Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الفكر السياسي > الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل (الحلقة الرابعة)

27 كانون الأول (ديسمبر) 2018

الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل (الحلقة الرابعة)

- مجتمـــع الثـــورة

إن مجتمع الثورة هو تعبير اصطلاحي يشكل جزء من المجتمع الكلي، ولكنه مجتمع محدث يستعمل ليدل على تركيب اجتماعي مؤسس على وجود تفاضل طبقي لا يتواجد إلا في إطار نظري قابل للتطبيق في زمن الثورة. وسواء كانت الثورة طبقية أو قومية فإن مجتمع الثورة هو الأداة التي تمارس بها الثورة فعالياتها السياسية والحربية في نطاق الإستراتيجية النضالية القائمة على حرب الشعب طويلة الأمد باعتبارها وسيلة تمكن شعباً مقهوراً من مواجهة الاستغلال الطبقي المهيمن أو الغزو الاستعماري المتطور تكنولوجياً. و فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني نجد أن كل المنظمات الفدائية دعت إلى خوض حرب شعبية طويلة الأمد، ابتدأت بحرب العصابات المرحلة الأولى منها، باستثناء الحزب الشيوعي الفلسطيني. وفي هذه المسألة المطروحة للبحث فإن السؤال هو: هل ظهر مجتمع الثورة؟ أم ظل غائباً عنها ؟

إن الإجابة على هذه الإشكالية تستهدف التثبت من مسألتين :

الأولى، تتعلق، في سياق المسألة المطروحة، فيما إذا كانت الثورة الفلسطينية قد خططت فعلا لخوض حرب شعبية أم لا ؟

الثانية، تتعلق في السياق العام للأطروحة. أي البحث عن مقاربة بين مجتمع الثورة وحقيقة التركيب الاجتماعي طبقاً للمجتمع المفترض، وما هي حقيقة مجتمع الثورة المنشود؟

الفصل الأول

البحث عن مجتمع الثورة (المجتمع المنشود)

أولا: حرب الشعب من « كلاوزفيتز» إلى « لينين»

لم تكن حرب الشعب مفهوماً فلسفياً بقدر ما كانت نتاجاً لوقائع حربية تاريخية تجلت بشائرها الأولى مع الثورة الأمريكية ثم اتضحت بشكل خاص مع الثورة الفرنسية وبالذات خلال الحروب النابوليونية في أوروبا. ومنذ هذه الأخيرة أصبح ثمة فكر عسكري نوعي غير مألوف ارتبط على وجه التحديد باكتشافات الجنرال البروسي والمنظر العسكري « كارل فون كلاوزفيتز» (1780-1831) والتي ظهرت في مؤلفه الرئيس بعد وفاته بعنوان « فن الحرب»، وفيه لم يلاحظ على حرب الشعب اشتمالها على أية تحليلات طبقية لجهة اشتراك الشعب في الحروب. ولكن كيف اكتشف « كلاوزفيتز» الحرب الشعبية؟

قبل الغزو النابوليوني لأوروبا كانت الحروب تجري، في العادة، وتحسم بين الجيوش المتقاتلة بعيداً عن السكان المدنيين. وخلال الثورة الفرنسية والحروب النابوليونية شهد الفكر العسكري انعطافة حادة عبرت عنها أطروحات « كلاوزفيتز» الذي اكتشف في سلسلة من الوقائع الحربية ثلاثة أشكال من الحروب متميزة عن بعضها و متطورة في سياقها التاريخي.

الأولى، كانت « الحرب الثورية» ممثلة بالثورة الفرنسية. فاعتماداً على تجربته الشخصية مع جنودها وفي حملة عام 1793 لاحظ أن الحرب الثورية تشكل« قوة لم تخطر على بال أحد». وأدرك « أن الحرب قابلة لأن تكون شيئاً مختلفاً عن تلك الرقصة المأتمية التي يؤديها جنود ممتهنون. فالحرب الثورية تخضع لدوافع وتسعى وراء أهداف قمينة بتغيير معطيات المسألة».
الثانية، كانت « الحرب المطلقة» التي لا تستهدف تحقيق انتصار على الخصم بل تدميره والقضاء عليه. أي حرمانه من القدرة على إعادة تجميع قواته. وفي هذا السياق لاحظ « كلاوزفيتز» أن « نابوليون» كان يخوض حروبه بأسلوب مختلف: « يعتمد على التجنيد العام و الإعداد للحرب والتخطيط لها وتحويل الوضع المدني إلى عسكري. أي الاهتمام بكافة الجوانب السياسية والاقتصادية والديمغرافية فضلاً عن العسكرية». وأدت هذه الملاحظة إلى اكتشافه «للجبهة الداخلية» إضافة إلى « الجبهة الخارجية التقليدية». إذ أن « اتساع أهداف الحروب النابوليونية وتنامي عدد المشاركين فيها واضطرارهم إلى تأمين تموينهم من منتوجات خصومهم أدى إلى خلق الجبهة الداخلية، وأصبح على الغزاة إخضاع الجبهتين معاً ».

الثالثة، كانت « الحرب الدفاعية». فلم تكن « الثانية» مقدمة لاكتشاف « الثالثة» لأن « كلاوزفيتز» اعتقد لفترة أنه « ما من قوة قادرة على التصدي للحرب المطلقة» إلا أن هزيمة « نابوليون» في إسبانيا وروسيا كانت من صنع المقاومة الشعبية، لذا أعتبرها « أقوى أشكال الحرب». ورأى « أنه على الرغم من أن أثر فرد واحد من السكان شبه معدوم، فإن التأثير الإجمالي لسكان البلاد لا يمكن أن يكون معدوماً. واعتبر أن المقاومة التي أبداها الإسبان في مواجهة القوات الفرنسية هي أساساً حرب يشنها شعب. وأن ما ظهر هو قوة جديدة و ليس مجرد دلائل على تعاون متزايد من قبل السكان مع القوات النظامية المكلفة تقليدياً بخوض الحروب» .

مع ظهور الفكر الماركسي عبْر « كارل ماركس» (1818-1883) أخذت حرب الشعب تكتسي محتوى طبقياً. فإذا ما تجاوزنا التناقضات الواضحة أو التعارض في الأطروحات الماركسية تجاه المسألة الطبقية فإن الصراع الاجتماعي عند « ماركس» ابتدأ التعبير عنه كصراع على الموارد بين طبقتي المستِغلين و المستَغلين. ولكن كلما غاص « ماركس» في دراساته الاقتصادية و الاجتماعية كلما تبين له أن التقسيمات الطبقية تتعقد وتتشعب باضطراد إلى أن بلغت ثماني طبقات في المجتمع الألماني . وفي كل مجتمع خضع للدراسة عمد « ماركس» إلى تحليله بدقة آخذاً في الاعتبار تعقيداته و تطوره الاجتماعي والتاريخي. وهذا يعني أن التكون الطبقي مسألة ديناميكية تحددها تطورات وسائل الإنتاج حتى وإنْ كان التصنيف الطبقي عند « ماركس» يخضع بالمحصلة لمبدأ ثنائية الصراع بين الطبقات المالكة (المستغِلة) والطبقات البروليتارية (المستغَلة). ومع ذلك فإن الطبقة الاجتماعية لا تتحدد فقط بوحدة الوضع الاجتماعي والمهني بل أيضاً بمدى انخراطها في الصراع الطبقي. ومن هنا تبرز أهمية الوعي، إذ يميل « ماركس» إلى التمييز بين نوعيين من الوعي الطبقي:
• وعي طبقي أيديولوجي يرتبط ارتباطاً وثيقاً في مصالح الطبقة المعنية، وهو وعي بسيط لا يتعدى حدود الطبقة بالمعنى الضيق للكلمة.
• وعي طبقي آخر وهو وعي البروليتاريا لذاتها كطبقة. وهو وعي «علمي» و « موضوعي» يشمل الوضع الاجتماعي بكليته. وعلى هذا الأساس فهو «وعي ثوري» .

ولكن خلافاً لتنبؤاته فإن أول ثورة اشتراكية في العالم وقعت في روسيا وليس في بريطانيا. وهناك ميز « لينين» قائد الثورة بين ما لا يقل عن ثماني طبقات كانت تشكل النسيج الاجتماعي الروسي عشية الثورة وإبانها. وأهمية التمييز تتحدد بالنظر إلى مواقفها إزاء الثورة ومن ثم الاستيلاء على السلطة. ففي المدن حدد « لينين » أربع طبقات هي: البرجوازية، التكنوبيروقراطية (الموظفين الفنيين)، البرجوازية الصغيرة و أخيراً البروليتاريا. أما في الريف فقد خص بالذكر كل من: ملاك الأراضي، الكولاك (الفلاحون المستقلون الأثرياء)، السيريدنياك (الفلاحون المتوسطون) وأخيراً فقراء الفلاحين . فمن هي طبقات الثورة؟ أو من هي الطبقات الحليفة؟ ومن هي الطبقات المعادية؟ في ضوء هذه الأسئلة الثلاثة ينبغي أن يتحدد مجتمع الثورة الطبقي. وقد اعتبر « لينين » أنه « ظفرت بالسلطة جميع الطبقات التي استغلتها البرجوازية، وهي البروليتاريا وعدة أقسام من طبقة الفلاحين». وفي كتابه « الثورة البروليتارية وكاوتسكي المرتد–1918» أكد أن البروليتاريا وجميع طبقة الفلاحين الفقراء قد تكتلت ضد البرجوازية والملاك العقاريين وأغنياء الفلاحين. وكما هو واضح، وحسبما يلاحظ « غوروفيتش»، فإن اثنتين من الطبقات نجحتا، بمساندة الطبقات المتوسطة، في قهر الطبقات الأربع الأخرى وهي: « البرجوازية وملاك الأراضي والكولاك والبيروقراطيون» وهكذا تحدد مجتمع الثورة . فالبروليتاريا وفقراء الفلاحين هي الطبقات « المكبلة بالسلاسل» و التي « ليس لديها ما تخسره سوى قيودها » حسب ما يرد في « البيان الشيوعي». لذا فلهما الحق في قيادة الثورة وإقامة دكتاتورية البروليتاريا، سلطة الشعب، باعتبار أنهما، أيضاً، الأكثر عدداً في المجتمع. وما ينطبق على المجتمع (الشعب) ينطبق بالضرورة عليهما . أما الطبقات المتوسطة فتتكون من طبقة الفلاحين متوسطي الثروة ومن صغار التجار، أصحاب الحرف، الذين يشكلون طبقة البرجوازية الصغيرة حسب « لينين ». وأن هاتين الطبقتين يمكن أن تشكلا حليفا لقضية البروليتاريا وفقراء الفلاحين بما أنهما لا تخسران شيئاً في تغيير النظام. وفي المقابل تأكد أن الطبقات الأربع المقهورة هي طبقات عدوة لديكتاتورية البروليتاريا وفقراء الفلاحين. وكانت « الكولاك» الألد عداء من بينها .

إذن حرب الشعب، طبقاً للماركسية-اللينينية صاحبة الثورة الاشتراكية، من حيث التركيب الاجتماعي لها ليست من اختصاص، ولا من حق، جميع الطبقات المستوطنة في المجتمع إنما من حق طبقات معينة لها في الواقع مصالح جذرية في تغيير النظام الاجتماعي والسياسي القائمين. وعلى المستوى القانوني وكذلك الإنساني فالماركسية- اللينينية تميز بين الحروب العادلة التي تخاض في سبيل التحرر من الاضطهاد القومي أو الطبقي وبين الحروب غير العادلة التي تهدف إلى الاستيلاء على أراضي الغير واسترقاق الشعوب وإعادة تقاسم العالم . لذا شرَّعت الماركسية الثورة التي تنمو على أرضية حركة التحرر الوطني وتهدف إلى تصفية السيطرة الأجنبية السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، ولاسيما الاستعباد القومي، وتسعى لإقامة دولة مستقلة . وعلى هذا الأساس أعلن الاتحاد السوفيتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ورحيل جوزيف ستالين عن الحكم تبنيه لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، وباتت النظرية الماركسية- اللينينية مصدر إلهام في نضال الشعوب المقهورة، قومياً وطبقياً، ضد الاستعمار الأجنبي والاستغلال الطبقي.

1. الثورة الصينية (1911– 1949)

كانت الثور الصينية والفيتنامية والجزائرية والكوبية النماذج التي تَمثَّل الفلسطينيون بإنجازاتها قبل أن تنطلق الثورة. الثورات الثلاثة الأولى كانت قومية في كفاحها ضد الاستعمار الأجنبي المباشر أما الثورة الكوبية فكانت طبقية وضد التبعية للولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن اعتبار الثورة الصينية الأكثر جاذبية وأهمية بالنسبة للفلسطينيين فضلاً عن الثورة الفيتنامية إلى حد كبير. و سنتخذ من الثورة الصينية نموذجاً لمعاينة مشكلتي مجتمع الثورة والتوقيت.

تبنى « ماوتسي تونغ» الماركسية سنة 1920 وانخرط في الحزب الشيوعي الصيني. ومنذ هذا التاريخ اقترن اسمه بالحركة الثورية الصينية في كفاحها الطبقي والقومي. وتمثل أفكاره، فيما يتعلق بالثورة المناهضة للاستعمار، تياراً ثالثا خرج عن إطار تياري الأممية الثالثة التي انقسمت في العشرينات بين اتجاهين هما :

الاتجاه الأول بزعامة ستالين والذي يرى أن الثورة، بحكم أنها مناهضة للإقطاع على الصعيد الداخلي، وللإمبريالية على الصعيد الخارجي، لا بد وأن تقودها « البرجوازية الوطنية».
الاتجاه الثاني بزعامة تروتسكي والذي يعتقد باستحالة الثورة البرجوازية في زمن تحالفت فيه مصالح الطبقات السائدة قاطبة (بما فيها الطبقات الواقعة تحت السيطرة نسبياً) مع الرأسمال العالمي ضد البروليتاريا العالمية. وبالنظر إلى ضعف البروليتاريا فلا بد من التريث والانتظار ريثما يفرز تطور قوى الإنتاج القوة القادرة على تحقيق الثورة.

وقد مثل موقف « ماو» المضاد للأطروحتين أحد أهم خصائص الثورة الصينية على الإطلاق. ففي أعقاب انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الصيني تقرر الاتحاد مع حزب الشعب الوطني ( الكومنتانغ) الذي يتزعمه « صن يات – صن». ولما توفي الأخير سنة 1925 انقسم الحزب إلى جناحين تزعم « تشيانغ كاي- شك» فيه الجناح المعتدل الذي يمثل « البرجوازية الوطنية». ولأن هذه الطبقة تظل ذات طابع متقلب وعاجز عن قيادة الثورة فقد رفض « ماو» أطروحة ستالين الداعية أصلاً إلى وضع الشعب الصيني تحت قيادة الكومنتانغ بزعامة تشيانغ كاي- شك. ولكن لماذا لم يبادر بإطلاق شرارة الثورة على قوات الكومنتانغ لاسيما وأنه رفض الأطروحة الثانية التي تدعو إلى الانتظار؟

لعل الزعيم الصيني « كلاوزفيتزي» في الصميم. فقد أدرك هذا الأخير كنه الحرب و اختط منهجاً للتعامل معها: « يجب أن نتعقل الحرب، أن نحللها في جوهرها وماهيتها، أن نفهم أغراضها على تنوعها، لا أن ننظر إليها على أنها فوضى، عنف خالص يفجر الوضع القانوني ويحدث انقطاعاً في التاريخ السياسي». لذا عرفها بأنها « استمرار للسياسة بوسائل أخرى» . ومن الثابت تاريخياً، أن « ماو» وجد في المجتمع الصيني ما لم يجده « ماركس» في المجتمعات الأوروبية أو « لينين» في المجتمع الروسي. وهنا يكمن سرّ الخروج على الماركسية التقليدية، وفي نفس الوقت إثرائها وتجديدها. فقبل أن يطلق شرارة الثورة، وفي خضم الحرب الأهلية في الصين (1925-1927) لجأ إلى دراسة المجتمع الصيني فوضع كتابه الشهير « تحليل طبقات المجتمع الصيني –1926» والذي بيّن فيه أن مجتمع الثورة يكمن في طبقة الفلاحين التي تعد 500 مليون نسمة وليس في طبقة العمال (البروليتاريا) التي تعد 2 - 3 مليون يعيشون في عدد محدود من المدن الكبرى. وإضافة إلى « تقرير حول الحركة الفلاحية في هونان –1927» توصل « ماو» إلى التأكيد على الطاقات الثورية للطبقة الفلاحية والدور العظيم الذي تستطيع الجماهير الفلاحية المنتشرة على مساحات واسعة أن تضطلع به. فالمسألة هنا تتعلق بقدرة الحزب على إعداد الفلاحين و تثقيفهم وبالتالي إضفاء طابع الاستمرارية على ثوراتهم وعلى تحويلهم إلى قوة جبارة ومنظمة. وبالرغم من أن أطروحاته واجهت الرفض من قبل الحزب الشيوعي الصيني إلا أنه مرر أطروحته بدء من عام 1927 حيث بادر إلى تشكيل أول فرقه من الجيش الفلاحي والعمالي الأول. إلا أنه لاقى هزيمة نكراء على يد قوات الكومنتانغ فأُقصي عن الحزب الشيوعي. ولكن بعد عام واحد وافق الحزب على نظريته واشتهرت أطروحته بـ « حصار الأرياف» للمدن. أي أن الثورة في الصين ينبغي أن تنطلق من الريف لا من المدينة . وإلى حين اكتشاف « ماو» لطبقة الفلاحين كانت الماركسية- اللينينية لا تفكر إلا بطبقة العمال كمادة أولى للثورة تليها طبقة فقراء الفلاحين.

