الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > دراسة في العمل الجماهيري التطوعي
العمل التطوعي قيمة سامية وظاهرة اجتماعية تجسد السلوك الحضاري للمجتمعات، كونه أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم لأنه يأتي بدافع فعل الخير للآخرين رغبة في الحصول على الآجر والثواب...وتأتي هذه الدراسة لبيان هذا الجانب في العمل التطوعي ودوره في معالجة المشكلات الاجتماعية والأمنية ، وإبراز أهميته ودوافعه ، وإيضاح المفاهيم ذات الارتباط بموضوع الدراسة ، والتطرق لمجالات العمل التطوعي ، وبعض النظريات المرتبطة به، والعلاقة بين العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية باعتبار أن عنصر العمل التطوعي والمشاركة من العناصر الهامة لمكوناتها .. ونختم الدراسة بتقديم رؤية اجتماعية أمنية لتطوير وتفعيل العمل التطوعي.
يعد العمل التطوعي ظاهرة اجتماعية إيجابية تمثل سلوكاً حضارياً، بل ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتماسك أفراده .
وقد اكتسب العمل التطوعي أهمية خاصة في مجتمعنا الإسلامي كونه من أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم لأنه يأتي بدافع فعل الخير للآخرين رغبة في الحصول على الأجر والثواب، وقرن المولى عز وجل محبته لعبده بمدى نفعه للآخرين ...
قال تعالى: ) ومن تطوع خيراً فإن الله شاكراً عليم ( (البقرة: 158) وقال: )فمن تطوع خيراً فهو خير له( (البقرة : 184). ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام « خير الناس أنفعهم للناس »ومن الناحية النفسية يمثل العمل التطوعي أسمي درجات التضحية في سبيل المصلحة العامة ، باعتباره أحد أنماط السلوك الإنساني الذي يعكس شخصية الفرد ومدى ثقافته وظروف تنشئته البيئية ودرجة انتمائه وتوافقه مع المجتمع الذي يعايشه بعاداته وتقاليده ونظمه المختلفة، كما يعد التطوع سلوكاً تربوياً ينشأ عليه الفرد ويؤثر فيه مدى ما اكتسبه من علم وخبرات تُوظف في عديد من الأنشطة والمجالات تبعاً لميول الفرد وظروف البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها. وتشير الدراسات العلمية إلى وجود علاقة ارتباطية بين التطوع في البيئة الاجتماعية وتحقيق الحاجات الأساسية ، فكلما كانت الحاجة الأساسية متوفرة ساعد ذلك على تنمية دواعي التطوع رغبة في خروج الإنسان من ذاته إلى مساعدة الآخرين . وفي هذا الصدد يستشهد عدد من الباحثين في نظرية ماسلو Maslow المعروفة التي تشير إلى أن الإنسان يتدرج في إشباع حاجاته كالصعود للأعلى بدء من تحقيق حاجاته الأولية كالمأكل والمشرب وصولاً إلى تحقيق حاجاته الثانوية كالمكانة الاجتماعية وتحقيق النجاح، وأن إشباع الحاجات الأولية من شأنه أن يحقق حالة من الاستقرار والاستعداد النفسي لخوض تجربة العمل التطوعي والانخراط فيه ، وهذا أيضاً مرتبط بعديد من المتغيرات ذات الأهمية مثل مستوى التعليم والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحة النفسية لدى الفرد ، باعتبار أنها عوامل تدفع للعمل التطوعي .
وفي زمننا المعاصر أصبحت الضرورة ملحه لمزيد من أعمال التطوع والمتطوعين نتيجة للمشكلات التي يواجهها أفراد المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية كتعدد وتعقد بعض الاحتياجات التي لم تكن موجودة في السابق، أفرزها التطور الحضاري والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي شاهدها المجتمع السعودي، مما جعل الدولة تُعول بل تعقد الأمل على الجهود التطوعية للإسهام في خدمة المجتمع إلى جانب دورها الأساسي ، ليتحقق الاتساع الإيجابي لشبكة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع ومؤسساته ولتتكامل مسيرة البناء والنماء للمجتمع .
العمل التطوعي عملٌ وممارسة إنسانية يدل على درجة رقي المجتمع ، ووعيه الثقافي والاجتماعي .. ورغم أهمية العمل التطوعي المجاني ودوره في شتى مجالات الحياة والذي يُقدم من خلال المؤسسات المختلفة باستقطابها المتطوعين، إلا أن المؤسسات ذاتها لا تدرك قيمة التطوع كما ينبغي ولا تقوم بالدور التوعوي لكافة شرائح المجتمع ، مما ينتج عنه إحجام نسبة كبيرة من أفراد المجتمع عن الأعمال التطوعية ومن هنا تبرز الإشكالية العلمية حول العلاقة التبادلية بين المتطوعين والمؤسسات التي تستفيد من أعمال المتطوعين إضافة إلى الجانب الأهم وهو مدار هذه الدراسة حول علاقة العمل التطوعي بأمن المجتمع .
تهدف الدراسة إلى أبراز الآتي :
1- بيان دور العمل التطوعي في معالجة المشكلات الاجتماعية والأمنية .
2- إبراز أهمية وأهداف ودوافع العمل التطوعي .
3- التطرق لمفاهيم العمل التطوعي وأبعاده .
4- معرفة مجالات العمل التطوعي .
5- التطرق لبعض نظريات العمل التطوعي التالية :
نظرية التبادل الاجتماعي.
نظرية الدور .
النظرية البنائية .
النظرية الوظيفية .
6- تناول العلاقة بين العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية .
7- تقديم رؤية اجتماعية أمنية لتطوير وتفعيل العمل التطوعي .
1- مفهوم العمل التطوعي :
مفهوم التطوع يرادف أي نشاط أو جهد يبذله الفرد دون انتظار عائد مادي ، ولذلك فإن الأفراد عندما يمارسون الأعمال التطوعية ، فإنهم يضحون بالوقت والجهد والمال في سبيل المجتمع دون انتظار عائد مادي مباشر.
والتطوع عبارة عن الجهد المبذول بطريقة اختيارية وبدون قسر ، مرضاة لله تعالى ، ولمصلحة الوطن ، وإيثار الغير على الذات ، دون انتظار عائد ما ، وقد يكون مفهوم التطوع بهذه الكيفية يتصف بالعمومية ، ويتسع بقدر كبير ويندرج تحته العديد من الأنشطة التي لا يمكن إدراجها ضمن التطوع الموضوعي ، فرب الأسرة الذي يعمل ويجاهد من أجل رعاية أفراد أسرته ، لا يعتبر عمله بالنسبة إلى سرته صورة من صور التطوع. لذلك من الأهمية تحديد مفهوم التطوع بطريقة أكثر موضوعيه بأن نضع في اعتبارنا بأن هناك عائد آخر غير العائد المادي الذي يحصل عليه الفرد من جراء قيامه بالعمل التطوعي، وهو العائد المعنوي الذي يتم عن طريقه رضائه عن ذاته، وإحساسه بالمسؤولية من قبل المجتمع الذي يعيش فيه، هذا بالإضافة إلى أنه يجب أن نفرق بين العمل التطوعي والعمل الذي يقوم به الفرد إتباعاً لمرضاة الله سبحانه وتعالى وأحكام الدين. ولعل من المشكلات التي تواجه العمل التطوعي في مجتمعنا السعودي هو غموض مفهومه في أحول كثيرة، فهو لا يزال غير واضح لدى غالبية أفراد المجتمع وحتى لدى المؤسسات الحكومية والأهلية ، والنظرة للعمل التطوعي لاتزال قاصرة من حيث تشجيع وتحفيز المتطوعين وغياب التوعية بصورتها المنشودة ولمزيد من الإيضاح والبيان لهذا الجانب « مفهوم التطوع » نورد بعضاً من التعاريف للعمل التطوعي على النحو التالي :
يعرف بأنه : « التضحية بالوقت أو المال دون انتظار عائد مادي يوازي الجهد المبذول
ويعرف بأنه « التبرع بالجهد أو الوقت أو الاثنين معاً ، للقيام بعمل أو أنشطة لخدمة المجتمع ليس مطالباً به الفرد أو مسؤولاً عنه ابتداءً بدافع غير مادي، ولا يأمل المتطوع الحصول على مردود مادي من جراء تطوعه ، حتى وإن كان هناك بعض المزايا المادية، فهي لا تعادل الجهد والوقت المبذول في العمل التطوعي والمتطوع هو الفرد القائم بذلك التبرع، أي الفاعل للأنشطة .
