الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > المقاومة والاعلام > تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” الحلقة الخامسة
القسم الموسيقي
أعلام الفن العربي أموا الإذاعة الفلسطينية وعملوا فيها
تلعب الموسيقى دوراً هاماً في حياة الإنسان والحيوان والنبات. وقد أثبتت التجارب التي أجراها ويجريها العلماء والباحثون على أن للموسيقى دوراً رئيسياً في تهذيب العواطف الإنسانية والتخفيف من الحالات العصبية في عصر تسوده المآسي والمشاكل.
وإذا رجعنا إلى تاريخ الفن الموسيقي منذ أقدم العصور حتى وقتنا هذا، نجد أن موسيقانا العربية غنية كل الغنى، تعبر عن شتى الأحاسيس والمشاعر، وتدلل على مدى ارتباطها بالتراث، التراث الذي يشكل جزءاً هاماً من حياة الأمم والشعوب.
والموسيقى، وما يتبعها من لحن وغناء وعزف، فن وذوق وعلم وأدب ودرس. ويختلف الناس في تقدير الفنون الجميلة، كل بحسب ثقافته، وبيئته ومعرفته بأصول النوطة الموسيقية وحساسية أذنه إما للأنغام الحلوة العذبة، أو للأنغام الصاخبة المزعجة المثيرة للأعصاب.
كيف يتذوق الإنسان الموسيقى واللحن والصوت؟
هذا موضوع طريف علمي يحتاج إلى دراسة واسعة وإطلاع وافر عميق.
وينحصر بحثي في الحديث عن القسم الموسيقي في محطة الإذاعة الفلسطينية، هنا القدس في الأمور التالية:
أولاً- حياة المدراء الذين تسلموا زمام القسم الموسيقي في المحطة والقصائد التي انتشرت على زمانهم انتشاراً واسعاً.
ثانياً- الفولكلور الفلسطيني الذي لعب درواً هاماً في حياة الإذاعة الفلسطينية.
ثالثاً- المغنون والمغنيات والملحنون والملحنات الذين أسهموا إسهاماً فعالاً في تقديم اللحن الجميل والصوت المتمرن الساحر.
رابعاً- الأسطوانات العربية المنتشرة آنئذ، خصوصاً أسطوانات الأفلام المصرية بأصوات أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش وشادية وليلى مراد وأسمهان وغيرهم.
ففي القسم الأول قدمتُ لمحات وجيزة عن حياة المدراء والفنانين الكبار الذين أسهموا في تقدم القسم الموسيقي، بواسطة اللحن الجميل، والصوت العذب والعزف على الآلات الموسيقية المختلفة.
قلنا أن الموسيقي ذوق وعلم، وميل لذا عمد المسؤولين عن القسم العربي في محطة الإذاعة الفلسطينية إلى تنويع الأغاني والآلات الموسيقية والأصوات. فكما كان في الإذاعة قسم أجنبي له أنصاره ومريدوه، كذلك كانت الأغلبية من الطبقتين الوسطى والفقيرة، تميل إلى الأغاني الشعبية الفولكلورية.
لطلع عراس الجبل واشرف على الوادي
وقول يا مرحبا نسّم هوا بلادي
يا ربي يطوف النهر ويغرّق الوادي
لعمل زنودي جسر وقطعك ليّا
أو
ياميجنا يا ميجنا يا ميجنا
زهر البنفسج يا ربيع بلادنا
أو
يا ظريف الطول وين رايح تروح
جرحت قلبي وعمقت لجروح
واللي يهوى البيض لابد ما يسوح
لو كان عقله بالجبال موزنا
يا ظريف الطول وقّف تاقولك
رايح عالغربة وبلادك أحسن لك
خايف يا خيّي تروح وتتملك
وتعاشر الأغراب وتنساني أنا
يا ظريف الطول ما عاد لي صبور
كيف اصبر يا ربي والقلب مكسور
رجعني لبلادي لو جوّا القبور
واحسب حالي ما خلقت يا ربنا
وتلعلع أصوات المطربات والمطربين بالأغنيات الشعبية ذات المعاني القوية المتينة والأنغام العذبة التي تناقلها الآباء عن الأجداد، وعلينا أن ندرس فولكلورنا دراسة وافية ونحافظ عليه ونصونه، إنه جزء هام من حياة أمتنا إنه تاريخنا.
على دلعونا على دلعونا يا ليل طوّل علي يحبونا
يا ليل طوّل عالأسمراني حلو سباني بغمز العيونا
ودفتر دلعونة عندي خبيتو بمال الدنيا أنا اشتريته
هذا حبيبي وأنا حبيتو ليتم نصيبي بأسمر اللونا
وليس في نيتي أن استرسل في تعداد محاسن الفن الغنائي ومساوئه ولا أن أتطرق إلى جميع جوانب الفولكلور الفلسطيني فقد قامت في البلاد العربية جمعيات فلسطينية آلت على نفسها أن تحيي ذكر الأغاني الشعبية وتحفظها من الضياع، وتدك اسفينا في أعين الأعداء الذين يحاولون أن يطمسوا التراث الفلسطيني، أو أن ينتحلوه لأنفسهم. إنما غايتي أن أعطي صورة إجمالية عن جميع أقسام الفن الغنائي والموسيقي والفولكلوري الذي كان يغنى في الأربعينات من القرن العشرين من محطة الإذاعة الفلسطينية.
العازفون على آلات موسيقية متنوعة
وكانت هناك معزوفات موسيقية تطرب لها النفس ويقر بها الخاطر قام بها لفيف من الفنانين المعروفين، أذكر منهم:
سامي الشوا: عزف الكمان، إبراهيم عبد العال: عازف القانون، جليل رُكب: كمان منفرد، أرتين ترياقيان: سنتور منفرد، توفيق جوهرية: قيثار، يحيى سعودي: عود، رياض البندك: عود، رامز الزاغة: عود.
المغنون والمغنيات
الذين أسهموا مدداً طويلة في البرامج الغنائية والذين كان لهم الفضل في إثراء القسم الغنائي في محطة الإذاعة الفلسطينية:
كاظم السباسي: ذو الصوت الرخيم والقصائد المختارة.
فهد نجار: وقد تابع الغناء بعد النكبة من محطة الإذاعة الأردنية حتى وافته منيته.
فيروز: شقيقة فهد التي رافقت شقيقها في جميع مرافق حياته وأسكرت السامعين بصوتها الحنون، كما شاركت في برامج الأطفال.
ماري عكاوي: لها صوت عذب وحنجرة قوية، غنت وغنت في الإذاعة وتناقلت أغانيها الإذاعات العربية بعدئذ وخصوصاً قصيدتها المشهورة: "يا جارتي ليلى".
جميل العاص: وكان يتحف المستمعين بغنائه الشعبي وصوته الجهوري الذي يهز أوتار القلوب.
يحيى السعودي: وقد تحدثنا عنه حديثاً مطولاً وقدمنا لمحة عن سيرته.
محمد غازي: وهو من قرية يازور قرب مدينة يافا وكانت مقدرته الفنية في الأداء كما يقول رياض البندك في مذكراته تعتبر مدرسة قائمة بذاتها، ويعتبر محمد غازي من أقدر المطربين الذين مروا في تاريخ الغناء العربي الحديث.
يوسف رضوان: كان مشهوراً بتأدية الموال البغدادي والأغاني الشعبية الفولكلورية القديمة.
رجاء الفلسطينية: كانت تغني الغناء الطربي القديم، وهي من السيدات الجميلات اللواتي لعبن أدواراً هامة في الحياة الإجتماعية، وعندما أخنى عليها الدهر بكلكله، وولى زمان الشباب والعز، اضطرت إلى أن تتحول إلى مطربة غنائية شعبية.
الفنانون والفنانات من البلاد العربية الشقيقة
كانت الإذاعة الفلسطينية أولى الإذاعات في العالم العربي، فقد تأسست عام 1936 في القدس لأسباب سياسية وكان في مصر وقتئذ شركة ماركوني التجارية.
وفي سنة 1940 قام الانكليز بتأسيس محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في يافا وكان الأجدر بهم أن يسموها: محطة الشرق الأدنى للإذاعة البريطانية أو الانكليزية نظراً للدعاية الكبيرة التي كانت تقوم بها في الحرب العالمية الثانية من أجل الحلفاء وبريطانيا والشعب الانكليزي.