وبطبيعة الحال نشأت الماركسية على إحداث تفاضل بين العمال والفلاحين لجهة الأولى باعتبارها الطبقة النقيضة للبرجوازية. ولأنها منبتة الجذور من طبقات عدة فهي بالضرورة ساخطة وعدوها الأول والأبدي هي البرجوازية المالكة التي تستغلها على الدوام. ولأنها ليس لديها إلا قوة عملها لتعيش منه فهي لا تملك ما تخسره إلا قيودها، وبالتالي فهي أكثر التزاماً وجذرية بالثورة من فقراء الفلاحين. ولكن ماذا يفعل « ماو»؟ هل يقبل بالفهم الارثوذكسي للماركسية اللينينية، وهي ذاتها « دليل للعمل وليس عقيدة جامدة »، كما يصفها واضعوها، ويتجاهل 500 مليون فلاح وألفي سنة من النضالات الفلاحية؟ أم يظل متحمساً وفياً للحركة الفلاحية ولأسباب الفعالية الثورية؟ كان الرد سريعاً وبلا تردد: « سيحطمون كل السلاسل و يسيرون على طريق تحررهم … يجب أن نكون على رأس الفلاحين و أن نقودهم .. » .

لا شك أن «هوشي منه» زعيم الثورة الفيتنامية و« ماو» تعلما من كلاوزفيتز «التعقل» و« أثبتا أن أقوى الجيوش وأفضلها تدريباً وعتاداً تعجز عن قهر شعب يحارب فوق أراضيه» . ولكن بشرط « ماوي»، « لا يصح (فيه) نقل أو تطبيق قوانين الحرب الخاصة بهذا البلد أو هذه الأمة على بلد آخر أو أمة أخرى بصورة حرفية وآلية … فإذا نقلناها وطبقناها كما هي دون أن ندخل أدنى تغيير على شكلها ومحتواها، فسوف نكون أشبه بمن يبري قدميه لتلائما الحذاء ولا بد أن تنتهي إلى الهزيمة» .

هكذا فالتعقل الـ « كلاوزفيتزي» اكتشف القوة الثالثة أما الماركسي فقد حدد فعالياتها (طبقات الثورة) . إلا أن « الماوية» فاجأت التحديد العام بالخصوصية المحلية ( الفلاحين وليس العمال). ولم يثبت للآن أن المفاجأة الصينية حالة شاذة بالرغم من ضمور حركات التحرر في العالم والتوسع المديني.

2. الثورة الفلسطينية (1965 -آذار/مارس1968)

هل تنبهت الثورة الفلسطينية لولادة نظرية « حرب الشعب» والتطورات التي جدَّت عليها؟
في سنة1964 زار وفد فلسطيني من حركة « فتح» الصين لاستشارة « ماو» في مسألة تفجير الثورة الفلسطينية فقال: « يا رفاق لقد تبادلنا الحديث بحرارة ولكنني أريد أن أقول، لقد درست قضيتكم والظروف المحيطة بها بدقة، إنها قضية صعبة تتداخل فيها المشاكل تداخل أسنان القرش. إذا تمكنتم من تفجير ثورة والاستمرار بها فإني سأكون سعيداً لدراسة قوانين جديدة لحرب الشعب في ظروف لا تنطبق عليها حرب الشعب» . فإلى أي مدى يبدو التحذير الصيني هذا صحيحاً؟

الملاحظ أن الانطلاقة المسلحة على أرض فلسطين كانت تفتقد إلى جوهر حرب الشعب حيث الديمغرافيا الفلسطينية تتوزع على الشتات والجغرافيا ضيقة جداً. ففي فلسطين يشكل اليهود 65% من السكان ينتشرون على مساحة تزيد عن ثلاثة أرباع مساحة فلسطين الانتدابية بينما ينحشر الفلسطينيون في مساحات ضيقة في الضفة الغربية ويتكدسون في غزة. وفي إطار فلسطين المغتصبة (1948) يتمتع اليهود بتفوق سكاني ساحق على العرب بنسبة 88% إلى 12% على التوالي فضلاً عن أن نصف الفلسطينيين يعيشون في الشتات . وهذا يعني أن الثورة ستولد في بحر معاد من السكان وأقلية وطنية صغيرة ومبعثرة وخاضعة إلى إرهاب منظم بمقتضى أحكام الطوارئ. كما أن على الثورة العتيدة أن تستعد لمواجهة قوة عالمية غازية مسلحة بكيان استيطاني بشري كثيف، معبأ ومأدلج ومؤسس على نظرية « مجتمع الحرب»، زيادة على تمتع هذه القوة بالشرعية القانونية الدولية والحماية الاستعمارية العالمية.

والملاحظة الثانية أنه لما كانت المساحة غير الخاضعة للاحتلال صغيرة جداً فمن المستحيل أن تقوم حرب عصابات كخطوة أولى على طريق الحرب الشعبية إلا إذا كانت القاعدة الآمنة لهذه الحرب تعني خضوع الدول العربية المجاورة لشروطها وتبعاتها. وفعلاً اعتبرت الثورة الفلسطينية الأرض العربية المحيطة بإسرائيل « ميداناً مشروعاً للنضال الفلسطيني» . غير أن الأنظمة السياسية العربية المعنية قاومت هذا المسعى. ففرضت سوريا ومصر حظراً على النشاط العسكري الفلسطيني عبر هضبة الجولان وصحراء سيناء، واضطرت الثورة أن تنحشر في جنوب لبنان بعد أن خسرت قاعدتها الآمنة في الأردن. لعل هذه الظروف والتحذيرات الصينية ما كانت لتمر دون اختبار أكثر من مرة وبشكل مبكر ضُحى الانطلاقة المسلحة أو غداة حرب الكرامة (21 آذار/ مارس 1968). فهل ثبتت صحتها؟ وهل كان ثمة وقت يتيح التفكير؟ أم أن الثورة الفلسطينية وقعت ضحية تسارع الأحداث؟ والأهم من كل ذلك: لماذا تجاوزت « فتح» التحذير الصيني؟

وجدت الظروف والتحذيرات أول اختبار لها لما بدأ العد العكسي لقرار الانطلاقة حيث برزت الشقاقات الحادة في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر سنة 1964 خلال اجتماعين عقدهما قادة « فتح» لمناقشة ما إذا كان الوقت ملائماً لشن عمليات عسكرية أم لا؟ ففي الاجتماع الأول الذي انعقد في منطقة الصليبخات، إحدى الضواحي السكنية الشعبية في إمارة الكويت، انقسم المجتمعون إلى فريقين متساويين ولمّا يقع التوصل لأي اتفاق. وفي وقت لاحق تمت الدعوة لاجتماع آخر موسع عقد في دمشق وشارك فيه ما بين 40-50 عضواً من إطارات « فتح» القيادية في البلدان المحاذية وخاصة أطر الضفة الغربية وقطاع غزة، أي تحديداً تلك المناطق التي ستنطلق منها أولى غارات الفدائيين، فانقسم المجتمعون ثانية. وبعد نقاشات طويلة تم التوصل إلى موقف إجماعي. غير أن مصادر تؤكد أن قرار الانطلاقة اتخذ حقيقة بأغلبية صوت واحـد فقط ، الأمر الذي يكشف عمق الخلافات وخطورتها. وكان جوهر الانقسامات يتمحور فيما اعتبره المعارضون محاولة سابقة لأوانها بصورة خطيرة من حيث العدد والتجهيز. كما أنه لا بد من انتظار الوقت الذي تصبح فيه « فتح» حركة جماهيرية. وعلى النقيض تماما كانت رؤية المؤيدين أن الوقت ناضج لممارسة الكفاح المسلح وهو (الوقت) كفيل بأن تتحول « فتح» إلى حركة جماهيرية فكانت الانطلاقة صبيحة اليوم الأول من سنة 1965.

وغداة وقوع الكارثة (حرب 1967) بأيام عادت المشكلة إياها للظهور. ففي الثاني عشر من حزيران/ يونيو 1967 انعقد مؤتمر في دمشق بعيد سحب الرئيس جمال عبد الناصر لاستقالته. وبنفس الحدة التي ميزت اجتماعات خريف العام 1964 انعقد المؤتمر في جو محموم، ولكن ليس لتقدير إمكانات الحركة ماديا وجماهيريا بل من أجل الإجابة على أسئلة ملحة تتصل أساسا فيما إذا كان على الثورة أن تلتزم بقرار وقف إطلاق النار رقم «242» الصادر عن مجلس الأمن الدولي أم لا؟ وهل يعنيها القرار؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فهل بمقدور الحركة أن تباشر الكفاح المسلح على الفور؟ ثم هل تأمن الحركة من إثارة انتقامات رهيبة توقع على السكان قي الضفة الغربية المحتلة؟ باختصار كان الغرض من المؤتمر«مناقشة جدوى وملاءمة استئناف الكفاح المسلح». وفي أعقابه تبين أن كل الاشكالات استُبعدت وجرى التعويض عنها باتخاذ المؤتمر لعدة إجراءات تنفذ على امتداد شهرين أهمها جمع الأسلحة التي خلفتها الجيوش العربية في ساحات المعركة أو في مخازن السلاح والمباشرة في شراء الأسلحة والاتصال بالأثرياء الفلسطينيين لجمع التبرعات وتوفير المال اللازم حتى من الدول العربية فضلا عن إبلاغها أو استشارتها حول نوايا الحركة باستئناف الكفاح المسلح. وفعليا، ما أن حل 31 آب / أغسطس حتى انطلقت الغارات الأولى ضد القوات الإسرائيلية .

أما الاختيار الحاسم لصحة الانطلاقة من حيث التوقيت فقد جاءت مناسبة إثر معركة الكرامة (1968) التي أسفرت عن هزيمة إسرائيلية عسكرية محدودة ولكنها شديدة الإيلام بسبب الصمود القوي للثورة الفلسطينية والجيش الأردني. وبينت المعركة مدى صلابة الثورة عسكريا وتصميما على مقاتلة إسرائيل غريمة العرب أجمعين وليس الشعب الفلسطيني فحسب لاسيما في حالة حرب محدودة . غير أن لـ « الكرامة» جانب آخر وضع « فتح» والثورة الفلسطينية عامة في امتحان مصيري. فقد مثلت المعركة لحظة حاسمة لانفجار ثوري شعبي عربي طالما حلمت به « فتح» التي جهدت لأن تتحول إلى حركة الجماهير المناضلة. وخلافا للتمنيات أثبت الواقع أن لا « فتح» ولا غيرها من التنظيمات كانت مهيأة تنظيميا لخوض حرب تحرير شعبية. وأن عدم القدرة على استيعاب الدفق الجماهيري الناجم عن الشعور بالثقة أدى إلى إغراق الثورة في بحر من الجماهير في وقت غير ملائم بالنظر إلى قدراتها التنظيمية المحدودة والتي لم يسبق لها أن اختبرت في هذا المجال. ويبدو أن خيال القيادة الفلسطينية آنذاك لم يكن ليتسع لحركة جماهيرية بمثل ما خلفته معركة الكرامة خاصة وأن أحدا من قادة « فتح» بالذات لم يعد ينكر عجز الحركة عن استيعاب التدفق الجماهيري الفلسطيني والعربي الذي اندفع بعشرات الآلاف سعيا للانضمام إلى الثورة. وأن التعامل مع الجماهير أفرادا وجماعات بات صعبا للغاية وغير مجد. ومثلما يرى خالد الحسن، فقبل المعركة كان إعداد العضو، في إطار تشكيل الخلية، يستغرق سنة من الوقت. وبعدها أصبح تثقيف سكان المخيمات الفلسطينية يتم عبر المحاضرات والندوات ووسائل الاتصال الجماهيري المباشر. وما بين الخلية والجماعة ثمة فرق كبير في نوعية المادة التثقيفية والوقت المتاح لها . ولعله خطأ استراتيجيا ارتكبته الثورة لما قبلت التحدي العسكري الإسرائيلي علما وأن المسؤولين الأردنيين نصحوا قادة « فتح» بالانسحاب إلى داخل الأراضي الأردنية لتجنب المواجهة المباشرة ولكي تأتي الضربة الإسرائيلية في الفراغ. ويؤكد صلاح خلف على صحة التحذيرات الأردنية بـ « المطلق» طبقا لقوانين حرب العصابات، إلا أن الفدائيين غلّبوا الرغبة في استعادة الثقة بالنفس على غيرها من المحاذير . ومن الواضح أن لا هذا الطرف ولا ذاك اهتم بوجهة نظر الآخر، ولا أخضع أي منهما حساباته لرؤية استراتيجية أو اتخذ مواقف حاسمة أبعد من التفكير في لحظة المواجهة المنتظرة.

ثانيا: مجتمع الثورة عند التيار اليساري

من المعلوم أن الجبهة الديمقراطية سجلت في انشقاقها عن ائتلاف الجبهة الشعبية، بعد عام بالضبط على وقوع معركة الكرامة، انطلاقة اليسار الفلسطيني الجديد. ثم تبعتها الجبهة الشعبية باعتناق الأيدولوجية الماركسية - اللينينية فضلا عن منظمات أخرى أعلنت استرشادها بها. وانطلاقا من المقولة الشهيرة « لا ثورة بدون نظرية ثورية» فمن الطبيعي ألا يكون لمجتمع الثورة أي وجود نظري أو عملي قبل سنة 1969. لذا سنعتمد على أطروحات الجبهتين الشعبية والديمقراطية في هذا المجال. وقبل البدء علينا أن نُذكِّر ونُوضِّح بأن مجتمع الثورة عند اليسار الماركسي تقتصر مهمته على إنجاز التحرير الوطني. ولأنه ثمة من بين الماركسيين الثوريين من يدمج « التحرير الوطني» بـ « التحرر الاجتماعي» فقد أكدت الجبهتان أن مرحلة الكفاح الفلسطيني هي مرحلة « تحرير وطني» وليست « تحرر اجتماعي» و فسر نايف حواتمه هذا الموقف بأن: « المسألة المطروحة في مرحلة التحرر الوطني ليست مسألة البرنامج الاجتماعي الطبقي. بل إلحاق الهزيمة بالعدو القومي والقوى المحلية المرتبطة به أو المتعايشة معه بحكم مصالحها الأنانية التي تضعها فوق المصلحة الوطنية وليس (كما يقال دائما) أن هناك من يريد ثورات اجتماعية في مرحلة التحرر الوطني وهناك من لا يريد لأن طرحا كهذا إما طرح غبي يتعامى عن جميع وقائع التاريخ أو طرح متغاب عن سبق إصرار .. لذا فإن المسألة الأولى المطروحة على جدول أعمال حركة التحرر الوطني: من هي الطبقات التي تقف فعلا مع عملية التحرر الوطني وإنجاز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، ومن هي الطبقات المحلية التي تقف ضد حركة التحرر الوطني ومع أعداء الثورة الوطنية بحكم مصالحها الطبقية؟» . وإذا كان الهدف هو حل معضلات الثورة وتحريرها من الضغوط والمساومات وضمان استمرارها وانتصارها فلا بد من نظرية ثورية تستعمل دليلا للعمل وتمكن من خوض حرب تحرير شعبية تقتضي بالضرورة تَبيُّن مادة الثورة أولا وحلفائها ثانيا وأعدائها أخيرا. هذا ما سعى إليه اليسار الماركسي الجديد. لذا فإن مجتمع الثورة عنده يتشكل من العمال والفلاحين وأقسام من البرجوازية الصغيرة وبعض فئات الطبقة المتوسطة إضافة إلى المثقفين الثوريين. وهذا التركيب الاجتماعي يفاضل بين العمال والفلاحين باعتبارهم الطبقة القائدة في العرف الثوري الماركسي.