ويعرف (هاشم ، 1977م) العمل التطوعي بأنه « المجهود القائم على مهارة أو خبرة معنية ، والذي يبذل عن رغبه واختيار ، بغرض أداء واجب اجتماعي وبدون توقع جزاء مالي بالضرورة
ويعرفه (الحمادي، 1991) بأنه « مجموعة من الفعاليات التي يقوم بها الأفراد بصفة اختياريه ، ودون انتظار الأجر نتيجة لتطور النشاط لمؤسسي في مجتمع ما
ورغم اتفاق الباحثين على أبرز ملامح العمل التطوعي من حيث إنه عمل اختياري وبدون مقابل أو عائد مادي إلا أنه يفهم على أنه عمل ينحصر في مجال أعمال الجمعيات الخيرية ومساعدة الفقراء والمحتاجين والتبرع بالأموال لهم وللمرضى وإقامات المستشفيات وغيرها من الجوانب الإنسانية.
ولإيضاح هذا الجانب المتعلق بعدم وضوح مفهوم العمل التطوعي في عالمنا العربي يرى (الباز، 2002) بوجود عناصر أساسية ينبغي مراعاتها في العمل التطوعي وهي :
1- العمل الخيري، هو أي عمل أو نشاط يقوم به الإنسان لخدمة الأفراد ولخدمة المجتمع، سواء التبرع بالمال أو بالمواد ، أو بالجهد أو بالوقت ، سواء كان مطالباً بها أو غير مطالباً . والعمل التطوعي (Voluntary) يعني قيام الفرد بالتبرع بجهده أو وقته أو كليهما، للقيام بعمل ليس مطلوباً منه أو مسؤولاً عنه . وفي هذا التعريف يصبح العمل التطوعي جزءاً من العمل الخيري فهي علاقة الخاص بالعام.
2- برغم عدم نظر المتطوع للحصول على مردود مادي ، فإنه لابد من وجود مزايا تشجع على العمل التطوعي، سواء ماديه أو معنوية حتى لو لم تعادل الجهد المبذول من قبل المتطوع.
3- ضرورة مشاركة المهنين المتخصصين في التطوع، لمواجهة بعض جوانب الحياة المعقدة التي تتطلب التعامل معها من قبل أفراد من ذوي الخبرة والتدريب في مجال تخصصاتهم
2- مفهوم الأمن :
تعددت تعاريف الأمن لدى كثير من الباحثين وسنحاول استعراض التعاريف التي نرى توافقها مع هذه الدراسة متبوعة بتعريف إجرائي يخدمها .
ويمكن القول بأن الأمن هو : المشاعر والأحاسيس التي تسود المجتمع وتشعر أفراده بالطمأنينة والسكينة . وبهذا يصبح الأمن شعور قبل أن يكون تدابير تقوم بها الأجهزة الأمنية ، أو ضمانات تكفلها النظم والقوانين .
والأمن ضد الخوف ، ويعني السلامة والاطمئنان النفسي، وانتفاء الخوف على حياة الناس، وعلى ما تقوم به هذه الحياة من مصالح وأسباب ، ويشمل أمن الإنسان الفرد وأمن المجتمع.
والإنسان في هذه الدنيا معرض لإحدى هاتين الحالتين أي الأمن والخوف .
ونعرف الأمن إجرائياً بأنه إحساس أفراد المجتمع بمشاعر الطمأنينة وعدم الخوف في الزمان والمكان... ويُستنتج من هذا التعريف بأن الأمن يبدأ من الفرد باعتباره نواة المجتمع وأمن الفرد يرتبط أشد الارتباط بحفظ الضرورات الخمس التي ضمنها له الشرع الحنيف وهي (الدين ،النفس ، العقل ، النسل ، المال) ولا يمكن أن يتحقق الأمن إلا من خلال الرعاية والتعاون المستمر بين كافة المؤسسات الرسمية وغيرها لتمثل خط الدفاع الأول ضد الجريمة والانحراف.
ومفهوم الأمن يعني في معناه الأمن الشامل الذي يمثل مجموعة الأسس والمرتكزات التي تحفظ للدوله تماسكها واستقرارها وتكفل لها القدرة على تحقيق قدر من الثبات والمنعه والاستقرار في مواجهة المشكلات التي تعترضها في كل متطلبات الأمن بمعناه الوسع الغذائي والسياسي والاقتصادي والعسكري والبيئي باعتبارها حلقات مترابطة ومنها ينتظم مفهوم الأمن الشامل.
3- مفهوم الدور الأمني:
الدور الأمني هو جانب مناط بالسياسة الأمنية و بالجهاز الأمني كجهاز تنفيذي واجتماعي يتسم بالاتساع والتنوع، ويعمل على تحقيق الاستقرار، وصيانة التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ويعبر هذا الجهاز الأمني عن سيادة الدولة وعن المجتمع بصفة عامة، وحماية المواطن وتأكيد حقوقه وتحقيق الأمن والاستقرار له. وهذا الدور الأمني مناط أيضاً بالمتطوعين باعتبارهم مواطنين مسؤولين عن أمن المواطن والمجتمع .
4- مفهوم المجتمع :
هو نسق اجتماعي مُكتفِ بذاته مستمر في البقاء بفعل قواه الخاصة. وقد اتفق معظم الباحثين بضرورة التعاون لإيجاد الأمن .. والمجتمع هو البيئة التي يعيش فيها الإنسان وفيها أمنه أو خوفه، ولعل أول شرط ينبغي توفره ليذوق الإنسان طعم الحياة والسعادة هو أن يكون آمناً في مجتمعه . عن عبد الله بن محصن قال، قال رسول الله e « من أصبح منكم آمناً في سربه، معافاً في جسده ، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
5- مفهوم الدور الاجتماعي :
إذا نظرنا من زاوية البناء الاجتماعي وجدنا أن الدور وضع اجتماعي ترتبط به مجموعه من الخصائص الشخصية ، ومجموعة من ضروب النشاط التي يعزو إليها القائم بها والمجتمع معاً قيمة معينة .
أما إذا نظرنا من زاوية التفاعل الاجتماعي فالدور سياق مؤلف من مجموعة من الأفعال المكتسبة يؤديها شخص في موقف تفاعل اجتماعي.
ولابد من التفرقة بين مجموع الخدمات التي يضطلع بها « الدور» في الجماعة وبين ما يقوم وراء هذا الدور من دوافع معنية لدى القائم به. والمهم من وجهة نظر الجماعة هو «مجموعة الخدمات» والمهم من وجهة نظر الفرد هو الدوافع ، وكيف أنها تجد ما يرضيها من خلال دوره .. وهذا ما يتطلبه دور الفرد في أدائه للعمل التطوعي.
جهود الباحثين السابقين في دراسة العمل التطوعي :
للباحثين السابقين جهود متميزة في تناول العمل التطوعي بالدراسة والاهتمام في شتى مجالاته ومفاهيمه وأهدافه ودوافعه ونظرياته ، وعلاقته بالجوانب الاجتماعية والنفسية والخدمية ، وربط العمل التطوعي بعنصر المشاركة باعتبارها أهم دوافع العمل التطوعي ومحوره الرئيس إلى جانب الهدف السامي من العمل التطوعي وهو الحصول على الأجر والثواب من المولى عز وجل ورضا المجتمع دون عائد مادي ... وسنتناول بعضاً من الدراسات السابقة ذات الصلة بموضوعنا الحالي والتي أجريت في بيئة المجتمع السعودي فقط للوقوف على جهود الباحثين السابقين وتوظيفها لفائدة دراستنا.
فقد قام ( الباز ، راشد بن سعد، 2002) بإجراء دراسة بعنوان ( الشباب والعمل التطوعي: دراسة ميدانية على طلاب المرحلة الجامعية في مدينة الرياض) لمعرفة مدى مشاركة الشباب ورغبتهم في العمل التطوعي والعوامل المرتبطة بالتطوع من عوامل معوقات ، والعوامل التي تؤثر في رغبة الشباب في المشاركة في العمل التطوعي ، واستخدام المسح الاجتماعي لعينة من الشباب بلغت (163) مبحوثاً .
