Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الفكر السياسي > الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل - الحلقة الاخيرة

8 حزيران (يونيو) 2019

الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل - الحلقة الاخيرة

- الكتاب مرفق بي دي اف

سرايا الجهاد الإسلامي « السَّرايــــــا»

إذا حاولنا العثور على تاريخ معين لظهور « السرايا » فالمسألة سهلة ولا تحتاج إلى كبير عناء خاصة إذا انطلقنا من أول بيان عسكري لها. ولكن هذا التاريخ 15/10/1986 ليس سوى إعلان لا تاريخية. لذا فالمشكلة تظل قائمة بما أن « السرايا » ليست في الحقيقة تنظيما بقدر ما هي سلسلة من التيارات الجهادية، أفرادا وجماعات، أخذت تنمو طوال السبعينات دون أن يكون بينها روابط معينة حتى أن بعضها كان مجهولا للآخر وبعضها كان على النقيض من الإسلام. إذن، من هي « السرايا »؟ ومن هم الأفراد والجماعات المقصودة؟ وكيف وقع التفاعل بينهم؟ ومتى؟ ولأية أهداف؟ وأية علاقة لها بتفجير الظاهرة الجهادية في فلسطين؟ أسئلة كثيرة ومحيرة والإجابة عليها صعبة ومعقدة. فالأجوبة ليست متاحة لكل سؤال وتَسَقُّطها منهك لأن الكتابات التي رافقت ظهور « السرايا » نادرة جدا ومشوشة وغامضة. كما أنها جُيِّرت في الغالب لـ « حركة الجهاد الإسلامي». وفي كل الأحوال لم تشر إلى هوية محددة أو تاريخية لأي من مجموعاتها . وهذا الغموض يلاحظ في المنشورات غير المنتظمة للسرايا كما في كتابات الإسرائيليين والعرب والفلسطينيين. ووحده منير شفيق وضع نقاطا على بعض الحروف الكبيرة في « السرايا » خاصة فيما يتعلق بـ « لجنة التنظيم77 »، ربما لأنه عايش التجربة وكان أحد المشاركين في بنائها الفكري، كما يقول، أو لأنه من المفكرين الذين انتقلوا من المسيحية إلى الماركسية ليستقر في رحاب الإسلام ولتنصب أفكاره مجدداً على التأصيل لمفهوم الجهاد ودور الإسلام في التصدي للهجمة الغربية الرأسمالية والصهيونية على فلسطين والوطن العربي. أما أنه أحد قادة « السرايا » فهو خبر عثرنا عليه، بالصدفة، في إحدى المجلات العربية الصادرة في أوروبا ، ولم نعثر عليه في غيرها.

هكذا، وفي ضوء ما توفر لنا من معلومات واضحة أو ما وقعنا عليه منها في المصادر والمراجع سنعالج ثلاث مجموعات، سبقت الإشارة إليها، من المفترض أنها ساهمت في تشكيل « السرايا » أو أنها جزء منها وهي:

3. مجموعة لجنة التنظيم الطلابية. و سنعتمد في ذلك على مؤلف منير شفيق الذي يؤرخ لهذه المجموعة – التيار- التي أسماها بـ « العامل المساعد » أو « المحرِّض» على استمرار الثورة واستمرار القتال.
4. مجموعة السجون الإسرائيلية، باعتبارها أقدم جماعة إسلامية جهادية في فلسطين.

5. مجموعة طلبة الجامعات المصرية (حركة الجهاد الإسلامي) التي لعبت دورا فعالا في نشأة جماعات الجهاد في مصر.

ولا بد من الإشارة قبل البدء في ذلك إلى أن « السرايا » هي في الواقع ثمرة حراك لا تنظيمي لعدة مجموعات وقوى إسلامية وأفراد مستقلين لا رابط بينهم سوى الفكر الجهادي بحيث تسمح هذه الوضعية لأي كان بالانتساب إليها. وهذا ما سنلاحظه حين تركيب المجموعات الثلاثة واستراتيجيات العمل لديها.

الفصل الأول

الجماعــات المكونــة

أولا: جماعة لجنة التنظيم الطلابية

هذه المجموعة هي عمود « السرايا » الإستراتيجي. والحديث عنها قد يطول ولكنه يبقى ضرورة ملحة للإحاطة بالموضوع خاصة وأنها لعبت دوراً من طراز رفيع عجزت أن تلعبه أية مجموعة داخل حركة « فتح» والثورة الفلسطينية منذ عام 1973 وحتى اغتيال أبرز قادتها مطلع العام 1988. فمن هي هذه اللجنة؟

« لجنة التنظيم الطلابي»، هكذا عرفت منذ تأسيسها، هي المؤسسة التابعة لحركة « فتح» والمكلفة بالإشراف على تنظيم الطلبة الفلسطينيين في كافة أنحاء العالم بغية تعبئتهم ونشر الوعي الثوري بينهم وتسهيل التحاقهم بالثورة وتدريبهم وتوزيعهم على القوات العسكرية في حالة التطوع أو تعرُّض الثورة لمخاطر هجمات معادية من إسرائيل أو القوى المحلية والإقليمية والدولية. وكان محمد محمد بحيص (أبو حسن) الشخص المكلف بإدارة اللجنة والإشراف على عملها ورسم خططها واستراتيجياتها التنظيمية والعسكرية. وفيما بعد انضمت الشخصية المركزية الثانية للجنة وهي محمد باسم سلطان التميمي (حمدي أبو جواد). ولد محمد بحيص الشهير بـ « أبو حسن قاسم» سنة 1944 لعائلة فلسطينية ريفية معروفة تعيش في قرية يَطّا قضاء مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة. وبعد أن أنهى دراسته الثانوية في المدينة أرسلته عائلته لمتابعة الدراسة في مصر فتخرج من جامعة الإسكندرية حاملا درجة البكالوريوس في التجارة والأعمال. وبعد عودته شرع في البحث عن عمل فحطت به الرحال في مدينة العقبة جنوب الأردن سنة 1967 حيث حاول العمل في مينائها التجاري. وهناك كانت الانعطافة في حياته حيث التحق بحركة « فتح». وبعد رحيل الثورة الفلسطينية عن الأردن ووقوع الأزمة توجه إلى بغداد وليس إلى بيروت. وكانت بغداد في مطلع السبعينات تعيش حياة سياسية وفكرية نشطة في باحات الجامعات ومكاتب المنظمات الفدائية. ثم توجه إلى بيروت سنة 1973 حيث تولى مسؤولية لجنة التنظيم الطلابية. أما زميله محمد التميمي الشهير بـ « حمدي» فيصغره بحوالي ثماني سنوات. إذ ولد في مدينة الخليل في14/12/1951. وهو سليل عائلة عريقة. وبالكاد أنهى الثانوية العامة في السجن ليلتحق بعدها بحركة « فتح» سنة 1967.

ولِمَن قُدِّر له التعرف على شخصية هذين الرجلين سيكتشف أنه أمام شخصية واحدة انشطرت إلى نصفين، فمنذ تعرفا وعملا معا لم يفترقا ولم يختلفا، وبلغ الاندماج بينهما حد التماثل وحد الموت. وفي الثورة خاضا المعارك كلها معا. وكان ظهور أحدهما في أحد المواقع أثناء المعارك يكفي « لرفع معنويات جيش بكامله حسبما يصرح به أصدقاءهما». وبسبب عملهما في « القطاع الغربي»، المؤسسة التي تضم لجانا عدة مهمتها العمل في الأرض المحتلة، أجادا التنظيم والقدرة البارعة على التخفي وطوَّرا وسائل الاتصال ومارسا العمل الميداني بالتناوب دون انقطاع. وعلى المستوى الفردي لا يندهش المرء للهدوء والقناعة التي تميزهما بل للابتسامة والدفء الذي لا يفارقهما وللود تجاه الآخرين حتى لو كانوا خصوما، وللأخلاق السامية التي لم تنحدر يوما لتمس من إخلاصهما وصدقهما وللعمل بلا كلل أو ملل تحت كل الظروف، بل وأصعبها. ومع كل ذلك يبقى ثمة فارق أساسي بينهما هو تميز محمد بحيص بالقيادة الصارمة والمراقبة الدقيقة والمستمرة ومتابعة أدق التفاصيل عن فعاليات العمل. وهذا ما كان يقرّ به كل « التيار» الذي أسسه أبو حسن قبل غيره. وبعد اغتيالهما تبينت جسامة الخسارة التي تعرضت لها « السرايا » بالنظر إلى الخبرة الهائلة لكليهما والتي ما كانت متوفرة للآخرين لا في « التيار» ولا في « السرايا ». لهذا فالمعالجة لهذه المجموعة ستطول لاسيما وأنها انطلقت من الأيديولوجية الماركسية إلى الإسلام الجهادي في ظروف صعبة ومعقدة تغطي جانبا خفيا من تاريخ حركة « فتح» والثورة الفلسطينية بعد الخروج من الأردن.

البنى التحتية الستراتيجية

ترتبط نشأة هذه المجموعة، التي ستتحول إلى تيار واعد، بأزمة حركة « فتح» والمقاومة الفلسطينية بعد الخروج من الأردن (1970) وخسارة أطول وأهم ساحة مواجهة مع إسرائيل. وهذا يعني فشل لنظرية « التوريط» التي عبرت عنها « فتح» لدى انطلاقتها والتي كانت تستدعي في إحدى مضامينها تهيئة الظروف المناسبة لجر إسرائيل والدول العربية، المحيطة بفلسطين، إلى حرب شعبية مجالها الجغرافي والديمغرافي الأردن بالدرجة الأساس، ثم لبنان وسوريا ومصر. غير أن هذا المخطط قُضِي عليه بهزيمة المقاومة الفلسطينية وإخراجها من الساحة الأردنية بحيث مثلت الخسارة هذه حلما تحطم في المهد ووضع المقاومة أمام المأزق التاريخي. البديل؟ فتجلت الأزمة بنوع من اليأس والقنوط وتراجع في فعاليات العمل الفدائي وازدياد الهجمات الإعلامية والسياسية والأيديولوجية لحمل الثورة على التخلي عن مسار انطلاقتها بتحرير كامل فلسطين والقبول سريعا بمبدأ التسوية السياسية للصراع. وفي هذا الإطار انفجرت حرب سجالية من الحوارات السياسية والأيديولوجية بين المنظمات الفلسطينية كان كبار القادة ومفكري الثورة في طليعتها. ولم تنج الفصائل ذاتها على المستوى الداخلي من هذه الحرب التي استعرت حدتها. ومن الطبيعي أن تكون أكثر حدة داخل « فتح» كبرى المنظمات وصاحبة القيادة حيث نشطت الحوارات على مستوى القيادات الوسطى وبعض القيادات العليا لتسفر عن تبلور تيار معارض للخط الأيديولوجي والسياسي للحركة والقيادة العليا على السواء ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى الانقلاب على القيادة التاريخية أو الانشقاق عنها إلا في مراحل لاحقه. في الأثناء كان محمد بحيص في بغداد حيث مكث عامين هناك بعد الخروج من الأردن، وعاد إلى بيروت ليتولى مسؤولية لجنة التنظيم الطلابي الإطار التنظيمي التابع لحركة « فتح» والمنفصل عن الاتحاد العام لطلبة فلسطين. وكانت الحركة الطلابية في الجامعات اللبنانية في وضعية من الغليان السياسي والأيديولوجي إزاء الأزمة تفوق وضعية أي من المنظمات المسلحة. وفي كل جامعة كان ثمة تنظيم طلابي متوهج غير أن نشاطه لم يتجاوز حرم الجامعة. وظلت هذه الوضعية سائدة حتى الشهور الأولى من عام 1973، السنة التي شهدت أحداثا جساما تمثل الأول في اغتيال ثلاثة من القيادات الفلسطينية واندلاع أحداث الثاني من شهر أيار/مايو بين الثورة الفلسطينية والجيش اللبناني بهدف السيطرة على المخيمات الفلسطينية وضرب الثورة. وحدث آخر، وهو الأهم، تمثل بتبني قيادة « فتح» لبرنامج النقاط العشر (البرنامج المرحلي) كأحد إفرازات حرب تشرين أول/ أكتوبر ثم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر في القاهرة سنة 1974 وتبنيه البرنامج. وفي البداية كان محمد بحيص أول من تصدى لهجوم الجيش اللبناني. وكانت « أحداث أيار» الشرارة الأولى في إخراج الجسم الطلابي من أحرامه الجامعية وإشراكه في مهمة الدفاع عن الثورة. وتبعا لذلك تقرر تشكيل مجموعات عسكرية من التنظيم الطلابي استهدفت بالدرجة الأساس حراسة مَعْبَر جسر الكولا – الجامعة العربية على الساحل الغربي لمدينة بيروت والمدخل الرئيس نحو المخيمات ومقرات المنظمات الفلسطينية ومؤسساتها القيادية والإعلامية والمالية.

لا شك أن إقرار البرنامج المرحلي الذي صاغته، أصلا، الجبهة الديمقراطية عَقّد الأزمة وأدخل كافة القوى في عملية فرز سياسي لجهة تأييد البرنامج أو معارضته. وكانت النقطة الثانية المتعلقة بـ « إقامة السلطة الوطنية المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها» هي الأكثر إثارة ومجلبة للقلق لدى « التيار العام المعارض» داخل « فتح» والذي خشي أن تكون « النقطة» والبرنامج المرحلي، إجمالا، بداية التراجع عن الميثاق الوطني الفلسطيني أو برنامج « فتح» الداعيان إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر والدخول في مساومات تنتهي بالتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. وقد عبر عن هذه المخاوف العديد من رموز المعارضة أمثال ناجي علوش، منير شفيق، سميح أبو كويك، محمد داوود، محمد بحيص، سعد جرادات وآخرون.


1. السرية الطلابية

استمرت المجموعات العسكرية الطلابية بأداء مهامها حتى وقوع حادثة « عين الرمانة» في13 نيسان/ أفريل 1975 وهو الحدث الذي يؤرَّخ فيه لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان . وعلى الفور تسببت الحادثة باستدعاء ممثلي التيار المعارض لتقييم الموقف في أجواء بالغة الحدة من الاضطراب السياسي والاجتماعي. وخلص المجتمعون إلى معارضة الدخول في مواجهة مع القوى اللبنانية المعادية وفي مقدمتها حزب الكتائب لتجنيب الثورة خطر الانجرار إلى معارك داخلية وخشية تفكك التيار المعارض لـ « السلطة الوطنية» أو تصفية التنظيم الطلابي الرديف القوي للتيار. بيد أن سعد جرادات ممثل لجنة التنظيم والحركة الطلابية شذ عن الإجماع ودعا إلى ضرورة الدخول في مواجهة محدودة عسكريا وذات أهداف سياسية واضحة تتمثل في الدفاع عن الثورة وحقها في التواجد على الأراضي اللبنانية بمقتضى اتفاقية القاهرة سنة 1969 وحماية الشعب الفلسطيني والقوى اللبنانية المساندة وردعا للقوى المعادية حتى لا تتكرر حوادث أخرى مشابهة بشرط عدم الانزلاق إلى مخاطر الحرب المدمرة. وطالب « جرادات» أن يتناسى المعارضون خلافاتهم والتماسك لإنجاح هذه المهمة. وفي المقابل كان توجه القيادة الفلسطينية وداخل حركة « فتح» بالتحالف مع القوى اللبنانية المساندة يسير بسرعة فائقة نحو تصفية القوى المعادية. وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسة بين لجنة التنظيم وقيادة « فتح» والمنظمات الأخرى بما فيها التيار المعارض الذي انحاز بأغلبية رموزه إلى جانب القيادة. وفي خضم الخلاف بدأت لجنة التنظيم تشكل تيارا مساندا لأطروحاتها مستقلا عن التيار العام المعارض، وبرز السؤال المركزي أمام اللجنة: كيف يمكن الدخول في مواجهة بينما أحدا من قادة التيار الجديد إما أنه لم يمارس العمل العسكري سابقا (أي ليس محترفا) وإما انه ليس قائدا لقوات عسكرية يمكن استخدامها في إسناد الأطروحات الجديدة لا أطروحات القيادة ؟

إن الإجابة على السؤال وجهت الأنظار نحو الحركة الطلابية حيث المجموعات العسكرية الأولى مثلت المدخل إلى تشكيل « السرية الطلابية» بقيادة سعد جرادات ولحظة التفاعل التاريخي والإستراتيجي بين لجنة التنظيم والشُعَب التنظيمية الطلابية في الجامعات اللبنانية والنواة العسكرية الأولى للطلبة الفلسطينيين في كافة أنحاء العالم. وضمت التشكيلات الأولى نحو 80 طالبا وطالبة فلسطينيين ولبنانيين ساعد في تدريبهم وتسليحهم وتموينهم، سرا في البداية، عسكريون من « فتح» بينهم جواد أبو الشعر المسؤول عن قوات الميليشيا في الحركة على الساحة اللبنانية و « نعيم» قائد أحد الكتائب العسكرية ومحمد علي أحد ضباطه و« بلال» قائد كتيبة القطاع الأوسط. وبهذا التشكل للسرية أرست لجنة التنظيم الأساس لتيار سياسي وعسكري متميز داخل « فتح» وعلى مستوى الثورة الفلسطينية. ونجحت في تجاوز مهمات المراقبة الثابتة والتمتع بديناميكية مستمرة لتدخل الحرب الأهلية على الأسس التالية:

• التعاون مع اللجان الوطنية العاملة في « فتح» ومع المستقلين من مشارب شتى.
• التعاون مع الاتجاهات السياسية والاجتماعية والدينية المحلية من القوى اللبنانية ونسج علاقات متينة ومتشعبة معها تتجاوز رغبات القيادة في حركة « فتح» أو القيادة الفلسطينية عموما بهدف ترتيب وتنظيم صمود الشعبين اللبناني والفلسطيني وحمايتهما بما في ذلك القوى اللبنانية والفلسطينية وعدم استبعاد أية جماعة محلية صديقة.
• الانتشار عسكريا في المواقع الخطرة عملا بشعار « نذهب حيث المهمات الأصعب». وفعليا تواجدت « السرية» في مناطق البرجاوي، الخندق الغميق، الدامور، صنين، التلة الفرنسية، بحمدون، الجبل…الخ
• اعتبار المواجهة القادمة مع القوى المحلية المعادية مؤقتة تستهدف تصحيح الموقف إن أمكن ودون الانجرار إلى معارك مصيرية ينبغي أن تكون ضد إسرائيل لا مع غيرها. أي عدم السماح بالاستنزاف المادي والمعنوي للثورة، والالتزام بمعايير أخلاقية للحرب حتى لو لم يلتزم بها أحد من القوى المتخاصمة.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية (1977) كانت السرية الطلابية في منطقة « بحمدون»، وقررت على الفور، وفي غضون اثني عشر ساعة من توقف القتال، الانسحاب والتوجه إلى جنوب لبنان الذي كان يشهد استنزافا في القوات وتوسعا في الجيب الحدودي الذي تسيطر عليه القوات اللبنانية المتحالفة مع إسرائيل بقيادة الرائد العسكري سعد حداد الضابط في الجيش اللبناني. واتخذت « السرية» من محور « بنت جبيل – رشاف» مقرا لقواتها. وبفضل المعارك الناجحة التي خاضتها « السرية» فقد اعترفت بها قيادة حركة « فتح» وتحولت إلى كتيبة حملت اسم « الجرمق» وأصبحت إحدى أهم التشكيلات العسكرية الرئيسة والفعالة لقوات القسطل المرابطة في جنوب لبنان، ومع هذا الاعتراف تحول كادرها الطلابي الذي تمرس في الحرب الأهلية إلى ضباط محترفين . وظلت كتيبة الجرمق تمارس نشاطها كأفضل قوات عسكرية في الثورة الفلسطينية وتتمتع قيادة وأفراداً بتماسك منقطع النظير ونشاط شمل معظم الأراضي اللبنانية حتى نهاية العام 1983 حيث قررت لجنة التنظيم وقادة الكتيبة حلها وعدم إعادة تشكيلها بعد أن أيقنوا أن الثورة الفلسطينية في صيغتها قبل غزو بيروت (1982) أو انشقاق « فتح» قد ولت إلى غير رجعة، وأن مرحلة جديدة قادمة لها خصائص مختلفة وأدوات مختلفة توشك أن تبدأ.