1. الطبقة العاملة

تتكون هذه الطبقة من العمال والفلاحين، وتعتبر مادة الثورة الأولى. فهي الأكثر حرصا على إنجاز مهمات التحرير. والطبقة الوحيدة التي تستطيع أن تقود الثورة لأنها: « تعاني أشد ما يكون من طغمة الاستغلال. فهي لا تملك شيئا، لا تملك أية وسيلة من وسائل الإنتاج، لا تملك رأس المال، لا تملك الأرض، لا تملك الآلة ولا تملك أي شيء على الإطلاق. والشيء الوحيد الذي تملكه هو سواعدها، عرقها، وجودها فقط وطريقتها في الحياة في ظل أوضاع استعمارية مستغلة غير إنسانية، إذ تبيع قوة عملها هذه بأبخس الأثمان. هذه الطبقة التي تعيش يوميا تحت وطأة الاستغلال هي مادة الثورة، هي نار الثورة، هي الطبقة الوحيدة التي تستطيع أن تقود الثورة » . أما عن مكانها ففي المخيمات حيث: « إن العمال والفلاحين هم الذين يملؤون اليوم مخيمات الشقاء، التي تعيش فيها الغالبية من أبناء فلسطين.. وعندما نتحدث عن المخيمات فإننا نتحدث في حقيقة الأمر عن واقع طبقي يمثل العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة المعدمة من الشعب الفلسطيني» .

إن أيديولوجية الطبقة العاملة ومصالحها تؤهلها لقيادة الثورة. بيد أن العملية ليست آلية بما أنها حاليا تقع في أدنى السلم الاجتماعي، لذا ينبغي تأهيلها من خلال تنظيم حزبي طليعي يصل بها إلى مرتبة القيادة حتى لو كانت قليلة العدد لأنها طبقة ثائرة بشرط أن تعي دورها التاريخي وأن تعوِض ذلك النقص بالوعي والتنظيم والقتال الحقيقي حتى تشق طريقها إلى القيادة شقا بالدماء والتضحية .

2. المثقفون الثوريون

بما أن تأهيل الطبقة العاملة لقيادة الثورة يرتبط ببناء حزب طليعي فإن: « المثقفين الثوريين مادة أساسية وضرورية لبناء الحزب والثورة. فالمثقفون هم الذين يوفرون للثورة الرؤية الواضحة، وهم بطبيعة الحال المادة التي من خلالها ينتقل الوعي السياسي للطبقات الكادحة وكذلك (يتمتعون بـ) القدرة على الإدارة وتنظيم الأمور والتخطيط لمختلف جوانب العمل (بشرط) التحامهم الحقيقي مع الجماهير والمقاتلين في العمل الثوري (وإلا) عرَّضوا الحزب لظاهرة الثرثرة المتناقضة مع قضايا العمل الحقيقية » .

3. البرجوازية الكبيرة

يجمع « اليسار» على نبذ هذه الطبقة. ويعتبر أن تاريخ فلسطين الحديث يثبت بـ « المطلق» أن هزيمة 48 جاءت: «على يد القيادات الإقطاعية الدينية (الحاج أمين الحسيني) والقيادات البرجوازية الكبيرة (أحزاب البرجوازية كحزب الاستقلال وحزب الدفاع …الخ) وعديد الأنظمة الإقطاعية العربية متمثلة بالملوك والرؤساء العرب لتعطي المثل الملموس على العلاقة الجدلية القائمة بين الوضع الفلسطيني والعربي والدولي» . وتصنف « الاستراتيجية السياسية والتنظيمية» البرجوازية الكبيرة إلى صنفين، تقليدية وحديثة. أما الأولى: « فهي في الأساس برجوازية تجارية ومصرفية متشابكة مصالحها ومترابطة مع مصالح الإمبريالية التجارية ومصالحها المصرفية. وثروة هذه الطبقة وغناها أساسه سمسرتها للبضائع الأجنبية ووكالات التأمين الأجنبية والمصارف الأجنبية. وبالتالي في المدى الاستراتيجي ضد الثورة التي تريد القضاء على الإمبريالية ووجودها ومصالحها في وطننا» . وعن « الحديثة» فقد « نمت وترعرعت في المنفى، وتسلقت مع أو على البرجوازيات العربية، وتقاسمت معها المصالح والأرباح الإضافية. ولو لم يكن الأمر كذلك لما ظهرت الظواهر البيدسية والجعبرية والحسينية والكنعانية والبوتاجية … الخ مما لم يعد يحصرها العد لمَا أدت مصالح كبار التجار وأصحاب الشركات في القدس مثلا إلى منع الجماهير من شن العصيان المدني على الأقل حين ارتُكبت في حق مدينة مثل القدس جريمة الضم إلى إسرائيل. ولا شك أن جهد طبقة المتمولين والمستغلين في الحيلولة دون أية ردة فعل على جريمة الضم هو جريمة موازية. وعلى الأقل يجب أن تكون قد أعطت تأكيد للكثيرين على آفات المعركة وعلى عدمها» .

إن هذا الموقف إزاء البرجوازية الكبيرة مصدره، علاوة على مسؤولياتها التاريخية عن ضياع فلسطين، يعود إلى فشل محاولات الوحدة الوطنية بين المنظمات الفلسطينية ولو في إطار «جبهوي» على المستويين السياسي و (أو) العسكري. و يشير التقرير السياسي (آب 1968) أنه: « خلال الخمسة عشر شهراً اللاحقة على حرب حزيران جاءت قيادات حركة المقاومة لتكرس على رأس القيادة السياسية لها إطارات إقطاعية ورأسمالية مترفة لا علاقة لها بالكفاح المسلح على امتداد تاريخ فلسطين الحديث. وهي ذات القيادات التي قادت حركة التحرير الوطني الفلسطينية والثورة الوطنية إلى الفشل تاريخيا ». ولا شك أن المقصود بذلك التركيبة الاجتماعية للمجلس الوطني الفلسطيني الذي: « جمع كل ممثلي الرجعية الفلسطينية، وعلى رأسها شلة المليونيرية من أصحاب البنوك وكبار المقاولين التي اشترطت أن تكون على رأس المجلس الوطني بينما شكلت حركة المقاومة الفلسطينية ذراعها الأيمن والأيسر (فتح والجبهة الشعبية) » . وحقيقة ضم المؤتمر التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ( أيار/ مايو 1964): « أغلبية ساحقة من ممثلي الفئات العليا من الرأسمالية الفلسطينية والمسماة بالفلسطينية ممن يديرون أعمالهم في البلدان العربية، ومن ممثلي الفئات الوسطى، ولينضم إلى جانبهم أعدادا ضئيلة من ممثلي المنظمات الفلسطينية الجديدة .. » . وقد وصف الكراس الصادر عن المنظمة أعضاء المؤتمر بأنهم أولئك: « … الأعيان والنواب والوزراء والنواب والأعيان السابقون، ورؤساء البلديات والمجالس القروية في المملكة الأردنية الهاشمية ، ورجال الدين والمحامون والأطباء والصيادلة والمهندسون وأساتذة الجامعات، وأعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة ورؤساء الغرف التجارية والتجار والمغتربون وممثلو الهيئات النسائية والعائدون المقيمون في المخيمات وشيوخ عرب بئر السبع والنقباء وممثلو اتحادات ونقابات العمال والمزارعين ورؤساء مجالس الشركات وموظفو المصارف وخلافهم ... »، أما وفد فلسطينيي لبنان فـ « لم يضم ولو واحداً من سكان المخيمات» .
كما أن الموقف العدائي تجاه البرجوازية الكبيرة نابع من التزام المنظمات اليسارية بالفكر الماركسي اللينيني الذي يرفض مشاركة هذه الطبقة في القيادة نظراً: « لميلها نحو الفاشية ولطبيعتها الاستغلالية وتقديم مصالحها على المصلحة الوطنية» . أي قبولها بالمهادنة والمساومة حفاظاً على امتيازاتها ونفوذها.

4. البرجوازية الصغيرة

أثارت هذه الطبقة من الجدل ما لم تثره أية طبقة أخرى حتى الطبقة العاملة التي اختُلف على وجودها أصلاً. ولعل في التحليل الذي قدمه هشام شرابي في وقت مبكر عن هذه الطبقة المتوسطة، التي يقول أنها أسميت هكذا «البرجوازية الصغيرة» بالرطانة السياسية العربية، ما يساعد على فهمها ومتابعة تحليلها في مواضيع لاحقة. فلأن الرأسمالية الوطنية لم تتطور بعد إلى نظام تتشكل فيه الطبقات الاجتماعية بصورة دقيقة فقد لعبت هذه الطبقة دوراً سياسياً كبيراً. إذ تشكلت من المحامين والمدرسين وموظفي الدولة والطلاب. وهم العناصر البشرية التي انبثقت عنها الأفكار السياسية والأيديولوجية. وقد تميزت، في الوطن العربي كما في المجتمعات النامية، بشعورها القومي القوي وبعدم ثقتها بالقطاع الرأسمالي النامي في المجتمع. وفوق ذلك بعدائها لأيديولوجية الطبقة العاملة والشيوعية بصورة عامة. ويعزى عدم ثقتها بـ « الرأسمالية الوطنية» إلى ربط الاقتصاد الوطني بالاحتكارات الرأسمالية في الدول المتقدمة . كما أنها لا تشعر بالارتياح إزاء الأفكار الاشتراكية والشيوعية المتطرفة لأنها تبدو غريبة عنها ولأنها تميل نحو قطع علاقاتها بتاريخ الشعب وتقاليده .

وعلى الصعيد الفلسطيني يرتبط الموقف من هذه الطبقة بعدم قدرتها على لعب دور قيادي على رأس حركة المقاومة. وقد بدأ النقد يطاولها إثر هزيمة العرب في حرب العام 1967. إذ يشير التقرير السياسي للجبهة الشعبية ومن ثم للجبهة الديمقراطية أن الهزيمة لم تكن هزيمة عسكرية « بل كانت هزيمة لمجموع التكوين الطبقي والاقتصادي والعسكري لحركة التحرر الوطني الفلسطينية والعربية (الرسمية والشعبية) ». كما « أن الأنظمة الرجعية لم تكن هي المخاطبة بالهزيمة بل الأنظمة البرجوازية الصغيرة لأن الذي هزم هو هذا الأفق الأيديولوجي وبرنامج عمله الطبقي والاقتصادي والسياسي والعسكري»، وأن: « الطريق البرجوازي الصغير لا يقود إلى الانتصار، بل الطريق الفيتنامي، ورفضه يعني اختيار طريق التراجع» . وفي ضوء السؤال « الماوي» الشهير: من هم أصدقاؤنا ؟ ومن هم أعداؤنا ؟ تعتبر الجبهة الشعبية أن البرجوازية الصغيرة ليست مادة الثورة وليست ضمن معسكر الأعداء. ولكنها تتميز عن مثيلاتها في المجتمعات العربية بخاصيتين:
« الأولى تتمثل في خضوع حركة المقاومة الفلسطينية لقيادة البرجوازية الصغيرة. ولكن هذه القيادة لا تتمتع بحرية الحركة فيما يتعلق بالقضايا الكبيرة التي تقرر مصير الشعب الفلسطيني بسبب وجود قيادة أخرى تتمثل في المنظمات اليسارية الأخرى التي تلتزم بقيادة وأيديولوجيا الطبقة العاملة. أما النزاع بين هذين النمطين من القيادة والأيديولوجية فسيحسم لصالح الطبقة العاملة لأن المستقبل وحركة التاريخ معها.
والثانية تتصل في أن البرجوازية الصغيرة.. تبقى في هذه المرحلة متميزة بعدة مميزات أهمها أنها متحررة من أعباء السلطة.. وتناضل في سبيل إزالة آثار العدوان عن أراضيها.. وهذا يجعلها مؤهلة لأداء المهمة المنوطة بها خلافاً لمثيلاتها في المجتمعات العربية التي تريد المحافظة على مصالحها وبقائها في السلطة» .

ولكن كيف وصلت البرجوازية الصغيرة إلى تولي قيادة الثورة؟ تجيب «الاستراتيجية» على السؤال فتقول: « إن وجودها … سببه أن هذه الطبقة في مراحل التحرر الوطني هي من طبقات الثورة. هذا أولاً. وهي ضخمة العدد نسبياً، ثانياً. وهي تتمتع بحكم أوضاعها الطبقية بالعلم والمقدرة، ثالثاً. وبالتالي ففي ظل عدم تبلور أوضاع الطبقة العاملة وعيا وتنظيما فإنه من الطبيعي أن تكون البرجوازية الصغيرة على رأس تحالف الطبقات المعادية لإسرائيل والإمبريالية والرجعية العربية» . وفي البلدان النامية فإن: « البرجوازية الصغيرة ما زالت مثقلة بكل بقايا الماضي من المجتمع الإقطاعي والسيطرة الاستعمارية، إنها برجوازية صغيرة أوقف نموها الطبيعي أو على الأصح جرى تشويهها، فهي تتشكل من فئات عديدة غير متجانسة إلى أبعد حد، لا يحركها السعي وراء الربح بقدر ما تدفعها اعتبارات سابقة على الرأسمالية. وفي مقدمتها ضمان العيش» .

هكذا فإن مجتمع الثورة عند التيار اليساري يتكون من الطبقة العاملة التي تشتمل على العمال وفقراء الفلاحين وهؤلاء يطلق عليهم في بعض الأحايين اسم « الكادحين» أو « المعدمين» أو « سائر الفقراء» أو « البروليتاريا العمالية والفلاحية» يضاف إليهم الجنود واللاجئون المعدمون حتى لو كانوا من البرجوازية الصغيرة المعدمة والتي تقيم في المخيمات خلافاً للبقية التي لم تتخذ من المخيمات مقراً لإقامتها، ويستثنى من الطبقة العاملة متوسطي الفلاحين أو العمال الذين ينظر إليهم كـ « برجوازية صغيرة» ينبغي مراقبتها بشدة. كما أن مجتمع الثورة يشتمل على شريحة طبقية هي المثقفين الثوريين التي يظل معيار « الثورة » الملاصق لها خاضعا لاعتبارات ذاتية بما أنها تتوزع على مجمل التشكيل الطبقي.