وتوصلت دراسته إلى أن غالبية الشباب ليست لديهم مشاركة في العمل التطوعي ، رغم وجود وقت فراغ لدى معظمهم. وعبر غالبية المبحوثين عن رغبتهم في المشاركة في العمل التطوعي وخدمة مجتمعهم ، كما تطرقت الدراسة إلى معوقات العمل التطوعي، وتبنت نظرية التبادل الاجتماعي في تفسير العلاقة بين رغبة الشباب في المشاركة في العمل التطوعي وعدد من العوامل المرتبطة بتلك الرغبة . وكشفت الدراسة عن وجود علاقة بين المشاركة في العمل التطوعي ومتغير اكتساب الخبرة حيث أفاد بذلك 92 % من المبحوثين. ودلت الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين المشاركة في العمل التطوعي والرغبة في الحصول على الأجر والثواب ومثلها 99% من أفراد العينة
وقام ( الشهراني ، معلوي بن عبد الله ، 2006) بإعداد دراسة بعنوان ( العمل التطوعي وعلاقته بأمن المجتمع) تهدف إلى معرفة العلاقة بين العمل التطوعي وأمن المجتمع، من خلال مجالات العمل التطوعي في المجتمع السعودي، والتعرف إلى خصائص المتطوعين ودوافعهم للالتحاق بالعمل التطوعي، وعلاقة ذلك بأمن المجتمع وسلامته، إضافة إلى بيان أهم الأدوار الأمنية للعمل التطوعي في المجتمع السعودي، ودوافعه وأهدافه والقوانين المنظمة له. شملت الدراسة عينة قوامها (212) متطوعاً من العاملين في الجمعيات والمؤسسات الخيرية بمدينة الرياض ، واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي وتوصل إلى نتائج تشير إلى أن جميع الأدوار الأمنية التي يقوم بها المتطوعين هي أدوار هامة جداً كالإسهام في مكافحة التسول، ومساعدة المعوزين على مواجهة الفقر، والإسهام في وقاية أسر وأطفال نزلاء السجون من التشرد والانحراف والوقاية من الجريمة وأخطار المخدرات، ومساعده المجتمع في مواجهة الكوارث، مثل الحريق والسيول والانفجارات، ومساعدة الأجهزة الأمنية في تعقب المجرمين والإبلاغ عن المشبوهين.
كما أعد ( القعيد، إبراهيم بن حمد ، 1997) دراسة بعنوان ( وسائل استقطاب المتطوعين والانتفاع بجهودهم) تهدف إلى دراسة ظاهرة التطوع كظاهرة مصاحبه لحركة المجتمع الإنساني، مع التركيز على طرق استقطاب المتطوعين للهيئات الخيرية والجهات الحكومية، وطرق المحافظة عليهم والاستفادة القصوى من خدماتهم . وتطرق إلى أهمية العمل التطوعي ودوافعه والبيئة العملية المناسبة لمشاركة المتطوعين ، واعتمد على الدراسات الأجنبية وتوظيفها بما يتوائم مع بيئة المجتمع السعودي من حيث أن أهم دافع للعمل التطوعي هو الرغبة في الحصول على الأجر والثواب ، والرغبة في تحقيق الذات، والتعلم واكتساب المعارف الجديدة والنمو الشخصي، والرغبة في شغل أوقات الفراغ ، وتلبية لحاجة فطرية لدى الإنسان وهي الرغبة في الاتصال بالآخرين ، واحترام الذات وتقديرها
ولإبراز النشاط التطوعي الخيري في المملكة العربية السعودية من خلال نشأة منظماتها وتطوراتها قام ( عجوبه، مختار إبراهيم، 1994) بدراسة بعنوان ( القاعدة التنظيمية للأنشطة التطوعية الخيريه في المملكة العربية السعودية) في المرحلة ما بين نشأة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية 1960م، ونهاية خطة التنمية الرابعة 1990م .. وأسفرت نتيجة دراسته عن أن المتطوعين كانوا يقدمون الخدمات ابتغاء مرضاة الله، وأن الأفراد والأسر الفقيرة استفادت من تلك الخدمات.
وأخيراً نشير إلى دراسة من إعداد ( كسناوي ، محمود، 1997م) بعنوان ( دور الأندية الرياضية في تقديم الخدمات التطوعية في المجال التربوي والثقافي والاجتماعي) تهدف إلى التعرف على أهداف وواقع الخدمات التطوعية الثقافية والاجتماعية والتربوية في الأندية والأساليب الواجب اتباعها لزيادة فاعلية العمل التطوعي .
وتم التوصل إلى أنه من الممكن للأندية أن تقدم خدمات تطوعيه فعاله لمنسوبيها ولأفراد المجتمع ، خاصة إذا استطاعت الاستفادة من دعم ورعاية الرئاسة العامة لرعاية الشباب وحث أصحاب المؤهلات العلمية والخبرات المختلفة للانخراط في الخدمات التطوعية وتوفير الإمكانيات اللازمة، والحرص على استمراريه خدماتهم بالحوافز المعنوية والاحترام المتبادل، وذلك من منطلق أن الأندية الرياضية لها أدوار ثقافية وتربوية واجتماعية.
جهود الباحثين السابقين في الدراسات السابقة هي جهود محورها العمل التطوعي في المجتمع السعودي باعتباره رافداً وعاملاً أساسياً لأمن المجتمع واستقراره، وركزت على البعد الاجتماعي والأمني والأهمية والأهداف والدوافع ، وقليل منها تطرقت للنظريات ذات الصلة بالعمل التطوعي ، واتفقت معظم دراسات الباحثين على أهمية وقت الفراغ كونه يساهم في الأعمال التطوعية إذا أدرك الفرد أن لديه فراغاً معقولاً في حياته اليومية. وقد استفدنا من الدراسات السابقة في وضع تصورنا الحالي لدراستنا وتقديم رؤويه اجتماعية أمنية ، إضافة إلى التطرق لمزيد من النظريات ذات الارتباط المباشر بالعمل التطوعي وعنصر المشاركة كمحور هام من محاوره .
ونرى بأن هذه الإسهامات التي قدمها الباحثون من خلال دراساتهم عن العمل التطوعي قد ألقت بعض الضوء على مشكلة الدراسة الراهنة التي ستتناول إشكالات وتطبيقات العمل التطوعي.
أهداف العمل التطوعي :
تهدف الأعمال التطوعية إلى تحقيق ما يأتي:
1- تنمية روح الإنماء لدى الشباب عن طريق إحساسهم بإدراك أهميتهم وولائهم للمجتمع الذي ينتمون إليه، حيث يقدمون إليه برضى واقتناع من جهدهم، مقابل ما يحصلون عليه من حقوق من هذا المجتمع.
2- يثير دافع التطوع، الحوافز الإيجابية التي تعمل على رفع مستوى الأداء والسرعة في الانجاز، وزيادة معدل إنتاجية العمل، وتحويل الطاقات العاجزة والمعطلة إلى طاقات عاملة ومنتجة.
3- فيما يتعلق بأوقات الفراغ يسمح التطوع للمتطوعين بتنظيم أوقات فراغهم بطريقة إيجابية ، تعود عليهم باكتساب الخبرات البناءة ، وتعود على مجتمعهم بالخير الكثير.
4- يعمل التطوع على معاونة المنظمات التي تعاني من صعوبة تمويل أنشطتها.
5- يساهم التطوع في المسائل الأمنية كجانب وقائي يعين الأجهزة الأمنية في الوصول إلى المعلومات التي تتعلق بأي نشاط إجرامي قد يعكر صفو الأمن .
6- يعتبر العمل التطوعي مجالاً خصباً لممارسة حرية الاختيار في العمل التطوعي وحيث تتاح الفرصة للأفراد في تخطيط وتنفيذ ومتابعة الأنشطة التي تقوم على تنفيذها المؤسسات والمنظمات الموجودة في المجتمع.
7- يتيح التطوع فرص الاستفادة القصوى من التخصصات النادرة في المجتمع .
8- يساعد على تخطي الحواجز السلبية والانعزالية في المجتمع.
9- إزالة التخلف وتوفير أسباب التقدم والرفاهية لأفراد المجتمع بالوسيلة الأيسر وصولاً والأسلوب الأفضل أداء والأكثر نفعاً .
10 – تعبئة الطاقات البشرية والمادية وتوجيهها وتحويلها إلى عمل اجتماعي .
11- تحقيق الأمن في المجتمع وحماية أفراده من مخاطر الجرائم والكوارث المختلفة حيث يهتم العمل التطوعي بالجوانب التالية:
أ- منع وقوع الجرائم في المجتمع والإبلاغ عن المشبوهين والمجرمين.
ب- علاج المشكلات والانحرافات السلوكية.
ج- سد حاجة المجتمع حتى لا يلجأ الفرد الفقير للانحراف .
د- القيام بالتعليم والتوجيه والإرشاد للقضاء على الجهل وزيادة الوعي.
هـ- علاج مشكلة البطالة كون العمل التطوعي يسنح فرص للعمل وبالتالي الحماية من الوقوع في السلوك المنحرف .
12- إن جانب منع وقوع الجرائم في المجتمع ، يساهم العمل التطوعي في حل المشكلات المختلفة كرعاية المرضى ، وتعليم الجهلاء ، وتدريب الشباب ، وزراع الأراضي ، ومساعدة الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في تعليمهم ، وتوجيه الشباب لانتهاج السلوك القويم ، وتحصينهم ضد المخدرات والجنوح.