2. مهمات الأراضي المحتلة

بعد انتهاء الحرب الأهلية وتأمين قوة ضاربة في جنوب لبنان توجهت الأنظار نحو الأراضي المحتلة لاستئناف النشاط الفدائي هناك حيث إسرائيل الدولة الغاصبة والمحتلة هي الهدف النهائي للثورة الفلسطينية. وفي هذا السياق يذكر منير شفيق، صاحب المحاولة التأريخية الأولى للتيار، أن التركيز على الأرض المحتلة كان، أصلا، مبعث تكونه وتميزه عن التيارات الأخرى داخل حركة « فتح» خاصة بعد خروج الثورة من الأردن وشيوع الاعتقادات التي روج لها البعض بأن الثورة انتهت، وأن العمل الفدائي ضد إسرائيل انحسر وشُلت فاعلية التأثير السياسي الفلسطيني مقابل صعود التأثير السياسي العربي والإسرائيلي الهادف إلى تمرير تسوية سياسية تنهي الصراع العربي– لإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية. وفعليا، بدا الأمر مواتيا. إذ روجت سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي عزمها على إجراء انتخابات بلدية في الأراضي المحتلة (الداخل). وعلى الفور خيم على قيادة « فتح» والثورة « شبح القيادة البديلة». في الأثناء كان كمال عدوان، عضو مركزية « فتح»، يشغل مهمة العمل الفدائي في الداخل ضمن مسئوليته عن جهاز « القطاع الغربي». ورأى « لإثبات قوة » « فتح» و« الثورة » إرسال مجموعات مقاتلة إلى الداخل انطلاقا من جنوب لبنان لتوجيه إنذار غير مباشر لكل من ينقاد إلى ما اعتبر في حينه « مؤامرة القيادة البديلة»، والمقصود بذلك بعض النخب الاجتماعية التي انضوت تحت اسم « الشخصيات الوطنية» خاصة تلك الناشئ نفوذها عن ارتباط مصالحها الاقتصادية في الأردن من جهة وبتسهيلات إسرائيلية إزاء نشاطاتها السياسية وطموحاتها الاقتصادية من جهة أخرى .

بطبيعة الحال توجه كمال عدوان إلى الجنوب اللبناني متجولا بين قواعد المقاتلين لاختيار المتطوعين. وكانت صدمة له لما فوجئ بقلة العدد، وعدم الاستعداد، وهبوط المعنويات. والأسوأ من ذلك تضاؤل الخبراء في مناطق الحدود والجليل الفلسطيني المحتل. كانت خيبة الأمل كبيرة، والجولة التي شاع خبرها سلبا جاءت لتدلل عند بعض التيارات على فشل القيادة دون أن تقدم بديلا ملموسا. هذه الحادثة التقطها محمد بحيص الذي رأى في نتائج الجولة « ثغرة» ينبغي التقدم لسدها بدلا من الحوارات العقيمة والطويلة التي تخاض بين جدران المكاتب. وحتى لا تعيق الحرب الأهلية هذا الاختيار فقد تناوب محمد بحيص ومحمد التميمي على متابعة العمل طوال الفترة ما بين سنتي 1975-1980 . على كل حال فالنشاط الفدائي في الداخل شهد ركودا في أعقاب الخروج من الأردن واغتيال كمال عدوان. وما أن اندلعت الحرب الأهلية حتى أصيب بالشلل، إما بسبب المشاركة الكبيرة لإطارات القطاع الغربي في الحرب الأهلية أو من جراء منح الأولوية لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان أو الاهتمام بالعمل السياسي على حساب العمل العسكري في ضوء البرنامج المرحلي. لذا فالتوجه الجديد، بعد انتهاء الحرب الأهلية، نحو الأرض المحتلة على الرغم من كونه ليس الوحيد إلا أنه يظل يعني تميزا ملحوظا في إطار جهود أخرى كانت تبذل لتفعيل المقاومة في الداخل. وعمليا نجحت جهود لجنة التنظيم بتأهيل مجموعتي مغاوير متمرسة والدفع بهما نحو الأراضي المحتلة ليس بهدف اجتياز الحدود والاشتباك مع العدو في مكان ما ثم الانسحاب إن أمكن، وكما كان معتادا في مثل هذه العمليات، بل في اجتياز الحدود والتمركز في الجبال وقيادة العمل الفدائي من هناك تحت الاحتلال وليس من الخارج. هذه هي العلامة الفارقة في مخططات لجنة التنظيم. الانتقال إلى مواقع متقدمة في محاربة إسرائيل، اقتحام عقر دار الاحتلال والتربص به وخلق حالة جماهيرية وتنظيمية ضده والتخلي عن أسلوب الاشتباك والاصطدام مع الاحتلال في عمليات منعزلة ومتباعدة لا تمس الجماهير الفلسطينية والعربية التي ينبغي أن تشعر كأنها شريكة في المقاومة لا رقيبة أو متلقية لضربات الاحتلال الانتقامية والتي تطال الجماعات وليس الأفراد فقط.

هكذا تكاملت مهمة التيار وأهدافه الإستراتيجية. ذراعان عسكريتان ضاربتان ومتميزتان، واحدة في جنوب لبنان وأخرى في الداخل. ولقد خلفت هذه المسيرة العشرات من الشهداء وفي مقدمتهم غالبية المؤسيين بمن فيهم سعد جرادات ومحمد بحيص ومحمد باسم التميمي ومروان الكيالي وعلي أبو طوق . وتمكن هذا الأداء المتميز للتيار من فرض احترامه على مجمل التيارات داخل « فتح» وعلى القيادات الفلسطينية، ولكنه ظل منبوذا على المستوى السياسي. وغالبا ما تعرض للمضايقات والاتهامات والاضطهاد والحرمان حتى أن أحد قادة المنظمات الماركسية الفلسطينية اعتبره الأخطر على الثورة ربما لأنه كان يشكل خطرا على البرنامج المرحلي والتوجهات السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية (المنظمة).

تاريخية المجتمع السياسي والروافد التنظيمية للتيار

لم تؤد الخلافات المضطردة مع قيادة « فتح» والثورة الفلسطينية إلى احتواء التيار أو عزله أو تقليص فعالياته السياسية والعسكرية والتنظيمية على الساحتين السياسية والاجتماعية خاصة في لبنان. وفي الهامش الذي أتيح للتيار العمل في نطاقه يمكن ملاحظة قيامه بشكل مبكر بتركيز بنية تحتية تنظيمية وسياسية قوية كان لها شأن عظيم في حماية التيار ذاته، وفي مواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982 حين خاض التيار حرب استنزاف ناجحة ضد قوات الغزو لم يحدّ من كثافتها وتأثيرها إلا الانشقاق الذي تعرضت له « فتح» والمنظمة صيف العام 1983 . أما في الداخل فإن جانبا كبيرا من العمليات العسكرية ضد سلطات الاحتلال خططت لها ونفذتها لجنة التنظيم التي أصبحت جزء من القطاع الغربي واشتهرت بـ « لجنة77 ». ولم يكن غريبا، إزاء هذه الوضعية، أن تبرز فكرة « السرايا » من رحم لجنة التنظيم وعلى الساحة اللبنانية بالذات.

1. الجماعات الطلابية والتلمذية

في بداية إرهاصات تشكُّل التيار ركزت لجنة التنظيم على طلبة الجامعات اللبنانية فأقامت شُعَباً طلابية في مختلف الجامعات منها الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية وابتعدت اللجنة في نشاطها التنظيمي عن أية صبغة قومية أو عقدية. فلم يقتصر نشاطها على الطلبة الفلسطينيين أو المسلمين دون المسيحيين بل امتد ليشمل الطلبة اللبنانيين والعرب بغض النظر عن دياناتهم. ولم يلاحظ قط استعمال اللجنة لأي معيار اجتماعي أو سياسي يميز أو يفاضل بين الطلبة ولا حتى معايير أيديولوجية البتة. فالهدف الثابت هو تنظيم الجماعات الطلابية وتأهيلها لغرض محدد هو التوعية وإدراك قيمة الثورة وقدسية القضية والدفاع عنهما، والتحلي بنكران كبير للذات، وبناء الشخصية الجديرة بمواجهة خصم فريد بعناده وشدته وصلابته، ومدعوم من أعتى القوى الاستعمارية في العالم. بهذه المنهجية التنظيمية وفرت اللجنة حشدا طلابيا تمثل بمراكز قوى في الجامعات وقيادات طلابية فذة كان مروان الكيالي واحدا من أعظم أركانها وأكثرهم شعبية. وكان التركيز على الجامعات اللبنانية كونها على تماس مباشر بالثورة. ولأن أزمة هذه الأخيرة انعكست على الحركة الطلابية الأكثر حساسية للأحداث من غيرها. وغدا طلبة الجامعات اللبنانية ذوو وعي حاد بمجريات الأحداث التي كانت تناقش وسط فضاءات فكرية مفتوحة وأشد سخونة من الفضاءات الجامعية الأخرى للطلبة الفلسطينيين والعرب في العالم.

ورغم هيمنة اللجنة على الشُّعَب التنظيمية الطلابية إلا أن اهتمامها وتوسيع روافدها لم يقتصر على طلبة الجامعات. إذ نشطت بين تلاميذ المدارس الثانوية وأحدثت في صلبها شعبة « الروابط الثانوية» والتي من خلالها سيبلغ الامتداد التنظيمي للجنة ذروته عبر عمود لا يلين ولا يعرف المستحيل هو علي أبو طوق الذي يستحق بجدارة فائقة لقب « دينامو الثورة». فقد كان « أبو طوق» مسؤولا عن النشاطات النقابية في المدارس الثانوية خاصة ما يتعلق بتنظيم الانتخابات التلمذية والإشراف على سيرها. وفي خضم مهمته هذه نشط في تركيز بنية تنظيمية رديفة بين تلاميذ المدارس وتوسيع نشاطاتها بحيث مكن اللجنة من الحضور في كل المدن اللبنانية والمناطق الجهوية وعشرات القرى. ومع نهاية الحرب الأهلية في لبنان صارت اللجنة والسرية الطلابية تشكلان « حالة ثورية مساندة» في كامل أنحاء لبنان . أما في الخارج فقد امتدت الشبكة التنظيمية نحو الجامعات العربية والأجنبية خاصة في الدول التي تشهد تواجدا طلابيا فلسطينيا كثيفا كالعراق وسوريا ومصر والباكستان وألمانيا والاتحاد السوفياتي ومنظمة الدول الاشتراكية أو تلك الدول التي تشهد حضورا ديمغرافيا كبيرا للفلسطينيين فيها خاصة دول الخليج العربي، فضلا عن التعاطف الواسع الذي حظي به التيار من قبل المتطوعين العرب وحتى من بعض الأوروبيين.

2. الجماعات المقصاة في المجتمع اللبناني

إن كسب الجمهور والجماعات السياسية والاجتماعية بمختلف تشكيلاتها هو غاية كل ثورة في أي مجتمع. بيد أن حادثة « عين الرمانة» وما تلاها كانت لحظات فصم في العلاقة بين الثورة والجماهير في لبنان. فالحادثة تسببت في تصعيد التوتر وقلبت كل المعايير وأسس العلاقات ما بين الثورة الفلسطينية والتركيبات السياسية والاجتماعية والطائفية القائمة في المجتمع اللبناني. كما غيرت الموازين التي جلبت الأزمات والكوارث على حاضر الثورة ومستقبلها. وفي السياق ليس واردا الحكم على التعامل مع الحادثة ومخلفاتها بالخطأ أو بالصواب بل الكشف عن الفرص المتاحة أمام التيار في توسيع قاعدته السياسية والتنظيمية والجماهيرية المساندة لأطروحاته وتوجهاته.

وفي البداية لنشخص الحالة الاجتماعية في لبنان باستعمال التحليل السياسي لمكونات الدولة للتعرف على ماهية الحكم فيها ومضمونه الاجتماعي؟ ولا شك أنه شاع وجهتي نظر بهذا الخصوص ابتداءً من السبعينات وكلاهما تطابق في مستوى النتائج. الأولى ترى أن النظام السياسي القائم يبدو تلقائيا نظاما تسوده الطائفية الدينية بحيث تتوزع مراكز القوى السياسية فيه على الطوائف الدينية. فالمسيحيون، لاسيما المارونيون، يحظون بأهم الامتيازات والمراكز كرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية وقيادة الجيش والمخابرات العامة والبنك المركزي فضلا عن غالبية المراكز الاقتصادية والسياسية الحساسة في الدولة. أما السنة فلهم، على الأخص، رئاسة مجلس الوزراء، والشيعة رئاسة مجلس النواب، ولم يتبق للطائفة الدرزية سوى التنقل بين الوزارات خاصة وزارتي الداخلية أو السياحة. وهذه التركيبة السياسية للطائفتين لا زالت حقيقة ساطعة طالما ظل الدستور اللبناني بصيغته الحالية قائما كأحد مخلفات الاستعمار الفرنسي. أما وجهة النظر الثانية فقد تجلت مع ظهور الأحزاب الشيوعية اللبنانية حيث نشطت التحليلات الطبقية للمجتمع اللبناني. وقدم الحزب الشيوعي اللبناني خلاصة مؤداها أن لبنان هو « دولة ألـ 4% » وأن هذه النخبة من السكان تسيطر على ما تبقى من المجتمع اللبناني، حيث يلاحظ الفقر والحرمان في جهاته الأربع، وبالتالي فالهيمنة ليست طائفية سياسية فحسب بل اقتصادية. وأن النخب المتنفذة سياسيا هي ذاتها المتنفذة اقتصاديا. وبالرغم من أن كلا التحليلين صحيح إلا أن التوازن السياسي في لبنان قلما اهتز، منذ الاستقلال، بفعل التوزيع المجحف للثروة. وبالكاد يشكل عاملا مساعدا بعد وقوع الأزمة وليس قبلها مقارنة بما تحدثه الطائفية السياسية ربما كون جزء من ألـ « %4» ينتمون إلى معظم الطوائف الدينية المتنفذة.

إذن، في فضاء هذه التركيبة السياسية وقعت حادثة « عين الرمانة» وأدت إلى قطيعة ما بين الأطراف. وتغيرت معايير التحالفات حيث بدأ الفرز أولا على قاعدة « وطني– عميل» ثم انتقل إلى داخل التحالف الثوري ليصار إلى « رجعي– تقدمي». أما في الجانب المعادي فقد اتخذ الفرز صيغة عنصرية قومية « فلسطيني– لبناني» ثم تصاعدت حدته إلى طائفية دينية « مسلم – مسيحي» ليصل ذروته إلى إنكار انتماء لبنان إلى محيطه العربي « الغرباء – اللبنانيين». وكانت بداية الفرز حين وافق كمال جنبلاط رئيس الحركة الوطنية اللبنانية على قرار يقضي بـ « عزل» حزب الكتائب. أي إقصائه عن الساحة السياسية الرسمية والشعبية وتصفيته باعتباره حزبا عنصريا وعدوانيا. ولم يكن ياسر عرفات في لبنان حين اتخذ قرار العزل. ولما عاد قال له كمال جنبلاط: « أنا وافقت بناء على طلب قيادة « فتح» في اللجنة القيادية المشتركة اللبنانية– الفلسطينية وعليك أن توافق الآن» . وفي المحصلة فإن قرار العزل كان يعني الدخول في مواجهة بين القوى الثورية المشتركة من جهة والقوى المسيحية المارونية وفي مقدمتها حزب الكتائب من الجهة المقابلة، حتى حدثت القطيعة قبل أن تبدأ الحرب. لهذا السبب عارض التيار القرار في وقت كانت فيه المعارضة « ضربا من الجنون»، وفي ساحة وطنية اندفعت قواها المسلحة وغير المسلحة نحو التسلح وتكوين الميليشيات، فيما اندفعت القوى المعادية وذات المصلحة في اندلاع الحرب إلى الميدان لإذكاء التوتر، فكانت حربا لا أخلاقية دفع ثمنها الأبرياء من الجانبين مثلما دفعت الثورة ثمنها الباهظ والمصيري فيما بعد . السؤال هو لماذا عارض التيار قرار العزل؟ وكيف استفاد منه؟

خشي التيار أن يشكل قرار العزل سابقة في صياغة العلاقات بين القوى الثورية المتحالفة ونهج عمل مرشح للتعميم كلما نشأ خلاف بين القوى. وفعليا لم يطل الوقت حتى فرضت تيارات اليسار الفلسطيني واللبناني المتنفذة على الساحة السياسية معايير أيديولوجية على القوى الحزبية والجماعات المحلية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو مستقلة أو اجتماعية تقليدية غير منتمية. وأصاب هذا النهج المجتمع اللبناني بأخطر انقسام في وقت ينبغي الحفاظ على تماسكه لضمان قدرته على دعم الثورة ومساندتها وليس إخضاعه لفرز أيديولوجي على قاعدة « تقدمي– رجعي» أو « يساري– يميني». هو الانقسام. لأنه عنى استبعاد وتهميش القوى الإسلامية أو المعارضة لأسلوب العزل أو اللامنتميه . فكيف يمكن، مثلا، تهميش « الشيعة» بينما هم الغالبية السكانية لجنوب لبنان والضاحية الجنوبية لمدينة بيروت؟ وكيف يمكن إقامة علاقات مع القيادات الإسلامية السنية والشيعية في ظل سياسة الفرز الأيديولوجي؟ وما هي معايير التعامل مع الجماعات الاجتماعية المحلية اللامنتمية حزبيا أو اللامعبأة سياسيا؟ بل كيف يمكن القبول بتجاهل مجتمع أو السماح بتجزئته؟ لا ريب أن العديد من الأسئلة يمكن طرحها في السياق ولكن النتيجة واحدة: قرار العزل وتطبيقاته المحلية أدى إلى فك ارتباط بين الثورة والجماهير خلافا لمقررات الخطاب الأيديولوجي الثوري.