إلا أن هذه المحطة جذبت عدداً كبيراً من فناني الدول العربية المجاورة الذين أموا البلاد للعمل إما في محطة الإذاعة الفلسطينية أو في محطة الشرق الأدنى.
ولا بد من التنويه هنا في أن محطة الشرق الأدنى للإذاعة الانكليزية، كانت تدفع للفنانين رواتب محترمة، إما للموظفين الدائمين أو للمحدّثين والفنانين، والفرق التمثيلية الإذاعية، كما أنها كانت تسهل دخول من تريد إدخالهم، القادمين من البلاد العربية.
وأمَّ فلسطين وقتئذ، أي بين السنوات 1936 1948، عدد كبير من الفنانين والفنانات المعروفين من مصر، وسورية، ولبنان وأسهموا إسهاما جيداً في رفع مستوى الموسيقى والغناء.
ومن بين هؤلاء:
السيد الصفتي، محمود صبح، حليم الرومي، رجاء عبده، رياض السنباطي، فتحية أحمد، ايليا بيضا، عزام شيبا، صابر الصفح، جميل كرم، سهام رفقي، ماري جبران، نجاة علي، عمر البطش وغيرهم كثيرون.
وفي سنة 1947 انتقلت محطة الشرق الأدنى إلى قبرص، إذ بدأت حوادث يافا في فلسطين، ويافا مدينة عربية قديمة وملاصقة لتل أبيب اليهودية.
ومن زوار الإذاعة الفلسطينية المذيع والمخرج الإذاعي العبقري عبد الوهاب يوسف، كبير المذيعين في محطة الإذاعة المصرية. وقد علق على التمثيل في فلسطين بقوله: "بيد أنك تجد من بين هؤلاء المهتمين بالتمثيل في فلسطين شبانا أصحاب علم بهذا الفن، من حيث مبادئه وأسسه ويعلمون الكثير عن الأدب المسرحي وتاريخه منذ نشأته ثم تطوراته وما وصلت إليه الأقطار العربية والأوربية في هذا المضمار.
وقد استطاع بعض أصحاب الفرق التمثيلية أن يثبتوا وجودهم في تهيئة رواية الراديو، سيان أكان الموضوع مؤلفاً أو مقتبساً أو مترجماً".
لقد فتح الفلسطينيون صدورهم لاستقبال أخوانهم في الدول العربية المجاورة ليس في مجال الفن والمسرح والغناء فحسب ولكن في الترحيب بعشرات الألوف منهم الذي عملوا في التجارة، والصناعة، ووظائف الحكومة، إذ كانت الأزمات الاقتصادية خانقة في تلك الأيام العجاف بسبب السياسة الاستعمارية وكان الناس في تلك الأيام ينشدون:
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان
وليتهم يفعلون ذلك في هذه الأيام.
الأسطوانات وأغاني الأفلام
أسهمت الأسطوانات وأغاني الأفلام المصرية إسهاما فعالاً في إنعاش القسم الموسيقي في محطة الإذاعة الفلسطينية بين السنوات 1936 1948.
في عام 1935 تأسس ستوديو مصر وقد أدى ظهوره إلى تطوير صناعة السينما، وظل يعمل من عام 1936 إلى 1944 حيث غذى الحركة السينمائية، وظهرت من جراء ذلك أفلام محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، ومنيرة المهدية. فظهر فيلم "الوردة البيضاء" الذي زادت أرباحه عن ربع مليون جنيه، وفي هذا الفيلم غنى عبد الوهاب ثمان قطع غنائية هي: يا وردة الحب الصافي، وناداني قلبي إليك، ويا اللي شجاك الأنين، ويا لوعتي يا شقايا، وضحيت غرامي، والنيل نجاشي حليوه اسمر، وموال سبع سواقي، وقصيدة جفنه علم الغزل للأخطل الصغير.
ا
وتتابعت الأفلام المصرية الغنائية، ففي فيلم "يوم سعيد" قدّم محمد عبد الوهاب "أوبريت في السينما" وكانت عن مشهد من مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي.
وقام عبد الوهاب بدور قيس –غناء- كما قامت أسمهان بدور ليلى غناء ولعلع صوت عبد الوهاب وهو ينادي ليلاه:
ليلى، منادٍ دعا ليلى فخفّ له
نشوان في جنبات الصدر عربيد
ليلى انظري البيد هل مادت بأهلها
وهل ترنم في المزمار داود
ليلى، نداء بليلى رنّ في أذني
سحر لعمري له في السمع ترديد
إلى أن يغني:
إذا سمعت اسم ليلى ثبت من خبلي
وثاب ما صرعت مني العناقيد
كسا النداء اسمها حسناً وحببه
حتى كأن اسمها البشرى أو العيد
ليلى لعلي مجنون يخيلّ لي
لا الحي نادوا على ليلى ولا نودوا
وفي مكان آخر عند لقائهما:
ليلى بجانبي كل شيء إذن حضر
وهنا يتناغم صوت أسمهان:
جمعتنا فأحسنت ساعة تفضل العُمُر
قيس: أتجدين؟
ليلى: ما فؤادي حديد ولا حجر
لك قلب فسله يا قيس ينبئك بالخبر
قد تحملت في الهوى فوق ما يحمل البشر
وتتابعت الأفلام الغنائية التي أخرجها محمد كريم وقام ببطولتها كلها محمد عبد الوهاب وهي: "دموع الحب"، "يحيا الحب"، "يوم سعيد"، "ممنوع الحب"، "رصاصة في القلب".
ومن أشهر أغاني أفلامه النيل نجاشي، اجري اجري، ما احلاها عيشة الفلاح، يا وبور قولي، الميه تروي العطشان، مشغول بغيري، حكيم عيون، انسى الدنيا، بلاش تبوسني، يا دي النعيم........
وعممت شركات التسجيل هذه الأسطوانات في العالم العربي وانتشرت أغاني عبد الوهاب وأم كثلوم، وفريد الأطرش وأسمهان، وليلى مراد وشادية. ولبت محطة الإذاعة الفلسطينية (هنا القدس) طلبات المستمعين بتقديم هذه الأغاني المحببة لأشهر المطربات والمطربين.
أم كلثوم
كان أول أفلامها فيلم "وداد" القصة لأحمد رامي وإخراج أحمد بدرخان، اشترك في التمثيل الممثل المعروف أحمد علام.
ونظراً للنجاح الكبير الذي لاقاه فيلمها الأول "وداد" فقد تابعت مسيرتها ب "نشيد الأمل"، تأليف أدمون تويما ومثلته سنة 1937 أمام عباس فارس.
وتبعه الفيلم الثالث "دنانير" عام 1943 واشترك في التمثيل كل من سليمان نجيب وعباس فارس، أما فيلمها الرابع فكان فيلم "عائدة" مأخوذة فكرته عن اوبرا عائدة "لفردي". وكان فيلمها الخامس فيلم "سلامة" القصة لأحمد باكثير مثلته أمام يحيى شاهين عام 1944.
وكان فيلمها الأخير "فاطمة" من تأليف مصطفى أمين وإخراج أحمد بدرخان وتمثيل أنور وجدي وذلك عام 1947.
وانتشرت أغنيات أفلامها في العالم العربي، وفي محطات الإذاعة العربية والأجنبية، ومنها نهج البردة، وسلوا قلبي، لحن لها الدكتور محمد صبري "مالي فتنت لحظت الفتان"، و"الفل والياسمين والورد "، "لي لذة في ذلتي وخضوعي"، ولحن لها أبو العلا محمد: "كم بعثنا مع النسيم سلاماً"، و"حقك أنت المنى والطلب"، "أفديه إن حفظ الهوى أو ضيّعه"، "أماناً أيها القمر المطلّ"، "غيري على السلوان قادر".
وكانت معظم الأغاني من نظم أحمد رامي ومحمود بيرم التونسي.
واعتبار من عام 1945 عادت إلى غناء القصيدة الشعرية خصوصاً قصائد شوقي "كنهج البردة" و"إلى عرفات"، و"سلوا قلبي" و"مصر تتحدث عن نفسها" لحافظ إبراهيم، ورباعيات الخيام.
