الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الأطر الجماهيرية ودراساتها > أطروحات الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية بين السياسي والمطلبي
تأليف: د. أيمن طلال يوسف
تحتل الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية أهمية خاصة, بسب تداخل المهام والمسؤوليات والأدوار التي لعبتها الحركة في المفاصل التاريخية الهامة من عمر الشعب الفلسطيني الجاثم على أرضة. تجزم العديد من الأدبيات, الأولية والثانوية, التي تناولت الحركة الطلابية الفلسطينية الجامعية أن بدايات الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة بعد العام 1967 كانت ممثلة في الحركات والكتل الطلابية بحيث كانت الجامعات نواتها الأولى. من هنا كانت مقاومة الاحتلال والتصدي لمشروعه الاستيطاني من المهام الرئيسة التي قامت بها الحركة الطلابية الفلسطينية, منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي وحتى اليوم. وكما هو معلوم للجميع أن هذه الفترة شهدت ميلاد العديد من الجامعات الفلسطينية التي ساهمت في تنمية الأراضي الفلسطينية, وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه, والمحافظة على هويته الوطنية وتراثه القومي, لا سيما أن الاحتلال الإسرائيلي امتاز بالاستيطانية والاحلالية والتهجير القسري لشعب آخر. وقد كان هدف إسرائيل منذ البداية السيطرة على الأرض الفلسطينية بدون السكان الأصليين.
فإضافة إلى المسؤوليات الوطنية التي قامت بها الحركة الطلابية بكفاءة عالية, يتعرض هذا البحث إلى المهام الأخرى التي تكفلت الحركة الطلابية القيام بها خاصة النقابية والمطلبية المرتبطة بخدمة جموع الطلبة من خلال مواجهة المشاكل الملحة التي تواجهم داخل الحرم الجامعي على شاكلة قضايا الأقساط والتخفيف عن كاهل الطلاب مالياً , فضلاً عن قضايا متصلة بالأجواء الأكاديمية والانتخابات الطلابية, والديموقراطية الطلابية. يشتمل البحث على مقدمة موجزة تتضمن مشكلة البحث والأهداف والأهمية والمنهجية المتبعة, لا سيما في ظل نقص الأدبيات المرتبطة مع هذا الموضوع. بعد المقدمة, هناك عرض سريع عن التعليم العالي وبداياته وأهميته بالنسبة للمجتمع الفلسطيني, خاصة أن الفلسطينيين من المجتمعات الفتية التي تمتاز بارتفاع نسبة الشباب فيها إلى درجة كبيرة.
يعتبر تاريخ الحركة الطلابية في الأراضي الفلسطينية حديث نسبياً , يرجع إلى فترة الخمسينات من القرن العشرين حيث تمثل بظهور الحركات والروابط الطلابية التي ضمت بين أجنحتها مئات الطلبة الفلسطينيين الدارسين في الدول العربية المجاورة. وقد ظهرت هذه الروابط الطلابية في المنافي متأثرة بمجموعة من العوامل والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية. فعلى الصعيد المحلي تم إنشاء دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية في عام 1948بعد تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين هجروا قسراً وعنوة, وأجبروا للجوء إلى الدول العربية المجاورة حيث بقي الأمل يراودهم بالعودة إلى الديار مرة أخرى. أما على المستوى الإقليمي العربي فقد ظهرت الناصرية والأفكار القومية, خاصة بعد ثورة يوليو في مصر عام 1952, التي أنهت الملكية وأسست الجمهورية, ومع الوقت أصبحت جمهورية عبد الناصر النواة الأولي لتصدير الأفكار الثورية والقومية إلى البلدان العربية المجاورة.لذلك كانت هذه الروابط الطلابية الفلسطينية قد اعتنقت الأفكار القومية والناصرية, وآمنت بضرورة التغيير الراديكالي الشمولي من اجل تنظيف الجبهة العربية, والانطلاق بحلة جديدة لتحرير فلسطين, وكرست شعار, " أن الوحدة العربية هي طريق تحرير فلسطين".أما دولياً, فكانت الحرب الباردة قد بدأت تداعياتها تتوغل إلى المنطقة معلنة حرباً خفيه بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق, وظهور المعادلات الدولية والمحاور الإقليمية خدمة لمصالح الدول الكبرى.
إن طلبة المدارس الثانوية, وطلبة الجامعات كما هو معروف وبحسب تركيبتهم من أكثر شرائح المجتمع في اغلب بلدان العالم سعياً وراء التغيير, بكل صوره وأشكاله السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, لما تملكه هذه الشريحة من دافعية قوية باتجاه بناء مجتمعات عصرية, وحديثة, ومتطورة قادرة على استيعاب قدراتهم وطموحاتهم وإمكانياتهم. لقد أثبتت التجارب المتعددة في البلدان العربية والأجنبية, أن الجامعات كانت, وما زالت, الأمكنة المناسبة والملائمة التي انطلقت منها الثورات والانتفاضات الشعبية, وبقيت المعاقل المتقدمة والحرة التي حاربت الاحتلال والاستعمار الخارجي, فضلاً عن مقاومة الأنظمة الدكتاتورية والسلطوية التي تسعى لقمع الشعوب, وإبقائها تعيش حالة من الخوف وأجواء الرهبة. فالطلبة والمجتمع الأكاديمي داخل الجامعات يمثلون روح التغيير نحو الأفضل, وهم الذين يحتضنون العلم والمعرفة والنظرة الثاقبة كأدوات لتحسين ظروف العيش العام, والنهوض بالحرية الإنسانية.
بالنسبة للحركة الطلابية الفلسطينية, فقد تم إثارة بعض الأسئلة وإشارات الاستفهام حول ملامحها وسماتها وآليات عملها, ومدى تمثيلها لجموع الطلبة, خاصة في الامور الخدماتية والمطلبية. إطلاق اسم الحركة على أي تنظيم إنساني جمعي يحمل في طياته وجود منظومة قوانين ولوائح داخلية, إضافة إلى التفاعل الإيجابي الذي يساهم في النهاية في حماية حقوق وحريات الأفراد المنتمين لهذه الحركة.من هنا دخلت مسألة وجود حركة طلابية فلسطينية منظمة في سجال النقاشات والمداولات واللقاءات وورشات العمل, فضلاً عن المؤتمرات العلمية والأكاديمية التي انعقدت في مناسبات عدة لتناول هذه القضية. كما تم تداول مدى ارتباط الحركة الطلابية الفلسطينية مع قضايا مجتمعية أخرى مثل الدمقرطة والحريات العامة والحقوق الإنسانية ومستقبل البناء المؤسساتي في فلسطين. من هنا اقترح البعض تنظيم عمل الحركات والكتل الطلابية المتواجدة في الساحات الجامعية ضمن منظومة قوانين فاعلة تدعم حقوق الشباب والشابات في التعليم أولاً, وفي ممارسة حياة جامعية منتجة ومثمرة ثانياً.
أصبح غياب التثقيف السياسي والنقابي والمطلبي في أوساط الطلبة من العوائق الرئيسية التي تواجه العمل الطلابي على مختلف الجبهات والأصعدة خاصة فيما يتعلق بتمثيل الطلبة في همومهم ومشاكلهم بعيداً عن التسييس والمناكفات الحزبية بين الكتل المختلفة, فضلاً عن خاط المطلبي بالسياسي مما أفقده جزءاً من محتواه الأصلي والشرعي, خاصة أن فئات من الطلبة الفلسطينيين تعيش أوضاع معيشية صعبة في ظل ممارسات الاحتلال وقلة موارد الدخل العائلي.
مشكلة البحث: تكمن مشكلة البحث في تحليل العلاقة الترابطية والتداخلية بين مسارين هامين سيطرا على اجندة العمل الطلابي منذ انطلاقة الحركة الطلابية المعاصرة في الأراضي الفلسطينية. انصب المسار الأول حول قضية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي, وتنمية روح المقاومة الفلسطينية, وهذا بدوره ارتبط مع المسار الثاني, وهو الجانب الخدماتي المطلبي القائم على معالجة المشاكل الطلابية مثل قضايا الأقساط الجامعية والأجواء التعليمية السائدة في الجامعات الفلسطينية. تتعمق مشكلة البحث أكثر وأكثر في صلب القضية المبحوثة, وتلج إلى جوهرها من اجل إدراك كيفية تعايش هذان المساران في مشكلة البحث, وأيهما طغي على الآخر في سياق الحديث والكتابة في هذا الموضوع تاريخياً. وما هي أسباب طغيان مسار على آخر؟ ولماذا لم تستطع الحركة الطلابية أن توازن بين هذين المسارين لما فيه خدمة الطلبة الفلسطينيين؟ وكيف سينعكس ذلك على نتائج واستخلاصات الدراسة في النهاية؟
أهداف البحث: يسعى هذا البحث إلى تحقيق الأهداف ألآتيه:
1. تتبع المفاصل التاريخية الهامة التي مرت بها الحركة الطلابية الفلسطينية منذ انطلاقتها حتى اليوم.
2. معرفة سمات وخصائص الحركة الطلابية الفلسطينية, ومدى انعكاس هذه السمات على آليات عمل هذه الحركة داخل الجامعات الفلسطينية.
3. إدراك وتحليل الظروف المجتمعية العامة التي عملت في ظلها الحركة الطلابية, وانعكاس مثل هذه البيئة على نشاطات الكتل الطلابية خاصة فيما يتعلق بقضايا العمل التطوعي ومساعدة الطلبة لإكمال مشوارهم العلمي والتعليمي في وقت يعيش فيه الفلسطينيون ظروف صعبة وقاسية.
4. تقييم التجربة الديموقراطية الطلابية من خلال قراءة شعاراتها وأطروحاتها وبرامجها الانتخابية وأساليبها الدعائية, ومدى انسجام هذه البرامج مع متطلبات العمل الطلابي والعملية التعليمية.
5. البحث في التغييرات البنيوية الهامة سواءاً على مستوى البرامج أو على مستوى آليات وديناميات العمل التي تبنتها الحركة الطلابية بعد قدوم السلطة الوطنية, والآثار التي تركتها عملية اوسلو في عام 1993 على المنظمات الشعبية والجماهيرية, والاتحادات والنقابات.
6. استعراض أهمية التعليم العالي بالنسبة للفلسطينيين في زمن التهجير والشتات والاحتلال, ومدى قدرة الحركة الطلابية الجامعية في تدعيم النشاطات التعليمية والأكاديمية من خلال توفير الأجواء الجامعية والتدريسيه الصحية.
7. دراسة الرابط بين التجارب الطلابية في الجامعات الفلسطينية ومؤسسات النظام السياسي الفلسطيني, ومعرفة انعكاسات المشاركة السياسية لطلبة الجامعات على مجمل الحياة السياسية الفلسطينية خاصة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في عام 2006, والتي تركت انعكاسات وآثار على بنية النظام السياسي الفلسطيني والحياة السياسية الفلسطينية عموماً.