ومثل هذه الأسئلة، وأمام هذه النتيجة التي كادت تسلب عقول قادة التيار؛ ومع ذلك فمن الواضح أن الساحة للعمل غدت مريحة وشبه خالية. الأمر الذي مكن التيار من الاندفاع باتجاهها مستفيداً من الفراغ الهائل الذي أحدثه الفرز الأيديولوجي. ومن غير المتوقع ألا يجد التيار ترحيبا واسعا من مجمل القوى المهمشة، ودعما كبيرا له تنظيميا وعسكريا وسياسيا وسط قلق وسخط عارمين لدى بعض القيادات الفلسطينية كلما تكشفت علاقة التيار بالقوى المقصاة. ولا شك أن هذا الموقف وجد ترجمته في الحضور اللبناني الكثيف في كتيبة الجرمق حتى أنه تفوق عدديا وقياديا على الحضور الفلسطيني في كثير من الأحايين.

3. السجون الإسرائيلية والأراضي المحتلة

يكاد يستحيل على الباحث التعرف على الامتدادات والروافد التنظيمية لأية جماعة سياسية تمارس العمل العسكري تحت الاحتلال الأجنبي لأن سرّية العمل لا تضاهيها أية سرّية في أي مكان آخر. ولكن في السجون أو في الأراضي المحتلة يمكن الاستدلال بوجود تنظيمي للتيار ولغيره مع العلم أن علامات الاستدلال عامة ونظرية ومجردة ومن الصعب أن ترقى إلى مستوى الواقعية إلا في بعض الأحايين، من ذلك، مثلا،:
• كتابات منير شفيق التي انتشرت بين السجناء والطلبة وحتى في المجتمع وتبنيها ومناصرتها .
• الرسائل المتبادلة بين قادة لجنة التنظيم وبعض السجناء حول قضايا أثارت نقاشات عاصفة بين
الجدران على خلفية الانتقال من الماركسية إلى الإسلام .
• انتقادات محمد بحيص للصيغة التنظيمية الحادة داخل السجون فيما يتعلق بإعدام من يوصفوا بالعملاء. وذلك خشية انتزاع اعترافات وهمية تحت التعذيب حين التحقيق مع سجناء يشتبه في تعاملهم مع المخابرات الإسرائيلية وسلطات السجون.
• عديد العمليات التي تَبين أن منفذيها تلقوا التدريب والتعليمات من لجنة التنظيم وأبرزهم منفذي عملية « الدّبويا» في الخليل سنة 1980 .

القيادة وديناميات التفاعل

يفترض في ثبات التيار وديمومته واتساعه وسهولة ديناميكيته الاعتماد أساسا على الأدوار التي تلعبها قيادته والمواقف التي تتخذها تجاه الجماعات الفاعلة ونسيج العلاقات القائمة معها، وهي حركة « فتح»، والثورة والبنية السياسية والاجتماعية فيهما والأطر القيادية المختلفة من جهة والجماهير الشعبية والجماعات الاجتماعية المتنفذة فيها أو بنية التنظيم الاجتماعي في المجتمع اللبناني ومجتمع اللاجئين من جهة ثانية بالإضافة إلى البنية الاجتماعية للتيار أو العلاقة بين القمة والقاعدة من جهة ثالثة.

1. على مستوى حركة « فتح» والثورة

المعروف أن مؤسسي التيار تأثروا بمنطلقات « فتح» ومبادئها وأهدافها أشد التأثير حتى أنهم فهموها على أنها « تشكل بنية أيديولوجية متماسكة ومقدمة صحيحة لمشروع الوحدة العربية، ولمشروع نهضة الأمة العربية والإسلامية». هذا الفهم ظل قائما منذ إرهاصات العام 1973 ولمَّا يتنازل عنه التيار . غير أن هذه « البنية المتماسكة» داخل حركة « فتح» أخذت في التفكك على قاعدة البرنامج المرحلي والتسوية السياسية بضغط من التيار المعارض الذي مثل آنذاك أكبر مركز قوى داخل « فتح» متميزا في الوقت نفسه بطغيان بعض العقليات الانقلابية والانشقاقية حتى تنوعت الأطروحات الهادفة إلى وضع حد للأزمة والخروج منها، ومن بينها:

• تشكيل تكتل تقدمي يتجه نحو التحالف مع الاتحاد السوفياتي والجبهة التقدمية العربية. وكانت خشية التيار (موضع البحث) أن يؤدي هذا التحالف إلى ضرب « الميثاق الوطني» و« المنطلقات» بما أنه سوف يضطر إلى التعايش مع التحالف تحت سقف العلاقات الدولية والعربية التي تتعامل مع إسرائيل باعتبارها واقعا قائما لا يتبقى سوى الاعتراف به.

• تشكيل تنظيم « فتحاوي» حديدي يرسي دعائم نظام داخلي صارم لمواجهة ما يسمى بالعقلية الفردية والعشائرية. وكانت هذه الأطروحة تصطدم بدعاتها الذين يرون في القيادة المتنفذة عقبة أمام طموحاتهم.
• تشكيل تنظيم ماركسي – لينيني على نمط المنظمات اليسارية وكأن هذه المنظمات بريئة من الأزمة حتى تشكل نموذجا يحتذى.

ولما لم يكن وارداً في ذهن قادة التيار التحول إلى تنظيم مستقل حاضرا أو مستقبلا فقد عارضوا كل الأطروحات وراهنوا على لعب دور « العامل المساعد» الذي يرفض نزعة التشكي والتذمر أو اللامبالاة والتسيب وعدم الواقعية ويصر على أن « فتح» تتقدم، ببنيتها الأيديولوجية المتماسكة وإنجازاتها التاريخية على المنظمات الأخرى « بقانون المحصلة»، الذي يميل إلى ترجيح الإيجابيات، والدفع باتجاهها والتقليل من السلبيات وقضاء الوقت في المناقشات العقيمة بين جدران المكاتب. ولأن « فتح» ما زالت تمثل حالة ثورية عبر الكفاح المسلح لمدة تتراوح بين 5 - 15 سنة، ومن أجل الثورة والشعب، ومن أجل فلسطين ينبغي العمل على أساس الإسهام في محصلة الكفاح المسلح ضد العدو أولا ريثما ينضج المناخ الثوري العام على المستوى الدولي والعربي والإقليمي بحيث يكون دور « العامل المساعد» مقصورا على إنضاجه خلال الفترة المقترحة. وطالما أن « العامل المساعد» لا يرى أية إمكانية لإصلاح « فتح» من الداخل بتركيبتها القائمة ومواقفها السياسية الحالية، وليس ثمة مخططات لبناء تنظيم مستقل فلا بد من المساهمة في وقف التدهور أو العمل على إبطائه قدر الإمكان وإنقاذ الإطارات التنظيمية والسياسية والعسكرية، الممكن إنقاذها، من اليأس أو التخلي عن القيم الثورية والأخلاق الحميدة ووقف الاستنزاف البشري الذي تتعرض له قوات الثورة.

لا ريب أن هذه الأطروحات التي عبر عنها « العامل المساعد» طمأنت القيادة العليا في « فتح» المسكونة تاريخيا بشبح القيادة البديلة أو التيارات المتشددة ذات النزعات الانشقاقية والانقلابية أو التكتلات المعارضة. ومن الواضح أننا أمام « خطة عمل» داخلية كانت تطبيقاتها تصب في مصلحة « العامل المساعد» ونموه، وفي نفس الوقت ترضي القيادة طبقا لظروف السبعينات وطبيعة « فتح» التي كانت لما تسمح بعد للمبادرات الذاتية أن تشق طريقها نحو الظهور. غير أن الرضا تحول في كثير من الأحايين إلى عداء وبغض صريحين للعامل المساعد. فالتعبير الجريء والصارم عن المواقف السياسية والتنظيمية والعسكرية ظل يؤرق القيادة السياسية للحركة لأنه غالبا ما شكل خروجا عن المسار السياسي العام الذي رسمته. ولقد واجهت « فتح» مشكلتين في حال تَقرّر المس بالتيار، الأولى: أنه مثَّل ملاذا نفسيا أو أخلاقيا وعزاء للإطارات المحبطة والساخطة والتائهة داخل الحركة، حتى أن مسلكياته إزاء الكثير من المواقف مثلت بلسان صلاح خلف « ضمير فتح» . أما الثانية: فهي أن فصل التيار من « فتح» قد يخلق متاعب لدى الحركة التي تمسك بزمام القرار السياسي وتتقدم على كل المنظمات الفلسطينية. وإخراج التيار قد يدفعه للإعلان عن نفسه تنظيما مستقلا. وهو احتمال يظل قائما بالرغم من كونه مستبعدا عمليا لدى التيار الذي يبغض الحزبية وتعدد التنظيمات زيادة عما هو قائم. لذا وقعت القيادة في حيرة إزاء التعامل مع التيار. وفي هذا السياق ينقل منير شفيق عن محمد بحيص ردا دقيقا حول رؤية التيار لمكانته في « فتح» ومصيره فيقول: « نحن نعلن ما نراه صحيحا في السياسة والمواقف ونمارس ما نراه صحيحا ولا نبالي أًوَجَدَ ذلك قبولا من القيادة أو لم يجد، ولنترك لهم أن يقرروا بقاءنا في فتح وتحمل هذا الخط المتميز أو عدم بقاءنا. وإذا كنا راغبين في البقاء ونراه الخيار الأفضل فإننا لا نخشى من إلقائنا خارجا» .

لا شك أن كلام « بحيص» ينطوي على بدائل ليس الانسحاب من ساحة الكفاح الوطني واردة فيها باعتبار أن التنظيم السياسي ليس شرطا للعمل أو لمتابعته. أما المراهنة، في ظروف السبعينات، فكانت على أهلية التيار عبر امتداداته التنظيمية وعلاقاته الواسعة التي يمكن أن تشكل غطاء لفعالياته السياسية والعسكرية بحيث يمكن الاستغناء عن التمويل الذي تقدمه حركة « فتح»، وبالتالي عدم اعتباره عقبة أو وسيلة ضغط لتقليص فعالياته أو ثنيه عن توجهاته. والثابت أن مثل هذه الفرضية وقع اختبارها في الفترة ما بين تشكيل السرية الطلابية حتى تحولها إلى كتيبة عسكرية رسميا، وكذلك ابتداء من عام 1984 دون أن تحقق أدنى نجاح مقابل تطوع الأفراد والجماعات المناصرة في تقديم العون والتمويل اللازمين لسد الحاجة عند الضرورة.

في الواقع ثمة أسباب كثيرة، بعضها جدير بالذكر، وفرت للعامل المساعد فرصة البقاء في « فتح» أبرزها البيئة الأيديولوجية التي نشأ فيها والحركة الطلابية في لبنان. فقد شكل « العامل المساعد» جزء من « التيار العام المعارض» في بداية الأزمة التي أعقبت الخروج من الأردن. وكان قادته ماركسيين قوميين مثل بقية الرموز الذين اعتنقوا الماركسية. ولم يكن « العامل المساعد» متغيرا مستقلاً إلا مع انطلاقة الحرب الأهلية في لبنان، وبالذات من عند صدور قرار العزل ومعارضته إياه. من هنا، فقط، بدأ « العامل المساعد» ينسلخ بأطروحاته عن التيار العام المعارض الذي أخذ يتفكك وتندمج، من جديد، معظم رموزه في « فتح». ولأن نوعية الماركسية التي يعتنقها « العامل المساعد» مختلفة عن الماركسيات الأخرى فقد ووجه بعداء شديد ممن كان جزء منهم لاسيما بعد تشكيل السرية الطلابية واستقلاله وتميز أطروحاته. أما السبب الآخر الوجيه فيبدأ من العبارات الأخيرة أعلاه. فـ « العامل المساعد» بات يتحصن بقاعدة تنظيمية عريضة واسعة الثقافة وتتمتع بنضج ثوري بالغ. والمقصود بذلك الحركة الطلابية في الجامعات اللبنانية، والتي يصعب المساس بها في المناخات الثورية لأنها تتمتع بالقدرة على التأثير في الجماهير والمبادرة والاحتجاج ودقة التنظيم، وفضلا عن ذلك فهي محصنة بتاريخية القيادة في « فتح» و« الثورة » اللتين جاءت الغالبية الساحقة من قياداتهما من بين الحركة الطلابية في الجامعات. لذا فإن أي مساس بالحركة الطلابية كان يعني مساسا بتاريخية القيادة العليا ذاتها. وتبقى إشارة إلى أن الحركة الطلابية، في إطار لجنة التنظيم، باتت تمثل ثقلا عسكريا، وحالة ثورية تلبي تطلعات قطاعات واسعة داخل « فتح» فضلا عن تمتعها بدعم القوى السياسية والاجتماعية والدينية على الساحة اللبنانية وفي العميق من المجتمع اللبناني.

2. الجماهير الشعبية والجماعات الاجتماعية

تتصل هذه المسألة في حسن العلاقة مع الجماهير اللبنانية خاصة لضمان كسبها وتأييدها إلى جانب الثورة. وأشد ما يلاحظ على التيار انحيازه إلى التعامل مع الواقع الاجتماعي كما هو بتركيبته الاجتماعية والسياسية وعلاقاته ورموزه وتصوراته حتى لا يتناقض الفعل مع المنظومات السائدة. وطبقا لخطة العمل الموضوعة افترضت القيادة أن بقاء الخط السياسي للتيار وحمايته يستوجب إخضاع كل الظواهر والأحداث والنشاطات للمعاينة والمتابعة واستخلاص العبر بعد معالجتها. وإذا ما انطلقنا من السرية الطلابية أو كتيبة الجرمق باعتبارها مجتمعا مكشوفا بعكس لجنة التنظيم ذات المجتمع السري سنلاحظ بعض النماذج التي وقعت معالجتها وعكست انحياز التيار إلى الجماهير ومعتقداتها، وأدت إلى ترحيب شعبي لبناني بالسرية–الكتيبة حيثما حلت، وجعلتها، على الدوام، موضع تقدير واحترام من السكان بمقادير تفوق ما حظيت به أية قوة عسكرية أخرى ليس في « فتح» فقط بل وعلى مستوى الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.

ظاهرة الاختلاط الجنسي

غداة تشكيل السرية الطلابية من حوالي «80» طالبا وطالبة تقرر العمل في منطقة « الشّياح» في مدينة بيروت. ولم يطل الوقت حتى انتقلت السرية إلى منطقة « رأس النبع» حيث اتخذت من مدرسة عزيزة طيارة مقرا قياديا ومنطقة دعم ومساندة لوجستية. أما الانتشار العسكري فكان في منطقة متقدمة هي « البرجاوي» وسط مدينة بيروت وعلى أطراف المنطقة الشرقية منها حيث المواجهة مع القوات الكتائبية. وكانت هذه القوات تمارس أعمال القنص ضد السكان والاعتداء على ممتلكاتهم وتعريضهم لمخاطر أمنية واعتداءات جسدية وأخلاقية بين الفينة والأخرى حتى وصل الأمر إلى تهجير البعض منهم. وكانت المفاجأة أن « السرية» وقيادتها وأفرادها شعروا بالعزلة ورفض السكان للتعامل معهم بالرغم من أنهم– السرية – قدموا الحماية لهم. وكانت العزلة شاملة بما يشبه المقاطعة، ولا شك أن القيادة ذهلت لهذا الموقف فسارعت إلى الاستنجاد ببعض السكان المتعاطفين واللبنانيين المشاركين في « السرية» لمعرفة الأسباب. وتبين أن السكان غاضبون من رؤية الاختلاط الجنسي في العمل بحيث تصوروا أن المسألة الأخلاقية منفلشة بين هذه القوات في حين أن الأعراف الاجتماعية السائدة تأبى أي اختلاط جنسي، زيادة على خشيتهم الذاتية من أن تكون نساءهم ضحايا محتملات. وعلى الفور اتخذت القيادة تدابير تقضي بفصل الإناث عن الذكور وتغيير الأدوار والمهمات في إطار إعادة تقسيم للعمل. فالرجال كُلفوا بمهام القتال والتحرك بين السكان منعزلين عن النساء. أما النساء فقد تم عزلهن وتأسيس لجان إغاثة منهن وافتتاح مستوصف طبي للعناية بالجرحى والمرضى من السكان والمقاتلين على السواء، كما تأسست لجان اجتماعية مهمتها الاتصال بالسكان والتعرف على اقتراحاتهم وآرائهم حتى لا تحدث احتكاكات أو تتكرر مثل هذه الظواهر .

القرى الحدودية السبعة

الثابت أن فاعلية الموقف السياسي والعسكري في المناطق المحتلة أو المضطربة تتحدد في ظل أنماط العلاقات السائدة بين السكان من جهة وأنماط العلاقات المزمع بناؤها من قبل قوى الاستقطاب من جهة أخرى. وخشية البطش بهم أو بممتلكاتهم يميل السكان عادة إلى التزام الهدوء بحثا عن السلامة والأمان قبل أن يحددوا مواقفهم. فالمسألة الوطنية تحتم على السكان التعاون وعلى القوى المنبثقة منها نسج أفضل العلاقات معها وطمأنتها بهدف كسبها باعتبارها الرصيد الإستراتيجي أو « القوة الثالثة» في مقاومة الأعداء حسب تعبير « كلاوزفيتز». وهذا الوضع ينطبق على سكان الجنوب اللبناني.

صبيحة انتهاء الحرب الأهلية كان الوضع العسكري في الجنوب مفككا. والعلاقة مع السكان متدهورة. وفضلا عن ذلك، تقوم القوات الكتائبية المتحالفة مع إسرائيل بالمساعدة على إقامة منطقة عازلة، « حزاما أمنيا»، داخل لبنان وعلى امتداد الحدود مع إسرائيل. وكانت السرية الطلابية أول القوات التي غادرت مواقعها بعد توقف الحرب وتوجهت إلى الجنوب بهدف المساهمة في وقف توسع الحزام الأمني، وتموضعت قواتها في منطقة « بنت جبيل» الإستراتيجية. وهناك خاضت معركة حاسمة مع القوات الكتائبية في موقعة « تلة شلعبون». ونجحت « السرية» بشطر الحزام الأمني إلى شطرين. أما على جانبي خط المواجهة فقد نشأ ما عرف بـ « الأرض الحرام» وهي منطقة تتكون من سبع قرى من بينهما « ميس الجبل وحولا وعيترون ومارون الراس». وأضحت هذه القرى موضع صراع وتجاذب بين القوى المتحاربة. غير أن حسم مثل هذه الوضعية الحساسة تسبب في إشكالية، خاصة، أن موقف السكان يرفض التعامل مع القوات الكتائبية وفي نفس الوقت يرفض دخول القوات المشتركة اللبنانية–الفلسطينية إلى القرى لتجنيبها خطر الاحتلال وإلحاق الأذى بهم.

