الصفحة الأساسية > 6.0 فلسطيننا > قدسنا > المسجد الأقصى؛ وقفات وعبرات
مستقصى فضائل المسجد الأقصى
أولاً: فضل المسجد الأقصى وبيت المقدس في القرآن الكريم:
(1) وصف القرآن الكريم في كثير من آياته بيت المقدس ومسجده بالبركة وهي النماء والزيادة في الخيرات والمنح والهبات؛ حيث قال سبحانه وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) .
وقال تعالى (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) . وهذا حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام.
وقال تعالى : (وأورثنا القوم الذين كانوا يُستَضْعَفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) . وفي قصة سليمان عليه السلام يقول سبحانه وتعالى: (ولسليمان الريح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها..) .
وقال تعالى على لسان موسى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم) .
وعند حديث القرآن عن هناءة ورغد عيش أهل سبأ يقول سبحانه: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرةً) وهي قرى بيت المقدس كما روى العوفي عن ابن عباس .
(2) وصف القرآن أرضها بالرَّبوة ذات الخصوبة وهي أحسن ما يكون فيه النبات, وماءها بالمعين الجاري. قال تعالى : (وجلعنا ابنَ مريم وأمّه آيةً وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ) . "قال الضحاك وقتادة: وهو بيت المقدس قال ابن كثير: وهو الأظهر" .
(3) أنه القبلة التي كان يتوجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبل تحويلها إلى الكعبة, حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم حُوِّلت، وأشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول) .
(4) أنه أرض المنادي من الملائكة نداء الصيحة لاجتماع الخلائق يوم القيامة كما قال سبحانه: (واستمع يوم يُنادي المُنادِ من مكانٍ قريبٍ) . "قال قتادة وغيره: كنا نحدَّث أنه ينادي من بيت المقدس من الصخرة, وهي أوسط الأرض" .
قال ابن تيمية رحمه الله: "ودلّت الدلائل المذكورة على أن (ملك النبوة) بالشام والحشر إليها, فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر، وهناك يُحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام, كما أن مكة أفضل من بيت المقدس, فأول الأمة خيرٌ من آخرها، كما أن في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام, كما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
(5) نَعَت الله تعالى المانعين لإقامة الشعائر فيه بأنهم أظلم البشر, وتوعدهم بالخوف عند دخوله, وبحلول الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الأخرى كما قال سبحانه: (ومن أظلمُ ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين) . ذكر بعض المفسرين أنها نزلت في (بختنصّر) لأنه كان خرّب بيت المقدس, وروي عن ابن عباس وعن قتادة قال: "أولئك أعداء الله النصارى حملهم إبغاض اليهود على أن أعانوا (بختنصر) البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس"، ومعلوم أن هذا التخريب بقي إلى زمان عمر رضي الله عنه . ولكن الآن يعمّ حكمها كل مسجد مُنِعَ الناس من إقامة شعائر الله فيه سواء بالتخريب الحسي كما فعل (بختنصر) بمعبد بيت المقدس أو بصدّ الناسكين عنه كما فعلت قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: السنة الصحيحة وفضل المسجد الأقصى:
(1) مشروعية السفر إلى المسجد الأقصى لقصد التعبد:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشَدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد, مسجدي هذا, والمسجد الحرام, والمسجد الأقصى) . فالشارع ينهي عن السفر إلى أي مكان مسجداً كان أو غيره لقصد العبادة ما عدا المساجد الثلاثة المستثناة في أسلوب الحصر, ومما يدل على تعميم كل الأماكن إلا المساجد المذكورة مارواه الإمام مالك بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور فقال لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجتَ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تعمل المطي الاّ إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى مسجد إيليا أو بيت المقدس يشك) . قال ابن تيمية: "وكذلك ينهى عن السفر إلى الطور المذكور في القرآن فمن باب أولى أن ينهى عن السفر إلى غيرهما من الأمكنة" .
(2) أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني في الأرض:
لما في حديث الصحيحين عن آبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول قال: المسجد الحرام. قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة. ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فان الفضل فيه) . وسيأتينا مزيد بيان لهذا الحديث عند الكلام عن تاريخ بناء المسجد الأقصى .
(3) إتيان المسجد الأقصى بقصد الصلاة فيه يكفر الذنوب ويحط الخطايا:
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه, وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده, و ألاّ يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلاّ الصلاة فيه إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إثنتان فقد أعطيهما, وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) . ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز, فيدخل فيصلي فيه, ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء مبالغةً منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها, لتصيبه دعوة سليمان عليه السلام .
وليس في بيت المقدس مكان يقصد للعبادة سوى المسجد الأقصى، لكن إذا زار قبور الموتى وسلم عليهم وترحم عليهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه فحسن .
قال ابن تيمية: "والعبادات المشروعة في المسجد الأقصى هي من جنس العبادات المشروعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من سائر المساجد إلاّ المسجد الحرام, فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد الطواف بالكعبة, واستلام الركنين اليمانيين, وتقبيل الحجر الأسود, وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يطاف به, ولا فيها ما يتمسح به, ولا ما يقبّل، فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم, ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين، ولا بصخرة بيت المقدس، ولا بغير هؤلاء.. بل ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة. ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شرٌ ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة.. فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلةً يصلى إليها فهو كافرٌ مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل, مع أنها كانت قبلة لكن نُسخ ذلك, فكيف بمن يتخذها مكاناً يطاف به كما يطاف بالكعبة؟!.. فهذه الأمور التي يشبه بها بيت المقدس في الوقوف والطواف والذبح والحلق من البدع والضلالات" .
(4) مدح النبي صلى الله عليه وسلم لمصلاه، وأن ثواب الصلاة فيه مضاعف:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاةٌ في مسجدي أفضل من أربع صلواتٍ فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خيرٌ له من الدنيا جميعا، قال: أو قال: خيرٌ له من الدنيا وما فيها .
وهذا حديث شريف مشتمل على فوائد جمة منها:
بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح بيت المقدس لأن هذا كان قبل الفتح العمري ببضع عشرة سنة، ومن مؤيدات هذه البشارة حديث عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس.. الحديث) .
الثانية: أن صلاةً في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاةً فيما سواه عدا مسجدي مكة والمدينة.
(5) ثبات أهل الإيمان فيه عند حلول الفتن.
لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي, فظننت أنه مذهوب به, فأتبعته بصري, فعمد به إلى الشام, ألا وإن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام) .
(6) أنها حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان.
عن أبي حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: (يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة, فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك) .
(7) أهلها المقاتلون في سبيل الله من الطائفة المنصورة نصّاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وماحوله وعلى أبواب بيت المقدس وماحوله لا يضرُّهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة) .
المسجد الأقصى عبر القرون
المسجد الأقصى* هو الاسم الذي أطلقه القرآن على مُتعبَّد النبيين في أرض فلسطين، (إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله), ذلك المسجد الذي أٍسس على التقوى من أول يوم بُدئ فيه البناء, تولى إمامته الأنبياء, وتنسك بساحته الأولياء, واتخذ منبره الداعون إلى الإسلام عبر الدهور منارة ترشد السائرين, ومعلماً يهدي الحائرين.
والمسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم, إذ هو اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام, فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يعتبر مسجداً بالمعنى الشرعي, فيدخل فيه على ذلك مسجد الصخرة ذو القبة الذهبية المنصوبة على المبنى المثمّن, والذي تنصرف اليه الأذهان كلما ذكر اسم المسجد الأقصى: وان كان بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقدمه، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد.. وأمّا "الصخرة" فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة, بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان، ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام، ووقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة، كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير، فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن ابن الزبيرفبنى القبة على الصخرة، وكساها في الشتاء والصيف, ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس, ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة كما أن يوم السبت كان عيداً في شريعة موسى عليه السلام، ثم نسخ في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة فليس للمسلمين أن يخصّوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة كما تفعل اليهود والنصارى, وكذلك الصخرة التي يعظمها اليهود وبعض النصارى .
لقد مر بيت المقدس ومسجده العتيق بعهود تاريخية حافلة بالأحداث نوجزها في السرد التالي:
أولاً: سكن الكنعانيون ساحل بلاد الشام في الألف الثالث ق.م, وعرفوا في الساحل الشمالي باسم الفينيقيين, بينما عرف القسم الجنوبي بأرض كنعان, فابتنوا أهم المدن فيها: أريحا، وأسدوس، وبيرسبع، وعسقلان، وبيسان، ونابلس "شكيم"، والخليل "أربع"، والقدس "يبوس"، وكان اليبوسيون أهم بطون الكنعانيين فبنوا مدينة القدس, وأطلقوا عليها "أورسالم" أي: مدينة سالم, كما أطلقوا عليها أسم "يبوس"، وكانت لغتهم عربية قديمة, ولكنها تختلف عن لغة القرآن التي نتحدث بها اليوم.
ولما تعرضت بلاد اليونان وجزر إيجة لغارات البرابرة اليونان، هربت قبيلة "بلست" من جزيرة "كريت" وغزت أرض كنعان، واستقرت في السهل الساحلي الجنوبي الغربي من يافا إلى غزة, وسمي هذا الجزء باسم فلسطين, وبقي الاسم على جزء من أرض كنعان إلى أن شملها كلها في العصور الحديثة.
ثانياً: تجلت قدسية بيت المقدس وما حوله – تاريخياً- بهجرة الخليل إبراهيم عليه السلام حوالي الألف الثاني ق.م, انتقل إبراهيم عليه السلام من "أور" بالعراق إلى أرض الشام "أرض الكنعانيين" وفي صحبته ابن أخيه لوط, وزوجه سارة بعد أن اعتزل أباه وقومه كما حكى القرآن (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) . قال ابن كثير: وأوحى الله إلى إبراهيم الخليل فأمره أن يمدّ بصره، وينظر شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر، وسأكثر ذريتك حتى يصبروا بعدد تراب الأرض, وهذه البشارة اتصلت بهذه الأمة, بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمدية، يؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها).
فغدا بيت المقدس بلد (إبراهيم) الخليل وموطنه, ومكث بها مدة, ثم خرج منها إلى مصر, إثر قحط دبَّ في الشام, ثم عاد إليها, خوفاً على زوجته من فرعون مصر آنذاك, الذي حاول الظفر بها ولكن الله تعالى أنجاها منه ورد كيد الكافر, فأطلق سراحها وأخدمها (هاجر)، التي ولدت بعد ذلك إسماعيل, فلما غارت (سارة) من (هاجر) وولدها, أمر الله تعالى إبراهيم خليله, أن يرتحل بهاجر وإسماعيل إلى أرض مكة المكرمة, وكانت مكة حين ذاك وادياً لا زرع فيه ولا ضرع، فتركهما هناك بأمر ربه، وعاد إلى أرض التيمن وحفظ الله هاجر والغلام, وفجّر لهما في الوادي ماءً عذباً أبرك من غيث الغمام, فانجفل إلى مكة لسكناه الأنام, وفي إحدى زيارات الخليل إلى مكة من بلاد الشام, بني بمعاونة ابنه إسماعيل الكعبة البيت الحرام, أشرف المساجد في أشرف البقاع, ودعا لأهلها باليمن والبركات وأن يرزقوا من كل الثمرات مع قلة المياه, وعدم الأشجار والزروع والثمار, وهنا ذكر بعض العلماء أنه لما عاد إلى مهاجره بيت المقدس بنى المسجد الأقصى.
من أول من بنى المسجد الأقصى؟
اختلف العلماء من أهل التفسير والحديث والتاريخ في تعيين أول من وضع المسجد الأقصى, وبتتبع أقوالهم واستقرائها, بدا لي أنها لا تخرج عن ثلاثة آراء:
الأول: إن آدم عليه السلام هو الذي أسس كلا المسجدين, ذكر ذلك العلامة ابن الجوزي, ومال إلى ترجيح هذا الرأي الحافظ ابن حجر في الفتح, واستدلّ له بما ذكره ابن هشام في كتاب "التيجان" أنّ آدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه. وبناء آدم عليه السلام الكعبة مشهور وفيه عدة آثار:
1- روى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (لمّا كان زمن الطوفان رفع البيت, وكان الأنبياء يحجونه, ولا يعلمون مكانه حتى بوّأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه).
