سنة1975.
حسين، أحمد خليل كايد، من سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة ( رقم 22) قرية بيت نبالا، منشورات جامعة بيرزيت مركز دراسة وتوثيق المجتمع الفلسطيني، بيرزيت، سنة 1998 .
دانين، عزرا: شخصيات ووثائق 1913666ـ 1939، ط11، مطبعة مغنيسن الجامعة العبرية، سنة 1944.
زعيتر، أكرم، الحركة الوطنية الفلسطينية 1930ـ 1939، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، بيروت، سنة 1980.
عبد الرازق، فيصل عارف: أمجاد ثورية فلسطينية وحياة بطل من أبطالها، الطيبة، دار ابن خلدون، ط1، سنة 1995.
عرار، عبد العزيز، ومقبل، زياد: الفرية الفلسطينية بين المتحول والثابت، منشورات دار الفلم رام الله، سنة 1985.
سرحان، نمر وكبها، مصطفى: سلسلة دراسات التاريخ الشفوي لفلسطين، وعبد الرحيم الحاج محمد القائد العام لثورة 1936-1939، رام الله، ط1، عام 2000.
الجمعية العلمية الفلسطينية، الشيخ رشيد عبد السلام 1907-1994، الموسوعة التربوية الفلسطينية، منشورات الدار الوطنية للترجمة والنشر والتوزيع، نابلس، سنة 1995.
صحيفة الدفاع- 12/5/1938-الجمعة-عدد1145-5
جريدة الجهاد ـ 1939ـ بدون عدد ـ ص 3.
المقابلات الميدانية:
أجرى الباحث مقابلات شفوية مع الأشخاص التالية:
ـ أحمد بدوان: عزون
ـ أسعد القاسم: قرية عِسلة
ـ أمين موسى عرار: كفرثلث
ـ توفيق أبو صفية: كفرثلث
ـ حامد حسن عودة: كفرثلث
ـ حسن عبدالهادي عرار: كفرثلث
ـ حسن عمر مصطفى عوده: كفرثلث
ـ داود أحمد الأشقر: كفرثلث
ـ سلامة بكر: عزون
ـ عبد الحافظ موسى عرار: جلجولية
ـعبدالخالق يحي سويدان: عزون
ـ عبدالعزيز إسماعيل عوده: كفرثلث
ـ عبدالعزيز جوده: عزون
ـ عبدالله عبدالعزيز جودة: عزون
ـ عثمان مقبل: كفرثلث
ـ عيشة جوده: عزون
ـ فاطمة خاصكية زوجة ( محمد أبو دية):عِسلة
ـ فضل حواري: عزون
ـ محمد كايد سويدان: عزون
ـ محمود أسعد خطيب: كفرثلث
ـ مصطفى عبدالوهاب:كفرثلث
ـ نعمه داود شقليه: كفرثلث
ـ يحي سويدان: عزون
أسامة العيسة
القدس المحتلة ـ مؤسسة فلسطين للثقافة.
مركز المعلومات الفلسطيني – وفا
كمال نصار – 2014 مخيم غزة
د. محمد عبد القادر أبو فارس – شهداء فلسطين
ام الفحم واللجون , رحلة عبر الزمن. قراءة في سيرة المجاهد المناضل يوسف الحمدان من ابطال ثورة 1936
للكاتب : وجدي حسن جميل .
موقع بلدتنا www.BLDTNA.com
يوميات أكرم زعيتر – أكرم زعيتر
العصابات العربية – عزرا دانين
– أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية (1935 – 1939)، بيروت، 1980 .
– صالح مسعود بويصير: جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، بيروت، 1970.
– صبحي ياسين: الثورة العربية الكبرى في فلسطين، القاهرة، 1970 .
– محمد علي الطاهر: خمسون عاماً في القضايا العربية، بيروت،1974 .
– عبدالرحيم الحاج محمد: د. نمر سرحان و د. مصطفى كبها
– محمد عقل : عارف عبدالرازق – القائد العام لجيش الثورة في
سوريا الجنوبية ، حوليات القدس | العدد السادس عشر | خريف-شتاء 2013
عبدالعزيز أمين عرار/مشرف تاريخ وباحث فلسطيني ويكيبيديا العربية
منتديات ستار تايمز – أسماء في الذاكرة
إحسان النمر ، تاريخ جبال نابلس والبلقاء
– أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية (1935 – 1939)، بيروت 1980.
– أكرم زعيتر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية (1918 – 1939)، بيروت 1979.
– أحمد طربين: قضية فلسطين 1897 – 1948، دمشق 1968.
– صبحي ياسين: الثورة العربية الكبرى في فلسطين (1936 – 1939 ).
– خيرية قاسمية (إعداد): مذكرات فوزي القاوقجي، ج2، بيروت 1975.
– مؤسسة فلسطين للثقافة
8 من الزوار الآن
916826 مشتركو المجلة شكرا