إلى هنا علينا أن نتساءل إذا كانت الغالبية الساحقة من قيادات المنظمات الفلسطينية تنتمي إلى الطبقات البرجوازية الصغيرة فهل يمكن أن تنجح في تأهيل الطبقة العاملة؟ ربما يكون الجواب بالإيجاب إذا ما تبنت البرجوازية الصغيرة أيديولوجياً الطبقة العاملة. ولكن هل يمكن أن تخلع البرجوازية الصغيرة جلدها؟ وتتنازل عن امتيازاتها كطبقة قائدة؟ وعلى أية أسس جرى توصيف بعض شرائح البرجوازية الصغيرة بـ « المعدمة»؟ وإذا كانت برجوازية؛ فكيف يمكن أن تكون معدمة!؟

ثالثا: مجتمع الثورة عند التيار المستقل وإشكالية التحرر الاجتماعي

كان على حركة « فتح» بوصفها التنظيم القائد لحركة المقاومة الفلسطينية والمتربعة على رأس التيار المستقل أن تجيب على التحدي الأيديولوجي الذي يطرحه التياران اليساريان الماركسي – اللينيني والقومي- البعثي. ولأن « فتح» لا تحتكم في فعالياتها السياسية والتنظيمية إلى أيديولوجيا معينة فقد جاءت ردودها على الأطروحات الأيديولوجية الأخرى في صيغة تصريحات عبّر عنها قادة في الحركة أو إصدارات لمثقفين تولوا مهمة الدفاع عنها سياسياً وأيديولوجياً، ونخص بالذكر من هؤلاء صلاح خلف، خالد الحسن، كمال عدوان، ناجي علوش ومنير شفيق وغيرهم. وكان عليهم أن يجيبوا على إشكاليتين أساسيتين، الأولى تتصل بالتصنيف الطبقي المعياري الذي عبر عنه اليسار الماركسي اللينيني. ومن الواضح أن « فتح» تتفق والجبهتين « الشعبية » و« الديمقراطية » بأن المرحلة هي مرحلة تحرير وطني تلتزم بإقصاء الثورة الاجتماعية عن فعالياتها. ولكن هل تقبل منهج الفرز الطبقي طبقاً للإطار النظري الذي احتواه؟ والثانية تتصل، علاوة على الفرز الطبقي ذي المحتوى الماركسي، بإشكالية تلازم مرحلتي التحرير الوطني والتحرر الاجتماعي التي عبرت عنها منظمتي التيار القومي – البعثي خاصة جبهة التحرير العربية.

1. المقاربة الأولى: الفرز الطبقي

إذا كان ترك الحزبية أحد أسباب نشأة « فتح» فمن الطبيعي أن تتجاهل الحركة كل أيديولوجيا أيا كان مصدرها لاسيما الأيديولوجيا الماركسية اللينينية كونها تؤدي إلى تقسيم الفلسطينيين وتشتيت جهودهم في وقت تدعو فيه إلى توحيد الشعب الفلسطيني وتوظيف طاقاته من أجل إنجاز مهمة التحرير الوطني. كما أنه من الصعب على حركة وطنية ولدت من رحم جماعة « الإخوان المسلمين» ولا زال الكثير من قادتها على علاقة بالجماعة أن تتبنى أيديولوجية تدير ظهرها للدين والعادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة، هذا من حيث المبدأ والواقع بشكل عام. وبالرغم من عدم توفر أية أطروحة أيديولوجية عن مجتمع الثورة عند حركة « فتح» إلا أنه ليس من الصعوبة تحديده في ضوء التكون التاريخي السياسي والأيديولوجي حيث لم يثبت ممارسة الحركة لأي جهد عملي ينطوي، ضمنا، على تحقيق تمايز طبقي أو يؤدي إليه. وحتى لو كانت التركيبة الاجتماعية للحركة ذات طابع طبقي في مستوى الأعضاء يستجيب للماركسية اللينينية فإن هذا لن يكون مدخلاً لتبنيها. فقد تأسست « فتح» لتكون « إطارا فيه متسع لكل الفلسطينيين». وظلت كذلك حتى أن التركيب الاجتماعي للمؤسسين كان يتشكل غالباً من البرجوازية الصغيرة التقليدية والناشئة وحتى من البرجوازية الكبيرة. أما الأعضاء فقد غلب عليهم طابع المثقفين من الطلبة الجامعيين وطلبة المدارس الثانوية. وتبرر « فتح» هذا الواقع الذي ساد قبل حربي العامين 1967 و 1968 بشعار « التحرير الوطني» بوصفه « شعار عريض يقبل تحت لوائه كل القوى والفئات والطبقات الوطنية المؤمنة بالتحرير الوطني». و « بعد ذلك لا يستطيع المرء واقعياً أن ينكر حقيقة واضحة وهي أن الطبقات والفئات الغالبة في الكفاح المسلح اليوم هي الطبقة العاملة والفلاحون والمثقفون الثوريون دونما تمييز» . إن عبارة « دونما تمييز» تقطع باليقين كل شك. إذ لا تمييز بين طبقة وأخرى ولا تفاضل بين الطبقات لجهة اعتبار هذه الطبقة تشكل مادة الثورة وتلك حليفتها وأخرى معادية لها. كما أنه لا وجود لحظر من أي نوع كان. وكان لهذه المواقف أثرها على بنية التنظيم الوطنية والقومية لما فتحت « فتح» أبواب العضوية فيها على مصاريعها أمام الفلسطيني والعربي بغض النظر عن المكانة الاجتماعية أو الديانة أو الطائفة أو العقيدة السياسية . وفقط اعتبرت: « الإيمان بالتحرير الوطني والكفاح المسلح وعدم الالتزام بالحزبية» هو معيار الثورية وليس الانتماء الطبقي أو الأيديولوجي. وعلى هذه الأسس من المواقف والمعايير كان لـ « فتح» عبر قادتها وكتابها انتقادات قوية للأطروحات الماركسية إزاء مسألة الفرز الطبقي وإسقاط الأحكام النظرية المسبقة على التشكيلات الاجتماعية والطبقية التقليدية منها والحديثة. ولعل فاروق القدومي كان أول من بادر بالتصدي لأطروحة طبقية الثورة. ففي ندوة جماهيرية انعقدت بتاريخ 12/7/1969 لخص « القدومي» رؤية « فتح» مشيراً إلى أن: « .. من يقول ويدعي أن طبقة الفلاحين والعمال هما الطبقات التي تعتمد عليهما الثورة الفلسطينية، وهذا في الحقيقة ينافي الواقع لأن الطبقة الجديدة التي لم يفطن لها كثير من المفكرين هي طبقة النازحين،…التي تعتمد عليها الثورة …، فالجميع قد خرج من بيئته، ومعنى ذلك أن هناك طبقة من النازحين وليس من العمال ومن الفلاحين. فإذا قيل إن الثورة … التي تمثلها « فتح» برجوازية فلا بد، مقابل لها، أن توجد طبقة رؤوس أموال وعمال... فلا يجوز أن نقول مثلاً أن هناك برجوازية دون أن يكون هناك عمال، فأين هي هذه الطبقة؟ لأن الجميع قد خرج وأصبح نازحاً ففتح تمثل فئات النازحين» . وبعد فترة وجيزة حاول صلاح خلف أن يدعم هذا الموقف فأشار إلى وجود: « طبقات الآن أو فئات من الطبقات لم تكن معروفة أيام كارل ماركس. هل بحث ماركس طبقة اسمها طبقة النازحين التي ظهرت في الشعب الفلسطيني. النازح كان عامل يشتغل في وطنه لكنه لا يشتغل عاملاً. فيه نازح فلاح الآن لا يعمل بالفلاحة. كيف نقيِّم هذا أو ذاك.. في الواقع طبقة النازحين تفرض نفسها علينا ولا ينفع في تحديدها القواعد التقليدية حتى ولو كانت ثورية في ظروفها ومنبتها. وهذا هو ما نتصدى له دون عقد أو خشية» . وتولى منير شفيق، من بعد ذلك، نقد الأطروحات الماركسية حول البرجوازية الصغيرة وعقليتها وقيادتهامشيراً أنه: « لا يصح أن يستند الحديث عنها، فقط، إلى مقولات ماركس ولينين و ماو تسي تونغ لأنها وصلت إلى الحكم في بعض البلدان العربية ولم توجد في ظروف وجود طبقة بروليتارية صناعية كما حدث في أوروبا أو في وجود ثورة بقيادة حزب بروليتاري كما في الصين وفيتنام فضلاً عن أنها وجدت في بلادنا ضمن ظروف التجزئة ووجود الكيان الصهيوني والاستعمار الجديد وهذا يقتضي ضرورة دراسة سمات خاصة لها» . وعلى هذا الأساس يرفض « شفيق» المنهج الذي شاع بعد حرب 1967 والذي يفسر كل الظواهر بإرجاعها إلى البرجوازية الصغيرة بدء من ثورة الضباط الأحرار في مصر (1952) وحتى خروج المقاومة من الساحة الأردنية متهماً إياه بتعطيل المنهج العلمي في تحليل الظواهر التي تمر بها الثورة الفلسطينية ومؤكداً أن النهج الشائع يمكن أن ينسب لأي شيء إلا الماركسية اللينينية .

وفي مؤلفه الذي خصصه للرد على أطروحات صادق العظم التي اعتبرها نموذجاً للهجمة اليسارية على البرجوازية الصغيرة دون التمييز بين شرائحها عرض منير شفيق سلسة من الأفكار حول هذه الطبقة ملاحظاً أنها:
« ليست طبقة متجانسة ذات علاقة واحدة بأدوات الإنتاج. وإنما هي مؤلفة من فئات عديدة مختلفة في مواقعها الإنتاجية والاجتماعية والسياسية. وهي ليست واحدة في كل الظروف والأوضاع. ولهذا فإن ما تفرزه .. من قيادات وأحزاب وأفكار وسياسات وممارسات ليست شيئا من نمط واحد، بل إن كثيرا ما تكون … شديدة التنوع والتمايز إلى حد المفارقات العجيبة والتناقضات الحادة. فثمة ممثلون سياسيون للبرجوازية الصغيرة شكلوا أحزاباً دينية، وآخرون أحزابا قومية وغيرهم أحزاباً إقليمية وسواهم " حركات ماركسية " وسار بعضهم على طريق مهادنة الأوضاع القائمة وتجنب الصدام بها، في حين سار آخرون على طريق الإرهاب، وغيرهم على طريق الإصلاحية الاقتصادية، والبعض الآخر سار على طر يق الكفاح الوطني المسلح الخ الخ فهل نضع كل هذه في سلة واحدة ما دامت برجوازية صغيرة » أو لأن أفرادها من "طينة» تنسب إلى البرجوازية الصغيرة .

أما بالنسبة لقادة الحركة الوطنية إبان الانتداب البريطاني والتي تشكلت من عائلات متنافسة على رأسها الحسينيين والنشاشيبيين فإن صلاح خلف يتحدث عن أخطاء ارتكبت في النضال ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية وليس عن تجربة أو تخوين كما يتحدث « اليسار». ويرى أنه: « ليس من العدل إصدار حكم إجمالي سلبي على عمل من سبقونا، فهم أولا لم يكونوا يشكلون كتلة متراصة. كان بينهم أناس متحدرون من أوساط شعبية وكان بينهم الوطنيون كما كان بينهم الخونة، وكان بينهم صائبو النظر... ومن يخطئون أحيانا، وكيف يمكن ألا يؤخذ بعين الاعتبار سياق حقبتهم والذهنية السائدة فيها والصعوبات الموضوعية الحاسمة أحيانا دونما تجربة ضرورية يمتلكونها .. ثم أن كثيرا منهم ارتضوا القيام بتضحيات باهظة، دافعين في كثير من الأحيان حياتهم ثمنا لفشلهم... فكان كشف الأخطاء وتحليلها تلافيا لارتكابها مجددا هو إحدى المهمات التي اضطلعنا بها» .

ومنذ أن بادرت « فتح» بإطلاق الكفاح المسلح وهي تتعرض لاتهامات شتى ابتدأت بالتوريط والإقليمية. وبعد حرب العام 1967 ثم انفجار التيارات الماركسية تغيرت لغة الاتهام إلى « اليمينية والرجعية واللاتقدمية». واتجهت المنظمات اليسارية ومنظريها، في سعي حثيث، لجر « فتح» نحو الماركسية - اللينينية بيد أنها فشلت في مسعاها، ربما، بسبب تسلح الحركة بتاريخها السياسي وتكوينها الاجتماعي والأيديولوجي المتلائم إلى حد ما مع الواقع الاجتماعي ذاته أو مع المناخ السياسي الشعبي. لهذا صعّدت التيارات اليسارية حملاتها المكثفة ضد البرجوازية الصغيرة التي تتمتع بقيادة « فتح» وحركة المقاومة متهمة إياها بأنها سقطت ولا يحق لها أن تكافح. ولما لم تعد « فتح» تحتمل هذه الأطروحات فقد جاء الرد الأول على قضية التصنيفات الطبقية والأيديولوجية منسوبا لـخالد الحسن الذي لم يتوانى عن القول: « … إننا نعلنها بصراحة أن تفرقة الشعب ومحاولة إظهار أن هذه الفئة يسارية و.. هذه .. يمينية وهذه .. ضالة وتلك .. كافرة وأخرى .. مؤمنة .. إننا نعلن أن هذه التقسيمات مرفوضةً أساساً» . بيد أن الرفض لم يعد يكفي ولا بد من وضع الأمور في نصابها. وفي هذا السياق كان رد آخر من « فتح» على لسان صلاح خلف يتأهب لحسم الموقف إزاء المسألة الطبقية عموماً والقيادة خصوصاً فقال: « من حق كل فلسطيني أن يساهم أياً كان وضعه في المعركة. لكن قيادة العمل الفلسطيني يجب أن تكون في أيدي وطنية نظيفة، لا يمكن أن تبيع أو تساوم أو تحول هذا العمل لمصلحة أي قوى رجعية … أما أن تقصر العمل على طبقة معينة فهذا ليس من حق أحد فضلاً عن أنه يضعف حركة التحرير … » .

2. المقاربة الثانية: التحرر الاجتماعي

على الجانب الآخر من هذا الصراع المحتدم بين « فتح» والمنظمات اليسارية كانت الأولى تخوض صراعاً موازيا مع المنظمات القومية - البعثية لا يقل ضراوةً وخطورةً عن الصراع الأول لاسيما أن « فتح» كانت مطالبة بخوض الصراع لا مع جبهة التحرير العربية ومنظمة الصاعقة بل مع أيديولوجية حزب البعث بفرعيه المتصارعين في العراق وسوريا فضلاً عن بعض الأجنحة اليسارية المستقلة أو المندمجة في المنظمات الماركسية .

بدايةً لا بد من الإشارةِ إلى أن صراع « فتح» مع المنظمات القومية هو صراع مع حزب البعث بوصفها أجنحةً مسلحةً له لا تعتنق أية أيديولوجية مستقلة عنه. كما أنه لا بد من التنويه أن المشكلة تشتمل على قضيتي التحرير الوطني والتحرر الاجتماعي لأن المنظمات البعثية تبنت المفاهيم اليسارية وشاركت اليسار الماركسي في الهجمة على أطروحات التيار المستقل فيما يتصل بـ « طبقية الثورة» انطلاقاً، لا من التحالف الآني الذي قد تفرضه بعض الظروف السياسية أو المصالح، بل من تحولات جذرية طرأت على أيديولوجية « البعث » منذ انعقاد المؤتمر القومي السادس سنة 1963 وأظهر الحزب في خضمه تخليه عن عدائه التقليدي للشيوعية المحلية وميله نحو الإقرار بفائدة التراث الثقافي العالمي للفكر الاشتراكي مما اضطره إلى إعادة النظر في مفاهيمه المركزية خاصة ما يتصل بشعاره الشهير « الاشتراكية العربية» . بطبيعة الحال لن نكرر مواقف اليسار القومي تجاه المسألة الطبقية التي جرى بحثها آنفاً، وسنهتم بمسألة التحرر الاجتماعي، القضية التي تقع في صميم النشأة التاريخية لحزب البعث، والتي تذكِّر إثارتها الآن، بالصراع العدائي التاريخي الذي استحكم طويلاً بين الحزب وحركة القوميين العرب والذي انتقل الآن إلى صراع مع « فتح». وقبل أن نعرض لوجهة نظر الطرفين علينا أن نثبت بإيجاز شديد، أهداف الصيغة الجديدة لـ « الاشتراكية».

« تهدف الاشتراكية، في صيغتها الجديدة، إلى إقامة نظام اجتماعي جديد تتحقق فيه الشروط الموضوعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتي تحرر الفرد من كافة أشكال الاستغلال والقهر والجمود وتتيح له أن يصبح إنساناً كامل الحرية.. ويستأصل الاستغلال المادي ويعمق المحتوى الديمقراطي للاشتراكية ويمنح المواطنين تعليماً علمياً واشتراكيا يحرره من نير التقاليد والعادات الاجتماعية…الموروثة».