13- التعرف على ذوي المهارات والقدرات المتميزة واكتشافها وتدريبها كقيادات قادرة على تحمل أعباء المسؤولية الاجتماعية.
وتعد الأهداف التي نوهنا عنها سلفاً صورة إيجابية للعمل التطوعي باعتبار أن دوافعه تنحصر في البذل والعطاء بدون إجبار وبدون النظر في الحصول على عائد مادي .
إلا أنه يجب أن نضع في اعتبارنا أن للتطوع سلبيات عندما لا يحسن استخدامه ، تتمثل في الآتي:
1- قد يعرقل سير العمل نتيجة لعدم انتظام دوام المتطوع أو انقطاعه عن ممارسة العمل بعد البدء في العمل التطوعي.
2- قد يتأثر العمل بانخفاض معدل مستوى الأداء عندما يكون المتطوع يعمل في غير تخصصه، أو عندما تكون طبيعة العمل تحتاج إلى تدريب أو لا تتوافر الإمكانيات الخاصة بالأداء .
3- قد لا يكون جو العمل سوياً نتيجة سوء العلاقات الإنسانية داخل المنظمة بسبب اختلاف المعاملة بين العاملين المنتظمين بالمؤسسة والمتطوعين من الأفراد ، والذين ينظر إليهم على أنهم دخلاء على العمل .
4- قد لا يتناسب أسلوب ونظام التطوع مع المجتمع أو المنطقة التي تعاني من البطالة ومن زيادة القوى العاملة عن حاجة سوق العمل.
ولتلافي هذه السلبيات ، قد تلجأ المؤسسات التي يعمل فيها المتطوعون إلى توفير الحوافز المعنوية والمادية التي قد تحفز على استمرارية المتطوعين للعمل فيها، وتشجيعهم على استمرارية التطوع ، وقد توفر التدريب لهم كما تغري بوضع إمكانيات المؤسسة في متناول أيديهم من حيث الخدمات المختلفة ، وتحسين العلاقات بينهم وبين العاملين بها ، حتى تؤكد وتعزز الجوانب الإيجابية في التطوع وتلافي الجوانب السلبية.
يعتقد البعض بأن الأمن هو مسؤولية جهاز الشرطة فقط من خلال قيامها بسلسلة من الإجراءات الوقائية كالدوريات والحراسات والتحقيقات والقبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة وتنفيذ العقوبة المقررة بحقهم . وهذا بلا شك يقع ضمن اختصاص الشرطة كوظيفة مهنية .. وفي المقابل يرى رجال الأمن بأن هذه الإجراءات المنوه بها تؤدي بالضرورة إلى التقليل والحد من وقوع الجرائم ، غير أن إجراءات الوقاية والمنع لا تقف عند حد هذه الإجراءات التي تعد تقليدية ما لم يكن للجهود دوراٌ في المشاركة في إجراءات الوقاية من الجريمة فقد أظهرت دراسات الجريمة أهمية دور الجمهور في الوقاية من الجريمة ، وأنه لا يقل أهمية عن إجراءات الشرطة الوقائية ، وقد أثبتت التجربة العملية أهمية وفاعلية دور الجمهور في تقليل الجريمة والحد منها من خلال المشاركة في الأعمال التطوعية واهتمام الشرطة لتعميق وترسيخ مفهوم العمل التطوعي ليتحقق التعاون المثمر بين الشرطة والجمهور وتصبح العلاقة بينهما تبادلية وتتمازج جهودهما معاً بهدف تحقيق الأمن المنشود.
ويقاس نجاح الخطط الأمنية تبعاً لتزايد وعي ومشاركة الجمهور في الأعمال التطوعية.
في نطاق محدد ينحصر في البلاغ عن المخالفات والمخالفين للقانون ، ومراقبة المشبوهين والمنشآت التجارية، والسكنية وكل ما قد يعكر صفو الأمن في الزمان والمكان، بما ينعكس على تحسن الحالة الأمنية واستقرارها لينعم المجتمع بالأمن والأمان، وعلى النقيض من ذلك فعندما يحجم الجمهور عن المشاركة في الأعمال التطوعية قد لا تفلح جهود الشرطة كما يجب لفقدها الميدان الأساسي لعملها وهو وعي ومشاركة الجمهور
من الناحية النفسية تعتبر المسؤولية الاجتماعية حاجة اجتماعية ، إذ أن المجتمع بأسره في حاجة إلى الفرد المسؤول اجتماعياً ومهنياً وقانونياً ، بل إن الحاجة إلى الفرد المسؤول اجتماعياً أشد إلحاحاً في المجتمع لأنه مسؤول عن ذاته. كما أنها حاجة فردية ، فما من فرد تستوي شخصيته وتتكامل أو تتضح ذاتيته إلا وهو مرتبط بالجماعة .. ارتباط عاطفة وحرص.. وانتماء واهتمام وفهم . ولا تتوفر للفرد صحته النفسية وتكامله الأخلاقي وتساميه في وجوده إلا بصحة ارتباطه وانتمائه وتوحده مع الجماعة.
كما أن الجهل بالمسؤولية والنقص فيها أشد خطراً على المؤسسات من الجهل بإدارتها وتشغيلها ، لأن الجهل أو النقص الأول يدمر قبل أن يعطل ، بينما الجهل الآخر يعطل بالقدر الذي يمكن إصلاحه أو تعويضه . وإحساس الفرد بالمسؤولية الاجتماعية يمكنه من تأجيل إشباع ذاته وحاجاته العاجلة ويجعله أكثر قدرة على تحمل أعباء ما يسند إليه من أعمال ، ويحرص على إتقان هذه الأعمال ، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى تقديره لذاته ويحقق له احترام الآخرين .
وتأسيساً على ذلك فإننا نجد ارتباطاً وثيقاً بين ماهية العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية من حيث إنهما حاجة اجتماعية وتجسدان الانتماء والاهتمام والارتباط العاطفي بالجماعة .. ولعل القاسم المشترك بينهما أي العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية هو عنصر المشاركة باعتبارها أحد أنماط السلوك الإنساني الذي يعكس شخصية الإنسان ومدى ثقافته وظروف تنشئته البيئية ودرجة توافقه مع المجتمع الذي يعايشه بتقاليده وعاداته ونظمه السياسية . وتبرز المشاركة كضرورة حيوية في العمل الشرطي الوقائي ، حيث تلعب دوراً جوهرياً في نجاح الخطط الأمنية وزيادة فاعليتها في إنقاص حجم الجرائم ، والمشاركة باعتبارها أيضاً سلوكاً تربوياً ينشأ عليه الفرد ويؤثر فيه مدى ما اكتسبه من علم وخبرات يمكن اعتبارها أحد عناصر تنمية سلوك الجماهير تجاه العمل التطوعي في مجال مكافحة الجريمة.
وربط بعض الباحثين المسؤولية الاجتماعية بالانتماء إذ يرى (أريك فروم، 1960) بأن عدم الاهتمام بالوطن دليل على انعدام المسؤولية الاجتماعية وضعف التماسك الإنساني، حيث لابد للإنسان أن يحرر عقله ويضاعف انتمائه بدرجة أعلى ، ولابد له أن يُنشئ عالماً يقوم على التمسك الإنساني الشاملة وعلى العدالة المطلقة والتعاون البناء.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية:
يميل بعض الباحثين إلى الربط بين المسؤولية والسواء النفسي ( سوية السلوك)، فالشخص السوي أو حسن التوافق لديهم شخص مسؤول ، أما الشخص غير السوي أو سيء التوافق فهو إما أن يكون كسولاً أو متردداً في تقبله للمسؤولية وتحمله لها ، أو يكون منقاداً بإحساسه بعدم الكفاية بالاضطلاع بالمسؤولية ، فالشخص السوي يدرك ثقته في قدرته على مواجهة الحياة ومشكلاتها وعلى الاضطلاع بالمسؤوليات الملائمة لعمره ولمستوى قدرته ولحجم معارفه وخبراته ومهاراته.
ويرى كثير من الباحثين ومفكري علم النفس في التزام الفرد حيال الآخرين ، قيمة كبيرة ، ولأنهم يعتقدون بأن حياة الإنسان تُصبح ذات قيمة ومعنى إن هي كانت تعني بقاء الحياة واستمراريتها وتطويرها بإرادة وحرية ، تلك الحرية التي تقابلها مسؤولية الإنسان عن اختياراته – لأن الذي يختار هو من يتحمل مسؤولية اختياره وهكذا – فعندما يتوافر للأفراد إمكانية الاختيار وهم بالقطع لديهم هذه الإمكانية يكونون عندئذ عرضة للمساءلة والمحاسبة على سلوكهم وتصرفاتهم ، ويمكن تقييم تصرفاتهم في هذه الأحوال وتحديد ما إذا كانت هذه التصرفات تستحق اللوم والاستهجان أو تستحق المدح والاستحسان.
وفي هذا ما يفيد بأن المسؤولية الاجتماعية الشاملة بوحدة إطارها الاجتماعي الذي بينه سيد البشرية محمد e في حديثه فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال سمعت رسول الله e يقول « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤوله عنهم ، والعبد راع ومسؤول على مال سيده، وهو مسؤول عنه ، آلا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ويستنتج من هذا الحديث بأنه يمكن أن تكون المسؤولية الاجتماعية بالفعل أسلوباً حضارياً يعيد التوازن إلى تطور الحضارة الإنسانية المعاصرة ، بحيث يصبح مردودها عند تطورها أكثر أمناً وأماناً واتزاناً واستقراراً ، فهي لشدة التصاقها بالظروف والمتغيرات الاجتماعية الداعية إليها، يمكن نجد لها دوراً فاعلاً وسط المجتمعات مهما اختلفت وتصارعت. وتتعدد مفاهيم المسؤولية الاجتماعية باعتبارها أحد مظاهر الإحساس بالمجتمع فيرى (سيد عثمان، 1979م) بأن المسؤولية الاجتماعية هي مسؤولية الفرد أمام ذاته عن الجماعة التي ينتمي إليه
يحتل التطوع اهتماماً خاصاً لدى كافة دول العالم ، ولأهميته فقد خصصت الأمم المتحدة عام 2001م عاماً دولياً للمتطوعين ويعد العمل التطوعي جزءاً مما يدعو إليه ديننا الحنيف ويحض عليه ، لارتباطه بكل معاني الخير والعمل الصالح منذ الخليقة .يقول الله سبحانه وتعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذزة شراً يره)سورة الزلزله:الأيه (8،7) وقوله تعالى: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لناخاشعين)سورة الأنبياء الأيه(90). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وقوله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضـل ظهر فليعد به على من لاظهر له، ومن عنده فضـل زاد فليـعد به على من لا زاد له .
والتطوع من الموضوعات التي تهتم بها العلوم الاجتماعية والإنسانية وكذلك المجال الأمني كون العمل الاجتماعي قائماً على التطوع بالوقت والجهد والمال من قبل العاملين في هذا المجال، ويعد الأمن من الضرورات التي يحتاجها الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، لذلك تجد أن العلاقة وطيدة بين العمل التطوعي وأمن المجتمع .
وتكمن أهمية العمل التطوعي كون الخدمات التي يقدمها تستطيع القيام بثلاث مهام أساسية في نطاق دفع المجتمع على طريق التطور، وتتمثل أولى هذه المهام في كونها تشكل إطاراً ينظم من خلاله البشر من أجل المشاركة الفعالة داخل المجتمع، وتتمثل المهمة الثانية في أن الخدمات التطوعية تعمل على ترقية أوضاع البشر مما يجعلهم قادرين على المشاركة الفعالة الواعية، فهي تستثير الحافز لديهم للمشاركة أو لتأهيل أنفسهم بل والعمل على تأهيل الآخرين، وتتمثل المهمة الثالثة في أن الخدمات التطوعية تتم وفقاً لمجالات عديدة من ضمنها النواحي التربوية والاجتماعية والثقافية والأمنية ، وفي إطار ذلك تتحقق نجاحات لاتقل أهميتها عن الخدمات التي تقدم من قبل الجهات الحكومية. ويجب أن لا ينظر إلى العمل التطوعي على أنه مجرد إسهام في تحمل نصيب من أعباء وتكاليف مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تخطط لها الدولة فحسب، بل يجب أن ينظر إليه أنه مجموعة من التجارب الوطنية التي تصنع التقدم وتدعمه ، ومن هنا يأخذ التطوع في العمل الاجتماعي والأمني بعداً جديداً مهماً فيصبح غاية ووسيلة فهو غاية لأنه يمثل الضريبة الوطنية التي يجب أن يدفعها كل مواطن لمجتمعه ، وهو وسيلة لأنه في صوره المتعددة يمثل ما يشبه مدرسة حياة كبيرة تستوعب المواطنين جميعاً ليكونوا متعلمين ولكون مواقف الحياة بتجاربها هي منهج التعلم ومادته. وبذلك فإن قيمة وأهمية التطوع في العمل الاجتماعي على مختلف أشكاله يجب ألا تقاس على المدى القريب ، بل يجب أن تقاس بالعائد التربوي والثقافي والاجتماعي والأمني على المدى البعيد .
الدافع الرئيسي للعمل التطوعي هو الرغبة في نيل الأجر والثواب بدون مردود مادي أو جزاء واحتساب الأجر من عند الله سبحانه وتعالى .
وإلى جانب هذا الدافع الأساسي توجد عديد من الدوافع منها على سبيل المثال :
1- الرغبة في تحقيق الذات والدفاع عن القيم ونشر المبادئ التي يؤمن بها الإنسان، وهذا الدافع مطلب أساسي للنفس البشرية. وقد أشرنا إلى العلاقة الارتباطية بين التطوع والحاجات الإنسانية فكلما شعر أفراد المجتمع بالأمن والطمأنينة وتوفرت حاجاتهم الأساسية ساعد ذلك على تنمية دواعي التطوع لأن الإنسان يخرج من ذاته إلى مساعدة الآخرين .
2- الرغبة في زيادة احترام الذات، وتطلع الفرد إلى مزيد من الاحترام والتقدير الذي قد يأتي من جراء العمل التطوعي، وتكون الرغبة أشد لدى أولئك الذين يعتقدون أن لا يحصلون على التقدير الكافي في أعمالهم.
3- الرغبة في شغل أوقات الفراغ، حيث يجد بعض الناس بعد أعمالهم الرسمية الكثير من الوقت الذي قد يتحول إلى فراغ ممل ، فيجدون في التطوع أفضل سبيل للاستفادة من الوقت وفي هذا الصدد تشير دراسة ( الباز، 2002) أجريت على طلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض إلى أن 90 % من العينة أفادوا بأن لديهم وقت فراغ يدفعهم للانخراط في العمل التطوعي .
4- ارتفاع درجة المسؤولية الاجتماعية والتي تجسد مسؤولية الفرد أمام ذاته عن المجتمع الذي يعيش فيه ومدى حاجته لأن يكون مسؤولاً وعنصراً فاعل في بناء المجتمع ، إضافة إلى أن المسؤولية الاجتماعية تعتبر مطلباً هاماً لإثراء الشخصية الإيجابية المتفاعلة المتوافقة مع المجتمع .
5- الرغبة في التعلم واكتساب المعارف الجديدة والنمو الشخصي حيث يدفع هذا الأمر الكثير من الأفراد رجالاً ونساءً إلى التطوع بالوقت والجهد فقد يجد البعض أن أعمالهم ووظائفهم أصبحت روتينية ورتيبة لا تحقق مزيداً من المعرفة ولا تقدم تحديات تستحق العناء.
6- مشاعر الرضى عن النفس وإحساس المتطوع بأهمية الإيثار من جراء تفعيل خدمة ومساعدة الآخرين دون مقابل ، قد لا تتوفر بالأعمال الرسمية التي تتسم بمسار نظامي محدد مما يدفع بعض الأفراد إلى الرغبة في تقديم مزيد من الخدمات التطوعية ، لكسب الرضى عن النفس .
7- ترتبط دوافع العمل التطوعي بعمر المتطوع ورغبته في العمل التطوعي ، فكلما تقدم عمر الإنسان تغيرت دوافعه للعمل التطوعي ، فالشباب ، على سبيل المثال ، يرغبون في الانضمام إلى العمل التطوعي للحصول على الرفقة واكتساب المهارات والمعارف الجديدة، أما متوسطو الأعمار فربما كانت دوافعهم للعمل التطوعي الضيق والتبرم من العمل الرسمي والبحث عن عمل يحررهم من الروتين والرتابة ، وربما البحث عن فرص أكثر لتحقيق الذات والحصول على التقدير والاحترام، أما بالنسبة للمسنين والمتقاعدين فربما كانت دوافعهم للعمل التطوعي البحث عن دور جديد في الحياة.
8- الحاجة للاتصال بالآخرين ، حيث تؤدي هذه الحاجة الفطرية لدى الإنسان إلى الانضمام لأعمال التطوع لإتاحة فرصة التعرف على الآخرين من الأقران وتوسيع دائرة العلاقات خاصة فئة الشباب إذ يمكن أن يكون التعرف على الآخرين مفتاحاً لدخول أكبر في المجتمع، والحصول على مكاسب سواء كانت شخصية أو غيرها. وفي هذا الصدد تشير دراسة (الباز ، 2002) عن الشباب والعمل التطوعي إلى أن21% من أفراد عينة دراسته إلى أن مشاركتهم في العمل التطوعي تفيد في التعرف على الآخرين.
وتتعدد الدوافع والأسباب للانضمام للعمل التطوعي وتتشابك وتتقاطع ، وليس بالضرورة أن يكون الدافع للعمل التطوعي واحداً ، بل في الغالب تتعدد وتتأثر ببعضها بصور متفاوتة ... ففي الدراسات التي أجريت في أمريكا يمثل دافع مساعدة الآخرين 53% وهو أكثر الدوافع ، يليه دافع الشعور بالمتعة 36 % ثم الشعور بالواجب 32 % ثم خدمة فرد من الأسرة 22 %
برزت نظريات اجتماعية ركزت على العلاقات الاجتماعية المتبادلة وقيمة المشاركة والعمل المتبادل وأهميته بين أعضاء المجتمع .. وتعتمد معظم الدراسات النفسية والاجتماعية التي تتناول العلاقات التبادلية إلى استخدام بعضاً من النظريات ذات الصلة بهذا الجانب .. وفيما يلي نتناول بعضاً من هذه النظريات على النحو التالي :
1- نظرية التبادل الاجتماعي:
وهي من النظريات التي حظيت باهتمام وتعقب على تطويرها عديد من الباحثين المتخصصين ووسعوا إطارها لتشمل المستويات البنائية والثقافية في المجتمع ، والعلاقات التبادلية بين الفرد والمجموعة ، وبين المجموعات بعضها مع بعض، والتي تعتمد على الأنماط والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع. ووصل التطور في هذه النظرية إلى الربط بينها وبين نظرية شبكة العلاقات.
وتتعلق النظرية التبادلية بالتفاعل بين الناس ، وتركز على المكاسب والخسارة التي يجنبها الناس من علاقاتهم التبادلية بعضهم مع بعض . فاستمرار التفاعل بين الناس مرهون باستمرار المكاسب المتبادلة التي يحصلون عليها من جراء التفاعل والتفاعل الذي نعنيه بهذه النظرية هو التفاعل الاجتماعي الذي يعتبر الأساس بالنسبة لأي علاقة اجتماعية يمكن أن تنشأ بين الأفراد. ويكمن الإدراك الاجتماعي وراء كل تفاعل ناجح أو فاشل، ووراء كل مهارة اجتماعية يستخدمها الناس في علاقاتهم بالآخرين ، لأن تلك المهارة لا تصلح دون إدراك اجتماعي صحيح لموقف التفاعل الذي يصل بين الأفراد
كما يتضمن التفاعل الاجتماعي نوعاً إيجابياً من التأثير المتبادل ما بين الأفراد في تواصلهم البينشخصي ، وهذا تأثير يعمل على تدعيم تماسك الجماعة والمجتمع وتسهيل مجالات التبادل والمشاركة على المستويين"البينشخصي"* والاجتماعي مما يؤدي إلى التفاعل والتواصل. وتجدر الإشارة إلى أن التفاعل الاجتماعي لا يقتضي أو يستلزم تلاشي الفردية أو التقليل من أهميتها ، حيث يمكن استثمار قوة وإمكانات الإنسان كفرد في إطار من الالتزامات المشتركة بحيث تثري الجهود الفردية المتفردة طاقة الجماعة كقوة منتجة .
وتتضمن نظرية التبادل الاجتماعي عدة فرضيات تتبلور بالآتي:
1- ارتباط مكاسب العمل أو النشاط الذي يقوم به الفرد بتكرار ذلك العمل والنشاط اعتماداً على المكاسب التي يجنيها الفرد من عمله.
2- مراعاة عدم وجود فاصل طويل «توقف» بين القيام بالعمل والمكاسب.
3- المكاسب المنتظمة قد لا تكون مجدية في تشجيع الفرد على تكرار العمل ، مثل المكاسب غير المنتظمة. فحصول الفرد على مكاسب متكررة في فترات متقاربة تقلل من قيمتها ، وهذا يرتبط بعملية الإشباع والحرمان، فتكرار المكاسب نفسها يُحدث إشباعاً للفرد ، لكن إذا زادت قيمة المكاسب التي يحصل عليها الفرد من قيامه بفعل ما زادت احتمالية قيامه بهذا الفعل .
4- إذا كانت هناك مؤثرات في الماضي أدت إلى وجود مكاسب للفرد ، فإن وجود مؤثرات مشابهه ستدفع الفرد للقيام بالعمل السابق أو بعمل مشابه له.
5- كلما كان تقييم الفرد لنتائج فعله أو نشاطه إيجابياً زادت احتمالية قيامه بالفعل. فوجود مكاسب على الفعل الذي يقوم به الفرد تزيد من حدوث السلوك المرغوب . وفي المقابل عدم وجود مكاسب للفرد أو وجود عقاب يقلل من احتمالية حدوث السلوك المرغوب ، مع التأكيد على أن العقاب ليس وسيله فعالة لتغيير السلوك ، كدفع فرد ما للقيام بعمل ، أو الامتناع عن العمل ، لكن من الأفضل حجب المكاسب عن السلوك غير المقبول ، وهذا سيؤدي إلى تلاشيه.
6- حينما يؤدي الفرد عملاً ولا يحصل على مكاسب – كما كان يتوقع- من جراء ذلك ، أو يوقع عليه عقاب ، فهناك احتمالية كبيرة للقيام بالسلوك المرغوب ، ونتائج هذا السلوك ستصبح ذات قيمة له
هذه النظرية تنطبق على العمل التطوعي ، فالمتطوع الذي يحصل على مكاسب معنوية من احترام المجتمع وحبه وتعاطفه واكتساب تقديره ، يدفعه إلى مزيد من العمل التطوعي .
2- نظرية الدور :
وهي تركز على الدور الذي يؤديه الفرد في نشاط أو عمل ما ، باعتبار الدور أحد عناصر التفاعل الاجتماعي ، وهو نمط متكرر من الأفعال المكتسبة التي يؤديها الشخص في موقف معين، وهذا يوضح الدور البارز الذي يؤديه المتطوع في تفعيل النشاط التطوعي، والنهوض بخدماته لسد حاجات الأفراد والجماعات.
والتطوع قد يأخذ صوراً متعددة ، فقد يكون تبرعاً بالمال ، أو تضحية بالوقت ، كما يحدث في الأندية الرياضية والجمعيات الخيرية وأعمال الكشافة.
ومفهوم تعلم الدور – أي مفهوم سلوك الدور الفردي ، ومفهوم سلوك دور الجماعة – يقود إلى تعدد الأدوار الاجتماعية ، كما أن الفرد بدوره يتعلم من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ( التعليم غير المقصود) ، وهو يختلف عن عملية التعلم الرسمي (التعلم المقصود).
وتظهر هذه النظرية مفهوم المركز الاجتماعي ، الذي يرى أن كل شخص من الذين يحتلون هذه المراكز يقوم بأفعال معينة ، أو يقوم بأدوار ترتبط بالمراكز، وليس بالأشخاص الذين يحتلون هذه المراكز، وبما أن العمل التطوعي فيه إشباع لحاجة الأفراد والمجتمع على حد سواء ، فهو يعمل على سد الثغرات والنقص، وبشكل أساسي في عملية التفاعل الاجتماعي القائمة بين الأفراد. ومن مفهوم المركز الاجتماعي يمكن تفسير الدور الذي يؤديه القائمون بالعمل التطوعي انطلاقاً من دوافع الخير، وهذا الدور في الأساس يقوى من المركز الاجتماعي للمتطوع
3 – النظرية البنائية :
وهذه النظرية تحاول تفسير السلوك الاجتماعي بالرجوع إلى تفسير النتائج التي يحققها هذا السلوك في المجتمع ، فالمجتمع في هذه النظرية يمثل أجزاء مترابطة ، يؤدي كل منها وظيفة من أجل خدمة أهداف الجميع. وهذه النظرية ترى أن للمجتمع نسقاً من شبكة العلاقات الاجتماعية، ومن ثم تجمع هذه العلاقات في صور منظمة اجتماعية، وبالتالي ينبغي النظر للمجتمع نظرة كلية، باعتباره نسقاً يحتوي على مجموعة أجزاء مترابطة ، كما يترتب على هذه الرؤيا التصويرية أن تستند إلى تعدد العوامل الاجتماعية ، كما أن التكامل في المجتمع لن يكون تاماً على الإطلاق ، وهذا يحدث الخلل أو الانحراف الذي يحدث في الكشف الاجتماعي، وهذه الانحرافات التي يمكن حدوثها في النسق الاجتماعي يمكن أن تستمر لمدة تقصر أو تطول.
وهذه النظرية تنطبق على العمل التطوعي باعتباره أحد الأنساق الاجتماعية للحفاظ على استقرار المجتمع وتكامله وبهذا يترابط النسق التطوعي مع الأسري والاقتصادي والتربوي والأمني، ليشكل البناء الاجتماعي ، فإذا ما عجز أحد الأنساق الاجتماعية عن القيام بأحد وظائف البناء الاجتماعي ، فقد ينشأ الخلل الوظيفي الناتج عن عجز الأعضاء في المؤسسة عن ممارسة الوظائف الاجتماعية ، فيأتي العمل التطوعي لسد هذا العجز، ويعيد الضبط الاجتماعي إلى طبيعته
4- النظرية الوظيفية :
يؤكد أنصار هذه النظرية على وظائف العلاقات المتداخلة في شبكة العلاقات الاجتماعية المحيطة بالفرد، والتي تعمل على مساندته في الظروف الصعبة التي يواجهها في بيئته ، وتركز هذه النظرية على تعزيز أنماط السلوك المتداخل في شبكة هذه العلاقات لزيادة مصادر العمل التطوعي لدى الفرد.
وتشير هذه النظرية أيضاً إلى أن العمل التطوعي أو « المساندة الاجتماعية» هو تلك المعلومات التي تؤدي إلى اعتقاد الفرد بأنه محبوب من المحيطين به، وأن يشعر بأنه محاط بالرعاية من الآخرين ، وبالانتماء إلى شبكة العلاقات الاجتماعية في البيئة المحيطة، ويشعر بالتقدير والاحترام من مصادر العمل التطوعي القريبة منه، ويشعر أيضاً بواجباته والتزاماته الاجتماعية مع المحيطين به.
ومن خلال سرد النظريات المفسرة للعمل التطوعي نجد ارتباطها الوثيق بالعمل التطوعي أو ما يسمى بالمساندة الاجتماعية التي تعني المعاضدة والمؤازرة والمساعدة على مواجهة المواقف المختلفة ، وهي مفهوم أضيق بكثير من مفهوم شبكة العلاقات الاجتماعية حيث يعتمد العمل التطوعي والمساندة على إدراك الأفراد بشبكاتهم الاجتماعية باعتبارها الأطر التي تشمل أولئك الأفراد الذي يثقون فيهم ويمكن الاعتماد عليهم ، وتركز النظريات في مجملها على التفاعل الاجتماعي الإيجابي المحقق للأمن والانتماء واحترام الذات ومعايير الصحة النفسية السليمة.
منع الجريمة والانحراف والوقاية منهما ، هي مسؤولية الجميع ، ولابد أن يدفع بجهود المواطنين من خلال التطوع للتساند والتعاضد والتعاون المخلص لمواجهة الجريمة بكافة صورها وأشكالها والحيلولة دون اتساع انتشارها، وبلوغ أثارها جميع أفراد المجتمع بانعكاسات سلبية تمس أيضا النشاطات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بأسره.
ولهذا نجد القائمين على الأمن في مختلف مواقعهم يهتمون بالعمل التطوعي للجمهور كقيمة عملية تجسد أهمية التعاون والمشاركة سواء كانت وقت الأزمات والكوارث وغيرها، وكيفية الإبلاغ عن الجرائم ، وكيفية المحافظة على موقع الحادث ، وما الأساليب التي يجب أن يتخذها .
ومن أجل توسيع وتعميق التعاون والتفاهم المشترك بين أجهزة الأمن والجمهور لابد من زيادة الفرص التي تُعمق التفاعل وتحقق للعمل التطوعي دوراً أمني ملموس فإنه ينبغي مراعـاة الآتي :
1- إشراك الجمهور في النشاط الأمني ، وذلك في بعض المهام كأعمال المرور والدفاع المدني ، ويتم تعريفهم ميدانياً على طبيعة هذه الأعمال بما ينعكس عليهم من تعلمهم التعود على النظام وتنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية برغبة منهم وبطريقة تطوعية .
2- إشراك رجال الأمن في البرامج الاجتماعية التي تهم الجمهور ، لكي تتسع مساحة التفاهم بينهم .
3- انخراط رجال الأمن في الجمعيات المختلفة للمواطنين كالجمعيات الاجتماعية والتطوعية ، والقيام بدور ملموس ، ليتبين بأن لرجل الأمن أدوار أخرى غير دوره التقليدي المعروف.
4- إعطاء أفراد المجتمع دور أمني في حياتهم من خلال ما يسمى ( بالشرطة المجتمعية) وهي التي بجميع عناصرها إلى جانب رجال الأمن ، المواطنين والمؤسسات الرسمية أو التنظيمات الشعبية ذات الدور في تحقيق الأمن مثل الأسرة والجمعيات التطوعية والمدارس والجامعات وجمعيات أصدقاء الشرطة.
كما يتطلب الدور الأمني للعمل التطوعي الاهتمام بعديد من الجوانب من قبل المتطوعين ومراعاتها وإعطائها أهمية بالغة عند ممارسة دورهم التطوعي الأمني وتتمثل هذه الجوانب بالآتي :
1- عدم إغراء المجرمين على ارتكاب جرائمهم : ويقصد بذلك عدم تحريك الدوافع النفسية للذين لديهم استعداد للانحراف وذلك بإتاحة الفرصة السانحة لهم لتنفيذ جرائمهم مثل إهمال الممتلكات.
2- التعامل مع رجال الشرطة : ويكتسب تعامل المتطوعين مع رجال الشرطة أهمية بالغة لأنه مقياس لطبيعة العلاقة الموجودة بين المواطن والشرطة .
ويفترض من هذه العلاقة أن تكون منسجمة وقوية ومبنية على احترام النظام وطاعة رجال الأمن ومساعدتهم لأداء مهمتهم على الشكل الأفضل.
3- من أهم المجالات التي ينبغي على المتطوعين أن يكونوا على وعي بها ، مجابهتهم للمجرمين والمشبوهين بضرورة الإدلاء بالشهادة الحقيقية عند الحاجة لاكتشاف مجرم ، وعدم التستر على الفارين من العدالة ، ومحاولة ضبط الشخص الذي يحاول أن يرتكب جريمة عند مشاهدته ، كأن يشاهد سيارة ترتكب حادث دهس، أو شخصاً يحاول أن يسرق سيارة أو منزل.
4- مشاركة المتطوعين في توعية المواطنين بمخاطر الجريمة ، باعتبار أن التوعية من الوسائل القوية في تحقيق الضبط الاجتماعي والجنائي.
1- الثقة المتبادلة بين المتطوعين والهيئة التي يعملون بها من خلال الرجال الذين يمثلونها. فإذا لم يكن لدى الهيئة والرجال الذين يمثلونها القدرة على التعامل الجيد مع المتطوعين فسرعان ما ينفض هؤلاء المتطوعين ويتركون الهيئة وشأنها. ويتطلب قيام الثقة المتبادلة بينهما مراعاة الجوانب التالية :
وضوح أهداف استقطاب المتطوعين.
تعريف المتطوعين على الهيئة وأهدافها وطرق تنظيمها.
تناسب الأعمال التطوعية لقدرات ومؤهلات المتطوعين.
2- ضرورة توفر عديد من الصفات في الشخص أو الأشخاص المسؤولين عن استقطاب المتطوعين ، إضافة إلى صلاحية البيئة على مستوى الهيئة والعاملين فيها، ومن هذه الصفات:
القدرة على تحديد الفئات الاجتماعية والعمرية والتخصصية التي يمكن استقطابها .
فهم المجتمع وأساليب الحياة من أعراف وتقاليد سائدة في المجتمع .
توفر قاعدة علاقات اجتماعية فاعله، يمكن تبصيرها بأهداف العمل التطوعي.
3- التعاون والتكامل في العمل الاجتماعي التطوعي بين الأفراد المنخرطين فيه من خلال الجوانب التالية:
تفعيل وتأكيد الجانب الأخلاقي وما ينطوي عليه من تأصيل للقيم والمبادئ الإسلامية التي تحث على التعاون والتكافل والتواصل.
تبادل الخبرات والتجارب بين المتطوعين .
تحديد مسارات واتجاهات الأعمال التطوعية نحو أهدافها ، بما يضمن حمايتها وعدم استغلالها فيما يسيء إليها.
4- باعتبار الأعمال التطوعية من الحاجات الإنسانية التي تتميز بالاستمرار والتجدد فإنه لا يمكن إشباعها مرة واحدة ، وهذا ما يجعل النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للإنسان ينمو ويتجدد باستمرار ، ولابد للأعمال التطوعية من مواكبة ذلك، وهذا يتطلب أمور هامة منها:
تحديد استراتيجيات تراعى ضمن أولوياتها خيارات وبدائل تنمي الأعمال التطوعية .
وضع قوانين وأنظمة تخدم العمل التطوعي وتحتضنه ، وتبين آليته وأهدافه وكل ما له صله بالعمل التطوعي.
5- التنظيم الجيد المحقق للموائمة بين الأهداف والإمكانيات. ويؤدي التنظيم الأمثل إلى استثمار وتوظيف كل الطاقات والإمكانيات المتاحة من خلال تولد الرغبة والدافع والحماس لدى كافة الأفراد والجماعات والمنظمات ، وتشجيع المبادرات الإبداعية من خلال إزالة العوائق القانونية والتنظيمية التي تحول دون التقدم في مجال العمل التطوعي.
6- تأصيل مفهوم العمل التطوعي، من خلال نشر ثقافة التطوع عبر الأنشطة التثقيفية والتوعوية لجهات الخدمات الدينية والتعليمية والتربوية والاجتماعية والأمنية، وتفعيل وسائط التنشئة الاجتماعية للأبناء كالأسرة والمدرسة والأعلام ودورها في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في الناشئة منذ مراحل الطفولة المبكرة ، والتركيز على جانب تحفيز وتنمية الانتماء للعمل الجماعي.
للمشاركة الاجتماعية بصورة عامة فوائد عديدة لا حصر لها ، وتتوج القيمة المعنوية للمشاركة عندما تكون في العمل التطوعي ابتغاء وجه الله تعالى ونيل الأجر والثواب مقابل دور المتطوع في المشاركة.
ويكون العمل التطوعي سهل المنال يستطيع أن ينخرط فيه أفراد قد لا يتطلب معظمة مهارات محدده، الأمر الذي يترتب عليه بروز عديد من العوائق تختلف باختلاف الأفراد والبيئة وطبيعة النظم الإدارية والتنفيذية لكل جمعية أو مؤسسة تطوعية ، كما تختلف أيضاً تبعاً لطبيعة الجمهور ومدى تفاعلهم مع الأنشطة الخيرية من عدمه، ومنها ما يتصل بالجانب المجتمعي من حيث عدم وجود تقدير للمشاركة في العمل التطوعي، إذ أن التقدير المجتمعي يمثل اعترافاً من المجتمع بأهمية الجهد الذي يبذله المتطوعون في المجتمع مما يشجع الشباب للانخراط في العمل التطوعي.
ومن أبرز عوامل معوقات العمل التطوعي ما يلي:
1- ضعف الوعي المجتمعي بدور العمل التطوعي وأهميته في التنمية، واعتماد الأفراد على جهود الدولة فقط باعتبارها المسؤولة عن تقديم كافة الخدمات للأفراد المجتمع كحق مشروع ، مما أضعف من قيمة العمل التطوعي . رغم أن العمل التطوعي أثبت أهميته ودوره في المجتمعات كمساند للأجهزة الرسمية في الدولة بغض النظر عن الوضع الاقتصادي للدول التي يمارس أفرادها العمل التطوعي.
2- عدم اقتناع المؤسسات والجهات بدور العمل التطوعي، وقيام بعضها يوضع معايير للمشاركة في العمل التطوعي هي في الأصل معوقات تحد من المشاركة ، وهذا يعود إلى عدم نظره محدده وواضحة من قبل المؤسسات لماهية الدور المتوقع القيام به من قبل المتطوعين.
3- عدم وجود مكافآت أو عوامل تحفيز للعمل التطوعي.
4- عدم وجود التدريب الكافي لدى الجمعيات التطوعية .
5- الروتين في العمل التطوعي ، وشعور المتطوعين بأن عملهم لن يغير في الواقع شيئاً .
6- عدم وجود نظام موحد للتطوع أفقد العمل التطوعي كينونته ، وجعله يسير من غير تخطيط أو تنظيم ، وفي كثير من الأحيان يعتمد على اجتهادات غير عملية مما أدى إلى غياب التنسيق وجعل الجهود التطوعية مشتته ، وانعكس ذلك سلباً على مكانة العمل التطوعي في المجتمع وتقدير الناس له.
7- عدم معرفة المتطوعين المكان المناسب للعمل التطوعي والزمن الكافي للتطوع.
8- ضعف تجربة المتطوعين وخوفهم من الفشل مقارنة بالعاملين في الجهات التطوعية الذين يأخذون مقابلاً عن أعمالهم داخل الجمعيات التطوعية.
9- خلو الأنشطة التعليمية من أي دافع وتطوير لقيمة التطوع ومساعدة المجتمع المحلي .
10- من أبرز العوائق التي تواجه العمل التطوعي عالمياً التدخل الذي حصل في شؤون الأعمال الخيرية بدعوى مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، بحجة أن هناك من الأعمال الخيرية ومن المتطوعين بها من ارتكب أعمالاً إرهابية، وتحت هذه الذريعة حُد من نشاط الجمعيات التطوعية مما أنعكس سلباً على المتطوعين بالجمعيات التطوعية خشية أن يساء فهم ما يقومون به من أعمال تطوعية وخيرية.
رؤية اجتماعية أمنية لتطوير وتفعيل العمل التطوعي:
بناء على ما تقدم يمكن وضع رؤية اجتماعية أمنية لتطوير وتفعيل العمل التطوعي ، وتوسيع قاعدة انتشاره في مجتمعنا ، وتتضمن :
1- إيجاد نظام موحد للعمل التطوعي في الجمعيات والمؤسسات الحكومية والأهلية، وتنظيم لوائح خاصة بأعمال التطوع والمتطوعين وحقوقهم ، ومتابعة برامجهم وأنشطتهم .
2- عقد مؤتمر سنوي بإشراف (الشؤون الاجتماعية) يشارك فيه رجال العلم والفكر بتقديم أطروحات علمية وتجارب ميدانية للعمل التطوعي، وكل ما من شأنه الرقي بالأداء والأهداف، ولزيادة الوعي والاهتمام بالعمل التطوعي في المجتمع .
3- تضمين المناهج الدراسية في القطاع التعليمي ببعض الموضوعات التي تتعلق بالعمل التطوعي بحسب المراحل الدراسية ، ومشاركة الطلاب في أعمال تطوعية لخدمة المجتمع ضمن البرامج اللاصفيه .
4- رسم سياسة العمل التطوعي من خلال خطط سنوية واضحة لكل جهة تعني بالعمل التطوعي تشتمل على برامجها التطوعية ، وتنظيم مسيرة العمل التطوعي وعمل قاعدة بيانات بالمتطوعين وسيرهم الذاتية لطلبهم عند الحاجة.
5- تسهيل إجراءات الراغبين بالعمل التطوعي وتشجيعهم ومنحهم حوافز معنوية من أوسمة وميداليات وشهادات تقديراً لأهمية دورهم في المجتمع .
6- العمل على جذب الكفاءات النادرة وإقناعهم بالانضمام للجمعيات التطوعية حتى يسهموا بأفكارهم ومهاراتهم في تطوير العمل التطوعي ورفع مكانته.
7- على صعيد توظيف العمل التطوعي لخدمة الأمن في المجتمع فإن تحقيق ذلك يتطلب:
العمل على تنمية الشعور بالولاء للوطن والخوف على مصالحه الأمنية.
اتخاذ اللازم نحو إزالة العوائق والعقبات التي تحد من مشاركة المواطنين، وذلك بكسر الحاجز النفسي بين المسؤولين في الأجهزة الأمنية والمواطنين المتطوعين ، وتبديد الخوف من تعاونهم مع أجهزة الأمن ، والعمل على حمايتهم وزيادة حماسهم وتجاوبهم أثناء عمليات التطوع .
إحاطة المتطوعين بالمشكلات الأمنية الحالية والمستقبلية.
الاهتمام بإثارة دافعية الجمهور للمشاركة في العمل التطوعي، وإشعارهم بالاستياء تجاه الأفعال الإجرامية ، وإبراز مدى الحاجة للأمن الاجتماعي.
8- الاستفادة من تجارب الجمعيات التطوعية في البلدان الآخر والاستنارة بخططها وروادها لتطوير العمل التطوعي والارتقاء به.
9- مطالبة وسائل الأعلام المختلفة بدور أكثر تأثيراً في تعريف أفراد المجتمع بماهية العمل التطوعي ، ومدى حاجة المجتمع إليه وتبصيرهم بأهميته ودوره في عملية الأمن والتنمية، وإبراز دور العاملين في هذا المجال بطريقة تكسبهم احترام ذاتهم والآخرين.
10- توظيف القيمة السامية للعمل التطوعية في مجال العلاج النفسي والسلوكي للمنحرفين لما يسمى بالعلاج بالعمل من خلال استغلال أمثل لطاقات المنحرفين لمصلحة التنمية الاجتماعية.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .
العمل التطوعي...اشكالاته وتطبيقاته. رؤية اجتماعية أمنية
الدكتور نايف محمد المرواني
9 من الزوار الآن
917334 مشتركو المجلة شكرا