2- روى البيهقي في "الدلائل" من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً : (بعث الله جبريل إلى آدم فأمر ببناء البيت فبناه آدم, ثم أمره بالطواف وقيل له أنت أول الناس, وهذا أول بيت وضع للناس).
3- روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء (أن آدم أول من بنى البيت).
وهذا القول أثبت كما قال الحافظ في الفتح وعليه فإنّ الذي أٍسس المسجد الأقصى هو آدم نفسه أو أحد أبنائه لأنّ المدة الفاصلة بين المسجدين أربعون سنة فقط .
الثاني: أن الخليل إبراهيم عليه السلام هو الذي أٍسس المسجد, لأنّ بناءه للمسجد الحرام مشهور بنص القرآن: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) وقوله تعالى : (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت) ، وإذا ثبت بالنص أنه بني الكعبة، فإنّ بناءه لمسجد الأقصى محتمل راجح لقرب العهد بين المسجدين. وممن نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: (والمسجد الأقصى, صلت فيه الانبياء من عهد الخليل), وفي موضع آخر قال: (فالمسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام), ولكن يرد على هذا القول إشكالان: أحدهما: أنّ بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة لم يكن وضعاً وتأسيساً وإنما كان رفعاً وتجديداً, والثاني, أنّه لم ترد آثار في تأسيسه للمسجد الأقصى, سوى ما عند أهل الكتاب: (أنّه لما قدم الشام أوحى الله إليه إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك, فابتنى إبراهيم مذبحاً لله شكراً على هذه النعمة, وضرب قبته شرقي بيت المقدس) ولكن هذا الذي بناه مذبح وليس بمسجد, ثم ان هذا كان أول قدومه الشام أي قبل مولد إسماعيل وبناء الكعبة بمدة, وإنما بناء مسجد بيت المقدس كان بعد وضع الكعبة كما في حديث أبي ذر في الصحيحين.
القول الثالث: أن الذي بناه هو يعقوب عليه السلام, ورجّح هذا القول العلامة ابن القيم رحمه الله حيث قال: (والذي أسسه هو يعقوب بن اسحق صلى الله عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار – أي أربعين سنة-..) وهذا الذي ذكره ابن القيم موجود عند أهل الكتاب كما قال ابن كثير: (ثم مرّ -أي يعقوب- على أورشليم قرية شخيم فنزل في القرية واشترى مزرعة شخيم بن جحور بمائة نعجة فضرب هنالك فسطاطاً، وابتنى ثم مذبحاً فسماه بيت إيل إله إسرائيل وأمر الله بناء المستعلن له فيه وهو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام) .
وأوجه الآراء الثلاثة, وأدناها إلى الرجحان قول من قال: إنّ الذي أسسه هو آدم عليه السلام أو أحد أبنائه، وأنّ الذي وقع من البناء بعد ذلك إنما هو تجديد لا تأسيس, والآثار المروية تسند هذا القول وتجعله أقرب إلى الصواب والله أعلم, وأمّا حديث أبي ذر: (أي مسجد وضع في الأرض أوّل؟.. ) فليس فيه تعيين الواضع الأول المؤسس، ولا يصلح أن يكون تفسيراً لقوله تعالى : (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت), ولذلك فان البخاري رحمه الله أورد الحديث في موضعين من كتاب الأنبياء، الأول في فضائل الخليل إبراهيم عليه السلام، والثاني في فضائل سليمان عليه السلام, فيفهم من صنيعِهِ هذا أنه أراد فضل بناء المسجدين, لا تعيين أول من أسسهما. ولهذا قال القرطبي: (إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما, بل
ثالثاً: المسجد الأقصى وعهود بني إسرائيل:
1-في عهد يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلام وهو المعروف باسم "إسرائيل"، أعيد بناء المعبد على مكان الصخرة، وقصة ذلك عند أهل الكتاب: (أن يعقوب عليه السلام لما خرج من عند أبيه "إسحق" وأخيه "عيسو" وآخر ذلك اليوم أدركه المساء في موضع فنام فيه أخذ حجراً فوضعه تحت رأسه ونام فرأى في نومه ذلك عراجاً منصوباً من السماء إلى الأرض وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون والرب تبارك وتعإلى يخاطبه ويقول له إني سأبارك عليك وأكثِّر ذريتك وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك. فلما هبَّ من نومه فرح بما رأي ونذرلله لئن رجع إلى أهله سالماً ليبنينّ في هذا الموضع معبداً لله عز وجل, وان جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره، ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهناً يتعرفه به وسمى ذلك الموضع بيت إيل أي بيت الله وهو موضع بيت المقدس اليوم . ثم إن يعقوب عليه السلام خرج بأبنائه من بيت المقدس, والتحق بابنه يوسف الذي كان عزيزاً في مصر, بعد أن اجتاح بلاد الشام وكثيراً من البلدان سنوات عجاف.
2-وفي عهد موسى بن عمران عليه السلام أعظم أنبياء بني إسرائيل, لما أنجاه الله ومن معه من فرعون وملائه, وجاوز بهم موسى البحر, حثَّ بني إسرائيل على قتال من كان في أرض بيت المقدس من المشركين الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين, لأنها أرض لا ينبغي أن تكون ألا لعباد الله الصالحين كما قال تعالى عن موسى (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) فأبو ونكلو عن الجهاد، فسلط الله عليهم الخوف وألقاهم في التية في مفازة سيناء أربعين سنة, ولما شعر موسى عليه السلام بموته ولما يدخل الأرض المقدسة, سأل الله تعالى أن يكون مماته قريباً منها رمية بحجر فلبى الله طلبه كما هو ثابت في الصحيحين .
3-أول جهاد في التاريخ لفتح بيت المقدس: كان في عهد نبي الله تعالى يوشع من بنون الذي خلف موسى وهارون في بني إسرائيل, فخرج بالجيل الثاني وما بقي من جيل الجبن والهزيمة, فأجرى الله تعالى على يده الفتح المبين, بعد أن محَّص الله المؤمنين, وقد وقع قبيل الفتح آية باهرة, ومعجزة ظاهرة, كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: "لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن, ولا آخر قد بنى بنياناً ولم يرفع سقفها, ولا آخر قد اشترى غنماً أو خَلِفات وهو منتظر ولادها" قال : فغزا، فأدنى للقرية حين صلاة العصر, أو قريباً من ذلك, فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور, اللهم احبسها عليَّ شيئاً, فحبست عليه حتى فتح الله عليه..) , وهذا كان في فتح بيت المقدس كما في رواية أخرى: (إنّ الشمس لم تحبس على بشر الا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس) ، وهذه معجزة فريدة لهذا النبي في أول غزوة لفتح بيت المقدس كما قال الشافعي : (وقد صحَّ أنَّ الشمس حبست على يوشع ليالي قاتل الجباريين) .
ولما دخل بهم باب المدينة بيت المقدس، أُمروا أن يدخلوها سجداً أي ركعاً متواضعين شاكرين لله عزَّ وجل على ما منَّ به عليهم من الفتح العظيم الذي كان الله وعدهم إيّاه، وان يقولوا حال دخوله حطة، أي حطَّ عنَّا خطايانا التي سلفت من نكولنا الذي تقدّم، ولكنهم خالفوا ما أُمروا به قولاً وفعلاً، دخلوا الباب يزحفون على استاههم يقولون حبّة في شعرة، وفي روايةٍ حنطة في شعرة، وحكى القرآن عن ذلك في سورة البقرة والأعراف، وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فدخلوا على استاههم فبدلوا وقالوا حطة حبة في شعرة)
4-عهد داود وسليمان وتوسعة المسجد وبناءه العظيم:
بعد وفاة النبي يوشع عليه السلام تلى عهد القضاة واستمر مدة 400سنة, ثم عصر الملوك, وكان القضاة في آخر عهودهم قد دبّ فيهم الضعف, فسلب الله منهم الأرض المقدسة, فلجأ بنو إسرائيل إلى نبي لهم أن يبعث عليهم ملكاً يقاتلون معه الكافرين الذين أخرجوهم من ديارهم وأبنائهم , فكان طالوت عليهم ملكاً كما هي القصة في سورة البقرة، وأراد طالوت أن يمحِّص جيشه كما محَّص النبي يوشع من قبل جيشه, ولكن كان ذلك هنا بطريقة أخرى كما أخبر القرآن الكريم: (قال إنَّ الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفةً بيده) فما صفا منهم إلا قلة مؤمنة صابرة على الجلاد والطعان , فهزموا المشركين بإذن الواحد الديان (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء) . ثم أصبح داود النبي ملكاً على بني إسرائيل, وكان فتح المدينة المقدسة في نهاية القرن الألف ق. م. وعندها تجهز داود لتجديد بناء مسجد بيت المقدس ولكن الله تعالى كتب بناءه على يد ابنه سليمان عليه السلام كما هو عند الطبراني من حديث رافع بن عميرة: (أن داود عليه السلام ابتدأ بناء بيت المقدس ثم أوحى الله إليه: إني لأقضى بناءه على يد سليمان ، فتولّى سليمان عليه السلام البناء من بعد والده, فبنى المسجد على هيئة ضخمة فخمة, حتى نسب المعبد بعد ذلك اليه, وراح الناس يدعونه "معبد سليمان" قال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الاقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان زادا فيه ووسعاه, فا ضيف اليهما بناؤه , قال ابن تيميه: المسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام لكن سليمان عليه السلام بناه بناءً عظيماً .
5-السبي البابلي وتدمير معبد سليمان:
ضعفت المملكة بعد عهدها الزاهر, عهد سليمان عليه السلام, وعم الفساد في بني اسرائيل وطم فالقي الله بينهم العداوة والبغضاء فأصبحوا بعد الوحدة والاتفاق, مملكتين إحداهما في الشمال (السامرة) إسرائيل وعاصمتها شكيم (نابلي) وتسلط عليها سرجون ملك الأثوريين فاستولى عليها, والشانير مملكة (يهودا) في الجنوب وعاصمتها أورشليم (القدس), غزاها الفراعنة فاستولوا عليها وعلى مملكة الشمال التي ظهر عليها الأشوريون أول مرة, ثم زحف (بحتنصر)(*) ملك البابلين على فلسطين فدمّر المسجد وبيت المقدس عام 587 ق.م وحقت كلمة العذاب على بني إسرائيل بما ظلموا , قال تعالى : (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً. فاذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً) .
فبقي بيت المقدس كذلك خراباً يباباً عقوداً من الزمان, بعد أن كانت كثيرة البنيان, وفيرة السكان, ولعل حكاية القرآن عن قصة ذلك الرجل في قوله تعالى : (أوكالذي مرّ على قرية وهي خاويةٌ على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها, فأماته الله مائة عام ثم بعثته) فربما كان وقوعها في تلك الحقبة التي ظل بيت المقدس فيها أطلالاً, كما قال ابن جريج وغيره: بلغنا أن عزيراً خرج فوقف على بيت المقدس, وقد خرّبه بُخت نصر, فوقف فقال: أبعد ما كان لك من القدس والمقابلة والمال ما كان !! فحزن , وقال وهب بن منبه وغيره إنما هو آرميا مرّ على بيت المقدس, والأشهر الأول, والله اعلم .