لكن كيف يمكن خلق الإنسان/الفرد الجديد الحر من كل القيود المادية والثقافية القديمة؟ من الواضح أن الجواب يكمن في الآلية الاقتصادية حيث تتطلب عملية التحويل الاشتراكية: « إقامة الملكية العامة لوسائل الإنتاج وإلغاء الحاجة، إلغاءً تاماً، إلى الوسيط الرأسمالي وجعل دخل الفرد معتمداً على عمله وقدراته وصهر شتى الطبقات الاجتماعية في طبقة واحدة وأخيراً إلغاء الاقتصاد القائم على الربح وأن يستبدل به الاقتصاد القائم على الحاجة» . فهل تطابقت أطروحات جبهة التحرير العربية مع أهداف حزب البعث؟ وما هي قيمة المطابقة؟

بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الساحة الأردنية ودخولها في أزمة عامة لجأت جبهة التحرير العربية كغيرها من المنظمات الفلسطينية إلى إعادة تقييم لتجربة المقاومة وتشخيص لأزماتها تمهيداً لتقديم الحلول فتوصلت إلى الكشف عن أزمتين إحداهما موضوعية تتعلق في استراتيجيات عمل المقاومة والأخرى ذاتية تتصل بالمؤسسة القيادية. والسؤال الآن ليس في محتوى التشخيص بل فيما يتمخض عنه من مس في منطلقات الثورة. ولنبدأ في عرض وجهة نظر الجبهة.

الأزمة الموضوعية

تفسر الجبهة انطلاقة الكفاح المسلح (1965) بأنها حركة تحرر ورد فعل صحيحين ينمان عن إدراك نواة المقاومة لأزمة حركة التحرر العربية برمزيها عبد الناصر وحزب البعث اللذين لم يدركا أهمية النضال اليومي المسلح ضد إسرائيل ودوره في تحقيق أهدافه الشاملة. لذا فإن الجبهة تبدو وكأنها لا تدعو إلى تبني أي من الأطروحات القومية السابقة بل حث نواة المقاومة على عدم التنكر لإيجابيات حركة التحرر العربية في ربع القرن الأخير التي « فقدت الكثير من إمكانياتها في تطوير الحركة إلى ثورة شاملة قادرة على فهم استراتيجية التحرير وتعبئة القوى الكفيلة بإنجاز مهام التحرير». ولكن الجبهة لم تخف الترويج لأطروحات حزب البعث حول مجتمع الثورة الطبقي و (أو) النضال الاجتماعي بوضعهما في إطار « العامل الموضوعي الأساس»، بل تفسير التنكر لهذا « العامل» بـ « البنى التكوينية وببعض الأشخاص وببعض الخلفيات بحيث أن هذه الشرارة (نواة المقاومة) إنما أغفلت ضرورة استيعاب تكامل وتفاعل الصراع القومي مع الصراع الاجتماعي من أجل تحرير الإنسان الذي سيتولى مهمة تحرير الأرض» . وهنا المدخل إلى الأزمة الثانية.

الأزمة الذاتية

هذه الأزمة تتصل اتصالاً مباشراً بطبيعة القيادة. طبيعة تجاربها الشخصية، طبيعة خلفيتها العقدية والطبقية. ودون التقليل من تاريخية نضالاتها، فقد أثبت الواقع أنها لا تستطيع أن تقود المعركة انطلاقاً من الخطأ الأساسي المتمثل في فهمها لطبيعة الصراع ومعادلة التحرير، و انطلاقاً من أن تجاربها الشخصية ولَّدت لديها « حوَلاً » هاما بحيث لم تستطع أن تستوعب معنى النضال الجماهيري العربي ضد الأوضاع الفاسدة القائمة في الوطن العربي والترابط المكين بين هذا النضال ومهمة تحرير فلسطين. باختصار، لأن قيادة معركة تحرير فلسطين ليست بالأمر اليسير ولا من طبيعة البشر العاديين بل هي مهمة تليق بالقيادات التاريخية للشعوب، فإن هذه القيادة ليست تاريخية .

إن أهمية هذه الأطروحات ليست في مطابقتها، فقط، لفكر « البعث » إنما في كون جبهة التحرير العربية، ومن خلال الدكتور عبد الوهاب الكيالي، كانت في مقدمة المطالبين بـ « مراجعة شاملة وجذرية لا للأخطاء الثانوية ولا للممارسة العابرة بل لطبيعة منطلقات هذه المقاومة وفهمها لقواها وعمقها ومداها». وفي هذا السياق فقط يمكن فهم « " الأسئلة الأساسية" التي طرحتها الجبهة: "كيف يكون التحرير؟ بواسطة من يكون التحرير؟ ومتى يكون التحرير؟» . فأين تقف « فتح» من هذه الدعوات « الخطيرة» التي « أخذت تعم ساحات النضال الفلسطيني في ظل الظروف الصعبة .. التي تحيط بالثورة الفلسطينية والثورة العربية وتنطوي على الهروب من مواجهة صعوبات الكفاح المسلح تحت شعارات تتراوح بين التخلي عن طريق الثورة لصالح النضال السياسي أو مراعاة الوضع الدولي والإقليمي أو نحو التوجه إلى خوض الصراعات الطبقية الإقليمية؟» .

كان على حركة « فتح» أن تسارع إلى حسم المسألة الاجتماعية التي بدت أشد خطورة من المسألة الطبقية لاسيما وأن « فتح» أطلقت شرارة الكفاح المسلح رداً على عجز حركة التحرر العربية التي ركزت فعالياتها طوال عقدين على النضال السياسي التقليدي والنضال الاجتماعي – الإصلاحي. من هنا يستدعي منير شفيق ،على عجل، « المنطلقات الاستراتيجية» للحركة للتأكيد مجدداً على « جوهر صحتها» من حيث أنها تشدد على أن:

1. « الوجود الصهيوني سبب كل مشاكلنا في المنطقة العربية وتحطيم كل تطلعاتنا.. وهو جذر أمراضنا وليس نتاجاً من نتائجها، لذا فإن إشعال المعركة(الكفاح المسلح) ميزان لا يخطئ أبداً في التمييز بين الخائن العميل من الوطني المخلص. وعلى القوى الثورية العربية "أن تدرك بوضوح أن نقطة الاحتكاك مع الاستعمار والعملاء والصهيونية في الأرض المحتلة … ولا بد أن تقتنع بهذه النظرية».
2. الوجود الصهيوني يشكل خطراً سرطانياً في جسم الأمة العربية.. وأن مرور الزمن دون فتح المعركة المباشرة ضده هو في مصلحته لجهة محو القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مشكلة لاجئين وتركيز للقوى البشرية عبر الهجرات الجماعية الغربية الزاحفة من وراء البحار أو التفوق العسكري القادر على نقل المعركة إلى الأرض العربية خارج حدود الأرض المحتلة أو السباق المجنون من التسلح (بما فيه سعي إسرائيل لامتلاك الأسلحة الذرية) الذي يُفرض على المنطقة» .
على قاعدة « المنطلقات الاستراتيجية» إذن و خشية المساس بها و« حرف» الثورة عن مسارها استنفر حشد من قادة « فتح» للرد على المسألة الاجتماعية وتوضيح موقف الحركة منها و كيفية التعامل معها، فجاء في وثائق الحركة: « إن صراعنا الدامي مع الاحتلال الصهيوني في الواقع صراع وجود لا صراع على مبدأ اجتماعي معين، هو صراع بقاء أو فناء، هو صراع أن نكون أو لا نكون، وفي مثل هذا الصراع تختفي المعارك الاجتماعية ويلتحم الشعب كله في جبهة ثورية عريضة لاجتثاث كل الوجود الصهيوني عن ترابنا الطاهر "لهذا" فإن مشكلتنا الأساسية هي مشكلة تحرير أرضنا وليست تحرير الإنسان، لأن التحرير الحقيقي لهذا الإنسان الفلسطيني هو تحريره من مذلة التشرد والضياع .. وبذلك يصبح الشعار الاجتماعي بالنسبة لنا، في هذه المرحلة، شعارا وهميا لا يلهب الجماهير ولا يحركها للعمل الثوري المسلح». وإن هذا الفهم لدى « فتح» يجعل من « الوعي الثوري» هو « المضمون الاجتماعي الوحيد» على الصعيدين الفلسطيني والعربي .

ومن المؤكد أن هذا التفسير الذي يستبعد أية إشارة للمسألة الاجتماعية، ولا يتسامح بتاتاً معها أدى إلى تصاعد المشكلة لا حلها. وفي هذا السياق اضطرت « فتح» أن تكشف المزيد عن رؤاها، فانتفض خالد الحسن، من وضعية الشتات والتفكك الاجتماعي الفلسطيني ليؤكد: « … نحن نمر في مرحلة تحرر وطني دون أن يكون لنا مجتمع، فنحن نعيش في الوطن العربي… إن شعبا بهذا الوضع ليس له قضايا اجتماعية خاصة به (قضاياه الاجتماعية مندمجة مع قضايا الواقع العربي)، لايومية ولا مرحلية، قضاياه الاجتماعية تبدأ عندما يصبح احتمال النصر على الأبواب.. ولأن المجتمع الفلسطيني غير قائم فإن شعار المرحلة الحاضرة يجعل من الطبيعي أن تجمد التنظيمات الفلسطينية نشاطها المجتمعي، ولما كانت هذه التنظيمات(جبهات التحرير العربية والصاعقة والجبهة الشعبية) تمثل، على التوالي، أجنحة لحزب البعث في العراق وسوريا ولحركة القوميين العرب أصلاً فإن الخطأ الذي وقع هو عدم وضع حد بين النشاط العربي لهذه الأحزاب وبين مقتضيات النضال الفلسطيني في مرحلة التحرير الوطني» . فماذا تقترح « فتح» لتجاوز هذا الخطأ ؟

من الملاحظ أن « فتح» أخذت تدرك خطورة تصعيد المسألة مع هذه التنظيمات إذا ما دخلت في صراع مكشوف معها لاسيما أنها تمثل الأجنحة العسكرية الضاربة لحزب البعث الحاكم فضلاً عن أن سوريا تشكل « رئة» استراتيجية للثورة بحكم موقعها كإحدى دول الطوق القوية. وهذه المرة على صلاح خلف « رجل المهمات الصعبة» أن « يٌطيِّب الخواطر» ويخفف من حالة العداء. وعلى هذا الأساس استهل حديثه بالتذكير بأحد نصوص البرامج السياسية لحركة « فتح» الذي يقول: « أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني « فتح» هي جزء من حركة التحرر الوطني وجزء من حركة التحرر في العالم". وهذا النص يكفي لتوضيح العلاقة. فإذا كان لحركة التحرر العربية أهدافا وطنية" فأهدافها الاجتماعية بارزة بوضوح، ولا أرى وجود أي تناقض .. هناك تعارضا شكلياً » يعتبره « خلف » بأنه « تخصص يفيد المرحلة الحالية» . فما هي حدود « التخصص»؟ يجيب ثانية: « لا أعتقد أن فتح تعارض أن يكون الصراع داخل المنطقة العربية ومن خلال حركات التحرر العربي صراعاً طبقياً، أو صراعاً من أجل حل المشاكل الاجتماعية اليومية التي يواجهها. إنما كانت فتح ترى أنها مسؤولة مسؤولية تامة عن بلورة مرحلة التحرر الوطني في نفسية المواطن العربي …». باختصار؛ ولحل هذه القضية: « يمكن الأخذ بنظريتين: النضال العربي يأخذ الأشكال التي يريدها طبقياً أو النضال من أجل حل المشاكل الاجتماعية اليومية، وفي نفس الوقت يخدم هذا النضال في محصلته النضال الفلسطيني الذي يجب أن يستمر في رفع شعار مرحلة التحرر الوطني ولا يتخلى عنها … » .

- الفصل الثاني

نقد المجتمع المنشود

لا شك أن « حرب الشعب» كما تبوح بها الماركسية - اللينينية- الماوية، نظرية صحيحة نسبيا وبشروط، إذا ما تواجد الشعب فوق أرضه. وقد أثبتت فعاليتها على امتداد قارات العالم في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. ومبدئياً لم تكن شروط حرب الشعب متوفرة في حالة كفاح الشعب الفلسطيني المشرد كيما تسترشد منظماته بالماركسية ونظرياتها الثورية. فَلِمَ وقع الاقتداء بها إذن؟ هل هو توغل الفكر الماركسي في العالم الثالث والمشرق العربي والانبهار به على خلفية انتصار حركات التحرر العالمية والحرب الباردة بين القطبين ( أميركا والاتحاد السوفيتي) والتي تمخض عنها تبني الثاني لنضال الشعوب المستعمَرة و المستعبَدة؟ أم هو العلم بالماركسية والحاجة إليها لاسيما أن بعض المنظمات الفدائية كالجبهة الشعبية تزعم أن التحول نحو الماركسية ابتدأ قبل عام1967 ببعض « المطالعات في الماركسية لدى بعض قياديي وكوادر الحركة»؟ مهما كانت الأسباب فالتحول نحو الماركسية كان دراماتيكيا ولم يكن مقنعاً أبدا في مبرراته، ولم تكن ثمة حاجة إليه من الأصل. والملفت للانتباه أن «إشهار الالتزام بالماركسية» لا يبدو استرشادا بها كـ « دليل للعمل» بقدر ما هو إسقاط تعسفي لها على شتات المجتمع الفلسطيني المندثر والمهدد بالفناء التام فضلا عن أنها تقع خارج التاريخ والحضارة والعقيدة. أمِن اليسير مقاربة « مجتمع الثورة » بـ « المجتمع المفقود »؟

بالتأكيد ليست المقاربة سهلة لأنها ستكون مواجهة مع الماركسية ذاتها وليس مع اليسار فقط بما أن مجتمع الثورة المُصاغ يطابق ما ورد في الماركسية – اللينينية. والإشكالية هنا تتعلق في ضرورة ملاءمة مجتمع الثورة للواقع الفلسطيني لا للنظرية. أي البحث عن مادة الثورة في صلب المجتمع كما فعل « ماوتسي تونغ» وليس في النظرية كما فعل اليسار كي لا تكون النظرية في منأى عن التطبيق. فالصراع الطبقي، وإن كان محكوماً بالثنائية التقليدية بين المستغِلين والمستغَلين إلا أن الطبقية كانت تتسع وتتشعب باستمرار كلما تطورت وسائل الإنتاج. وهذه عملية تاريخية عابرة للزمان والمكان على حد سواء. فما أكتشفه « ماركس» من طبقات في المجتمع الفرنسي، مثلاً، كان مغايراً لما اكتشفه من طبقات في مناسبات سابقة أو لاحقة. وفي كل الحالات التي درسها وغيره من الماركسيين لم يبحث « ماركس» أو يتحدث عن طبقة تقع خارج مجتمعها أو بعيداً عن أنماط الإنتاج السائدة فيه. ومع ذلك فقد استعمل اليسار « الطبيقية » و « المجتمع الفلسطيني » كما لو أنهما واقع عياني لا جدال فيه، وكما لو أن شيء لم يحدث. فإذا كانت الطبقية هي وليدة مجتمع أولا، ونمط إنتاج ثانياً، فكيف يمكن تصور وجودها ومحاكمتها بلا وجود لهذا أو ذاك؟ زيادة على أن ما تبقى من جماعات اللاجئين في الشتات مهدد برمته بالزوال حاضراً ومستقبلاً؟ وكيف يٌفسَّر اقتداء اليسار بالماركسية الآسيوية (الصين وفيتنام) ويقدّم مجتمع الثورة التفاضلي طبقاً للنموذج الروسي وليس الآسيوي مثلا؟

يلاحظ أن اليسار لم يبحث عن خصوصية المجتمع الفلسطيني لأن تركيزه كان منصباً على « الكفاح المسلح ». لذا فهو استرشد بالماركسية اللينينية لتحديد مادة الثورة وبناء الحزب الثوري القائد دونما اهتمام بسمات الواقع الفلسطيني «الطبقي» إلا بما تحدده النظرية، في حين استرشد بالنموذج الآسيوي الذي يُعبأ فيه الفرد على « القتال». وعلى هذا الأساس صنف اليسار المجتمع الفلسطيني طبقياً مستعيناً بالأيديولوجية الماركسية ذاتها وليس بأي من المعايير العلمية كالدخل أو المهنة أو الثقافة أو المكانة الاجتماعية أو منظومة قيمية أو أية ظروف وأوضاع كائنة. لماذا فعل ذلك؟ لأنه لم يقدم أصلاً أية دراسة اجتماعية واحدة عن مجتمعه لا قبل النكبة ولا بعدها تشفع لتحليلاته. وثمة من يذهب أبعد من ذلك حين يشير أن «اليسار»: « لا يملك كتاباً واحداً عن تاريخ أمته وليس باستطاعته أن يقدم للمواطن العربي جذوره التاريخية ويوضح كيف ولماذا نشأ هذا اليسار وكيف سينمو.. » . إزاء هذه اللوحة الإجمالية لليسار هل ثمة فرصة محتملة لأية مقاربة بين مجتمع الثورة المزعوم والمجتمع المفقود؟ لنحاول.