توجست القوات المشتركة خيفة من إقدام إسرائيل والقوات الكتائبية على غزو القرى واحتلالها. لذا شرعت بإرسال دوريات عسكرية إليها ليلا لاستطلاع الموقف ومراقبة تحركات القوات المعادية، متجاهلة بذلك مطالب السكان والقوى الاجتماعية المتنفذة، مما أثار حفيظة السكان وخلق استفزازات ألحقت أضرارا بالعلاقات المنشودة معهم. وفي المقابل افترضت « السرية الطلابية» أن القوى المعادية تتعامل مع القرى السبعة بوصفها « أرض محرمة» وبالتالي لا داعي لأية إجراءات تعكر صفو العلاقات مع السكان. وبما أن التهديد باحتلالها يظل قائما فمن الأولى خلق حالة جماهيرية وبناء رصيد استراتيجي من المقاومة يمكن على المدى القريب أو البعيد توظيفه في مواجهة القوى المعادية. وهذا الرصيد يستدعي الاتصال بالوجهاء والأعيان وكل المتنفذين والشباب المسيس وطنيا داخل القرى لوضع خطط التنسيق مع القوات المشتركة بدلا من التسلل إلى القرى ليلا. وكان اقتراح « السرية» هذا موضع ترحيب من السكان الذين تيقنوا من صدق النوايا. إذ حدث أن احتلت القوى المعادية صباحا إحدى هذه القرى « تلة مارون الراس» واستعادَتها « السرية» بالتعاون مع القوات المشتركة ظهر اليوم ذاته (2 آذار/مارس 1978). وكانت المفاجأة لدى القوات المعادية حين اكتشفت بعد هزيمتها وانسحابها من القرية أن « السرية» هي الأخرى انسحبت على الفور. وكانت أهمية هذه المعركة أنها أفشلت خطة القوى المعادية في تحريض السكان على الثورة وأحرجت موقف القوات المشتركة .

• السيطرة على الجنوب عنوة

لم يمض أسبوعين على معركة « مارون الراس» حتى غزت إسرائيل جنوب لبنان ووقعت القرى السبعة تحت الاحتلال ليكتمل بناء « الحزام الأمني» أو الشريط الحدودي المحتل . وفيما خلا بعض القرى المسيحية فالغالبية السكانية في جنوب لبنان هم من المسلمين الشيعة الذين يناصرون « حركة المحرومين» بزعامة الإمام موسى الصدر. وسميت الحركة بـ « المحرومين» كناية عن الفقر المدقع الذي يعيشه السكان في الجنوب وتجاهل الدولة لهم. غير أن الاسم تغير فيما بعد، ليصبح ذو دلالة، إلى حركة « أمل» (أفواج المقاومة اللبنانية) بزعامة المحامي نبيه بري. وأصبحت الحركة قوة تمثل الغالبية الساحقة من الشيعة، وتتواجد في مدن الجنوب ومعظم قراه إن لم يكن كلها. ولما كان الأمر كذلك فإن حشد الجماهير وتأمين مساندتها لانتشار القوات المشتركة من غير المنطقي أن يتحقق دون الانحياز إلى الجماهير وكسب حركة « أمل» لما تمثله من مكانة سياسية واجتماعية واعتبارية للسكان. وبغير ذلك سيبدو حضور الثورة مفروضا في واقع الأمر وليس مرغوبا. بطبيعة الحال كان الجنوب مُقصى بكل قواه انعكاسا لأيديولوجيا الفرز والتهميش التي اتُّبعت إبان الحرب الأهلية. وفي المقابل كانت السرية الطلابية (الكتيبة) محصنة بنسيج العلاقات الواسع مع القوى الدينية والوطنية والاجتماعية. وحين انتشرت قواتها في الجنوب لاقت ترحيبا متوقعا من لدن السكان. بيد أن هذا الرصيد ينبغي اختباره مجددا في ضوء العلاقة المباشرة مع السكان. وكانت بعض الأحداث المؤلمة مناسبة لترجمة « الرصيد» والتعبير عن الخط السياسي إزاء السكان. ومن هذه الأحداث معارضة الكتيبة بكل جرأة وصلابة محاولات بعض القوات المشتركة السيطرة على الجنوب بكل الوسائل بما فيها استعمال القوة مثلما حدث في بلدتي « دير قانون- النهر « في مدينة صور» و« زفتا – شمال مدينة النبطية» لما صُوِّبت الأسلحة نحو القريتين بشكل أثار فزع السكان وسخط حركة أمل. كما تدخلت معظم قوات الجرمق لفض الاشتباكات التي وقعت في بلدة « أنصار– غرب مدينة النبطية» بين القوى المتحاربة بما فيها حركة أمل. وظلت تراقب الموقف حتى الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982.

• التزام الأخلاق العامة ومطاردة المجرمين

التزم قادة الجرمق جانب العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد والمعتقدات السائدة بين السكان حتى لو كانت تخالف قناعاتهم. ويبدو الأمر ظريفا أن يكون العديد من القادة ماركسيين وفي الوقت ذاته يشاركون في الاحتفالات الدينية والمناسبات الخاصة لدى المسلمين الشيعة فضلا عن الالتزام بالصلاة والصيام في شهر رمضان فعليا حتى أنهم لُقِّبوا عند « الشيعة» بـ « الحسينيين» وهي تسمية ليس من السهل الفوز بها عند المسلمين الشيعة لما تشتمل عليه من معاني الإيمان والصدق والتضحية والوفاء. وفي عام 1980 إثر إنزال عسكري واسع النطاق قامت به القوات الإسرائيلية على المواقع الأمامية في مدينة النبطية حضرت قوات الجرمق صباح اليوم ذاته للتموضع في المنطقة. وبعد استكمال توضيع القوات فوجئ سكان المدينة بشروع القيادة بتجنيد حملة من ضباطها وعناصرها مهمتها مطاردة المجرمين واللصوص والقباضايات في المدينة وإيداعهم السجون. وأثار هذا السلوك دهشة السكان الذين لم يعهدوا مثله من قبل. كما حظرت القيادة على عناصرها التجول في المدينة أو دخول المتاجر بأسلحتهم أو التحدث إلى الناس دون أسباب موجبة أو المساس بالأخلاق العامة وكل مسلك من شأنه التسبب باستفزاز السكان.

وفعليا، فقد حقق التيار اندماجا مع الجمهور، عبر منظومته القيمية والأخلاقية التي انحازت إلى السكان. وحيثما حلت كتيبة الجرمق في أحد مناطق الجنوب كانت تطبق نظرياتها. وكانت أمنية السكان ألا تغادر « الكتيبة» مواقعها. هكذا كانت محط إعجاب ومثالا يحتذى لدى الكثير من الإطارات والقوى السياسية والعسكرية وإلا ما كانت لتحظى بلقب « ضمير فتح». وكان من الممكن أن تعمم هذه التجربة لولا أن الخط السياسي العام للثورة سار في اتجاه آخر وتحول « الضمير» إلى عبء وقلق لدى القيادة العليا.

3. العلاقة بين القمة والقاعدة

اتسم قادة التيار، إجمالا، بالشجاعة والمبادرة ونكران عالي للذات ودماثة الأخلاق والبشاشة والحرص على سلامة الأفراد وإحاطتهم بحنان أبوي. وقد مكنت مثل هذه المزايا من نسج علاقات حميمية بين القادة وضباط وأفراد مختلف الوحدات العسكرية العاملة في كتيبة الجرمق، وبين هؤلاء وقادة لجنة التنظيم. وعوضت هذه العلاقات عن الإرهاق والتعب والعمل المضني على مدار الساعة. وفيما يلي بعض النماذج الدالة على طبيعة العلاقات السائدة بين القمة والقاعدة وعلى المعايير المنظِّمة للعلاقة.

• المسألة الأخلاقية والقيمية

من المسلكيات التي حظيت بعناية فائقة التركيز على المسألة الأخلاقية باعتبارها الشرط الحاسم لأية ممارسة ثورية والحِصْن الذي يقي الفرد من الانحراف والسقوط. واستدعت هذه المسألة جهدا مكثفا لمحاربة الاتجاهات التي تحتقر الأخلاق وتعتبرها قيما رجعية. لذا وُجِّه الموقف إلى الفئات التي تفصل بين الأخلاق والثورة، وإلى الفئآت الجديدة الملتحقة بالثورة والمحملة بأخلاق وعادات وقيم متباينة، وتلك الفئآت المحملة بتصورات تتناقض مع قيم الثورة واحتياجات المجتمع. فارتكاب الزنا والفواحش ومعاقرة الخمرة والاختلاط الجنسي ظواهر حوربت بشدة كونها تنطوي على مساس بالأخلاق العامة في مجتمعات ذات طابع محافظ. كما أنها تمس من صدقية « الثائر» الذي يُنظَر إليه كالمُنَزَّه عن ارتكاب الرذائل باعتباره طليعة تطوعت بنفسها للدفاع عن الوطن أو تحريره أو حمايته. ومن يكرس نفسه لأهداف جماعية يصير ملكا للثورة والمجتمع وليس ملكا لذاته ونزواته. ومن جهة أخرى فإن المسألة الأخلاقية إذا ما خدشت فقد تشكل مدخلا للمساس بالأمن الفردي والجماعي، وبالتالي فلسنا أمام حرية شخصية ولا قيما رجعية بل ضرورة ثورية لا تخضع للانتقائية ولا للمساومة ولا للتنشئة الاجتماعية ولا للثقافات المكتسبة من هنا وهناك. أما الكذب والرياء والمراوغة فهي صفات تتناقض مع الموضوعية وتعيق الوصول إلى الحقيقة إزاء التهويل أو التقليل من المعلومات المجتمعة. وقد يؤدي الغموض إلى اتخاذ قرارات خاطئة تجر إلى عواقب وخيمة. وثمة إشارة إلى أن الانفلات والاستخفاف بالنظام والانضباط والعصبية والمزاجية ونزعة التعالي على الآخرين تظل صفات لا تنسجم البتة مع الروح الجماعية في العمل زيادة على ضربها للمعايير والتراتيب المعمول بها .

• الإعانات الاجتماعية

من الأمثلة الملفتة للانتباه موضوع المساعدات المالية للمعوزة عائلاتهم من المقاتلين. فقد تبين من التجارب أن بعض المقاتلين التحقوا بالثورة ومن ثم وقع فرزهم للخدمة في السرية الطلابية أو كتيبة الجرمق، وبينهم متزوجون يعيلون عائلات يزيد عدد أفرادها عن الستة أفراد أو أكثر. وصنف آخر التحق بالثورة وكان المعيل الوحيد أو الأساسي لأسرته. وقد نجم عن هذه الحالات الاجتماعية تضرر دخل الأسرة إما بسبب قلة المرتبات التي لا تكفي لسد احتياجات أسرهم أو بسبب التزامهم وعدم القدرة على ممارسة أعمال أخرى ترفع من دخل الأسرة. وحتى لا يؤدي هبوط الدخل الأسري إلى ضغوط نفسية على العضو قد تدفعه إلى الانسحاب من الثورة وبالتالي تفاقم مشكلة الاستنزاف البشري؛ وليطمئن المتطوع على حاضر أسرته ومستقبل معاشها، تقرر مخالفة المألوف وتأسيس « صندوق دعم المقاتل» في إطار « الكتيبة»، وهو أول مؤسسة من نوعها تنشأ داخل القوات العسكرية المكلفة، أصلا، بمهام القتال وليس بمهام اجتماعية أو اقتصادية لاسيما أن للمقاتل ضمانا اجتماعيا وصحيا كان يٌحسم من راتبه الشهري في الإدارة المالية المركزية.

وتبعا لذلك فقد كُلف قادة الوحدات في « الكتيبة» بتحري الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي للعناصر وللضباط على السواء وإبلاغ القيادة التي قررت حل كل المشاكل داخليا، بما فيها المشاكل ذات الطابع الشخصي، بهدف تجنيب المقاتل مهانة الروتين الإداري ومعوقاته المؤذية لنفسية « الفدائي» المتعالية على طلب المساعدة أو المتحرجة من البوح بها. ولأن غالبية المشاكل وقع حلها داخليا عن طريق « الصندوق» أو « المندوب المالي» الخبير بالشؤون الإدارية مع المركز والمعتاد عليها، فقد تعرض الأفراد لصدمة كبيرة حينما اضطروا إلى التعامل المباشر مع المركز. ولَكَم كانت دهشتهم مؤلمة لما بدا لهم أن « فتح» التي يعيشونها في « الكتيبة» هي غير « فتح» التي اضطروا للتعامل مع إداراتها. فلم يكن يدر أحد من العناصر المقاتلة أنهم ربما يكونون منبوذين مثل قادتهم لا لشيء إلا لكونهم من مقاتلي كتيبة الجرمق.

• الجرحى

اتبعت الثورة تقليدا مميزا إزاء المقاتلين الذين يصابوا بجروح تسبب لهم إعاقات جسدية بأن يُفرَزوا إلى المؤسسات ذات الطابع المدني كالأجهزة الإعلامية ومعامل أبناء الشهداء « مؤسسة صامد» أو العمل في المكاتب الإدارية. وفي خضم الحرب الأهلية فقدت السرية الطلابية نحوا من 40 مقاتلا في مقدمتهم قائد السرية سعد جرادات. كما أصيب الكثيرون بجراح من بينهم مروان الكيالي ومحمد التميمي وعلي أبو طوق. وأثناء تلقيهم العلاج في المستشفيات اتُّبعت معايير تقضي بفرض حظر تام على حركة الجريح لمنعه من المشاركة بأي نشاط ريثما يتجاوز مرحلة العلاج سواء داخل المستشفى أو خارجه. وكان يُفرز له، أثناء إصابته وعلاجه، من يساعده على قضاء شئونه وحاجاته إذا كان عاجزا حتى يتماثل للشفاء. ويُنظر إليه على أنه أدى واجبه بالكامل، وان إصابته وسام شرف له حتى لا يشعر أنه بات عالة على غيره أو أنه طريح الفراش فيما يتعرض زملاءه للمخاطر والمشاق. بمعنى آخر إبقاء معنوياته عالية وفي نفس الوقت نزع الشعور بتأنيب الضمير لديه والمحافظة على سلامته وحياته. أما القادة فكانوا يعودون الجرحى باستمرار ويحثونهم على الالتزام بالتعليمات وقضاء مرحلة العلاج اللازمة فيما هم يخرقون ما يحثون على الالتزام به كما فعل علي أبو طوق غير مرة ومحمد التميمي اللذان غادرا المستشفى قبل شفائهما. وظلا يعانيان من هذه النزعة في الاستهتار بفترة العلاج حتى اغتيلا علما أن « أبو طوق» أصيب عديد المرات.

بين الماركسية والإسلام

إن ماركسية التيار هي انعكاس لتلك الأيديولوجيا التي راجت في المشرق العربي خلال الستينات وبلغت ذروتها غداة حرب العام 1967. إذ نجحت في استيطان الخطابات الأيديولوجية كافة ابتداء من حركة القوميين العرب التي دُكّت تحت مطرقة الماركسية ومرورا بحزب البعث الذي أثخنه المنجل جراحا، وانتهاء بالمنظمات الفلسطينية المقاتلة التي مثلت الماركسية القوابل القانونية لبعض كبرياتها والمرشد للبعض الآخر. أما حركة « فتح» التي عبرت عن سعة وطنية تشمل جميع الأيديولوجيات والعقائد لتشكل ائتلافا فريدا يقبل بالخطاب العام للحركة، فقد أخذت تئن تحت وطأة الجموع الزاحفة من الحركة الطلابية موطن انتعاش الماركسية، والعناصر الحزبية المهاجرة باتجاهها، مفسحة المجال لتكتل ماركسي تَشكل منه التيار العام المعارض الذي نجح في فرض أطروحاته على الحركة مطلع السبعينات لما أدخل إلى المؤتمر العام الثالث للحركة (1971) مفهومي « القيادة الجماعية» و« المركزية الديمقراطية». وفي هذا السياق كان « العامل المساعد» أحد الأجنحة الماركسية. ولكن أزمة المقاومة وصراع التيارات داخل « فتح» نبهته إلى خطورة المس بـ « المنطلقات». فارجع الماركسية – اللينينية إلى الوراء لتستعمل من قِبَلِه مرشدا في تطبيق « المنطلقات». وطبقا لما تشير به النظرية، وبعبارة حاسمة بأنها « دليل للعمل وليس عقيدة جامدة». هذا التوظيف والاستعمال للماركسية يعني:

• الحسم باتجاه « المنطلقات» والاسترشاد بالماركسية طالما أن « فتح» لا تمتلك أيديولوجيا. وتقتضي الضرورة الإفادة من أفضل رصيد فكري ثوري موجود. وعلى هذا الأساس يتميز التيار بماركسيته القومية العملية عن الماركسيات الفلسطينية التقليدية التي استعملت كما لو أنها عقائد.

• إخضاع الموضوعات الماركسية النظرية، على الدوام، إلى التمحيص والعمل على ملاءمتها إلى خصوصيات الواقع الاجتماعي والسياسي والتاريخي للبلاد ونقضها إذا لزم الأمر. ومن جهة أخرى نقد تطبيقاتها العملية.

• الحاجة إلى حماية التركيبة الاجتماعية للتيار التي وإن كانت تقع في نطاق الماركسية-اللينينية إلا أنها، أيضا، مثل « فتح» تتشرب من كافة التجارب الثورية العالمية وحتى الإنسانية والتاريخية. والإمساك بالماركسية–اللينينية قد يؤدي إلى ولوج الصراعات الأيديولوجية إلى التيار وضرب قناعاته.


كانت موضوعة الجماهير هي الأطروحة الوحيدة للتيار. وهذه لا تبرر اعتناق أيديولوجيا ولا الحاجة إلى تنظيم طالما أن « فتح» هي اختيار يفي بالغرض. وهذه الأطروحة، أيضا، عجّلت في الإطاحة بالماركسية اللينينية بنموذجها السوفياتي الستاليني الدموي الذي بات يتفاعل مع حركات التحرر في العالم الثالث بإيعاز من مصالحه كدولة قطبية عظمى وليس تعاطفا معها أو مع الشعوب المضطهدة، فضلا عن موقفه البغيض تجاه تقسيم فلسطين أو انطلاقة الثورة الفلسطينية. لذا فهو كما ترى الصين ليس سوى إمبريالية عالمية توظف الأيديولوجيا في خدمة مصالحها. أما الصين حيث الفكر الماوي وقضايا الجماهير فهي تبدي، بحق، تعاطفا مع حركات التحرر. وعلى هذا الأساس لازمت الصفة « الماوية» فكر التيار الذي وُجِّهت له اتهامات صريحة بذلك من دعاة التحالف مع الاتحاد السوفياتي. ولكن حتى « الماوية» وُضعت في قفص الاتهام حتى كانت القطيعة مع كل الماركسيات ابتداءً من أواخر العام 1976. فلماذا؟

لاحظ التيار أن الماركسية والأيديولوجيا الماركسية تعاني من قصور في ذاتها منذ عصر كارل ماركس وإنجلز، وأن تطبيقاتها لم تفرز سوى تسلط الدولة والحزب على المجتمع. فالجماهير التي كافحت في ظل الماركسية للتخلص من الاستعمار أو لتنال العدالة الاجتماعية أصبحت معزولة عن دولة « أهم تطور فيها يكمن في الجيش وأجهزة القمع والأسلحة والحزب». وكل ما في الأمر« أن الدولة الجديدة نقلت الملكية الفردية الرأسمالية الطاغية إلى ملكية الدولة البيروقراطية. أو نقلت الطغيان السياسي للسياسيين الفاسدين الرأسماليين إلى طغيان قلة في قيادة الحزب الذين لا يسمحون بنقد أو مناقشة … » . وفي ردهما على أسئلة السجناء في الأراضي المحتلة إزاء القطع مع الماركسية يقول « بحيص» و « التميمي»: « إن موضوع الماركسية أخذ منا معاناة كبيرة جدا وتعقيدات كثيرة وحوارات طويلة حين توصلنا إلى قناعات بالتخلي عن أرضها ومنهجها … من مناقشة نظرتها الفلسفية المادية إلى منهاجها (المادية الدياليكتيكية) إلى فهمها للتاريخ ( المادية التاريخية) وأخيرا إلى موضوعاتها الاقتصادية المتعلقة بالاشتراكية العملية، ناهيك عن خيبة الأمل المتكررة التي منينا بها ونحن ندقق في نتائج تطبيقاتها على الشعوب المختلفة خصوصا تجربة الاتحاد السوفياتي، وأوروبا الشرقية، ثم الدول الأفريقية، ثم فيتنام وكوبا وأخيرا الصين، الأمر الذي أدى بنا إلى إجراء نقد جوهري إلى أساسات المنظومة الماركسية » .