أما الكهول والشيوخ الذين رافقوا أساطين الفن والغناء، كأم كلثوم، وعبد الوهاب، ومنيرة المهدية وليلى مراد، وفريد الأطرش، وأسمهان، الخ... فلا يزالون يذكرون: يا جارة الوادي، والهوى والشباب، على غصون البان، "يا ما ناديت من أسايا في وحدتي يا حبيبي" ولا شك أنهم يتابعون: أنت عمري، هذه ليلتي، الأطلال، الحب كله، الحب كده، مرت الأيام، أمل حياتي، ويتابعون ألحان محمد عبد الوهاب لأشهر المطربات والمطربين.
فريد الأطرش وأسمهان
أسمهان (آمال الأطرش) ، بعد طلاقها من زوجها عام 1939، تبناها غناءً الدكتور بيضا وتعاقد معها على تعبئة ثلاث أسطوانات مقابل مئة جنيه هي: "اسقنيها بأبي أنت وأمي"، "يا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرالي"، "ليت للبراق عينا فترى". كما غنت مع عبد الوهاب في تسجيل اوبريت "مجنون ليلى" وفي فيلم "يوم سعيد".
أما فريد الأطرش فقد تعاقدت معه شركة أحلام النيل ليمثل بطولة فيلمه الأول "انتصار الشباب" إخراج أحمد بدرخان واشتراك نخبة من الممثلين أمثال: أنور وجدي، روحية خالد، بشارة واكيم، علوية جميل، ماري منيب وغيرهم.
ثم تدرج إلى الفيلم الثاني"أحلام الشباب" إخراج كمال سليم واشتركت معه في التمثيل تحية كاريوكا ومديحة يسري.
أما فيلمه الثالث "جمال ودلال" والرابع "شهر العسل" والخامس "ما قدرشي"، فقد أنتح أغاني محببة إلى مستمعيه: "ادي الربيع عاد من تاني، والبدر هلت أنواره، وفين حبيبي اللي رماني، من جنة الحب لناره"، وله من الأغاني أيضاً: "لاكتب عورق الزيزفون"، "فوق غصنك يا ليمونا"، "يا ريتك تسعدني يوم"، "يوم مولدي"، "أول همسة"، "الربيع"، أضنيتني بالهجر".....
وغنت كل من ليلى مراد، آمال حسين، ثريا حلمي، سهام رفقي، لور دكاش، فأغنين البرامج الموسيقية الغنائية.
وغنت ماري جبران فأطربت وأسكرت، وكان الجمهور يتطلع بشوق ولهفة إلى اليوم الذي تغني فيه، ومن أغانيها المفضلة والتي نقلتها على الأثير إن لم تخني الذاكرة فهي: "أصل الغرام نظرة"، "يا ما انت وحشني"، "إن كنت خالي".
كما غنت سهام رفقي فأطربت وانتشرت أغانيها بين الجماهير فكانت إذا مرت في أسواق القدس القديمة كان يتبعها عشاق الغناء والطرب ويوقفونها ويتوسلون إليها أن تغنيهم قصيدتها التي اشتهرت فيها "يا أم العباية، حلوة عباتك" ويهرع البوليس الانكليزي ظاناً أن الفلسطينيين يتظاهرون وعندما يعرف جلية الأمر يشرع في الضحك والقهقهة فيتبعه الأولاد وهم يقلدونه في قهقهاته.
أما لور دكاش فكان لها الكثير من عشاقها وعشاق أغانيها. وكانت أحلى أغنياتها وأقربها إلى عشاق الطرب هي: "آمنت بالله، نور جمالك آية، آية من الله، آمنت بالله".
ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن قسم الموسيقى، والفنانين والفنانات، والعازفين على الآلات الموسيقية المختلفة.
ولعل أحد الذين أسهموا وعملوا في الإذاعة الفلسطينية يتقدم لإيفاء الموضوع حقه، بإصدار كتاب يبحث عن حياة كل منهم، والأغاني التي اشتهروا بها، وكتابة نصوص الأغاني التي قاموا بأدائها.
الأعلام الموسيقيون الذين عملوا في الإذاعة الفلسطينية (هنا القدس)
يوسف بتروني
كان أول عهدي بالمرحوم يوسف بتروني أنه دعاني إلى حفل مدرسي موسيقي تمثيلي في كلية تراسانتا (الأرض المقدسة) في القدس الشريف وذلك في الثلاثينات من هذا القرن، وكان يقوم بدور القائد الموسيقي (المايسترو) وقتئذ. عزف على البيانو معزوفات صفق لها الحضور تصفيقاً حاراً وطلبوا المزيد من هذا العزف. وفي ذلك الحفل من المتنوعات قدّم فريقاً من الطلاب الذين قدموا أناشيد وطنية واجتماعية نالت الاستحسان.
كان مدرساً في ذلك المعهد، يبذل جهوداً جبارة في إقامة الحفلات المدرسية التمثيلية الغنائية، كان يوسف يقوم بتدريب طلابه على حفظ الأنغام وتأديتها تأدية جماعية.
يوسف بتروني طويل القامة، ضخم الجثة، أجش الصوت، كثير الحركة أثناء التدريب، يتصبب العرق من جبينه، خفيف الروح، ظريف المعشر، يفهم النكتة قبل أن ينتهي قائلها منها ويأخذ في القهقهة.
مارس مهنة التعليم في مدينة بيت لحم التي تبعد 10 كيلومترات عن القدس، في تلك المدينة أسّس فرقتين نحاسيتين أحداهما للجمعية الأنطونية البيتلحمية، والأخرى للجمعية الأرثوذكسية. وكان من طلابه وقتئذ الموسيقار والملحن المعروف رياض عيسى البندك.
وعندما انتقل من مدرسة بيت لحم إلى كلية تراسانتا أحدث جواً موسيقياً غنائياً ممتازاً كما أسس فرقة موسيقية في المدرسة وجوقة مرنمين، أخذت تتمرن على الأغاني الوطنية والألحان الفولكلورية التي كانت منتشرة في تلك الأيام كنشيد:
أنت سوريا بلادي أنت عنوان الفخامة
كل من يأتيك يوما طامعا يلقى حمامه
أو نشيدالشاعر اللبناني المعروف حليم دموس:
عليك مني السلام يا أرض أجدادي
ففيك طاب المقام وطاب إنشادي
ونشيدالمرحوم خليل السكاكيني المربي المعروف:
هذي فلسطين لنا من رامها يلق الندمْ
نرخص في سبيلها ما عزّ من مال ودمْ
وغير هذه الأناشيد كثير
وفي أوائل الأربعينات انتقل يوسف إلى الإذاعة الفلسطينية وكان له الفضل في إنشاء كورال خاص يذيع الأغاني والأناشيد، وكان الموسيقار الكبير والملحن المعروف والعازف الفنان رياض عيسى البندك أحد أفراد هذا الكورال.
من أهم الأعمال التي قام بها:
1- كان يقدم برامج موسيقية متطورة حتى أن الجاليتين الأوروبية واليهودية كانتا تستمع إليها .
2- كان يساعد المغنين والمغنيات على تعلم النوتة الموسيقية رغبة منه في إنشاء فنانين مثقفين يتذوقون الفن الصحيح ويستطيعون أن ينقلوا فنهم الرفيع إلى الجماهير العربية التواقة إلى سماع الأغنية الجميلة واللحن العذب.
وفي كتابه "رجال من فلسطين" يكتب المرحوم عجاج نويهض مدير القسم العربي في محطة الإذاعة الفلسطينية بين السنوات 1940 1944 يكتب ما يلي:
"يوسف بتروني، لبناني الأصل، يافاوي المولد والمنشأ، اجتذبته الموسيقى منذ الطفولة، فذهب إلى إيطاليا ودرس الموسيقى في أحد معاهدها ثم عاد إلى فلسطين وجعل يدرّس في معاهدها، وكم عبقت أجواء الكنائس بمعزوفاته الشجية. وبعد أن أنشئت الإذاعة الفلسطينية سنة 1936 جيء بيوسف بتروني وتسلم زمام فرقة الأوركسترا الأوروبية وهي مؤلفة من نحو 50 موسيقاراً بارعاً، فكان لهم إماماً وأستاذاً، ولما توليت القسم العربي من دار الإذاعة، وجدت البتروني في الذروة. وقد وضع من الألحان المختلفة ما يدل على تفرده وكان يسره أن يفنى في سبيل فنه، وهذا هو داء أمثاله، وكلفته بوضع عدة من الأوبرات فأبدع في "عنترة" و"مجنون ليلى" ووضع من الأغاني والأناشيد العربية ما هو سبق وعلو وتفوق.