بالنسبة للشرائح الميسورة والمتنفذة فقد اعتبرها اليسار البرجوازية الكبيرة بما أنها تشتمل على الإقطاعيين والرأسماليين والتجار والصيارفة والمتمولين … الخ وهي طبقة معادية للثورة أو مهيأة لذلك كونها تابعة ومصالحها مرتبطة بمصالح الرأسمال الأجنبي، لذا لا يمكن الوثوق بها ولا يحق لها تبوؤ مناصب قيادية خشية انحراف الثورة عن مسارها وتعريض مصالح الشعب للمساومات وربما للضياع. ولكن قيام إسرائيل قضى على طموحات هذه الشرائح وسبب لها خسارات فادحة وأدخلها في هوية اللجوء بعكس مثيلاتها في الدول العربية حيث جرى دعمها من قبل الاستعمار لضمان تبعية بلدها على الدوام للدولة المستعمرة بعد الاستقلال . وعُداة النكبة توسعت هذه الشرائح ونمت مجدداً ليس على خلفية نفوذها العائلي أو الديني فحسب بل أن بعضها أفرزته مخلفات النكبة وحتى ما بعد الكارثة وبالتالي فهي لا تتمتع بتجانس تاريخي ولا تعيش نمطاً إنتاجياً معيناً فضلاً عن أن قسماً منها امتاز بالجشع السياسي والاقتصادي وقسماً آخر وقع ضحية الاستغلال السياسي والضغط الاقتصادي وقسم أخير كانت نشأته عصامية فكيف يمكن اتخاذ موقف موحد منها؟ ومع ذلك فقد وقعت عليها مسؤولية كبرى بفضل أدائها السياسي والاقتصادي قبل النكبة وبعدها وأعطت للماركسية الحق التاريخي في انتقادها وتوجيه اللوم إليها. فماذا عن « البروليتاريا » و « البرجوازية الصغيرة»؟ وأية علاقة تربط بينهما؟

إذا استعملنا أدوات التحليل الماركسي فمن الصعب توقع وجود بروليتاريا ملحوظة في المجتمع الفلسطيني، بالمواصفات الماركسية، لا قبل النكبة ولا بعدها إلا انطلاقاً من عام1967 فصاعداً، لعدة أسباب وبشروط معينة:

1. لأن « البروليتاريا » المقصودة لم تتشكل بفضل الانتقال من نمط إنتاجي زراعي إلى نمط إنتاجي صناعي بل بسبب فقدانها لملكيتها الزراعية زمن الانتداب البريطاني. ولما كان القليل منها قد عمل بين فترة وأخرى في المصانع اليهودية جراء « عبرنة» العمل اليهودي الذي يحظر تشغيل غير اليهودي فقد ظلت جهود هذه الطبقة مبعثرة على العمل الزراعي المأجور أو الموسمي أو في قطاع الخدمات البائس وبعض الورش الصناعية العربية (المانيفاكتورة). وبالتالي فلم يكن لهذه الطبقة من مقابل. وهذا الأمر ظل قائماً حتى غداة النكبة وفي خضمها.

2. إن هذه « البروليتاريا » اشتهرت تاريخياً باسم « المعدمين – Landless» وهم الفلاحون الذين خسروا ملكياتهم من الأراضي الزراعية وأصبحوا بلا أرض يقتاتون منها بعد أن انتقلت ملكيتها لليهود إبان الانتداب البريطاني، وشكلوا ما يزيد على ثلث الفلاحين وليس 29.4 % فقط كما أشيع. وهذا أحد الفوارق الحاسمة بينها وبين البروليتاريا الماركسية المحتوى. فهي ذات أصول فلاحية عريقة وليست منبتة الجذور من شرائح أو طبقات متعددة نجمـت عن تطور وسائل الإنتاج .

3. إن شرائح المجتمع الريفي كافة بالإضافة إلى الشرائح الفقيرة في المدن وشريحة المعدمين أُلقي بها إبان النكبة خارج مجتمعها وليس خارج نمط إنتاج تقليدي وداخل المجتمع. وعليه فقد تساوت جميع تشكيلات المجتمع الفلسطيني في التراتبية الاقتصادية بخسارتها ممتلكاتها والتراتبية الاجتماعية بخسارتها مكانتها الاجتماعية. واكتسبت هي وغيرها هوية اللجوء الذي أصبح يعني وجو سوسيولوجيا جديدة وبسيكولوجيا جديدة لهؤلاء الناس المستلبون مادياً ونفسياً وأخلاقياً وإنسانياً … الخ وإلا من يستطيع أن يصنف المخيم كفضاء مديني أو ريفي أو غير ذلك؟ ومن يستطيع تحرير الفلسطيني المشرد من صفة « اللاجئ » الإنسان الدوني سياسياً واجتماعياً؟ هل هي مكانته الاقتصادية؟

4. لقد اختزل اليسار هؤلاء جميعاً باسم البروليتاريا وفقراء الفلاحين والبرجوازية الصغيرة المعدمة من اللاجئين الذين « يملؤون اليوم المخيمات». وفي الواقع فإن سكان المخيمات لا يشكلون سوى ثلث اللاجئين. أما حشود الفقراء والتائهين وسكان الكهوف والخرائب وأولئك الذين لم يجدوا لهم مأوى حتى في المخيمات التي كانت أفضل من غيرها في بعض الأحايين فلم يأت أي ذكر عليهم. فمن هي البروليتاريا (الطبقة العاملة) التي بحث عنها اليسار؟ هل هي التي تحولت إلى البرجوازية الصغيرة؟

رغم الاندثار فإن المجتمع الفلسطيني المسحوق بلاجئيه ومواطنيه كان بحاجة ماسة للحراك الاجتماعي والاقتصادي. وكانت معجزة بحق أن تباشر العائلات الفلسطينية هذا الحراك بصبر عميق تمسكاً بالحياة وحق البقاء، وهو سلوك تمارسه كل الكائنات الحية في أحلك الظروف. وكنا قد تحدثنا عن تحول « التعليم» إلى الدينامية الاجتماعية الأساسية بعد النكبة وكيف لجأت العائلات التي فقدت كل شيء إلا رأسمالها الرمزي في التوجه نحو الاستثمار فيه. وهذا التوجه لا يقتصر فقط على العائلات الفلاحية المتوسطة المسماة برجوازية صغيرة بل يشمل كل العائلات الفقيرة التي احتفظت ببعض المدخرات ونجحت باستغلالها وليس إنفاقها كما اضظر الكثير أن يفعل، وكذلك المعدمون ممن تمتعوا بنضج ثقافي أو اجتماعي في التغلب على مصاعب الحياة وأولئك الذين استفادوا من تعويضات الخدمة في الإدارة البريطانية أو حصلوا على منح دراسية واقتصادية من « الأنروا» وكذلك الذين غامروا في الصحاري مشياً على الأقدام ليهلك منهم من يهلك ويفلح من يفلح أملا في الفوز بفرصة عمل في دول الخليج العربي ومن ثم تأمين فرص عمل لأقاربهم وذويهم.

كل هؤلاء عانوا شظف العيش ولم يكونوا مسؤولين عن أوضاعهم الشخصية بل عن عائلات وأسر بكاملها وهم بروليتاريا مكافحة سواء كانوا طلبة أو موظفين أو عمال مهاجرين. وقد تحملوا العبء الأكبر في الحفاظ على تماسك العائلة والجماعة اللاجئة. ولما يبتدئ مجتمع اللاجئين مثل هذا الحراك غداة النكبة فالمرجح أن طبقة ما أو طبقات عدة مرشحة للظهور. ونستطيع القول أن البرجوازية الصغيرة إن كانت قد ظهرت ابتداء من الأربعينات فقد عادت وانطفأت إبان النكبة ثم نمت وتوسعت في رحمها وفي ظروف تختلف جذرياً عن المحتوى الماركسي. فهي لم تنم على وقع تنمية رأسمالها بل على وقع الحاجة إلى البقاء. فهل هي ذات الطبقة (البرجوازية الصغيرة) التي طالب اليسار بإسقاطها؟ وكرس جهده للنضال ضد قيادتها؟

إنه لمن الطرائف العجيبة أن تبرر الجبهة الشعبية هيمنة البرجوازية الصغيرة هذه على قيادة الثورة في كونها « ذات تاريخ نضالي عريق» والأهم من ذلك أنها « ضخمة العدد نسبياً». أما كيف اكتسبت هذا التوصيف فلا الجبهة ولا اليسار قدم تفسيراً واحداً. وبدلاً من النظر إليها، بسماتها التاريخية التي أوجدتها وجعلتها من وصمة البرجوازية الصغيرة، على أنها بروليتاريا ازدهرت بفضل كفاحها وقوة إرادتها وتصميمها على الخروج من المعاناة والاضطهاد السياسي القومي، لاسيما وأن القسم الأعظم منها خرج من أعماق اللجوء، راح اليسار بعين ماركسيته يوجه لها الإدانة ويكرس جهده لإخراجها من قيادة الثورة بينما هي المادة الأولى في الثورة والعمود الفقري لمجتمعها. وبنفس الوقت اعتبر اليسار الطبقة العاملة قليلة العدد، ربما لأن البرجوازية ضخمة نسبياً! وفوق ذلك فهي عاجزة، غير مؤهلة، ومع ذلك تبقى القيادة من حقها. أما قلة العدد فيمكن تعويضه « بالوعي والتنظيم والقتال الحقيقي حتى تشق طريقها إلى القيادة شقاً بالدماء والتضحية». ولعله لم يتبق أمام اليسار إلا تطويع المسألة الطبقية للأيديولوجيا الماركسية. وإذا لم يجد الطبقات التي تكوِّن مادة الثورة أو لم ينجح في توليدها فما عليه إلا الانتظار كما انتظر من قبله « تروتسكي».لا شك أن هشاشة الطرح لدى اليسار الماركسي أدخلته في أزمة بنيوية مستعصية مكنت حركة « فتح» من ضرب حصار خانق عليه لاسيما وأن الفرصة لم تتح، فعلا، لا لـ « ماركس» ولا لغيره من الباحثين أياً كانت أيديولوجياتهم لاكتشاف طبقات فريدة في أوضاع فريدة لم يسبق أن حدثت تاريخياً في حينه كظروف مجتمع اقتلع سكانه وشُردوا وفُككت كل روابط وجوده إلى حد الجرأة على إنكاره وملاحقته من قوى سياسية واجتماعية كما لو أنه شيء خارجا عن الطبيعة الاجتماعية والإنسانية أو، كما قال أحدهم « خارج الزمن». وبعكس اليسار القومي ذو التاريخ السياسي والأيديولوجي المتصل كانت المسألة الاجتماعية أخطر القضايا التي كانت أساليب العنف أحد منتجاتها في أكثر من مناسبة. ومهما يكن الأمر، لماذا رفضت « فتح» كل الأيديولوجيات ودافعت بشراسة عن « الكفاح المسلح » وحق « الجميع» في النضال ابتداء من البروليتاريا وانتهاء بالبرجوازية الكبرى؟

إن ظهور « فتح» على أنقاض جماعة « الإخوان المسلمين» لم يكن يعن البتة خروجا على الإسلام عقيدة أو أيديويوجيا إنما اختلافا على منهج الصراع ضد إسرائيل بين أجنحة تفضل انتظار الوقت الملائم وأخرى متعجلة لبدء القتال. لذا ركزت « فتح» على « الكفاح المسلح » باعتباره « الوسيلة الحتمية الوحيدة لتحرير فلسطين». فهل نجحت الحركة؟ أم أخفقت؟ وبم نفسر عداءها للأيديولوجيات؟ لنبق بعيدا عن الأحكام، وبإيجاز، ولندع خالد حسن، في مقابلة معه سنة 1982 بعد ثمانية عشر عاما على الانطلاقة « يعترف» أنه: « بين بداية « الكفاح المسلح » وحرب 1967 كانت فتح تأمل في تحقيق هدفها بتحرير فلسطين». أما كيف؟ فـ « من خلال الفعل ورد الفعل. نحن نقوم بالفعل ويقوم الإسرائيليون برد الفعل، والحكومات العربية، إما أن تؤيدنا ضد الإسرائيليين أو تقاتلنا. فإذا ما قاتلونا، تؤيدنا شعوبهم. وعندما تؤيدنا الشعوب، فالحكومات تكون مضطرة إما إلى تأييدنا أو إلى مواجهتنا بشعوبهم … لقد أردنا أن نخلق مناخا تسود فيه روح النضال في الأمة العربية بحيث تكون لديهم إرادة القتال، ويؤسفني أن أقول أننا فشلنا» .

لا شك أنه «اعتراف» مذهل. وعلى رأي المثل العربي الشهير « راحت السكرة وجاءت الفكرة». هذا على الأقل رأي جورج حجار الذي يعتقد أن الفعل عند العرب يسبق، في العادة، التفكير. فما الذي يمكن استنتاجه من هذا الاعتراف؟

1. مبدئيا، فإن الانقسامات التي ميزت خريف الانطلاقة (1964) يبدو أنه كان لها مبرراتها التاريخية. ومهما كانت حقيقة المعارضين ومدى إخلاصهم أو صدقهم أو التزامهم فقد وقع استبعادهم بصوت واحد، في حين أن قرارا بحجم الانطلاقة، حدث، يستوجب إجماعا بلا أدنى تحفظ طالما أن « فتح» حريصة على تماسكها وتتباهى بقوة تنظيمها وانسجام قيادتها، فالمسألة تتعلق بمصير أمة لا بمصير شعب أو جماعة معينة و لا بجهد منفرد. وسواء صحت هذه الواقعة (أغلبية الصوت الواحد) أم لا فما فاه به « الحسن » حول المدة الزمنية التي أمِلت فيها « فتح» بتحرير فلسطين لَيؤكد وجاهة ردود الفعل العاصفة التي ثارت ضدها بقطع النظر عن مصدرها أو نواياها وبقطع النظر حتى عن علمها بالمدة الزمنية أو عدمه.

2. لما كان من المستحيل السعي نحو خوض حرب شعبية طويلة الأمد في ظروف لا تنطبق عليها أصلا حرب الشعب، فلماذا تجاوزت « فتح» التحذيرات الصينية؟ أو ليس تحديد الزمن مناقضا للقوانين العامة والخاصة لحرب الشعب؟ في سنة 1969 أجرى الصحفي والكاتب المصري لطفي الخولي حوارا واسعا مع صلاح خلف حول حركة « فتح». وتحدث فيه عن ملابسات الانطلاقة وانتصار وجهة النظر المؤيدة لها، ثم تابع حديثه عن الهجوم الشديد الذي تعرضت له « فتح» في كل بلد بصورة اتهام يلصق بها طبقا لظروف هذا البلد أو ذاك. وطبعا كانت الأوساط التقدمية في كل بلد تعتبر « فتح» رجعية …الخ في حين كان اتهام الأوساط الرجعية لها أنها شيوعية وماركسية .. الخ وقبل أن يكمل قاطعه لطفي الخولي بالقول: « وكانت .. في حقيقتها…؟ » فأجاب أبو إياد (صلاح خلف) دون تردد وبعفوية: « هذا سر لا يعلمه إلا الله» . ثم استأنف حديثه. السؤال هو: ما الذي خبأته « فتح» لتعجل في الانطلاقة؟
باختصار هو « التوريط» و« الاعتراف» يؤكد ذلك. ولا شك أن الاتهامات التي وُجهت لـ « فتح» بهذا الخصوص لم تكن جزافا، فقد كان السعي نحو التوريط بأي ثمن معلوم أو مجهول مثلما سعت حركة القوميين العرب قبلها إلى « الوحدة» بذات الثمن، ولم تسع لخوض حرب شعبية وهي على علم باستحالتها. ربما لهذا السبب أو لغيره وصف المعارضون للانطلاقة المؤيدين لها بـ « المغامرين» . ولما تأكد الفشل بعدم القدرة على التحرير قبل العام 1967 أو استغلال فرصة « الكرامة» التاريخية (1968) وبات من المستحيل العودة إلى الوراء كان لا بد من رفع شعار « حرب الشعب طويلة الأمد» لاسيما بعد الصعود الحاد لليسار لا للتخطيط لخوضها، بل للتمويه على اليسار وغيره ولتحقيق غرضين: الأول ضمان استمرار الثورة. وقد تحقق هذا الهدف بقرار استئناف الكفاح المسلح غداة حرب العام 1967 والثاني، بما أن الفلسطينيين وحدهم عاجزون عن إنجاز مهمة التحرير، وبما أن الدول العربية انكشف سترها لما لم تفلح حتى في الحفاظ على سلامة أراضيها من التوسع الإسرائيلي فإن الاستمرار في سياسة التوريط ظلت مجدية، بل إستراتيجية في حد ذاتها.