يوضح منير شفيق أن القطيعة مع الصين تبدأ من عند الثورة الثقافية فيها التي تَبيَّن للتيار أنها « ذات روح تغريبية عالية بالرغم من شعبويتها ونفسها الجماهيري ومعارضتها للبيروقراطية وتسلط الحزب والدولة على الشعب». أما الموضوعة الأهم فهي تلك الواردة في البيان الشيوعي والتي تبنتها الثورة الثقافية والداعية إلى « ضرورة القطع التام مع الماضي بكل أوجهه وليس فقط مع البرجوازية» . ولعل السؤال الذي طُرح على التيار في حينه تمثل بماهية سمات الثورة في بلد ما إذا ما أُخرج المجتمع من سياقه الحضاري. تُرى كيف تعبر أمة عن وجودها بلا انتماء أو هوية أو تاريخية ما أو عقيدة دينية؟ ماذا ينبغي لـ« محمد بحيص» أن يفعل وهو الذي تعلم ألا يدَع فرض صلاة يفوته وهو ماركسي- قومي؟ أو « محمد التميمي» الذي ينتمي إلى عائلة عريقة في لب مدينة الخليل، وتكثر فيها المشايخ وتتحصن بتدين تقليدي فطري؟ ماذا تبقى لهما ولرفاقهما لو قبلوا بأطروحات الثورة الثقافية؟

لا شك أن الكثير من التساؤلات كانت موضع جدل ونقاش كبيرين داخل التيار ومع بعض التيارات الأخرى. وإذا كان الاسترشاد بالماركسية- اللينينية– الماوية ساهم في تقديم خدمات جليلة لـ « خطة العمل» فإن تطبيقاتها والحالة التي أفرزتها لا يصح نسبتها، فقط، إلى الماركسية. فالمواقف والسلوكيات التي مارسها التيار تجاه ذاته وتجاه المجتمع تبدو أقرب إلى الإسلام وفطرة المجتمع، بدليل التحالفات التي نسجها مع القوى الاجتماعية المختلفة وتفاعله مع التصورات والرموز والمعتقدات السائدة وانحيازه لها لا محاربتها. في الأثناء حدث ما لم يكن في الحسبان، وهو انتصار الثورة الشعبية في إيران محدثة هزة في أركان العالم. دولة تقوم وتُعلن عن نفسها بعنوان « الجمهورية الإسلامية » في إيران. وكعادته، فلم يتأثر أحد من الشعوب العربية والإسلامية بما حدث في إيران مثلما تأثر الشعب الفلسطيني الذي يتطلع دوما نحو مصادر القوة لنيل تعاطفها ودعمها لكفاحه. وابتداء من هذه اللحظة يعلق محمد بحيص على الحدث بدءً من المظاهرات الشعبية الواسعة التي اندلعت في إيران محملة بالشعارات الإسلامية ثم انتصارها على واحد من أعتى النظم القومية في العالم الثالث فيقول:

« منذ سنوات ونحن نبحث عن خط الجماهير وهو أمام أعيننا ولكن ما كنا نراه. انظروا أليس الإسلام هو خط الجماهير في بلادنا؟ فبأي منطق نبحث عن سمات الثورة بالقول أنها وطنية ديمقراطية (بمعنى أنها برجوازية من النمط الغربي المعدل ماويا) أو أنها اشتراكية بينما هي هنا إسلامية. أردنا أو لم نرد؛ فإن هذه الأحشاء هي التي ستلد الثورة في بلادنا. أي هذه المجتمعات، هي مجتمعات إسلامية تحمل المخزون التاريخي الإسلامي، وتحمل الأماني والتطلعات ذات الطبيعة الإسلامية. وسواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا يجب أن نقر بهذه الحقيقة إذا ما كنا نريد أن نمسك بخط الجماهير، أو نكشف سمة الثورة في بلادنا» .

لقد أذِن انتصار الثورة في إيران بمرحلة جديدة بدأت داخل التيار بمراجعة جذرية شاملة للتراث العربي الإسلامي وتقييم التجربة الإسلامية في ضوء سلسلة من الدراسات والنقاشات المفتوحة بين مجمل التيارات داخل « فتح» وخارجها. وليست كتابات منير شفيق التي ظهرت في أعقاب النقاشات سوى انعطافة، بارزة للتيار نحو تبني الإسلام كعقيدة ومنهج عمل. إذ أعيدت أسباب النكبة (1948) إلى انهيار الخلافة وغزو الوطن العربي وتجزئة الأمة الواحدة ديمغرافيا وجغرافيا ومحاربة الإسلام بالتغريب الثقافي. وهكذا انتقل التيار نظريا من منظومة أخلاقية – قيمية استندت مبرراتها، فيما مضى، إلى الدفاع عن مصلحة الثورة والشعب إلى منظومة نقيضه تستند إلى العقيدة والتاريخ. بيد أن التيار واجه مشكلتين قبل انطلاقة مشروعه الجهادي الإسلامي الذي بدأ التخطيط له أواخر السبعينات ووضعه قيد التنفيذ ابتداء من أوائل العام 1983. وهاتين المشكلتين هما:

• أن التيار لم يستطع ترجمة قناعاته عمليا منذ بداية التحول على أرض الإسلام. وظلت نشاطاته قائمة في إطار حركة « فتح». وكانت المحاولة الأولى له عبر المزج بين الوطنية والإسلام لما حاول محمد بحيص ومحمد التميمي إعطاء اسم إسلامي لعملية « الدبويا» العسكرية التي نفذت في مدينة الخليل (1980) كرمز لوحدة العمل الإسلامي والوطني الفلسطيني بهدف إحداث انعطافة في سياسات الثورة الفلسطينية من خلال العودة إلى « المنطلقات» والتحالف والصحوة الإسلامية والاستناد إلى المرجعية الإسلامية .

• مواجهة التيار عوائق تتصل بتنوع بنيته الأيديولوجية. فالماركسيون رأوا أنفسهم محرجين إزاء التحول من النقيض إلى النقيض مثلما عبر عن ذلك، على الأقل، السجناء في رسائلهم إلى قادة لجنة التنظيم. وفضلا عن الماركسيين ثمة مثقفين داخل التيار نهلوا من ثقافة الغرب وتجارب عدة أوصلت بعضهم إلى درجة الإلحادية. كما اشتمل التيار على شريحة اجتماعية مسيحية. وكل هؤلاء شكلوا عقبات كبرى حالت دون الانتقال السريع إلى الإسلام . وكان من المدهش حقا أن يتوجه المحمدين بحيص والتميمي نحو الإسلام بإصرار عجيب في مرحلة زمنية معادية للدين ووسط بيئة شبه ملحدة.

وبما أن التيار لم يكن تنظيما ولم يُخضِع عمله أو فكره لأي شكل تنظيمي فقد كان من الطبيعي أن تشهد عملية التحول حوارات مستفيضة يقول منير شفيق أنها ساهمت « في إخصاب الفكر وتحقيق القناعة الذاتية الحرة وفي المقابل تحمل أعباء هذه القناعة، وهذه المنهجية التي رافقت التيار منذ إرهاصاته الأولى» .

ثانيا: « الجماعة الإسلامية» في السجون الإسرائيلية

1. البنية التنظيمية الداخلية

لم يكن متوقعا من إسرائيل، بالنظر إلى طبيعة الصراع الحضاري على فلسطين، أن تبدي أي تعاطف تجاه الشعب الفلسطيني أو تفاهم مع قواه السياسية وحركاته الثورية. فكل دعوى وطنيه أو نشاط سياسي فلسطيني كان مدخلا لابتكار المزيد من أنماط القهر والاضطهاد والمزيد من الوسائل دون أية مراعاة لعدالة أو حقوق إنسانية أو حتى مشاعر آدمية. ومن الطبيعي، إزاء اللاتسامح المطلق، أن تمتلئ السجون الإسرائيلية فيمن تعتبرهم سلطات الحكم العسكري خطرا على الدولة اليهودية أو خطرا على أمنها. وأسفرت حملات الاعتقال المنظمة عن إلقاء القبض على المئآت من أفراد المنظمات وغيرهم من العناصر التي نشطت في مقاومة الاحتلال أثناء الكارثة وغداتها. وكان من بين أولى العناصر التي أُوقفت بقايا « قوات التحرير الشعبية» في جيش التحرير الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير. وتدريجيا توسعت حملات الاعتقال والمطاردة بغية ردع السكان وبناء جدران من الخوف تحصر اهتمام العائلة الفلسطينية في سلامة أفرادها والحفاظ عليهم من القتل أو الاعتقال وليس حثهم على التخلص من الاحتلال. فما أن تعتقل إسرائيل فردا حتى تهرع العائلات المجاورة إلى منزل أسرته تقدم المواساة والتضامن لأن سلطات السجون تمارس بطشا وتعذيبا لا يطاق ضد السجين، فضلا عن مصادرة حقوقه وإهانته وتحطيم كبريائه ومعنوياته حتى تصبح المحافظة على الذات والجسد سليمين من الأذى أقصى الأماني ريثما تنقضي فترة المحكومية غير القابلة لعفو أو تخفيف أو أي شرط إنساني بما في ذلك الوفاة. وكان على السجناء ذوو الأحكام الطويلة والذين يدركون محدودية فرصتهم في التحرر أن يبادروا إلى تزعم سلسلة طويلة من النضالات الهادفة إلى رفع الروح المعنوية لدى زملائهم وتحصيل أقصى ما يمكن من الحقوق المصادرة كالدواء والغذاء والملبس وسعة المكان… ولئلا تذهب نضالاتهم سدى لم يكن ثمة بديل عن تنظيم أنفسهم وبلوغ حد من الانضباط والصرامة والطاعة في علاقاتهم البينية ومع سلطات السجون بما يفوق حال منظماتهم في الخارج أو حتى حال سجانيهم. ولقد ذهل السجانون من النجاح الباهر الذي حققه السجناء في إرساء هياكل تنظيمية وقيادية وإدارية تشتمل على لجان قضائية، صحية، غذائية، سياسية، اجتماعية، علمية وثقافية…الخ تقودها هيئة منبثقة تدعى اللجنة المركزية التي تمثل عموم الحركة الأسيرة في علاقتها مع سلطات الاحتلال عامة وليس فقط مع سلطات السجون. فاللجنة القضائية كُلفت في الفصل بين النزاعات وإصدار الأحكام. ولها من الصلاحيات ما يخولها توجيه الاتهام فيمن يشتبه في تعاونهم مع سلطات السجون أو الأجهزة الأمنية ومن ثم القيام بالتحقيقات اللازمة والحق في إصدار عقوبات قاسيه تصل حد الحكم بالإعدام على العملاء. أما اللجان العلمية والثقافية فقد نجحت في تحويل السجن إلى مدرسة (جامعة بتعبير السجون) أتاحت لغالبية السجناء الذين لم تتح لهم فرصة التعليم الثانوي الفوز بشهادة الثانوية العامة أكثر من مرة داخل السجن. ويمكن القول أن أعرافا وتقاليد مضبوطة باتت تميز الحياة الاجتماعية داخل السجون هي فعلا من صنع الحركة الأسيرة. ومن بين الأعراف الشهيرة والثابتة أن يختار السجين الجديد، بعد صدور الحكم عليه، الالتحاق بتجمع منظمته داخل السجن. وإذا لم يكن منتميا لأي تنظيم فعليه الاختيار بين أحد التجمعات المعترف بها مثل « فتح»، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية أو القيادة العامة…الخ

مع نهاية الستينات وإطلالة السبعينات أخذت ملامح تنظيم السجون على النحو السالف تستقر تدريجيا. ومثلت على المستويات السياسية والأيديولوجية صورة منسوخة وأشد تنظيما لحالة المنظمات الفدائية في الخارج والتي تدور في فلك الأيديولوجيات العلمانية بما في ذلك حركة « فتح» التي غزتها التيارات اليسارية. لذا « لم يكن في السجون ثمة تيار إسلامي ولا توجه من هذا القبيل ولم تكن الفكرة الإسلامية الجهادية لتطرق بال السجناء» . ولكن بدء من التاريخ إياه أخذت تتبلور أنوية تنظيم إسلامي عبّر تدريجيا عن نفسه بأسماء مختلفة ما لبث أن تمخض عن فكر جهادي كُشف النقاب عنه ابتداء من النصف الثاني من السبعينات، ونشطت عناصر قيادية فيه في الكتابة والنشر عبر مجلتي « الطليعة» و « المختار» اللتان صدرتا عن مجموعات الطلبة في مصر ابتداءً من سنة 1979. وقد أطلق تعبير « المنفلشين»، فيما بعد، على هذه الأنوية كناية عما يصفه أسرى المنظمات الفدائية بالخروج عن الإطار الوطني أو منظمة التحرير الفلسطينية. أما هم فقد أسموا أنفسهم بـ « الجماعة الإسلامية». فكيف ظهرت هذه الجماعة؟ ولماذا حظيت بأهمية كبرى بين آلاف السجناء بينما هي تؤلف بضعة عشرات فحسب؟ وكيف خرجت أعداد كبيرة منها من السجون؟

2. تاريخية الجماعة الإسلامية

منذ أواخر سنة 1968 وحتى مطلع سنة 1969 لم يكن في السجون الإسرائيلية سوى 3 -4 مجموعات إسلامية تنتشر على مساحة السجون الإسرائيلية « دون أن يكون لها اهتمام إلا من ممارسة الشعائر الدينية المتاحة خاصة أداء فروض الصلاة». أما كيف انتشرت هذه المجموعات المتناثرة وأضحت تعبّر عن تيار إسلامي جهادي فيمكن الإشارة إلى ثلاثة أسباب مركزية:

• الإسلام باعتباره خاتم الأديان ودين الواقع والفطرة.
• الأيديولوجيات الإلحادية كالماركسية والفوضوية.
• تدخل إسرائيل في ممارسة أركان العقيدة.

فمن تقاليد الجيش الإسرائيلي إزاء الأسرى المسلمين منعهم من أداء الصلاة والصوم أو المناداة إلى الصلاة (الأذان). وإذا تعذر ذلك فيقع إجبارهم على أداء الصلاة فرديا وطبقا للوقت الذي تحدده إدارة السجن. وبعد صدور الأمر بالصلاة بخمس دقائق يمنع أي فرد أو جماعة من الاستمرار في الصلاة تحت طائلة العقوبة. ويعلق حشد من السجناء على هذه الوضعية بالقول: « إن التاريخ اليهودي هو تاريخ مؤامرات. فعندما تسمع بـ« اليهودي» يخيل إليك بأن مؤامرة ما تحاك أو أنها حيكت بالفعل. إذا حدثت كارثة أو فتنة فيقال لك، حسب المثل الفرنسي، فتش عن المرأة. ونحن نقول فتش عن اليهودي. فقد كانوا عبر التاريخ ضعاف ويكرهون الآخرين فامتهنوا التآمر ضد غيرهم. ولهذا أخرجهم الرسول من المدينة. وفي هذه الأيام يكفي أن تسمع بيهودي من حولك حتى تصاب باستفزاز في مشاعرك. فكيف يمكن أن تقبل منهم أن يحددوا لك موعد الصلاة أو يمنعوك عن عبادة ربك؟ أو يتدخلوا في دينك كيف ومتى يشاؤون!؟ ».

وقد صادف أن رافقت هذه الوضعية بروز التيار الفوضوي اللامنتمي والذي بلغ عدد معتنقيه أكثر من مائة سجين في كل السجون خاصة في سجني عسقلان وبئر السبع. واشتهر هؤلاء بـ« التيار الديمقراطي» الذي تزعَّم الدعوة إلى الحرية الشخصية بعيدا عن التقيد بالأطر التنظيمية. وكانوا يجدون طراوة من بعض دعاة الماركسية، نظرا لاقتراب الفكر الماركسي في مراحله الأخيرة (الشيوعية) من الفكر الفوضوي. وقد خرج الكثير من العناصر الأولى لهذا التيار من شريحة العملاء التي أهلتها إسرائيل لتنشط في تحويل السجون إلى ما يشبه الحيين العالميين في باريس، الحي اللاتيني وحي سهويتو. أو بمعنى آخر؛ لإيصال السجناء إلى حالة اللا إنتماء. وفعلا قامت بإدخال العديد من الروايات الأدبية مثل « سن الرشد» لـ، كولن ولسون و « الجراد» لـ، جان بول سارتر. أما من الكتاب العرب فقد أدخلت ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة « بين القصرين» و « القاهرة في الليل» التي تصور المسلم لا مبالي بأي شيء. كما أدخلت بعض الروايات الأدبية للمؤرخ جورجي زيدان .

في الأثناء كان ثمة مجموعة إسلامية صغيرة في سجن الرملة لا يزيد عدد أفرادها عن عشرة أشخاص أبرزهم حافظ الدلقموني الضابط في الجبهة الشعبية – القيادة العامة - ، المنظمة التي يتزعهما أحمد جبريل. وفي شهر كانون ثاني/ يناير سنة 1969 أضرب نزلاء السجن عن الطعام احتجاجا على ضرب السجانين لأحد زملائهم. ولفك الإضراب، لجأت سلطات السجن إلى توزيعهم على السجون. وفيما عدا السجناء المَقْدسيين (نسبة إلى مدينة القدس)، الذين يحظر نقلهم إلى خارج سجن الرملة، تم توزيع السجناء المضربين خلال شهرين على مختلف السجون الأخرى. وتم نقل حافظ الدلقموني إلى سجن عسقلان حيث صادف وجود عدد من القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية في مقدمتهم جبر عمار، الضابط في قوات التحرير الشعبية، وخالد ساق الله وغانم مهدي قحطان (سعودي الأصل). ومن « عسقلان» كانت أول الخطوات إلى الجماعة الإسلامية عبر كتاب « الفاروق» للكاتب محمد حسنين هيكل حيث مثل الكتاب المدخل للمقارنة بين الفكر الإسلامي والعدل الذي جسده الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب والأفكار الأخرى وممارساتها .