كان يحسن عدة لغات، ولكنه لم يستطع مقاومة إدمان الخمرة، وهو رب عائلة فوق العشرة.
جاء دمشق سنة 1948 ثم عاد إلى القدس وعمل في "وكالة الغوث" وتوفي في أواسط 1958، أما ولوعه بالفلكلور الفلسطيني وإتقانه إياه ففوق الوصف".
ومن الجدير بالذكرأنه عين رئيساً للشعبة الموسيقية في محطة الإذاعة السورية عندما
جاء إلى سورية سنة 1948.
رياض عيسى البندك
1924-1992
ولد في مدينة بيت لحم في الرابع من شهر تموز (يوليو) سنة 1924، تلقى علومه الابتدائية في المدرسة الأميرية للبنين في بيت لحم، وعلومه الثانوية في القدس الشريف في كلية تراسانتا (الأرض المقدسة).
عشق الموسيقى والغناء منذ كان طالباً في المدرسة الابتدائية، ونمّى فيه هذه الموهبة مدير المدرسة المرحوم فضيل نمر الذي كان بدوره يعزف على آلة الكمان، فأنشأ فرقة للأناشيد الوطنية. وكان لرياض صوت جميل فشجعه مديره على أن ينشد للطلاب كل صباح نشيداً وطنياً. وكان لهذا التشجيع الأثر الكبير في تنشئته الموسيقية حيث أخذ يرهف السمع إلى أساطين العرب أمثال السيد درويش، وأبو العلا محمد، ومحمد عبد الوهاب. ذاع صيته بادئ ذي بدء في بيت لحم وراح يحيي الحفلات والأعراس.
كان والده عيسى البندك رئيساً لبلدية بيت لحم وأحد أعيان الحركة الوطنية الفلسطينية وصاحب جريدة "صوت الشعب". فعزّ عليه أن ينهج ابنه هذا النهج فأخذ يقف عقبة في طريق فنه، فأرسله إلى كلية تراسانتا طالباً داخلياً. وفي هذه الكلية وجد مناخاً موسيقياً بوجود الأستاذ الموسيقار يوسف بتروني أحد كبار الموسيقيين والملحنين في الوطن العربي. وفي هذا الجو الفني نمت مواهب رياض.
انضم رياض إلى محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1943 كمطرب ثم تابع نشاطه وإقباله على العلم والتلحين، وعندما اشتد عوده لحّن لمعظم المطربين الفلسطينيين أمثال: سناء، عامر خداج، ماري عكاري، فهد نجار، كاظم السباسي، فاطمة محمد.
عيّن رئيساً للفرقة الموسيقية في إذاعة الشرق الأدنى عام 1944، ثم عاد إلى محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1946 وعاود نشاطه في الغناء والتلحين حتى النكبة 1948.
توجه إلى لبنان بعد حوادث 1948 حيث كلف بتنظيم إدارة القسم العربي الموسيقي في الإذاعة اللبنانية، وفي عام 1950 دعي من قبل الإذاعة السورية في دمشق وكلف بتنظيم وإدارة القسم الموسيقي في الإذاعة وكان مدير الإذاعة وقتئذ الأستاذ أحمد عسه.
وفي عام 1952 قامت الثورة في مصر وكان رياض من مؤيديها، فقدم استقالته ولكنها رفضت، وبعد محاولات عديدة استطاع عام 1953 أن يحقق حلمه ويذهب إلى القاهرة. وكان هنالك مشروع للثورة المصرية بإقامة إذاعة خاصة للوطن العربي هي "صوت العرب" فكان رياض أحد مؤسسيها وقام بنشاط موسيقي كبير بالإضافة إلى نشاط سياسي واسع إذ وافقت الأفِكاَر المطروحة في ثورة 23 تموز (يوليو) فكره القومي .
طلب الرئيس جمال عبد الناصر مقابلته وسأله:
"من أي بلد من فلسطين أنت؟".
"من بيت لحم"
"هل تمت بصلة إلى عيسى البندك؟".
"هو والدي"
فقال الرئيس: "سمعت عنه الكثير من اللواء المواوي القائد العام للجيش المصري، ولم يكن لي شرف مقابلته حيث كنت وقتئذ في غزة".
"وطلب الرئيس المصورين لأخذ صورة تذكارية لنا هكذا يقول رياض وأصر أن أقف عن يمينه، وقال لي بالحرف الواحد: "إن نشيداً وطنياً من أناشيدك الوطنية يساوي مئة رئيس".
واستمر نشاط رياض في القاهرة حتى عام 1957، وبين السنوات 1957 1961 تنقل نشاطه بين كل من مصر وسورية.
وبعد الانفصال ذهب إلى بيروت حيث تعاقد مع الأستاذ نبيل الخوري المقدسي المولد مدير برامج الإذاعة اللبنانية على أن يتولى رئاسة الأوركسترا اللبنانية في دار الإذاعة. كان له نشاط كبير في حقل الموسيقى والتلحين حتى عام 1967 عاد بعدها إلى القاهرة لاستئناف نشاطه الفني في إذاعتي القاهرة وصوت العرب.
وفي عام 1972 اختارته الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية للقيام بتأسيس الأقسام الموسيقية في الإذاعة والتلفزيون في الإمارات العربية المتحدة في "أبو ظبي" حيث أمضى ثلاث سنوات. وبعدها عاد إلى دمشق حيث قدرت له الإذاعة السورية خدماته السابقة ونشاطاته، وعينه وزير الإعلام خبيراً موسيقياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السوري وظل يحتل هذا المنصب حتى عام 1992.
نشاطاته:
له حوالي (2000) لحن من مختلف أنواع الغناء تذاع ألحانه في جميع الإذاعات العربية والإذاعات الأجنبية التي لها ركن عربي.
أشهر المطربين والمطربات الذين غنوا من ألحانه:
سورية: ماري جبران، فايزة أحمد، فاتن حناوي، جورج وسوف.
مصر: فتحية أحمد، محمد عبد المطلب، شهرزاد، هدى سلطان، محمد قنديل، محمد رشدي، آمال حسين، عبد الغني السيد، فايدة كامل، عباس البليدي وغيرهم.
لبنان: سعاد محمد، زكية حمدان، نور الهدى، نازك، وديع الصافي، نصري شمس الدين، سهام رفقي.
تونس: علية التونسية، وأشهر أغانيها "لا ملامة".
فلسطين: ماري عكاوي، محمد غازي، فهد نجار، كاظم السباسي، عامر خداج وزوجته سناء، فاطمة محمد.
ومن أشهر الأغاني التي اشتهر بها وغناها من إذاعة القدس عام 1946 قصيدة الشاعر الفلسطيني المعروف سعيد العيسى.
بعد طول النوى ومرّ الفراق آذن الدهر مرة بالتلاقي
فإذا هي عن المودة حالت وإذا بي على المودة باقي
حاز على الجائزة الأولى في مهرجان الأغنية بدمشق في عام 1978 عن تلحينه قصيدة للشاعر الكبير بشارة الخوري (الأخطل الصغير):
أترى يذكرونه أم نسوه هم سقوه الهوى وهم أسكروه
وقد غنتها المطربة فاتن حناوي.
كتبت الصحفية الفرنسية (ميلين بيسه) مقالة عن الصراع العربي الإسرائيلي حيث قالت بالحرف الواحد: "كان لألحان البندك إثر كبير في تنوير الجماهير العربية".
تابع تلاحينه الجميلة ولحّن نشيداً معبراً للرئيس حافظ الأسد بعنوان "حافظ العروبة" وقد أذاعته محطة الإذاعة السورية مساء الأحد الواقع في 6 / 1 / 1991 وقد كرمه سيادة الرئيس بأن منحه سيارة وبيتاً ليتمم الرسالة التي بدأها، رسالة الفن والغناء والتلحين.