3. هذه الإستراتيجية الجديدة تعني ترقب المعركة المصيرية دون أي تحديد زمني والسعي في الترويج لها أو افتعالها أو الوقوف خلف أية فرصة تسمح باندلاعها. والمهم أن حرب الشعب ضمن هذه السياسة باتت تعني التحريض على معركة منتظرة لا حربا شعبية جارية بشرط الحفاظ على استمرار الثورة أو منظمة التحرير فيما بعد كعامل محرض بل مفجِّر. فما الفرق بين أمسيات القوميين العرب أو صباحيات الفدائيين إذا كانت النتيجة واحدة: الحرب النظامية العربية المنتظرة؟

4. من الطبيعي أن تؤدي نوايا « فتح» الخبيئة إلى الابتعاد عن الأيديولوجيات، بل ومحاربتها لأن المهم عندها هو تصعيد الكفاح المسلح إلى أقصى مدى ممكن كيما يؤدي إما إلى: « خلق مناخ تسود فيه روح النضال في الأمة العربية .. » وبالتالي يمكن التفكير بخوض الحرب الشعبية العربية وليس الفلسطينية، وإما إلى « التوريط». فما نفع الأيديولوجيا إذا كانت الإستراتيجية حاضرة بلا حاجة إلى نظرية ثورية؟ ثم أليست هذه الخبايا هي لب أيديولوجيا « فتح» ؟ والآن، لنكثف خلاصة هذه التحليلات بالملاحظات التالية:

أولا: الفراغ الأيديولوجي

من الواضح أن أزمة اليسار وخبايا « فتح» تمخضت عن غياب للأيديولوجيا وبالتالي غياب للنموذج الثقافي الاجتماعي السياسي الذي من المفترض أن يشكل مرجعية للمنظمات الفدائية ومن ورائها للفلسطينيين. ويمكن معاينة آثار الفراغ الأيديولوجي في تشتت الجهد وتكريس تقاسم الشعب والتنافس والعصبية التنظيمية وغياب العمل المؤسسي الذي يقابله دمج ثابت للقضية بالقيادة الراهنة. ومن جهتها يبدو أن كل المنظمات اليسارية، الماركسية أو القومية، تقاسمت فعلياً ما زعمت أنه طبقة عاملة واعتقَد كل منها أنه ساع في تمثيلها لأنه الأقدر على تأهيلها لقيادة الثورة. ولما لم ينجح أي منها في بناء الحزب البروليتاري المكلف بهذه المهمة فإن هذه الطبقة إما أنها غير موجودة في الواقع بالمواصفات الماركسية أو أنه وقع اقتسامها على أقل تقدير .

ثانياً: مدينية القيادة وريفية الثورة

إن القادة المؤسسون للمنظمات الفدائية هم لاجئون في الغالب وطلبة جامعيون أو خريجو الثانوية العامة أو ضباط أو حزبيون أو أثرياء متنفذون. وجميعهم في الغالب إما أنهم سليلو عائلات عريقة أو ناهضة أو معروفة أو ممن جاورت المدن، منذ الأربعينيات وبعد النكبة، وابتعدت عن المخيمات والقرى لحرصهم على متابعة الاستثمار في التعليم. أي أنهم حضريون أصلاً أو متحضرون، في حين أن الأغلبية الساحقة من اللاجئين هم من الفلاحين بمن فيهم شريحة ألـ « Landless ». هكذا تتجلى الملاحظة الثانية: فالقيادة المؤسسة وصاحبة القرار السياسي، فيما بعد، هي في غالبيتها مدنية (تاريخياً) أو مدنية (نشأة)، وما دونها ينتمي إلى الريف. وهذا يؤشر من جانب على استمرار الهيمنة التاريخية للمدينة على الريف في المجتمع الفلسطيني. ومن جانب آخر على أن الصراع بين المنظمات على القيادة هو صراع مديني – مديني لم يكن للريف فيه دور ملموس. وفي المحصلة هو صراع بيني يتطلع إلى السلطة والنفوذ من خلال الثورة بوصفها مجال الصراع. ولكن إلى متى يستمر هذا الصراع؟ وإلى متى يستمر استبعاد الريف والحط من شأنه؟

ثالثاً: ثقافة الكسب والتبرير

إن صراعاً مدينياً من هذا النوع تطور مع الزمن ليثبت ثقافة « الكسب» أو « الغنيمة» أو « الامتياز»، وهي ثقافة عربية سائدة منذ زمن قديم. وفي الثورة الفلسطينية اتسمت بمحتوى سياسي يقوم على:
• « تعجل جني الثمار» ، بحيث أن أي جهد سياسي أو أيدولوجي أو حربي … الخ لم يكن يتح له الوقت ليؤتي ثماره المأمولة. إذ سريعاً ما تستغل النتائج كما لو أنها غنيمة. وهذا يؤكد غياب الاعتقاد بالحرب الشعبية طويلة الأمد.

• حق الاستئثار بالقيادة. فحتى آخر القرن العشرين لم تتبدل القيادات الفلسطينية بالرغم من مرور نحو نصف قرن على بعضها، وهذا ينطبق بالدرجة الأساس على قادة المنظمات ومساعديهم إلا في حالات الوفاة أو الاستشهاد. وبطريقة غير مباشرة يدافع أحد القادة الفلسطينين عن هذه الحقيقة فيجزم أنه: « لا يمكن تصور دولة ذات سيادة حقيقية إلا إذا أسسها وحكمها أولئك الذين قادوا حركة التحرير الوطني … » . وقد شملت هذه الثقافة، كل المنظمات والمؤسسات وعلى كل المستويات وفي مختلف الظروف والأوقات. وأفرزت ظواهر عدة وخطيرة كالتكلس البيروقراطي وحلول الفرد محل الجماعة وانتشار النزعات المِنْطقية التي فصلت بين الثورة والشعب وفككت وحدته وضربت ستارا من الجهل بالقضية والثورة وعززت الانقسام من نحو:( غزة، الضفة الغربية) والمدنية ( خليلي، نابلسي، غزاوي، مقدسي …) والإقليمية والجهوية ( فلسطينيو الداخل وفلسطينيو الخارج أو فلسطينيو1948 وفلسطينيو1967 أو هذا فلسطيني أردني وذاك سوري وآخر لبناني …) والتنظيمية ( فتحاوي، شعبية، ديمقراطية.. ) وداخل التنظيم الواحد ( عسكري، تنظيمي، مدني سياسي … ). ومن الملفت للانتباه أن ثقافة الكسب تلازمت مع النزوع إلى تبرير كل سلوك أو ظاهرة في مناخ من اللامبالاة والاستهتار والحط من شأن النقد والرقابة والمحاسبة أياً كان مصدرها من أضعف مرتبة تنظيمية إلى أعلاها. وبعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان تجذرت هذه الثقافة إلى الحد الذي خرجت فيه عن إطارها الداخلي لتصيب نضالات الشعوب الصديقة بالسخرية والدونية والتشكيك بقدراتها ومصداقيتها. أما حركات المقاومة الأخرى أكانت علمانية أم إسلامية فقد أصيبت بالتطرف من هذا وعدم الواقعية من ذاك.

أما الفلسطينيون، لاسيما في الأراضي المحتلة، فلم يتبق لهم غير الوعي الجمعي المستمد من كونهم أمة منكوبة ومضطهدة. فهم على الصعيد العربي الرسمي مشكلة سياسية وأمنية، وعلى الصعيد الشعبي لاجئين. واللاجئ، اجتماعياً، شخصية دونية، وفي بعض الأحايين منبوذة. هكذا تشكلت شخصية الفلسطيني اللاجئ ولما تزل بعد على هذه الصورة.

ملاحظة

 للمقارنة مع: شفيق ( منير ) .- علم الحرب - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت ، لبنان - الطبعة الثانية ، تشرين أول (أكتوبر) 1975 / الطبعة الثالثة ، شباط ( فبراير ) 1980 - ص 33،34.

الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - المجلد الثاني ص 194-195/ المجلد الخامس، ص 129-131.
في البيان الشيوعي (1848) أشار كارل ماركس و فريدريك انجلز إلى أربع طبقات ميزها الماركسي البلجيكي أُفر برغ "over berg" في كتابه "الطبقات الاجتماعية – 1905"،وهي: البرجوازية الرأسمالية، البروليتاريا، الملاك العقاريين والبرجوازية الصغيرة. وفي كتابه عن "الصراع الطبقي في فرنسا، 1848-1850" أضاف"ماركس " ثلاث طبقات أخرى إلى الأربعة السابقة، وهي: أصحاب البنوك، البروليتاريا الرَّثة و صغار التجار. وبالاشتراك مع "انجلز" أضاف طبقة ثامنة في كتابه عن "الثورة والثورة المضادة في ألمانيا–1849" وهي: النبلاء العقاريين. يمكن مراجعة كل من: الكيالي (عبد الوهاب).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - المجلد الثالث/ ص766-767. وغوروفيتش (جورج).-دراسات في الطبقات الاجتماعية - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة، 1972-ترجمة أحمد رضا محمد رضا / مراجعة عز الدين فوده - ص 26،42 -44.
الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسة - مرجع سابق - المجلد الثالث - ص 767 / وكذلك: غوروفيتش ( جورج ).- الأطر الاجتماعية للمعرفة - المؤسسة الجامعية للدراسات والتوزيع - بيروت ، لبنان - الطبعة الأولى ، 1981 - ترجمة، خليل أحمد خليل.
 البروليتاريا "Proletariat " كما يعرفها "عز الدين فوده": كلمة إغريقية قديمة شاع استخدامها كاصطلاح يعبر عن الطبقة غريزة النسل، تلك التي أصبحت في المفهوم الاشتراكي الحديث- ولاسيما عند الماركسيين- تعني الطبقة العاملة في الصناعة التي تتمتع بعنصر الثبات الوحدة الطبقية في تكوينها والقوة الثورية في نضالها، وفهم رسالتها التاريخية في الصراع ضد مستغليها نتيجة استشراء النفوذ الرأسمالي الاحتكاري وقسوته عليها في الصناعة الكبيرة. وردت لدى المترجم في: غوروفيتش (جورج).- دراسات في الطبقات.. - مرجع سابق- حاشية رقم 2 ، ص 23.
نفس المرجع أعلاه .- ص 82.
الكيالي ( عبد الوهاب ).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - مجلد الثالث - ص 775.
غوروفيتش ( جورج ).- دراسات في الطبقات… - مرجع سابق - ص 81.
توفيق ( سلوم ) ، ترجمة .- المعجم الفلسفي المختصر - مصدر سابق - ص 184.
نفس المصدر.- ص 166.
 في واقع الأمر فإن أكثر الأدبيات التي كتبت في العالم الثالث في الستينات والسبعينات من القرن العشرين وتناولت مسائل اجتماعية كالتغير والتنمية والظاهرة الاستعمارية كان مصدرها الماركسية والفكر اليساري عموما مما ساهم فعليا في ولادة علم الإجتماع خاصة في دولة عريقة مثل المملكة المغربية التي كانت شعبة علم الاجتماع فيها مهدا للفكر الماركسي بمختلف مشاربه قبل وأكثر من شعبة علم التاريخ. ولم يكن علم الاجتماع الماركسي ليتطور لولا عالم الاجتماع الفرنسي جورج غوروفيتش ’’ George Gorwetche “ الذي قدم أول قراءة متكاملة في النصوص الأصلية للماركسية (كتابات ماركس وانجلز ونصوص المراسلات لبناء معالم علم الاجتماع الماركسي.وقد كان ذلك في محاضرات ألقاها "غوروفيتش" في جامعة السوربون-باريس.وصدرت في كتاب بعنوان: “ La Sociologie De K . Marx “ .

 " البرجوازية الوطنية " هي الشريحة الوسطى من الطبقة البرجوازية، و التي تلعب دورا تقدمياً في العالم الثالث حيث الدول حديثة الاستقلال. فهي تتحالف مع الطبقة العاملة و تقف وراء سياسة الاستقلال الاقتصادي و رفض التبعية الأجنبية. و عادة ما تقبل أشكال السياسة الاشتراكية بقدر يحفظ لها حدا أدنى من الملكية دون إلغاء الملكية تماماً. لذا فهي تخوض معارك ضد الاستعمار و السيطرة السياسية و الاقتصادية ، بيد أنه لا بد من التمييز بين " يمينها " المرتبط بالرأسمالية العالمية و " يسارها " المشترك في ركب الحركة الوطنية. عودة إلى الكيالي (عبد الوهاب).- موسوعة السياسة - مصدر سابق - المجلد الأول - ص595.
نفس المصدر.- المجلد الثالث - ص 130. لمزيد من الاطلاع على فكر "كلاوزفيتز" ينصح بالعودة إلى قراءة المفكر المغربي عبد الله العروي له وتعليقه على عالم الاجتماع الفرنسي "ريمون بودون" الذي يصفه بـ "شارح كلاوزفيتز". العروي (عبد الله).- ثقافتنا في ضوء التاريخ - المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء ، المغرب - الطبعة الأولى ، 1983 / ص 81 - 111 .
نفس المصدر.- المجلد الخامس/ ص 700 - 704 .

هذا الموقف جاء إثر مناقشات طويلة جرت بين أحد عشرة منظمة فدائية في أعقاب خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، و اعتبرت المقررات الصادرة في 6 أيار/ مايو 1970 إضافة إلى الميثاق الفلسطيني و مقررات المجالس الوطنية بمثابة الخطوط العريضة للعمل السياسي والعسكري المشترك. وللاطلاع على نص المقررات يمكن مراجعة : حجار (جورج سالم ): أدبيات الجبهة الشعبية ..- مرجع سابق - الثقافة -عدد10/ص66،76. والهدف، مجلة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - عدد41 - 9 /5 / 1970 -ص3.
 حجار ( جورج سالم ) : أدبيات حركة فتح ... - مرجع سابق - عدد 1 - ص 41.
كوبان ( هيلينا ) .- المنظمة تحت المجهر - مرجع سابق - ص 64 . نقلاً عن: الوثائق العربية الفلسطينية - 1965 - ص1 .
خلف (صلاح).- … بلا هوية - مرجع سابق -ص80 -81. وفي الصفحتين: المؤيدون هم : ياسر عرفات، صلاح خلف، خليل الوزير، محمد يوسف النجار، محمود عباس، فاروق القدومي ، خالد الحسن، سليم الزعنون، محمد غنيم وسواهم. والمعارضون: حسب"خلف" اثنين هما يوسف العرابي ومحمد حشمت. ويقول أنهما مواليان لسوريا وذوا نزعة بعثية وإعداد عسكري،وقد قتلا في نهاية شهر شباط / فبراير 1966 ولم يتضح حتى الآن كيف قتلا، غير أن السلطات السورية شنت حملة اعتقالات ضد قادة في "فتح" جُرِّموا بالاغتيال وهم: ياسر عرفات، خليل الوزير، وليد نمر عقاب وممدوح صيدم إضافة إلى سبعة آخرين أقل شأنا.