II. الصراع والمخاض

ابتدأ الظهور الفعلي للجماعة الإسلامية، حسب روايات بعض الأسرى، على خلفية الصراع مع التيار الشيوعي داخل السجون والذي ينتمي أفراده إلى المنظمات الفدائية الماركسية منذ أواخر الستينات. وهذه المنظمات لم تكن قبل ذلك تقدم المحتوى الإلحادي المنكر لوجود الله والدين إلا على مستوى ضيق من القياديين أو المثقفين أو الأفراد حتى لا تثير مثل هذه الأطروحات ردود فعل اجتماعية في مجتمع تقليدي لا يعرف عبر تاريخه الطويل غير الإسلام دينا بالفطرة . فالمسألة هي قبل كل شيء ثورة لا أيديولوجيا بالنسبة للناس. وفي هذا السياق ثمة تعليق بليغ متأخر جدا عن تلك الفترة صدر من أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي لحقت بالأيديولوجيا الماركسية بعد انشقاق الجبهة الديمقراطية عنها بشهور معدودة. ويقول التعليق: « … إن الناس عموم الناس، والملتحقين بالثورة، وخاصة بعد معركة الكرامة، آذار 1968، لم يكن شاغلهم في ذلك الوقت الأيديولوجيا والمناكفات والنزعات الذاتية بل كان شاغلهم تحرير الوطن والقتال من أجله، وهذه حقيقة ذاك الزمان وكل زمان ما دام الوطن محتلا» . أما وقد لحقت « الجبهة» بالماركسية وسادت منظمات اليسار على الساحة السياسية فقد انتابها طموح بالسعي لاستيعاب مادة الثورة في إطار الأيديولوجيا الماركسية حتى إذا ما تكشفت المحتويات الإلحادية كانت أحد أهم « أسباب نفور الشارع الشعبي البسيط المتدين … الذي وجد نفسه مستفزا في مشاعره الدينية ومغتربا عاطفيا وثقافيا عن الطرح الماركسي» . وفي « الداخل» بعد أن استقرت الأوضاع داخل السجون فقد بادر عناصر المنظمات الماركسية، خاصة ذوو الأحكام الطويلة ممن لم يعد يعنيهم انكشاف أمرهم أمام السلطات الإسرائيلية ولم يعد لديهم ما يخسرونه، بادروا في الكشف عن « الأطروحات المخبأة» عبر محاضرات منظمة تُقدَّم على أنها حلقات دراسية تثقيفية الهدف منها إعداد الأنصار وتأهيلهم لاستئناف نشاطهم بعد الإفراج عنهم لتوسيع الخلايا التنظيمية في الخارج. وقد دأب كل تنظيم يثقف أنصاره طبقا لأيديولوجيته وهو الأمر الذي تتيحه المعايير السائدة بين السجناء. وكانت ردة الفعل القوية من عناصر قوات التحرير الشعبية على ما اعتبر هجمة إلحادية على الدين من العناصر اللامنتمية تنظيميا ومن بعض عناصر حركة « فتح» وتلك القريبة إليها. إذ رأى هؤلاء أنه باسم الأيديولوجيا يجري تخييرهم باتخاذ موقف محدد إما « الإيمان» والدفاع عن « الفطرة»، أو « الإلحاد» والدخول في كفر بواح. ولا شك أنها مسألة مثيرة للمشاعر وشديدة الوقع كونها تنطوي على مساس حاد بالعقيدة والفطرة، بل أنها صدمة حضارية غير مسبوقة أو منتظرة. لذا شرعت مجموعة من السجناء بالالتفاف على بعضها وتشكيل ما يشبه « تجمع إسلامي»، وهو التسمية الأولى التي ظهرت سنة 1970. وكانت الغاية منه تقتصر على إلقاء دروس دينية محدودة هدفها الإحاطة بالإسلام وتعلم الفروض والواجبات الدينية ولم تكن تُعبِّر عن تحول أيديولوجي . وقبل أن تسمح إسرائيل بإدخال « القرآن» والكتب الإسلامية كـ « فقه السنة» لسيد سابق أو « جدد حياتك» و« في موكب الدعوة» لمحمد الغزالي تلقى السجناء من ذويهم وزوارهم كتبا إسلامية منسوخة باليد.

وفي مقابل الـ « تجمع» شعر الماركسيون بالاستفزاز فقاموا بحركة مضادة عبر حلقات دراسية موسعة جاهروا فيها بأطروحاتهم مركزين على وجوب الاختيار بين « الإيمان والإلحاد» أو بين « التقدمية والرجعية» وما شابه ذلك من مفردات الصراع. وتبع الحملة انضمام كل التنظيمات إليها بما فيها حركة « فتح». وتقرر فرض مقاطعة تامة على ما بات يطلق عليهم لقب « المنفلشين» في وقت متأخر. وترتب على ذلك عدم مجالستهم أو محاورتهم أو الحديث إليهم أو قبول اقتراحاتهم أو تناول الطعام معهم أو الخروج معهم في فترة « الفَوْرَة » أو الاشتراك معهم بأي نشاط أو حتى إلقاء التحية عليهم. فكانت المقاطعة مؤلمة لم تترك لهم أي اختيار إلا التماسك لحماية أنفسهم. غير أنهم نجحوا في فك العزلة عبر المتعاطفين معهم من بين التنظيمات. واستطاعوا تجنيد عدد من أفراد المنظمات المتعاطفين معهم لتزويدهم بالأخبار والقرارات وكذلك تجنيد المناصرين وعدم الإفصاح عنهم ليكونوا على اطلاع بما يجري داخل الحركة الأسيرة مما ساعدهم على الصمود . أما سلطات السجون فسرّها الموقف. وفي هذا السياق أدخلت احتياجات الفريقين والأطراف كافة من الكتب والنشريات خاصة الماركسية والفوضوية بهدف التحريض وتشجيع الشقاق. وبدأت عملية استقطاب أيديولوجي وديني متصاعدة. فماذا كانت النتيجة؟

استطاع « التجمع الإسلامي» أن يجند نحو80 سجينا في سجن عسقلان جنوبي فلسطين حيث بدأت المشكلة أصلا. لذا فهو مركز الثقل الأساس لكونه مخصص للسجناء ذوي المحكوميات الطويلة. وكانت القضايا السياسية والتنظيمية والأيديولوجية تناقش فيه بلا وجل أو خشية من عواقب. وزاد حجم « التجمع» على النصف أحيانا. غير أن حملات الاستقطاب تذبذبت على الدوام بين مناصري هذا التيار أو ذاك واضعة إياه حينا في المرتبة الثانية بعد « فتح» وفي المرتبة الثالثة حينا آخر. أما في باقي السجون فقد انتشرت أفكار « التجمع» الذي أخذ يتجلى في صيغة « الجماعة الإسلامية» ابتداء من سنة 1973 لمَّا بات يشكل حالة مشهودة. وأصبح للجماعة اتصالات خارج السجون في فلسطين المحتلة سنة 1948 حيث تعرفوا داخل السجن على أعضاء « أسرة الجهاد الإسلامي» التي أسسها وقادها الشيخ عبد الله نمر درويش وفريد أبو مخ. وامتدت علاقات الجماعة إلى مدن القدس وغزة وطولكرم ونابلس وجنين.

وتأريخيا، يمكن النظر إلى الجماعة الإسلامية على أنها أول جماعة إسلامية غير حركية (أي لا تنظيمية) تتواجد على الساحة الفلسطينية بعد العام1967. وهذا يعني أنها تشتمل على تيارات متعددة « إخوانية» وأخرى « جهادية» وحتى من جماعة « التكفير والهجرة». وممن تعاقب على قيادتها يشار إلى حافظ الدلقموني وجبر عمار وصبحي الوحوش ومحمد أبو طير. وقد نشطت الجماعة الإسلامية داخل السجون حتى وصل عدد أفرادها مع منتصف الثمانينات إلى نحو180 فردا . وقد يبدو الرقم صغيرا جدا بالقياس إلى عدة آلاف من السجناء الذين تحتفظ إسرائيل بهم بمتوسط إجمالي يتراوح ما بين 4000-6000 سجين . فمن أين لهذا العدد الضئيل أن يكتسي الأهمية التي حظي بها.

العقيدة والحصانة

مثلت العقيدة الإسلامية وقوة الالتزام بها السياج الآمن الذي تَحصّن به أعضاء الجماعة في السجون الإسرائيلية واستعصى على الاختراق. ولكن في أية ظروف اختبرت هذه الحصانة؟ وأية أهمية اكتسبتها في خضم العدد المحدود للأعضاء؟ لا شك أن أثمن ما يمكن للإنسان أن يقدمه في سبيل قضية قومية إما حياته أو حريته. ولهذا احتل السجناء المكانة الأرفع في المجتمع بحيث انتزعوا احترام وتقدير مختلف التشكيلات السياسية والاجتماعية، حتى أنهم صُنّفوا أبطالا قوميين لِمَا أحدثوه من أثر في النفوس لم تحدثه قوافل الشهداء والمضطهدين. فالشهيد مثلا يعاني مرة واحدة فقط بينما السجين وأهله يعانون يوميا وفي كل لحظة لِمَا يبذلونه من الكفاح والنضال المستمر والصبر على شتى صنوف العذاب والمشاق والقمع والتنكيل ومصادرة الحريات، ولسنوات طويلة حتى تنقضي فترة محكوميته أو تتاح للسجين فرصة ما في استعادة حريته عبر عمليات نادرة لتبادل الأسرى قد لا تشمله.

وعلى صعيد آخر فقد خَبِرَ السجناء خصومهم اليهود عن قرب وتمرسوا في التعامل معهم بين جدران السجون حتى تكونت لديهم خبرة أمنية وصلابة غير عادية مقارنة بغيرهم من المناضلين، فطوروا أساليب مبتكرة من الاتصالات السرية داخل مجتمع السجن ومع الخارج. ونجحوا في تحويل السجون إلى فضاءات علمية وثقافية تدرس التاريخ والدين والأيديولوجيا والفكر السياسي والعلاقات والممارسات السياسية والديبلوماسية، وكرسوا الوقت لاكتساب الخبرات والمهارات وسط تنظيم صارم بخلاف الانفلاش الذي غزا المؤسسات القيادية وشرائح واسعة من أعضاء المنظمات في الخارج. واستفاد من رصيد الحركة الأسيرة عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الداخل ممن مروا بتجربة الاعتقال والسجن لفترة قَلّت أو كثُرَت. إلا أن هذا الرصيد الضخم والنوعي وقع التدخل فيه ليصار إلى تفكيكه:
بطريقة غير مباشرة:
• تلبية للتحولات السياسية والأيديولوجية التي مرت بها منظمة التحرير الفلسطينية ومست كل المنظمات المنضوية في إطارها. وفي نفس الوقت تلبية لذات التحولات لدى الغالبية الساحقة من التشكيلات السياسية والاجتماعية الدائرة في فلكها.
وبطريقة مباشرة:
• تبعا لسياسة التحاور مع السجناء والتي أتبعتها إسرائيل بهدف « تخريب العقول» أو لثني الحركة الأسيرة عن مواقفها وتفكيك الخطاب الحضاري والأيديولوجي والمعتقدات والطموحات التي ناضلت من أجلها ودخلت في ظلمات السجون والبؤس طمعا في تحقيقها. ونتج عن هذه السياسة ما يسميه البعض بـ « عقلية السجين» .

هذان النمطان من التدخل خاصة النمط الثاني أديا إلى انقسام الحركة الأسيرة بين معارض ومؤيد ولا مبالي لفرضية إسرائيلية تقوم على الترويج لمبدأ « التعايش السلمي» مع الوجود اليهودي في فلسطين . ولا أدل على تجليات الانقسام من أن العديد من المبادرات السياسية السلمية قد أُفرج عنها من بين جدران السجون. فقد وطّأت إسرائيل لخطة « تخريب العقول» بتجنيد العملاء ودسهم في السجون للتجسس على السجناء ومعرفة توجهاتهم وأفكارهم وطموحاتهم ولمراقبة اتصالاتهم أو للكشف عن معلومات أو نوايا خفية تساعد في ضرب الكفاح المسلح الفلسطيني وشلّ فاعليته. وفي المرحلة التالية شرعت بتنظيم مقابلات مكثفة مع السجناء برعاية محاضرين ومحققين متمرسين وعلماء نفس واجتماع ومؤرخين بهدف حملهم على تغيير مواقفهم إزاء اليهود ووجود الدولة اليهودية. وحرص هؤلاء على استعمال المرونة ولغة حوار تركز على تهييج المسألة العاطفية لدى الخصم وإيهامه بأنه خصم عنيد لليهود لا مثيل له حتى بين أقرانه العرب والمسلمين. أو بمعنى آخر تضخيم الشخصية الفلسطينية وترقيتها بحيث تبدو لذاتها الشخصية الوحيدة المؤهلة لمواجهة الشخصية اليهودية. لذا وإزاء محدودية الشخصيات الأخرى العربية والإسلامية فإن معاناة طرفي الصراع الكبيرين (الفلسطيني واليهودي) تحتم عليهما تكثيف الحوار واستمراره من أجل غاية إنسانية مشتركة تحقن الدماء وتؤدي إلى إشاعة السلام والتفاهم والعدل بدلا من الحروب والظلم الذي يدفع الطرفان ثمنه.

وفي الواقع ثمة صعوبة في تفسير التحول في المواقف لدى المئآت من السجناء خارج هذا السياق حتى أن بعضهم انتمى إلى حركات إسلامية جهادية. وخطورة هذا « التخريب للعقول» أنه انساب ببطء وفاعلية بين السجناء ومن خلالهم، عبر امتداداتهم التنظيمية والحراك الاجتماعي للسجناء الجدد أو المفرج عنهم عبر المجتمع. ونجم عن التراكم الكمي لعقلية السجين الجديدة تحييد شرائح من مجتمع السجون وتعطيل جانبا من الخبرات التي اكتسبتها على مر السنين. وبدلا من تفعيلها وتوظيفها في الكفاح الوطني أُخرجت من أية دوافع انتقامية محتملة وأُحل محلها دوافع أخرى كالحوار السياسي بدلا من المواجهة. وسادت السجون حالات متنوعة من الانقسامات واختلاف الرؤى وغدت الحركة الأسيرة مفككة ومنقادة دون أن تجني حتى ثمار تحولها. فالسجين ظل سجينا، ولم يسعفه موقفه الجديد في استعادة حريته. ومن هنا، بالضبط، يغدو العدد المحدود والمتصاعد لـ « الجماعة الإسلامية» داخل السجون ذو أهمية بالغة بالنظر إلى محدودية تأثير « الحوار السياسي» على الغالبية الساحقة واحتفاظ أعضاء الجماعة بالرصيد المكتسب بما يشتمل عليه من مخزون عقدي جهادي لا يقبل المساومة ولا يتسامح مع اليهودي الغاصب والمضطّهِد باعتباره الغريم الأول للمسلم والـ ﴿ أشد عداوة للذين آمنوا﴾. هكذا فإن المتغير الكمي لم يعد يشكل معيارا صحيحا للتقييم في بعض الحالات مثلما تشكله فاعلية الأعضاء ومدى حصانتهم العقدية وقدرتهم على التأثير في مجريات الصراع والكفاح الفلسطيني.

3. قوة « الجماعة» في الخارج

نشطت الجماعة الإسلامية في التواصل مع الخارج فكريا عبر الكتابة. فقد ألف أحمد مهنا كتابا من 350 صفحة بعنوان: « الجهاد فريضة شرعية وضرورة حركية»، طُبع ونُشر في الضفة الغربية سنة 1986 بعد الإفراج عنه. ومنذ صدرت مجلتا « الطليعة» و« المختار الإسلامي» التابعتين لـ« الجهاد الإسلامي» ظهرت مقالات على صفحاتها لعدد من السجناء مثل عبد الله الزق، أحمد مهنا، مصباح الصوري، إبراهيم النجار. وعلى صعيد العلاقات مع الفعاليات الإسلامية الجهادية في فلسطين المحتلة سنة 1948 تعرف أعضاء الجماعة على أعضاء تنظيم « أسرة الجهاد الإسلامي» ومؤسسها الشيخ عبد الله نمر درويش والشيخ فريد أبو مخ اللذان اكتُشف أمرهم وأدخلوا إلى السجون سنتي 1980/1981 .

غير أن العلاقة الحاسمة التي سيكون لها الأثر العظيم في تاريخ الشعب الفلسطيني ستكون مع اثنين من مؤسسي الجماعة هما حافظ الدلقموني ويوسف عجوري وهما العضويين القياديين في الجبهة الشعبية– القيادة العامة. إذ أصبحت قوة الجماعة الإسلامية في السجون بيد هذين الرجلين ورهن نشاطاتهما. ففي أول عملية تبادل للأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل سنة 1979 أفرج عن « الدلقموني» و« عجوري» والتحقا مجددا في صفوف منظمتهما. ولعلهما المسؤولان عن إحداث التحول الأيديولوجي داخل « الجبهة» من الماركسية إلى الإسلام. ويمكن ملاحظة مظاهر التحول في مستوى الخطاب الإعلامي والسياسي للجبهة، والذي تبثه إذاعة القدس التابعة لها، ومن خلال المطبوعات الصادرة عنها، وحتى في مستوى تطور العلاقات مع إيران والحركات الإسلامية الجهادية. وبهذا التحول تكون هذه المنظمة الأولى في التاريخ السياسي الراهن للحركة الوطنية الفلسطينية التي تنتقل من الماركسية إلى الإسلام أو على الأقل تتخلى عنها.

وفي أواخر سنة 1983 أفرجت إسرائيل عن نحو5700 أسير فلسطيني وعربي من معتقل « أنصار» الذي أقامته في لبنان إبان غزوها له سنة 1982 مقابل ستة جنود إسرائيليين من أصل ثمانية أسرتهم مجموعة من حركة « فتح» ينتمي بعض أفرادها إلى كتيبة الجرمق « السرية الطلابية». بيد أن إسرائيل لم تفرج إلا عن 63 سجينا من سجون الداخل من أصل مائة سجين، حسب الاتفاق، ودون أن تسمح لأي منهم في البقاء بين ذويه. وكان من بين المفرج عنهم اثنان من أقدم قيادات الجماعة وهما جبر عمار وعبد الله حلّس. أما الجنديين الإسرائيليين الباقيين فقد وقعا تحت سيطرة « القيادة العامة» خطأ. وكانا سببا في أنجح عملية تبادل للأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومن حظ الجماعة الإسلامية بالذات. إذ قاد المفاوضات مع إسرائيل من الخارج حافظ الدلقموني ويوسف عجوري ومن الجماعة في الداخل جرى تشكيل لجنة من 7- 8 أفراد لتحديد أسماء المرشحين للإفراج عنهم. وكان من بين اللجنة أربعة أعضاء في الجماعة برئاسة سعيد خالد قاسم الذي تلقى كافة المراسلات وعضوية يوسف جاد الله ، محمد أبو طير وصبحي الوحوش . وفي خاتمة التفاوض تم الاتفاق على مبادلة الجنديين الأسيرين بـ1200 سجين فلسطيني. واشترطت « القيادة العامة» على إسرائيل أن يتاح للسجناء حرية الاختيار في البقاء بين ذويهم في الداخل أو المغادرة خارج الأراضي المحتلة. ولما حانت ساعة التنفيذ أوعزت الحكومة الإسرائيلية إلى مصلحة السجون بتهيئة العدد المتفق عليه طبقا للقوائم التي تسلمتها من « القيادة العامة»، إلا أن الأجهزة الأمنية المختصة عارضت الصفقة وحذرت من عواقبها . ومع ذلك فقد تجاهلت الحكومة التحذيرات ونفذت التزاماتها. وكان من بين المفرج عنهم نحو155 سجينا من الجماعة الإسلامية. وسمح لـ 606 سجناء بالعودة إلى منازلهم بينهم 100 سجين إسلامي. أما بقية السجناء فقد غادروا إلى ليبيا حيث كان « الدلقموني» و« عجوري» في انتظارهم. والطريف في الصفقة أن نسبة الأعضاء من « القيادة العامة» لم تتجاوز %10 من إجمالي المفرج عنهم .