وفي الثالث عشر من شهر يناير 1990 "أيام فلسطين الثقافية والفنية" منحه رئيس دولة فلسطين ياسر عرفات وسام الاستحقاق، وشهادة تكريم الأدباء والفنانين المبدعين، وذلك في جامعة الدول العربية القاهرة حيث تم تكريم عدد من الشخصيات الفلسطينية وكنت أيضاً أحد المكرمين وقد قضينا وقتئذٍ أياماً ممتعة اجتمعنا فيها إلى بعض الإخوان والخلان الذين لم نكحل أعيننا برؤيتهم منذ النكبة.
انتقل إلى رحمته تعالى في السادس من شهر شباط 1992 في دمشق سوري
توفيق جوهرية
ذكر المرحوم عجاج نويهض في كتابه "رجال من فلسطين" الصادر عن منشورات فلسطين المحتلة ما يلي:
"هذا الموسيقار العربي "أستاذ الناي" غير منازع هو الثالث من رجال الفن نذكر لمعهم في هذا الفصل الآن.
كان توفيق جوهرية موسيقياً بمعشره ومجلسه ورقته وأنسه، وقد عرفته وهو عازف الناي في فرقة الإذاعة الفلسطينية في خلال الحرب العالمية الثانية فاكتشفت فيه عناصر من الأخلاق والمروءة نادرة في الرجال ووفاؤه لا حد له. أما إتقانه العزف على الناي فقد كان فيه متفرداً، فإذا مشت الأنغام وراحت تتناغى وتتناغم انسكبت عليها من ناي توفيق جوهرية عذوبات أرق من الندى ولها لونها الذي هو فوق الألوان.
والمتصلون بالجيل الجديد وبمجموع الشعب عن طريق الموسيقى، يعدون من بناة العروبة المبصرة إذا ما كانت ألحانهم وأنغامهم كالثلاثة الذين أتينا على مجمل لمعهم الآن: يوسف بتروني، وقسطندي الخوري، وتوفيق جوهرية.
توفي توفيق في أواخر الحرب العالمية الثانية في القدس، وأعتقد أن نايه لم يزل محفوظاً في بيته كأنه لم يزل بين أصابع صاحبه".
وتوفيق جوهرية الذي يتحدث عنه المرحوم عجاج نويهض أحد مدراء القسم العربي في محطة الإذاعة الفلسطينية في الأربعينات هو الأخ الأكبر لواصف جوهرية، وكلاهما أحب الفن وعشقه ونقله عن والده.
توفيق كان إنساناً مهذباً خلوقاً يحب الناس، كل الناس، يستقبلك بكلمات عذبة وابتسامات رقيقة، يضحكك إن عزف على نايه إن شاء ذلك أو يبكيك وينقلك في عزفه إلى عوالم جديدة، عوالم الحب، والحنان والشفقة، عوالم القوة والتضحية والبطولة والوطنية.
كانت مآثره من مآثر زمانه وعبقرياً في فنه ونايه.
واصف جوهرية
من مواليد القدس سنة 1897م، تلقى تعليمه الأولي في المدرسة الألمانية المعروفة "بالدباغة". وبعد الانقلاب العثماني عام 1908م انضم إلى المدرسة "الدستورية" في القدس التي أنشأها مربي الجيل المرحوم خليل السكاكيني مع صحبٍ له هم الساده: علي جار الله، جميل الخادلي، أفتيم مشبك، ثم انتقل إلى مدرسة المطران المعروفة "بسان جورج".
وبعد الإحتلال البريطاني، عين واصف كاتباً في أول محكمة أسست في القدس، ثم انتقل إلى دائرة حاكم القدس العسكري، فكاتباً ومترجماً في ديوان حاكم لواء القدس إلى أن عين في وظيفة محاسب القدس وظل في عمله هذا حتى نهاية الانتداب البريطاني سنة 1948.
اشتهر واصف بميله إلى الموسيقى منذ نشأته، ولم ينقطع عن العزف والغناء طيلة أيام حياته، وفي عهد الدراسة تعلم العزف على الرباب والطنبور وأتقن الأهازيج والدبكات ودرس الموشح الأندلسي على الفنان الحلبي المشهور عمر البطش خلال وجوده في القدس. واطلع على هذا الفن الرفيع بسلمه الموسيقي العربي ذي الأرباع والإيقاع، الأمر الذي زاده معرفة وخبرة بالعزف على العود.
ولواصف جملة تلاحين من قصائد وتواشيح ومنولوجات خفيفة وأغان مختلفة، وكانت الإذاعة الفلسطينية بالقدس تذيع الأغاني المقرونة باسمه مع أنه شغل وظيفة محاسب في دائرة الواردات التابعة لحاكم اللواء، وكان محظوراً على موظفي الحكومة البريطانية أن يتدخلوا بالسياسة أو ينشروا ما يعن لهم من آراء في المجلات والصحف أو يقدموا الأحاديث أو الأغاني في محطة الإذاعة الفلسطينية.
تقول ابنته يسرى جوهرية عرنيطة في مقدمة كتابها القيم "الفنون الشعبية في فلسطين" وقد صدر عن "منظمة التحرير الفلسطينية" مركز الأبحاث أيلول (سبتمبر) 1968.
تقول تحت عنوان "الموسيقيون في فلسطين ما بين 1870-1920" ما يلي:
"واصف جوهرية: من الهواة الفلسطينيين الذين لهم فضل كبير في نشر الموسيقى في فلسطين، وفي إحياء ليالٍ فنية في بيوت عائلاتها وحكامها وأدبائها في العهدين التركي والبريطاني. نشأ والموسيقى تجري في عروقه، وكان لوالده الفضل في تنمية موهبته الفنية وتشجيعه على اتقان العزف على الآلات وعلى حفظ أفضل ما سجل على اسطوانات وأجمل ما ألقاه الموسيقيون من هواة ومحترفين الذين سكنوا فلسطين."
إلى أن تقول:
وقد صقلت محفوظاته الكثيرة في الموشحات وقصائد وأدوار الموسيقيين المشهورين ذوقه الفني وموهبته الخلاقة. فلحن عدداً ليس بقليل من الأدوار والقصائد والطقاطيق، أذاع قسم الإذاعة في القدس أيام الانتداب جزءاً كبيراً منها."
وفي مقدمة كتابها تقول يسرى:
"في بيت أثري يطل على أسوار المدينة القديمة، ربيت ونشأت فكنت أنّى التفتُ
أرى فيه آلة موسيقية، أو تحفة فنية أو رسماً تاريخياً، أو صوراً تبيّن مراحل تطور القضية الفلسطينية وما رافقها من أحداث تاريخية واجتماعية وثقافية، كنت أشعر دائماً بشيء غريب يجذبني إلى غرفة الموسيقى، فأقضي فيها ساعات طوال دون أن أضجر أو أمل، وكان هناك على جدرانها أربع وسبعون آلة طرب رتبها والدي بشكل جذاب وعلمني على حبها وتقديسها".
"وكيف أضجر من هذه الغرفة وفي زاويتها الثانية 500 أسطوانة ترفعني إلى أجواء عابقة نادرة من موسيقى كبار الموسيقيين العرب.
كان النور يناسب إلينا من عدة آلات موسيقية معلقة في وسط الغرفة... من مزهر، ودربكة، ونقارات، وصنوج، حتى جدران تلك الغرفة كانت تنبض بالموسيقى وقد علقت عليها صور بالحجم الكبير لأشهر الموسيقيين العرب: لمحمد عثمان، والشيخ سلامة حجازي، وعبده الحامولي، والشيخ يوسف المنيلاوي، والسيد درويش، وأبو العلا محمد".
إلى أن تقول:
"هذا وكان لوالدي الفضل الأكبر في توفير سبل تعليمي هذا الفن، لما أسمعني من ألحان كثيرة يحفظها، كما خلق لي الفرصة لمقابلة الفنانين والموسيقيين من عرب وأجانب كانوا يزورون القدس".
ويقول المرحوم يعقوب العودات (البدوي الملثم) في الموسوعة الفنية "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين" صدر في عمان سنة 1976، يقول ما يلي:
"كان بيته في القدس متحفاً يضم "المجموعة الجوهرية" ومزاراً لهواة الآثار ويحتفظ بسجل ذهبي يحمل تواقيع شخصيات فذة من قادة وحكام وفنانين، ويضم المتحف النارجيلات، والخزف الصيني، وآلات الطرب الموسيقية وعددها (76 قطعة)، النحاس العجمي، الأسلحة، والفرمانات والبراءات، والمراسيم الصادرة منذ أكثر من ثلاثمائة سنة، الصور، واللوحات إبّان الحكم العثماني والحكم البريطاني، والحكم العربي، وألبومات معالم القدس وأعلام القدس.