أحاديث مع قادة المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي الفلسطيني : الحلقة الثانية ، ( 1 ) أبو إياد ( 2 ) نايف حواتمه - شؤون فلسطينية - منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث - بيروت ، لبنان - عدد5 - تشرين ثاني / نوفمبر 1971 - ص 59 .
حجار (جورج سالم): أدبيات الجبهة الشعبية ..- مرجع سابق - عدد 10 - ص 31 . نقلا عن: جورج حبش بمناسبة عيد العمال في 1/5/1970.
نفس المرجع: عدد9- ص58.نقلا عن: "الاستراتيجية التنظيمية والسياسية" التي كتبها جورج حبش في مؤتمر شباط/فبراير1969-ص20.
نفس المرجع: عدد 9 - ص 42 .
نفس المرجع: عدد 10 - ص 48 .
نفس المرجع: … - عدد10- ص 49 .ليس معروفا على وجه التحديد إن كانت هذه الشريحة تشكل طبقة في عرف "اليسار" وما إذا كانت محددة المعالم أو أنها تنتمي إلى طبقات عدة و ليس إلى طبقة بعينها. وفي هذا السياق ينقل "غوروفيتش" ملحوظة عن "ماركس" يصفها بالمثيرة للدهشة حين يقول: " وكما انضم فيما مضى قسم من النبلاء إلى صفوف البرجوازية، فإن قسما من البرجوازية يشكل في وقتنا الحاضر مصالح مشتركة مع البروليتاريا، وعلى الأخص ذلك القسم من أرباب الفكر البرجوازيين الذين ألموا بالمعارف النظرية للحركة التاريخية في مجموعها ". ويعلق "بسؤال يثور في صدد رجال الفكر": "هل يشكل هؤلاء جماعة خاصة خارج نطاق الصراع الطبقي؟". وردت في: غوروفيتش ( جورج ) . - دراسات في الطبقات الاجتماعية - مرجع سابق - ص 25 .
التقرير السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و للجبهة الديمقراطية . و قد سبقت الإشارة إلى أن النص الكامل للتقرير موجود لدى: إسماعيل ( طارق ) - اليسار العربي - مرجع سابق - الملحق د / ص 182- 215 .
حجار ( جورج سالم ): أدبيات الجبهة الشعبية … مرجع سابق - عدد 9 - ص 59 .
نفس المرجع : عدد 9 - ص 44 .
التقرير السياسي . - مصدر سابق .
حوراني ( فيصل ) .- … الفكر السياسي الفلسطيني ( 1964 - 1974 ) - منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث - بيروت ، لبنان - 1980 - ص28.
 بناء على طلب الأردن، ضم أحمد الشقيري، رئيس المؤتمر التأسيسي لـ "منظمة التحرير"، إلى المؤتمر جميع الأعضاء الفلسطينيين في مجلس النواب والأعيان والوزارات الأردنية السابقين والعاملين. وعيِن بالمؤتمر 212 مندوبا من المملكة الأردنية الهاشمية وحدها من اصل 350 مندوباً (وفي روايات أخرى 388 أو 389) شاركوا في =
= أعمال المؤتمر . راجع: عبد الرحمن (أسعد).- منظمة التحرير الفلسطينية: جذورها، تأسيسها، مساراتها - منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث - بيروت ، لبنان - 1975 - ص 75 .
حميد ( راشد ) ، إعداد . - مقررات المجلس الوطني الفلسطيني ( 1964 – 1974) - منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث - بيروت ، لبنان - 1975 - ص8 .
الكبيسي ( باسل ) .- حركة القوميين العرب - مرجع سابق - ص 68 / نقلاً عن :
“ The National Chatter of the United Arab Republic ”. In Hisham Sharabi, Nationalism and Revolution in the Arab Word ( Princeton: Van Nostrand, 1966), P.130.
نفس المرجع .- ص68. وبالإجمال يعبر خالد الحسن عن نفس الفكرة إزاء العلاقة بين الفكر الشيوعي وتخارجه مع الثقافة العربية لاسيما في إطارها التاريخي الإسلامي. في الموسوعة الفلسطينية . - الحسن ( خالد ) : فكر حركة التحرير … - مرجع سابق ص 999.
التقرير السياسي. - مصدر سابق .
حجار ( جورج سالم ) : أدبيات الجبهة الشعبية … - عدد 9 - مرجع سابق / ص 48 - 49
نفس المرجع : نفس الصفحة .
نفس المرجع : نفس الصفحة .
نفس المرجع : ص 43 .
حبذا لو كانت المقارنة مع واحد من أفضل الكتب النقدية التي صدرت مؤخراً حول المسار العام للحركة الوطنية الفلسطينية: جابر (عدنان).- الثوب والعنب (في سوسيولوجيا الثورة الفلسطينية) - مطبعة نضر - دمشق ، سوريا - الطبعة الأولى ، نيسان / أفريل 1994 .
الخولي ( لطفي ) : المقاومة ... كيف تفكر ؟ … - مرجع سابق – ص 70 .
الموسوعة الفلسطينية .- الحسن (خالد ) : فكر حركة التحرير … - مصدر سابق - ص 999.
حجار ( جورج سالم ) : أدبيات حركة فتح… - مرجع سابق – عد 2 / ص 31-32.
الخولي ( لطفي ) : المقاومة … كيف تفكر ؟… - مرجع سابق – ص 69. بالرغم من أن محتوى مقالته غير محايد تجاه الموقف من حركة فتح إلا أن سمير فرنجية، الماركسي اللبناني، يتقرب كثيراً جداً من أطروحات "فتح" إن لم يتطابق معها حول ماهية البروليتاريا الفلسطينية. إذ يعتبر " أن المفكرين الفلسطينيين المتطرفين شبهوا اللاجئين خطأ، بالبروليتاريا، ودفعوهم إلى صف الطبقة النضالية في حين أن هؤلاء كانوا عاجزين عن تحمل مثل هذه المسؤوليات – صحيفة النهار اللبنانية اليومية – 26/10/1971 – و المقالة بعنوان: "المقاومة الفلسطينية فشلت في تثوير المخيمات وفي استقطاب الجماهير العربية معها ضد الأنظمة ". وفي مقالة أخرى لـ "فرنجية" نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية بعنوان "ما مدى ثورية المقاومة الفلسطينية ؟ " اقتبست "صايغ" منها هذه العبارة الدقيقة: " إن اللاجئين، الذين طردوا سنة 1948 من الأراضي التي كانوا يفلحونها، لم يندمجوا منذ ذلك الحين في أية عملية إنتاجية اقتصادية،وبالتالي فإنهم لا يعرفون شيئاً عن الاستغلال الاقتصادي الذي يتعرض له البروليتاري العادي و الذي يثور ضده في النهاية بهدف إقامة نظام جديد للعلاقات الاجتماعية ".صايغ ( روز ماري )._ الفلاحون الفلسطينيون… - مرجع سابق- حاشية رقم 21 ، ص173 .
 يمكن الإطلاع على أطروحات الجبهتين "الشعبية" و "الديمقراطية" بلسان الأمينين العامين لهما الدكتور جورج حبش" و "نايف حواتمه" في: أحاديث مع قادة المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي: ( 1 ) خالد الحسن ( 2 ) جورج حبش - شؤون فلسطينية - مرجع سابق - عدد 4 - أيلول / سبتمبر 1971. ونفس المرجع: … ( 1 ) أبو إياد ( 2 ) نايف حواتمه - عدد 5 - مرجع سابق .
شفيق ( منير ). - الثورة الفلسطينية بين النقد و التحطيم - دار الطليعة - بيروت ، لبنان - الطبعة الأولى، تموز/ يوليو 1973، الطبعة الثانية ، كانون ثاني / يناير 1978 - ص 61.
نفس المرجع.- ص / 167 - 168
نفس المرجع.- ص 26-27. ويمكن الافادة ايضاً من: جلال ( محمد كشك ) .- الثورة الفلسطينية - مطابع معتوق إخوان - بيروت، لبنان - الطبعة الاولى ، 1970 .
 إن أفضل تعبير عن مواقف اليسار إزاء "البرجوازية الكبيرة" قبل النكبة و بعدها ورد في التقرير السياسي (آب 1968) لائتلاف الجبهة الشعبية قبل تفككها. ولم تنغير هذه المواقف لاحقا. و يمكن المقارنة، مثلا مع: كنفاني (غسان): ثورة 36 - 1939. في فلسطين:خلفيات وتفاصيل وتحليل- شؤون فلسطينية - منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث - بيروت،لبنان- عدد6 -كانون ثاني/يناير 1972/ وردت مواقف في معظم الصفحات و خاصة ص 62 -63 .أحاديث مع قادة المقاومة: ( 2 ) موقف نايف حواتمه-شئون فلسطينية - عدد5-مرجع سابق/ص57 -58.
 في الواقع لم يكن من بين100 عضو قيادي في الحركة الوطنية الفلسطينية من ينتمي إلى الأوساط الشعبية إلا عضوا واحدا هو "سامي طه" رئيس جمعية العمال العربية في فلسطين إبان حكم الانتداب، الزعيم العمالي الأول بلا منازع. وربما يكون الوحيد فيما خلا استشهاد الشيخ عز الدين القسام ،الذي خلف اغتياله في 11 أيلول / سبتمبر 1947 موجة عارمة من السخط شملت كل أنحاء فلسطين / قارن: الحوت ( بيان نويهض ) .- القيادات و المؤسسات السياسية في فلسطين ( 1917 - 1948 ) - مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت ، لبنان - الطبعة الثالثة 1986 / ص 521 - 528. إضافة إلى التحليل الميداني للقيادات .
خلف ( صلاح ) … بلا هوية - مرجع سابق - ص 62 .
أبراش ( إبراهيم ) .- البعد القومي … - مرجع سابق - ص 185 .
الخولي ( لطفي ) : المقاومة … كيف تفكر ؟ … - مرجع سابق – ص 60 .
إسماعيل ( طارق ) .- اليسار العربي - مرجع سابق - ص 60 .
نفس المرجع .- ص 61.
أحاديث مع قادة …: (1) سامي عطاري (2) الدكتور عبد الوهاب الكيالي- مرجع سابق-عدد7-آذار/ مارس ص197-194.
نفس المرجع: نفس الصفحة.
نفس المرجع: ص 195.
شفيق ( منير ): منطلقات أساسية … - مرجع سابق - ص 13.
نفس المرجع: ص7/ ويمكن الاستفادة من: الموسوعة.- الحسن (خالد): فكر حركة التحرير .. - مصدر سابق- ص 1002. إذ يقول: "إن طبيعة الصراع و طبيعة التناقض ونتائجه السلبية على الأمة العربية وعلى قضية فلسطين هو الذي جعل ( فتح ) تركز في أدبياتها بأن تحرير فلسطين هو أقل المشاريع القومية كلفة وأكثرها جدوى إنتاجية في مجال الحركة والتقدم المجتمعي كافة " بيد أن الحسن فاته (أو أنه تغاضى عن الإدراك ) أن الثورة لا تمثل المجال الاجتماعي للأطروحة القومية العربية الرسمية والتي تنبني على أسس قطرية تتجه نحو التجذر بحيث تصبح الأطروحة القومية بحد ذاتها تعبيرا عن مصالح الدولة القطرية وليست هدفا لها ، وهذا سيؤدي إلى اعتبار الثورة المشروع الأكثر تكلفة لأنه ما من دولة تدَّعي القومية ستكون قادرة على تبنيه بمفردها.
حجار ( جورج سالم ) : أدبيات حركة فتح …- مرجع سابق - عدد 2 / ص 32 - 33.
أحاديث مع قادة المقاومة … : ( 1 ) خالد الحسن ( 2 ) جورج حبش - مرجع سابق - عدد 4 - ص 282.
أحاديث مع قادة المقاومة …- مرجع سابق - عدد 5 - ص 32.
نفس المرجع.- ص / 31 - 32.
الموسوعة الفلسطينية . - علوش ( ناجي ) : فكر حركة المقاومة الفلسطينية … - مصدر سابق - ص 934 - نقلا عن التقرير التنظيمي العسكري - المالي الصادر عن المؤتمر الوطني الرابع ( نيسان / أفريل 1981 ) للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - ص 11 .
حجار ( جورج سالم ): أدبيات الجبهة الشعبية - مرجع سابق - عدد 9 - ص 56 . وكذلك الملاحظات القيمة حول الثقافة الفلسطينية والتجربة المعاصرة للحركة الوطنية ومحاذير التعرض لها بالدراسة ودور القيادات الفلسطينية في ذلك / راجع: الموسوعة الفلسطينية .- علوش ( ناجي ): فكر حركة المقاومة الفلسطينية … - مصدر سابق / ص 963 - 965 .
لمقارنة إجمالية يمكن الإحالة إلى :ضاهر ( مسعود ) . - المشرق العربي المعاصر من البداوة إلى الدولة الحديثة - معهد الإنماء العربي - بيروت ، لبنان - الطبعة الأولى ، 1986 .
 إذا انطلقنا من معيار الدخل فبعض الفلسطينيين جمعوا، بجهودهم الحثيثة، ثروات طائلة ولم يكونوا أكثر من لاجئين مسحوقين فهل هذا يؤهلهم للانتماء الى الطبقة البرجوازية ؟ ثم من هي البرجوازية التي وقع استهدافها ؟وعلى أية أُسس ؟

يعيد "غوروفيتش " تكوُن "البروليتاريا" إلى الشرائح التقليدية التاريخية الثلاثة: 1. سكان المدن الأكثر فقراً .2. شريحة الحرفيين اليدويين الذين زالت حرفتهم مع التطور الصناعي الرأسمالي ولم تعد لديهم حرفة للعيش.3. الفئات الدنيا والمخلّعة الجذور القادمة من طبقة الفلاحين العريقة . راجع: غوروفيتش (جورج).– الأطر الاجتماعية للمعرفة - مرجع سابق - ص 138 .
الخولي ( لطفي ) : المقاومة ... كيف تفكر ؟ … - مرجع سابق / ص 62 -63 .
خلف ( صلاح ) .- … بلا هوية – مرجع سابق - ص 80 .

في مقالة مبكرة لـ "برهان غليون" يستعرض فيها مواقف الطبقات من الثورة ويحللها، يتوصل إلى نتيجة يرى فيها أن"أزمة الثورة هي أزمة اليسار العربي بشكل عام "وهو موقف سجله قبل ولادة اليسار الفلسطيني. وعن " البرجوازية الصغيرة" وتسلمها القيادة يقول: "إن الثورة إذن لا تقودها إلا الطبقة الأكثر فعالية في مرحلة معينة من تطور المجتمع المادي..وفي الدول العربية لا يرجع تبوؤها لمراكز عديدة في الثورة إلى إمكانية تشكلها كطبقة وإنما إلى ظروف تاريخية واستثنائية مرت بها بعض الأقطار".أما عن "البرولتياريا، فإن قيادتها للثورة ليست مرتبطة بحزب معين لأنها كطبقة يمكن أن تكون موالية لأكثر من حزب ثوري".هذا "الكلام" قيل قبل أن تعتقد الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية أن كلاً منهما أقدر على بناء حزب البروليتاريا من أي تنظيم يساري آخر. راجع: غليون (برهان): المسائل الراهنة للثورة العربية – دراسات عربية – بيروت،لبنان- عدد2 – كانون أول/ديسمبر1966/ص10-14.وللمقارنة حول معتقدات "الشعبية"، مثلاً،مع: حجار (جورج سالم): أدبيات الجبهة الشعبية..- مرجع سابق– عدد 10 – ص47. إذ ينقل الباحث عن"حبش" قوله أن: "الحزب الماركسي اللينيني الفلسطيني الذي سيقود الطبقة العاملة الفلسطينية والجماهير الفلسطينية يتشكل في تصورنا من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فقط ".
أبراش ( إبراهيم ) .- البعد القومي … - مرجع سابق - ص 242 .
حول تجديد القيادات الفلسطينية والفرص الضائعة لياسر عرفات وجورج حبش ، راجع: جابر ( عدنان ).- الثوب والعنب - مرجع سابق / ص 71 - 109 .
خلف ( صلاح ) . - … بلا هوية - مرجع سابق - ص 333 .

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916827 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق