الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > المقاومة والاعلام > تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” الحلقة الثالثة
المسرحية الإذاعية
يقول المرحوم الأستاذ عزمي النشاشيبي، مدير دار الإذاعة الفلسطينية سابقاً، في مقدمته للسبحة، وتمثيليات أخرى التي صدرت في كتاب تأليف السيد جميل الجوزي:
"تتكون البرامج الكاملة للإذاعات العامة من ثلاث أقسام رئيسية وهي:
1 الموسيقى والغناء.
2 الأحاديث.
3 التمثيليات.
وأقرب هذه الأقسام إلى قلوب الطبقة المثقفة من المستمعين، وأبعدها أثراً في نفوسهم هي التمثيليات بلا ريب.
وتختلف الصناعة الفنية في إعداد التمثيليات الإذاعية اختلافاً جوهرياً عن أختها في التمثيلية المسرحية. ففي الثانية المسرحية يتوفر لدى المؤلف المسرح نفسه وما ينصب عليه عادة من التابلوهات واللوحات التي تبرز المناظر المرغوبة، كما يتصرف المخرج بالإنارة فينشئ منها ومما حولها من التابلوهات الأجواء والمناظر التي تتطلبها حوادث الرواية. ويظهر الممثل على المسرح بعد ذلك، فيعبر بجماله أو قبحه، بشكله وجسمه، بعضلات وجهه، وبعينيه وحاجبيه، وبحركات رأسه ويديه ورجليه، عن معانٍ وانفعالات مختلفة كثيرة، من غضب أو رضى، من ابتهاج أو انزعاج، من فرح أو ألم، ومن خوف أو إقدام ومن إعجاب أو قرف. ينما مؤلف التمثيليات الإذاعية محروم من هذه التسهيلات الفنية كلها، وعليه أن يوصلها إلى المستمع نفسه وحواسه عن طريق غير المرئيات. ومن هنا كان إعداد التمثيليات الإذاعية أدق من كتابة المسرحيات وأشق كثيراً".
وحتى تسترعي "فرقة الجوزي" المسرحية الإذاعية اهتمام السامع ومتابعته للمسرحية الإذاعية، أضفنا إلى القول السليم الذي ذكره المرحوم عزمي ما يلي:
1- الراوية:
ومهمة الراوية أن تقوم بتوضيح القصة، والانتقال بالسامع من فصل إلى فصل ومن منظر إلى منظر، وتقديم الممثلين وما يقومون به من أدوار ومساعدة المستمع على فهم مجريات الحوادث.
2- الموسيقى:
التي كانت تسعد المستمع على الانتقال من جو إلى جو آخر ومن جهة إلى جهة أخرى حتى تريح أعصاب المستمع وتساعده على تذوق المسرحية الإذاعية، وكانت الصعوبة بادئ ذي بدء في إيجاد الاسطوانة الحالمة أو الصاخبة، المعبرة عن نوعية التمثيلية الإذاعية وموضوعها، وانتخاب الموسيقى المناسبة، والموسيقى ذوق وفن وفهم ودراسة.
3- الممثل والممثلة:
إضافة إلى ما ذكرنا من وجوب إيجاد راوية ذي صوت إذاعي مقبول عند الجماهير، وإلى موسيقى تلطف الأجواء تارة وتثير الشؤون والشجون أحياناً أخرى، فإن انتقاء الممثلين والممثلات لأمر شاق جداً، فالممثل الذي لم يعتل خشبة المسرح إلا مرة، صار يعتقد أنه نسيج وحده، وأنه يمكنه أن يقوم بكل دور رئيسي يعطى إليه، غير واضع نصب عينيه أن الأصوات تختلف باختلاف الأدوار فإن الممثل الناجح هو الذي يتخذ نبرة صوته من نبرة زميله الواقف أمامه، ولا نريد أن نتوسع في الموضوع.
4- المسرحية الإذاعية:
يجدر بنا أن نشير أولاً أن المدة المحددة للتمثيليات الإذاعية يجب ألا تتعدى الثلاثين دقيقة للمسرحية الدرامية التراجيدية وخمس عشرة دقيقة للفصل الهزلي.
وما دمنا في الحديث عن المسرحية الإذاعية، علينا أن نحيط القارئ علماً بأن أجر أو راتب مسرحية "صلاح الدين الأيوبي" كان جنيهين ونصفاً فقط، وفي عام 1937 أي في 6 / 9 / 37 ارتفع الأجر إلى ثلاث جنيهات.
الممثلة 400 مليم.
4 ممثلين ب 250 لكل منهم.
دعاية 250 م.
المخرج 800 م.
الممثل الأول 300 م.
وفي عام 1942 ارتفع الأجر إلى أربعة جنيهات فلسطينية كانت توزع على الممثلين، والدعاية، والمخرج وإقامة حفلات لأفراد الفرقة.
هذه صورة مصغرة عن الإجراءات التي كانت تتبعها إدارات محطة الإذاعة الفلسطينية. وعلى رأي المثل "لعل له عذراً وأنت تلوم". ولكن فرقة الجوزي كان هدفها وغايتها القصوى أن تنشر فناً وتخلق وعياً بين أفراد الشعب وتؤدي رسالة فنية وطنية في أوضاع مريبة كانت سائدة في فلسطين. وكم وكم من المرات كان رئيس الفرقة ينفق من أمواله الخاصة في شراء المجلات والكتب المسرحية والطباعة.
موضوع المسرحية
ما يجب أن نقرره قبل كل شيء هو أذواق مدراء الإذاعة الفلسطينية ومعاونيهم فبعضهم يريد لغة عربية متينة، ذات طابع شرقي، وموضوعاً مقتبساً من روائع الأدب المسرحي العا لمي، وفريق آخر يفضل أن نعالج الموضوعات التي لها مساس بحياتنا ونعالج مشكلة منن مشاكلنا الداخلية. وفريق ثالث يرى أن الترجمة عن اللغات الأجنبية عمل جدير بالاعتبار إذ أن الكتاب الأجانب قد سبقونا في هذا المضما ر وخطوا خطوات كبيرة في الفن المسرحي والإذاعي.وفريق رابع يرى ألا نحيد عن التاريخ العربي والأبطال العرب الذين طبق صيتهم الآفاق.
أما فرقة الجوزي فقد قام رئيسها نصري بكتابة الموضوعات المستقاة من حياتنا الاجتماعية والتاريخية والوطنية وقام شقيقه جميل بالترجمة عن مسرحيات لمؤلفين أجانب صدرت كتبهم في سلسلة معارف مسرحية.
أما الشقيق الأصغر فريد فقد قام بكتابة وترجمة الفصول التمثيلية الفكاهية وتحويلها إلى فصول تمثيلية إذاعية.
ولعل من المناسب أن نعطي القارئ الكريم قائمة قصيرة بأسماء بعض المؤلفين والمسرحيات التي عرضت لهم من استوديو الإذاعة الفلسطينية.
1
عن الأدب الانكليزي:
وليم شكسبير:
روميو وجولييت، يوليوس قيصر، ماكبث، هاملت، الملك لير، كما تحبها، تاجر البندقية.
اوجين اونيل:
الينبوع، أيام بلا نهاية، الإمبراطور جونز.
شون او كيسي:
ظل القناص، المحراث، وراء البوابات، ورود حمراء، من أجلي، الغبار الأرجواني.
اوسكار وايلد:
مروحة الليدي وندرمير، زوج مثالي، أهمية أن تكون جديداً.
برناردشو:
القديسة جوان، جان دارك.
جون غولزوورثي:
الصندوق الفضي.
2 عن الأدب الفرنسي:
موليير (جان بابتيست بوكلان)
مدرسة الأزواج، المريض بالوهم، البخيل، البرجوازي النبيل، النساء العالمات.
فكتور هيجو:
أحدب نوتردام، البؤساء.
فولتير (فرنسوا ماري):
أوديب، سميراميس، ايرين.
الكسندر دوماس:
غادة الكاميليا.
جان راسين:
اندروماك، فيدر، استر.
بيير كورني:
السيد، هوراس، الكذوب.
3 عن الأدب الألماني:
بيرتولت برخت:
أوبرا القروش الثلاثة، النهاية السعيدة، الأم، السيد بنشيلا ورجله ماتي.
4 عن الأدب الروسي:
نقولا غوغول :
المفتش العام، الزواج.
انطوان تشيخوف:
الزفاف، عرض الزواج، الدب، روح الغابات.
ليو تولستوي:
قوة الظلام، ثمار التنوير، ضوء ينير الظلام، وكل شيء ينبع منها.
ايفان ترجنيف:
الطفيلي، شهر في الريف.
وقد قامت الفرق بتلخيص وإعداد بعض الروايات العالمية إلى مسرحيات إذاعية، ونكتفي بهذا القدر من أسماء الروايات الأجنبية لنلقي ضوءاً على ما اقتبسته الفرق من الدول العربية الشقيقة.
* عن الأدب المصري:
أمير الشعراء أحمد شوقي:
مجنون ليلى، مصرع كليوبترا.
توفيق الحكيم:
أهل الكهف، شهرزاد، بجماليون، بنات بلادي، نهر الجنون.
محمود تيمور:
المخبأ رقم 13، قلب غانية، أبو علي عامل ارتيست.
* عن الأدب اللبناني:
فرح انطون:
صلاح الدين الأيوبي.
سعيد تقي الدين:
لولا المحامي، قضي الأمر.
* عن الأدب الفلسطيني :
نصري الجوزي: تأليف
الحق يعلو، فؤاد وليلى، بين الحب والواجب، على الباغي تدور الدوائر، معجون الحب، باسم الحداد مع الخليفة هارون الرشيد، حياة تحطمت، ضمير يتنبه، ما وراء الستار، بدناريديو، لوكاندة الهدوء والراحة، عشاق التماثيل، أشباح الأحرار، وعشرات غيرها.
كما ألف للطلبة:
أنا لا أحارب من أجل عمر، جابر عثرات الكرام، الطُرف الثلاث، الدنيا أم، ذكاء القاضي، العدل أساس الملك، جحا و 999 ذهبة، جحا وحماره، حذاء أبو القاسم الطنبوري، عمر والعجوز، عمر وفتح بيت المقدس، إضرب ابن الأكرمين، حاتم الطائي والرسول، الوفاء.
جميل الجوزي: مترجمة.
السبحة، الحطام، الصورة، حياة تحطمت، الشجاع، يد الله، الزوجة الخرساء، الأستاذ كلينوف، صباح يوم مشمس، المرحوم، غرام أعمى، الجلف، الرسالة، عبيد الذهب وغيرها كثير.
فريد الجوزي: موضوعة ومترجمة ومقتبسة.
أبو شوكة، التلفون، كيد النساء غلب كيد الرجال، الصعلوك، اللي بحفر حفرة بوقع فيها، العلاج الشافي، ثري الحرب، الدب، النسوان في إجازة، جبر الخواطر، الطبيب والمرضى، رزق الهبل على المجانين، أم نبيه والاختراعات الجديدة، جحا وأبو نواس في المحكمة، طبيب العيون، وغيرها.
اميل الجوزي: مترجمة ومقتبسة
الأستاذ المغفل، في ذمة القضاء، نقطة الدم، الحقيبة الزرقاء، مات الملك عاش الملك، عواد كريمون، الخطايا السبع، عذراء بلمنت.
شكري السعيد: تأليف.
قلب من رماد، زواج بلا ميعاد، إمرأة بالغلط، مسمار في مصيف، باريس، أنوار من الصحراء، هجرة الرسول الكريم، من أجل الوطن.
المسرحيات الإذاعية لمجموعة من المؤلفين والمقتبسين:
معجزة الهجرة، أنوار من الصحراء، بطولة عربية، هجرة الرسول، جميل بثينة، قيس ولبنى، هذا النبي المنتظر، خولة الكندية، سيد ربيعة، الزباء، بطولات فلسطينية.
وكانت هناك محاولات فردية أخرى لم تتعد المسرحية الواحدة آثرنا ذكرها بين الترجمات عن الانكليزية أو الافرنسية أو الألمانية أو الإيطالية.
مسرحية صلاح الدين الأيوبي
رواية صلاح الدين الأيوبي من الروايات القوية التي تظهر البطولة العربية بأجلى مظاهرها وتبيّن الشهامة التي قام بها البطل الخالد صلاح الدين بحروبه مع الصليبيين. والعبرة في تقديم هذه الرواية هي أن نقتدي بأولئك الأبطال الذين دافعوا عن بلادهم وأراقوا دماءهم في سبيل تمجيد الأرض التي نشأوا وترعرعوا فيها.
النص الملخص الذي أذاعته فرقة الجوزي من محطة الإذاعة الفلسطينية في 1 / 11 / 1936.
تأليف: نجيب الحداد
تلخيص: جميل الجوزي
إخراج: خليل الخوري
الأدوار:
صلاح الدين الأيوبي: جميل الجوزي.
عماد الدين: اميل الجوزي.
ريكاردوس قلب الأسد: خليل الخوري.
جوليا شقيقة ريكاردوس: جوليا برامكي.
وليم الفارس الاسكتلندي: اميل الجوزي.
موسيقا.....
الراوية:
نحن الآن في معسكر صلاح الدين فاستمعوا إليه يتحدث إلى نديمه عماد الدين.
صلاح الدين:
إن لم أصن بمهندي ويميني ملكي فلست إذن صلاح الدين
تحمي الممالك ربها أما أنا فأريد أحمي الملك لا يحميني
زعم الفرنج بأنني أعنوا لهم كرها وأرضى صفقة المغبون
وأعود عنهم تاركاً ملكي الذي أهداه لي ربي الذي يهديني
قد غرهم ماضي انتصارهم الذي عرفوه قدما قبل ما عرفوني
حتى كأنهم نسوا ما كان في الإسكندرية عندما شهدوني
لما رددت الخيل دامية الطلى وهزمتهم مثل الظباء العين
وفتحت ما قد أغلقوا وحللت ما قد أوثقوا وعدلت إذ ظلموني
مع ذاك لست بمنكر أبطالهم وشديد بأسهم ولو نكروني
وهنا تكون شجاعة الأبطال إذ يبدو قرين منهم لقرين
صلاح الدين: ما رأيك يا عماد الدين؟
عماد الدين: جيش يا مولاي يهدر كالبحر الزاخر وقد ملّ من هذه الهدنة حتى اشتاق إلى القتال وأمره معقود بلفظة من ألفاظك.
صلاح الدين: تعلم يا عماد الدين أن الإفرنج هم الذين طلبوا الهدنة، فهم الذين يجب أن يبدأوا بقطعها، ماذا تنفع الحرب وقد حاربناهم حتى مللنا وملوا وذهب من رجالنا ورجالهم عدد كثير، سالت نفوسهم على شفرات السيوف وظبى الرماح في سبيل الله. ألا تعلم أنني أفضل هذه الهدنة على القتال؟
عماد الدين: وكيف ذلك يا مولاي؟
صلاح الدين: ذلك أنني أرجو أن يعقبها صلح وسلام، ترجع السيوف إلى أغمادها، وأن يطول أمرها فيقع الشقاق بينهم فيختلفون فيكون لنا في اختلافهم تمام النصر. وإنهم قوم كثيرو الملوك والرؤساء وكل منهم يدعي السيادة لنفسه وينازعها أخاه. ومن كان ذلك أمرهم فإن القتال إليهم أقرب من نصال سيوفهم إلى أغمادها، ولعلهم لا يطول شأنهم حتى يثور فيهم الشقاق فينهض بعضهم على بعض.
عماد الدين: إنها سياسة حسنة يا مولاي، ولكني أرى أنهم متفقون على رئيس وقد جعلوه سيد أمورهم وولي شؤونهم وهو قلب الأسد، صاحب جيش الانكليز لأنه أشدهم بأساً وأصدقهم عزيمة، وله قوة هائلة وشأن خطير.
صلاح الدين: طالما سمعت عن بأس هذا الملك، وطالما رأيته في ساح الوغى غارقاً في حديد درعه وهو يضرب بسيفه الطويل حتى لقد أحببته وملت إليه ووددت أن يجيء لي معه حديث وأن أرى وجهه في مقابلة بيني وبينه.
عماد الدين: أنت يا مولاي تميل إلى مثله؟
صلاح الدين: نعم، فما يحب الشجاع إلا الشجاع ولا يميل إلى العظيم إلا العظيم. فخل الغيرة والحسد لقلوب النساء فما نحن إلا رجال ومع ذلك فكيف تحسبني أميل إليه إلا أنني أحب أن أرى خصمي في ساحة الحرب ومنازلي في معترك الخيل، وإلا فأي فخر لصلاح الدين إن لم يقهر أبطالاً ولم تنازله أبطال. فلا يغرّنك منهم هذا السكوت.
عماد الدين: ولكن ألا يعلم مولاي أسباب هذه الهدنة؟
صلاح الدين: ذلك ما لم أعرفه حتى الآن ولابد أن يكون هناك سرٌّ خفي ستظهره لنا الأيام، ومهما يكن من أمر هذه الهدنة فلا خوف علينا منها لأننا في بلادنا ومنازلنا وبين قومنا وعشائرنا ولكن الخوف عليهم لأنهم غرباء ولكل ملك منهم مملكته تدعوه شؤونها وأحكامها، بل لكل رجل منهم أهل وأوطان يشتاقها ويصبو إليها ولابد أن ينتهي أمرهم إلى الشقاق والنفور.
الراوية:
في خلال ذلك يقع ريكاردوس قلب الأسد مريضاً فيأتي من قبله رسول إلى صلاح الدين ينبئه بذلك ويستأذن للملكة وأخت الملك جوليا بزيارة دير يقع وراء معسكر العرب فيسمح لهم بذلك.. وها هي جوليا بالقرب من الدير تبوح لخادمتها الأمينة بأن الحب قد تملك قلبها وأصبحت ساهدة الطرف ساهمة الوجه تنتظر الدقيقة التي ترى فيها وجه حبيبها الفارس الاسكتلندي وليم فيحقق الله أملها بدخوله فتنشرح نفسها لمرآه.
جوليا:
هل بلغك أمري أيها الفارس، إني أريد أن أراك؟
وليم:
إني أتيت إليك طوع غرامي فهو الذي يقتادني بزمام
حب أسير لأمره متستراً بالجهر خوف ملامة اللوام
فأنا مطيع طاعتين لأمرك العالي وللحسن الفريد السامي
جوليا:
إني دعوتك كي أراك فلا تزد فيما تقول عن الهوى آلامي
واكتم غرامي فهو شؤم أمره ولقد يعود عليك بالإعدام
وليم:
يا حبذا الإعدام لكن ما ترى أرجو فعيشي الآن مثل حسامي
عيشي إذا أبعدت عنك فمنيتي ومنيتي في أن أراك مرامي
إن لم يكن ما بيننا نسب فلا بدع فلي قلبي وحد حسامي
قلب حويت به هواك وصارم سأنال منه رئاسة الأقوام
يكفي فؤادي أنه لك عاشق شرفاً ويكفيني المقام غرامي
جوليا: ويلاه، ما أمرّ الشرف الذي يبعدني عنك، بل ما أحلى الحب الذي يقربني منك، ولكن ما لنا ولهذا الشرف فهو وهم باطل، ولندع كل شيء غير الوداد، يكفيني إذا لم تجمع الأيام بيننا فبعد القران أن يجمع الحب بين قلبينا وأن يكون حبيبي فارس الفرسان.
وليم: لا تجزعي أيتها الحبيبة فقد تدور رحى الحرب وإذا لم أقدر على أخذك في ميدان الشرف، آخذك في معترك الحرب والطعان.
جوليا: بالله أيها الحبيب لا تعرّض نفسك للخطر واصرف عن فؤاد أميرة حزينة حكم عليها القدر، وعش سعيداً بالبعد عني فإنه يكفيني أنك تهواني وأنك شاركتني في فؤادي. فلا تكن شريكي في أحزاني.
وليم: لا يا سيدتي بل اتركي الحزن والتعاسة عليّ لأنه شتان بين أن أنظر إليك وأن تنظري إلي، أنا أنظر إليك نظرة طامع يمد طرفه إلى الشمس وأنت تنظرين إلي نظرة راحم كما تشرق الشمس على الأرض من سمائها، فأبقي في مقامك وعزك ودعيني في حزني وفي ذلي، وقصارى القول أنني أركع على قدمي وأضع على يدك قلبي وودادي.
جوليا: ولكنها ليست أول مرة لمست بها فؤادي.
وليم: آه، ما أجمل هذه اليد وما ألطف هذا الخاتم فيها. إن مهجتي مثله في يدك وهي رهن أمرك متى شئت.
جوليا: أنت أسد يا حبيبي في ملابس الفرسان.
وليم: وأنتِ ملك يا حبيبتي في صورة إنسان.
جوليا: آه كيف يفرق الشرف بين جسمين، وما هذا الوهم؟
وليم: ويلاه كيف يجمع الغرام بين قلبين، وما هذا الحكم؟
جوليا: إني أقسم بهذا الهيكل أن الشرف لن يفرق بين قلبينا
وليم: وأنا أقسم بهيكلك الشريف أن هذا السيف سوف يجمع بين جسمينا.
موسيقا حالمة
الراوية:
ننتقل الآن إلى معسكر الإفرنج فنرى ريكاردوس طريح الفراش يعاني من آلام مبرحة، يأتي صلاح الدين مع أحد ندمائه متنكراً بزي طبيب، وبعد محاولة جبارة يتوصل صلاح الدين إلى الدخول على ريكاردوس فيستقبله وليم.
وليم: هل أقدر أن أثق بكلامك أيها الطبيب، هل تقدر أن تشفيه؟
صلاح: نعم أشفيه بقوة الله فإنما نحن واسطة لمَ يريده الله، ولكن علي أولاً أن أجسّ نبضه.
وليم: لا أدري إذا كان يسمح لك بالدخول عليه، فإن هذه الحمى قد غيرت أخلاقه، ولكن عجباً كيف يرسلك صلاح الدين لشفائه وهو خصمه العنيد ومن ألد أعدائه؟
صلاح: مولاي السلطان رجل كريم الأخلاق وقد سمع بكرم سلطانكم وبطولته فأراد أن يشفيه من هذا الداء، لذا أرسلني إليه إذ أنني عنده رأس الأطباء ووعدني بأجلّ الهبات إذا نال مولاكم الشفاء على يدي.
وليم: لو جاء صلاح الدين نفسه ما أيقظت الملك، فيكف أوقظه من أجل رسوله، فالأحسن لك أن ترجع لأنه لو أصيب الملك بسوء فإن دماء قومك قليلة. وهل عجزتم عن قتالنا بالسلاح فأرسلتم لنا بدلاً عنها سموم الأطباء.
صلاح: كلا أيها الفارس، إن القوم لم يعجزوا عن قتالكم ولكنهم كرام الأخلاق يريدون شفاء رجالكم، فادخل على مولاك واستأذن لي عليه عسى أن يكون شفاؤه على يدي ونجاحه على يدي.. عجباً أريد أن أشفيكم ولا تريدون ذلك، عار عليكم بلا شك، فأنتم إذاً لا تستحقون العطف عليكم، وقد أخطأ مولاي صلاح الدين إذ أرسلني إليكم.
موسيقا صاخبة....
الراوية:
يشفي صلاح الدين ريكاردوس بعد معالجة طويلة بواسطة الأطباء العرب.
نحن الآن في معسكر الإفرنج ويتبين لنا أن ملك النمسا قد نصب علم بلاده بجانب العلم البريطاني باعتبار أن الدولتين متساويتين، فيهب ريكاردوس إلى مكان الحادث ويكاد يقع اصطدام بينه وبين ملك النمسا ولكن تدخل ملك فرنسا يحول دون وقوع مجزرة.
يعين ريكاردوس الفارس وليم لحراسة العلم البريطاني خوفاً من سرقته وضياعه،.وليم يتمشى في أعلى الرابية وهو يناجي حبيبته جوليا.
وليم:
إن كنت في الجيش ادعى صاحب العلم
فإنني في هواكم صاحب الألم
أقضي الليالي وحيدا من بعدكم وأنا
أسامر البدر في داجٍ من الظلم
أصبحت منكم نظير البدر منفردا
فأنتم الشمس لم تدرك ولم ترم
يا نظرة خلتها في بدئها نعم
فأصبحت في الهوى من أعظم النقم
الله حسبي بهذا الحب فهو لقد
أضحى يخيم فوقي مثل ذا العلم
الراوية:
يدخل خادم المركيز مزاحم وليم في حب جوليا محاولاً إبعاده عن الحراسة بواسطة خاتم حبيبته وكان قد سرقه منها، فهو الآن بين واجبين كبيرين، واجب الوطن وحراسة العلم وواجب الحب الشريف الذي يتأجج في صدره.
وأخيراً يتغلب عليه نداء قلبه فيطلب من خادم المركيز أن يقف للحراسة بدلاً منه، وما يكاد يخرج حتى يدخل المركيز ويستل خنجراً ويطعن به خادمه خوف الفضيحة ويختطف العلم ويفرّ خالي البال غير عالم بوجود من يراقبه.
يذهب وليم إلى محبوبته فيتضح له أنها لم ترسل في طلبه ويكون ريكاردوس قد علم بسرقة العلم، وما يكاد يرى وليم حتى يثور في وجهه ويأخذ في تأنيبه، فتدخل جوليا تستعطف أخاها طالبة العفو عن وليم.
جوليا: أخي أصبر بالله عليك، إني أناديك ألا يؤثر فيك هذا النداء.. ألا يرق قلبك؟ ألأجل راية مفقودة تريد أن تزهق روحاً بريئة؟ أيمكن أن يقتل رجل شريف من أجل راية مسروقة؟ إن الراية يمكن أن يستعاض عنها وأما النفس فلا عوض عنها ولا بدل.
ريكاردوس: انهضي، يجب أن يموت.
جوليا: إني أعطيك غير هذه الراية، أحوكها من ثيابي، بل من غدائر شعري، أتقتل نفسين في وقت واحد؟ ألأنني أهواه يجب أن يموت؟ إنني لم أعد أهواه بعد الآن.
ريكاردوس: عجباً، أتجتمع الدنيا لإنقاذه مني؟ هل بقي أحد لم يسأل العفو عنه؟
صلاح (داخلاً): بقيت أنا أيها الملك، لا تقسم لأن القسم عندكم حرام.
ريكاردوس: ماذا تريد أيها الطبيب؟
صلاح: إن لكل عمل أجراً.
ريكاردوس: أطلب ما تريد فإن فضلك لا ينكر، هل يرضيك ثمن درة تاجين؟
صلاح: أنا أنقذت حياتك من الموت.
ريكاردوس: ومن ينكر ذلك؟
صلاح: إذاً الجزاء من جنس العمل، أنت تقول أنني أنقذت حياتك، فأنعم علي الحياة مثلها وإن كانت دونها رفعة.
ريكاردوس: أطلب أي حياة تريد.
صلاح: حياة هذا الشاب.
ريكاردوس: ويلاه.
صلاح: ما بالك أطرقت؟ ألا تريد أن تلبي طلبي؟
ريكاردوس: أطلب سوى ذلك ولوكان تاج ملكي.
صلاح: لقد كان تاج ملكك من نصيب ملك الموت لولا طبي ودوائي أنت تعلم أنني عدوك وأنه كان أحب إلي أن تموت، ولكني فضلت حياتك على تاجك وآثرت شفاء عدوي على مماته.
ريكاردوس: ولكن أنت يا من تطلب مني العفو عن المذنب، أيعفو ملككم عن المجرم الخائن؟
صلاح: أنا تعلمت من سلطاني هذا الطلب ولو لم أكن أعرف أنه يعفو عن أشد من هذا الذنب لما تقدمت بطلبي هذا.
ريكاردوس: قف أيها الطبيب ولا تذهب، أنا لا أخيب ظنك ولا أجعل سلطانك أفضل مني، لقد وهبتك حياة هذا الغادر، فخذه فهو لك.
الراوية:
وعلى أثر هذه الحادثة يتم الصلح بين الفريقين ويُظهر صلاح الدين لملوك الإفرنج خيانة المركيز، ويروي لهم حادثة العلم وطريقة سرقته، وعندما يتبين لريكاردوس شهامة صلاح الدين ويعرف أن وليم هو ولي عهد اسكتلندا يوافق على زواجه من أخته جوليا وينطلق لسانه بمديح صلاح الدين وشهامة العرب.
« تمت»
وما كادت الفرقة تلملم نفسها وتستعد لمغادرة مبنى الإذاعة بعد تقديم مسرحية "صلاح الدين الأيوبي" حتى انهالت الهواتف على القسم العربي من قبل الهيئات الصهيونية محتجة احتجاجاً قاسياً على مقدمة المسرحية والتي جاءت على لسان الراوية التي تمجد بالأبطال العرب وتدعو إلى الاقتداء بهم، الأبطال الذين دافعوا عن بلادهم وأراقوا دماءهم في سبيل تمجيد البقعة التي نشأوا فيها وترعرعوا.
وصدرت وسائل الإعلام الصهيوني في 2 / 11 / 36 تهاجم وبلهجة حادة مسرحية صلاح الدين الأيوبي وتستطرد قائلة:
"هل الإذاعة الفلسطينية مديرية إعلام ضد اليهود من جهة وضد الغرب من جهة أخرى؟ إننا نهيب بالحكومة وبالمسؤولين أن يمنعوا تكرار هذه الهجمات الحساسة حتى لا يتكرر حدوثها".
وفي السابع من شهر شباط (فبراير) 1937، أذاعت فرقة الجوزي مسرحية "الشعب والقيصر" من تأليف الكاتب والشاعر الانكليزي شكسبير وتعريب جورج طنوس، وقام بالإعداد الإذاعي جميل الجوزي.
والقصة معروفة لدى عشاق الأدب والمسرح، وخلاصتها أن بعض الأشراف في روما يثورون ضد يوليوس قيصر ويقتلونه فيقوم صديقه انطونيوس ويلقي خطاباً لدى الشعب الروماني، وفيما يلي المقطع الأخير من هذا الخطاب كما ورد في المسرحية:
"أيها الرومان: لقد آن الأوان أن نعرف أن أبناء آدم وحواء في هذه الحياة سواء وأن لا شريف بيننا إلا من شرفته أعماله عن سائر الناس".
"إن اللقب الموروث لا يجدي ولا يفيد ولا يجب أن نحمل حامله على عاتقنا كما يجري في وقتنا هذا، لذلك سيرى الشرفاء في غد أننا وإياهم في الشريعة وفي القانون واحد، لا فرق بيننا على الإطلاق، سوف تجري الدماء في روما أنهاراً. لهذا السبب فكأن لا حياة لهذا الوطن التعس إلا بإهراق الدماء، فتقدموا، نعم تقدموا أيها الأصدقاء واسجدوا إلى جانب هذا الجدث الطاهر بقلوب دامية وأبصار خاشعة وقولوا: لتحيا الحرية والمساواة والإخاء".
وتثور ثائرة الصهاينة ويعلنون سخطهم وتقوم قيامتهم على مدير البرامج العربية المرحوم إبراهيم عبد الفتاح طوقان الذي سمح لفرقة الجوزي أن تقوم بإذاعة مثل هذه التمثيلية الثورية. ألا يقوم بروتوس ورفاقه بقتل يوليوس قيصر لأنه في زعمهم طاغية مستبد؟ ألم يتخلصوا منه لأنهم يريدون الحرية للشعب، الشعب المستعبد والمهضومة حقوقه؟. واعتبر الصهاينة المسرحية تحريضاً على هذا الانتداب البريطاني وعلى الصهيونية المسيطرة على هذا الإنتداب.
وإزاء حملة واسعة النطاق ضد هذا العمل، يقوم مدير البرق والبريد والهاتف الانكليزي، وكان وقتئذ المسؤول عن البرامج الإذاعية، يقوم بالتحقيق فيضع اللوم الشديد على مدير البرامج العربية، ويجري تحقيقاً واسع النطاق مع فرقة الجوزي، ويقوم رئيسها بوضع النقاط على الحروف، ويبين للمدير الانكليزي أن المسرحية عالمية وقد كتبها كبير المؤلفين الانكليز وليم شكسبير، ومثلتها الفرق الانكليزية وغير الانكليزية مئات المرات وفي جميع أرجاء العالم.
ونتيجة للضغوط والمضايقات العديدة يطلب مدير البرق والبريد والإذاعة من فرقة الجوزي أن تتوقف عن الإرسال الإذاعي حتى إشعار آخر.
وتوقفت الفرقة عن إذاعة المسرحيات من السابع من شهر شباط (فبراير) 1937 إلى العاشر من شهر تموز (يوليو) عام 1937.
وخلال توقف الفرقة قامت الصحافة الفلسطينية بقسطها من الواجب، ونددت بالأحكام الجائرة والخضوع الكامل للصهيونية، كما كثرت الاتصالات الهاتفية والبرقية من جميع أنحاء فلسطين، تطلب عودة الفرقة لتقديم المسرحيات التي لاقت قبولاً من الجمهور الفلسطيني.
وقرظت الصحف والمجلات الفلسطينية تمثيلية "الشعب والقيصر" فقالت جريدة "مرآة الشرق" وهي جريدة يومية تصدر في القدس الشريف:
"وللمرة الثانية نستمع إلى فرقة الجوزي التي تذيع رواية "الشعب والقيصر" ليلة الأحد في 7 / 2 / 37 الساعة السادسة والنصف مساءً. الرواية من تأليف الكاتب الإنكليزي شكسبير وفيها نرى كيف عامل الشرفاء القيصر الطامع في العرش، المستبد في أمور الدولة،والتضحية الكبيرة التي أقدم عليها بروتوس بقتل أبيه القيصر، حباً في استقلال بلاده، وحرية شعبه. وإني بقلب يطفح بشراً وسروراً، أتقدم بالشكرلهذه الفرقة لمضيها في إحياء هذا الفن الجميل بفلسطين. وكفاها فخراً أن لها الفضل في إحياء التمثيل من محطة الإذاعة الفلسطينية".
ونشرت اللواء وكانت تصدر في القدس بتاريخ 10 / 2 / 37 ما يلي:
"استمعنا ليلة الأحد الماضي، عن طريق محطة الإذاعة الفلسطينية إلى رواية "الشعب والقيصر" من تأليف الكاتب الإنكليزي شكسبير وتقديم فرقة الجوزي، ولا يسعنا إلا أن نهنئ السيد الجوزي وفرقته، على الإلقاء الرائع الذي استمع إليه الجمهور.
ورجاؤنا إلى مصلحة الإذاعة الفلسطينية أن تتفق مع هذه الفرقة لتقدم لنا روايات عصرية ثقافية تعيدنا إلى نهضتنا الاجتماعية الحاضرة".
وفي العاشر من شباط (فبراير) نشرت جريدة "فلسطين" وهي جريدة يومية تصدر في يافا لصاحبها عيسى العيسى ما يلي:
"قدمت إلينا فرقة الجوزي رواية "الشعب والقيصر" ليلة الأحد الماضي من استوديو الإذاعة الفلسطينية، فكانت الرواية تحفة ثمينة لم تشهد المحطة مثلها من قبل".
ذكرت أقوال بعض الصحف الفلسطينية لأدلل على تفهم أصحابها للفن المسرحي وذلك قبل أكثر من نصف قرن، ولوقوفها بالمرصاد للصحافة العبرية التي كانت تدس للحكام الإنكليز عن كل ما كان يصدر عن القسم العربي من برامج الأطفال، وأحاديث المحدثين، ومسرحيات الفرق.
ألا يعتبر عمل صحافتنا الفلسطينية مأثرة من مآثرها وسجلاً حافلاً بوعيها وتتبعها للفنون الجميلة على اختلاف أنواعها؟
وقد انضمت فرق جديدة إلى الإذاعة الفلسطينية وساهمت في تطور المسرحية وتقدمها وقدمت مسرحيات جلها من الأدب الافرنسي كمسرحيات موليير وراسين وفكتور هيجو.
الفرق الرئيسية التي ساهمت في تقديم المسرحيات الإذاعية من "محطة الإذاعة الفلسطينية هنا القدس".
1- فرقة الجوزي
تأسست عام 1936 عند افتتاح محطة الإذاعة ورافقت المحطة حتى عام النكبة 1948، وتتألف الفرقة من: نصري الجوزي رئيساً
جميل الجوزي مخرجاً
أعضاء الفرقة: إميل الجوزي، فريد الجوزي، جريس القدسي، جوليا برامكي، خليل خوري، حنا خوري، لطفي قريطم، اميلي سلطي، وداد خوري، انطون سابيلا، يوسف فتياني، نجلاء حوراني، يوسف بحوت، بدر حمدية.
ويلاحظ أن من أعضاء الفرقة أربع آنسات هنّ: جوليا برامكي، اميلي سلطي، وداد خوري، نجلا حوراني وهن من خيرة عائلات فلسطين وهذا سبق لم يكن له مثيل إذ لم يكن من المألوف، في ذلك الحين، أن تقوم الفتيات بالتمثيل.
2- الفرقة التمثيلية العربية لجمعية الشبان المسيحية
تأسست عام 1937 رغبة في الحصول والاستفادة من مسارح الجمعية المجانية ولتقديم حفلات سمر متنوعة بالمجان أو بأسعار مخفضة.
ويتسع مسرح الجمعية لحوالي /700/ شخص، وتتألف الفرقة من: جميل الجوزي، موسى سالم سلامه، إميل الجوزي، حنا قيس، جريس القدسي، نجيب مجج، سمعان عاقل، لطفي ديبه، داود الدير، توما دباح، فريد الجوزي، الفرد درزي، شفيق دعدس، ماري واسيلي وجورجيت واسيلي، وأصبحت الشقيقتان ماري وجورجيت واسيلي محترفتين تمثلان مع جميع الفرق.
وقد انتخب الأعضاء بالاجماع جميل الجوزي رئيساً، وقد انضمإليهم بعدها كل من: بدر حمدية، حنا روفا، أحمد خوجه، حسن البلبيسي، خليل خوجه، طيبو العربي الصيداوي، والآنسة نجلا طنوس. وكان عدد كبير من هؤلاء الأعضاء قد انضم إلى فرقة "الجوزي" يذيع ويمثل معها.
3- فرقة الثقافة والفنون
تأسست عام 1939 برئاسة شكري السعيد وعضوية كل من: موسى يونس الحسيني، غالب القواس، علي الراغب، حسين العفيفي.
4- نقابة الممثلين العربية
تأسست عام 1942 من عدة فرق فلسطينية ولكن لم ينسجم الأعضاء مع بعضهم بعضاً ودبّ الشقاق بينهم وأخذت الفرق قبل أن تنتج شيئاً محسوساً تنسحب من النقابة لأنها لم تفز برئاسة هيئة من الهيئات العامة، وأخذ أفرادها يؤلفون فرقاً صغيرة.
5- فرقة "إضحك"
تأسست هذه الفرقة عام 1943 وهي القسم الهزلي لفرقة "الجوزي" برئاسة فريد الجوزي، ومن الأعضاء:
بدر حمدية، رفيق النمري، إبراهيم هيمو، حسن البلبيسي، قسطندي خليف، الآنستان ماري وجورجيت واسيلي.
وقامت فرق أخرى إذاعية لم تثمر جهودها ولم تلاق قبولاً من المرحومين عجاج نويهض وعزمي النشاشيبي، إذ كانت أغلب النصوص المقدمة ليست على مستوى رفيع.
وبين السنوات 1942 1945 كان عدد الفرق يربو على العشرين فرقة.
ومن أسماء هذه الفرق عدا فرقة الجوزي:
(1) فرقة اضحك التمثيلية (2) فرقة إلى الأمام (3) الفرقة التمثيلية لجامعة الشبان المسيحية (4) فرقة هواة التمثيل والموسيقى (5) فرقة الثقافة والفنون (6) فرقة الفارس (7) فرقة النجوم (8) فرقة أنصار التمثيل 0(9) فرقة نهضة التمثيل العربي (10) الفرقة التمثيلية العربية (11) فرقة الرواد (12) فريق الهواة(13) فريق الهواة في محطة الإذاعة (14) فرقة النصر للفن والتمثيل (15) المعهد الوطني (16) الشرق المقدسي
وقد كتب أحد رواد المسرح الفلسطيني مقالاً في جريدة "الوحدة" العدد 42 تاريخ 23 / 3/ 1946 ما يلي:
"قرأنا كثيراً وسمعنا كثيراً عن الفرق التمثيلية التي تهافتت على محطة الإذاعة الفلسطينية، وقد استطعنا أن نعرف من هم القائمون على إدارة هذه الفرق، وفي كثير من الأحيان نعرف أن شخصاً أو شخصين يديران فرقة ما تحمل أسماء رنانة".
ويخلص إلى القول:
"هذا ما علمناه عن الفرق التمثيلية، وإذا أحصينا عدد الأشخاص الذين يديرون كل هذه الفرق لوجدنا أنهم لا يتجاوزون العشرين شخصاً، فهل لا يستطيع هؤلاء أن ينضموا تحت لواء واحد ويوحدوا جهودهم حتى نرى أعمالاً مثمرة لا أسماء فارغة".
وفي تلك الفترة ما بين 1942 1945م تألفت نقابتان تضم كل منهما 8 فرق. هما:
نقابة اتحاد الفنانين الفلسطينيين.
نقابة الممثلين.
والحديث عن زعامات الفرق يطول ويطول، كما يطول الحديث عن الزعامات السياسية والأحزاب العائلية.
وفي المقدمة التي كتبها أخي جميل بعنوان "نهضة التمثيل في فلسطين" في مجموعته المسرحية المطبوعة، "الزوجة الخرساء" وتمثيليات أخرى، يقول:
وفي عام 1942 تأسست نقابة الممثلين العربية من ثماني فرق وكانت غايتها رفع مستوى التمثيل، والعمل على توحيد الجهود، وتأليف فرقة قوية ممتازة، أمضت فرقة النقابة أكثر من ستة شهور في اجتماعات "حضر فلان الفلاني" وقرر ما يلي:
"انتخابات الهيئة الإدارية وتوزيع المناصب، وهنا دبّ الشقاق وأخذت الفرق، قبل أن تنتج شيئاً، تنسحب من النقابة لأنها لم تفز برئاسة هيئة من الهيئات العامة".
وهكذا نرى أن الفنانين الذين يدعون بحمل رسالة الفن الرفيع، راحوا يركضون وراء الكراسي كما ركض غيرهم من الزعماء وأصحاب المصالح، وصدق المثل القائل: الناس على دين ملوكهم أو زعمائهم.
المصاعب والعقبات
* الفتاة الفلسطينية
اعترضت سبيل الفرق المسرحية والإذاعية عقبات كثيرة جمة وأهم هذه المصاعب العثور على الفتاة المتعلمة المتحلية بالأخلاق التي ترضى ويرضى أهلها أن تقوم باعتلاء خشبة المسرح وتمثيل الأدوار الغرامية التي تتطلبها المسرحية.
ولكن عندما تأسست محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1936 هان الأمر وسهلت المهمة، فالفتاة التي تقوم بالأدوار لا تظهر على خشبة المسرح ولها أن تبدل وتغير اسمها الحقيقي إلى اسم فني.
وحملنا مصباح ديوجين وفتشنا في النهار والليل وأخيراً عثرنا على ضالتنا المنشودة وحظينا بفتيات متعلمات راقيات من أسر محترمة.
وعندما قامت الآنسة جوليا برامكي بإذاعة مسرحية إذاعية "صلاح الدين الأيوبي" تقدم عدد آخر من الفتيات صديقات جوليا اللواتي سمعن صوتها مع أنها أذاعت باسم فني، ورغبن بالاشتراك في التمثيل الإذاعي على شروط أهمها:
- إذاعة الأسماء الفنية وعدم التغني بها في المجتمعات.
- توفير أسباب الراحة بنقلها من بيت أهلها وتسليمها إلى الأم.
- عدم التلكؤ في الطرقات عند الرجوع.
ثم أخذت الأفكار تتبلور شيئاً فشيئاً وحظيت فكرة التمثيل المسرحي والإذاعي حظوة كبيرة بين الفتيات المتعلمات وكان معظم الفتيات اللواتي ساهمن في الحركة المسرحية الإذاعية على درجة عالية من الأخلاق والتعليم والثقافة وكانت شقيقتي هدى إحدى أوائل هؤلاء الفتيات
*الممثلون الفلسطينيون
كان الخصام أو الجدال يدب بين ممثلي الأدوار الرئيسية على الأغلب، شبان في عمر الورود يريدون الظهور أمام أهليهم ومعارفهم، وعندما ازداد عدد الفرق المسرحية والإذاعية دب الخصام بين معظم أفراد الفرق فكل يبتغي ليلاه ولكن..
ولهذا السبب وأسباب أخرى أهمها سوء الإدارة وعدم توزيع الأجر بين الممثلين، وضعف المادة المقدمة إلى الإذاعة، ورفض أغلب المسرحيات المقدمة، كل ذلك قاد إلى انسحاب العديد من الفرق وانضمام بعض الممثلين إلى فرق أخرى.
وقد لعبت الأنانية دوراً بارزاً في هذا المجال ودب الشقاق بين الممثلين والممثلات، وانسحب كثيرون وألفوا فرقاً لأنفسهم دون أن يكونوا مؤهلين لذلك، فعدد لا بأس به يزيد على العشر فرق التي كانت قائمة بين السنوات 1942 1945 لا يحسنون اللغة العربية ولا يلمون بالأدب المسرحي الإذاعي.
ولا يضيرنا أن نذكر أن عدداً كبيراً من الفرق كان على مستوى رفيع من الثقافة الفنية وعلى إلمام واسع باللغة العربية وآدابها.
أما عند الدعاية والأنباء وذكر أسماء الممثلات والممثلين، فكان يطلب أن يوضع اسم البطل بأحرف كبيرة، وتنشر صورته في الإعلانات، ويكال له المديح والثناء، وكم وكم كان يصدم هذا المغرور عندما تقوم الصحافة بنقد الأدوار التي يقوم بها مرشقة إياه بألسن حداد.
هذه لمحات خاطفة عن الأنانية التي كانت تلعب دورها ولكن كانت توضع عند حدها عندما كان يدير الفرقة إداري حازم يعرف ما له وما عليه.
ويذكر أخي جميل في مقدمة مجموعته المسرحية وهي بعنوان "الزوجة الخرساء وتمثيليات أخرى" العديد من أسماء الأوانس والسيدات اللواتي أسهمن إسهاماً فعالاً في رفع لواء المسرح والإذاعة، وهن: اميلي سلطي جوليا برامكي، نجلا حوراني، بديعة الفارس، جورجيت واسيلي، ماري واسيلي، وداد خوري، ارطانس جبرية، فريدة عطا، نجلا عطا الله ودلال خليف.
ولهؤلاء الرائدات في إعلاء شأن الحركة الفنية المسرحية والإذاعية أجمل تحية وأجلّ تقدير أينما حلّ بهن الترحال بعد نكبة فلسطين (1948) نكبة العرب وزعماء العرب.
القوانين الحكومية
تمشيا مع السياسة البريطانية التي سنتها بإقامة دولة إسرائيل، وتسهيل بيع الأراضي، والسماح للمهاجرين اليهود بدخول البلاد بصورة شرعية أو غير شرعية فقد عينت النائب العام يهودياً اسمه نورمان بنتويتش همه الوحيد إخراس صوت الحق وسن القوانين المجحفة بحق العرب:
قوانين في الصحافة، والإذاعة وكم وكم كانت الجرائد الفلسطينية تعطل وتعطل من أجل خبر لا أهمية له بينما الجرائد اليهودية تصول وتجول كما تريد دون وازع أو رقيب.
ويبدو وهذا هو الأمر الواقع أن مدراء القسم العربي كانوا مقيدين بقوانين لا أول لها ولا آخر ولكن ثبت أن المدراء الثلاثة:
إبراهيم عبد الفتاح طوقان وعجاج نويهض وعزمي النشاشيبي كانوا يغضون الطرف عن مثل تلك القوانين ويكتفون بنصح المحدثين وأصحاب الفرقة بتجنب بعض الأفكار المتطرفة.
والحديث عن القوانين المجحفة التي سنتها السلطات الحاكمة يطول ويطول فعين الرقيب بل الرقباء لا تنام وخصوصاً الصحافة اليهودية التي تعمل من الحبة قبّة وتؤوّل الأحاديث وبرامج الأطفال والمسرحيات بما يحلو لها ويروق، وكم وكم تعرضت فرقة الجوزي والفرق الأخرى لمثل هذه الهزات.
مسرحيات ومسرحيون
سيرة أهم المؤلفين المسرحيين الإذاعيين ونماذج عن أعمالهم
إميل الجوزي
من مواليد مدينة القدس عام 1915، تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة الفرندز في مدينة رام الله التي تبعد 16 كيلو متراً عن مدينة القدس.
كان يحب الإلقاء والخطابة عندما كان طالباً، وكان يقوم بالأدوار الرئيسية في المسرحيات التي كانت تقوم بها المدرسة في نهاية العام الدراسي.
مثل دور المحامي في مسرحية "الحق يعلو" التي قامت بها الفرقة الأرثوذكسية المتجولة في 13 / 5 / 1933 واشترك في مسرحية "فؤاد وليلى" فقام بدور فؤاد وذلك على مسرح جمعية الشبان المسيحية في 26 / 13 / 936 مع فرقة الجوزي وبرز في تمثيله دور فؤاد العاشق في مسرحية "الشموع المحترقة" وذلك في 6 / 4 / 1938 و 9 / 4 / 1938 ومثل دور الابن الثائر على أبيه السمسار الذي قرر أن يبيع قطعة كبيرة من أرض الوطن. فنجح نجاحاً باهراً يساعده في ذلك صوته الجهوري وشكله الظريف وحفظه للدور.
وعندما تأسست فرقة الجوزي عام 1936 وأخذت تذيع فصولها الإذاعية من محطتي: الإذاعة الفلسطينية في القدس، ومحطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية، ساهم إميل في إذاعة الأدوار الرئيسية مع ابن عمه جميل الجوزي.
وقدم العديد من الفصول التي ترجمها أو اقتبسها عن مسرحيات عالمية مشهورة أذكر منها:
1 "بين العدالة والقانون". أذيعت من الإذاعة الفلسطينية في 14 / 6 / 1943.
2 "الخطايا السبع" أذيعت من محطة القدس في 9 / 4 / 44.
3 "في ذمة القضاء" أذيعت من محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في 1 / 10 / 1943.
4 "نقطة الدم"، أذيعت من محطة الشرق الأدنى في 11 / 10 / 1943.
5 "مات الملك عاش الملك" أذيعت من محطة القدس في 13 / 2 / 1944.
6 "عواد كريمون" أذيعت من محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في 28 / 2 / 1944.
وفي عام 1943 شب اميل عن الطوق وأسس فرقة باسم "فرقة أنصار التمثيل العربية" مع إخوان له، وأخذ يذيع من محطتي الإذاعة الفلسطينية والشرق الأدنى للإذاعة العربية.
هاجر مع من هاجر من آل الجوزي إلى دمشق واشترك مع فرقة "الشعلة" وهي البديل عن "فرقة الجوزي" التي أسستها وظل يمثل ويخدم المسرح والإذاعة حتى عام 1954.
يتقن أدوار الفتى الأول، يساعده في ذلك شكله الحسن وصوته القوي ووجهه المعبر وكثرة حركاته على المسرح، وإتقانه للغة العربية.
توفي في دمشق عام 1995 وأقدم لكم نموذجاً عن أعماله
"الأم المنقذة"
رواية إذاعية
تأليف "أميل الجوزي"
الفكرة مقتبسة عن الأدب الإسباني
"موسيقى رومانتيكية تسير مع هذا المشهد".
الراوية:
رومانو أحد شبان الاسبان المعروفين بغرامياتهم... شاب جميل الطلعة طلق المحيا حلو الحديث... فتان... محبوب من النساء، مشهور بغزله ومغامراته.. تمكن رومانو بعد شق النفس أن يضرب موعداً مع ميراندا إحدى سيدات إسبانيا المعروفات بالحشمة والرقة والجمال... ها هو يترقب حضورها بفارغ الصبر.. وقد وقف ينتظرها في مدخل الغاب المطل على ضفة النهر حيث المناظر الجميلة الأخاذة... منظر كسته الطبيعة كل ما حوت من روعة وجمال..
موسيقى... (تسمع دقات الساعة معلنة العاشرة).
رومانو: ها قد دقت الساعة العاشرة صباحاً ولما تحضر...
ميراندا.. ميراندا... ميراندا.. لقد أحببتك من أول نظرة وتملكتني فتنتك منذ اللحظة التي تعرفت فيها إليك.. لقد سحرني جمالك الفتان واستوليت على مشاعري... ولكن عبثاً حاولت أن أوقعك في شراك حبي.. إلا أنني تمكنت أخيراً من أن أحظى بهذا الموعد.. فلا أظنك تخلفين الوعد. ولكن ترى ما الذي أعاقها عن الحضور؟ إنني أتحسس وقع خطوات، لعلها قادمة، وأشعر كأنها قد أصبحت قريبة من الغاب.
هه.. اسمع وقع خطوات.. بل عدواً سريعاً.. لعلها قادمة (فرحاً) يا لله ميراندا نفسها تعدو نحو الغاب.. ما أجملها ساعة فلأتهيأ للقياها.
ميراندا: (بخوف ووجل)... رومانو.. رومانو..
رومانو: ميراندا.. ما بك خائفة وجلة؟!
ميراندا: إنني خائفة... خائفة.
رومانو: ما الذي يخيفك يا ميراندا؟!
ميراندا: (تتنفس علامة انفراج الصدر) هه.. آه، دعني استرح قليلاً ومن ثم أقص عليك ما حدث.
رومانو: استريحي يا حياتي... استريحي.. اجلسي ههنا...
ميراندا: لا.. دعنا ننتقل من مدخل الغاب وإلى الجانب الآخر إذ أتخيل وكأنها لا تزال في أثري.
رومانو: من هي؟ تعالي يا حبيبتي ودعينا نقطع الغاب إلى الجانب الآخر (وقع خطوات).
ميراندا: لا شك أنك تعلم يا رومانو كم ضحيت في سبيل هذا الموعد.. زد على ذلك تخوفي واضطرابي...
رومانو: من أي شيء؟
ميراندا: من امرأة شمطاء سارت في إثري وأنا أقطع الطريق إلى الحديقة ولم أر بداً من الالتواء في السير حتى أفلحت أخيراً في تضليلها... ولكنني لا أزال خائفة.. خائفة..
رومانو: لا تخافي يا ميراندا وأنا إلى جانبك، هدئي روعك واطمئني فلعلها كانت مجرد أوهام لازمتك فتخيلت هذه العجوز الشمطاء وكأنها تسير في أثرك.
ميراندا: لا بل كانت حقيقة واقعة ولربما كانت هذه السيدة تعرفني فملامحها ليست غريبة علي.
رومانو: انسي يا حياتي صورة هذه المرأة ودعينا نمتع الطرف بهذه المناظر الخلابة، ما أجمل الطبيعة يا لروعة هذا المنظر الفتان..
ميراندا: إنه من أجمل المناظر التي شاهدتها في حياتي.
رومانو: ميراندا... أتحبينني كما أحبك؟
ميراندا: وما وراء هذا الحب؟
رومانو: إخلاص دائم وحب مقيم...
ميراندا: ما وراء هذا الإخلاص والحب؟؟
رومانو: سعادة دائمة.
ميراندا: وكيف يطيب الحب لامرأة مثلي لها زوج فاضل وولدان هما أعزّ ما تملك؟
رومانو: يمكنك أن تهجري زوجك الثري الهرم لتعيشي في ظل رجل يفهمك... يتفانى في حبك... خلقت للعيش في ظلاله وأوحت إليه السماء أن سعادته بين يديك.. زوجك اهجريه... انبذيه...
ميراندا: ورابطة الزواج... أليس لها حرمة وقدسية؟
رومانو: يمكنك أن تطلقيه فترفعي عن نفسك ظله الثقيل..
ميراندا: وبعد ذلك ماذا يكون مصيري؟
رومانو: تعيشين في ظلي أنا فأوجد لك أسباب السعادة والهناء.
ميراندا: ومن يضمن لي صدق ما تقول؟
رومانو: أقسم لك بكل...
ميراندا: لا، لا تقسم فإن القسم حرام.
رومانو: بحق حبنا... عملاً بالرباط الذي سيجمع شملنا.. سنعيش زوجين سعيدين وفيين مدى الحياة.
ميراندا: وولداي؟
رومانو: سأرعاهما بعنايتي وسيعيشان في ظلالنا عيشة رضية.. يشاطراننا كل ما نملك في هذه الحياة الدنيا..
ميراندا: والمجتمع؟ ألا ينظر إلينا نظرة تختلف عن غيرنا من الناس الذين يعيشون في وسطنا؟
رومانو: بالعكس.. إن المجتمع الراقي الذي نعيش فيه يقدر موقفنا تماماً، بل سنكون مثال الحرية المهذبة، مثال العيش الهادئ الأمين...
ميراندا: على المرء أن يتروى في أموره... وهذه مسألة هامة تحتاج إلى درس وتمحيص... فاترك لي الوقت الكافي لأقر الأمر نهائياً على ضوء مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا..
رومانو: إن المرأة الراقية هي التي تتحرر من القيود والعادات البالية لتعيش منعمة في ظل حياة عصرية لا تشوبها الرجعية ولا تؤثر فيها أقوال المجتمع المتأخر.
ميراندا: إن المرأة في العصر الحديث ترغب في أن تعيش بحسب ما توحي إليها الحرية الصادقة، ولكن المرأة العاقلة هي التي تتحرر من قيود مجتمعها بحرص ولباقة كي لا تعتبر شاذة في تصرفاتها...فينبذها المجتمع.. وتلوك سمعتها الألسن، تأكد يا رومانو أنني أحبك مثل ما تحبني وقد يزيد إنما ظروفي وسمعتي الأدبية وشرف أسرتي تمنعني من الإكثار في تعيين المواعيد والاجتماع بك... فاحرص على حبنا كما تحرص الأم على ولدها أو الزوجة الوفية على شرف زوجها وليكن اجتماعنا هذا في طي الكتمان.
رومانو: أن أحرص ما أحرص عليه هو سمعة المرأة التي أحبها فكوني مطمئنة واحفظي لي دوماً في نفسك أصدق الذكريات، أتعاهدينني على الحب والإخلاص فأعاهدك على أصدق ما حوت النفس من صدق وإخلاص؟
ميراندا: أعاهدك، واعلم أن صورتك قد انطبعت في نفسي فاحرص على أن تبقيها مرآة للصدق والاستقامة والشرف.. والآن أرجو أن تسمح لي بالانصراف لأن لدي أمراً هاماً علي تنفيذه وأنا في طريقي إلى البيت، إن أمي في انتظاري وقد يروعها تأخري، ومن ثم فإنها وزوجي ينتظرانني على الغداء.
رومانو: تنصرفي في مثل هذه السرعة.. وقبل أن..
ميراندا: وقبل ماذا؟
رومانو: قبل أن نعين موعداً لاجتماعنا المقبل؟
ميراندا: إن كنت ترغب في مقابلتي فعين لي موعداً آخر لعلي أستطيع أن أوافيك إليه.
رومانو: إنني أترك يا حياتي أن تعيني المكان والوقت الذي يناسبك.
ميراندا: لربما في أوائل الأسبوع المقبل.
رومانو: أيناسبك صباح الاثنين المقبل وفي مثل هذا الموعد وفي ذات المكان؟
ميراندا: سأبذل جهدي لموافاتك في اليوم والوقت المعينين.
رومانو: سأكون في انتظارك وعلى أحر من الجمر فلا تخلفي الوعد..
ميراندا: وداعاً يا عزيزي... وداعاً.
رومانو: ألا من قبلة أطبعها على شفتيك تكون عربوناً لحبنا وتفاهمنا؟!
ميراندا: لا.. أرجوك لا تتسرع، فالقبلة الطاهرة لا تمنح بمثل هذه السرعة.
رومانو: أرجو المعذرة إن كنت قد تسرعت وطلبت قبلة قبل أوانها.. إنما الحب دفعني للقيام بهذا الطلب فاسمحي لي..
ميراندا: وداعاً يا رومانو.. ولا تنس ما تعاهدنا عليه.
رومانو: وداعاً يا ميراندا.. وداعاً.. إنني على العهد الذي عاهدتك مدى الحياة.
(موسيقى تعبر عن القلق والاضطراب)
الراوية:
وما كادت ميراندا أن تنتهي من شراء حاجياتها الضرورية حتى أسرعت إلى البيت خشية أن تكون قد تأخرت عن موعد الغداء.. وما كادت تدخل حتى فاجأتها أمها قائلة.
الأم: أين كنت حتى الآن؟!
ميراندا: لقد تأخرت قليلاً يا أمي بسبب انهماكي في شراء بعض الحاجيات الضرورية.
الأم: ميراندا... لا تحاولي النكران.. لقد كنت معه في الحديقة.. تلك الحديقة التي لا يؤمها إلا...
ميراندا: (مقاطعة) كفى يا أمي.. أنت مخطئة.. مخطئة.
الأم: لا بل أنت تحاولين التمويه علي.. إنني على علم بكل ما حدث فلا تحاولي النكران، لقد سرت في أثرك متخفية حتى رأيتك تسلكين اتجاه الحديقة المعروفة، ولما شعرت بأن امرأة تسير في أثرك غيرت مسلك الطريق العام وسرت في الطريق الضيقة المعوج محاولة تضليلي... لقد رأيتك بأم عيني وأنت تحادثين رومانو في مدخل الغاب.. وسرعان ما غبتما عن الأنظار.
ميراندا: وما علي إذا فعلت؟!
الأم: ما هذه الجرأة؟! قولي، صرحي علانية أتحبين هذا الشاب المستهتر الخليع رومانو؟
ميراندا: رومانو ليس كما تصفينه يا أماه، إنه شاب مهذب، جميل، صادق في الحب، وفيّ، مخلص، وقد تفتح له قلبي.
الأم: لقد تمكن هذا الثعلب من أن يؤثر في نفسك فأحببته مخدوعة في حبه، فقد أغواك حديثه المنمق ومنظره الجذاب، ثم يجب ألا تنسي أنك امرأة متزوجة لها زوج ثري فاضل محبوب وولدان على صورة ملاكين.
ميراندا: ثري نعم.. أما أنه محبوب فلا..
الأم: أنت لا تحبين زوجك؟! ماذا تقولين؟!
ميراندا: أقول بكل صراحة يا أمي أنني لم أعد أحبه.. لم أعد أحبه.
الأم: ولم تزوجته إذن؟
ميراندا: لقد كنت مخدوعة في حبه.. وأنت التي جملت لي الحياة وأنا صبية رعناء، وأكدت لي أن سعادة المرأة في زواجها من رجل ثري مثل كارلو.. يوفر لها أسباب السعادة والهناء. فإذا به ثري ممسك لا يقدر قيمة الحياة ولا يقدر السعادة الزوجية وواجباتها.. إذ لا هم له إلا أعماله.. وجمع المال.. وتأمين المأكل والمشرب والملبس لي ولولدي، كأن سعادة المرأة تنحصر فيما ذكرت.
الأم: وماذا تطلب المرأة أكثر من ذلك؟ تأمين المأكل والمشرب والعيش مع رجل ثري يؤمن لها طلباتها ويغمرها بالسعادة؟
ميراندا: المرأة أيضاً في حاجة إلى رجل يفهمها، يتفانى في حبها، يقدر الواجبات الزوجية، رجل خفيف الظل.. يحب الحياة العصرية ويطيب للزوجة أن تعيش في ظلاله.
الأم: كفى يا ميراندا... عبثاً تحاولين أن تحطي من قدر زوجك فهو مثال الزوج الفاضل المخلص الأمين.
ميراندا: ومع هذا فإنني لا أحبه لأن قلبي قد تفتح للحياة وأخذت الآن أقدر معنى الحب.
الأم: لا تحبينه!؟ لا أريد أن أسمع منك هذه الكلمة مرة ثانية، وإياك أن تتقربي إلى هذا الرجل المستهتر الخليع رومانو.
ميراندا: وأنا لا أسمح لك بأن تصفي الرجل الذي أحببت بهذه الأوصاف وهو براء منها.
الأم: أخرسي... عليك أن تحبي زوجك وزوجك فقط.. وإياك أن تزل قدمك أو أن تفكري في حب هذا الرجل المخادع.
ميراندا: كلا يا أمي، إنه يحبني ويرغب في الزواج مني.
الأم: مخدوعة، أنت مخدوعة.. إنه يراوغك مراوغة دنيئة فإذا نال بغيته هجرك وتركك تتردين في هوة الشقاء والعار.
ميراندا: ولكنه عاهدني على الحب والإخلاص مدى الحياة.. إنه سيتزوجني إذا ما طلقت زوجي وسأعيش في ظله هانئة تحفني السعادة ويغمرني بالهناء.
الأم: مسكينة أنت.. مسكينة (تضحك ساخرة) هه، هه، يتزوجك إذا ما طلقت زوجك؟
ميراندا: نعم.
الأم: أنا سأثبت لك أنك مخدوعة في حبه وأنه لن يتزوجك.
ميراندا: وكيف ذلك؟!
الأم: ستسمعين اعترافه بنفسك وتطلعين على مكره وخداعه.
ميراندا: أمي.. ماذا تقولين؟
الأم: لا أقول إلا الحقيقة... وإن حدثتك نفسك بخداع زوجك فأنا براء منك وسأنتقم لزوجك منك في أعزّ شيء لديك.
ميراندا: أمي.. أتعنين ما تقولين؟
الأم: بكل تأكيد.. سأضع حداً لهذا الحب الطائش، سأنجيك من خطر هذا الرجل المخادع، سأجعلك تكرهينه بعد أن تسمعي اعترافه بأنه لن يتزوجك، بعد قليل يكون رومانو هنا وتسمعين اعترافه.
ميراندا: أمي رومانو يكون هنا بعد قليل؟!
الأم: نعم لقد أرسلت في طلبه وقد حان موعد قدومه.. فلربما يحضر الآن.
(يقرع الجرس بشدة) لعله هو
ميراندا: رومانو؟!
الأم: نعم وقد ذهبت الخادمة لتفتح له الباب وتحضره إلى هنا.
ميراندا: ولكن يا أمي..
الأم: انتظري قليلاً وتريثي.. ها هو قادم نحونا (تفاجئه قائلة) رومانو لقد أرسلت في طلبك وأنت تعلم لماذا...
رومانو: نعم يا سيدتي... ماذا تأمرين؟
الأم: إن المسألة التي دعوتك من أجلها جد هامة فلا تتردد في الإجابة بكل صراحة وإخلاص.
رومانو: كما تأمرين.
الأم: أحقاً تريد أن تتزوج ابنتي إذا ما بادرت إلى طلاق زوجها؟
رومانو: (متردداً) يا سيدتي... إني... لا..
الأم: أجب نعم أم لا؟
رومانو: إني أحبها ولكن لم أقرر الزواج منها بعد.
الأم: إنك رجل مخادع تستطيع أن تلعب دورك مع غير ابنتي، إنك تراوغها مراوغة دنيئة... وأنت لا تحبها بقصد الزواج منها.
رومانو: إنني أحبها ولكن ظروفي لا تساعدني على الزواج منها الآن.
الأم: ولكنك وعدتها بالزواج إذا ما طلقت زوجها، وهي الآن قد صممت على الزواج منك، هل أنت على استعداد للقيام بمراسيم الزواج..
رومانو: لا.. يا سيدتي.. أنا لست أهلاً للزواج.
الأم: أسمعت يا ميراندا.. إذن عليك يا رومانو أن تبتعد عن هذا البيت وألا تعمل على تعكير السعادة العائلية بين ابنتي وزوجها وولديها.. اطلب مني ما تشاء أعطيك بطيبة خاطر فقط اترك ابنتي لتعيش مع زوجها عيشة الشرف والكرامة.. هذه حليي ومجوهراتي لك فتقبلها مني لقاء ابتعادك عن ابنتي.. عليك أن تهجر المدينة وأن تعيش بعيداً وإلا أنا مدام سلفيا.. سأنتقم لابنتي وشرفها منك وسيكون انتقامي عظيماً.
رومانو: كل هذه الحلي والمجوهرات لي؟
الأم: نعم لك... فقط ابتعد عن هذا البيت وعن المدينة.
رومانو: اطمئني يا سيدتي... إنني أعدك بالابتعاد عن هذا البيت وعن المدينة برغم حبي لابنتك.
ميراندا: إنه لا يزال يحبني.
الأم: ولكن لا ليتزوجك.
ميراندا: رومانو..
رومانو: سأبتعد عن هذا البيت كرامة لأمك فأنا لا أقوى على مقاومتها.
الأم: صه، إني اسمع وقع خطوات على الدرج وأخشى أن يكون كارلو قد حضر فلنغير مجرى الحديث.
ميراندا: كارلو.. زوجي
(الجرس يقرع بشدة.. فتح وإغلاق باب).
الأم: لا شك أنه هو.
(يدخل كارلو غاضباً فيستولي عليهم الذعر والخوف)
رومانو: (بخوف ووجل) نعم هو بعينه.
ميراندا: بالله.. كارلو زوجي؟!
كارلو: رومانو.. ماذا تفعل هنا أيها الصديق الخائن؟!
رومانو: (متردداً) جئت يا سيدي لأراك في...
كارلو: (مقاطعاً) كن على حذر وإياك أن تموه الحقائق.. لقد رآك أحد موظفي مكتبي هذا الصباح وأنت في طريقك إلى الحديقة المشبوهة وسرعان ما رأى زوجتي ميراندا التي تدعي الإخلاص والشرف تسلك ذات الطريق وأمها تتسلل وراءها نحو الغاب.
رومانو: أنا يا سيدي؟
كارلو: نعم أنت الذي كنت تدعي أنك صديق العائلة وكنت أحترم قدومك وأرحب بك دوماً، قل الصدق قبل أن أضغط بكل قواي على عنقك فأودي بحياتك.
ميراندا: كارلو حبيبي... لا تلوث يدك بهذه الجريمة... سأعترف لك بالحقيقة.. فاسمع
الأم: صه يا ابنتي فمن العدل أن أعترف أنا بالحقيقة فالأمر يتعلق بي أنا.. نعم لقد كان رومانو على موعد معي وقد ذهبت للقياه في الموعد المضروب، إنه عشيقي أنا.. فاغفر لي زلتي إن كنت ترحم.
كارلو: (بازدراء) أنت يا مدام سلفيا مثال الاستقامة والشرف؟!
الأم: (بكل إذلال) نعم لقد كنت أنا.
كارلو: وزوجتي لماذا سلكت ذات الطريف المؤدي إلى الغاب.
الأم: لقد سلكت ذات الطريق ورجتني مراراً أنا أمها الخاطئة أن أسلك الطريق السوي وأن أعود أدراجي إلى البيت خشية أن يراني أحد فأجلب لها ولك العار والفضيحة.
كارلو: انصرف من هنا أيها النذل... وإياك أن تسلك السبيل الذي سلكته اليوم، هذا آخر إنذار لك فلا تجعل موتك على يدي.. انظري يا مدام سلفيا كيف يخرج هذا النذل منسلاً، فبعد لحظات ستغادرين هذا البيت مثله وإلى الأبد.
ميراندا: أمي.. آه.. يا أمي.
كارلو: يمكنك أن تودعيها الوداع الأخير فمنذ اليوم لا أريد أن أرى هذه المرأة الخاطئة تلج بيتي، أنا ذاهب إلى غرفتي فبإمكانك أن تودعيها الوداع الأخير.
ميراندا: كارلو حبيبي... اصفح.
الراوية: لا يبالي ويخرج إلى الغرفة الثانية ويطرق خلفه الباب بشدة علامة الغضب الشديد.
ميراندا: آه يا أمي.. كم أحبك، ولكن كيف أستطيع فراقك وإلى الأبد؟
الأم: دعيني أقبلك يا ابنتي قبلة الوداع، فبعد لحظات سأغادر هذا البيت وإلى الأبد.
ميراندا: مسكينة أنت يا أمي.. كم ضحيت في سبيلي.. لا هذا لا يمكن، يجب أن أعترف له بالحقيقة.
الأم: ستكون النتيجة المؤلمة ذاتها، لا بل ستكون نهاية أفجع وأمر، إن التضحية في سبيلك يا ابنتي واجبة، وكل شيء في سبيل سعادتك يهون، إنما عديني يا ميراندا أن تحافظي على شرف زوجك وأسرتك وبذا تصونين كيان العائلة وتقدرين تضحية أمك.
ميراندا: أعدك يا أمي.. ولن أنسى تضحيتك في سبيل سعادتي.
الأم: وداعاً يا ابنتي وداعاً.
ميراندا: (باكية بألم وحرقة) لا استطيع أن أقول وداعاً، فإني لا أقوى على فراقك، آه.. أنت يا أمي تنسلين هكذا خارجة من بيت ابنتك كاللص أو المجرم وتحملين مجوهراتك في حزمة من القماش الرخيص؟ يا الله!! ما أقسى هذا الدرس المؤلم.. اصفحي عني يا أمي فقد جنيت عليك.
الأم: لقد صفحت، كوني سعيدة مع زوجك وولديك.
"موسيقى وداعية ختامية محزنة"
8 من الزوار الآن
916820 مشتركو المجلة شكرا