وقد حظيت شخصياً برؤية كل ما ذكر.
وقد صدر له:
1 الذكريات الجوهرية.
2 تاريخ فلسطين المصور في العهد البريطاني وقد جمعه واصف جوهرية ونسقه ورتبه.
كان واصف يعزف ألحان الأقدمين على عوده الذي كان صديقاً له. كان يحفظ و يسجل أغاني الشيخ سلامة حجازي، وعبده الحامولي، والسيد درويش، وأبو العلا محمد، ويدندن ويردد مقاطع من أغانيهم:
"أفديه إن حفظ الهوا أو ضيعاا"، "وحقك أنت المنى والطلب"، "غيري على السلوان قادر" للشيخ أبو العلا.
وكان يدندن أبياتاً غنائية للشيخ سلامة حجازي "سلام على حسن"، و"عذبني. . فمهجتي في يدك"، و"ان كنت في الجيش أدعى صاحب العلم".
وما أحلى مجلسه عندما يتحدث عن الموسيقى والفن، ويتناول عوده ويأخذ في دمدمة قصيدة بشارة الخوري (الأخطل الصغير).
جفنه علّم الغزل ومن العلم ما قتل
فحرقنا نفوسنا في جحيم من القبل
ثم يأخذ في الضحك والتعليق على القصائد والأغاني العصرية آنذاك (كم تمنيت سماع تعليقاته على قصائد وأغاني اليوم) ثم يردف بعد حديث طويل عن المغنين والمغنيات: وهل أجمل من قول الأخطل الصغير:
إن عشقنا فعذرنا أنّ في وجهنا نظر
من عشرات القصائد التي لحنها المرحوم واصف لكبار المغنين وصغارهم وقدمها الفنانون من محطة الإذاعة الفلسطينية (هنا القدس)، لم نعثر له حتى على جزء قليل من روائع تلك الألحان.
آخر عهدي بواصف كان سنة 1972 في بيروت وكان قد دعاني أنا وأخي صليبا وزمرة من أصدقاء القدس، إلى حفلة عشاء وقد لازمني معظم وقت السهرة وحدثني عن كتابه "الذكريات الجوهرية".
رحم الله واصفاً فقد جمع كثيراً من الصفات الإنسانية، إضافةً إلى تفانيه في حب وطنه.
يحيى السعودي
من مواليد القدس 1905، درس في مدرسة روضة المعارف، توفي والده وهو في العاشرة من عمره فاعتنى به عمه الحاج موسى السعودي وساعده على متابعة دروسه الابتدائية ثم المتوسطة في مدارس الحكومة وبعدها تعاطى الأعمال الحرة.
أحب يحيى فن الغناء والعزف على العود وتوصل بنباهته وذكائه إلى استيعاب الأنغام العربية دون اللجوء إلى معلم. له صوت جميل يخلب الألباب.
انضم إلى الإذاعة الفللسطينية عام 1936 وآلى على نفسه أن يدرس ويثابر ويتمرن على عوده حتى أصبح من الفنانين المعروفين، وظل يعمل في قيادة الفرقة الموسيقية مدة 12 سنة.
ذكرت عندما تحدثت عن المرحوم عجاج نويهض، مدير القسم العربي مدة 4 سنوات، أنه أراد يتثقف الفنيون في الإذاعة ويدرسوا النوتة الموسيقية. وكان في محطة الإذاعة وقتئذ نابغة من نوابغ الفن الموسيقي هو المرحوم يوسف بتروني الذي أخذ على عاتقه أن يعلّم النوتة لمن يجهلها، وكان من حظ يحيى أن يكون أحد تلاميذ يوسف البتروني.
ونظراً لذكائه واستعداده الفني أصبح يلحن بعض القصائد والطقاطيق، كما أصبح يغنّي القصائد المتينة المعروفة بذلك الصوت الجهوري الذي وهبته إياه السماء.
وبعد نكبة فلسطين الأولى 1948 جاء لاجئاً إلى سورية، وبعد مدة لا تزيد عن السنة عيّن مراقباً موسيقياً في إذاعة دمشق وعهد إليه بإدارة المعهد الموسيقي الشرقي التابع لوزارة المعارف وذلك سنة 1950.
لحّن قصائد وطقاطيق كثيرة من نغمات شتى وأبرز هذه الأدوار متانة وروعة في المغنى دور "السيكاه" ومطلعه:
"أول ما شفتك حبيتك".
عرفته في الثلاثينات في القدس الشريف، وزادت معرفتي به عندما انضم إلى محطة الإذاعة الفلسطينية، كما زاد تقديري له وإعجابي عندما كنت أقابله في دمشق واسمعه ذلك المتحمس للفن والعاتب على القائمين على العمل لعدم تقديرهم حق التقدير الفنان والفن والصوت الجميل. ولا يزال أهالي فلسطين يذكرون غناءه قصيدة "أشواق الحجاز" 1939، وهي من تأليف إبراهيم طوقان وتلحين يحيى اللبابيدي وقد غناها بصوته الجهوري الرنان وأطرب كل من سمعها.
انتقل إلى رحمته تعالى في مدينة دمشق وبذلك خسر الفن علماً من أعلامه.
يحيى اللبابيدي
1900-1943
من مواليد بيروت سنة 1900 م، تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدينة بيروت ثم التحق بالجامعة الأميركية فرع طب الأسنان ولكنه لم يكمل المسيرة إذ تغلبت عليه نزعته الفنية، فهجر الجامعة إلى عالم الموسيقى.(1)
وعندما تأسست محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1936، وقع اختيار حكومة فلسطين عليه ليدير القسم فيها.
وبين السنوات 1936 1940 وعلى زمن مدير القسم العربي المرحوم إبراهيم طوقان بذل مجهوداً ليرتفع بالقسم الموسيقي الذي عهد به إليه. صاهر عائلة الدجاني في القدس سنة 1937 وأعقب ذكراً وأنثى، وآل الدجاني من العائلات المعروفة في مدينة القدس.
ويقول حليم الرومي في مجلة الشبكة البيروتية بتاريخ 22 29 آب (اغسطس) 1983 ما يلي:
"نجح نجاحاً واسعاً في مجالي الإدارة والفن وقد انتشرت ألحانه في جميع إذاعات العالم العربي، ومن أشهر ألحانه: "يوم السرعة"، "كل شي فرنجي برنجي"، "الدنيا هي هي"، "يا قطيشي، ملا عيشي"، "يعقوب يعقوب"، "خفيف الدم".
ومن ألحانه الشعبية: "يا رتني طير لطير حواليك"، "يا ظالم لمين أشكيك".
من ألحانه الدينية: بلاد الحجاز أنوار يثرب.
أما ألحانه الوطنية فهي: نشيد العلم نشيد الكشاف نشيد الوطن العربي ونشيد بلادي".
ومما لم يذكره حليم الرومي من أغانيه الاجتماعية الانتقادية:
بلا حسبك بلا نسبك بلا علمك بلا أدبك
غير الليرات ما بتحكي
إن كان عمرك فوق الثمانين بتقول يا رب كون لي معين
خشخش ليرات وكون أمين بتموت عليك بنت العشرين
(1) أعلام الأدب والفن بقلم أدهم الجندي
وإلى القارئ مقاطع من "يعقوب يعقوب" مما وعته الذاكرة قبل ما يقرب من الخمسين سنة:
يعقوب يعقوب تعرف شو سوّا هالمغضوب
سوّا كثير وما كان يتوب
ما كان يتوب
يعقوب ماشي بالحارة بإيده حامل سيكاره
وعَمّال يبصبص عالجاره(1)
وبالرغم من صوته المحدود، فقد كان ملماً بالعزف على البيانو وعلى العود، ويعزف الألحان التي يؤلفها على البيانو ليتدارسها المغنون والمغنيات.
اختير بعد سنة أربعين مديراً للقسم الموسيقي في محطة الشرق الأدنى للإذاعة البريطانية ومركزها مدينة يافا.