أسئلة البحث والمنهجية
يجيب البحث على الأسئلة الافتراضية الآتية:
1. كيف يمكن دراسة تاريخ الحركة الطلابية الفلسطينية ضمن إطار علمي ومنهجية عقلانية؟
2. ما هي المفاصل التاريخية الهامة التي مرت بها الحركة الطلابية في الأراضي الفلسطينية في آخر نصف قرن مضى؟
3. ما العلاقة بين المطلبي والسياسي في نشاطات الحركة الطلابية الفلسطينية؟
4. ايهما طغى على الحركة الطلابية المطلبي أم السياسي ولماذا؟
5. كيف يمكن تقييم آليات عمل الحركة الطلابية خاصة في مساومتها مع إدارة الجامعات؟
6. كيف انعكست الانتخابات الطلابية على مجمل الحياة السياسية الفلسطينية؟
7. لماذا أثر اتفاق اوسلو على عمل المنظمات الشعبية والجماهيرية, وعلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية؟
8. ما مدى تأثير اتفاق اوسلو على نشاط الحركة الطلابية؟
9. هل اتبع طرق علاج واضحة لتقويم الضعف الذي أصاب الحركة الطلابية؟
أما بالنسبة للمنهجية, فقد اعتمد الباحث في عرض البحث وتحليل الأسئلة الافتراضية, والولوج إلى المحتوى والمضمون على المنهجية التاريخية, الوصفية, التحليلية. هذه المنهجية تتضمن الرجوع إلى المراحل التاريخية المختلفة من عمر الحركة الطلابية, واستعراض هذه المراحل بطريقة نقدية من خلال الرجوع إلى بعض المصادر الأولية والثانوية بما فيها الكتب والمجلات والدوريات والنشرات التثقيفية, فضلاً عن المقابلات الشخصية مع قادة العمل الطلابي بما فيهم مسؤولي وقادة الكتل الطلابية وأعضاء مجالس الطلبة من سنوات متنوعة سابقة. لقد اشتملت المقابلات كل أطياف العمل الطلابي الفلسطيني بما فيهم الوطنيين واليساريين والإسلاميين وبعض المستقلين. لكن يود الباحث أن يورد أن المقابلات قد اقتصرت على جامعات الضفة الغربية فقط بسبب صعوبة إجراء مثل هذه المقابلات مع طلبة جامعات قطاع غزة بسبب عوامل مرتبطة مع البعد الجغرافي ومعيقات يخلقها الاحتلال, وظروف معقدة مر بها الفلسطينيون في القطاع أثناء إنجاز هذه الدراسة بسبب الاقتتال الداخلي والصراعات الحزبية والفصائلية.
إن الحديث أو الكتابة في موضوع التعليم بشكل عام, والتعليم العالي بشكل خاص في فلسطين يعتبر قضية مشوقة ومحفزه جداً, كون أغلب الفلسطينيين يحتلون الدرجات الأولى على سلم التعليم إقليمياً وعالمياً. فرغم ظروف القهر والتشريد والاحتلال الاستيطاني التي عانى منها الشعب الفلسطيني, وما زال يعاني، ورغم غياب الدولة الكيانية التي ترعى العملية التعليمية , والتنمية الشاملة المستدامة، سجل الفلسطينيون قفزات نوعية متسارعة ومتصاعدة على مستوى الكم والكيف في العملية التعليمية، خاصة في عهد ما بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية. التعليم مهم وحاسم لأي عملية تعمير وإعادة بناء، وضروري في العملية التنموية عموماً, لأن إحداث التنمية الشاملة، التي تحمل صفات الاستدامة والثبات والتوازن، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية لا يتم أو يكتمل، وإنما يبقى منقوصا دون مؤشرات تعليمية واضحة.
يكفي أن نذكر في هذا السياق أن الحكم على أي عملية دمقرطة حقيقية لا يتم إلا بعد تفحص المؤشرات التعليمية المختلفة, خاصة أن زيادة نسبة التعليم في أوساط الشعوب يساهم بشكل مباشر في تحسين أدائها الاقتصادي ومستواها المعيشي، وهذا بدوره ينعكس إيجابا على المشاركة السياسية والتثقيف السياسي الواعي، والذي يعتبر متطلباً هاماً في حياة الشعب الفلسطيني في معركته لنيل الحرية والاستقلال، وفي معركته نحو مزيد من اللبرلة( نسبة إلى الليبرالية السياسية والتعددية الثقافية والفكرية) والدمقرطة والانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي.
عاش الفلسطيني فترة ضياع فكري وثقافي ووجداني في فترة ما بعد النكبة في العام 1948 وذلك بسبب خسارته لأرضه ومدنه، وبسبب تدمير مئات القرى التي شكلت الحاضنة الطبيعية الرؤوم لنمو وتشكيل منظومة القيم الاجتماعية, والمفردات الثقافية الهامة التي طالما اعتز بها الفلسطيني، كونها المغناطيس الطبيعي التي انجذبت نحوها كل أركان الحياة الفلسطينية. في هذا السياق يرى حسن خضر أن النكبة وما تزامن معها من تهجير وتشريد واغتراب قد أصابت الفلسطيني بالأضرار الفادحة والخسائر التي لا يمكن تعويضها، لأن خسارة 78% من فلسطين التاريخية كان له آثار وتداعيات, وأصداءً على الحياة الفلسطينية على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والمعنوية.
خسر الفلسطينيون على الصعيدين النفسي والاجتماعي المدن الساحلية كحيفا ويافا وعكا وصفد والتي مثلت الحاضنة الطبيعية الحنون لنمو الطبقة الوسطى، وشكلت "المعمل الاجتماعي لتوليد الأفكار والحركات السياسية والثقافية. كما أن النكبة في العام 1948 أثرت سلباً على عملية إنتاج النخب السياسية القادرة على اتخاذ قرارات مصيرية في معركة الفلسطيني للعودة واسترداد الحقوق". (1)
أمام هذه المعضلة التاريخية والمأساة الإنسانية, شكل التعليم وضرورات الحصول على المعرفة والعلم في بقاع الشتات والاغتراب, جواز سفر لتأهيل الفلسطيني وتسليحه بطريقة جيدة للبقاء فوق صفحات الحياة في زمن شهد اندثار العديد من الأمم والشعوب، ولعل الهنود الحمر أفضل مثال على ذلك.ولهذا أصبح الاستثمار الاجتماعي الفلسطيني في التعليم جزءاً من إستراتيجية الفلسطيني للانتصار على ظروف الشتات وللمحافظة على وجوده الثقافي والإنساني في دول الطوق العربية, وفي العالم ككل.(2)
وقد شكلت نكسة 1967 ضربة أخرى وجهها الاحتلال لنسيج الحياة الاجتماعية والثقافية الفلسطينية حيث أصبح أخطبوط الاحتلال يلف فلسطين شمالاً وجنوباً, شرقاً وغرباً. وزادت إجراءات الاحتلال القمعية/التعسفيه في إفراغ الحياة الفلسطينية من رحيقها الثقافي ومكونها الإنساني, وفي إلغاء طابعها الحضاري, وفي اتباع سياسة تغيبية شاملة. ويجدول عبد الجواد صالح أثناء تناوله وتحليله لإجراءات الاحتلال القمعية في فترة ما بعد 1967, مجموعة من الخطوات التعسفية التي قام بها الاحتلال على شكل خطة شاملة ومبرمجة لمحاربة الفلسطينيين ثقافياً وحضارياً. ومن هذه الإجراءات: تفريغ المؤسسات التعليمية من الكوادر والطاقات والكفاءات العالية من خلال خلق ظروف عامة تجبر هذه الطاقات للهجرة خارج الوطن. إضافة إلى سياسة اقتحام المدارس والكليات والجامعات, ومنع الطلبة من الوصول إلى المراكز التعليمية من أجل دفعهم لترك مقاعد الدراسة وتشجيعهم للعمل داخل إسرائيل كقوة عاملة رخيصة, وبالتالي استنزاف الموارد البشرية في الأراضي الفلسطينية.
كما أن سلطات الاحتلال لجأت إلى سياسة الاعتقالات وفرض الإقامات الجبرية على الطلبة والمحاضرين على حدٍ سواء, وحظرت تدريس العديد من المساقات التربوية, وخاصة الإنسانية والجغرافية والتاريخية التي تتناول المراحل والمفاصل التاريخية الهامة التي مرت بها القضية الفلسطينية. (3)
شكل قدوم السلطة الوطنية والعودة إلى أرض الوطن في أعقاب اتفاقيات اوسلو في العام 1993 البدايات الأولى لنشأة أول كيانيه شبة مستقلة فوق الأرض الفلسطينية, لأول مرة في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر. تجسدت هذه السلطة شبه أو نصف الدولانية على أرض الواقع من خلال تأسيس المؤسسات والوزارات والأجهزة المدنية والعسكرية, وبدأ النظام السياسي الفلسطيني, بمؤسساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية, يبلور ملامح وسمات محددة.(4) ومن هذه الوزارات الخدمية التي تم إنشاؤها وزارة التعليم العالي لما لهذه المؤسسة من دور حيوي حاسم في تأهيل عشرات الآلاف من الطلبة الفلسطينيين الطامحين لدخول قطاع التعليم العالي.
مع حلول العام 2005, كان هناك إحدى عشرة جامعة فلسطينية وثلاث عشرة كلية جامعية وحوالي تسع عشرة كلية متوسطة تمنح درجة الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه.(5) وقد حاولت السلطة الوطنية وضع استراتيجية وطنية شاملة من أجل رفع شأن ومكانة التعليم العالي في فلسطين لما لهذا القطاع الإنساني الحيوي من دور هام يلعبه في التنمية البشرية والتنمية المجتمعية عموماً. ولعل من ملامح هذه الإستراتيجية الشاملة هو مساعدة الجامعات الفلسطينية في خلق وإنتاج قوة عاملة شابة ومؤهلة تستطيع أن تتكيف مع المتغيرات والتطورات المتلاحقه التي يشهدها سوق العمل الفلسطيني, بحيث تكون قادرة على رفد الاقتصاد الوطني الناشئ بالقوة البشرية اللازمة لإحداث التنمية، لأن الإنسان يبقى العنصر الأهم في أي عملية تنموية.(6)
وقد خرجت إلى حيز الوجود بعض الاهتمامات في التفكير الجدي لتناول قضايا التعليم العالي على شكل استثمار اجتماعي/اقتصادي يتطلب أولاً وأخيراً جهداً جماعياً متكاملاً لحلحلة مجموعة من المشاكل المعقدة والمتشابكة, على رأسها المشاكل المالية والوضع المالي الصعب التي وصلت إليه الجامعات الفلسطينية، ثم ضرورة النظر والتمعن في سبل التوسع بالتعليم العالي بشكل يتناسب مع احتياجات السوق، خاصة قطاع التعليم المهني والتقني والصناعي والفندقي والعلوم المنزلية، والتي طالما احتلت مكانة متدنية على سلم الأولويات الاجتماعية. كما أن الحاجة ظهرت لتفعيل البحث العلمي, ووضع الموازنات الضرورية لذلك من أجل خلق جيل عقلاني باحث عن الحقيقة, ومتطلع بشوق ورغبة شديدة للمضي بالمجتمع إلى أرقى صوره ودرجاته, خاصة في زمن التطور التكنولوجي الهائل، وفي زمن عولمة العلم والمعرفة والسياسة والاقتصاد والثقافة والمعلومات.
إضافة إلى ذلك حاولت الوزارة جاهدة اعتماد معايير واضحة من أجل ضبط الجودة والنوعية في التعليم العالي، واعتماد أسس ومعايير جديدة لترخيص المؤسسات التعليمية، والبرامج والتخصصات المختلفة سواءاً لمنح درجة البكالوريوس أو درجة الماجستير.(7)
ويرى رمزي ريحان، الخبير التربوي، المطلع على شؤون التعليم العالي في فلسطين, أن التعليم العالي في أغلب دول العالم هو قطاع ديناميكي متنامٍ, وأن التجربة الفلسطينية في هذا السياق لا يجب أن يستهان بها لأنها أثبتت أولاً وأخيراً قدرة ومقدرة الفلسطيني للصمود والبقاء, رغم التجربة الإحتلاليه الاستيطانية الإقتلاعية. ساهم قطاع التعليم في اجتذاب الكفاءات العلمية والخبرات الأكاديمية. ففي عام 1997، كان هناك أكثر من 28000 فلسطيني يحملون درجات بكالوريوس وماجستير حصلوا عليها من جامعات فلسطينية داخل الوطن. وقد أظهرت الدراسة التي أعدها جرير القدوة لصالح وزارة التربية والتعليم العالي التزايد المضطرد في أعداد الطلبة الملتحقين بالجامعات الفلسطينية، ففي العام الدراسي 1993/1994، بلغ عدد الطلبة الملتحقين بالجامعات الفلسطينية الثمانية حوالي 22966. اختار ما يقارب 60.4% منهم الدراسات الإنسانية مثل الآداب والتربية والفنون والقانون وأصول الدين والفندقة كحقل معرفي متخصص، بينما اختار 39.6% الكليات ذات الطابع العلمي في الهندسة والعلوم والتجارة والصيدلة والمهن الطبية والصحية. هذه الأعداد من الطلبة الملتحقين بالجامعات والمعاهد العليا والكليات المتوسطة ظلت في تزايد مستمر حيث بلغت نسبة الزيادة خلال الفترة الواقعة ما بين 1993/1994 – 2002/2003 حوالي 233.3% حيث وصلت أعداد هؤلاء الطلبة إلى ما يقارب 104000 طالب وطالبة في العام الدراسي 2002/2003. (8)
هذه الأرقام والإحصاءات والمؤشرات الرقمية إن دلت على شيء فإنما تدل وتشير على أن التعليم العالي في الأراضي الفلسطينية بدأ يتبلور أكثر فأكثر في آخر عشر سنوات وأخذ يأخذ صفة القطاع الاستثماري في الإنسان, وفي نشاطه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. من الناحية الاقتصادية، ينظر إلى التعليم العالي كاستثمار آني يتمثل مردودة المستقبلي في زيادة الدخل القومي عن طريق ارتفاع إنتاجية المتعلم وحامل الشهادة العلمية. لكن للتعليم العالي آفاق تتعدى البعد الاقتصادي البحت لتشمل هذه الرضا الاجتماعي والإنتاج العلمي والثقافي بجميع أشكاله ودوره في تعزيز الهوية الوطنية والقومية.(9)
حاولت وزارة التعليم العالي منذ قدومها وضع استراتيجية عقلانية فاعلة للتعامل مع مدخلات العملية التربوية والتعليمية, ومع مخرجاتها على حدٍ سواء. وبالرغم من أن مصطلح الاستراتيجية قد استخدم لأول مرة في القرن التاسع من قبل بعض الخبراء والممارسين في العلوم والفنون العسكرية من أمثال فيتر وهارت ويوكر، حيث عرفوا الاستراتيجية على أنها فن توزيع واستخدام المعارك بالوسائط والقوى العسكرية لتحقيق أهداف الحرب، وبالتالي كانت الاستراتيجية حكراً على دائرة نخبوية ضيقة تضم كبار القادة والعسكريين وصناع القرار السياسيين المتصلين مباشرة بالجيش والشؤون الحربية. لكن مع مرور الوقت توسع مفهوم الاستراتيجية وأصبح يضم مجالات أخرى إدارية واقتصادية وتربوية، وأصبحت الاستراتيجية أكثر المصطلحات توازناً وعقلانية في حقل معرفي معين لأنها تعكس التخطيط والتفكير الحيوي والمنطق السليم في التعامل مع الأشياء والقضايا والمشاكل.
برع اليابانيون في استخدام الاستراتيجية في مختلف المجالات والنواحي بحيث أصبحت في منظورهم العام أفضل أسلوب وأحسن وسيلة نابعة من التفكير الخلاق والتخطيط الإبداعي/الابتكاري، والتي تبنى عادة من خلال تصنيف الأحداث, ومزج المتضادات بطريق قيادية فاعلة ونقلها إلى حيز التنفيذ والتطبيق العلمي، وذلك من خلال إعداد الأهداف والأغراض والخطط والسياسيات.(10)
تعود البدايات الأولى للحركة الطلابية الفلسطينية المعاصرة إلى خمسينات القرن الماضي، بالتحديد في 29/11/1959، وهي ذكرى تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وقد جاءت هذه المناسبة بعد عشر سنوات من حادثة قرار تقسيم فلسطين, والذي صدر من قبل الأمم المتحدة في العام 1947. فقد توافد رموز الطلبة الفلسطينيين وممثليهم في لبنان وسوريا ومصر إلى القاهرة لإعلان انطلاق هذه المؤسسة الوطنية الفلسطينية, والتي كان على رأس أولوياتها في تلك الفترة وضع اللوائح الداخلية والأنظمة النقابية التي تعنى بعمل الاتحاد ونشاطاته, وقدرته للوصول إلى عقول الطلبة الفلسطينيين, وقلوبهم الذين عاشوا في شتات عظيم واغتراب مؤلم في أعقاب النكبة. وقد استفاد الاتحاد فعلاً من وجوده على أرض مصر الناصرية التي بدأت تولي اهتماما خاصاً بقضية العرب الأولى, وهي ضياع فلسطين وضرورة تعميق الجهود العربية والفلسطينية, وتجذيرها في استرداد الأرض, والحقوق في فلسطين.
إلا أن بعض الأدبيات والمصادر, القليلة نسبياً, تعمقت في تناول الحركة الطلابية الفلسطينية في فترة ما قبل نكبة عام 1948, فأرجعت النشاطات الطلابية في فلسطين إلى عشرينات القرن الماضي, أي إلى الفترة التي سبقت الانتداب البريطاني, وازدياد الهجمة الصهيونية الشرسة في فلسطين. في هذه الفترة, كان عدد الدارسين الفلسطينيين في الجامعات خارج فلسطين في أماكن مختلفة ومتعددة منها على سبيل المثال لا الحصر الاستانة والقاهرة وبيروت وباريس, قليل جداً ,وانحصرت هذه الفئة في العائلات الوجاهية والغنية والإقطاعية التي كان بمقدورها إرسال أولادها إلى الخارج من اجل التعليم. ومع هذا قاوم الطلبة الفلسطينيون الهجمة الصهيونية على فلسطين من خلال المظاهرات والمسيرات ونشر الوعي الوطني والجماهيري بين أوساط الشعوب العربية والإسلامية, موضحين لهم مخاطر المشروع الصهيوني في فلسطين (11) . إلا أن النشاطات الطلابية والشبابية في هذه الفترة كانت ضعيفة وغير منظمة نسبياً بسبب عدم وجود حركة طلابية وشبابية فلسطينية واضحة الرؤى والأهداف, وبسبب ضعف التعليم العالي, وقلة المراكز التعليمية الجامعية داخل فلسطين.
تشكلت مجموعة من الروابط الطلابية والمنتديات الثقافية والشبابية والأدبية في فلسطين حيث كان جزء من نشاطها يقوم على مقاومة الصهيونية, وهجمتها الاستيطانية في فلسطين. فقد أسس الطلبة الفلسطينيون الدارسون في الأزهر الشريف في عام 1914 جمعية مقاومة الصهيونية التي عمدت إلى مقاومة الوجود الصهيوني بكل الوسائل الممكنة, وعملت على تأسيس فروع للجمعية في بعض المدن السورية والفلسطينية بهدف تنشيط ودعم النشاطات الاقتصادية والزراعية والتجارية في فلسطين, وخلق حالة من التوعية في أوساط الفلاحين الفلسطينيين من اجل التشبث بأراضيهم (12) . أما الشبيبة النابلسية فقد تأسست في بيروت عام 1913, وضمت مئة طالب من مدينة نابلس برعاية نجيب نصار حيث هدفت إلى حماية حقوق الطلبة الفلسطينيين المتواجدين في بيروت, وخلق الأجواء المناسبة, للنهوض بالأمة العربية والفكر القومي والأفكار السورية. أما جمعية العلم الأخضر, فقد تشكلت على هيئة جمعية طلابية عربية في الأستانة, حيث ضمت الطلبة العرب والفلسطينيين وبرز من بين صفوفهم عاصم بسيسو ومصطفى الحسيني وشكري غوشة. وكان من أهدافها تقوية الروابط العربية والقومية بين الطلبة العرب والنهوض بالفكر العروبي والقومي تمشياً مع التجربة الناصرية (13).
شهدت فترة الانتداب البريطاني أحداث وتطورات متتابعة كان لها تأثير على شرائح الشعب الفلسطيني بما فيهم الطلبة والشباب خصوصا أحداث ثورة عام 1929. وقد شارك الطلاب في أحداث الثورة من خلال تأسيس اللجنة العليا للطلاب والتي قادت العمل الطلابي, وقامت بتنظيم المؤتمرات واللقاءات الطلابية والشبابية في فلسطين والخارج (14). في اعقاب أحداث ثورة عام 1929, انعقد المؤتمر الطلابي الفلسطيني الأول في مدينة عكا حيث رفع شعار: "محاربة الإنجليز رأس الأفعى", وكان من مقرراته الدعوة إلى الإضراب العام احتجاجاً على الهجرة الصهيونية والانتداب البريطاني الذي كان يسهل هذه الهجرة اليهودية المنظمة ويدعمها سراً وعلانية. وصدر عن المؤتمر بعض القرارات الهامة منها تأليف فرقة كشافة عربية في فلسطين, والدعوة إلى مقاطعة البضائع الأجنبية, والمطالبة بتدريس تاريخ البلدان العربية وجغرافيتها لتعكس ماضيها الأصيل (15).
تأججت المشاعر الفلسطينية عموماً خلال ثورة عام 1936 ضد الانتداب البريطاني في فلسطين بحيث انتفضت جموع الفلسطينيين ضد سياسات الانتداب. في هذه الفترة انعقد مؤتمر لجان طلبة فلسطين في مدينة يافا حيث أيد المؤتمر الاستمرار بالإضراب الكبير, وشجع عدم دفع الضرائب, إضافة إلى نشره مجلة توعوية لمنع بيع الأراضي لليهود, وتعميق فكرة مقاطعة البضائع الأجنبية, وتشكيل لجان الطلبة والأندية الطلابية في القرى والأرياف, فضلاً عن إصدار عدد خاص عن الطلبة الفلسطينيين الدارسين في المدارس الثانوية, وفي المعاهد العليا في الخارج, ينقل هموم الناس ويوجههم إلى الطريق الصحيح (16). في نفس هذه الفترة أيضا ظهرت العديد من الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي الفلسطيني, وحزب الاستقلال, وحزب الدفاع الوطني , والحزب العربي الفلسطيني حيث اعتمدت هذه الأحزاب على الشباب والطلبة المتعلمين في صياغة برامج هذه الأحزاب, وتحديد أهدافها ووسائلها في السياسة والنضال (17).
مثلت جمعيات "الخطابة" والأندية الأدبية والاجتماعية التعبير الأول لدور الحركة الطلابية الناشئة في فلسطين, ومن خلالها مارست الأنشطة المتعددة بما فيها الرياضية والسياسية والثقافية, وبالرغم من سياسة بريطانيا التجهيلية ضد الشعب الفلسطيني من حيث قلة المدارس ومحاولة طمس الهوية الوطنية, وعدم وجود جامعة وطنية في تلك الفترة, إلا أن الفئة القليلة من الطلاب والمتعلمين أدركوا خطة بريطانيا في تسهيل مهمة تهويد فلسطين. ومن هنا تعالت الأصوات المحذرة من هذه المخططات الظلامية من خلال الدعوة إلى تشكيل اتحاد طلابي فلسطيني من اجل تجميع الطاقات وتحشيدها لصالح الأهداف والأغراض الوطنية والنضالية.
مع هذا لا يمكن إطلاق صفة الحركة على النشاطات الطلابية في هذه الفترة بسبب مجموعة من العوامل والمتغيرات:
1. الطابع المدرسي للنشاط الطلابي بسبب افتقار فلسطين إلى المعاهد الدراسية العليا.
2. البساطة والمحدودية في النشاطات والفعاليات الطلابية المنظمة حيث افتقر العنصر الطلابي لعامل التنظيم وتنسيق الجهود والفعاليات.
3. لم يكن التعليم في هذه المرحلة إحدى وسائل التحول الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الفلسطيني بسبب وجود وسائل وأدوات أخرى (18) .
4. اقتصار التعليم على العائلات الإقطاعية والوجاهية, وعلى الفئات العليا في المجتمع الفلسطيني بسبب الفقر والفوارق الطبقية والاجتماعية والاقتصادية حيث بقي الريف الفلسطيني بمجملة مهمش فيما يتعلق بالنشاطات الطلابية (19).
5. شيوع ظاهرة المدارس الأجنبية في فلسطين مما شكل خطراً داهماً على الثقافة الوطنية والتعليم الأصيل تمثل ذلك في جهل الطلبة الخريجين بالعادات والتقاليد الأصيلة لمواقع سكناهم من جانب, وعدم توفيقهم في اخذ ما يلزم والواقع الفلسطيني من ابتكارات واختراعات مما جعلهم لقمة صائغة تحولوا من خلالها إلى كتلة "عضوية سريعة الذوبان في بطن الاستعمار" (20).
انطلاقة العمل الطلابي الفاعل بعد نكسة عام 1967
بعد تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين في تشرين ثاني عام 1959, نشطت الروابط الطلابية الفلسطينية, واتسعت دائرة النشاطات والفعاليات الفلسطينية خاصة في فروع الاتحاد في سوريا ولبنان ومصر. ورغم أن الظروف الصعبة التي مرت بها القضية الفلسطينية والأمة العربية عموماً, وبخاصة بعد انتصار الناصرية في مصر, والبعثية في سوريا والعراق, ونشوب حرب اليمن والخسارة العربية الفادحة في حرب حزيران عام 1967, إلا أن الاتحاد العام لطلبة فلسطين حافظ على ترابطه الداخلي, وطور كثيرا من برامجه وفعالياته وطرق تواصله مع الطلبة الفلسطينيين, ومع مقتضيات القضية الفلسطينية. لقد عرفت الساحة الفلسطينية عبر سنين النضال الطويلة العديد من الخلافات في وجهات النظر تجاه العديد من القضايا الجوهرية مثل اتفاق جنيف عام 1974, وبرنامج النقاط العشرة لمنظمة التحرير الفلسطينية, واتفاق أوسلو عام 1993, وما أحدثته هذه الاتفاقيات من خلافات وانقسامات وتداعيات في الساحة الفلسطينية, إلا أن تجربة الاتحاد العام لطلبة فلسطين اثبت أن الاتحاد كان قادر على استيعاب هذه الخلافات الداخلية ذات الطابع الفصائلي, واستطاع فعلاً من تجاوزها, وهضمها بما يتلاءم مع المصلحة الطلابية الفلسطينية(21). هذه الورقة البحثية لن تتناول تجربة الاتحاد العام لطلبة فلسطين كون نشاطاته تركزت في أوساط الطلبة الفلسطينيين في الخارج, وإنما الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية حيث التماس المباشر مع الأرض ومقاومة المحتل, ومع هذا يعتقد الباحث جازماً أن هاتين التجربتين مرتبطتان بشكل وثيق, ويمثلان نموذجاً لا بأس به للعمل الطلابي في داخل فلسطين وخارجها.
مع مرور الوقت, ومع طغيان أحداث القضية الفلسطينية على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط، ومع زيادة إقبال الفلسطينيين على التعليم، توسع الاتحاد العام لطلبة فلسطين ليضم الآن أكثر من خمسين فرعاً خاصة في الدول العربية ودول أوروبا الشرقية والدول الغربية. بعد انتكاسة عام 1967، تعمقت تجربة العمل الطلابي داخل الوطن, بسبب الأحداث المؤلمة التي مرت بها المنطقة العربية خصوصاً بعد خسارة ما تبقى من فلسطين التاريخية, وبسبب سياسة التهويد والاستيطان والمصادرات التي اتبعها الاحتلال لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا في الأراضي الفلسطينية. وقد كان طلبة الجامعات في مقدمة حركة وطنية بدأت تنمو بقوة لمقاومة المحتل, وكانت وسائل النضال في تلك الفترة سلمية لاعنفية وشعبية في ظل ميزان قوى يميل لصالح الاحتلال.
بعد منتصف السبعينات دخلت مجموعة من العوامل والمتغيرات ساهمت في تقوية الحركة الطلابية الفلسطينية وتمتين عودها, ومن هذه العوامل أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة خاصة بعد الانتخابات البلدية التي جرت في كبرى المدن الرئيسة في الأراضي الفلسطينية في عام 1976 حيث أفرزت هذه الانتخابات رموز وطنية محسوبة على منظمة التحرير الفلسطينية. كما أن الليكود وصل إلى الحكم في إسرائيل, وهو الحزب الذي تبنى سياسة تكثيف الاستيطان ومصادرة الأراضي, وبدأ قادته يفكرون جدياً في إمكانية ضم الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي (22) . فضلا ً عن اتساع دائرة التعليم العالي في فلسطين, وزيادة أعداد الطلاب والمؤسسات التعليمية الثانوية والجامعية حيث ظهرت جامعات فلسطينية مثل النجاح وبيرزيت وبيت لحم والإسلامية (23) .
قبل الخوض في طبيعة الدور الذي تقوم به الحركة الطلابية في دمقرطة الحياة الطلابية والسياسية الفلسطينية, يود الباحث أن يورد النقاط التالية كخصائص وسمات بارزة تمتاز بها الحركة الطلابية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية:
1- جاء تشكيل المجالس الطلابية في الجامعات الفلسطينية على خلفية التناقض مع الاحتلال الإسرائيلي, ولم يأت على أساس صراع بين الطلبة وإدارات الجامعات. ومع هذا استمرت المحاولات الجادة للربط بين النضال الوطني ضد الاحتلال وسياساته الاقصائية التهجيرية من جهة, وبين دمقرطة الحياة الطلابية من جهة أخرى (24) .
2- الكتل الطلابية المختلفة هي بالأساس امتداد طبيعي للحركات والفصائل والتنظيمات السياسية الفلسطينية التي تواجدت في الشتات الفلسطيني قبل التوقيع على اتفاق أوسلو.من وجهة نظر بعض نشطاء الطلبة داخل أسوار الجامعات الفلسطينية أن مختلف الحركات الطلابية, وما تنتمي له من فكر إسلامي أو وطني أو يساري غير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة في الشؤون الطلابية العامة بعيداً عن قياداتها السياسية. لذلك يتساءل بعض رموز وقيادات الحركة الطلابية حول أهلية ومصداقية الحديث عن حركة طلابية فلسطينية فاعلة, بعيداً عن التنظيمات والفصائل والأحزاب خاصة أن بعض الفصائل تدخلت في كل صغيرة وكبيرة في عمل الكتل الطلابية (25)
3- تعرضت الحركة الطلابية الفلسطينية إلى حالة من التشرذم والتكلس السياسي والتنظيمي بعد التوقيع على اتفاق أوسلو, بسبب بروز اهتمامات وتناقضات جديدة على الساحة الفلسطينية. وقد امتازت الحركات الطلابية والبنى الجماهيرية عموماً بالجمود والخطابية والشعاراتية والرومانسية والطوباوية الحالمة بعيداًُ عن الواقعية, فضلا عن التشرذم والانقسام حيث جاء بناء مؤسسات السلطة الوطنية على حساب المنظمات الشعبية والاتحادات النقابية (26) .
4- لم تستطع الحركة الطلابية الفلسطينية في بناء هيكل تنظيمي يأخذ مسمى "مجلس أعلى", " هيئة وطنية" أو غير ذلك من المسميات حتى يكون بمقدورة أن يعكس هموم الطلبة ويتناول قضاياهم ومشاكلهم بعيداً عن السياسة الحزبية الضيقة وبعيداً عن المناكفات الفصائلية التي أضرت بالعمل الطلابي النقابي السلمي التعاوني.
5- بقيت مشاركة الطالبات الفلسطينيات في النشاط الطلابي داخل الجامعات محدود ولا يعكس أعدادهن وحجمهن وبدلاً من ذلك أخذت هذه المشاركة الطابع الشكلي والتجميلي. إن مراجعة نسبة تمثيل الطالبات في مجالس الطلبة يمكن أن تستخدم كمؤشر لمعرفة مدى إدماج النوع الاجتماعي أو الجندر في العملية التعليمية في الجامعات. منذ بداية السبعينات وحتى اليوم لم تصل نسبة الطالبات داخل المجالس الطلابية أكثر من 11%, وان اغلب الكتل الطلابية استخدمت هذا الوجود بين الطالبات لاستقطاب هذه القاعدة الطلابية العريضة وتوسيع القاعدة الشعبية, دونما رغبة في خدمة النوع الاجتماعي (27) .
على صعيد آخر، يمارس آلاف الطلبة الفلسطينيين داخل أسوار الجامعات ديمقراطية شبابية من خلال انغماسهم في تجربة انتخاب ممثليهم في مجالس الطلبة للعناية بأمورهم وشؤونهم اليومية وقضاياهم متعددة الأوجه والمظاهر، التعليمي منها، والسياسي والنقابي والأكاديمي. إن الدراسات البحثية المحكمة ذات الشأن الرفيع التي تناولت الحركة الطلابية الفلسطينية، والتي هي في الحقيقة قليلة جداً، توصلت إلى نتيجة مفادها أن مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية عبر تاريخها الطويل قامت بمهمتين رئيسيتين متداخلتين: المهمة الأولى والحاسمة كانت وما زالت وطنية الطابع ونضالية المحتوى، تتمثل بمقارعة الاحتلال وخلق جيل طلابي واع وقادر على فهم المعيقات والتناقضات المفصلية الهامة التي مرت بها قضية الشعب الفلسطيني، لدرجة أضحت معها الحركة الطلابية تتسيد المقاعد الأمامية في الحركة النضالية الفلسطينية خاصة في أعقاب النكسة في العام 1967. ورغم أن النكسة نتج عنها خسارة ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية، إلا أنها نمت شعوراً وطنياً فلسطينياً عارماً داخل المؤسسات النقابية والاتحادات المهنية، بما فيها المجالس الطلابية، مفاده أن تحرير فلسطين لن يتم إلا بأيدي فلسطينية وجهد فلسطيني مدعوم بعمق عربي وسلامي واسع ورحب (28)
المهمة الثانية هي بالأصل خدماتية اجتماعية وأكاديمية ونقابية الطابع تهدف إلى مساعدة الطالب الفلسطيني لإكمال مشواره التعليمي من خلال توفير أجواء مريحة للعلم والتعلم، ومن خلال مد يد المساعدة للطلبة المحتاجين للوصول إلى المقاعد الجامعية، وتأمين المنح والقروض والمساعدات, وضمان التنسيق الجيد مع إدارات الجامعات ووزارة التعليم العالي بهذا الخصوص(29).
تحاول دائما الكتل والتنظيمات الطلابية المختلفة فرض ذاتها, والترويج لبرنامجها الوطني والخدماتي، بحيث تقدمه بألوان وأشكال مختلفة للطالب الفلسطيني، خاصة الطلبة الجدد الذين دخلوا الحرم الجامعي دون أن يكون لهم الخبرة والمعرفة الكاملة بالعمل الطلابي. إن زيارة قصيرة لأحد الجامعات الفلسطينية في أيام الانتخابات ستنعش الصدر والذاكرة, وسيمتزج هذا الشعور الوطني الجارف بألوان العلم الفلسطيني الذي يزين البنايات والأسطح والأركان، وتختلط ألوانه مع ألوان الربيع الدافئة حيث أن انتخابات المجالس الطلابية في الجامعات الفلسطينية تحدث في هذا الفصل الجميل، كما تمتزج ألوان العلم مع صور الشهداء والأسرى والمحررين، خاصة اؤلئك الذين ينتمون للحركة الطلابية بألوانها وأطيافها السياسية كافة. تختلط صور الشهداء والشعارات الوطنية مع المنشورات والكتيبات التي توزعها كتل العمل الطلابي لتحتوي على أهدافها وأطروحاتها وأفكارها وإنجازاتها, وما ستنوي فعلا ًتقديمه إذا ما أتيح لها فرصة الوصول إلى مقاعد مجلس الطلبة, وبالتالي المساهمة في بناء وتطوير الحياة الديموقراطية داخل الجامعات (30).
يكتسب الطلبة, باللغة السياسية, خلال وجودهم في الجامعات لمدة أربع سنوات مهارات إضافية من خلال عملهم التطوعي في الكتل والتنظيمات الطلابية، فهم الأقدر على إدارة الحملات الانتخابية والدخول في المناظرات السياسية والفكرية، إضافة إلى مهاراتهم الخطابية والكلامية على مستوى الشخصية والأداء، خاصة المرتبط بالقدرة للوصول إلى أصوات الطلبة الذين لم يحددوا بعد لمن سيصوتون يوم الانتخابات الكبير.إن هذا التمرين الانتخابي له فعلا استحقاقاته في تفريخ قيادات شابه من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية, وبخاصة من الأرياف والمخيمات والطبقة الوسطى (31) .
من هنا يمكن للتنظيمات والفصائل المختلفة أن تستفيد من هذه الخبرة الطلابية العالية في إدارة الحملة الانتخابية وتفعيل الدعاية الانتخابية، خاصة أن الشعب الفلسطيني قد مر باستحقاقات انتخابية عديدة على مستوى البلديات والمجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية وبالتحديد في عام 2005. فالطلبة يمتلكون من الخبرة والجرأة والمرونة الحد الكافي لضمان حملة انتخابية ناجحة وواعية، تستطيع أن تقرع كل الأبواب, وتحفز مختلف الفئات في المجتمع الفلسطيني للخروج بأعداد كبيرة يوم الانتخابات، لا سيما أن الانتخابات في السياق الفلسطيني أصبحت استفتاءاَ وطنياَ شاملاَ, وجزءاَ من حركة وطنية نضالية فلسطينية, ما زالت تقاوم للوصول إلى الحرية والاستقلال. هذا حتماً ينعكس إيجاباً على الهوية الوطنية الفلسطينية ويساهم في تثبيت الإنسان الفلسطيني على أرضه في ظل معادلة ديموغرافية سكانية يحاول الاحتلال استغلالها لتهجير الفلسطينيين بطريقة ناعمة من خلال بناء المستوطنات والجدار العازل وقتل إمكانيات الحياة والمستقبل في الأراضي الفلسطينية(32).
في بعض الجامعات، تدخل الكتل الطلابية في تحالفات وعلاقات تضامنية ائتلافية قبيل الانتخابات أو بعيدها، بناء على أيدلوجية مشتركة أو برنامج سياسي وطني متقارب, وقابل للتطبيق على ارض الواقع. هنا تظهر قدرة كل اتجاه أو تكتل طلابي للدخول في معترك المساومات والمفاوضات مع الاتجاهات والكتل الأخرى لتنسيق جهودها الطلابية ضمن اتفاقية أو تفاهم ضمني يكفل توزيع المصادر والموارد والغنائم في فترة ما بعد الانتخابات، إذا ما قدر لهذا التكتل أن يفوز. إن التجربة الائتلافية والعلاقات التضامنية المؤقتة بين توجهات سياسية وحزبية مختلفة، هي إحدى مظاهر الديمقراطيات البرلمانية المعاصرة التي تمتاز بتنوع وتعدد الأحزاب وأطروحاتها وبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل عدم قدرة حزب واحد أن يحصل على أغلبية ساحقة في البرلمان تكون كافية لتمكينه من تشكيل الحكومة لوحده، مما يضطره للدخول في اتفاقيات ائتلافية مع أحزاب صغيرة أو كبيرة بناء على تفاهم ضمني أو اتفاق مكتوب يضمن توزيع عادل لمقاعد المجلس(33). لكن المشكلة أن التحالفات بين الكتل الطلابية افتقدت إلى المهنية والأبعاد النقابية, حيث بقي التركيز على البعد السياسي والمصلحي أساسه معارضة السلطة الوطنية واتفاق أوسلو. فعلى سبيل المثال لا الحصر ورغم الاختلافات المنهجية والأيديولوجية والفكرية بين الكتل الإسلامية واليسارية, إلا أنها دخلت في تحالف واحد لمعارضة القوى الطلابية المؤيدة لحركة فتح والسلطة الوطنية(34).
إن التجربة الديمقراطية الواعية بين أوساط الطلبة في رحاب الجامعات تسهم بالتأكيد في تعزيز التوجهات الديمقراطية, وتقوية البنيان الداخلي للمجتمع الفلسطيني، بتعدديته وتنوعه الثقافي والديني والسياسي والاجتماعي. فالمجتمع المدني الفلسطيني الذي يضم المساجد والكنائس والاتحادات النقابية والأحزاب السياسية المعارضة والمنظمات الثقافية والإنسانية وإتحادات المرأة والطلبة والشباب، يلعب دوراً محورياً في تعزيز مؤشرات الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني. إن تنمية المجتمع المدني وتقويته يعد من أهم المداخل النظرية التي تساهم في إحداث تحول ديمقراطي، خاصة إذا اقترن تطور المجتمع المدني مع متطلبات وشروط مسبقة أخرى من أهمها تعميق الثقافة السياسية الناضجة وأنسنة التعليم وبث قيم التسامح والتعددية السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية, وتقبل الآخر والتعايش معه (35).
هناك آليات وميكنزمات مختلفة ومتعددة للتحول الديمقراطي، وما زالت أصداء الحوارات والنقاشات والندوات المتخصصة تدور حول أفضل الطرق والوسائل التي تفضي إلى فضاء ديمقراطي حقيقي. من بين هذه المداخل والآليات التي تبناها البعض هو مدخل الإصلاح والتجديد المؤسساتي في بنية النظام القائم بمؤسساته ومكوناته الرسمية وغير الرسمية. فدرجة المأسسة والبناء الداخلي المنظم والاستقلال المالي للإتحادات والنقابات النسوية والطلابية والعمالية والطوعية والمهنية, وتقوية الديمقراطية الداخلية للأحزاب والقوى السياسية سينعكس إيجاباً على النظام السياسي الفلسطيني ككل. فكلما كانت الأنظمة واللوائح الداخلية واضحة, وكلما كانت الممارسات الحزبية والنقابية تعلي من شأن التعددية السياسية والفكرية، كلما ساهم هذا في مأسسة التجربة الديمقراطية الوطنية, وعقلنة الأنظمة والقوانين والمعايير التي تعنى بالعملية السياسية عموماً (36) .
إن تعزيز هذا الشعور, وهذه الممارسات يتطلب عقد الورشات والندوات الدورية المتخصصة التي تتناول أمور الحركة الطلابية, ومشاكل طلبة الجامعات، خاصة في هذا الزمن الذي تعاني فيه الحركة التعليمية الفلسطينية مشاكل جمة ومعقدة. فعملية التثقيف السياسي والنقابي أمست ضرورة وطنية بحيث تعنى مجالس الطلبة المنتخبة وعمادات شؤون الطلبة وممثلي الكتل الطلابية بعملية التوعية من خلال مساعدة الطلبة للإلمام بأبجديات الحركة الطلابية الفلسطينية، من حيث البدايات والمراحل التي مرت بها وظروفها الحالية. هذه الورشات المتخصصة ستساعد بالتعريف بالمؤسسات القيادية والتنظيمية التي قادت العمل الطلابي داخل الوطن وخارجه، كما أنها ستساعد في معرفة العلاقة العضوية/الوجدانية بين كتل العمل الطلابي وفصائل العمل الوطني المقاوم.كما أن للحركة الطلابية دور في تدعيم المؤشرات الديمقراطية من خلال المشاركة الفاعلة في عملية الانتخابات, والإصلاح السياسي والاجتماعي والتعليمي، كما أنها قادرة على رفد النخب السياسية الفلسطينية بكادر ودماءٍ جديدة (37) .
ساهمت الحركة الطلابية في تفريخ قيادات فصائلية وحزبية ومجتمعية, حيث لم يكن دور الكتل الطلابية منصب على إيجاد وإبراز قيادات طلابية فحسب, بل تعدى الأمر إلى صقل وتمتين قدرات هذه الكفاءات والقيادات الذين تم تأهيلهم خلال فترة دراستهم في الجامعات. وقد نشطت هذه القيادات الطلابية بعد تخرجها من الجامعات في قيادة العمل المجتمعي العام, وفي إطار الفصائل والأحزاب الفلسطينية, وفي منظمات المجتمع المدني, كما شارك بعض هذه القيادات في إدارة مؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية والأجهزة المدنية والأمنية(38) .
إن تاريخ الحركة الطلابية الفلسطينية, سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو في الشتات والمنافي, لم يختلف كثيراً ولم يتمايز عن تاريخ فصائل العمل الوطني الفلسطيني بكل أطيافه وألوانه السياسية والحزبية. حتى أن البعض يستطيع الادعاء في هذا السياق أن بعض القيادات الطلابية الفاعلة والنافذة ضمن القاعد الجماهيرية قد استطاعت من استغلال قدراتها وطاقاتها القيادية والتعبوية لبناء وتأسيس فصائل وأحزاب فلسطينية, لا سيما في خمسينيات القرن العشرين. إن الحديث عن الحركة الطلابية في الفلسطينية في المضامين وظروف النشأة والتأسيس يعني ملاحظتين جوهريتين: الأولى أن الحركة الطلابية نفسها كانت مساهمة محورية في التأسيس والتنظير للأحزاب الفلسطينية خاصة في بداياتها الأولى, وهذا ينطبق على حركة القوميين العرب الجبهة الشعبية وحركة فتح وغيرها من الفصائل, إضافة إلى الأحزاب والحركات الإسلامية خاصة الإخوان المسلمين. أما الملاحظة الثانية فمتعلقة بالحركات الطلابية التي أنتجتها الأحزاب والفصائل السياسية, وهي تشكل كافة الأطر الطلابية في داخل الأراضي الفلسطينية, وقد تزامنت نشأة هذه الروابط الطلابية مع قيام العديد من الجامعات الفلسطينية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.
لقد غرقت الحركة الطلابية الفلسطينية في النشاطات السياسية والحزبية حيث عمدت الفصائل والأحزاب المختلفة إلى زيادة درجة التأطير والتجنيد والتعبئة في صفوف الطلبة لأنهم يمثلون الشرائح المتعلمة, إضافة إلى الدور الريادي للحركة الطلابية في رفد الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج بالكوادر والقيادات الوطنية المؤهلة فكريا وسياسيا للعمل في صفوف المنظمات الفلسطينية. لقد شكلت الجامعات والمعاهد والكليات المتوسطة المنابر والمحطات الهامة للمناكفات السياسية والحزبية والنقاشات الطويلة وللدعايات الانتخابية لفصيل أو تنظيم سياسي ما, حيث أن حالة الجدل السياسي استغلت لمهاجمة الخصوم من أتباع الفصائل الأخرى ولزيادة وعى جموع الطلبة بالبرامج السياسية والانتخابية للفصائل والأحزاب السياسية. وبما أن الحركة الطلابية الفلسطينية انطلقت في أوج المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي, فقد عملت جاهدة لاستنفاذ كل خيارات مقاومة الاحتلال عبر منبر الجامعات ومن خلال العمل الجاد والدؤوب لتجنيد الطلبة وتأطيرهم وتثقيفهم سياسيا حتى يقوموا بمهمة مقاومة الاحتلال بطريقة واعية وثمرة وعقلانية.
في نفس هذا السياق يجب أن لا ننسى أو نتناسى الأدوار الاجتماعية والتوعوية المهمة التي تقوم بها الحركة الطلابية بالتحديد على صعيد العلاقات الاجتماعية بين الطلبة أنفسهم , وتنظيم النشاطات الثقافية والاجتماعية لتمتين هذه العلاقات. كما كان هناك تركيز على الشرائح الضعيفة والفقيرة في أوساط الطلبة من اجل ضمان حصولهم على التعليم ومواصلة مشوارهم العلمي, وحق الجميع في التعليم أولا وفي المشاركة في كل الأنشطة الطلابية ثانياً. لقد اقترن العمل والنشاط الاجتماعي والثقافي في أجندة العمل الطلابي مع نشاطات نقابية ومطلبيه لا يستهان بها جلها متعلقة بمستوى وطبيعة الخدمات المقدمة للطلبة, والتخفيف عنهم فيما يتصل بالأقساط الجامعية, والعمل على توفير المنح والمساعدات المادية للطلبة الفقراء وأبناء الأسرى والجرحى والشهداء, إضافة إلى جهد بذل لتنسيق النشطات الطلابية من خلال النوادي واللجان والعمادات المختلفة, وبمشاركة أساتذة ونقابيين وإدارة الجامعات.
تضارب الأجندة الوطنية والمطلبية في فترة ما بعد اوسلو
بما أن الهّم السياسي والنضالي يحتل الحيز الأكبر في أولويات الفلسطينيين في ظل الاحتلال بما فيهم القطاعات الطلابية, إلا أن الواقع الاقتصادي والمالي الصعب التي تمر به الأراضي الفلسطينية يحتم على الكتل الطلابية واتحادات المجالس الطلابية التخفيف من معاناة الطلبة خاصة المحتاجين منهم, من خلال تفعيل دور صناديق مساعدة الطالب المحتاج.في الورشات الطلابية المختلفة التي حضرتها وحاضرت فيها, حيث كانت ترتفع بعض الأصوات التي تدعو إلى إنشاء الصناديق المالية التي تنمي النزعة الاستثمارية بعيداً عن ثقافة الاستهلاك والعوز المستمر, وهذا من الممكن أن يتحقق إذا فعلاً تحركت الكتل الطلابية المختلفة كجسد واحد, رغم الفوارق السياسية والأيدلوجية فيما بينها, لتبني مشاريع استثمارية تأخذ نمط المشروعات الصغيرة بحيث يتم تنفيذها داخل الجامعة وخارجها ويكون المردود النهائي لصالح صندوق الطالب المحتاج(39) .في هذا السياق أود التشديد على أن دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الصغيرة ودراسات السوق من حيث متطلباته وآليات العرض والطلب فيه يمكن أن يقوم بها طلبة مختصون في مجال الإدارة والاقتصاد والتسويق بمساعدة وإشراف أساتذة الجامعة التي يدرسون فيها. إن دخول الأكاديميين والباحثين الميدانيين على الخط يساعد كثيراً في تفعيل العلاقة الإيجابية بين الطالب والمحاضر من جهة, ويساعد في تحسين فرص نجاح مثل هذه المشاريع من جهة أخرى (40).من الفوائد والمكاسب الأخرى التي يمكن جنيها من فكرة تفعيل المشاريع الصغيرة لطلبة الجامعات الامور التالية:
1- ضمان كفاية حاجة الطالب الفقير وعدم اعتماده الدائم على المساعدات المالية الخارجية ذات الطابع الخيري, وهنا تكمن أهمية العمل الطلابي المطلبي رغم تداخل هذا البعد مع البعد الوطني (41).
2- تشجيع ثقافة الاستثمار وعقلية المنفعة المتبادلة (البزنس) في أوساط الطلبة مقابل القضاء على ثقافة الاستهلاك والتواكل, وحث المجالس الطلابية لتبني مثل هذه الفلسفة وهذا التوجه لما له من نتائج عملية ومفيدة لقطاع الطلاب في فلسطين خاصة إذا أدركنا أن الاقتصاد الفلسطيني أصبح ريعياً أي معتمد على المساعدات والمنح المالية الخارجية (42).
3- زيادة انتماء الطالب لجامعته لانه يرى خلق فرص وآفاق جديدة له تساهم في تمتين أواصر العلاقة مع المسئولين والأكاديميين لان مثل هذه العلاقة يمكن استثمارها لخدمة الطلبة فيما يتعلق بالأقساط الجامعية والنشاطات الطلابية الأخرى (43).
4- إن هذه النشاطات تمثل أرضية جيدة وحقل تدريب واسع للطلبة تضيف مفاهيم ورؤى وأفكار واقعية براجماتية تساعد الطالب على فهم الواقع كما هو بعيداً عن رومانسيات الشباب ومثاليتهم لان فهم الواقع كما هو, يساعد في التعاطي معه ايجابياً بالتحديد بعد التخرج حيث يصادف الطالب العديد من المشاكل والمعيقات بما فيها إيجاد أو العثور على فرص عمل مناسبة في ظل سوق عمل محدود وغير معقد في تركيبته الخدماتية (44).
لذلك يمكن القول انه بالرغم من الوعي السياسي والايدولوجي والفصائلي التي تتمتع به مختلف القوى والكتل الطلابية إلا أن هناك مساحه واسعة ورحبة للتطوير والتطور خاصة باتجاه بناء شخصية علمية ومعرفية للطالب الفلسطيني رغم الظروف الاستثنائية القاهرة التي يمر بها. فنشاطاته واسعة وموارده متوفرة وسهلة التحصيل داخل الحرم الجامعي, إذ تشتمل على الأساتذة والمحاضرين والقاعات والتجهيزات المختلفة التي يمكن استخدامها بشكل ايجابي وفعّال لإثارة مواضيع اجتماعية واقتصادية وثقافية بعيداً عن السياسية والتسييس, ولربط الطالب مع المجتمع المحلي الذي يعيش فيه دونما نسيان الوطن السليب تحت الاحتلال (45).
إن إنجازات الحركة الطلابية النقابية والمطلبية متعددة وواسعة, ولا يمكن حصرها في بحث واحد لكن اغلبها يقع تحت عناوين عريضة مثل التقسيط للطلبة المحتاجين, وتخفيض الأقساط الجامعية, ومساعدة الطلبة في عملية تسجيل المساقات خاصة الطلبة الجدد, والدخول في مفاوضات مع إدارات الجامعات خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالشؤون الطلابية والأكاديمية والمالية, فضلا عن تنظيم الرحلات والمسابقات الثقافية والرياضية والاحتفال بالمناسبات الوطنية والدينية, وعمل الدورات والورشات المختلفة للطلبة في أمور وقضايا تهمهم(46). لكن الحركة الطلابية الفلسطينية دخلت في أزمة الموازنة بين الأهداف النضالية من جهة, والمطلبية والنقابية من جهة أخرى خاصة في مرحلة ما بعد اوسلو بسبب التراجع في العمل الجماهيري (47).
إن اكبر تحدي يواجه الحركة الطلابية اليوم هو حالة التشرذم والانقسام والتفتت بين الكتل الطلابية على أسس واعتبارات حزبية وأيديولوجية, وصلت في نهاية السبعينات والثمانينات إلى درجة الاقتتال الدموي(48). إضافة إلى عملية إقحام الجوانب والأبعاد المطلبية والنقابية وزجها بالسياسي التي لا يمكن السكوت عنه, لانه يقحم الطلبة في تناقضات وصراعات تغذيها مختلف الكتل الطلابية على الساحة الجامعية, ناهيك عن تدخل الأحزاب والتنظيمات السياسية من الخارج (49). وبهذا الزج والخلط بين المطلبي والسياسي تحولت الجامعات من حاضنة للعقول إلى مدرسة جامدة, ومن تصدير الحريات إلى تصدير الأزمات, ومن أداة للتغيير إلى ناقل للازمات الداخلية الفلسطينية.
هناك عوامل أدت إلى محدودية العمل النقابي في الجامعات الفلسطينية،أهمها:فقدان الحركة الطلابية لقيادات كثيرة بسبب الاعتقال من قبل السلطات الإسرائيلية،الأمر الذي خلق اختلالاً في الجسم الطلابي،وبروز عدد من الممارسات العفوية التي لم تكن في صالح الطلبة أو واقعهم ومستقبلهم الأكاديمي، كما أن انخفاض المستوى الثقافي والأكاديمي لدى نسبة كبيرة من الطلبة افقدهم كثيراً من الاهتمام بالجانب النقابي في الجامعة(50) .
لقد طغى العمل الحزبي لمعظم الطلبة الجامعيين "المؤطرين" على العمل النقابي، بحيث تحوصل الطالب ضمن دائرة ضيقة وتبوتق ضمن إطار حزبي معين، وما عليه إلا إن ينفذ تعاليم وقرارات وتوجهات المسئولين عنه من الحزب الذي ينتمي إليه. يضاف إلى ذلك، أنه بسبب احتكار "الحزبين الكبيرين" حماس وفتح لمعظم حيز الساحة السياسية الفلسطينية، أدى إلى نقل هذا المشهد إلى الجامعات، للتحوصل واختزال المجالس الطلابية في قيادة تحكم وتوجه الكتل التابعة لها، ما أدى إلى مضاعفة الشلل النقابي وفقدانه للتعددية النقابية (51).
إن من أوضح التجليات التي تؤكد طغيان العمل السياسي على النقابي لدى طلبة الجامعات, هي "المناظرة" بحيث يتبين من خلالها أن المزايدات والتجاذبات الحزبية لهذه الكتلة الطلابية أو تلك هي التي تكون محور المناظرة، بعيداً في كثير من الأحيان عن هموم الطلبة وحاجاتهم، لذا فيمكن القول إن مجالس الطلبة الجامعية قد فقدت وظيفتها الأساسية بشكل كبير (52).
إذا حققت هذه الكتلة أو تلك إنجازات محددة، فإنها توظفها لصالح تنظيمها الحزبي وهذا ما افقد الكتل الطلابية عامل الجذب والتجنيد المطلوب والمصداقية في أوساط الطلبة، كما أن مجالس الطلبة أصبحت "مراكز تجنيد للحزب" لا مراكز أو مجالس تخدم الطالب, وتسانده أمام التحديات التي تواجه، لا سيما في قضية الأقساط والتشغيل، والتثقيف، والعمل التطوعي والمجتمعي، وغيرها من الاحتياجات التي يتخرج الطالب من جامعته وهو يفتقد إلى معرفة مسلماتها وأبسط القواعد المتعلقة بها. هذا إضافة إلى ضعف الوعي السياسي والثقافة الحزبية حيث تركيز الكتل الطلابية على أعداد الطلبة المنتمين لها, وليس نوعيتهم ساهم في النهاية في تخريج جيل أو حتى أجيال غير ملمة بأبجديات الحركة الطلابية, ولا يدركون حتى البرامج السياسية والأيديولوجية والاجتماعية للاتجاهات الحزبية المنطوين في ظلها(53).
إن تراجع العمل النقابي مقابل طغيان العمل السياسي اثر سلباً على الطلبة غير "المسيسيين" أو الطلبة غير المسجلين في تنظيم حزبي معين وهم نسبة كبيرة، بحيث فقدوا أو حرموا من الحق في الدعم السياسي والمالي والنقابي وغيرها من الحقوق كالمساعدة التي ينالها عدد لا باس به من الطلبة المنتمين إلى أحزاب، لا سيما الكبيرة منها.كما انه على الرغم من أن بعض الطلبة مدركين لأهمية العمل النقابي, وسلبية ارتباطه بالحزب السياسي والايدولوجيا إلا أن الثقافة العربية بما تحمله من "عبودية وتقليد أعمى" للحزب وأهدافه، تغيب هذا الإدراك, ففلسطين جزء من الوطن العربي حيث ينمو التحزب الضيق على حساب الحزبية الرحبة (54).
هناك سلوك سيء ومقيت لدى طلبة بعض الكتل الجامعية، يتمثل في التقاط خطأ هذه الكتلة أو تلك، وذلك بهدف إضعافها في المناظرة, وتقليل نسب نجاحها في الانتخابات، مع الملاحظة هنا أن معظم هذه الأخطاء تتحوصل في البعد السياسي والحزبي أكثر مما هي أخطاء نقابية أو طلابية.كذلك فان تغليب البعد الحزبي على النقابي أتاح لإدارة الجامعات إن تضعف الكتل الطلابية، لعدم اهتمامها بالشأن الطلابي العام أو بسبب التفافها كثيراً حول التجاذبات والمنافسات الحزبية المقيتة (55).
من هنا يمكن القول أن الطلبة قد تم تغيبهم عن الفعل السياسي, باستثناء أصواتهم التي يدلون فيها وقت انتخابات مجالس الطلبة من اجل تسجيل انتصار لصالح هذا الفصيل أو ذاك. وتبقى المطالب النقابية في ذيل اهتمامات الحركة الطلابية, فلم تعد مجالس الطلبة تحقق انجازات نقابية ومطلبيه, إضافة إلى ضعف المساهمة في الخدمات المجتمعية والتطوعية, وتراجع أدوارها وأدائها في تطوير العلمية والتعليمية والأكاديمية في الجامعات, فضلاً عن تراجع دورها في الدفاع عن الفئات المهشمة والضعيفة مما أدى إلى حرمان عدد لا باس به من الطلبة من الدراسة بسبب ارتفاع الأقساط الجامعية وضنك الحياة عموماً. إن تراجع دور المجالس الطلابية تزامن مع ارتفاع وتيرة ونطاق النشاطات للكتل الطلابية الحزبية, حيث سعت هذه الكتل إلى تعميق برامجها الحزبية والفصائلية على حساب البرامج النقابية المطلبية, مما أدى في نهاية المطاف إلى تراجع النشاطات الجماعية والجمعية للطلبة ككل. قابل ذلك زيادة عدد وأشكال الأنشطة الفصائلية, بعد أن كانت الأنشطة الجمعية التضامنية حاضرة في كل المناسبات والظروف في الجامعات الفلسطينية, عبر بوابات العمل التطوعي والمظاهرات والاحتجاجات المطلبية والوطنية والشعارات العريضة التي كانت ترفع في المناسبات الوطنية مكرسة بذلك أبعاد وطنية ونقابية وحدوية جامعة وموحدة (56).
على الرغم أن سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي شهدت بروزاً وتأثيراً للعمل السياسي والحزبي في الجامعات من قبل الطلبة إلا أن العمل النقابي خاصة اخذ حقه من الاهتمام, وأن كان بدرجة اقل، في حين انه بعد حقبة أوسلو, شهد العمل النقابي تراجعاً من حيث اهتمام الكتل، وكذلك الطلبة غير الحزبيين، وذلك لحساب العمل السياسي الذي تراجع هو الآخر ولكن بنسبة قليلة (57).
إن معظم الأحزاب السياسية في فلسطين شهدت بعد أوسلو أزمات تنظيمية وأيديولوجية تم نقلها بشكل غير مباشر إلى الجسم الطلابي, مما أدى إلى بروز مظاهر الإحباط، واللامبالاة، وبعض مظاهر الانقسام والتشرذم في أوساط الطلبة. المطلوب من الكتل الطلابية هو تغيير خطاباها بما يخدم ما هو وطني ونقابي في آن معاً مع مراعاة التوازن في الخطاب والممارسة العملية بين هذين البعدين مع التحيز أكثر بقليل للبعد النقابي لأنه يساهم في النهاية في خدمة البعد الوطني.إن الاهتمام بالقضايا النقابية والاجتماعية والعمل الجاد على حل المشاكل الملحة للطلبة يلعب دوراً هاماً في زيادة حيوية طلبة الجامعات, ويساهم أيضا في ترتيب تثبيت الفلسطينيين ومؤسساته العلمية والتعليمية على الأرض الفلسطينية (58).
خاتمة وتوصيات
بالرجوع إلى مشكلة البحث والأسئلة الافتراضية التي طرحها الباحث في مقدمة هذا البحث, يمكن الجزم أن الاطروحات والجوانب السياسية قد طغت على برامج الحركات والكتل الطلابية. وقد جاء هذا الطغيان على حساب الجوانب المطلبية والديموقراطية الداخلية, وعلى حساب العلاقة بين مختلف الكتل الطلابية. مرد هذا الاستنتاج والقراءة النقدية يعود إلى الظروف الاستثنائية التي مرت بها القضية الفلسطينية في آخر قرن, وما عاناه الشعب الفلسطيني من احتلال واستعمار واستيطان وتهجير انعكست على مجمل الحياة الفلسطينية.
إن نكبة 1948, وما تلاها من نكسة أخرى في عام 1967, أقنعت الفلسطينيين من أن المشوار النضالي والكفاحي لتثبيت الهوية الوطنية يجب أن يستعمل كل الأدوات والوسائل المتاحة, العسكرية والسياسية والثقافية والمدنية. وقد جاء هذا الدور النضالي على حساب الاعتبارات الداخلية للحركة الطلابية, وعلى مدى قدرتها لخدمة العملية التربوية والتعليمية والطلابية.
إن تسييس الجامعات والحركة الطلابية في فترة ما بعد قدوم السلطة الوطنية لعب دوراً سلبياً في تراجع العمل الجماهيري والنقابي والمطلبي للكتل الطلابية خاصة فيما يتعلق بأمور وقضايا تلامس حياة الطلبة داخل الجامعات مثل مستقبل العملية التعليمية, والتخصصات العلمية والأقساط الجامعية, فضلا عن الديموقراطية الداخلية في إطار الكتل الطلابية ومدى انسجامها على مستوى البرامج وتمثيل الطلبة. ورغم المهمة المحورية التي قامت بها الحركة الطلابية في دمقرطة الحرم الجامعي من خلال المنافسة الحرة والنزيه, إلا أن دخول الأحزاب السياسية والتنظيمات داخل أسوار الجامعات ساهم في تمحور اهتمامات الحركة الطلابية باتجاه رفع الشعارات الوطنية والسياسية العريضة على حساب الجوانب الخدمية والمطلبية التي تهم كل الطلاب الجامعيين.
المصادر والهوامش
1- حسن خضر، خصوصية نشوء وتكوين النخبة الفلسطينية، معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، جامعة بير زيت، 2003، ص. 13.
2- جبريل محمد، التعليم العالي الفلسطيني بين القطاع العام والخصخصة، القدس: منتدى أبحاث السياسيات الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين، 1999، ص. 1-2.
3- عبد الجواد صالح، المشكلات الذاتية لمؤسسات التعليم العالي في الضفة وقطاع غزة، نيقوسيا: دار الصمود العربي، 1982، ص. 10-11.
4- جميل هلال، النظام السياسي الفلسطيني بعد اوسلو دراسة تحليلية نقدية، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية ورام اللة: مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 1998.
5- الجامعات الفلسطينية هي: الأزهر، الإسلامية، الأقصى، الخليل، بوليتيكنك فلسطين، القدس أبو ديس، بيت لحم، بيرزيت، النجاح الوطنية، العربية الأمريكية وجامعة القدس المفتوحة. أما الكليات الجامعية فهي: فلسطين التقنية/طولكرم، فلسطين التقنية/العروب، فلسطين التقنية/رام اللة للبنات، فلسطين التقنية/دير البلح، العلوم والتكنولوجيا/خانيونس، العلوم التربوية/مجتمع المرأة، العلوم التربوية/مجتمع رام اللة ابن سينا للتمريض، فلسطين للتمريض/خانيونس، الدعوة الإسلامية/قلقيلية، الدعوة الإسلامية/غزة، كلية بيت لحم للكتاب المقدس، معهد وجدي أبو غربية التكنولوجي. الكليات المتوسطة هي: الأمة/القدس، الإبراهيمية/القدس، العصرية/رام اللة، الروضة/نابلس، النجاح/نابلس، هشام حجاوي التكنولوجية/نابلس، المهن التطبيقية/بوليتيكنك فلسطين/الخليل، الدراسات المتوسطة/الأزهر، العلوم المهنية والتطبيقية/الإسلامية، المجتمع العربية/رفح، تدريب/غزة، غزة السياحية، صحة المجتمع/رام اللة، الخليل للتمريض، الحاجة عندليب العمد للتمريض/نابلس، كلية التمريض في جمعية إنعاش الأسرة/رام اللة، كلية التمريض مستشفى الكاريتاس/بيت لحم، كلية التمريض/المقاصد، كلية مجتمع طاليتا/بيت لحم.
6- تقرير التنمية البشرية في فلسطين 2004، برنامج دراسات التنمية في جامعة بيرزيت، 2005، ص.47.
7- د.جابر برامكي، تجربة التعليم العالي في فلسطين منذ الاحتلال: نشأته، الإشكاليات والإنجازات، السياسية الفلسطينية، مركز البحوث الدراسات الفلسطينية، نابلس، السنة السابعة, عدد 26، 2000, ص. 6-14.
8- رمزي ريحان، التعليم العالي الفلسطيني والتنمية، السياسية الفلسطينية، مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، نابلس، السنة السابعة عدد 26، 2000، ص.15-23.
9- مصدر سابق، رمزي ريحان، ص.19.
10- http://home.att.net/nickols/stratrgy_definision.htm
11- بيان نويهض الحوت, القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917-1948, بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 1986, ص. 41
12- المصدر السابق, ص. 41
13- المصدر السابق, ص. 41
14- المصدر السابق, ص. 41-42
15- وليد سالم, المنظمات المجتمعية التطوعية والسلطة الوطنية الفلسطينية نحو علاقة تكاملية, رام الله: منتدى أبحاث السياسات الاجتماعية والاقتصادية, 1999, ص. 55-65
16- عماد غياضة, الحركة الطلابية الفلسطينية الممارسة والفاعلية, رام الله: مواطن, 2000, ص. 15
17- جميل هلال, التنظيمات والأحزاب السياسية الفلسطينية بين مهام الديموقراطية الداخلية والديموقراطية السياسية والتحرر الوطني, رام الله: مواطن, 2006, ص.42-43
18- عماد غياضة, مصدر سابق, ص. 17
19- جميل هلال, تكوين النخب السياسية الفلسطينية منذ نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية إلى ما بعد قيام السلطة الوطنية, رام الله: مواطن, 2002, ص. 15-27.
20- إبراهيم أبو لغد وحماد حسين (محرران) , التعليم الفلسطيني تاريخاً, واقعاً وضرورات المستقبل, المؤتمر الدولي الثاني للدراسات الفلسطينية, جامعة بيرزيت, 1997, ص. 190-191.
21- ناصر أبو عزيز, الإتحاد العام لطلبة فلسطين تاريخ-واقع-افاق, الدورة الثقافية للمؤسسات الأهلية النسوية, مديرية التوجيه السياسي, ص. 6
22- عماد غياضة, مصدر سابق , ص. 88-90
23- عبد الجواد صالح, مؤسسات التعليم العالي في الضفة الغربية وقطاع غزة, صامد الاقتصادي, السنة الخامسة, عدد 44, 1983, ص. 39- 57
24- عزت عبد الهادي وآخرون, المؤسسات الوطنية الانتخابات والسلطة, رام الله: مواطن, 1994, ص. 14
25- مقابلة مع إبراهيم أبو الهيجاء, منسق الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية في الفترة 1995-1996, بتاريخ 20-2-2007
26- عماد غياضة, مصدر سابق, ص. 157-164
27- ايلين كتاب, الحركة الطلابية الفلسطينية وإبعادها الاجتماعية النسوية في مجدي المالكي(تحرير), الحركة الطلابية الفلسطينية ومهمات المرحلة تجار وآراء, رام الله: مواطن, 2000, ص. 141.
28- ناصر أبو عزيز, مصدر سابق,ص. 7
29- المصدر السابق, ص. 7-8
30- عماد غياضة, مصدر سابق, ص. 88-90
31- مقابلة شخصية مع إبراهيم أبو الهيجاء, بتاريخ 20-2-2007
32- مقابلة شخصية مع إبراهيم أبو الهيجاء بتاريخ 20-2-2007
33- مقابلة شخصية مع طارق دغلس, احد قيادات حركة الشبيبة الطلابية في الجامعة العربية الأمريكية بتاريخ 13-3-2007.
34- فتحي خضر, دور الحركة الطلابية في جامعة النجاح الوطنية في ترسيخ مفهوم المشاركة السياسية 1994-2000, نابلس: جامعة النجاح الوطنية, 2008, ص. 140 (رسالة ماجستير غير منشورة)
35- مقابلة شخصية مع طارق دغلس بتاريخ 13-3-2007.
36- مقابلة شخصية مع طارق دغلس بتاريخ 13-3-2007.
37- مقابلة شخصية مع إبراهيم أبو الهيجاء, بتاريخ 12-3-2007.
38- فتحي خضر, مصدر سابق, ص. 129
39- مقابلة تلفونية مع علاء حميدان, رئيس مجلس الطلبة عن الكتلة الإسلامية في الفترة 2001-2004, جامعة النجاح الوطنية, بتاريخ 22-2-2007.
40- مقابلة تلفونية مع رامي الأقرع, احد قادة الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية في الفترة 2004-2006, بتاريخ 21-2-2007.
41- مقابلة تلفونية مع منذر مشاقي, رئيس مجلس الطلبة في جامعة النجاح الوطنية عن الكتلة الإسلامية, 1995-1996, بتاريخ 20-2-2007.
42- مقابلة شخصية مع احمد العامر, رئيس مجلس الطلبة في الجامعة العربية الأمريكية عن كتلة الشبيبة الطلابية 2006-2007, بتاريخ 10-3-2007.
43- مقابلة شخصية مع زياد الشرقاوي, عضو مجلس الطلبة عن حركة الشبيبة الطلابية في الجامعة العربية الأمريكية 2006-2007, بتاريخ 12-3-2007.
44- مقابلة شخصية مع معتز كميل, رئيس مجلس الطلبة عن حركة الشبيبة الطلابية في الجامعة العربية الأمريكية 2005-2006, بتاريخ 10-3-2007.
45- مقابلة شخصية مع أماني عبيدلة, عضوة مجلس الطلبة عن حركة الشبيبة الطلابية في الجامعة العربية الأمريكية 2005-2006, بتاريخ 10-3-2007.
46- مقابلة شخصية مع زياد الشرقاوي, عضو مجلس الطلبة عن حركة الشبيبة الطلابية في الجامعة العربية الأمريكية, 2006-2007, بتاريخ 11-3-2007
47- مقابلة شخصية مع معتز كميل, رئيس مجلس الطلبة عن حركة الشبيبة الطلابية في الجامعة العربية الأمريكية 2005-2006, بتاريخ 12-3-2007.
48- مقابلة تلفونية مع وصفي الدبابسة, من قيادات حركة الشبيبة الطلابية في جامعة الخليل 1993-1994, بتاريخ, 18-1-2007.
49- مقابلة تلفونية مع محمد عزت جعافرة, من قيادات حركة الشبيبة الطلابية في القدس ابو ديس 1997-1998, بتاريخ 22-1-2007.
50- مقابلة تلفونية مع محسن خليل من كتلة القطب الطلابي عن الجبهة الشعبية في جامعة بيت لحم 2000-2001, بتاريخ 19-1-2007.
51- مقابلة مع تلفونية وصفي دبابسة, مصدر سابق.
52- مقابلة تلفونية مع طارق عبد المنعم أبو خلف, مستقل, جامعة بيرزيت, بتاريخ 23-2-2007.
53- مقابلة تلفونية مع سوسن مزهر عن الجماعة الإسلامية في الكلية التقنية للبنات 2006-2007, بتاريخ 26-2- 2007.
54- مقابلة تلفونية مع راسم محمود أبو علي, مستقل في جامعة الخليل 2001-2002, بتاريخ 23-2-2007.
55- مقابلة تلفونية مع عوني الشوامرة من قيادات حركة الشبيبة في جامعة القدس أبو ديس 1996-1997, بتاريخ 28-2-2007.
56- فتحي خضر, مصدر سابق, ص. 72
57- مقابلة تلفونية مع ايمن خليل من قيادات الكتلة الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة في رام الله 2006-2007, بتاريخ 22-2-2007.
58- مقابلة تلفونية مع عنان أبو حسين من قيادات كتلة الوحدة الطلابية عن الجبهة الديموقراطية في جامعة بيرزيت 2001-2002, بتاريخ 26-2-2007.
8 من الزوار الآن
916820 مشتركو المجلة شكرا