6-إعادة بناء المسجد وعهد أنبياء الله زكريا ويحي وعيسى عليهم السلام:
تمكن كورش الفارسي الذي تزوج من يهودية اسمهما (أستير) من احتلال بلاد الشام وضمها إلى دولته –فارس- عام 538 ق.م وقدم له اليهود مساعادات في فتحه بابل والشام ومصر, فسمح لمن يريد العودة من اليهود إلى أرض كنعان, وانتهى حكم الفرس عام 332 ق. م , وبدأ حكم اليونان باستيلاء الاسكندر المقدوني على بلاد الشام , واستمرّ حكمهم لبلاد الشام حتى عام 63 ق. م إذ استطاع القائد الروماني بومبي أن ينهي احتلال اليونان وبقي الرومان يحكمونها إلى أن أنقذها الاسلام عام 636 ب. م, وما يهمنا من تلك الأحقاب عهد الرومان, حيث تمكن اليهود في عهد (هيردوس) الملك على بيت المقدس من قبل الرومان من إعادة بناء المعبد (الهيكل) عام 20ق. م. وكان من أئمة مسجد الأقصى آنذاك زكريا نبي الله وابنه السيد الحصور يحي عليهما السلام, وكانا قد اتخذا من محراب المسجد ومنبره مجالاً للدعوة إلى الاسلام, وتقويم اعوجاج بني إسرائيل, ولما ولدت مريم البتول (خالة يحي عليه السلام) المسيح عيسى ابن مريم سلك ذات النهج في الدعوة إلى الله, وكان عوناً لهما في ذلك , ومن ذلك ما حدّث به الحارث الأشعري أن رسول الله صلى ا لله عليه وسلم قال: (إن الله أمر يحي بن زكريا بخمس كلمات: يعمل بهنّ ويأمر بني إسرائيل يعملون بهن وإن عيسى بن مريم قال له: إن الله أمرك بخمس كلمات تعمل بهن, وتأمر بهن بني إسرائيل يعملون بهن فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم قال: إنك أن تسبقني بهنّ, خشيت أن أُعذب أو يخسف بي) قال (فجمع النّاس في بيت المقدس حتى امتلأ, وقعد الناسُ في الشرفات قال: (فوعظهم...) الحديث .
ولكنّ بني إسرائيل كانوا في غفلة عن ذلك كله, قست قلوبهم, وأُشربوا فيها حبّ الدنيا, ونسوا الدار الآخرة فتردت أخلاقهم, وسفهت أحلامهم وانتهكوا حرمة المسجد الأقصى, فاتخذوه سوقاً للصيارفة, وملعباً للحمام, بل همّوا بأنبيائهم , فذبحوا السيد الحصور يحي, ونشروا بالمنشار زكريا, وأنذرهم عيسى بن مريم بأمر الله الذي لا يُردّ عن القوم الظالمين, وقال لهم فيما قال: (إن هذا المعبد سيهدم ولن يبقى فيه حجر على حجر), فما انتهوا عن غيهم, ولا ارعوَوا عن بغيهم, بل تماروا بالنذر حتى سدروا في طغيانهم , ودبّروا مكيدة للمسيح ابن مريم ليقتلوه ويصلبوه ولكن الله تعالى أنجاه منهم , وبعد انصرام أربعين سنة من رفعه عليه السلام حاق ببني إسرائيل بأس الله وتنكيله, ومكر بهم إذ أرادوا المكر بأنبيائه وأوليائه، حيث وقف اليهود ضد المسيحية مع الوثنية الرومانية. ثم حاولوا الثورة على الرومان عام 70م فقاد القائد الروماني (تيطس) حملة دخلت بيت المقدس, وأعمل فيها القتل والحرق والنهب, وشرد اليهود في أجزاء الأرض.
7-بناء معبد وثني مكان المسجد الأقصى:
حاول اليهود الانتفاضة مرة أخرى عام 135م زمن الامبراطور (هادريان), فقاد حملة بنفسه حتى قتل من اليهود 580 ألفاً وقضي على وجودهم نهائياً في فلسطين, ومنعهم من دخول بيت المقدس, ودعاها (إيليا كابيتولينا), وما أدق وصف القرآن لذلك التدمير الثاني: (ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً) , وبنوا حيث كان المسجد الأقصى معبداً وثنياً أسموه (جويبتار), حتى اعتنق الرومان النصرانية المحرّفة في عهد الامبراطور (قسطنطين) فهدم المعبد الوثني وبقي مكان المسجد خالياً من بناء مقام فيه بقية عهد الرومان النصارى.
8-امتهان النصارى المسجد الأقصى واتخاذ مكانه كُناسة:
لم يكن للرومان النصارى اهتمام بالمسجد الأقصى, بل اتخذوا مكانه مزبلة, حتى إن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة, وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة, وهو المكان الذي صُلب فيه شبيه المسيح ابن مريم, فظنت اليهود والنصارى أنه المسيح عليه السلام (وما قتلوه وماصلبوه ولكن شُبِه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلاّ اتباع الظن وما قتلوه يقيناً) . فاتخذ اليهود مكان الصلب قمامة حتى اذا ظهر النصارى الرومان اتخذوه كنيسة هائلة بنتها أم الملك قسطنطين, واتخذوا مكان قِبلة اليهود مزبلة, فلما فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه, بيت المقدس, وتحقق موضع الصخرة, أمر بازالة ما عليها من الكناسة حتى قيل إنه كنسها بردائه .
وهكذا كان عام 135م نهاية للوجود اليهودي في أرض بيت المقدس, وانتهت علاقة اليهود بفلسطين سياسياً وسكانياً أي أنه كان الخروج الأخير, وبقيت محرمة على اليهود حتى الفتح الإسلامي أي خمسة قرون, إلاّ ما مُنحته أجيال اليهود من القدوم إلى آثارهم كي يقوموا بالبكاء والنواح على مجدهم الزائل عند حائط البراق (المبكى).
رابعاً: المسجد الأقصى في عهود الإسلام:
تجلت أهمية بيت ا لمقدس في الإسلام عندما أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وبذلك وصل ما بين المسجدين العظيمين. فكان ذلك إيذاناً بانتقال الأرض المقدسة والمسجد الأقصى إلى ظل الدين الخاتم والرسالة الأخيرة, وقد كانت صلاته عليه الصلاة والسلام باخوته الأنبياء في تلك الليلة المباركة نحو البقعة المباركة برهاناً ساطعاً على تبعية الشرائع السابقة, وانقيادها طوعاً للإسلام كلمة الله الأخيرة إلى بني الإنسان والجان. وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه في صلاتهم شطر بيت المقدس, قبلتهم الأولى قبل المسجد الحرام.
وقد بدأت غزوات وسرايا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام بغزوة دومة الجندل عام 5هـ وسرية مؤته عام 7هـ, وغزوة تبوك آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم عام 9هـ, ثم أخيراً بعث أسامة الذي انقذه ابوبكر رضي الله عنه.
1- الفتح العمري وبناء مسجد الأقصى:
بعد المعارك الحاسمة – اجنادين وفحل واليرموك – والتي شهدتها أرض الشام المباركة قدم أبو عبيدة عامر بن الجراح على عمرو رضي الله عنهما وهو محاصر إيلياء (القدس). ثم طلب أهلها الأمان والصلح, على أن يكون الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي يتولى بنفسه تسلم بيت المقدس وعقد الصلح, فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها, وتسلم بيت المقدس بنفسه من صفرونيوس بطريرك القدس عام 16هـ. وصدرت العهدة العمرية ونص فيها على أن لا يسكن إيلياء أحد من اليهود .
ودخل عمر رضي الله عنه القدس عن طريق جبل المكبر ثم أتى موضع المسجد الأقصى فصلى فيه تحية المسجد, ويٌروى أنه صلى في محراب داود, وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الأولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه وفي الثانية ببني إسرائيل (الإسراء) وجعل المسجد في قبلة بيت المقدس.
روى الإمام أحمد عن طريق عبيد بن آدم قال: (سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب الأحبار: أين ترى أن أًصلي؟ فقال: إن أخذت عني, صليت خلف الصخرة, وكانت القدس كلها بين يديك, فقال عمر: ضاهيت اليهودية. لا, ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتقدم إلى القبلة فصلى, ثم جاء فبسط رداءه, فكنس الكناسة في ردائه, وكنس الناس) .
وبعد انقضاء عهد الخلفاء الأربعة الراشدين تلى عهد الأمويين ثم عهد العباسيين ثم الطولونيين والاخشيديين, وفي كل تلك العهود كان المسجد الأقصى وبيت المقدس مصاناً معظماً في أيدي المسلمين قروناً طويلة, قام الخلفاء خلالها بإصلاحات وتوسيعات عديدة في مسجد الأقصى.
2- مملكة نصرانية في بيت المقدس في القرن السادس الهجري:
رُزء المسلمون بالدولة العبيدية (297 – 567) والمسماة زوراً بالدولة الفاطمية, ظاهرهم الرفض** وحقيقتهم الكفر المحض, وقد وصف ابن كثير وغيره من المؤرخين ملوك الدولة العبيدية بأنهم من أنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة, وقد ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات, وكثر أهل الفساد, وقل عندهم الصالحون والعلماء، وكثر بأرض الشام النصيرية والدرزية والحشيشية, وتغلب الفرنج على الساحل, وفي فلسطين قربوا اليهود والنصارى, وتزاوجوا منهم وأبرموا المعاهدات مع الدولة البيزنطية النصرانية.
قال الذهبي: وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد, لما شهدوه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه) , وفي حوادث سنة (381)هـ ضرب رجل من أهل مصر وطيف به في المدينة لأنهم وجدوا عنده كتاب الموطأ للإمام مالك) .
وقعت القدس تحت طائلة الحكم العبيدي في عهد الحاكم الفاطمي المعز لدين الله, حيث احتل قائده جوهر الصقلي فلسطين 969م فكان حكمهم لبلاد المسلمين آنذاك من الأسباب الرئيسية في النكبة الصليبية, حيث أقام الأوروبيون بالقدس مملكة نصرانية، حيث سارت كتلة الجيش الصليبي نحو إنطاكية فسقطت سنة 1098م. وتقدم الصليبيون نحو الجنوب دون أن يجدوا مقاومة تذكر نحو بيت المقدس واقتحموا أسوارها في سنة 1099م وأنزلوا بأهلها مذبحة قتل فيها سبعون ألفاً من سكانها، وعاثوا فيها فساداً وخراباً دونما اكتراث لقدسيتها, وحولوا المسجد الأقصى إلى كنيسة, ومكاناً لسكن خيولهم .
ولكن الله تعالى قيض صلاح الدين الأيوبي, الذي بدأ طريق فتح القدس بإسقاط الدولة العبيدية الباطنية أولا, ثم ارجع مصر إلى السنة , وأقام الخطبة للخليفة العباسي بعد أن انقطعت الخطبة للعباسيين بمصر (208) سنة , ووحّد مصر والشام, ومن ثم قاد حملات مركزة ضد قلاع الصليبيين القريبة حتى هزم الصليبيين في معارك عديدة كان أهمها معركة حطين (قرب بحيرة طبرية), في 25/ربيع الثاني 83هـ, وفي السابع والعشرين من شهر رجب من نفس السنة وفي يوم جمعة أظفره الله بالفتح الأعظم فتح بيت المقدس, وعاد الأذان إلى منابرها, وعاد المسجد الأقصى بعد غياب أحد وتسعين سنة, وأرسل إليه ملك الإنجليز يساومه في أمر سكنى النصارى بيت المقدس فأجابه السلطان صلاح الدين: (إن القدس ليس لكم من حديث سوى الزيارة) . فانتهى بذلك دور الصليبيين، فكانوا من الغزوات العابرة, ولن يكون حظ اليهود اليوم بمساعدة الغرب الصليبي بأفضل من مصير الصليبيين في الماضي بإذن الله تعالى الغالب على أمره.
المسجد الأقصى في قبضة اليهود
حكم الأيوبيون القدس بعد خروج الصليبيين، ثم حكمها المماليك ثم العثمانيون, وفي آخر عهد بني عثمان, كانت بفلسطين جالية يهودية صغيرة جداً لا تتجاوز تسعة آلاف وسبعمائة نسمة موزعين بين القدس والجليل وصفد وطبريا وباسم الامتيازات الأجنبية التي فرضت على الدولة العثمانية الضعيفة من قبل الدول الأوربية, أ قامت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس عام 1255هـ / 1839م, وجهت معظم جهودها لحماية الجالية اليهودية , واستقدامهم من الخارج لاسباب ودوافع استعمارية.
وفي عام 1895م / 1313هـ أصدر اليهودي النمساوي هرتزل كتابه (الدولة اليهودية) قرر فيه (إن المسالة اليهودية ليست مسألة اجتماعية أو دينية, بل هي مسألة قومية لا يمكن حلّها إلاّ عن طريق تحويلها إلى قضية سياسية عالمية يتم تسويتها على يد الدول الكبرى مجتمعة) , وتمكنت الصهيونية في هذه الأثناء من استمالة الأوربيين لأ فكارها: فالمتدين النصراني الأوربي دخلت إلى نفسه فكرة شعب الله المختار وأرض الميعاد وهو يؤمن كنصراني بالعهد القديم, وأما غير المتدين فرغب أن يتخلص من استغلال اليهود وجشعهم عن طريق تأييد الصهيونية في البحث عن أرض يتجمعون فيها, فتستريح أوروبا منهم كما قال وزير خارجية قيصر روسيا وهيرتزل يحدثه ويطلب منه تشجيع الهجرة: (إننا نعطي مثل هذا التشجيع على الهجرة بأن نركلهم بأقدامنا) .
قدمت جمعية (أحباء صهيون) طلباً للقنصل العثماني في أوديسا (روسيا) , يطلبون الإقامة في فلسطين فكان رد السلطان عن الحميد: (تحيط الحكومة العثمانية علماً جميع اليهود الراغبين في الهجرة إلى تركيا بأنه لا يسمح لهم بالاستقرار في فلسطين) ,فتوالت الضغوط الديبلوماسية عليه حتى تدخل السفير الأمريكي فقال السلطان: (إنني لن أسمح لليهود بالاستقرار في فلسطين ما دامت الإمبراطورية العثمانية قائمة) ,وقابل هيرتزل السلطان عبد الحميد سنة 1896م أي بعد إصداره كتاب (الدولة اليهودية) بسنة, فطلب السماح بإقامة مستعمرة واحدة في القدس, فقال السلطان: (إن الإمبراطورية العثمانية ملك العثمانيين الذين لا يمكن أن يوافقوا على هذا الأمر فاحفظوا أموالكم في جيوبكم) ,نجح هيرتزل بعد هذه المقابلة الفاشلة بسنة بعقد المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897م، وضم 204 مندوباً يمثلون جمعيات صهيونية متناثرة في أرجاء مختلفة من العالم, وحدد المؤتمر أهداف الصهيونية بما يلي: (إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام) مما دفع السلطان عبد الحميد أن يصدر قراره المشهور الذي بلّغ به جميع ممثلي دول العالم في استنبول سنة 1900م بمنع الحجاج اليهود من الإقامة في فلسطين أكثر من ثلاثة شهور وعليهم تسليم جوازات سفرهم عند دخولهم أرض فلسطين.. وكل من لا يغادر البلاد خلال هذه المدة سيطرد بالقوة) ثم اصدر قراراً ثانياً سنة 1901م يحرِم فيه اليهود شراء أي قطعة أرض في فلسطين ولكن اليهود لم ييأسوا إذ شكل هيرتزل وفداً مع (قرصو) سنة 1902م وتوجه إلى السلطات بعروض مغرية , وطلب مقابلة السلطان فرفض السلطان عبد الحميد المقابلة, فدفعوا العروض إلى رئيس وزرائه (تحسين باشا), ما هي هذه العروض ؟:
1- مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية لجيب السلطان الخاص.
2- وفاء جميع ديون الدولة العثمانية البالغة 23 مليون ليرة إنجليزية ذهبية.
3- بناء أسطول لحماية الإمبراطورية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي.
4- تقديم قرض بـ(35) مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة.
5- بناء جامعة عثمانية في القدس.
فكان جواب السلطان عبد الحميد كما جاء في مذكرات هرتزل: (انصحوا الدكتور هرتزل بألاّ يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع إنني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض فهي ليس ملك يميني بل ملك شعبي.. فليحتفظ اليهود بملايينهم عندهم، و إذا مزقت إمبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن..) ، فأرسل إليه (قرصو) برقية يقول فيها: (ستدفع ثمن هذه المقابلة من عرشك ونفسك) وقابل هيرتزل المستشار القانوني للحكومة المصرية بهدف الاعداد للتعاقد على استعمار سيناء والعريش لمدة 99سنة, ولكن المشروع فشل بجهود الدولة العثمانية فكان لا بدّ من إزالة هذه الدولة التي أصبحت حجر عثرة في طريق استيطان اليهود في فلسطين, فاتبعوا الأساليب التالية:
1- تشويه سمعة السلطان عبد الحميد واتهامه بالرجعية والاستبداد حتى أصبح ممقوتاً عند شعبه لما تملكه الصهيونية من شبكات وسائل الإعلام.
2- محاولة إثارة النعرات القومية, داخل الدولة العثمانية عن طريق الجمعيات الماسونية التي انضوى إليها بعض الشباب العرب والأتراك في باريس وبقيّة أوروبا, فظهرت فكرة القومية التركية (الطورانية) وفكرة القومية العربية.
3- حاولوا نسف المنصة التي يجلس عليها السلطان في صلاة الجمعة بسيارة متفجرات, فأنجاه الله.
4- اتصلوا بالضباط وكبار الموظفين من خلال المحافل الماسونية فطالبوا بإعلان الدستور والذي فيه (مساواة اليهود والنصارى مع المسلمين) واجبروه على الإعلان في 23 تموز سنة 1908م.
وخلال تسعة اشهر في 27ابرايل 1909م أقصى السلطان عبد الحميد الثاني من الحكم على يد( جمعية تركيا الفتاة) و(جمعية الاتحاد والترقي) الماسونيتين وبدأ التمهيد بعد ذلك لهجرة اليهود إلى فلسطين.
ثم وقف زعماء العرب آنذاك وعلى رأسهم الشريف حسين ملك الحجاز بجانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى, وأغمدوا أنصالهم في قلب تركيا مقابل وعود بريطانيا بإعطاء الشريف حسين ملك العرب.
يقول لورنس – ملك الصحراء العربية, وضابط المخابرات البريطانية, الذي أغرى بالثورة العربية وقادها ضد تركياً- في مذكراته: (إنني جدُّ فخور أنني في المعارك الثلاثين التي خضتها لم يرق الدم الإنجليزي لأن دم إنجليزي واحد أحب إليّ من جميع الشعوب التي نحكمها , ولم تكلفنا الثورة العربية سوى عشرة ملايين دينار).
واتفق اللنبي القائد الإنجليزي مع مصطفى كمال اتاتورك سراً قائد الجيش الثاني في فلسطين أن يسمح لخيالة اللنبي أن يضربوا مؤخرة الجيوش التركية الأربعة مقابل تسليم تركيا فيما بعد لأتاتورك وفعلاً انسحب أتاتورك ووقع مائة ألف من الجيوش التركية في أسر الإنجليز، ودخل اللنبي القدس في 9/11/1917م واطلق كلمته مدوية تعبيراً عن الحقد الصليبي العميق (الآن انتهت الحروب الصليبية). وهكذا تم تمهيد الطريق للاحتلال اليهودي للقدس..
ويمكن سرد الأحداث التاريخية لضياع فلسطين والمسجد الأقصى على النحو التالي:
1- في سنة 1897م مؤتمر بال بسويسرا.
2- في سنة 1907م كان العمل الماسوني المنظم لإسقاط السلطان عبد الحميد من أجل هجرة اليهود.
3- في سنة 1917م وعد لينين ووعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
4- في سنة 1927م زيادة بناء المستعمرات وشراء الأراضي من عائلات سرسق وتيانا والإنجليز.
5- في سنة 1937م بدأ إنشاء القوات النظامية لليهود, وأصبح لديهم عصابات إرهابية مسلحة لديها كميات من الأسلحة والذخيرة, اشترك فيلق يهودي مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لأخذ الخبرة والتدريب.
6- في سنة 1947م قرار التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم في 29 نوفمبر ثم حلّت جماعة الأخوان وبعد ذلك بعام تم إعلان دولة إسرائيل سنة 1948م ثم قتلت البنا في 12/2/1949م.
7- في سنة 1956م احتلت سيناء وغزة بعد ضرب الحركات الإسلامية.
8- في سنة 1967م وبعد إعدام سيد قطب الذي كان في أغسطس 1966م وإخوانه كانت النكبة الكبرى واحتلت كل فلسطين والجولان وسيناء.
9- في سنة 1977م الهجوم على لبنان وزيارة السادات للقدس, وبداية ضرب التجمعات الإسلامية على يده ومعاهدة كامب ديفيد والتي وقعت في 26/3/1979م.
10- في سنة 1982م بدأت قوات الاحتلال الصهيوني بغزو لبنان تحت اسم "عملية سلامة الجليل" والتي أسفرت عن تدمير البنية التحتية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
11- وفي نفس السنة قام الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع قوات الكتائب النصرانية بتنفيذ مذبحة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها أكثر من 200 رجل وامرأة وطفل، والتي كان وراء تنفيذها المجرم أرئيل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك.
12- وفيها أيضاً خرج ياسر عرفات مع رجاله من بيروت عن طريق البحر على ظهر الباخرة (أتلانتس) التي تحمل العلم اليوناني.
13- 9/12/1987م انطلاق الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأولى.
14- 14/12/1987م الإعلان عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بصدور أول بيان لها في الانتفاضة.
15- نوفمبر 1988م أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الطارئة المنعقدة في الجزائر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشريف واعترف ضمنياً "بإسرائيل" وذلك بقبول قراري مجلس الأمن 242، و 338.
16- 14/12/1988م الولايات المتحدة الأمريكية تقرر إقامة حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية.
17- 19/5/1989م اعتقال الشيخ أحمد ياسين بتهمة تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
18- 8/10/1990م استشهاد أكثر من 30 مصلياً وجرح 150 آخرين آثر قيام جنود الاحتلال بإطلاق النار عليهم في ساحات المسجد الأقصى، وبعدها بثلاثة أسابيع افتتاح مؤتمر سلام الشرق الأوسط في مدريد بحضور أطراف الصراع، ورعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كراعيين للمؤتمر.
19- 17/12/1992م إبعاد 415 شخصاً من أعضاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان.
20- وقع الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية ما يسمى بإعلان المبادئ (اتفاقية أوسلو) في البيت الأبيض بواشنطن.
21- 25/2/1994م وقوع مجزرة (الحرم الإبراهيمي) في مدينة الخليل ضد المصلين أثناء سجودهم في صلاة الفجر يوم الجمعة من شهر رمضان على يد المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين.
22- 1/7/ 1994م دخل ياسر عرفات رئيس م.ت.ف إلى غزة وتسلم منصب رئيس سلطة الحكم الذاتي.
23- 26/10/1994م وقع الأردن والكيان الصهيوني معاهدة سلام بينهما في وادي عربة بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.
24- 24/9/1995م التوقيع على اتفاقية طابا (اتفاق المرحلة الانتقالية) بين ياسر عرفات ووزير خارجية الكيان الصهيوني شمعون بيريز في القاهرة، والذي يحدد تفاصيل تنفيذ الحكم الذاتي في معظم الأراضي المأهولة بالفلسطينيين في المدن الرئيسة بالضفة الغربية.
25- 6/1/1996م استشهاد المهندس يحيى عيّاش قائد قوات الإستشهاديين في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس بعد مطاردة استمرت أربع سنوات بتفجير الهاتف النقال الذي يستخدمه على يد جهاز الشاباك الصهيوني.
26- عقد مؤتمر شرم الشيخ في مصر – لمكافحة الإرهاب! - على خلفية العمليات الاستشهادية النوعية والمفاجئة التي نفذت في شهري فبراير ومارس من نفس العام، وتم فيه اتخاذ القرارات بتفويض من المجتمعين بمطاردة حركات المقاومة في فلسطين.
27- 1/10/1997م إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من المعتقل الصهيوني.
28- وفي سبتمبر 2000م انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية إثر زيارة الخنزير إرئيل شارون إلى المسجد الأقصى المبارك.. التي لا تزال مستمرة.
وهكذا استطاع اليهود, من شذاذ الآفاق. أن يؤسسوا (دويلتهم) على التوراة المحرفة, فجعلوها دولة عنصرية دينية تتبني ا لدين المنحرف بكل خرافاته وخزعبلاته ولا أدل على دينية الدولة مما يلي:
1. أسموا دولتهم بـ (إسرائيل) اسم يعقوب عليه السلام البرئ منهم براءة الذئب من دم يوسف عليهما السلام.
2. وجعلوا شعارها الرسمي (نجمة داود) السداسية, تتوسط علمهم. ينقشونها على صناعاتهم وأسلحتهم وطائراتهم بل وعلى هام جنودهم.
3. أبوا أن يجعلوا لدولتهم دستوراً مكتوباً, فدستورها الأعلى هو التوراة!
4. ولأن خارطة التوراة لإسرائيل ـ من النيل إلى الفرات ـ لم تكتمل فإنهم لا يرسمون لإسرائيل حدوداً رسمية حتى الآن.
وماذا عن الهيكل؟
يقول بن غوريون ـ وردّد ذلك من بعده مناحيم بيغن ـ : "لاقيمة لإسرائيل بدون القدس, ولا قيمة للقدس بدون الهيكل." والصهيونية على ـ الرغم من أنها مذهب سياسي ـ تتخذ من الهيكل والأرض المقدسة اسماً لها، وشعاراً مقدساً تكافح من أجله, وتعتبر نفسها الحركة التي تستهدف إعادة مجد إسرائيل, وبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى, ومن ثم السيطرة على العالم وحكمه من القدس على يد ملك اليهود الذي هو مسيحهم المنتظر.
جاء في شرح معنى الصهيونية في دائرة المعارف البريطانية: "إن اليهود يتطلعون إلى اقتداء إسرائيل، واجتماع الشعب في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء هيكل سليمان, وإقامة عرش داود في القدس, وعليه أمير من نسل داود".
حتى الماسونية ـ الجمعية السرية التي استطاع اليهود جذب المئات, من غير اليهود باسم الحرية والإخاء والمساواة, بواجهاتها المتعددة كالروتاري, والليونز ـ هدفها الأساسي الأسمى: إعادة بناء الهيكل. يعرِّف المستشرق الهولندي (دوزي) الماسونية فيقول: "جمهور كبير من مذاهب مختلفة، يعملون لغاية واحدة هي: إعادة الهيكل الذي هو رمز دولة إسرائيل"، وكلمة ماسونية مأخوذة من التعبير الإنجليزي (Free mason), ومعناه: البناؤن الأحرار. ومما يدل على أن الماسونية أداة صهيونية ما جاء في البروتوكولات اليهودية عنها: "نحن جيش مشتّت عن الوصول لأغراضه بالطرق المستقيمة, فالمراوغة فحسب هي الوسيلة الصحيحة, وهي الأصل في تنظيمنا للماسونية التي لا يفهمها أولئك الخنازير من الأمميين" .
ويقول إدريس راغب وهو أحد الماسونيين العرب: "إن الاعتقاد بوجوب إقامة الهيكل يقوّي أيماننا بالوعود المذكورة بالكتاب".
وقالت دائرة المعارف الماسونية الصادرة في فيلادلفيا سنة 1906م: "يجب أن يكون كلّ فعل ماسوني رمزاً لهيكل اليهود, وهو بالفعل كذلك, وأن يكون كل أستاذ على كرسيه ممثلاً لملك اليهود, وكلّ ماسوني تجسيداً للعامل اليهودي"، ومن الأدعية التي يقرأها جميع الحاضرين من الدرجة 33 في المحافل الماسونية: "سنعود إلى عهد سليمان بن داود, ونبني الهيكل الأقدس, ونقرأ فيه التلمود, وننفذ كل ما جاء في الوصايا والعهود, وفي سبيل مجد إسرائيل نبذل كل مجهود".
المنظمات والجماعات اليهودية المعنيّة بهدم الأقصى وبناء الهيكل:
هي أكثر من عشرين منظمة وجماعة من أهمها:
جماعة (جوش ايمونيوم), ومعناها (كتلة الإيمان) , وتطلق على نفسها ايضاً: (حركة التجديد الصهيوني)، وهي أداة طيِّعة في يد (أريل شارون) رئيس كتلة الليكود لتنفيذ سياساته في المناطق المحتلة.
منظمة (يشيفات اتريت كوهانين) أي: التاج الكهنوتي , وتعود جذورهم إلى الحاخام (إبراهام يتس حامدكول) الحاخام الفلسطيني الأول, وهذه المنظمة لديها خطط هندسية جاهزة لإنشاء الهيكل, وهي تعقد ندوات دورية عن الهيكل وسبل العمل لإعادة بنائه.
جماعة (أمناء الهيكل)، وتقوم هذه الجماعة بإقامة الصلوات اليهودية في الساحة المحيطة بحائط البراق.
حركة (كاخ) ومعناها (هكذا) بالبندقية: ومؤسسها هو الحاخام اليهودي الأمريكي (مائير كاهانا)، ومن جماعته (واين جودمان) الذي قام بالهجوم على الأقصى في 11/4/1982م، وتسبب هذا الهجوم في استشهاد وجرح عدد من المسلمين، وقد قام (كاهانا) بدفع أتعاب المحاماة عنه حتى أطلق سراحه .
حتى النصارى يشاركون في الجريمة:
يشاطر النصارى الإنجيليون اليهودَ عقيدة قدسية الهيكل, وضرورة إقامته مكان المسجد الأقصى؛ لأن كليهما يأخذ عقيدته من التوراة المحرفة التي أفاضت الحديث عن الهيكل, والأنشطة التي يقومون بها واسعة النطاق, فكتبهم تزيد على ثلث مجموع الكتب التي يشتريها الجمهور, ويملكون ويديرون 1300 محطة راديو, وتنظم الكنيسة رحلات دورية سياحية دينية للقدس لزيارة الأماكن اليهودية, والمسيحيين المقدسة, ومن أبرز شخصياتهم الممثلة للتحالف القوي بين الصليب ونجمة داود:
المطران (جيم دولوس): وهو عضو في منظمة الهيكل المقدس اليهودية.
والقس (جيمي سواغارت): وهو يرى أنه ينبغي أن يُبني الهيكل للتمهيد لمجيء المسيح.
ولعل من أخطر شخصيات (المسيحيين الأصوليين) رجلين:
الأول: (جيري فالويل)، وله منظمة يسمونها منظمة (الأغلبية الأخلاقية) أو (الأغلبية المعنوية)، لها برنامج إذاعي وتلفزيون يومي يستمر ساعة كاملة، ومما يقوله: "إن الوقوف ضد إسرائيل هو وقوف ضد الله"، ويقول في برنامجه (ساعة من إنجيل زمان) حينما غزا اليهود لبنان واحتلوا بيروت عام 1982م: "يذكر سفر التكوين من التوراة أن حدود (إسرائيل) ستمتد من الفرات إلى النيل وستكون الأرض الموعودة.. وهي العراق وسورية وتركيا والسعودية ومصر والسودان وجميع لبنان والأردن والكويت".
الرجل الثاني: (بات روبرتسُن): النجم التلفزيوني الديني, المعروف في أنحاء أمريكا كلها، يملك هو وجماعته الإنجيلية الأصولية المحطة المشهورة C.B.N. وهي تذيع باستمرار على مدار 24ساعة, وفي برامجه يؤكد دائماً على عداوة العرب ويسميهم أعداء الله, ويعتقد أنه لا مجال للعدل مع الفلسطينيين طالما أن رغبة الله هي تأسيس (إسرائيل) وفي تعيين حدودها, وكان (بات روبرتسن) ضمن الوفد الرسمي الذي رافق (الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش) في زيارته للسودان عام 1985م، التي وقّع على إثرها اتفاق أمريكي سوداني بترحيل يهود الفلاشا إلى (إسرائيل), وهو يدل على قوة العلاقة التي تربط هذا الرجل بالرئيس بوش.
وهناك نحو 250 منظمة تحمل أفكار الإنجيليين,بدأت حرباً مكشوفة ضد المسلمين في أمريكا, وكلها تؤمن بحرفية التوراة والإنجيل, وتدعم اليهود لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل فوق أنقاضه، تهيئةً لقدوم المسيح حسب تنبؤات الكتاب المقدس, ومن أشهر هذه المنظمات: السفارة المسيحية الدولية في القدس، أسسها الإنجيليون في سبتمبر 1985م وجعلوا مقرها في القدس, يقول رئيس هذه الطائفة: "إنّا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم, وإن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام الله, وإن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد .
إستراتيجية اليهود لهدم الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه:
لم تنقطع محاولات اليهود الجادة يوماً لتشييد هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى, واتبع اليهود للوصول إلى هذا الهدف البعيد خطين:
1/ هدم المسجد الأقصى أولاً: ومضى العمل لتحقيق هذا الغرض في اتجاهين:
الأول: محاولات اليهود عصابات وأفراداً حرق ونسف المسجد الأقصى, وهي كثيرة جداً منها: في 21 أغسطس 1969م أقدم (دينس مايكل) على إشعال النار في المسجد الأقصى, وأتت النيران على أثاث المسجد وجدرانه، والتهمت منبره الذي كان صنعه نور الدين محمود زنكي ونصبه صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير المسجد. ومن مساعيهم لنسف المسجد بالمتفجرات المحاولات التي اكتشفت في سنوات :1980م،1982، 1984م, وكثيراً ما اكتشف حراس المسجد الأقصى من المسلمين أعداداً من اليهود في الساحات المحيطة بالمسجد وهم يُعِدّون لعملية نسف تام للمسجد مستخدمين قنابل ومتفجرات مادة (TNT), كما تكرر ذلك في عام 1989م.
الاتجاه الثاني: مواصلة الحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك، والتي شرع فيها منذ حرب يونيو 1967م، حيث هدم اليهود (حي المغاربة) كلياً لتكون الأرض جاهزة لأي أعمال حفر وتنقيب, وتم إجلاء أعداد كبيرة من سكان القدس القديمة, وأقصت بيوتاً عربية كثيرة سكن (أريل شارون) في أرض واحدةٍ منها تأكيداً على تهويد القدس. والهدف النهائي لهذه الأنفاق والحفريات هو تفريغ الأتربة, والصخور من تحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة تمهيداً لانهياره بفعل تقلبات مناخية, أو اهتزازات طبيعية, وقد أدت حالياً إلى حدوث تشققات وانهيارات في أسوار المسجد الأقصى, لا سيما الحائط الجنوبي منه, وجرفت أكثر من مائة قبر من قبور الصحابة والتابعين التي كانت موجودة قرب الحائط الغربي من المسجد الأقصى، يصحب ذلك حركة بناء مكثفة لتغيير ملامح المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى.
2/ تشييد الهيكل الثالث: واتخذ اليهود, لتحقيق هذا الهدف البعيد عدداً من الأساليب:
1- محاولات اقتحام اليهود المسجد الأقصى لإقامة الصلاة اليهودية عنوة: في 30يناير 1976م أقرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حق اليهود في الصلاة بساحات الأقصى في أي وقت يشاءون من النهار، ففي 15 أغسطس 1967م دخل (شلومو تمورين) الحاخام الأكبر لإسرائيل ولجيشها مرتدياً الزي العسكري إلى ساحة المسجد الأقصى، يرافقه عشرون من ضباط الجيش، واصطفوا لتأدية الشعائر اليهودية، وأوعز للجيش الاستيلاء على مفتاح باب المغاربة؛ لتيسير الدخول إلى حائط المبكى كلما أرادوا، كما أقدم الحاخام اليهودي (مائير كاهانا) زعيم حركة (كاخ) في 7 أغسطس 1984م على محاولة لتدنيس المسجد الأقصى, وذلك برفع العلم الإسرائيلي وكان ذلك في ذكرى تحطيم المعبد القديم وهو يوافق 7 أغسطس من كل سنة وقام آلاف من اليهود وقتها بإقامة الشعائر اليهودية في المسجد الأقصى.
2- استجاشة العواطف الدينية عند اليهود والإنجيليين الأصوليين، بما تبثه وسائل الإعلام عن خبراء سلطة الآثار من اكتشافات حفرية تَمُتُّ بصلةٍ إلى الهيكل الأول أو الثاني, كالحديث عن (الشارع العتيق) المكتشف (صدفةً!!) في عام 1997م، ومن ذلك ما قام به الفيزيائي الأمريكي (لاجرت دولفين) مع اليهودي (ستانلي فولت) من محاولة التحليق فوق المسجد الأقصى وقبة الصخرة لتصويرها بأشعة إكس بواسطة جهاز الاستقطاب المغناطيسي الذي ابتكره دولفين لتصوير باطن الأرض, ليثبت للعالم أن المسجد الأقصى مُقَام في موضع الهيكل, وهذه عوامل نفسية تشكل آلية من آليات تعميق المعتقد اليهودي والصليبي الإنجيلي بضرورة إقامة الهيكل.
3- القيام بوضع حجر الأساس, للهيكل الثالث بالقرب من مدخل المسجد الأقصى وبلغت زِنة هذا الحجر (3.5) طن وقال (جرشون سلمون) زعيم جماعة (أمناء الهيكل) : "إن وضع حجر أساس الهيكل يمثل بداية حقبة تاريخية جديدة" وأضاف: "لقد انتهى الاحتلال الإسلامي، ونريد أن نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهودي"، كما توجد في المدينة المقدسة وحدها سبع مؤسسات تتولى مهمة الإعداد لبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى.
أي الفريقين أحق بالمسجد الأقصى؟
لقد أسس اليهود آمالهم العريضة على شفا جُرُفٍ هارٍ من مقدمات مغلوطة، ومماحكات مكشوفة, وتُرّهات مفضوحة, إنهم يزعمون ـ زوراً وبهتاناً ـ أن التوراة هي التي منحتهم هذا الحق!!!
ومن هم اليهود في نصوص التوراة حتى يكونوا الوصاة عليها؟
جاء في توراتهم: قال الرب: "ها أنذا جالب شراً على أورشليم, ويهوذا, وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم غنيمة ونهباً لجميع أعدائهم: لأنهم عملوا الشر في عيني" .
وتقول عنهم: "إن الله قال: اذهب قل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً, ولا تقهقهوا, وابصروا إبصاراً ولا تعرفوا غلظ قلب هذا الشعب, وثقل اذنيه واطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويفهم بقلبه" .
وتقول: "وصار مرشدو هذا الشعب مضلين, لأجل ذلك لا يفرح الرب بفتيانه، ولا يرحم يتاماه وأرامله؛ لأن كل واحد منهم منافق وفاعل شر" .
ثم من هم اليهود في حقائق التاريخ؟
إنهم المتطاولون على الله، الواصفون إياه سبحانه بالنقص والعيب والسوء، كما حكى القرآن عنهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) وقال أيضاً عنهم: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق) .
إنهم الجاحدون, الكاتمون ما أنزل الله على رسله: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء من موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً) .
إنهم قتلة الأنبياء: (حزقيال) و (إشعيا) و (أرميا) و (زكريا) و(يحي) (ويقتلون النبيين بغير الحق) ، (وقتلهم الأنبياء بغير حق) .
فأي الفريقين أحق بالمسجد الأقصى؟
(من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل) أمّن قال الله عنهم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) أمة السبق بالخيرات, الشهيدة على القرون الخاليات (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) .
ألم تر أن السيف ينــقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
إن الأحق بالأرض المقدسة, مُتعبَّد إبراهيم, ومحراب داود, ومسجد سليمان هم الصالحون العابدون, الموحدون المصلحون, بل هم الأحق بالأرض كلها كما قال سبحانه: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) .
إننا نستند في وعدنا وحقنا – نحن المسلمين – لسدانة المسجد الأقصى وبيت المقدس إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وحقائق التاريخ، إن الوعد الذي يزعمه اليهود الملعونون على لسان داود وعيسى بن مريم ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه منسوخ وباطل مفترى. لأن وعد التوراة بالتمكين لأولياء الله قد تحقق على يد الصالحين من بني إسرائيل, وبلغ أوْجَهُ زمن النبيين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام, وفضّلهم الله على العالمين من أهل زمانهم لما كان فيهم من الأخيار الأبرار, فلما بعث فيهم المسيح ابن مريم كفروا به وبدلوا نعمة الله كفراً, وأحلوا قومهم دار البوار, وإنما هم ينتظرون اليوم بدويلتهم الكافرة مسيحهم الأعور الدجال.
قال ابن القيم: "ومن تلاعبه – يعني الشيطان – بهم – يعني اليهود – أنهم ينتظرون قائماً من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم, وإن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به, وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال, فهم أكثر أتباعه وإلاّ فمسيح الهدى عيسى ابن مريم عليه السلام يقتلهم ولا يُبقي منهم أحداً.. " .
وإذا كان الله تعالى قد أعطى إبراهيم الخليل عليه السلام وعداً فهو وعد الله لهذه الأمة الموحدة التي بارك الله تعالى فيها بكثرة العدد, فيهم قبائل الأرض من الهنود والعرب والزنوج والفرس والأوربيين والأفغان والبربر.., فهو الشعب الذي دخل في جميع الشعوب, أما اليهود فإنهم في الأرض شرذمة قليلة , ولا يصفو منهم من هو من بني يعقوب إلا أقل القليل , فالواقع يشهد أن هذه الوعود ليست لبني إسرائيل وأنهم يكذبون ويفترون على الله حين يجعلونها فيهم وإنما هي في بني إسرائيل فالسعداء بوعد إبراهيم عليه السلام, إنما هم أتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم, كما قال تعالى : (إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) , أما اليهود أعداء الله ورسله فإنهم محرومون من هذا الوعد الإلهي لخليله إبراهيم بنص الكتاب. (قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) , واليهود من أظلم الظالمين كما قال سبحانه وتعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) , ووعد الله تعالى فيهم بالعذاب والذلة والمسكنة واضح جلي كما قال تعالى : (وإذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) وقوله: (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب منه وضربت عليهم المسكنة) ومهما بدا حبل أمريكا وأوروبا وروسيا لهم ممدوداً طويلاً فانه لا يلبث أن ينقطع ليرجعوا إلى ما كتبه الله عليهم من تسليط أمم الأرض عليهم وماربك بظلام للعبيد.
فإن ابتغوا الرحمة من هوان الدنيا وعذاب الآخرة, فسبيل ذلك الإذعان للإسلام (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً) .
الطريق إلى خلاص المسجد الأقصى
1. كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يتطلعون إلى خلاص المسجد الأقصى وفلسطين من أيدي أعداء الله اليهود الغاصبين، ولكن هذه الأمنية تحتاج لتحقيقها واقعاً إلى تغيير في نفوسنا، يخلصنا أولاً من العبودية لغير الله في أي صورة من صور الشرك وعبادة غير الله. فلا بدّ من تغيير عميق للجذور, نبني به رجل العقيدة المسلم, الذي يحقق العبودية لله تعالى في نفسه ويعبِّد الآخرين لخالقهم, وبهذا الأساس الصلب سينفذ جيل النصر القادم لا محالة إلى اليهود القابعين في بيت المقدس, وبذلك الوصف سينادي الحجر والشجر جند الله المؤمنين الذين سينازلون اليهود: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي وارئي تعال فاقتله)، وسبيل ذلك التربية المتوازنة على العقيدة الصافية التي لا تكدرها شائبة, من خرافة ومحدثة وشبهة، العقدية التي يريدها القرآن الكريم، وتريدها السنة الصحيحة أن نعتقدها بشمولها عبادة ونكساً، وولاءً وبراءً، شريعة وحكماً، دون تجزئة , أونسيان حظ مما ذكرنا به، كما قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) .
2. السعي الدؤوب لوحدة المسلمين على كلمة سواء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتصام بهما (واعتصموا بحل الله جميعاً ولا تفرقوا) ، وأثبت الواقع أنه لم ولن تكون القومية العربية إطاراً يحقق الوحدة لأنها بناء قائم على جرفٍ هارٍ ودعوة مالها من الله من برهان ولا نصير، في حين اثبت الإسلام صلاحيته لتوحيد شعوب مترامية المسكن, مختلفة الأجناس, صهرهم في بوتقة واحدة, وصقلهم وهذب أخلاقهم وطباعهم، وأبدع بهم حضارة حكمت الشرق والغرب، وحقق لها شعور الانتماء الواحد , أكثر من الذي يشعر به أبناء البلد الواحد, واعتبر الإسلام هذه الرابطة أقوى وشيجة بقوله تعالى : (إنما المؤمنون إخوة) وقوله تعالى : (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) , وبمثل قوله عليه الصلاة والسلام: (أن آل أبى فلان ليسوا بأوليائي أن وليّ الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) .
إن رابطة البنوّة فَصَمَتْ بين نوح عليه السلام وابنه عندما انعدمت رابطة الإيمان (إنه ليس من أهلك أنه عملٌ غيُر صالح) , كذلك رابطة الأبوة بين إبراهيم عليه السلام وأبيه فصمت لما انعدمت رابطة العقيدة (فلما تبين له أنه عدوٌ لله تبرأ منه أن إبراهيم لأواه حليم) . كذلك لم ينفع أبا لهب وهو العربي القرشي رابطةُ النسب والقوم، وكان من الهالكين لكفره, لكنّ بلالاً الحبشي, وصهيباً الرومي, وسلمان الفارسي كانوا من خير أبناء هذه الأمة, وهكذا ضمّت دائرة الإسلام العرب والفرس والأكراد والترك والبربر والهنود والصين والأفارقة وغيرهم, وجعلت منهم أمة واحدة من دون الناس كما قال عليه الصلاة والسلام, فكان لهم التاريخ الواحد, والمآثر الواحدة, والأفراح والأعياد الواحدة, ولغة الدين الواحدة، وسل التاريخ ينبئك!! فها هم أولئك المماليك الذين حموْا هذه البقعة من بلاد الشام وبيت المقدس لم يكونوا من جنس العرب، وإنما كانوا من جنس التتار، ولكنهم قاتلوا حميّة للإسلام، وحمى صلاح الدين هذه البلاد من اندثار العروبة والعرب واللغة العربية، وهو كردي لا عربي, ولكن حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلامها من غارة الصليبيين, وكان الإسلام في ضميره هو الذي كافح الصليبيين كما كان الإسلام في ضمير بيبرس والمظفر قطز.
لقد آن الأوان لننبذ كل تلك الطروح القومية والوطنية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية وسواها من رايات الفشل والشقاق , ونتخذ راية الإسلام شعاراً لتوحيد الجهد والجهاد في سبيل الله (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) .
3. ما أشبه الليلة بالبارحة! فكما رزء المسلمون في القرن الخامس الهجري قبل فتح بيت المقدس بالحركات الباطنية كالعبيديين, والحشاشين, والنصيريين والدروز, فإننا اليوم مبتلون بهذه الحركات وغيرها مما لم يكن في الماضي كالقاديانية والبهائية, وإذا كان الإمامان نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي قد وفقا لإدراك خطر الدولة العبيدية على وحدة المسلمين ولم شعثهم، فإننا اليوم ينبغي أن نتصدى لهؤلاء بكل الوسائل الممكنة, ويجب أن نحذر من اعتبارهم في أي وحدة لانهم كالسوس ينخر من الداخل.
4. إن السبيل الأوحد في إدارة الصراع مع اليهود, لإخراجهم من بيت المقدس وفلسطين هو قتالهم في سبيل الله، وإن من أعظم صور الجهاد، وأروع ضروب الاستشهاد، ما يقوم به شباب الجهاد في فلسطين من عمليات فدائية، أفزعت اخوان القردة والخنازير، وأقضّت مضاجعهم، حتى أبلغت قلوبهم حناجرهم. ولما كانت هذه العميات الجهادية تستوجب وجود عنصر بشري لإحداث التفجير، بسبب إحكم العدو للتدابير الأمنية، سواءً بتدريع جسم المجاهد بالمتفجرات، أو باقتحام الثكنات بعربة ملغّمة، أو بالسقوط عليها بطائرة مفخخة. فإن جماهير العلماء في عصرنا الحاضر قد نصوا على جواز ومشروعية هذه العمليات الفدائية، لعموم نصوص الكتاب والسنة المحرّضة على قتال الكافرين، بُغية الإثخان في أعداء الله، والانتصار للدين، ومن ذلك قول الله تعالى : (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) ، وقوله تعالى : (يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتلون) وقرأ حمزة والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل (فيُقتلون ويَقتُلون)، وقوله سبحانه: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) ، وقوله عز وجل: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) ، ومن الأحاديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يُحبهم الله –ذكر منهم- الرجلُ يلقى العدو في فئةٍ فينصُبُ لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيْعَةً أو فزعة طار عليه يبتغي القتلَ والموتَ مظانَّهُ) ، ولحديث الغلام في قصة أصحاب الأخدود، وذلك أنَّه علَّم ملك نجران كيف يقتله، وأنه لا سبيل لهم إلى قتله إلا بالطريقة التي دلهم عليها، فكان متسبباً في قتل نفسه، من أجل دخول دخول أهل تلك البلاد في دين الله، وكان ما أراد، حيث قالوا جميعاً: آمنا بالله رب الغلام. ومن المعلوم بداهة أن قتل الأعداء من أعظم المخاطرة، لما في ذلك من تعريض النفس للتلف..
الجود بالمـال جود فيه مكرمـة والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وإذا كان أكثر أهل العلم قديماً قد ذهبوا إلى مشروعية الاقتحام على العدو، والانغماس في صفوفه، مع تحقُّق الهلاك، وضعف العدة، وقلة العدد، بقصد النكاية بالعدو، وكسر عنفوانه، وفلِّ شوكته، وتوهين قناته، فإن الصورة العصرية أيضاً مشروعة لذات المقصد والغاية. قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني ـ تلميذ الإمام أبي حنيفة ـ رحمهما الله: "لو حمل رجل واحد على ألف من المشركين وهو وحده فلا بأس بذلك، إذا كان يطمع في النجاة، أو نكاية في العدو. وإن كان قصده إرهاب العدو، وليعلم صلابة المسلمين في الدين، فلا يبعد جوازه. وإن كان فيه نفع للمسلمين فتَلِفتْ نفسه لإعزاز الدين، وتوهين الكفر، فهو المقام الشريف الذي مدح الله تعالى به المؤمنين بقوله تعالى : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)" .
وصحح أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم؛ لأربعة وجوهٍ: طلب الشهادة، ووجود النكاية، وتجرئة المسلمين عليهم، وضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع. ومن شواهد ذلك في السيرة: حمل سلمة بن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة وحدهم رضي الله عنهم على عيينة بن حصن ومن معه، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (خير رَجّالتنا سلمة) . قال ابن النحاس: "وفي الحديث الصحيح الثابت أول دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده، وإن غلب علىظنه أنه يُقتل إذا كان مخلصاً في طب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي" ، ومن المشهور أيضاً فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة، فإنه احتُمِل في ترس على الرماح، وألقوه على العدو فقاتل حتى فتح الباب، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، ومن ذلك أيضاً قصة أنس بن النضر رضي الله عنه في وقعة أحد، فقد قال: "واهاً لريح الجنة"، ثم انغمس في المشركين حتى قُتل .
ولا ريب أن البون شاسع بين من قتل نفسه جزعاً من الحياة و تخلصاً من آلامها كما في قصة قُزمان الذي نحر نفسه فاستعجل الموت ، أو ما يقع من حوادث انتحارية جراء المعيشة الضنك، وبين صورة ذلك الشاب المجاهد، الذي يقتل نفسه ليحيي أنفس الأجيال المسلمة من بعد ذلك (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فحاشا لمثل هذه الصورة الفدائية المشرقة أن تكون مجرد حماسة فائرة، أو عزمة مفردة، أو تغريراً بأنفس متهورة في باطل فضلاً عن أن تكون انتحاراً أو قتلاً للنفس بغير حق. قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: "إن التغرير في النفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين" ، ونقل النووي الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد .
وما دامت الجيوش الباسلة في بلاد المسلمين (مدجَّنةً) لا تحرك ساكناً إزاء غطرسة اليهود ومجازرهم، وحالها أنها (ملجّمة) من قِبل المخذِّلين والمنافقين، فلا سبيل إلى زعزعة هذا الكيان الجرثومي إلا بهاتيك العمليات الجهادية الفدائية، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
أما مفاوضات الاستسلام, فإنها تزيد اليهود غطرسة وعدواناً, ولا تورثنا إلاّ ذلاً وهواناً, لأن مشكلة فلسطين والمسجد الأقصى, قضية إسلامية بحتة, وماهي بمشكلة العرب وحدهم.. أو الفلسطينيين وحدهم.. فليس من حق كائن من كان أن يساوم عليها*, فهي من شمالها إلى جنوبها بقدسها الشريف أرض إسلامية تنتظر المخلص الإسلامي المجاهد, وهذا واجب كل مسلم وهو في حق مسلمي فلسطين ومن جاورهم أوجب, وإن أخشى ما يخشى اليهود اليوم أن تستيقظ روح الإسلام في النفوس , وتنتشر روح الجهاد وحب الاستشهاد، كما صرخ طائرهم بن غوريون قائلاً: "نحن لا نخشى الاشتراكيات, ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة نحن نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً, وبدأ يتململ من جديد".
5. يجب أن ننزع من قلوبنا حب الدنيا والتهالك عليها, ونتعلق بالآخرة التي نعيمها هو النعيم السرمدي الباقي (ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزينّ الذي صبروا أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون) , وها هو ذا صلاح الدين في الماضي قد شمر عن ساعد الجد وترك اللهو, وتقمص بلباس الدين, وحفظ ناموس الشرع, فحمل هموم الإسلام والمسلمين, ولم يهدأله بال, ولم يذق طعم الراحة حتى لقي ربه, يصف صاحب كتاب (الروضتين في أخبار الدولتين) صلاح الدين وهو ينقل الحجارة بنفسه لعمارة سور القدس فيقول: (ولو رأيته وهو يحمل حجراً في حجره, لعلمت أن له قلباً قد حمل جبلاً في فكره)
سيُدرك النصر إن يأذن به صمـد بعد امتحان بخير المال والولــد
ودولة الظلم لن تبقي إلى أمــد وهل تدوم ومادامت الي أحــد
ستشرق الشمس لا تجـزع لغيبتها ويبزغ الفجر فوق السهل والنجد
وترجع القدس تزهو في مآذنــها وعد الإله الكريم المنعـم الصمد
(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).
فتوى علماء الأزهر في الصلح مع اليهود سنة 1956م
بعد قيام دولة اليهود في فلسطين سنة 1948م بيّن علماء المسلمين حكم الصلح مع دولة اليهود, ففي الفتوى الصادرة عن لجنة الفتوى – فتوى الأزهر – سنة 1956م إجابة على حكم الصلح والسلام مع دولة اليهود في فلسطين أعلنت اللجنة:
(إن الصلح مع (إسرائيل) لايجوز شرعاً لما فيه من إقرار للغاصب على الاستمرار في غصب ما اغتصبه وتمكينه والاعتراف بحقيّة يده على المعتدي من البقاء على عدوانه, فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم بل يجب على المسمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لردّ هذه البلاد إلى أهلها..
ومن قصر في ذلك أو فرّط فيه أو خذل المسلمين عن الجهاد, أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة , وتشتيت الشمل, والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ مخططهم ضد العرب والإسلام وضد فلسطين فهو في حكم الإسلام – مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام).
فتوى علماء ودعاة السودان ببطلان الصلح مع اليهود ووجوب الجهاد لتحرير الأقصى
الحمد لله منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، سريع الحساب، القائل: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) [التوبة: 14]، وصلى الله على خيرته من خلقه، وصفيه من عباده، محمد نبي المرحمة، ونبي الملحمة، القائل: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) [رواه أحمد].
وبعد، فإن المجازر التي يرتكبها أحفاد القردة والخنازير في بيت المقدس والضفة وقطاع غزة، وغيرها من مدن فلسطين ولبنان، والتي راح ضحيتها آلاف القتلى من الرجال والنساء والولدان، إن هذه المذابح لم تكن الأولى في تاريخ اليهود الأسود، ولن تكون الأخيرة (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة: 217]؛ لأنّ عداوة اليهود وحربهم للإسلام أمر لا يحتاج إلى دليل، إلا إذا كانت الشمس تحتاج في إثباتها إلى دليل، وحسبنا ما أخبر به القرآن عنهم مؤكداً: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) [المائدة: 82].
أليس اليهود هم الذين ألبوا الأحزاب على الدولة المسلمة الأولى في المدينة، لما غلبهم الإسلام بعز عزيز؟ فاستمرّوا يكيدون له بنفث المفتريات؟ وبالبث بين صفوف المسلمين؟ وإثارة الفتنة بينهم؟ (يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) [النساء: 51]. أليسوا هم الذين حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالرحى مرة، وبالسم ثانية، وبالسحر تارة أخرى؟ أليس اليهود هم قتلة الأنبياء، ومشعلو الفتن، وموقدو الحروب، ومصاصو الدماء؟ إن منهم (كعب بن الأشرف)، و(أبا عفك)، و(سلام بن أبي الحُقيق) الذين ابتغوا الفتنة من قبل، وقلّبوا الأمور في أشرف قرون الدنيا، ثم الأفعى (عبد الله بن سبأ) رأس الفتنة في مقتل عثمان رضي الله عنه، وبمثل ذا مضوا على مرِّ الدهور وكرِّ العصور (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) [المائدة: 64]، حتى توالت نكبات القرن الحالي على أيدي شياطينهم المعاصرين، ومنهم (مدحت باشا) و (مصطفى كمال أتاتورك)، اللذان استخدما المخططات الماسونية في دولة بني عثمان حتى سقطت الخلافة، ثم موجة الإلحاد وإبليسها اليهودي (كارل ماركس)، والنزعة الحيوانية ومؤسسها اليهودي (فرويد)، ونظريات هدم الأسرة وتفكيك الروابط الاجتماعية على يد اليهودي (دوركايم)، ونزعة أدب الانحلال على يد اليهودي (جان بول سارتر)، وحركة الاستشراق لضرب الإسلام على يد اليهودي (جولد تسيهر)، وحركات التنصير في ديار المسلمين على يد اليهودي (صمويل زويمر)، وهلم جراً، كلما هلكت أمة منهم اقتفت أثرها أخرى، (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) [الذاريات: 53].
ولم تكد الدنيا تستيقظ من الفاجعة الأولى (هدم الخلافة)، حتى مُنيَ المسلمون بخنجر مسموم غُرز في قلب بلاد المسلمين، وهي الفاجعة الأخرى (إنشاء دولة يهود، إسرائيل)، وهاهي تلكم الحرب الكئيبة والتي تشنّها هذه الجِبِلّة النكدة الشريرة لم تضع أوزارها بعد، وتكشف كل يوم عن وجهها الكئيب، وتاريخهم الحديث مليء بالمذابح التي دبرها ونفذها زعماء العصابات اليهودية لإبادة أكبر عدد من الفلسطينيين، وإرهاب كل من يبقى حياً كي يفر طلباً للنجاة تاركاً وراءه أرضه وبيته، وقبل ذلك كرامته، ولئن نسينا فلن ننسى (مذبحة دير ياسين) عام 1948م، و(خان يونس)عام 1956م، و(مذبحة كفر قاسم)عام 1959م، و(تل الزعتر)، و(صبرا وشاتيلا)؛ تلك المذبحة التي تدمي القلب وتدمع العين، والتي ارتكبتها القوات الإسرائيلية وقوات الكتائب المارونية ضد اللاجئين الفلسطينيين العزّل، والتي قدِّر عدد الضحايا فيها بما يزيد على أربعة آلاف، وهو رقم الجثث التي عثر عليها فقط!
هنالك ـ وبعد مضي خمسين عاماً على قيام دولة يهود ـ فشلت العنتريات العربية في استرداد الحقوق، ووقفت سدّاً منيعاً أمام الزحوف المجاهدة المنطلقة لتحرير فلسطين المغتصبة، بدعوى أن ذلك واجب الحكومات العربية التي انهزمت شرّ هزيمة. لقد فشلت الأنظمة العربية، بكل أثوابها العلمانية المتعددة، من اشتراكية وقومية وتقدمية وبعثية!
أيها المسلمون.. إن الذي هُزم وتراجع أمام اليهود ليس هو الإسلام بل العلمانية، والذي ألقى السلاح وطلب الاستسلام، ليس هو الإسلام بل العلمانية، بدءاً بقبول (مشروع روجرز)، إلى كارثة (كامب ديفيد)، إلى الغرق في الوحل بمهزلة (الحكم الذاتي) في غزة وأريحا، ثم معاهدة الاستسلام بين الأردن ودولة يهود.. وهكذا هرول حكام العرب والمسلمين في السنوات الأخيرة نحو الاعتراف بدولة يهود، فمنهم من عقد الصلح، ومنهم من فتح لها المكاتب، وتبادل السفراء، ومنهم من يقوم بالتجارة معها، ومنهم من يستقبل ممثليها علناً، ومنهم من يستقبلهم سراً، وكلهم يعلنون بأن السلام مع دولة يهود هدف استراتيجي، وقد ضجوا من قبل بشعارات: (لا صلح، ولا اعتراف، ولا مفاوضات) مع دولة يهود، وتباهوا بما تنص عليه دساتير وقوانين البلاد العربية، من جعل الاجتماع أو الاتصال بالعدو الإسرائيلي خيانة وجريمة، واليوم يهرولون نحو ما كان بالأمس عاراً وشناراً.
أيها المسلمون.. إن اليهود الذين تأذّن الله ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، ازدادوا غطرسةً وعناداً، وامتلأوا علواً وفساداً، إنهم يهجّرون المسلمين من أهل فلسطين لاستقدام مزيد من يهود العالمين، إنهم ينسفون المنازل بالطائرات، ويصادرون الأرض بالدبابات، ويعتقلون الناس، ويعذبونهم، ويكسّرون عظامهم، ويقتّلونهم، إنهم يرتكبون المجازر بالليل والنهار، والصباح والمساء، على مرأىً من العالم ومسمع.
إننا ـ أيها المسلمون! بين يدي هذا السيل المتلاطم من المآسي والقروح، والأمة مأزومة مكلومة جرحى، جراحها تنكأ جراحاً، كلما أراد أن يندمل جرح انفغر آخر، وتقيّحت جروح أخرى ـ نذكّر المسلمين عامة، ومن بفلسطين ولبنان وسوريا ومصر والأردن خاصة، بالحقائق الشرعية الآتية:
أولاً: المسارعة إلى الله عز وجل بالتوبة الصادقة، بمراجعة دينه، ونصرة منهجه عقيدة وشريعة، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة، فاليهود المجبولون على الجبن والحرص على الحياة، أربعة ملايين يهودي، ونحن مائة وثلاثون مليوناً من العرب، ومليار ومائتا مليون من المسلمين خامدون خمود القبور، لا نملك من أمرنا نقيراً ولا قطميراً، ودولة يهود أكثر نفيراً، وأسمع قيلاً، وأشد تقتيلاً. نعم...إن الله يعذبنا بتسليط أبشع وأحطّ المخلوقات، علينا وعلى مقدساتنا وأعراضنا، لأننا تركنا منهجه ودينه، وارتمينا في أحضان المناهج الغربية والشرقية، التي صاغها اليهود أنفسهم، وكل هذا الذي نرى إنما هو عقاب للمسلمين؛ إذ تنكبوا طريق الحق إلى طريق الغواية والغرب، فهل وعينا ـ بعد نصف قرن من (تيه العرب) بين الاشتراكية واللبرالية والقومية ـ نداءَ الناصحين (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) [المائدة: 23].
ثانياً: إن صراعنا مع اليهود والنصارى في القدس وفلسطين إنما هو صراع بين وعدين، بين الوعد الحق والوعد المفترى..صراع بين عقيدة التوحيد التي جاء بها نبي الله إبراهيم عليه السلام، وجدّدها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وسيجدّدها آخر الزمان عيسى عليه السلام، وبين عقيدة الشرك والخرافة والدجل، التي أسسها الأحبار والرهبان، مستندين في ذلك على أوهام وهرطقات، وعليه فإن صراعنا مع اليهود على أرض فلسطين الجريحة، وأرض القدس الذبيحة، إنما هو صراع وجود، لا صراع حدود، وحسمه لن يكون بتسوية سلمية أو سياسية، وإنما حسمه سيكون عن قتالٍ دامٍ تتحمل الأجيال القادمة مسؤولية إنجازه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر ـ ووراءه اليهودي ـ: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) [رواه ابن ماجه]،ولن يكون قتالهم جهاداً في سبيل الله دون مراجعة دين الإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله عليهم ذلاً لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم) [رواه أحمد].
ثالثاً: إن الحكم الشرعي المتفق عليه لدى المسلمين في الأعداء المحاربين الذين يغتصبون أرض المسلمين، ويقاتلونهم لأجل دينهم، ويخرجونهم من ديارهم، هو وجوب قتالهم وجهادهم، لأن دفع الصائل، والثأر للأعراض والحرمات التي انتهكها العدو فرض عين على كل من قَدِر في المحل، ويتوسع هذا الفرض عند عدم قيام أو تقصير أهل ذلك المحل، هذا هو الحكم في أي أرض اجتاحها عدو، ناهيك عن أرض بيت المقدس التي كانت في غالب عمر الدنيا قبل الإسلام أرضاً للتوحيد والإيمان، ثم كانت بعد البعثة النبوية معقلاً للقوة، ومعقداً للعزة تحت راية الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتُمِل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعُمِد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان ـ حين تقع الفتن ـ بالشام) [رواه أحمد بسند صحيح]، وهذه البقعة بين دمشق وبيت المقدس كما في الحديث الآخر: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة) [رواه أبو يعلى]. تلك هي الأرض، وأما الغزاة فإنهم اليهود شرُّ الدوابِّ قتلة الأنبياء، شيمتهم الغدر، وسجيّتهم الخيانة.
رابعاً: إن حكام العرب والمسلمين الذين عقدوا صلحاً مع دولة يهود لا يمثلون شعوبهم، وإن ما أبرموه من صلح واتفاقات باطل لا قيمة له شرعاً، لما يلي:
[1] لأن هؤلاء الحكام يحملون الولاء للدول الكبرى قبل الولاء لدينهم أو حتى لشعوبهم، إذ أن الغرب وأمريكا هي التي أوصلتهم إلى كراسي الحكم، وهي التي تحافظ على بقائهم في السلطة، لذلك فإنهم يسوسون شعوبهم بالعلمانية، وينبذون أحكام الإسلام وراءهم ظهرياً، وقد انسلخوا من كل خلق كان يزيّن العرب الجاهليين، حتى من نخوة الخنساء التي قالت:
ولن أسالم قوماً كنت حربهمُ حتى تعودَ بياضاً حلكة القار
[2] الصلح الجائز شرعاً لا يكون مع هذا النوع من المحاربين، لأن جنوحه للسلم شرطه الجلاء عن كل أراضي المسلمين، وبغير هذا الشرط يعد الصلح تفريطاً بأرض إسلامية مقدسة، وإقراراً للعدو اليهودي الغاصب باحتلاله أراضي إسلامية، لذا فلا وجه للاستشهاد بآية الأنفال: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) [ الأنفال : 61 ] على هذا الصلح، وإنما الآية التي تناسب هذه الحال هي قوله تعالى : (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) [محمد: 35].
[3] إن هذا الصلح الذي عقده حكام العرب والمسلمين اليوم مشروط بإلغاء المقاطعة، وبضرورة التطبيع مع دولة يهود، في الأصعدة السياسية والإعلامية والسياحية، وأخطر من ذلك التطبيع الثقافي، الذي يعني إزالة كل ما في الكتب والصحف والمناهج من كون اليهود أعداء لأمتنا، وكسر الحاجز النفسي لنسف عقيدة (الولاء والبراء)، والتهويد القسري لأجيال المسلمين.
[4] هذا بالإضافة إلى المكاسب الكبيرة، التي جنتها دولة يهود من انتعاش الاقتصاد اليهودي، وتفريط الأمة في بناء قوتها ابتهاجاً بهذا السلام الموهوم، بينما العدو مسلح نووياً واقتصادياً وإعلامياً.
خامساً: إن قضية فلسطين قضية إسلامية، لا تخصُّ الفلسطينيين وحدهم، ولا العرب وحدهم، ولا المسلمين في هذا الزمان وحدهم، بل هي قضية المسلمين عامة عربهم وعجمهم إلى قيام الساعة، وكل محاولة لتأطيرها باسم العروبة يعد خدمة لاستراتيجية اليهود، كمل نشرت صحيفة (يديعوت أحرنوت) اليهودية في 11/3/1987م مقالاً جاء فيه: "إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة مهمة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي أننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن تلك المعركة..".
أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.. هبوا لنجدة إخوانكم المستضعفين في فلسطين، خلِّصوا أنفسكم من تضليلات حكامكم وتضليلات الدول الغربية، التي توهمكم بأنكم ضعفاء، وبأن اليهود أقوياء، وما عليكم إلا الخضوع لدولتهم، فلا قِبَل لكم بها، ما دامت دول الغرب والشرق تدعمها، لا تنخدعوا بهذه الأكاذيب (لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) [آل عمران: 111]، انفضوا أيديكم من الحكام العملاء، ولا يغرنكم منهم الضجيج، فالأمة لم تذق في حكمهم إلا القمع والفقر والإذلال والهزائم، قولوا لحكام العرب والمسلمين: أخرجوا من سجونكم المجاهدين المتلهفين لقتال يهود، الذين تفرَق منهم إسرائيل، وترتجف منهم أمريكا.
أيها الحكام.. كفاكم إذلالاً لشعوبكم المسلمة، لقد عجزتم بعروشكم ودباباتكم وطائراتكم عن قتال اليهود، فما عليكم لو فتحتم حدودكم الموصدة أمام شعوبكم، ليسيلوا كالسيل العرم نحو العدو الغاصب، فيشرّدوا بهم من خلفهم لعلهم يذّكّرون.
أيها الحكام.. لِمَ تصدون عن سبيل الله من أراد قتال يهود، تبغونها عوجاً، أ تبتغون العزة عند أمريكا واليهود؟ فإن العزة لله جميعاً.
أيها المجاهدون في أرض فلسطين ولبنان.. سعِّروا الحرب على يهود، (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) [النساء: 104]، فأنتم أفضل الناس سبيلاً، وأصدقهم قيلاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الناس مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله) [رواه الترمذي]، وإن ما حلَّ بساحتكم من قتل وتنكيل، ونصب وهمٍّ وحزن، لا يذهبه إلا ملاحقة اليهود في جحورهم، كما قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهمّ والغمّ) [رواه أحمد والحاكم]. (ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين) [الأنفال: 18].
الموقعون على الفتوى:
الشيخ/ محمد الفاضل التقلاوي الأستاذ/ الصادق عبد الله عبد الماجد بروفيسور/ أحمد علي الأزرق الأستاذ/ كمال عثمان رزق
الدكتور/ الحبر يوسف نور الدائم الشيخ/ سليمان أبو نارو البروفيسور/ عباس محجوب الشيخ/ محمد عبد الكريم
الشيخ/ محمد الأمين إسماعيل الدكتور/ القرشي عبد الرحيم الدكتور/ عبد الحي يوسف الدكتور/ خضر عبد الرحيم
الدكتور/ إسماعيل حنفي الدكتور/ العبيد معاذ الدكتور/ محمد الحسن عبد الرحمن الدكتور/ صالح التوم
الشيخ/ مدثر أحمد إسماعيل الشيخ/ ياسر عثمان جاد الله الشيخ/ مساعد بشير علي الدكتور/ علاء الدين الأمين الزاكي
الشيخ/ عطية محمد سعيد الشيخ/ عماد بكري أبو حراز الدكتور/ بسطامي محمد سعيد الأستاذ/ جمال الطاهر الحسن
الشيخ/ الأمين الحاج محمد أحمد الشيخ/ العبيد عبد الوهاب حسن الشيخ/ عبد الرحيم أبو الغيث الدكتور/ عبد الله عبد الحي
الشيخ/ علي أبا صالح الشيخ/ دفع الله محمد حسن الشيخ/ إبراهيم عبد الله الأزرق الشيخ/ محمد هاشم الحكيم
الشيخ/ عمر عبد الله عبد الرحمن الشيخ/ بكري مكيال الشيخ/ عمر النقر الشيخ/ محمد سيد محمد حاج
8 من الزوار الآن
916820 مشتركو المجلة شكرا