ناله الإجهاد والتعب فتكالبت عليه الأمراض، وأصيب بنزيف داخلي، فقضى مأسوفاً على شبابه، وذلك في اليوم الثالث عشر من شهر أيار (مايو) سنة 1943 ودفن في مقبرة أسرته في بيروت.
محمد عبد الكريم
1911-1989
نعت نقابة الفنانين في الجمهورية العربية السورية ووزارة الثقافة والإرشاد القومي، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، نعت أمير البزق الفنان محمد عبد الكريم الذي توفاه الله بعد ظهر يوم الاثنين الواقع في الثلاثين من شهر كانون الثاني (يناير) 1989 عن عمر يناهز الثامنة والسبعين عاماً.
ولد في مدينة حمص عام 1911 في عائلة جميع أفرادها من عازفي العود والبزق وقد نال عن جدارة لقب " أمير البزق "
يقول عبد الكريم:
"في الحادية عشرة من عمري هربت وأخي الكبير من أبي الذي كان لا يريدني أن أمارس هذا الفن، هربت إلى مدينة يافا في فلسطين. وهناك كنت أعزف على العود والبزق وأغني أدوار الشيخ أبو العلا محمد وقصائده، غنيت "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر، أما للهوى نهي عليك ولا أمر"، وغنيت للسيد درويش قصائد عديدة منها "أنا هويت وانتهيت" كما غنيت لغيرهما، وكان أخي يصاحب غنائي على العود".
ليس في نيتي أن أتحدث عن الفقيد محمد عبد الكريم وأعدد مآثره الفنية وأسرد جزءاً من حياته الفنية في سورية، فإني أترك ذلك لنقابة الفانين في الجمهورية العربية السورية التي أرجو أن تجمع جميع معزوفاته وخدماته الفنية في كتاب يضم جميع أعماله الفنية، إنما أريد أن أتحدث عن بعض ذكرياته عندما كان زائراً في فلسطين.
عرفته أول ما عرفته في الثلاثينات عندما أمّ القدس مرافقاً لمطربة كانوا يطلقون عليها اسم الدكتورة فدوى، وقد تعهدهما النادي العربي الأرثوذكسي وأقام لهما حفلتين مسائيتين لم تنالا نجاحاً كافياً.
وكان من جملة الحضور الفنان الكبير عازف العود الشهير والملحن المعروف المرحوم واصف جوهرية فقال من جملة ما قال: إن عبد الكريم يعزف من وجدانه عزفاً عشوائياً وإنه بحاجة إلى رعاية وتوجيه.
وعندما تأسست الإذاعة الفلسطينيةعام 1936 انضم محمد إلى القسم الموسيقي الذي كان يرأسه يحيى اللبابيدي ، وعندما تولى المرحوم عجاج نويهض إدارة القسم العربي عام 1940 كان من جملة الإصلاحات التي قام بها أن رفع من مستوى الفنانات والفنانين بأن يتعلموا (النوطة) على حساب المصلحة، وأن يقدموا ألحاناُ على مستوى رفيع وعهد بهذه المهمة الشاقة إلى الفنان الموسيقار العملاق يوسف بتروني الذي قام بالمهمة خير قيام وأدى الرسالة الفنية أحسن أداء.
وكان من تلامذته الذين استوعبوا وأبدعوا وحلقوا فيما بعد الفنانان الكبيران يحيى السعودي ومحمد عبد الكريم.
في تلك الأجواء الموسيقية المتطورة، وبين عدد كبير من عباقرة الفن الموسيقى والغنائي، استطاع عبد الكريم بفطنته واستعداده الفطري أن يطور موسيقاه لتتلاءم مع الأجواء الفنية ويستمد من العباقرة الذين كانوا يحيطون به ويتعلم الألحان على أسس النوطة.
ومن طريف الصدف أن عبد الكريم كان يرافق المرحوم يوسف بتروني في حلّه وترحاله، يوسف طويل القامة، ضخم الجثة، أجش الصوت بينما محمد عبد الكريم قصير القامة كما يعرفه عشاق ألحانه ضعيف الجسم، رفيع الصوت. كما كان مزاجي الشخصية يغضب إن شعر أنه محط أنظار الهزء والسخرية لقصر قامته، ويضحك ويضحك في ليالي الأنس والمرح ، يطرب للنكتة ويضحك لها ويرددها على مسامع أصدقائه ومحبيه.
ومن نكات يوسف البتروني أنه كلما كان يحضر حفلة لعبد الكريم، كان يقول له: "هل أحملك على كتفي حتى يراك الجمهور" فيضحك عبد الكريم بل يقهقه.
ومن أقواله التي كان يكررها ضاحكاً مبتسماً: "إن قِصَري يجعل الجميع ينحنون أمامي عند سلامهم أو كلامهم معي، وأنا أردد باستمرار المثل العربي القائل: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه".
ومن أنجح الأغاني التي لحنها الراحل محمد عبد الكريم للمطربة ماري عكاوي هي قصيدة "يا جارتي ليلى" من شعر جلال زريق من اللاذقية الذي عمل مدرساً في الكلية العربية في القدس ومترجماً في السكرتارية العامة لحكومة فلسطين، كما كان من أخوان الصفاء للشاعرين الراحلين إبراهيم عبد الفتاح طوقان وعبد الكريم الكرمي "أبو سلمى"
أما القصيدة فقد لاقت نجاحاً كبيراً وقد تناقلتها محطات الإذاعات العربية وأصبحت وقتئذ على كل لسان وإليكم القصيدة:
يا جارتي ليلى يا بهجة العين
شبابك الريّان أحيا صباباتي
ولحظك النشوان غيّر حالاتي
ناشدتك القربى لا تنفري غضبى
فالعتب والعتبى لم تبق لي حيلا
يا جارتي ليلى
يا جارتي ليلى يا نبعة الريحان
تميل آمالي من قدك الممدود
وصدرك العالي فردوسي المنشود
فيه المنى زوجان والآس والرمان
يا ليتني رضوان أرعى الجنى ليلا
يا جارتي ليلى
ومن ثناياك يطيب شرب الراح
واهاً لها من كاس مزاجها الأنفاس
على عيون الناس اشربها حولا
يا جارتي ليلى
ومن أشهر مقطوعاته "رقصة الشيطان" و"المعركة الموسيقية" و"الجنون فنون".
و قد نالت ألحانه نجاحاً لأنه وجد من يؤدي تلك الألحان أمثال: محمد عبد المطلب، شفيق جلال، راوية، نجاح سلام، سعاد محمد، فايزة أحمد، وداد محمد، وفهد نجار.
أتمنى من صميم فؤادي أن يهتم ذوو الشأن بالتراث الذي خلفه الراحل الكريم وأن ينشروا سيرة حياته ومعزوفاته المسجلة بالنوطة، ويجمعوا أهم تسجيلاته تقديراً للفن وحباً بتكريم ذوي المؤهلات والخدمات الجلية.
أناشيد وضعت خصيصاَ لإذاعة "هنا القدس"
نشيد "المولد الشريف"
نظم: سعيد العيسى، تلحين: يحيى السعودي،أُذيع من دار الإذاعة الفلسطينية يوم الخميس في 14 شباط 1946. (1)
مولد الهدى فيه قد بدا نور أحمدا
يملأ الكون حبورا يفعم الدنيا سرورا
فانشقوا منه العبيرا فاح في الأكوان
يا رسول الخير فينا ابعث المجد الدفينا
وأثر فينا الحنينا لهوى الأوطان
(1) نقلاً عن مجلة "المنتدى" وهي مجلة فلسطينية عربية شهرية مصورة تأسست في شهر نيسان 1940. أصدرها مكتب المطبوعات في القدس بالإشتراك مع القسم العربي من دار الإذاعة الفلسطينية. أصبحت تصدر أسبوعياًاعتباراً من 1/1/1946 وكان عزمي النشاشيبي يتولى إدارة المحطة وقتئذ
عفر العيد الجباها للأمين الحر طه
باليتيم الكون تاها في حمى الرحمن
أنت عيد الذكريات لبني العرب الأباة
كل يوم، فيك آت غرَّة الأزمان
مولد الهدى فيه قد بدا نور أحمدا
.
نشيد رثاء غازي
تأليف: ابراهيم طوقان، تلحين: يحيى اللبابيدي،أُذيع من محطة القدس عام 1939.
راية روعَّها خطب عراها خفقتْ والهة فوق ذراها
والصَّبا مرّت بها نائحةً جزعاً تنعي إلى الدنيا فتاها
يا رايتي تجمّلي وبعد غازي أمّلي واعتصمي بفيصلٍ
أمنية المستقبل
كعهد غازي أشرفي على الحمى ورفرفي منيعة بفيصلٍ
ريحانة المستقبل
يا سليل المرهفات الباتراتْ وابن رايات المعالي الخالداتْ
نمْ رضيّ البال وانعم إنما عهدنا عهدك عزمٌ وثباتْ
نم بالهنا فإننا وراء تحقيق المنى نبني بهنّ الوطنا
فيعتلي ويعتلي
ولم تزلْ له الفِدا حتى ينال الفرقدا مكرّماً مخلّدا
مؤيداً بفيصل
أشواق الحجاز
شعر: ابراهيم طوقان، تلحين: يحيى اللبابيدي،غناء يحيى السعودي
بلادَ الحجاز إليك هفا فؤادي وهام بحبّ النبي
ويا حبذا زمزم والصفا ويا طيب ذاك الثرى الطيبّ
ذكرى الهادي، والأمجاد ملءُ الوادي، والأنجاد
أثر الهمم، منذ القدم حول الحرم، أبداً بادِ
بلاد الكرام شموس الهدى
عليك سلامى مدى سرمدا
هنيئاً لمن حضر المشهدا وطاف بكعبة ذاك الحرم
ومن قبل الحجر الأسودا وظلله الركنُ لما استلم
بروحي ربوع النبي الأمين وصحبُ النبي هداةُ لملا
ومشرقُ نور الكتاب المبين عماد الحياة وركن العل
ذكرى الهادي، والأمجاد ملءُ الوادي والأنجاد
أثر الهمم، منذ القدم حول الحرم أبداً باد
بلاد الكرام شموس الهدى
عليك سلامى مدى سرمدا
نشيد العمل
نظم: ابراهيم طوقان، تلحين: يحيى اللبابيدي
مجد البلاد بالشباب العاملين
والاجتهاد للعلى نهج مبينْ
هبوا إذن واجنوا الثمن
عز الوطن
مدى السنين
إن العمل يحيي الأملْ
سرُّ الوجودْ فيه نسودْ
في العالمين
ما للكسول قيمة بين الملا
ولا الخمولْ سُلّم إلى العلا
إن الهمم تبني الأمم
خير الشيم أن نعملا
إن العملْ يحي الأملْ
سر الوجود فيه نسودْ
في العالمين
عزم الشبابْ قوةٌ لا تغلب
ولا يهاب أي هولِ يركبُ
لا ينثني أو يجتبي للوطن ما يطلب
إن العمل يحي الأملْ
سر الوجود فيه نسودْ
في العالمين
القرآن الكريم
ومن قبيل استقطاب وجذب آذان المستمعين، أكثر القائمون على إدارة البرامج العربية، من ترتيل آيات القرآن الكريم.
وفي هذا المجال يقول الأستاذ الكبير موسى إبراهيم رباح الدجاني، الذي تقلب على مناصب إذاعية رفيعة، والذي يشغل الآن منصب مراقب عام برامج إذاعة الأركان بالإذاعة الكويتية، يقول رداً على أسئلة وجهتها إليه:
"بدأت عملي فيإ تشرين الأول (اكتوبر) 1945 بعد أن انتقلت إليها من محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية وكان مقرها مدينة يافا، وذلك بقصد الاستقرار في مسقط رأسي القدس قريباً من الأهل والأصدقاء بعد أن مكثت في يافا ثلاث سنوات أعمل كبيراً للمذيعين فيها، لكن صلتي مع الشرق الأدنى لم تنقطع بعد انتقالي للإذاعة الفلسطينية (هنا القدس) إذ بقيت أتولى نقل إذاعة صلاة الجمعة من المسجد الأقصى المبارك، كذلك المناسبات الدينية الأخرى، كالمولد النبوي الشريف وليلة الإسراء والمعراج الشريف للإذاعتين معاً".
"بدأت عملي مع الإذاعة الفلسطينية (هنا القدس) عندما كان المرحوم الأستاذ عزمي النشاشيبي يتولى منصب المراقب العام للقسم العربي يعاونه كمساعد مراقب المرحوم الأستاذ محمد أديب العامري".
إلى أن يقول:
"بالنسبة لي توليت البرامج الخاصة والثقافية طيلة فترة عملي في الإذاعة الفلسطينية وأذكر منها برنامج موكب الحجيج الذي حرصت على تقديمه في موسم الحج كل عام، وهو يحكي حفلة بداية موكب الحج من محطة سكة حديد القدس والوصول إلى الأراضي الحجازية المقدسة ثم العودة إلى بيت المقدس بعد انتهاء فريضة الحج.
وقد جرت العادة أن نحشد لمثل هذا البرنامج كافة الإمكانيات المتاحة، فمدة البرنامج ساعة كاملة عند سفر الحجاج وعند عودتهم كذلك".
وكانت المحطة تنقل الإذاعات الدينية المسيحية في الأعياد والمناسبات الدينية.
وكان برنامج ترتيل آيات من القرآن الكريم يومياً في الساعة السابعة والنصف صباحاً والثامنة مساء وكانت مدة كل منهما ربع ساعة.
ومن أحبّ القُرّاء الذين نعم الشعب الفلسطيني بأصواتهم وقراءاتهم الشيخ منصور الشامي الدمنهوري والشيخ محمد رفعت، وكان العرب من مسلمين ومسيحيين ينتظرون بفارغ صبر قراءات هذين الشيخين الجليلين اللذين يأسران القلوب بصوتيهما وقراءتيهما المنغمة المحببة.
ويقول محمود السعدني في العدد (125) من مجلة "الدوحة" :
"ومن هؤلاء المشايخ جميعاً يقف الشيخ محمد رفعت، عملاقاً ولا كل العمالقة، وهو الذي قال عنه مفتي سورية بعد وفاته (لقد جدد شباب الإسلام) وكان الشيخ محمد رفعت هو المقرئ الوحيد الذي أحاطت به هالة من الأساطير".
"وكان الشيخ محمد رفعت هو الأول والأخير من مقرئي القرآن الذي تهافت على سماعه عدد كبير من غير المسلمين، وكان له من بينهم أصدقاء ومعجبون ضحوا من أجله بالشيء الكثير، ومن الغريب أنه عاش ومات دون أن يقتني ثروة بينما كان في مقدوره أن يجمع الملايين.
والانكليز كما هو معروف عنهم، ذوو حيل ومكر وسياسة مطاطة، يضمرون ما لا يظهرون ويدعون أنفسهم أصدقاء للعرب ويرون من حقهم أن يمدوهم بالمساعدات العلمية والصحية والعمرانية ويحافظوا على الأمن والاستقرار ظاهرياً.
ألا يمثل العرب المسلمون الأغلبية الساحقة من أهالي فلسطين؟ إذاً لماذا لا نقدم لهم ما يروق لهم ويحلو؟ ألا يحبون تلاوات من القرآن الكريم والأحاديث الدينية؟ فلنقدمها لهم عسى نلهيهم عن مآربنا
ولكن الشعب العربي الفلسطيني كان قد استيقظ وتنبه وعرف المقاصد والغايات التي كان يرمي إليها أصحاب الاستعمار العريق، الاستعمار الذي يدعي الصداقة والسلام من ناحية، ويحمل الخراب والدمار من ناحية أخرى. وهكذا تمتع الشعب الفلسطيني بآيات ذكر الحكيم والأصوات الملائكية دون أن يغفل عن المآرب الاستعمارية.
ولله في خلقه شوؤن.
الفنانان الآخران هما : قسطندي الخوري الذي اشتهر بألحانه العديدة وأناشيده الوطنية أما الثاني فهو الفنان الكبير يوسف بتروني الذي أفردنا له حديثاً خاصاً
(1) الكلمات باللهجة الفلسطينية وقد لحنها للفنان فريد الأطرش
8 من الزوار الآن
916824 مشتركو المجلة شكرا