ومن بين الكثير من الرموز الإسلامية التي أفرج عنها يشار إلى أحمد مهنا والشيخ أحمد ياسين وأحمد أبو سرور ومحمد أبو طير. أما أشهر الرموز التي لم يفرج عنها فكان الشاب مصباح الصوري(32عاما)، وهو من حفظة القرآن. وقد قاد عملية الهروب الناجحة من سجن غزة المركزي رفقة خمسة من أعضاء « الجهاد الإسلامي» في 18/5/1987. ونفذ سلسلة جريئة من العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية في وضح النهار وفي وسط الازدحام السكاني. وميزة « الصوري» أنه مثَّل تحديا فريدا من نوعه لإسرائيل وحتى للجماعة الإسلامية داخل السجون ممن اعتقدوا بأطروحة العهد المكي بهدف الإعداد للجهاد وليس تأجيله. وغداة اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى استعاد أحد الخبراء الإسرائيليين « كارثة التبادل» مشيرا أنها « كادت تخلي السجون من السجناء الأمنيين حيث أُرسل من جديد مئات الناشطين المدربين من ذوي الوعي السياسي إلى المناطق، ولم يعد هناك شك في أنهم … لعبوا دورا فعالا في الانتفاضة.. وأن أكثر من ثلثهم استأنف نشاطه السري خلال سنة واحدة من الإفراج عنه. أما الباقون فلم يترددوا في استئناف نشاطهم منذ بداية الموجه الأولى لأعمال الشغب.. وبعد مضي وقت ما تبجح جبريل، وبحق أن هذه الصفقة هي التي بذرت بذرة الانتفاضة. وبالفعل فإن جمهور السجناء المفرج عنهم ومن حواليهم الطلبة شكلوا منذ البداية العمود الفقري للانتفاضة في نطاق اللجان الشعبية» .

ثالثا: طلبة الجامعات المصرية (حركة الجهاد الإسلامي)

مِثل الجماعات الإسلامية الأخرى كـ « العامل المساعد» أو « الجماعة الإسلامية» فإن المجموعة، قيد البحث، تشتمل على تاريخية معينة يستند تكونها إلى شخصيات كاريزمية متمردة، مؤسِّسة، حولت هذه المجموعة فيما بعد إلى تنظيم مستقل يحمل اسم « حركة الجهاد الإسلامي» ويستحوذ على رصيد « السرايا » في فلسطين برمته. ومن أبرز الشخصيات المركزية لهذه المجموعة الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي والشيخ عبد العزيز علي عودة.
تنحدر الأصول القومية للدكتور « الشقاقي » إلى عائلة عربية في ليبيا عاشت بعض فروعها في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين. أما الجذور الاجتماعية فتتصل بعائلة فقيرة يشتغل الأب فيها عاملا فقيرا. وتعيش الأسرة في قرية « زرنوقة» الواقعة قرب مدينة الرملة القريبة من الساحل الأوسط لفلسطين. ولما وقعت النكبة سنة 1948 حزمت العائلة ما لديها من متاع ولجأت إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة لتستقر في مخيم اللاجئين القريب حيث ولد الدكتور هناك سنة 1950 وارتوى من « حليب النكبة». وبعد خمسة عشر سنة رحلت والدته إلى مثواها الأخير تاركة له طفلا رضيعا لتبدأ حياته الشاقة والحزينة على فراق والدته التي طالما حثته على اقتناء الكتب وزرعت فيه حب المطالعة كما تروي عنه زوجته . لذا ثابر « الشقاقي » على الدراسة حتى أنهى دراسته الثانوية بنجاح سنة 1967 في خضم الحرب التي وحَّدت ما سلخته النكبة من أجزاء الوطن الواحد. وفتحت له نافذة لمتابعة دراسته الجامعية تَوجه منها إلى الضفة الغربية ليقيم في القدس وليلتحق من هناك بكلية بيرزيت الجامعية ولينال بعد سنتي الدراسة درجة الدبلوم في مادة الرياضيات. وبعد تخرجه اشتغل بالتدريس. وفي نفس الوقت عمل صحافيا في الطبعة الدولية لصحيفة الفجر المقدسية التي كانت تصدر أسبوعيا في لندن باللغة العربية.

ومن المرجح أن دراسته الجامعية واشتغاله بالصحافة والعمل السياسي بلورا لديه وعيا أدى به إلى قطيعة مع القومية العربية في محتواها الناصري واللحاق بجماعة « الإخوان المسلمين». ولكن شغفه بالدراسة وحب المطالعة دفعاه إلى خوض تجربة الثانوية العامة من جديد للحصول على شهادة أرفع من سابقتها تمكنه من الالتحاق بالجامعات المصرية وبالذات في جامعة الزقازيق قلعة الإسلاميين وفضاء الصراع النشط بين تيارات الفكر الإسلامي الحركي. ومع ذلك فقد درس الطب بدلا من العلوم الشرعية أو الإنسانية أو الاجتماعية. وحين عودته سنة 1979 عمل طبيبا في مستشفى المطلع التابع لوكالة الغوث قبل أن ينتقل ليمارس المهنة في غزة.

وهناك « في مصر» التقى « الشقاقي » بالشيخ « عودة» اللاجئ مثله والمنحدرة عائلته من منطقة وادي الحسا في بئر السبع جنوبي فلسطين. وقد هاجرت عائلة « عودة» حين الحرب إلى قطاع غزة لتقيم في شماله بمخيم جباليا الموضع الذي اندلعت منه الشرارة الأولى للانتفاضة. ومن هناك غادر « عودة» إلى مصر حيث التحق بدار العلوم واجتاز درجة البكالوريوس في العلوم العربية والإسلامية ثم درجة الدبلوم في الشريعة الإسلامية. ولما عاد إلى غزة سنة 1981 عمل محاضرا في الفقه الإسلامي في الجامعة الإسلامية.

وقد تقاسمت شخصيتا « الشقاقي » و« عودة» الرزانة ودماثة الخلق والشجاعة وصلابة الإرادة . وفيما عُرف عن الأخير الفهم العميق للدين والبلاغة الخطابية الفائقة اشتهر « الشقاقي » بعلاقاته الأبوية الدافئة وهدوء الطباع وسعة الثقافة وحسن الاقتباس من « بروتوكولات حكماء صهيون»وتوظيفها في دعم آرائه . والاهم من كل ذلك تميزه بقدرة عجيبة على الحوار والإقناع. أما عن شخصيته الكاريزمية فلا يبدو أنه تنبه لها أو أن أحدا من مريديه لفت انتباهه إليها. ولعل هذا هو السبب الذي مكنه من استقطاب أيديولوجي واسع في أحرام الجامعات المصرية. وبالتأكيد فإن شخصية الشيخ « عودة» التي تسلب لُبّ محاوريها لِمَا تتمتع به من سعة في الثقافة والدين لم تكن بعيدة عن كاريزمية « الشقاقي »، بل إنه الأب الروحي لِمَا سيُعرف، بعد حين، بـ « حركة الجهاد الإسلامي» في فلسطين.

1. الأنوية الأولى وتفاعلات النشأة

أحدث الهجوم على الكلية الفنية العسكرية في مصر هزة عنيفة مزقت النسق الأيديولوجي للتيارات الإسلامية السلفية والذي شهد تصدعات سابقة بفعل أفكار الداعية سيد قطبوهجمات السلطة المتتالية على جماعة « الإخوان المسلمين». وليس أدل على آثار هذه الهزة من الانتشار الواسع لأفكار الدكتور صالح سرية بين جماعات الطلبة المصريين والعرب. ولا شك أن « الشقاق» كان واحدا ممن اهتز لا للحادثة فقط بل لصدق ما ورد في « رسالة الإيمان»، وفرادة الأطروحات التي احتوتها، بحيث عبرت عن ظهور أول تيار يضع « الجهاد » موضع التطبيق الفعلي. الأمر الذي يعني بداية التمييز بين الجماعات الإسلامية الجهادية والجماعات الإسلامية غير الجهادية والتي ظلت تواجه اختبار « الإيمان». وكان على « الشقاقي » المتلهف لقتال إسرائيل وكذا جماعات الشباب الإسلامي، وفي مقدمتهم الفئآت المثقفة، أن يتهيأوا لخوض مرحلة جديدة من العمل الإسلامي تلائم توجهاتهم الثورية بوصفهم أبناء قضية؛ ولكن ليس قبل الحسم في المواقف إزاء الإشكالية الحاضرة على الدوام أمام العاملين في الحقل الإسلامي. فاللوحة الأيديولوجية الفلسطينية منقسمة تاريخيا حول سبل التخلص من الاستعمار الصهيوني لفلسطين على النحو الآتي:

• « التيار الوطني الذي يتكلم أو يعمل لأجل تحرير فلسطين ولكنه يستثني الإسلام وربما يخاصمه في بعض الأحايين أو يعتبره كدين مفتِّت للجبهة المعادية للاستعمار.
• التيار الإسلامي الذي يلتزم بالإسلام دون أن يستشعر خصوصية ومركزية القضية الفلسطينية التي اعتبرها مؤجلة إلى حين الظروف الملائمة للجهاد والتحرير.

وقد برزت هذه الإشكالية في منتصف السبعينات في الوقت الذي « كنا نكتشف فيه الأبعاد القرآنية والتاريخية والواقعية للمسألة الفلسطينية» .ومن الواضح أن كلا التيارين باتا خارج أطر التفكير والعمل لدى طلبة القاهرة. وأنه لا بد من الانحياز إلى الإسلام الجهادي أو ما يسميه خالد صلاح الدين بـ « الحلقة المفقودة بين الثورة الفلسطينية والاتجاه الإسلامي» . ومن المنتظر أن يتمخض ولوج « الحلقة المفقودة» ورفع شعارات الجهاد عن نتيجتين تاريخيتين كان لهما الأثر الكبير على الحركة الإسلامية الجهادية في فلسطين، الأولى القطيعة التامة مع الجماعات السلفية وأولها « الإخوان المسلمين»، والثانية الانفتاح الواسع على التيارات الجهادية في مصر.

وهكذا اتضحت الخيارات الإستراتيجية. وبدأت خبرات « الشقاقي » ومجموعات الطلبة تتضخم تنظيميا وأيديولوجيا لتعبر عن مشروع إسلامي جهادي يضع كل الأمة الإسلامية وقواها الفاعلة هدفا ومجالا للتغيير وليس فلسطين فقط. وتجلى الجهد في إصدار مطبوعتين تعبران عن أفكار الجماعة هما « الطليعة الإسلامية» و« المختار» اللتان وجدتا رواجا كبيرا لدى الإسلاميين عربا وفلسطينيين ومسلمين وخاصة في الساحة الفلسطينية بعد رحيل الثورة الفلسطينية عن لبنان سنة 1982. وكانت طموحات « الشقاقي » من وراء هاتين المطبوعتين المساهمة في إيجاد حالة إسلامية جهادية عامة يصعب ملاحقتها أو ضربها من أية جهة، بحيث تعبر عن تيار وليس عن تنظيم محدد المعالم. وقد وفر انتصار الثورة الإسلامية في إيران جهدا كبيرا وحاسما في هذا الصدد بالنظر إلى الترحيب الشعبي التلقائي الذي وجدته الثورة على مستوى الشعوب العربية والإسلامية وإمكانية تحقيق الحلم. وعلى الفور سارع « الشقاقي » إلى عرض أطروحاته في كتيب صغير بعنوان « الخميني: الحل الإسلامي والبديل» لتتلقفه أوساط الطلبة والشباب الملتزم إسلاميا في الأراضي المحتلة ويسري في المجتمع كـ « سرعة البرق» على حد تعبير أحد الخبراء الإسرائيليين .

وفي مصر، فقد غادرها « الشقاقي » بمرارة ولكنه ترك بصمات واضحة على التيارات الجهادية فيها في مستوى الفكر الجهادي. إذ كان محمد عبد السلام فرج مؤلف الكتيب الشهير « الفريضة الغائبة» يعتبر نفسه تلميذا له. وفي هذا السياق علينا أن نرى في هذا الكتيب ومحتوياته جزء من أفكار « الشقاقي » وطموحاته فضلا عن أنه ربط علاقات تنظيمية بين مجموعات طلبته وتنظيمات الجهاد في مصر لكسب الخبرات التنظيمية وتوسيع إطار العلاقات والنشاطات. بيد أن طموحاته تكسرت على عتبة بعض التنظيمات الجهادية المصرية التي أصرت على اعتبار مصر هي المنطلق لأي تغيير إسلامي منشود ووجهت كل فعالياتها الأيديولوجية والتنظيمية والإستراتيجية نحو إقامة الدولة الإسلامية في مصر نواة دولة الخلافة التي ستنطلق نحو تحرير الأراضي الإسلامية ونصرة المسلمين أينما كانوا. وهذا الطرح يخالف ما يخطط له « الشقاقي » وزملاؤه من تحويل فلسطين إلى قضية مركزية وبؤرة تستقطب اهتمام كافة الحركات الإسلامية في العالم. وتستحوذ على جهودها الضائعة وفعالياتها. أو كما يرد في « المنهج» جعل فلسطين « هماً إسلاميا» لا فلسطينيا فحسب.

2. المأسسة التنظيمية

لا شك أن « الشقاقي » أصيب بخيبة أمل بسبب العناد الذي أبدته جماعات الجهاد المصرية إزاء اعتبار فلسطين منطلق المشروع الإسلامي الجهادي؛ فقفل عائدا إلى القدس سنة 1979 فور انتهاء دراسته ليمارس مهنة الطب. وليس معلوما على وجه التحديد لماذا ترك وظيفته الثمينة كطبيب في وكالة الغوث الدولية والانتقال إلى غزة ليمارس المهنة في عيادة خاصة به وبالمجان في بعض الأحايين. ولكن في الفترة ما بين 1979- 1980 ينبغي أن نتربص بعودة أفواج الطلبة، الذين بدؤوا يعودون إلى الأراضي المحتلة بعد تخرجهم، وبالذات إلى غزة حيث ينشط « الشقاقي » في الأثناء ببث الأفكار الجهادية لاسيما بين طلبة الجامعات أين شرع بعض الخريجين الجدد ينشطون أيضا. وكان عليه وزملائه أن يوظفوا ما تجمع لديهم من خبرات تنظيمية في مصر. وأن يركزوا على خلق حالة جماهيرية فلسطينية واسعة تعوض ما خسروه وتستعصي على القمع والاضطهاد أو التصفية السريعة.

باختصار كان عليهم أن يهتموا بترويج ثقافة جهادية شعبية لا تنظيمية تجنبا لنهاية مفجعة كما حصل لتنظيم الكلية الفنية العسكرية في مصر. فالتجربة كانت حاضرة في ذهن « الشقاقي » وزملائه. إذ أن الخبرة والثقافة الواسعة والعقلانية التي تمتع بها الدكتور صالح سرية لم تشفع له لسببين: السرية التنظيمية اللاجماهيرية وإصرار الأعضاء على بدء العمل ومعاجلة النظام . فكان الفشل الحتمي بالانتظار.

وقبل أن تستقبل غزة والضفة الغربية بقية الطلبة الخريجين كانت المجموعات السابقة قد عبّرت عن تميز تنظيمي داخل الأراضي المحتلة عرف باسم « الاتجاه الإسلامي الثوري». وفي سنة 1984 أعلن عن « الجماعة الإسلامية» بوصفها إطارا تنظيميا نقابيا لـ « الاتجاه» في الجامعات والمعاهد الفلسطينية في الأراضي المحتلة. ومما يثير الانتباه أن هذه الأطر التنظيمية عبّرت عن تيار جهادي آخذ في الصعود لكنه يفتقد لأية بنية تحتية اجتماعية تغطي نشاطاته. كما أنه لازم الابتعاد عن اختبار القوى أو المؤسسات الاجتماعية والنقابية وحتى السياسية إلا في وقت متأخر، مكتفيا بترجمة أفكاره « بواسطة أعمال» بما يوفر له شرعية سياسية وشرعية اجتماعية ليست متوفرة للقوى الإسلامية التقليدية كـ« الإخوان المسلمين» مثلا. والثابت أن هذا الاختيار جعل مجمل التفكير والجهد منصبا بطريقة لاشعورية على محاربة اليهود أو الاستعداد النفسي والبدني لذلك . وكانت هذه الآلية في العمل إحدى نقاط الضعف الكبرى التي ستعجل في الانطلاقة العسكرية بشكل مبكر جدا وغير منتظر. ومن المفارقات أن يأتي الضغط من الجماعة الإسلامية في السجون الإسرائيلية وليس من القيادات الموجودة خارجها. كيف؟ وأية علاقة؟

مبدئيا، سنلاحظ أن الاتجاه الإسلامي الثوري وخاصة قياداته المؤسِّسة وقعت ضحية ضغوط مماثلة لتلك التي تعرض لها الدكتور صالح سرية بسبب الاندفاع الكبير لمجموعة السجون التي فَرضت على الشقاقي وزملاءه بدء المنازلة مع إسرائيل. والمسألة تبدأ من مصر ثانية. فبعد اغتيال الرئيس المصري (أكتوبر1981) اعتقلت السلطات المصرية عددا من الطلبة الفلسطينيين في مصر تبين أنهم على علاقة تنظيمية بجماعات الجهاد المصرية. وتم احتجازهم نحو عام دون محاكمة قبل أن يقع ترحيلهم. ومن بين هؤلاء سالم الرحال الذي أُبعد إلى الأردن، وكل من نافذ عزامونافذ الأعرج إلى الأراضي المحتلة. وهناك اعتقلتهم سلطات الاحتلال مع نشطاء آخرين بينهم الدكتور فتحي الشقاقي وأودعتهم السجون بأحكام تتراوح بين ستة أشهر وعام ونصف العام بتهمة التحريض. والتقى هؤلاء بجماعة « المنفلشين» الذين تعرفوا عليهم على الفور واعتبروا أنفسهم جزء من ذات التيار الجهادي . بيد أن الأفكار وحدها لم تكفهم ولم تقنعهم بجدوى الانتظار. وكان من الصعب على « الشقاقي » وزملاءه في السجن الحد من اندفاع الأطر القيادية للجماعة الإسلامية في السجون وخاصة شخصية عنيدة مثل الضابط أحمد مهنا الذي أصرّ على التعجيل في العمل العسكري.

وبعد انتهاء فترة المحكومية ترك « الشقاقي » وزملاؤه السجن على حاله. وعاد ليمارس نشاطه السياسي كالمعتاد. وعلى ما يبدو أن العقلية اللاتنظيمية لمجموعات الاتجاه الإسلامي الثوري لم ترغب في قطع العلاقة أو تحديدها مع الجماعة الإسلامية في السجون. فالمنطق يقضي بتشجيع العناصر الإسلامية الجهادية وتنشيط فعالياتها لا ترويضها. غير أن المخاطر من اندفاعها تظل قائمة .وهنا تكمن المشكلة التي دفع ثمنها « الشقاقي » حين اعتقلته السلطات الإسرائيلية سنة1986ووضعته في زنزانة منفردة كي لا يؤثر على السجناء الآخرين، ومن ثم قامت بإبعاده إلى خارج الأراضي المحتلة. كما أبعدت الشيخ عبد العزيز عودة بُعيد اندلاع الانتفاضة مع مجموعة أخرى قيادية مما أصبح يعرف في حينه بـ « حركة الجهاد الإسلامي». ومع أنه لا يمكن نسبة هذه النهاية إلى مجموعة السجون، إلا أن نشاطات أحمد مهنا كانت سببا حاسماً من بين نشاطات أخرى كشفت التنظيم وخيوطه أمام المخابرات الإسرائيلية. فعندما تمت صفقة تبادل الأسرى سنة 1985 كان أحمد مهنا واحدا من مئآت السجناء على لوائح الإفراج ممن اختاروا البقاء في الأراضي المحتلة. وكان قد مضى على اعتقاله نحو15 سنة. وما بين شهر أيار/مايو1985 - شهر كانون ثاني/يناير1986 نفذ مع مجموعته من مقاتلي الجهاد ثمانية عشرة عملية عسكرية، بالغة الجرأة، ضد قوات الاحتلال. وفي أعقاب هذه العمليات قامت سلطات الاحتلال بحملات اعتقال في صفوف « حركة الجهاد الإسلامي» أدت إلى شلل في العمل العسكري سيستمر حتى الثلث الأخير من عام 1986.

ملاحظة

وكان هذا الغموض أحد الأسباب الذي دفعنا للتنقيب عن روابط أو صلات مع جماعات الجهاد في مصر في محاولة للإمساك بطرف خيط يقودنا إلى تاريخية السرايا.
نجيب ( محمد ) : فصيل " الأمير" وفصيل " الزعيم " - سوراقيا - شركة سوراقيا المحدودة - لندن، المملكة المتحدة - العدد 453 - 20/4/1992 - ص 14.
شفيق ( منير ) .- شهداء ومسيرة " أبو حسن وحمدي وإخوانهما " - مؤسسة الوفاء - بدون مكان للنشر - الطبعة الأولى، 1994 - عدد الصفحات 183 - ص 112. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الكتاب يشتمل على:
1. رسالة وجهها محمد بحيص (أبو حسن) ومحمد التميمي (حمدي) إلى السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.وقد صدرت الرسالة في سنة 1990 في كتيب يحتوي على 55 صفحة بدون أي مصدر أو مكان للنشر أو حتى تاريخ للنشر، وهي النسخة المتوفرة لدينا. ثم صدر عن دار الغرب الإسلامي (بيروت) سنة 1993. 2. ملخص لأهم محتويات كتاب نادر بعنوان "أفكار ثورية في ممارسة = = القتال". صدر قبل العام 1978 باسم سعد جرادات أول قائد للسرية الطلابية وأحد ضباطها جورج شفيق عسل وهو شقيق منير شفيق. ويعتبر هذا الكتيب أفضل ما كتب عن ممارسة التيار ومعتقداته، بل إنه يحدد ومنذ وقت مبكر جدا مسلكية التيار قيادة وأفراداً. وللأسف فلم نستطع الحصول على نسخة للكتيب. لذا، وفيما يتعلق بلجنة التنظيم سنعتمد على " شهداء ومسيرة " دون أن نشير إلى الصفحات إلا حين يلزم الأمر. كما سنستعين ببعض المقابلات والاستفسارات علما أننا وجدنا تطابقا بين الأجوبة وما احتواه " شهداء ومسيرة " حتى فيما يتعلق بعرض المعلومات ومدى أهميتها. ونرى أنه من العبث تجاوز المؤلف في غياب تام للكتابات عن التيار وفي ضوء استشهاد الغالبية الساحقة من مؤسسيه

كشك ( محمد جلال ) .- الثورة الفلسطينية - مرجع سابق/ ص 11-28
 تعرضت حركة "فتح" لانشقاقات عدة خلال السبعينات أبرزها انشقاق صبري البنا "أبو نضال ".ولكن الانشقاق الأخطر كان في ربيع العام 1983 الذي قاده عدد من كبار الضباط مثل أبو موسى وأبو خالد العملة وعضو اللجنة المركزية للحركة قدري (سميح أبو كويك). وامتد ليشمل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها وانتهى في أواخر العام بمعارك دامية في منطقتي البقاع اللبناني شرقا وطرابلس شمالا خرجت بموجبه حركة "فتح" من لبنان سياسيا وعسكريا. وحدث الانشقاق على خلفية السياسة السلمية للقيادة المركزية في المنظمة والتي تهيمن عليها حركة " فتح ". ولا شك أن أطرافا عربية ألقت بثقلها خلف المنشقين خاصة سوريا.

هم كمال عدوان ومحمد يوسف النجار عضوا مركزية "فتح" وكمال ناصر مفوض الإعلام في المنظمة وعضو لجنتها التنفيذية، وذلك في عملية مغاوير نفذها جهاز المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) في العاصمة اللبنانية - بيروت بتاريخ 10/4/1973 فيما عرف بعملية "فردان" إحدى ضواحي العاصمة.
ثمة فقرة صغيرة جداً عن السرية الطلابية في: الموسوعة الفلسطينية (هجائية): الاتحاد العام لطلبة فلسطين - القسم العام، المجلد الأول (أ - ث ) - مصدر سابق - ص 65.
هي الحادثة التي نفذتها ميليشيات حزب الكتائب اللبناني في المنطقة الشرقية من العاصمة بيروت، لما أوقفت حافلة كانت تقل فلسطينيين؛ فقتلت 14 من ركابها وجرحت الباقين دون أن يكون للحادثة ما يبررها.
مقابلة مع مصادر مختلفة - حزيران/ يونيو1998.

مقابلة مع مصدر قيادي في الكتيبة - عمان، الأردن - 26 آب/ أغسطس1998.

نجمت المشكلة على خلفية مشروع المملكة المتحدة الذي أعلنه العاهل الأردني الملك حسين لحل الصراع مع إسرائيل. وهو المشروع الذي تنسحب بموجبه إسرائيل من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وتندمج مع المملكة الأردنية الهاشمية تحت اسم جديد هو المملكة المتحدة. وغداة ذلك بقليل أعلنت إسرائيل عن نيتها إجراء انتخابات بلدية سنة 1972 بهدف إيجاد قيادة محلية يمكن التفاوض معها على تسوية سياسية. ولمزيد من الاطلاع على إشكالية القيادة المحلية والقضايا المرافقة. يراجع في ذلك: ماعوز (موشيه).- القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية (أسرار، تحركات ومواقف) - فلسطين المحتلة - مترجم عن اللغة العبرية إلى اللغة العربية بدون ذكر لاسم المترجم. والكتاب نسخة ضوئية موجودة في مكتبة مركز التخطيط الفلسطيني (م.ت.ف)، والتاريخ التقريبي لصدور الكتاب سنة 1985 / ص 1-8 .
 يستعمل منير شفيق في مؤلفه تعبير "ثغرة" ليشير بذلك إلى تأثر التيار منذ بداياته بالنظرية الأولى التي كانت وراء تجربة حركة المرابطين في المغرب. أي فكرة سد الثغور. فأينما وجد ثغر معرض للهجوم أو السقوط من جانب العدو،وكان بحاجة لمن يذهب إليه لحمايته أو لتدعيم حاميته ، يجب أن يُصار إلى التوجه هناك .وللعلم فإن هذا المحتوى جرى التعبير عنه في حينه بشعار ورد في كتاب " أفكار ثورية في ممارسة القتال " بصيغة " نذهب حيث المهمات الأصعب ".شفيق ( منير ). - شهداء ومسيرة … - مصدر سابق - ص 106،101.
نفس المصدر .- ص 121.
الأولى كانت بقيادة عدنان جابر وياسر صبح من الخارج وتيسير أبو سنينة ومجاهد الشوبكي من الداخل. وتمترس (جابر وصبح ) في أحد كهوف جبال الخليل لأكثر من عام قبل أن يهاجما معبد الدّبّويا في أحد المستوطنات الإسرائيلية قريبا من مدينة الخليل حيث قتل ستة مستوطنين وجرح آخرين في العام 1980، ولما اعتقل المنفذون وقدموا للمحاكمة دخلوا المحكمة العسكرية الإسرائيلية رافعين نسخاً من القرآن الكريم. أما الثانية فقد توجهت بقيادة خالد صابر الديك (أبو خلدون) بعد بضعة أشهر من دخول الأولى. ونجحت في اجتياز خطوط كشف الأثر إلى منطقة رام الله – نابلس وتموضعت هناك قرابة الستة أشهر، واستشهد قائدها بعد معركة دامت عدة ساعات مع القوات الإسرائيلية.

ومن بين الشهداء القادة يذكر منير شفيق كل من: محمد شبارو ، طوني النمس ، أحمد وجمال القرى ، حماد حيدر ، أيمن أبو عبد الله، حسنين ، حرب جمجوم ، نسيم أبو سعيد ، شوقي الظنط ، عبد الوهاب الحسن (أبو طارق) ، وجدي العنداري (أبو وجيه) ، فؤاد تلمسان ، مجاهد الضامن ( وهو أول من درب حركة أمل على السلاح سرا ) ، إسماعيل خضر ، نذير الأبري ، عصمت مراد (حركة لبنان العربي) ، مصطفى كردية ، سمير الشيخ. ويمكن إضافة يعقوب سمور قائد قلعة الشقيف أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982. وقد أصيب بلغم أرضي ورفض الانسحاب طالبا من مجموعته تركه في أرض المعركة مبتور القدم.
مقابلة مع مصادر مختلفة - حزيران/ يونيو1998.
ثمة تأريخ لأكثر من 38 عملية عسكرية نفذتها كتيبة الجرمق ضد القوات الإسرائيلية في لبنان خلال عام واحد من احتلالها في الفترة بين صيفي العامين 1982-1983. ولم تتوقف العمليات إلا بسبب انشقاق حركة "فتح". أما إرسال الأسلحة إلى جنوب لبنان فقد تكفل بها الشهيد علي أبو طوق.

 هكذا يسميه كل من تعامل معه وعرفه في حركة "فتح".
مقابلة مع مصادر مختلفة - حزيران/ يونيو1998.
 أشهرهم الشيخ فهد الأحمد أحد أبرز أمراء العائلة الحاكمة في الكويت،وهو الذي قتل أثناء احتلال العراق للكويت في أب/ أغسطس 1990. وكان رجلا محبوبا لدى الفلسطينيين وشخصية شعبية ودولية، وحين مقتله كان نائبا لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية.
شفيق ( منير ) .- شهداء ومسيرة - مصدر سابق - ص 77. ويمكن الاطلاع على المزيد من الدراسات حول المسألة الطائفية والاقتصادية في لبنان لدى: كلوفيس ( مقصود ) : لبنان - السيادة - لبنان - النظام / شؤون فلسطينية - مرجع سابق - عدد مزدوج ، 51،50 – تشرين الأول/ اكتوبر، تشرين الثاني/ نوفمبر 1975. ويحتوي العدد على سلسلة من المقالات لكل من: فرنجية ( سمير ): الأزمة… والبديل، ديب (جورج ): الميثاق الوطني اللبناني، =
= جابر (خالد ): السلطة و التوازن في لبنان، أبو النمل (حسين ): الطائفية السياسية، والحقائق الاقتصادية في لبنان، سخنيني ( عصام ): المقاومة الفلسطينية - شؤون فلسطينية - العدد 52 - كانون أول/ ديسمبر 1975، طه ( ناشي ): =
= استنزاف الأيديولوجية الوطنية التي أدخلتها المقاومة … إلى لبنان - نفس العدد أعلاه ومفلح ( أحمد ): العلاقة بين الثورة الفلسطينية والدولة اللبنانية (1965-1975) - نفس المرجع - عدد 154 - كانون أول/ ديسمبر 1991.

شفيق ( منير ) .- شهداء ومسيرة - مصدر سابق - ص 77. ويمكن الاطلاع على المزيد من الدراسات حول المسألة الطائفية والاقتصادية في لبنان لدى: كلوفيس ( مقصود ) : لبنان - السيادة - لبنان - النظام / شؤون فلسطينية - مرجع سابق - عدد مزدوج ، 51،50 – تشرين الأول/ اكتوبر، تشرين الثاني/ نوفمبر 1975. ويحتوي العدد على سلسلة من المقالات لكل من: فرنجية ( سمير ): الأزمة… والبديل، ديب (جورج ): الميثاق الوطني اللبناني، جابر (خالد ): السلطة و التوازن في لبنان، أبو النمل (حسين ): الطائفية السياسية، والحقائق الاقتصادية في لبنان، سخنيني ( عصام ): المقاومة الفلسطينية - شؤون فلسطينية - العدد 52 - كانون أول/ ديسمبر 1975، طه ( ناشي ): استنزاف الأيديولوجية الوطنية التي أدخلتها المقاومة … إلى لبنان - نفس العدد أعلاه ومفلح ( أحمد ): العلاقة بين الثورة الفلسطينية والدولة اللبنانية (1965-1975) - نفس المرجع - عدد 154 - كانون أول/ ديسمبر 1991.
نفس المصدر .- الحاشية ( 1 ) ، ص 77.
المدهون (ربعي): الحركة الإسلامية في فلسطين..- مرجع سابق - ص28. إذ ينقل الباحث عن كاتب فرنسي القول: "أن القطيعة بين القوى الإسلامية و"فتح" التي تمت في الفترة ما بين 1973-1975، وهي الفترة =
= التي عرفت"بصعود نجم اليسار"جاءت نتيجة للتحالف مع اليسار اللبناني،بالإضافة إلى تدفق الماركسيين الفلسطينيين صوب"فتح"و"انضمامهم إليها". وردت لدى: لوغران (جان فرا نسوا): الإسلاميون والنضال في الأراضي المحتلة. نقلا عن "رفيو دي سيانس بوليتيك"- المجلد 36 -العدد2 - نيسان/ أفريل 1986 - مترجم لدى (م.ت.ف)، مركز التخطيط.

من بينها على الخصوص: "الإسلام في معركة الحضارة" و "الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر".
وردت في كتاب " شهداء ومسيرة "، وكذلك: بحيص ( محمد محمد ) وسلطان ( محمد باسم ) .- أسئلة حول الإسلام والماركسية من وراء القضبان - دون تاريخ - دون مكان للنشر. هذا فيما يتعلق بالنسخة المتوفرة لدينا وهي أول إصدار للرسائل من المرجح أنه كان في سنة 1990.
درويش (ناصر)، المحامي .- أبطال عملية الدبويا - دار الجليل للنشر - عمان ، المملكة الأردنية الهاشمية - الطبعة الأولى، 1986 .
شفيق ( منير ).- شهداء ومسيرة …- مصدر سابق - ص 30 . علما أن هذا الموقف تجاه منطلقات " فتح" أكده " شفيق " للباحث في أحد اللقاءات سنة 1996.

نفس المصدر .- ص 114.
نفس المصدر .- ص 51.

مقابلة مع مصادر مختلفة - حزيران/ يونيو1998.
شفيق ( منير ).- شهداء ومسيرة... - مصدر سابق / ص 117 – 118.

كان أول اجتياح عسكري إسرائيلي على امتداد الحدود اللبنانية إثر عملية الشهيد كمال عدوان التي نفذها أحد عشر مقاتلا فلسطينيا بقيادة فتاة فدائية هي دلال المغربي في 11/3/1978 ،حيث نزلت المجموعة على الساحل الفلسطيني لمدينة حيفا . وقد استشهد أفراد المجموعة وأسر واحد منهم فيما قتل وجرح عشرات الإسرائيليين أثناء تفجير حافلة ركاب سيطر عليها الفدائيون. وأطلق المراقبون على فعاليات العملية اسم أول جمهورية فلسطينية تقام في فلسطين بقوة سلاح الفدائيين وجرأتهم .

شفيق ( منير ).- شهداء ومسيرة - مصدر سابق - ص 103. من ملخصات كتاب " أفكار ثورية في ممارسة القتال ".
 إ أبرز مثال على ذلك هو علي أبو طوق ( الأعزب ) وضابط يدعى أبو ضرغام ( متزوج وله ثمانية أبناء ) الذي كان يتلقى من الأول مبلغ مائة ليرة لبنانية فوق مرتبه دون أن يعلم أحد في الكتيبة ودون أن يعلم " أبو ضرغام " ذاته. وبات الاثنان في ذمة الله وهما على هذه الصورة التي ما زالت مجهولة للكثير من أفراد الكتيبة وضباطها .

لم يكن الفلسطيني الذي يلتحق لأول مرة في الثورة يتوقع أنه ثمة مخصصات مالية في آخر الشهر خاصة من الفلسطينيين المقيمين في الأردن ومناطق الشتات.
شفيق ( منير ).- شهداء ومسيرة - ص 105.

بحيص ( محمد ) وسلطان ( محمد ) .- أسئلة حول الإسلام والماركسية … - مصدر سابق - ص 20.
نفس المصدر .- ص 19.
شفيق ( منير ) .- شهداء ومسيرة - مصدر سابق - ص 34.

 تغير الاسم فيما بعد إلى " جمهورية إيران الإسلامية " بعد أن تراجعت إيران عن مبدأ تصدير الثورة.
 كان ياسر عرفات أول زعيم عربي يتم استقباله في إيران من قبل الإمام آية الله الخميني. وخصص له حفل استقبال ضخم على الصعيد الرسمي وحفل شعبي شارك فيه نحو مليون شخص وهو ما لم يتح لأي زعيم عربي حتى ذلك الحين بما في ذلك الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
شفيق ( منير ) .- شهداء ومسيرة - المصدر السابق - ص 136.
نفس المصدر .- ص 32.
نفس المصدر .- ص 138.

نفس المصدر . – ص 36.
 مصدر المعلومات الرئيس هنا هو المقابلات الشخصية مع السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم ممن قضوا فترات طويلة داخل السجون الإسرائيلية لا تقل عن عشر سنوات. وتتعلق بأولئك الذين أفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى الثالثة سنة 1985 أو قبل ذلك . أما المقابلات فقد أُجريت في العاصمة الأردنية - عمان في الفترة ما بين تشرين تموز/ يوليو 1998 - آذار/ مارس1999 .

يوجد في إسرائيل على الأقل ثمانية سجون كبرى هي: سجن الرملة، سجن عسقلان، سجن بئر السبع، سجن نفحة الصحراوي، سجن تل موند، سجن كفاريونا، سجن عتليت، سجن الصرفند وكذلك سجني الجلمة والمسكوبية المخصصين للتوقيف والتحقيق.

مقابلات مع يوسف عمرو، وهو سجين سابق - 13/7/1998 ، 17/8/1998 و 15/2/1999.
مقابلة مع سجين سابق رفض ذكر اسمه - 10/2/1999.

titre documents joints

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916827 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق