الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > تجارب وثورات > الثورة الروسية 1905-1907
المقـــدمــة
لم تكن الثورة الروسية (1905-1907) نتاج فرد أو فئة واحدة والا كانت تصادماً مع الأغلبية, وقيمة الثورة الحقيقية بمدى شعبيتها وبمدى ما تعبر عن الجماهير الواسعة وما تعبئه من قوى لاعادة صنع المستقبل وفرض ارادتها. وقد قدم الفكر الماركسي نظرية كاملة لهذه الثورة, الا ان هذه النظرية تؤدي دورها داخل نطاق الفلسفة الماركسية التي تعد الثورة امراً حتمياً للانتقال من نظام اجتماعي إلى نظام اجتماعي آخر وتطبيق ديكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العاملة) التي تنقل المجتمع من النظام الرأسمالي إلى المجتمع الاشتراكي وفلسفة الفكر الماركسي تتبلور " إن فكرة ماركس حول الثورة الدائمة تعني ...السير بالثورة على مراحل تسقط الطبقات الحاكمة الواحدة تلو الأخرى إلى أن تضع الطبقة العاملة يدها على السلطة السياسية وعلى هذا الأساس فإن ماركس لم يضع أمام الثورة التي تقودها الطبقات الكادحة مهمة إقامة ديكتاتورية البروليتاريا مباشرة بل شدّد على ضرورة البدء بالمهام الديمقراطية وتوسيعها أقصى ما يمكن لكي يصل في النهاية إلى تركيز ديكتاتورية البروليتاريا ... وأعاد لينين الإعتبار لفكرة ماركس عشية الثورة الروسية الأولى عام 1905 في مؤلفه خطتا الإشتراكيةـــ الديمقراطية الذي شرح فيه الترابط بين مرحلتي الثورة الديمقراطية البرجوازية والإشتراكية «كحلقتي سلسلة واحدة وكلوحة عامة لمدى الثورةالروسية».
ان روح العمل الثوري لا يتم بالحماسة فقط , بل يحتاج إلى جهد متواصل وصبر ونمو الوعي المعرفي, والايمان الذي يكون بمثابة الوقود ويحافظ على الاستمرار. ولكل شعب ثورتان ثورة سياسية يسترد بها حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه او من جيش قد اقام في ارضه دون رضاه. وثورة اجتماعية تتصارع فيها طبقاته, ثم يستقر الامر فيها على ما يحقق العدالة لأبناء الوطن الواحد. وهناك صلة وثيقة بين الثورة بمعناها السياسي والثورة بمعناها الاجتماعي فلا يمكن لاي فرد ان يحدث اي تغيير جذري في المجتمع الا اذا سيطر على السلطة ومسك مقاليد الامور بيده. لذلك فان الثورة السياسية تسبق الثورة الاجتماعية, وتعد الثورة الروسية (1905-1907) اول ثورة برجوازية ديمقراطية تميزت بمشاركة جماهيرية واسعة شملت كل شرائح المجتمع الروسي من فلاحين وعمال وجنود وطلبة ومثقفون إلى جانب الطبقة البرجوازية بهدف اقامة نظام اجتماعي جديد يحقق لها الحرية والمساواة, علاوة على ذلك ان تحقيق النجاح السياسي في هذه الثورة تمثل نقطة بداية لاكتساب الخبرة السياسية في العمل الثوري اللاحق وصولا الى الاشتراكية.
ومن اجل الوقوف على المرتكزات الرئيسة للثورة الروسية (1905-1907) لا بد من معرفة أهدافها وهل نجحت في تحقيقها , وما هي التطورات السياسية, والأسباب التي أدت إلى اندلاعها والأساليب التي اتخذها الثوار الروس في تنفيذ خططهم السياسية, والمبادىء التي تمسكوا بها وسعوا إلى تحقيقها, وما هي السياسة التي اتبعتها الحكومة الروسية تجاههم, وما تمخض عنها من نتائج ليس على صعيد روسيا فحسب, وانما على صعيد الدول العالمية.
شهدت روسيا عدد من القياصرة الروس في القرن التاسع عشر الذين كانوا على جانب متطرف من الاستبداد, تنقصهم قوة الشخصية السياسية المستندة إلى تأييد شعبي وعسكري قوي والقدرة على ادخال اصلاحات جذرية في أنظمة الحكم, بحيث يرفع البلاد إلى مستوى نظم القرن العشرين الديمقراطية, حيث كان القيصر نيقولا الثاني) NicholasⅡ1894-1917) يعيش في بلاطه في دائرة مغلقة غير محتك بالشعب الروسي بآماله وآلامه وحالة الفقر والبؤس ونقص التعليم الذين يعانون منه الفلاحين, وحالة العمال السيئة من حيث طول ساعات العمل, وانخفاض أجورهم داخل مصانعهم, هذه العوامل ساعدت على ضعف مكونات الفكر الوطني العام, مما جعلهم غير قادرين على تكوين فكرة واضحة عن الوطن والوطنية والمواطنة (1).
شهد بداية القرن العشرين عصرا للنهضة الاجتماعية والثورية الهامة, وكانت البروليتاريا Proletaria(2).الروسية القوة الأساسية لهذه النهضة تمثلت بسلسلة من الإضرابات والمظاهرات, وكانت أهم العلامات على هذا الطريق هو اضراب عمال مصنع ابوخوف Abuchov في الاول من ايار1902 في سورموفو Sormofo التي رفع العامل بيتر زالوموفPeter Zalomov خلالها وفوق رؤوس المتظاهرين راية تحمل الشعارين: " يسقط الحكم الاستبدادي" ! "تعيش الجمهورية الديمقراطية ", واخيرا الإضراب الذي عم مدينة روستوف Rostovعلى الدون في تشرين الثاني1902, والذي أرسى بداية اللقاءات السياسية الجماهيرية تحت قيادة المنظمات الاشتراكية الديمقراطية, وقد جرى التوصل إلى تعميم ومزج وتطوير طرق ووسائل واشكال العمل الثوري اثناء الإضراب العام الذي اجتاح جنوب روسيا عام 1903, وشملت عشرات المدن والمراكز الصناعية في اوكرانيا Ukraine وشمال وما وراء القفقاس, وقد شجع تحول البروليتاريا من العمل الاقتصادي إلى العمل السياسي ضد حكومة السلطة المطلقة والاستعداد الواضح للسير فيه حتى النهاية دون توقف العمل الثوري, للفئات الاجتماعية والطبقات الأخرى بالمجتمع الروسي على تنشيط حركتها, واصاب القلق المجتمع الطلابي, وصارت المدن الجامعية ساحة للمظاهرات(3). كذلك اندلعت الاضطرابات الفلاحية في محافظتي بولتافا Poltava وخاركوف Kharkov, واشتدت موجة من الاحتجاج الواسع ضد مرسوم الحكومة القيصرية حول مصادرة ممتلكات الكنيسة الارمنية التي حاول النظام القيصري وضع ايراداتها تحت اشرافه المباشر, وتحددت القوى الاجتماعية والسياسية الاساسية التي ستعلن عن نفسها بالكامل في هذه المعارك بعد بضعة اعوام, ودخلت البلاد مجال المعارك الثورية, وتزايدت حدة المعارك حول المسائل الفكرية التي تعد مصدرا لها(4).
وفي مثل هذه الظروف كانت الطبقة العاملة في حاجة حقيقية إلى حزب سياسي بصفته الأداة السياسية للطبقة العاملة الروسية في سبيل التحول الثوري للمجتمع , قد أعلن مؤتمر ممثلي بعض المنظمات الماركسية في بطرسبورغ Petersburg وكييف Kiev وموسكو Moscow الذي عقد في الثالث من اذار 1898في مدينة منيسك Mnesc, تشكيل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسيThe Russian Social Democratic Labour Party(5).
ويعود الفضل الاساسي في مجال الاعداد الفكري والتنظيم للحزب البروليتاري الثوري إلى جريدة "ايسكرا"Iskra, التي أسسها فلاديمير ايليتش لينينVladimir Iiyitch Lenin عام1900, وصدر العدد الاول منها في الرابع والعشرين من كانون الاول في العام نفسه(6). وكانت هيئة التحرير تتألف من : (لينين, بليخانوف Plekhanov, اكسيلرود Axelrod, زاسوليتش Zasulich , مارتوف Martov, بوتريسوف Putrisov) موجودة في الخارج , حيث استقرت في البداية في ميونيخ, ثم في لندن , وبعد ذلك انتقلت إلى جنيف, وجرى في روسيا تشكيل جماعات دعم " ايسكرا " التي انبثقت منها المنظمة الروسية السرية, وكانت هذه المنظمة تتشكل من الثوريين من امثال (باومان Baumann, كرجيجانوفسكي Krgijanowski, رادتشينكو Radchenko, ليتفينوفLitvinov) وترتبط بعلاقات وثيقة باللجان المحلية للحزب وعن طريقها بالحلقات والجماعات الموجودة في المصانع, وكانت "ايسكرا" تهتدي في نشاطها الدعائي والتحريضي والتنظيمي بمبدأ هيمنة الطبقة العاملة في الثورة البرجوازية الديمقراطية التي تنضج في روسيا, وقد ساعدت الجريدة العمال على توسيع اشكال العمل الثوري التي تؤثر بشكل مباشر على كل المجتمع الروسي, وأوضحت للبروليتاريا إلى امكانيات القوى الاجتماعية الأخرى وبالدرجة الأولى فلاحي مناطق وسط البلاد واطرافها القومية, وكشفت عن المواقف المعادية للنزعة الليبرالية البرجوازية الروسية, واسفر ذلك عن اكتشاف طراز جديد لحركة التحرر الثورية يتناسب والمرحلة التاريخية الجديدة , وكانت هذه الحركة جديدة من حيث قوام المشتركين في العمل الثوري ضد قوى القيصرية, نظرا لانها كانت تتميز بالامتزاج المباشر في تيار ثوري موحد للصراع الطبقي للبروليتاريا الاشتراكية من حيث الاهداف, وللثورة الفلاحية الزراعية وحركة التحرر الوطني, لقد كانت جديدة من وجهة نظر القوة القائدة لهذا التيار الثوري, حيث كانت الهيمنة في العمل الثوري لا تئول للبرجوازية, بل للبروليتاريا التي أصبح الانتصار في الثورة البرجوازية الديمقراطية بالنسبة لها نقطة بداية العمل الثوري من اجل نجاح الثورة الاشتراكية, كما انها كانت جديدة لان حزباً ماركسياً ثورياً من طراز جديد تولى زعامتها(7).
وكان تشكيل مثل هذا الحزب اهم الانجازات التي حققتها جريدة "ايسكرا", فقد أدى نشاطها الدؤوب الهادف إلى عقد المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في تموز عام1903 في بروكسل وهو من أهم المؤتمرات, اذ انقسم فيه الاشتراكيون الديمقراطيون إلى بلاشفة Bolsheviks ومناشفة Mensheviks(8). وقد استأنفت جلسات هذا المؤتمر في لندن بسبب مضايقات البوليس البليجكي ونوقش فيه برنامج الحزب الثوري الذي أعدته هيئة تحرير اسكرا, وهو أول برنامج حزبي في العالم عدّ العمل الثوري من اجل ديكتاتورية البروليتاريا مهمة اساسية للحزب البروليتاري, وتتضمن نظرية لينين فيه تحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين, وعلى هذا النحو فإن أهمية المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي تتمثل في أنه انشأ حزبا بروليتاريا من طراز جديد هو " الحزب البلشفي اللينيني "(9).
واعتبر لينين ان الحزب يجب ان يوجه جهوده بالدرجة الأولى للقيام بالثورة الديمقراطية البرجوازية للإطاحة بالقيصرية, وإقامة الجمهورية الديمقراطية, وكفالة حق الانتخاب العام, وتخفيض يوم العمل إلى (8) ساعات, والمساواة الكاملة لجميع الأمم, وإعادة الأراضي للفلاحين بعد ان أخذت منهم عند الغاء نظام القنانة الاقطاعي, والغاء كل بقايا نظام القنانة, كانت هذه المهام تمثل برنامج الحد الادنى للحزب(10) .
وان البروليتاريا لم تكن وحدها هي التي تشعر بالسخط لاستبداد وقسوة الحكومة القيصرية وعجزها الكامل عن ادارة البلاد, وانما كانت تشعر به ايضا الفئات الواسعة الأخرى في روسيا: جزء من البرجوازية والمثقفون والحرفيون الصغار في المدن والفلاحون وشعوب روسيا المضطهدة, ولكن لينين وانصاره كانوا مقتنعين بأن البروليتاريا يجب ان تقوم بالدور القيادي في هذه الثورة وان الفلاحين هم حليفها الرئيسي, وسار حزب البلاشفة الذي انشأه لينين، بثبات في الطريق الذي حدده كارل ماركس Karl Marx(11) وكان على الحزب لتحقيق برنامجه ان ينظم ويستنهض كل العمال للعمل الثوري، وان يدعم حلف العمال والفلاحين, وأدرك البلاشفة ان هذا العمل طويل وشاق, ولكنهم آمنوا بقوة العمال والفلاحين وساروا بشجاعة تحت قيادة لينين لمواجهة الصعوبات والمخاطر(12).
اسباب الثورة الروسية (1905-1907)
في عام 1904- 1905, دخلت روسيا الحرب ضد اليابان بهدف الاستيلاء على أراضي جديدة في الشرق الأقصى وتدعيم سلطتها في البلاد, وايقاف الحركة الثورية المتصاعدة في روسيا(13). ولكنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة على اثر الهزائم التي منيت بها في الحرب امام اليابان, فقد أظهرت هذه الحرب عجز الحكومة الروسية في تنظيم وتوجيه كل قواتها امام اليابان, حيث كانت تهددها الحركة الثورية وفشلها في اسكات معارضيها في الداخل, وقد حمّل الشعب الروسي النظام القيصري مسؤولية خسارة روسيا قي هذه الحرب, وما ترتب على ذلك من خسائر بشرية ومادية في ظل هذا الحكم, حيث كان الموظفون مرتشون والقادة العسكريون عاجزون عن عمل أي شيء(14). وبدأ التذمر يستفحل بين صفوف الشعب الروسي نتيجة الهزائم التي الحقها اليابانيون بالروس من جهة, ونتيجة استبداد الحكم القيصري من جهة أخرى(15). علاوة على ذلك المشاكل الاقتصادية التي تمثلت بانخفاض المحاصيل الزراعية في ذلك العام, حيث قام الفلاحون الذين اتعبهم العمل الزراعي الشاق الطويل باجور قليلة جداً لا تضاهي الاعمال التي يكلفون بها في الحقول الزراعية بإحراق بيوت النبلاء, واصحاب الارض, فكانت المشكلة الزراعية من اهم الاسباب التي ساعدت على تأجيج الروح الثورية الروسية(16). فعمت البلاد موجة من المظاهرات والاضرابات, وبدأ تحرك العمال الذين معظمهم حرموا من العمل, وكانت الغالبية العظمى منهم تعيش على شفا من الجوع في الاقبية والاكشاك الخشبية والثكنات وكان يوم عملهم يستمر نحو (14) ساعة, وتبعهم الفلاحون, ثم الاحزاب والمنظمات الشعبية المعارضة ومن هذه الاحزاب : حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي وهو من اهمها, وحزب الحرس الاحمر الذي ضم عمال المصانع المسلحين, وحزب المناشفة الأممين وهو مؤلف من عمال بتروجراد بقيادة تروتسكي(17).
وفي الثالث من كانون الثاني1905 أضرب عمال مصنع بوتيلوف Potelov في مدينة بتروجراد الروسية احتجاجا على طرد بعض العمال, وعم الاضطراب فيها ابتداء من الثامن من كانون الثاني, حيث امتد الاضراب إلى بطرسبورغ, وبلغ عدد المضربين (150) الف عامل وتوقفت اكثر المؤسسات الكبرى والصحف عن الصدور, وتحول هذا الاضراب إلى حادث ذي أهمية سياسية كبيرة(18).
المظاهرة السلمية
وفي الصباح الباكر من يوم الاحد الثاني والعشرين من كانون الثاني 1905, كتب عمال بتروجراد عريضة, حددوا فيها مطالبهم وأهمها : انشاء مجلس تأسيسي, وتوزيع الأراضي على الفلاحين, وحرية التعبير والنشر والاجتماعات, وتحديد ساعات العمل اليومي بـــ (8) ساعات, وتوجهوا بقيادة جورجي أبولونوفيتش جابون(19) Gabon Georgi Abulenovićمع زوجاتهم واطفالهم نحو المقر الدائم للقيصر نيقولا الثاني في قصره الشتوي في بتروجراد يحملون صور القيصر والأيقونات ويرتلون الصلوات, وكانت الحكومة القيصرية على علم مسبق بهذه المظاهرة السلمية, فأعدت للقائها قواتها التي تضم الحرس القيصري والقوزاق وفرق الخيالة, وما ان اقترب المتظاهرون من البوابات والجسور المؤدية في وسط المدينة حتى نفذ الجنود اوامر القيصر, فضربوا المتظاهرين بالمدافع والرشاشات, واغمدت فرق الخيالة سيوفها في رقابهم رجالا ونساء واطفالا واجهزت على الجرحى منهم فقُتل مئات منهم في يوم واحد, وجُرح آلاف آخرون وعُرف هذا اليوم بــــ الاحد الدموي Bloody Sunday"" وأثارت هذه المجزرة سخط الشعب والجيش معاً, فهب الملايين من العمال حاملين السلاح ودعوا إلى العمل الثوري, وكان ذلك بداية للثورة الروسية عام 1905(20).
اضرابات الجماهير الشعبية
وفي الثالث والعشرين من كانون الثاني عمت في موسكوMoscow, مظاهرات سياسية حاشدة تأييداً للبروليتاريا وجرت في عدد من المدن اشتباكات عنيفة مع الشرطة والقوات العسكرية, كما أضرب (440) ألف عامل من عمال المصانع, وامتدت موجة من الاضطرابات في انحاء البلاد(21).
وانفجرت الانتفاضات الفلاحية في مختلف مناطق روسيا في شهري كانون الثاني وشباط 1905, وفي هذه الاثناء أُنشئت أول منظمة للعمال في روسيا في مدينة بتروجراد, وضمت ممثلي العمال وكانت مهمتها تنطيم الإضرابات المختلفة وقيادتها, وأدرك لينين أن الثورة سوف تتصاعد حتماً, فأراد الاستعداد لها عن طريق عقد مؤتمر للحزب لوضع خطة قيادة الثورة, وفي الاول من نيسان1905 تم عقد المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في لندن وترأس لينين أعمال المؤتمر(22).
طرح المؤتمر أمام البروليتاريا مهمة رئيسة, هي ضرورة تحقيق الانتصار للثورة البرجوازية الديمقراطية, بالتعاون مع الفلاحين, وقلب نظام الحكم المطلق, وأكد المؤتمر أن البروليتاريا هي الطبقة الأكثر ثورية, والجديرة بقيادة الجماهير الشعبية ومن ثم فإن ضمان زعامة البروليتاريا هو أعظم مهمات الحزب, وبما ان القضية الأساسية للثورة الروسية هي تصفية ملكية الإقطاعيين للأرض وبقايا نظام الاستعباد, فقد كانت للفلاحين مصلحة حيوية في انتصار الثورة, وطرح المؤتمر العام امام الحزب مهمة توطيد التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين بكل الوسائل, واتخذ المؤتمر قراراً بتأييد مطالب الفلاحين الثورية بمصادرة أراضي الإقطاعيين مصادرة تامة, ودعم العمل التنظيمي والدعائي للبلاشفة في الريف من اجل رفع مستوى الحركة الفلاحية, وأشار المؤتمر الى ان الليبيراليين البرجوازيين يسعون لإخضاع الجماهير لنفوذهم, لكي يستغلوا الثورة في تحقيق مصالحهم, فالبرجوازية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقيصرية ولا ترغب في تصفية النظام القيصري, إنها تريد تحسين هذا النظام وتدعيمه فقط من جهة, وفي خوفها من الشعب ستقبل المساومة مع القيصرية من جهة أخرى, ولذلك طرح المؤتمر مهمة عزل البرجوازية الليبيرالية وفضحها امام الشعب, وأشار المؤتمر إلى دور الإضرابات السياسية الجماهيرية في تعبئة الطبقة العاملة ثورياً, وأكد أن القضاء على القيصرية لن يتم الا بثورة مسلحة , ومن ثم على الحزب أن يوجه جهوده من اجل التحضير التنظيمي والتكتيكي للثورة وتدريب وتسليح البروليتاريا, ويجب أن يتكلل أنتصار الثورة بتشكيل حكومة ثورية مؤقتة كهيئة ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية, ولا بد للحزب أن يشترك فيها لدعم مكاسب الشعب وضمان تحويل الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية ووافق المؤتمر على صيغة النظام الداخلي المتعلقة بعضوية الحزب التي وضعها لينين وانتخب المؤتمر اللجنة المركزية للحزب برئاسة لينين(23).
لم يفهم المناشفة خواص الثورة الروسية ولا طابعها والقوى المحركة لها وآفاق تطورها , ومن ثم أنكروا ضرورة التحضير العسكري التكتيكي للثورة وتحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين وعارضوا مساهمة الاشتراكيين الديمقراطيين في الحكومة الثورية المؤقتة, ورأوا أن على البروليتاريا أن تؤيد البرجوازية وتتخلى عن الفلاحين, وعارض المناشفة كذلك تحول الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية, وهكذا ألحقت قرارات مجلس المناشفة العام ضرراً بالثورة الروسية وبالقضية العمالية(24).
الحـــركة العمالية
تأججت حركة الاضراب من جديد وقبيل الاول من ايار1905وزع بين عمال روسيا منشور كتبه لينين أهاب فيه قائد البروليتاريا بالعمال للاحتفال بعيد الاول من ايار بتشديدهم على العمل الثوري ضد القيصرية وقامت المنظمات البلشفية المسلحة بنشاط تحريضي وتنظيمي واسع وتحول الاحتفال إلى مظاهرة ضخمة لتضامن البروليتاريا فشمل عمالاً من مختلف القوميات في الامبراطورية الروسية واتسمت الإضرابات والمظاهرات في الغالب بطابع سياسي, ووقعت في وارشوWarshaw واوديسا Odessa وريغا Rigaوباكو Bakuاشتباكات دموية مع قوات الشرطة والجيش(25).
وكان اضراب عمال الحياكة في الثاني عشر من ايار في العام ذاته في مدينة ايفانوفو- فوزنيسينسك Ivanovo-Voznnsinsk, الذي استمر حتى اواخر تموز, اضرابا ضخماً اشترك فيه ثلاثون ألف عامل, وقاد البلاشفة الإضراب, مما أكسبه طابعاً منظماً, وقد حاولت السلطات المحلية أن تفرق العمال, فاقترحت إجراء مفاوضات مع الموالين لهم فقط في كل مؤسسة على حدة , غير أن العمال وضعوا مطالب اقتصادية وسياسية موحدة بتحديد ساعات العمل بــ (8) ساعات, وزيادة الأجور, وعقد المجلس التأسيسي, وحرية التعبير والنشر, وحرية إنشاء النقابات وإزالة السجون والزنزانات التابعة للمعامل(26).
وأسس العمال عن طريق الانتخاب" جمعية النواب المفوضين" وكانت هيئة منتخبة من ممثلي كافة المصانع والمعامل المضربة, وكان عدد نوابه (151) عضوا, وشكلوا البلاشفة منهم ثلثي العدد, وهكذا نشأت أول سوفييتات ( مجالس) نواب العمال في روسيا, وقد قاد هذا السوفييت الاجتماعات الخطابية العمالية وأجرى المفاوضات مع السلطات وانشأ الميليشيات للمحافظة على الأمن والتصدي للشرطة والجيش, ونظم الإضراب وكان سوفييت إيفانوفو- فوزنيسينسك يتمتع بنفوذ كبير بين سكان المدينة والقرى الأخرى, وحقق العمال نجاحاً في هذا الاضراب الذي استمر (72) يوماً, حيث قام اصحاب العمل بتخفيض ساعات العمل الى (10) ساعات وزيادة الأجور, وقد حشدت الحكومة لمقاومة الاضراب قوات الشرطة والجيش, التي كانت تفرق الجماعات بحملة من الاعتقالات والقتل, وقد أنهك الإضراب الطويل قوى المضربين, فكان لابد من إيقاف الإضرابات لإعادة تجميع القوى واستئناف العمل الثوري, وبقرار من مجلس المفوضين تم وقف الإضراب, وقد أظهر هذا الإضراب نضوج العمال سياسياً(27).
وفي حزيران 1905 بدأت في مدينة لودز Lodz في بولندا Poland معارك المتاريس واستطاع العمال بما لديهم من أسلحة دون المستوى التصدي للقوات النظامية على مدى ثلاثة ايام , وبدأ الاضراب العام في اوديسا حيث اصطدم العمال المضربون بقوات الشرطة والجيش وظهرت المتاريس عند اطراف المدينة وبلغ الامر حد الانتفاضة وطالب العمال بالسلاح , الا انه لم يكن متاحاً لدى المنظمات الثورية بالمدينة, وواكب النمو العاصف لعدد الاضرابات تغير سماتها, فقد تجلت في العهد الثوري الصيغة السامية لحركة الاضراب الجماهيري اذ انها تتسم بالتمازج والتفاعل المتبادل بين الاضراب السياسي والاقتصادي وتمازج الحربين الاجتماعيتين اللتين خاضتها الطبقة العاملة آنذاك: العمل الثوري الشعبي العام ضد السلطة المطلقة, والصراع الطبقي ضد البرجوازية, وسرعان ما اجتذب هذا التمازج إلى الحركة كل فئات البروليتاريا من اكثر متعليمها وحتى ادنى متخلفيها وعلاوة على ذلك, أصبحت الحركة مركز الجاذبية لكل القوى الديمقراطية الثورية ضد نظام السلطة المطلقة, واكتسبت طابعاً شعبياً(28).
الحركة الفلاحية
اثر العمل الثوري للطبقة العاملة على الوضع العام في القرية ففي كانون الثاني 1905 اشتدت الحركة الفلاحية لقطع اشجار الغابات والاستيلاء على مخازن المواد الغذائية, وهاجم الفلاحون ضياع الإقطاعيين وإتلاف عقود الاستئجار واحرقوا دورهم, وامتنعوا عن دفع الضرائب, حيث وضحت بؤر كبرى لحركة الفلاحين الثورية : مركز الأراضي الخصبة والمناطق الغربية (بولندا ومناطق ما جوار البلطيق) وجورجيا, ففي موسم جمع المحاصيل أضرب العمال الزراعيون في كل مكان عن العمل, مطالبين بتحسين معيشتهم وزيادة أجورهم, وكانت حركة العمال الزراعيين في لاتفيا قوية بوجه خاص, وقد أرسلت الحكومة الروسية القوات العسكرية لقمع الثورة(29).
وتجلى نمو وعي الفلاحين السياسي بوضوح في تشكيل منظمة جماهيرية للفلاحين هي اتحاد الفلاحين, وقد قدر لينين تقديراً عالياً أهمية هذا الاتحاد, لكونه أول اتحاد سياسي للفلاحين واعتبر أن أول مهمة للبلاشفة هي جذب هذه المنظمة إلى جانبهم وتحريرها من نفوذ الاشتراكيين الثوريين والليبيراليين البرجوازيين, إذ أن ذلك سيسهم في إقامة صلات وثيقة بين الحركة الفلاحية وحركة العمال وفي تقوية تحالف الطبقتين, وكان لنهوض الحركة الثورية تأثير على الجيش والأسطول, اللذين كان الحكم المطلق يعدهما السند المخلص له, وقد أثارت الهزائم, في الحرب الروسية اليابانية المشاعر المعادية للحكومة بين جماهير الجنود, كما كانت ظروف الخدمة العسكرية الشاقة من التدريب الطويل والاحتقار من جانب الضباط الروس سبباً في سخط الجنود وكان الجيش من حيث تكوينه مؤلفاً من الفلاحين, ولذلك كانت مشاعر الفلاحين قريبة من الجنود, وتبعا لذلك نجح البلاشفة في نشر الأفكار الثورية وسط الجنود كذلك وبشكل خاص بين البحارة الذين كان معظمهم من العمال(30).
انتفاضة المدرعة بوتيومكين
وكانت انتفاضة المدرعة بوتيومكين حدثاً ثورياً ضخماً ففي الرابع عشر من حزيران 1905, ثار بحارة المدرعة الامير بوتيومكين تافريتشيسكي Botaomkan Tavrizesca بسبب أمر أصدره كبير الضباط بإعدام ثلاثون بحاراً رمياً بالرصاص ممن رفضوا تناول حساء "البورش" المطبوخ باللحم الفاسد, وقتلوا الكثيرين من الضباط واستولوا على المدرعة بوتيومكين تحت راية حمراء, وخلال الاشتباك قُتل البحار البلشفي غريغوري فاكولتشوك Gregory Faculichok الذي قاد تحضير انتفاضة بحارة اسطول البحر الاسود, وأصبح على رأس المنتفضين البحار ماتيوشينكو Matioshenko, واقتربت المدرعة من أوديسا, حيث كان هناك إضراب عام, ولكن البحارة لم يجرؤوا على النزول إلى البر للاستيلاء على المدينة وكان ينتظرون وقوع انتفاضات في السفن الأخرى, وما ان تلقى لينين نبأ هذه الانتفاضة حتى أدرك أهميتها, فأرسل البلشفي فاسيلييف يوجينEugene Vasiliev فوراً إلى أوديسا, وأعطاه تعليمات مفصلة : حاول مهما كلف الامر الوصول إلى المدرعة, وأقنع البحارة أن ينزلوا إلى المدينة على الفور, ولا يخيفنكم قصف القوات الحكومية, يجب ان نستولي على المدينة, ولكن فاسيلييف لم يتمكن من تنفيذ المهمة التي كلفه بها لينين, فعندما وصل إلى اوديسا كانت المدرعة قد غادرت المرفأ(31).
وفي الثامن عشر من حزيران 1905 أرسلت الحكومة القيصرية أسطولاً بحرياً, مؤلفاً من (12) سفينة لقصف المدرعة في البحر الأسود, فاتجهت إلى الشواطىء الرومانية للتزود بالوقود والمؤن إلا أن الحكومة الرومانية لم تسمح بذلك للبحارة المنتفضين, فبقيت أكثر من أسبوع في البحر الأسود تحت الراية الحمراء تطاردها السلطات القيصرية وتقصفها بمدفعية السواحل, حتى اضطرتها في النهاية بعد ان بقيت بلا فحم وماء وأغذية للتوجه إلى رومانيا من جديد, والاستسلام للسلطات الرومانية, وعاد قسم من البحارة باختيارهم إلى روسيا, حيث تعرضوا لعقاب شديد, واما ماتيوشنيكو قائد البحارة الذي عاد سراً إلى وطنه, فقد أُعتقل وأعدم في عام 1917, وكان لانتفاضة المدرعة بوتيومكين أهمية تاريخية كبرى فلأول مرة تساند مدرعة حربية ثورة الشعب, وبقيت على حد تعبير لينين" أرض الثورة التي لم تقهر". وقد أظهرت تجربة هذه الانتفاضة أن العمل المشترك فقط بين العمال والجنود والفلاحين يمكن ان تؤدي إلى النجاح , وأن العمل الثوري داخل الجيش هو أهم قضية للحزب, لانه يؤمن الثورة بالقوة المسلحة, مما أدى إلى بث الرعب في الأوساط الحاكمة لا في روسيا فقط , بل في البلدان الرأسمالية الأخرى(32).
اضراب جماهيري شامل
أرغم نمو الحركة الثورية العاصف القيصرية على القيام بتنازلات فأصدرت في الأول من آب 1905 بياناً حول عقد مجلس دوما الدولة(33). وانعقد حسب هذا البيان كهيئة استشارية لدى القيصر الذي بقي محتفظاً كالسابق بكامل السلطة, كان الانتخاب إلى مجلس الدوما رهناً بمؤهلات الملك العالية, ولذلك فان الوضع السائد فيه لا بد وان يكون من نصيب الملاكين العقاريين والبرجوازية الكبيرة, اما العمال والفلاحون الذين لا أرض لهم وقسم ملحوظ من البرجوازية قد أبعدوا عن الاشتراك في الانتخابات, وحاول القيصر نيقولا الثاني بهذه المناورة ان يشق صفوف الشعب واضعاف الثورة, واتخذت البرجوازية والمناشفة موقفاً تساهلياً, فكانوا على استعداد للتعاون مع الحكم المطلق, ففضح البلاشفة مناورة الحكومة ودعوا العمال لمقاطعة مجلس الدوما مقاطعة نشيطة, فاحبطت الحركة الثورية المتنامية خطط القيصرية, واتسعت الحركة الاضرابية وتحولت إلى اضراب سياسي لعموم روسيا وكادت ان تؤدي إلى انتفاضة مسلحة للبروليتاريا ضد الحكم المطلق, وفي الاول من شهر أيلول 1905, جرى بقيادة البلاشفة اضراب جماهيري شامل قام به عمال موسكو واشترك فيه عمال المطابع والخبازون والتبغ والسكك الحديدية وقادت الاضراب مجالس النواب المنتخبة وحسب فروع الصناعة والتي توحدت فيما بعد في مجلس النواب لعموم المدينة, وفي نهاية شهر ايلول, حدثت اشتباكات عنيفة بين العمال والبوليس وقد وصفها لينين بالبرق الأول للعاصفة الذي أضاء ساحة المعركة(34).
وفي الاول من تشرين الاول 1905, وبمبادرة من المنظمة البلشفية, بدأ الإضراب في سكة حديد موسكو– كازان, وفي الثامن منه شمل عقدة السكك الحديدية في موسكو بأسرها, وامتد الى بطرسبورغ ثم تحول الى اضراب سياسي لعموم روسيا, واستمر نهوض العمال تحت الشعارين البلشفيين: " فليسقط الحكم المطلق ! " و " عاشت الثورة الشعبية الشاملة ! " . وقد دعم عمال ما وراء القفقاس واوكرانيا وبيلوروسيا والبلطيق دعماً نشيطاً الحركة الاضرابية للعمال الروس ورافق نهوض العمال في العديد من المدن اشتباكات مسلحة ومعارك المتاريس, واشترك في الاضراب لعموم روسيا اكثر من مليون ونصف عامل بما فيهم عمال السكك الحديدية, و(200) الف موظف بمؤسسات الدولة, ولم تشهد اية بلاد رأسمالية حتى ذلك الحين مثل هذا الاضراب الضخم, اذ اشترك فيه العمال والمستخدمون الصغار ووكلاء المخازن والمثقفون : المحامون والمهندسون والاطباء والمعلمون والصحفيون والممثلون, وتوقفت المعاهد والجامعات عن التدريس, وتوقفت القطارات عن السير وتوقف العمل في المصانع ودوائر البريد والتلغراف, واحتجت الجرائد والمجلات عن الصدور واغلقت المخازن ابوابها, وفي اثناء الاضراب لعموم روسيا أخذت تتكون في كل مكان مجالس سوفييت نواب العمال, في بطرسبورغ اولاً ثم في موسكو وفيما بعد في المدن الكبرى الأخرى, وانتخب أفضل ممثليهم في مجالس السوفييت ممن يعرفون كيف يدافعون عن مصالح البروليتاريا, لقد نشأـت مجالس السوفييت كهيئات لقيادة حركات الإضراب, ولكنها تحولت إلى هيئات سلطة ثورية جديدة , فكانت تراقب عمل الادارة في المصانع, فطبقت يوم العمل بـــ (8) ساعات, وحققت حريات ديمقراطية, وكانت مجلس السوفييت في موسكو قويا ونشيطا, حيث كان يرأسه البلاشفة, مهمته مراقبة التجارة ومحاربة المضاربة, وافتتح بضعة مطاعم للعاطلين عن العمل, ومنع صدور الجرائد المعادية للثورة, وأصبحت المجالس التي يقودها البلاشفة تجسيداً لديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية , فلم يكن من الممكن من الحكومة القيصرية اخماد الاضرابات الكبيرة باي قوات, الامر الذي أدى الى تقديم التنازلات لوقف تطور الثورة(35).
بيان 17 اكتوبر 1905
وفي السابع عشر من تشرين الاول 1905, وقع القيصر نيقولا الثاني بيان وعد فيه بأن ينشأ في روسيا مجلس دوما الدولة (الهيئة العليا للسلطة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب), ومنح بموجبه الحريات الديمقراطية, حرية التعبير والنشر والاجتماعات والمنظمات وحرية العقيدة وتوسيع الحقوق الانتخابية للشعب(36).
قوبل البيان القيصري بالارتياح من جانب البرجوازية الليبيرالية, فقد كان الليبيراليون يعدون ان الثورة قد انتهت وحققت هدفها, وأن هذا البيان استجاب لمصالحهم بشكل تام, ومنذ تلك اللحظة انتقلت البرجوازية إلى مواقع الثورة المضادة وأصبح شعارها :" كفى ثورة وعاش النظام ". وبدأـت البرجوازية توحد قواها وتشكل أحزابها, لكي تجابه قوى الثورة بشكل منظم, وعقدت تحالفاً علنياً مع الحكم المطلق خوفا من تعاظم الحركة الثورية التي كانت تهدد بالتحول إلى ثورة علنية(37). وفي الوقت نفسه نشأ حزبان برجوازيان: حزب الاكتوبريينOctobrists)) وحزب الكاديتKadet )), ضم الحزب الأول بزعامة الكسندر كشكوفAlexander Gachkov وميخائيل رودزيانكو And Mikhail Rodzianko , كبار الصناعيين والتجار وأولئك الملاكين العقاريين الذين اعادوا بناء اقتصادهم على أسس رأسمالية, وكان هذا الحزب الذي أيد البيان القيصري تأييداً تاماً يعكس مصالح ذلك القسم من البرجوازية الكبيرة الذي اندمج مع الحكم المطلق, وكانت مهمة الحزب الرئيسة محاربة الثورة والابقاء على نظام الحكم المطلق واستغلال البيان القيصري السابق لصالح الفئة العليا للبرجوازية(38). اما الحزب الثاني (الكاديت) فهو حزب دستوري ديمقراطي تزعمه بافيل ميليوكوفPavel Miliukov يدافع عن مصالح البرجوازية المتوسطة وقسم من الملاكين العقارين والمثقفين البرجوازيين وكان حزباً برجوازياً ليبرالياً يرمي إلى تقاسم السلطة مع القيصر, وأعلن عن تضامنه مع مطاليب الشعب خلال مرحلة الاضراب السياسي لعموم روسيا, ولكن هذا الحزب كان عملياً ضد النهوض الثوري, ولم يسر ابعد من المطالبة بخفض المبالغ التي يدفعها الفلاحون مقابل حصولهم على الأرض(39). وكان هذان الحزبان معاديين للثورة وكانا يخافان حركة الجماهير, فدخلا في مساومات مع القيصرية, وقد حذر البلاشفة الشعب من الانخداع " الحرية " القيصرية وفضحوا الأهداف الرجعية لهذه المناورة السياسية التي كانت القيصرية تأمل بواسطتها ان تكسب الوقت لتعبئة القوى المعادية للثورة ولقمعها فيما بعد, وقد كتب لينين في هذا الوقت : " ان القيصر ابعد من ان يستسلم , والحكم المطلق لا يزال قائماً . لقد تراجع فقط ......"(40). اما الاشتراكيون الديمقراطيون فرفضوا بيان اكتوبر نصاً وروحاً, اذ طالبوا باسقاط الحكم القيصري وانتقال السلطة إلى مجالس السوفييات(41).
ولم يمض وقت طويل حتى تحقق ما قاله لينين, فقد كانت الحكومة تشكل منظمات رجعية موالية للملكية ضد الحركة الثورية على سبيل المثال " اتحاد الشعب الروسي" واثارت مجازر وحشية ضد اليهود وسعرت العداء القومي بين الشعوب, وقد بدأ انصار القيصرية انفلاتاً الذين كانوا يسمون بـــــ" المئة السود", حملة مطاردة الثوريين بصورة علنية, واجتاحت كل انحاء البلاد موجة مذابح كانت تقترفها عصابات " المئة السود" موجهة ضد الثوريين والعمال النشيطين وقادة الاضرابات والمظاهرات, حيث جرى قتل حوالي أربعة آلاف وجرح ما يزيد عشرة آلاف شخص في مائة مدينة خلال اسبوعين او ثلاثة , وفي موسكو جرى اغتيال البلشفي الثوري نيكولاي باومانNikolai Baumann, وقد تحولت جنازته في العشرين من تشرين الاول1905, إلى مظاهرة سياسية شارك فيها ثلاثمائة الف مواطن روسي, وقد كشفت هذه الحوادث ان " الحرية " القيصرية ما هي في الواقع الا خدعة وقحة للشعب, وان الحكم المطلق قام بتراجع فقط, ولكنه لم يستسلم, وقد دعا البلاشفة الشعب ان لا يثق بوعود القيصر وافهموه ان البروليتاريا تستطيع بالعمل الثوري فقط ان تحقق الحرية الحقيقية(42).
كانت حوادث اكتوبر وخاصة اضراب العمال السياسي لعموم روسيا دافعاً لنهوض حركة الفلاحين نهوضا شديداً , فقد شملت تحت التأثير المباشر للانتفاضة السياسية لعموم روسيا (240) من مراكز الجزء الأوربي, أي نصف عدد مراكز روسيا (عدا منطقة البلطيق والقفقاس), ودمر في هذا العدد بالمجموع اراضي الاقطاعيين والنبلاء, وظلت الحركات الثورية للفلاحين عفوية ومحصورة في مكانها, ولكن ازداد عناد وقساوة الفلاحين وأصبحت حركاتهم اكثر نشاطا وهجومية, وقد رافقتها الكثير من الاشتباكات مع الفرق التأديبية(43).
وازداد وعي الفلاحين السياسي فنشأت في الريف منظمات ثورية مستقلة للفلاحين وفي بعض المناطق مجالس نواب الفلاحين, وطالب الفلاحون بان تصبح الأرض كلها ملكاً للشعب, وتعاظم نفوذ البلاشفة في الريف وتفاقمت التناقضات في مجرى الثورة بين الفلاحين والكولاك, ووصل الامر إلى حد الاشتباكات الدامية فيما بينهم, واكتسبت الحركة الفلاحية بأهمية لعموم روسيا فهي لم تشمل محافظات روسيا فحسب, بل الاطراف القومية ايضاً : البلطيق وجورجيا وأوكرانيا وغيرها, واضطرت الحكومة تحت ضغط الحركة الفلاحية لالغاء تعويضات النهب التي كانت تجبى من الفلاحين منذ عام 1861, ولكن هذا التدبير لم يستطع وقف حركة الفلاحين الثورية من اجل حل المسألة الزراعية حلاً كاملاً(44).
وكان لهذه الحركات الثورية اثرها بين الجنود والبحارة ففي الثلاثين من شهر تشرين الاول 1905 انفجرت انتفاضة بحارة قلعة كرونشتادتKronstadt, وقد سُحقت الانتفاضة وهدد المشتركين فيها بالاعدام, فهبت بروليتاريا بطرسبورغ للدفاع عنهم ومنعت تنفيذ احكام الاعدام التي أصدرتها المحكمة القيصرية ضد البحارة والجنود المنتفضين, وفي الاول من تشرين الثاني في العام ذاته حدثت انتفاضة كبيرة قام بها البحارة والجنود في سيباستوبولSebastopol, وأيدها عمال المرفأ وعمال سكة الحديد, وقد بدأت الانتفاضة وترأسها مجلس نواب البحارة والجنود والعمال, وأصبح الملازم شميدت Schmidtالقائد العسكري للانتفاضة, وقد شملت ملاحي (12) سفينة تابعة لاسطول البحر الاسود, وتقدم المنتفضون بمطاليب سياسية وأرسل شميدت إلى القيصر نيقولا الثاني البرقية التالية : " ان اسطول البحر الاسود المجيد والمخلص بقدسية لشعبه يطلب منكم .... عقد المجلس التأسيسي حالاً , ويمتنع عن الطاعة لوزرائكم " . ورفع شميدت على سارية الطراد" اوتشاكوف " راية حمراء وأعلن نفسه قائداً للاسطول, ولكن الانتفاضة كانت ذات طابع دفاعي, ولم تكن لها خطة واضحة ومدعومة من قبل السفن والوحدات العسكرية الأخرى, ولم يغتنم المنتفضون الوقت فاستطاعت الحكومة ان تحشد قوات ضخمة لقمعهم, وقد قصفت المدفعية السفن الثائرة واعدم الملازم شميدت وقادة المجلس البلاشفة تنفيذاً لحكم صادر عن المحكمة القيصرية(45).
وجرت انتفاضات في وحدات عسكرية أخرى في كييف وخاركوف وطشقند واركوتسك وموسكو, وقد تمكنت الحكومة باللجوء إلى الخداع والوعود والقوة من ان تقمع هذه الانتفاضات, واشتدت حركة التحرر الوطني عام 1905 بصورة ملحوظة تحت شعارات ديمقراطية : تصفية الاضطهاد القومي, والحرية من اجل تطوير الثقافة القومية, والتعليم بلغة الأم واتسمت حركة التحرر الوطني بالشدة بشكل خاص لدى تلك الشعوب, حيث تكونت ملاكات البروليتاريا والبرجوازية : في بولونيا وفنلندا والبلطيق واوكرانيا والقفقاس, وهذا راجع لكون البروليتاريا القومية ذات المصلحة في ايصال الثورة حتى النصر الكامل سارت في طليعة العمل الثوري وتعززت الصداقة بين شعوب بلادنا في العمل الثوري المشترك ضد الحكم المطلق وتوطد التضامن الاممي للطبقة العاملة وتعاظم نفوذ البروليتاريا الروسية ودورها القيادي, وقد أرغم الضغط الثوري القيصرية على القيام بتنازلات وعلى تخفيف الاضطهاد القومي نسبياً, فسمحت التدريس بلغة الأم في المدارس وأخذت تصدر جرائد ومجلات بلغات شعوب روسيا ونشأت منظمات ثقافية تنويرية, غير ان هذه التنازلات الطفيفة لم تحسن من وضع الجماهير الشعبية(46).
الاضراب السياسي العام واندلاع الثورة الروسية
وفي السابع من كانون الاول1905, بدأت مرحلة الانتفاضات المسلحة وهي قمة العمل الثوري, فقد هب العمال في معظم المدن الروسية يحملون السلاح, وبدعوة من سوفييت نواب عمال موسكو بدأ اضراب عمال موسكو من جديد فخرجوا إلى الشوارع وحملوا الأعلام الحمراء واخذوا ينشدون : " الى المعركة الدامية المقدسة العادلة, سر, سر, إلى الأمام ايها الشعب العامل ! ". ووضعت المتاريس في موسكو كلها, وسور الثوار الشوارع , فنزعوا البوابات واسقطوا أعمدة التلغراف ودفعوا البراميل الفارغة وأطلق العمال النيران ضد قوات القيصر والبوليس متسترين بالمتاريس, وجرت معارك عنيفة خاصة في حي بريسنيا Bricnaa)) من موسكو(47).
وكان غالبية جنود القيصر من الفلاحين وكثير منهم لم يريدوا اطلاق النار على العمال, وهناك أمثلة عديدة لهذه الحوادث: سار في شوارع بريسنيا طابور من العمال وفي مقدمته سارت النساء العاملات يحملن العلم الأحمر وفجأة ظهرت في ركن من الأركان وحدة الفرسان العسكرية, اندفع الخيالة إلى العمال يلوحون بسيوفهم وكرابيجهم, ورفعت النساء العلم الأحمر عاليا وانطلقن تجاهم بلا خوف صائحات: " اقتلونا ! فلن نسلم العلم ما دمنا احياء ! " وتوقف الخيالة وترددوا لحظة وعادوا أدراجهم, خشي جنرالات القيصر ان ينتقل الجنود إلى جانب العمال, فأصبحوا يغلقون عليهم الثكنات, وأرسل القيصر نيقولا الثاني إلى موسكو أفواجا كان جنودها ما زالوا يطيعونه في تنفيذ الأوامر وحملوا معهم المدافع والرشاشات(48).
كان من الصعب على العمال السيئي التسليح ان يقاوموا قوات القيصر, وعند منتصف كانون الاول 1905, كانت الثورة قد سحقت في غالبية مناطق موسكو, ومع ذلك فالمدافعون عن بريسنيا دافعوا بإصرار, حاصرت القوات هذه المنطقة من جميع الجوانب ولكن العمال لم يتوقفوا عن المقاومة, عندئذ أمر الضباط باطلاق النار من المدافع فحطمت القذائف الثقيلة المتاريس واحترقت المنازل, حينئذ فقط أوقف العمال المقاومة بشكل منظم. كتب اركان حرب فصائل المتطوعين القتالية في بريسنيا في ندائه : " نحن بدأنا ونحن نضع النهاية, إن الدم والعنف والموت ستقتفى أثرنا, ولكن هذا لا يهم , فالمستقبل للطبقة العاملة. فسيتعلم جيل بعد جيل في جميع البلاد الصمود من خبرة بريسنيا"(49). وقد وصف لينين انتفاضة كانون الأول المسلحة في موسكو ذروة الثورة الروسية الأولى.
وفي اليوم التاسع عشر من كانون الأول 1905, انتهت الانتفاضة بقرار من مجلس سوفييت موسكو, فكتب البلاشفة في المنشور الموجه لعمال موسكو: " واصلوا العمل , ايها الرفاق , حتى المعركة القادمة الأخيرة ! فلا مفر منها, انها قريبة .... وسنستعد للعمل الثوري القوي العنيد والاخير بلا هوادة , وآنذاك فليتوقف عمال موسكو بأسرها عن العمل بقوى جديدة كما حدث في هذه الايام المجيدة ! انتظروا النداء ! ادخروا السلاح , ايها الرفاق! ضربة قوية أخرى ويسقط نهائياً النظام الملعون الذي تمقته البلاد بأسرها ". واحتلت قوات التأديب بريسنيا, وبدأت بتنكيل دموي للمنتفضين فأعدم الكثيرون من العمال رمياً بالرصاص من غير محاكمة, على سبيل المثال اعدم العامل البلشفي بابوشكينBabuczkyn في سيبيريا, وبعضهم تم زجهم في السجون, فكتب لينين عن بابوشكين والثوريين الاخرين: "بدون الثوريين سيبقى الشعب الروسي دائما شعبا من العبيد , شعبا من الرقيق , والتمسك بمبادئهم وافكارهم الثورية سوف ينتزع الشعب الروسي لنفسه التحرر الكامل من كل الاستغلال "(50).
وتعود اسباب فشل هذه الانتفاضة إلى انها لم تكن معدة بشكل كاف, وارتكب المنتفضون خلالها عددا من الأخطاء, فلم يكن هناك خطة موحدة عامة, ولا قيادة موحدة في موسكو, وفي بداية الانتفاضة بالضبط اعتقل الشرطة قادة اللجنة الحزبية بموسكو واتخذت الانتفاضة طابعا مجزأ في بعض مناطق موسكو: في بريسنيا, وخاموفنيكي Khamuffineki, وفي منطقة روغوجسكو سيمونوفسكيRogojsco Samonowska, وسكة حديد موسكو, وكازان, ووقف المناشفة موقفاً خيانياً ودعوا العمال لالقاء السلاح. وقد وصف لينين انتفاضة كانون الأول المسلحة بقمة الثورة وذروتها, ففي مقاله " دروس انتفاضة موسكو " أشار لينين إلى ان الأهمية التاريخية للانتفاضة تتلخص في كونها صلبت عود البروليتاريا واغنتها بالتجربة الثورية, وفتحت عيون العمال على الموقف الخياني للبرجوازية التي رحبت بتنكيل القيصرية بالشعب, وأشار لينين إلى الأخطاء التي حصلت في مجرى الانتفاضة المسلحة منها: ضعف القيادة التنظيمية, وعدم وجود خطط مدروسة وتنسيق للاعمال , وعدم وجود ارتباط مع الفلاحين والجنود والتكتيك الدفاعي(51).
وبعد فشل انتفاضة كانون الأول المسلحة بدأت مرحلة هبوط الثورة الروسية خلال المدة (1906-1907), وعاثت في كل البلاد فرق التأديب وأعلنت الطوارىء في العديد من المحافظات, وقد نكل المؤدبون بلا شفقة بالعمال والفلاحين المشتبه بهم لاشتراكهم النشيط في الحركة الثورية, واعتقل الكثيرون من القادة البلشفيين وأرسلوا إلى الاشغال الشاقة ومنهم: دزرجينسك Dzrzhinska,سفيردلوفSverdlov , وكويبيشيفAnd Kuibihev , وبدأ العمال الذين اتعبتهم وانهكتهم الانتفاضات والمظاهرات والاضرابات التي خاضوها خلال عام كامل, بالتراجع ولكنهم تراجعوا ببطء, فهبت من وقت لآخر موجات جديدة من الاضرابات, ولكنها لم تستطع ان تبلغ الاتساع الذي بلغته عام 1905, مع انها فاقت المرحلة السابقة للثورة , ففي عام 1905 بلغ عدد المضربين زهاء ثلاثة ملايين, وفي عام 1906 اكثر من مليون , اما في عام 1907 بلغ عددهم(740) الفاً, وكان أنشط المشتركين في اضرابات هذه المرحلة هم عمال تلك الفروع الصناعية ممن اشتركوا في الحركة: الصناعة والمؤسسات الصغيرة وغيرها, وأخذت النقابات التي شكلها العمال في مجرى الثورة تلعب دوراً محسوساً في الاضرابات, وقد اضطرت الحكومة في ربيع 1906تحت ضغط الحركة الثورية ان تعترف بشرعيتها, ومنذ ذلك الوقت أصبحت النقابات نقاط ارتكاز البلاشفة من اجل العمل بين الجماهير البروليتارية, وبقي مستوى الحركة الفلاحية عالياً, ففي عام 1906 حدثت (2600) حركة فلاحية, واقدم الملاكون العقاريون في عدد المحافظات على تنازلات تحت ضغط الفلاحين, فخفضوا اسعار الاستئجار وزادوا أجور العمال الزراعيين وحسنوا شروط العمل, وقبيل نهاية عام 1906 سارت الحركة الفلاحية نحو الهبوط بسرعة(52).
واستمرت الحركات الثورية في الجيش بتأثير نشاط البروليتاريا والفلاحين, وفي صيف 1906,جرت في سفيابورغ Sviaburg وكرونشتادتKronstadt, وفي عدد من حاميات منطقة تركستان العسكرية Turkestan Militaryانتفاضات الجنود, وقد قمعتها القيصرية بوحشية, الا ان القيصرية مع ذلك لم تستطع تنتقل إلى هجوم حاسم على مكتسبات الثورة , وبالاضافة إلى الارهاب واعمال القمع ضد الثوريين, استمرت القيصرية في انتهاج سياسة المناورة والتنازلات الجزئية والوعود, ففي شهر نيسان 1906 عقد مجلس دوما الدولة الأول, وقد جرت الانتخابات إلى الدوما على أساس القانون الانتخابي المعادي للديمقراطية والذي كان قد نشر في شهر كانون الاول1905, وقد حرم ثلاثة ارباع العمال من الحقوق الانتخابية, وكانت الانتخابات متعددة الدرجات والفئات وغير متساوية, ووضعت للفلاحين انتخابات مؤلفة من اربع درجات : كانوا ينتخبون "المنتخبين " إلى اجتماع الناحية الذي كان يرسل اثنين من المفوضين إلى مؤتمر القضاء, وكان هذا بدوره يختار"المنتخبين" إلى مجلس المحافظة, وكانت مجلس المحافظات وحدها تختار النواب إلى الدوما , اما فيما يتعلق بالعمال فقد وضعت لهم انتخابات من ثلاث درجات ومن درجتين للدفوريان والبرجوازية, وكان معدل التمثيل للفئات متنوعا ايضاً, يمثل الدفوريان منتخبا واحداً عن كل (2000) ناخب , اما سكان المدن (البرجوازية) عن سبعة آلاف, والفلاحون عن كل ثلاثين الفاً, والعمال عن كل تسعين الفاً, ولكي تنال البرجوازية الكبيرة الافضلية, وضعت لسكان المدن مؤهلات الملك العالية, ولم يحصل على الحقوق الانتخابية العمال الزراعيون والفلاحون الذين لا يملكون أرضاً والعمال, ولم تكن الحقوق الانتخابية تمنح للنساء والعسكريين والذين يدرسون, واشترط فيها تحديد العمر للمشتركين في الانتخابات, فكان يحق فقط لمن بلغ الخامسة والعشرين من العمر ان يدلي بصوته(53).
لقد كان القانون الانتخابي موجهاً لاقصاء العناصر الأكثر ثورية عن الانتخابات ولمنح الأفضلية القصوى للطبقتين السائدتين أي للملاكين العقاريين والبرجوازية, وعلاوة على ذلك كانت القيصرية تستند إلى اوهام الفلاحين الثقة بالملكية وظنت انها تجد فيهم سنداً لها, ولذلك خصص للفلاحين مائة مقعد, بينما نال الحزب العمالي مائتين مقعد, اما الاشتراكيون الديمقراطيون, والاشتراكيون الثوريون فقاطعوا الانتخابات, لانهم أرادوا مجلسا تأسيسيا لوضع الدستور وليس مجلسا تشريعيا, وكانت حقوق الدوما التشريعية مبتورة حتى قبل انعقاده, فقد حصلت الهيئة البيروقراطية العليا في روسيا القيصرية, أي مجلس الدولة على حقوق المجلس الأعلى في الدوما, وكان القيصر نيقولا الثاني يعين نصف عدد اعضاء الهيئة, واما النصف الآخر فقد كان ينتخب من الدفوريان, وكان يحق لمجلس الدولة ان لا يصادق على مشاريع القوانين المطروحة من قبل الدوما, وبقيت روسيا ملكية ذات حكم مطلق, وكانت مشاريع القوانين لم تحصل على قوة قانون الا بعد ان يوافق عليها القيصر, وكان القيصر يستطيع بمفرده بين دورتي الدوما اصدار مراسيم تقدم فيما بعد للتصديق عليها من قبل الدوما, وبهذا الشكل كانت حقوق الدوما التشريعية غير كبيرة , ولقد دعا البلاشفة الشعب لمقاطعته آملين بنهوض ثوري جديد, وفضحوا في دعايتهم الطابع الرجعي للتشريع القيصري, وقد أيدت فئات كبيرة من العمال خطة المقاطعة, ولكن الفلاحين كانوا يؤمنون بالدوما ويأملون ان تعطيهم الأرض, ولكن بما ان الحركة الثورية أخذت تتقلص فأن خطة مقاطعة الدوما لم تعط النتائج المرجوة, بالرغم من انها كانت ذات فائدة في تبديد الاوهام الدستورية للشعب الروسي, وقد جرت الانتخابات في ظروف اعمال القمع البوليسي الشديدة ورافقتها اعتقالات جماعية وحملات تفتيشية وغصت السجون بالمعتقلين, وكانوا يعتقلون الفلاحين والعمال المتعلمين ومعلمي المدارس والممرضين وكل من اعتبرته السلطات المحلية مشتبهاً فيه, ومع ذلك جاء تركيب الدوما غير مقنع كما أملت الحكومة القيصرية فكان الفلاحون يشكلون زهاء ربع النواب, وقد اتحدوا في الدوما فيما يسمى بـــ " فرقة العمل ", ونال الكاديت الذين وعدوا الشعب بحل المسألة الزراعية وتحقيق الحريات الديمقراطية عملياً, العدد الأكبر من الأصوات, وكانت الكتلة الاشتراكية الديمقراطية غير كبيرة وتتألف من المناشفة فقط, وقد جرت اعمال الدوما في ظروف لم تكن الثورة قد دحرت, ولذلك اثر الحركة الثورية العمالية والفلاحية على مواقف بعض الجماعات في الدوما(54).
شغلت المسألة الزراعية المكان الرئيسي في نشاط الدوما, وقد طرح الفلاحون مشروعاً ثورياً ديمقراطياً لحل المسألة الزراعية, فاقترحوا تمليك الأرض كلها للشعب الذي ستقسمه لجان الفلاحين بين المزارعين, وتحديد حجم التعويض, وقد أدى هذا المشروع في الواقع إلى تصفية ملكية الملاكين العقاريين للارض بالرغم من انه أعطى لهم تعويضاً عن الأراضي التي تنتزع منهم, وقدم الكاديت مشروعاً زراعياً أكثر اعتدالاً يتضمن اعطاء جزء من اراضي الملاكين العقاريين للفلاحين, مقابل التعويض" بتقدير عادل". وأراد الملاكون العقاريون مرة أخرى اجراء اصلاح على حساب الفلاحين(55).
وكانت الحكومة مستاءة من مجلس الدوما, فقررت ان لا تتنازل حتى ان رئيس مجلس الوزراء الرجعي غوريمكين قال : " انه قد تجمع في الدوما اوغاد قذرون من بين السكان وشكلوا عصابة لصوص, وان ثلث اعضاء دوما الدولة يستحقون الشنق ". ورفض رفضاً باتاً الطلبات من قبل الكاديت لتشكيل وزارة تكون مسؤولة امام الدوما, وحول العفو, وتوسيع الحقوق التشريعية للدوما, وفي الحادي والعشرين من تموز 1906, حل القيصر نيقولا الثاني, واشتد الارهاب المعادي للثورة(56).
وفي شهري آب وايلول1906, تشكلت محاكم عسكرية وأصدرت احكاما بالاعدام نحو (300) شخص شنقا او رميا بالرصاص(57). وقد اقتنعت جماهير الشعب من التجربة المريرة ان الحكم المطلق لا يريد ان يقوم بأي عمل من شأنه تحسين حالة الشعب, وان مجلس الدوما الذي عقدته الحكومة الذي يخضع لها لا يتمتع بأية سلطة واقعية, الا ان الحكومة لم تستطع في عام 1906 ان تحطم الثورة بالرغم من الارهاب واعمال القمع والمحاكم العسكرية وحملات التأديب, فقد واصلت الطبقة العاملة العمل الثوري, ولذلك اضطر الحكم المطلق بعد ان حل مجلس الدوما الاول ان يعلن عن اجراء انتخابات الى مجلس الدوما الجديد محتفظاً بالقانون الانتخابي القديم, انه لم يكن يجرؤ بعد عام 1906 ان يحرم الشعب من تلك المكتسبات التي حققها بفضل العمل الثوري المستمر, وفي الاول من كانون الثاني 1907, جرت انتخابات الى مجلس دوما الدولة الثاني, وبما ان هبوط الثورة قد اتضح بدقة, فقد قرر البلاشفة الاشتراك في الحملة الانتخابية والاستفادة من منبر الدوما لفضح القيصرية والبرجوازية, وبنتيجة اشتراك البلاشفة وبعض الاحزاب الاخرى في الانتخابات, فقد الكاديت عدداً ملحوظاً من المقاعد, في حين ازداد عدد مقاعد الاحزاب اليسارية: الترودوفيك والاشتراكيين الثوريين والاشتراكيين الديمقراطيين, فقد حصل الاشتراكيون الديمقراطيون على (65) مقعداً ( بدلا من (18) في مجلس الدوما الاول). وكان مجلس الدوما الثاني اكثر يسارية من الاول وقدم الترودوفيك من جديد مشروع القانون الزراعي الذي يؤدي الى تصفية ملكية الملاكين العقاريين للارض, أي إلى ثورة زراعية, وقال احد نواب الفلاحين: " مهما اجريتم من مناقشات فلن تخلقوا كرة أرضية أخرى , ولذلك فمن الضروري ان تعطى لنا هذه الارض ". وقد أيد البلاشفة مطاليب نواب الفلاحين(58).
اما نواب المئة السود والاوكتوبريين, فقد اتحدوا ضد المشروع الذي تقدم به الترودوفيك وأيدوا مشروع القانون الزراعي الرجعي الذي قدمته الحكومة, وتقدم الكاديت بمشروع قانون زراعي وكان أكثر اعتدالا من مشروعهم الأول, وبالنتيجة لم يحصل مشروع قانون الحكومة على تأييد الدوما, وطالت المناقشات, وقررت الحكومة ان تقضي نهائياً على الثورة, وان تنتهج خطاً رجعياً صارماً بعد ان رأت ان الحركة الثورية تسير في طريق الهبوط, فحاكت ضد الكتلة الاشتراكية الديمقراطية في مجلس دوما الدولة تهمة استفزازية وهي اجراء التحضير لانقلاب مسلح, وبما ان نواب الدوما كانوا وفقاً للقانون يتمتعون بالحصانة (كان لا يجوز اعتقالهم) فقد اقترحت الحكومة على مجلس الدوما ان يطرد الاشتراكيين الديمقراطيين من هيئته, واستغلت القيصرية تأخر الرد, فحلت في الثالث من حزيران 1907 مجلس الدوما الثاني, وظل مجلس الدوما مجلسا استشاريا اغلب اعضاؤه من الاوكتوبريين والرجعيين, وأصبح اقطاب الرأسمالية والصناعات من اشد مساعدي القيصر نيقولا الثاني خوفا من الحركات العمالية والثورات الاشتراكية, وتم اعتقال الكتلة الاشتراكية الديمقراطية كلها, وبذلك انتهك البيان القيصري الصادر في السابع عشر من تشرين الاول 1905 والقوانين الأخرى التي صدرت اثناء الثورة, ولم تتمكن البروليتاريا والفلاحون من قلب نظام الحكم المطلق وتصفية ملكية الملاكين العقاريين, الا ان العمل الثوري الذي استمر ثلاث سنوات لم يذهب هدراً, فقد اضطرت الحكومة القيام بتنازلات وان توسع الحقوق السياسية للعمال والفلاحين وجرى تخفيض ساعات يوم العمل في عدد من فروع الصناعة وتحسنت شروط العمل, ونال العمال حق الاتحاد في النقابات وتأسيس صناديق للمساعدة المتبادلة, والغيت تعويضات الفلاحين من اجل الارض , وخفضت قيمة استئجار الاراضي, وازدادت أجور العمال الزراعيين, وعقد اخيراً مجلس دوما الدولة الذي أتاح بالرغم من الطابع الرجعي للقانون الانتخابي ومن حقوق الدوما المحدودة امكانيات معينة من اجل القيام بدعاية ديمقراطية علنية, الا ان المهمات الاساسية للثورة لم تنفذ(59).
اسباب فشل الثورة الروسية (60).
اولاً : لم يصبح تحالف الطبقة العاملة والفلاحين بعد وطيداً بما فيه الكفاية فهو كان يتشكل فقط في مجرى الثورة ذاتها, وكان الفلاحون لا يزالون يعلقون الآمال على القيصر نيقولا الثاني والدوما, ظناً منهم انهم سيحصلون بمساعدتهما على أراضي الملاكين العقاريين, وظلت الحركة الثورية الفلاحية عفوية غير منظمة وغير ناضجة من الوجهة السياسية.
ثانياً : انعكست مشاعر الفلاحين في سلوك الجيش, فقد استاء الجنود وانتفضت بعض الحاميات والوحدات, الا ان الجيش بقي اجمالاً سنداً للحكم المطلق وكان ينفذ أوامره في قمع الحركة الثورية.
ثالثاً : لم تكن الطبقة العاملة متراصة ومنظمة بصورة كافية, وعدا ذلك انخرطت فئات العمال المتخلفة اكثر من غيرها في الحركة الثورية متأخرة حين سارت الثورة في طريق التقلص, وكان عمال كثيرون قد قطعوا صلتهم بالقرية قبل وقت قصير وكانوا غير واعين وعياً فيه الكفاية.
رابعاً : لم تكن هناك وحدة في صفوف حزب الطبقة العاملة, فقد كان الحزب منقسما إلى جماعتين: البلاشفة والمناشفة, فكان المناشفة يقفون موقفا انتهازياً ويعرقلون امتداد الثورة, وقد جاء في " تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي" : " ان عدم وجود وحدة داخل حزب العمال الاشتراكي– الديمقراطي الروسي قد شق صفوف الطبقة العاملة واضعف بذلك هجومها, ولهذه الأسباب لم تستطع البروليتاريا ان تنفذ كليا وحتى النهاية دورها كزعيم الثورة وان تقودها الى النصر".
خامساً : قدمت الدول الرأسمالية الأجنبية للقيصرية مساعدة كبيرة, فقد منحت الحكم المطلق قرضا مالياً استخدمته القيصرية لقمع الثورة.
اهم نتائج الثورة الروسية(1905-1907) :
اولاً : أوضحت هذه الدراسة أهداف الثورة الروسية الرئيسة التي بذل الشعب الروسي كل جهوده وطاقاته من اجل الاطاحة بالحكومة القيصرية, التي كانت على جانب من الاستبداد, حيث كان القيصر نيقولا الثاني مستبداً واقعاً تحت تأثير حاشيته ووزرائه ومستشاريه, غير مهتماً بمشاعر وأحاسيس الشعب الروسي ومعاناتهم وسوء أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية(61). وكان الهدف الرئيس من هذه الثورة تصفية ملكية الملاكين العقاريين للأرض وتوزيع الأراضي على الفلاحين والقضاء على أنظمة القنانة التي كانت القيصرية تقف على حراستها معتمدة على الملاكين العقاريين وعلى البيروقراطية التي كانت تعرقل القوى المنتجة, وحكمت على الشعب بالفقر والجهل, وخنقتها بالضرائب ولاحقت كل ظاهرة للفكر الحر, وكانت القيصرية تنتهج سياسة رجعية معادية للشعب, وساد في البلاد الظلم البوليسي والرشوة واحتقار الكرامة الانسانية, فبرزت ضرورة ملحة لتصفية الحكم المطلق ولاقامة نظام دستوري مطلق, ومنح الشعب الحقوق السياسية والحريات الديمقراطية: حرية الكلام والنشر والاجتماعات والمعتقدات الدينية, الأمر الذي أدى إلى تأجيج الروح الثورية لدى الشعب الروسي(62).
ثانياً : بينّت الثورة الروسية العمل الثوري المتواصل والمتفاني للبلاشفة ضد الحكم المطلق الروسي والرأسمالية, وقد اظهر للبروليتاريا ان الحزب الوحيد الذي يدافع باخلاص عن مصالح الشعب هو حزب البلاشفة الذي وقف دائماً إلى جانب الشعب في كل مراحل الثورة (63).
ثالثاًً : تعاظم الوعي السياسي لدى العمال والفلاحين بما لا يقاس, فأدركوا ان القيصرية هي العدو للشعب, وان البرجوازية وأحزابها تستطيع ان تخون الشعب في احرج لحظات الثورة(64).
رابعاً : على الرغم من فشل الثورة, الا انها أثرت تأثيرا كبيراً, فقد هزت أسس القيصرية هزاً, وأظهرت البروليتاريا القوة القائدة للثورة, وبينت أهمية تحالف الطبقة العاملة والفلاحين في العمل الثوري ضد نظام الحكم المطلق(65).
خامساً : اشتدت موجة كبيرة من حركات التحرر الوطني في بلدان العالم تحت التأثير المباشر للثورة الروسية الأولى, ففي الأعوام (1905-1912) قامت الثورات الديمقراطية البرجوازية في الصين وايران وتركيا, ونشطت حركات التحرر الوطني في الهند وأفغانستان واندونيسيا, وكذلك الحال في بلدان أمريكا اللاتينية: المكسيك والأرجنتين وشيلي والبرازيل, وسمع رعد الثورة الروسية في القارة الأفريقية أيضا(66).
سادساً : كشفت الدراسة نشوء سوفييتات نواب العمال, وهذا دليل واضح على قدرتهم على أن ينظموا أنفسهم, واستعدادهم لأن يأخذوا السلطة بين ايديهم, وقد عدّ السوفييت شريان حياة الثورة، محرك ومنظم الطبقة العاملة، فمنه انبعث كل تحرك وتحدد مساره(67).
سابعاً : أثرت الحركة الثورية تأثيراً كبيراً في بلورة الوعي المعرفي لدى الشعب الروسي, فقد أصدر لينين مؤلفه " البرنامج الزراعي للاشتراكيين في الثورة الروسية للسنوات الأولى 1905-1907 " بيّن فيه ان تحرير الفلاحين من ظلم القيصرية والرأسمالية, لا يمكن الا بالتحالف مع الطبقة العاملة وعن طريق التحولات الثورية التي تقوم بها الطبقة العاملة(68). وكذلك ألف تروتسكي كتاباً عنوانه (سنة 1905) دراسة تاريخية اظهر فيه بكل جلاء وقوة توقعاته عن تاريخ الثورة الروسية وهو سجل للحوادث التاريخية المقنعة الجليّة التي عاصرها, ووصف فيه الأيام الصعبة التي عاشتها الثورة الروسية, حيث اخذ القيصر يمارس اشد أنواع الانتقام بإلغائه حقوق الشعب, وكادت الاشتراكية تنهار في روسيا نفسها بسبب مضايقات الشرطة من جهة والانحلال الأخلاقي الداخلي من جهة أخرى وظل تروتسكي متنقلا خارج روسيا خشية من بطش الحكومة القيصرية وقساوتها إلى ان استقر في نيويورك واصدر صحيفة روسية راديكالية واستمر دائباً على العمل حتى وصل اليه اخبار اندلاع ثورة اكتوبر عام 1917 فاندفع عائداً إلى وطنه(69).
ثامناً : أوضحت الثورة أهمية التنظيم الثوري، فالبلاشفة كانوا في مركز الأحداث السياسية الثورية، وأظهرت لهم مواضع الضعف عندهم لتنظيم الاشتراكيين الديمقراطيين، وكشفت الانتفاضات اتساع مخزون الطاقة الثورية لدى البروليتاريا واعتبر لينين الثورة الروسية (1905-1907) "مقدمة الثورة الاوربية المقبلة ". علاوة على ذلك ساعدت الثورة في تحديد أفكار البلشفية وأوضحت أن الحزب الثوري عليه أن يعمل جاهدا لكي يقود العمل الثوري للعمال(70).
تاسعاً : ادخال بعض الكلمات الروسية الناجمة عن الثورة الروسية في كافة اللغات مثل سوفييت, بلشفي, منشفي, ولذا فقد اخذت بعض الكلمات معنى سياسيا في غاية الدقة مع ان ترجمتها الحرفية لا تعني اكثر من مجلس, وفرد من الأغلبية وفرد من الأقلية (71). عاشراً: كانت للثورة الروسية الأولى أهمية تاريخية عالمية فهي أول ثورة ديمقراطية برجوازية شعبية, وقد سماها لينين بــــ " التجربة العامة" حيث اكتسب الشعب الروسي الخبرة السياسية, وسهل له العمل الثوري اللاحق في تحضير ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى عام 1917 (72).
التوصيات:
اولاً : الغاء الحكم الاستبدادي الذي مثّل ضغطاً على الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واستبداله بحكم ديمقراطي يتضمن منح الشعب الروسي الحريات بكل اشكالها بما يلائم تحقيق طموحاته من خلال العمل الثوري المتواصل.
ثانياً : اختيار القادة الثوريون الذين يتمتعون بكفاءة ادارية وعسكرية, ووضع خطط مدروسة للثورة وتنسيق للاعمال وزيادة روح التعاون والارتباط بين الفلاحين والعمال والجنود, لان العمل المشترك بينهم يؤدي إلى نجاح الثورة الروسية.
ثالثاً : نشر الأفكار الثورية بين مختلف طبقات المجتمع الروسي وخاصة بين الجيش, لانه السند القوي لابقاء الحكم القيصري, ويمثل القوة العسكرية الضاربة للاعداء, ويدعم الثورة بالقوة المسلحة التي من شأنها بث افكار الرعب بين الاوساط الحاكمة والرأسمالية وبالتالي يؤدي إلى ضعف مكانتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
رابعاً : انشاء مجالس السوفييت "المجالس المنتخبة" في جميع المدن الروسية لانها تمثل مسرحا للمناقشات المكثفة والاجتماعات الشعبية التي هدفها توعية الشعب الروسي من مختلف الطبقات سياسيا, وتذليل جميع الصعوبات التي تواجه الثورة وتدعيمها وترسيخها, واستيعاب المفاهيم الديمقراطية, التي من شأنها اضعاف الحكم القيصري الاستبدادي, وزيادة الاعانات المالية الممنوحة للجان المكلفة بالتنظيم والقيادة, والتأكيد إلى جانب دورها في التواصل مع اللجان الأخرى والتنسيق فيما بينهم، وحسن التعامل مع أصحاب الأعمال والجنود.
خامساً : اعتماد الثورة على كل الوسائل المتاحة لتوضيح مطالب الشعب الروسي, وتأكيد مشروعيتها, ونشرها من خلال وسائل الاعلام كالصحف والمجلات.
سادساً: تسليح الطبقة العاملة والفلاحين تسليحاً قوياً حديثاً من اجل اداء مهامهم وواجباتهم بشكل أفضل.
سابعاً : تأليف الكتب والمجلات السياسية واصدار عددا من المجلات والجرائد الهدف الرئيس منها توضيح للطبقات الكادحة من العمال والفلاحين بأنه لا يمكن اطلاقاً تحسين حياتهم الا بالإطاحة بالحكم القيصري من خلال الاستعداد للعمل الثوري المنظم المستمر.
نادية الشمري
(1) نوار, عبد العزيز سليمان وعبد المجيد نعنيعي : التاريخ المعاصر أوربا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية ، (منشورات النهضة العربية ، بيروت , د. ت), ص413؛
See : Hingley,Ronald,The Tsars 1533-1917, (New York ,1968), pp.293-302
; Kirchner, Walther, A History of Russia , (New York,1874), p.156.
(2) البروليتاريا : مصطلح ظهر في القرن التاسع عشر ضمن كتاب (بيان الحزب الشيوعي) لكارل ماركس وفردريك انجلز, ويشير فيه الى الطبقة التي ستتولد بعد تحول اقتصاد العالم من تنافسي إلى احتكاري, وعرفها ماركس هي طبقة لا تملك أي وسائل إنتاج، وستحرر المجتمع , وتبني الاشتراكية بشكل أممي.
See : Clarkson, Jesse , A History of Russia from the Ninth Century , (London, 1961), pp.383,428-429.
(3) بيرخين , شميدت , تارنوفسكي : موجز تاريخ الاتحاد السوفيتي، (دار التقدم، موسكو, 1986) , ص103-104.
(4) المصدر نفسه .
(5) رمضان، عبد العظيم: تاريخ أوربا والعالم في العصر الحديث من تسوية مؤتمر فينا 1815 إلى تسوية مؤتمر فرساي1919، ج2، (منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997), ص246؛
Vernadsky George , A History of Russia, (Oxford University press , 1951 , p.184 .
(6) لينين (1870-1924) : قائد ثوري روسي ماركسي, قاد الحزب البلشفي، وأسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره" الأرض والخبز والسلام". ولد لينين في مدينة سيمبيرسك, وبعد أن انهى المدرسة دخل كلية الحقوق في جامعة قازان، إلا أنه فصل من الجامعة بسبب مشاركته في مظاهرات الطلاب بعد اعدام أخيه ألكسندر بسبب مشاركته في تنظيم محاولة اغتيال القيصر الاسكندر الثالث, ثم عاد إلى مدينة قازان, وانضم إلى إحدى الجمعيات الماركسية فيها. وفي عام 1893 انتقل لينين إلى العاصمة بطرسبورغ, وبدأ بتأليف كتب في موضوع علم الاقتصاد الماركسي وتاريخ حركة الفلاحين والعمال في روسيا. وتتواصل محطات حياة لينين مع اعتقاله, بسبب نشاطه السياسي الماركسي فتم نفيه إلى سيبيريا لمدة عام, وتمكن هناك من تخصيص مدة طويلة من وقته للكتابة إلى المفكرين الشيوعيين في أوروبا. وفي عام 1900 , سافر لينين إلى سويسرا وبقى خارج روسيا حتى عام 1905, وخلال هذه المدة تم اختياره لزعامة حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي.
See: Westwood J.N., Russian History 1812–1971, (Oxford University press ,1973) ,pp.150-151; Spector, Ivar, An Introduction to Russian History and Culture (London,1949),p.159.
(7) بيرخين : المصدر السلبق , ص104-105؛
Academy of Sciences of the USSR Institute of History, AShort History of the USSR, (Moscow,1965) ,pp.272-273.
(8) بلاشفة: وهي تسمية أطلقت على أنصار لينين عام 1903بعد انقسام الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي على إثر خلافات داخلية الى شقين, مثلت الشق الاول وكانوا يشكلون الأكثرية في الحزب ويسعون للعمل الثوري وإعمال السلاح لحل المعضلات السياسية بزعامة لينين, والشق الآخر المناشفة: وهم جماعة سياسية كانوا يشكلون الاقلية بزعامة مارتوف انتهجت طريق الحل السلمي في حل المشكلات السياسية .
للمزيد من التفاصيل ينظر : ايفانز فل , طارق علي : تروتسكي والماركسية , ترجمة : جمال الجزيري , (منشورات المجلس الاعلى للثقافة , القاهرة , 2003) , ص35,31؛
Vernadsky ,op.cit.,p.184; Academy of Sciences of the USSR Institute of History,p.273.
(9) رمضان : المصدر السابق , ص247-248؛
Kertesz G. A. ,Documents in the Political History of the European Continent 1815-1939,(Oxford University press, 1968),pp.294-295.
(10) ترويتسكي, الكسييف, كارتسوف: موجز تاريخ الاتحاد السوفيتي، ترجمة: محمد الجنـدي، (دار التقدم، موسكو, 1974),ص67.
(11) كارل ماركس (1818-1883): فيلسوف الماني سياسي وصحفي ومنظّر اجتماعي، ومؤسس الفلسفة الماركسية, وتتبلور النظرية الشيوعية الماركسية الدعوة إلى الاشتراكية والمساواة المطلقة لجميع الافراد ومن هنا جاءت حربا على الطبقات الارستقراطية والبرجوازية.
See: Mirsky,D.,S.,Russia ASocial History,(London,1931),pp.195,260.
(12) ترويتسكي: المصدر السابق , ص68.
(13) شنيرب, رُوبير: تاريخ الحضارات العام في القرن التاسع عشر, ترجمة : يوسف اسعد وفريد داغر, ,المجلد السادس , (منشورات عويدات , بيروت , 2003) , ص603.
(14) رنوفان, بيير: تاريخ العلاقات الدولية في القرن التاسع عشر1815- 1914, ترجمة : جلال يحيى , (دار المعارف , القاهرة , 1980) , ص603؛ هيز، كارلتون : التاريخ الأوربي الحديث1789-1914، ترجمة : فاضل حسين ، (دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل, 1987) ,ص413؛
Mazour, Anatole G. , Rise and Fall of the Romanovs , (London , 1960), p.126.-
(15) شوقي عطا الله الجمل وعبد الله عبد الرزاق ابراهيم : تاريخ اوربا من النهضة حتى الحرب الباردة , (منشورات المكتب المصري , القاهرة , 2000), ص224.
(16) الدسوقي , محمد كمال : تاريخ أوربا الحديث1800– 1918 ( منشورات النهضة الجديدة ، القاهرة , د. ت), ص223.
(17) تروتسكي(1879-1940): هو ماركسي بارز وهو مؤسس المذهب التروتسكي الشيوعي, دعا إلى الثورة العالمية الدائمة وهو عضو المكتب السياسي في الحزب البلشفي إبان حكم لينين, امتاز باعماله الادبية التي كشفت عن الموهبة الحقيقية التي يتمتع بها المتمثلة بمواهبه الخطابية ويمتلك معرفة واسعة, وكان الثوار الروس ينظرون اليه المتحمس السياسي الذين كانوا ينتظرونه لانعاش حركتهم. للمزيد من التفاصيل ينظر: هاو ارفنج : تروتسكي, ترجمة نديم خوري, (المؤسسة العربية للدراسات, بيروت, 1979) ؛
See: Spector,op.cit, p.159.
(18) يبيفانوف ، فيدوسوف : تاريخ الاتحاد السوفيتي، ترجمة : خيري الضامن ونيقولا الطويل ، (دار التقدم ، موسكو, د.ت ) , ص491-492.
(19) جورجي أبولونوفيتش جابون : راهب أرثوذكسي روسي , قام بقيادة الحركات العمالية قبل وخلال الثورة الروسية عام 1905.؛ ينظر : ايفانز: المصدر السابق , ص38؛
See: Kirchner,op.cit.,p.158.
)20 (Dukes, Paul , A History of Russia Medieval, Modern, Contemporary, (London,1974) ,p.179; Gooch,G.,P.,History of Our Time 1885-1914 , (London,1913), p.75; Kertesz,op.cit.,p.297.
(21) بيرخين : المصدر السابق , ص107.
)22( Academy of Sciences of the USSR Institute of History,op.cit.,p.276.
(23) يبيفانوف : المصدر السابق , ص495-497؛ ترويتسكي : المصدر السابق , ص71-72.
(24) يبيفانوف : المصدر السابق , ص497.
(25) فرنادسكي، جورج : تاريخ روسيا، ترجمة : عبد الله سالم الزليتني، (المكتب الوطني للبحث والتطوير، طرابلس, 2007), ص262؛ يبيفانوف : المصدر السابق , ص497-498.
(26) فشر، هـ.أ. ل : تاريخ أوربا في العصر الحديث (1789–1950) ، ترجمة: احمد نجيب هاشم ووديع الضبع,( دار المعارف, القاهرة ، ط9, 1964), ص478-479؛ يبيفانوف: المصدر السابق, ص498؛
,p.443. Clarkson, op.cit.,-
(27) بيرخين : المصدر السابق ص108؛ ترويتسكي : المصدر السابق , ص72.
(28) بيرخين : المصدر السابق ,ص108-109 ؛
Academy of Sciences of the USSR Institute of History,op.cit.,p.276.
(29) يبيفانوف : المصدر السابق, ص500؛ بيرخين : المصدر السابق , ص109 .
(30) يبيفانوف : المصدر السابق , ص501.
(31) بيرخين : المصدر السابق , ص109 ؛ يبيفانوف : المصدر السابق , ص 501-502؛
Clarkson,op.cit.,p.444; Westwood,op.cit.,p.157.؛ Spector,op.cit.,p.165.
(32) ترويتسكي : المصدر السابق , ص72-73 ؛ يبيفانوف: المصدر السابق , ص 502-503؛
Westwood,op.cit.,pp.157-158.-
(33) مجلس دوما الدولة: هيئة تمثيلية تشريعية في روسيا انشأتها الحكومة الروسية في المدة (1907-1917) بغية صرف الجماهير الشعبية عن الثورة , وكانت الوظائف التشريعية لمجلس دوما الدولة محدودة إلى اقصى حد, وكان فوق الدوما مجلس الدولة بصفة المجلس الاعلى الذي يتمتع بحقوق متساوية لحقوق دوما الدولة , ولذلك كانت لديه امكانية احباط كل مشروع قانون يتخذه مجلس دوما الدولة .
See: Academy of Sciences of the USSR Institute of History,op.cit.,p.281 ;
Spector,op.cit.,p.165.
(34) يبيفانوف: المصدر السابق , ص 503-504.
(35) صالح , محمد محمد وياسين عبد الكريم ونوري السامرائي : تاريخ أوربا في القرن التاسع عشر ، (مطبعة بغداد ، بغداد, 1985) , ص353 ؛ يبيفانوف: المصدر السابق , ص506.
(36) للمزيد من التفاصيل عن البيان القيصري ينظر : وثيقة روسية مترجمة بخصوص البيان القيصري بتاريخ 17تشرين الاول (اكتوبر) عام 1905؛ وثيقة روسية مترجمة اخرى تعلن منشور اللجنة المركزية لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الذي يكشف جوهر البيان القيصري: نقلا عن يبيفانوف : المصدر السابق , ص516-517 ؛
Kertesz,op.cit.,p.301.-
(37) يبيفانوف: المصدر السابق , ص507.
(38) موروزوف : المزارع التعاونية السوفيتية , ( منشورات وكالة نوفستي , (د.ت)) , ص12-13؛ هيز : المصدر السابق , ص415؛ صالح : اوربا في القرن التاسع عشر , ص353؛ بيرخين : المصدر السابق , ص112؛
Gooch,op.cit.,p.76; Clarkson,op.cit.,pp.456-457.
(39) موروزوف : المصدر السابق , ص13؛ بيرخين : المصدر السابق , ص112؛
Academy of Sciences of the USSR Institute of History,op.cit.,p.279;
-Spector,op.cit.,p.165.
40) يبيفانوف: المصدر السابق , ص508. )
(41) صالح : اوربا في القرن التاسع عشر , ص354.
(42) ترويتسكي : المصدر السابق , ص74؛ يبيفانوف: المصدر السابق , ص508؛
بيرخين : المصدر السابق ,ص112؛ - Spector,op.cit.,p.169.
(43) يبيفانوف: المصدر السابق , ص509؛ بيرخين : المصدر السابق ,ص113؛
Mazour, op.cit.,p.129.
(44) يبيفانوف : المصدر السابق , ص509؛ بيرخين : المصدر السابق ,ص113.
(45) بيرخين : المصدر السابق ,ص113؛ يبيفانوف: المصدر السابق , ص510.
(46) بييفانوف : المصدر السابق, ص511.
(47) ترويتسكي : المصدر السابق , 74-75.
(48)المصدر نفسه : ص75.
(49) المصدر نفسه : ص75-76.
(50) يبيفانوف : المصدر السابق , ص514؛ ترويتسكي : المصدر السابق , ص77.
(51) يبيفانوف : المصدر السابق , ص515.
(52) المصدر نفسه : ص517-518.
(53) بيرخين : المصدر السابق , ص114-115 ؛ يبيفانوف : المصدر السابق , ص518-519؛
Mazour, op.cit.,pp.129-130.
(54) صالح , محمد محمد : تاريخ اوربا الحديث 1870-1914, (مطبعة شفيق , بغداد , 1968), ص128؛ يبيفانوف : المصدر السابق , ص519- 520.
(55) يبيفانوف : المصدر السابق ص520-521.
)56( Gooch,op.cit.,pp.76-77 ; Kertesz,op.cit., pp304-306 ; Clarkson,op.cit. ,pp.457-458; Westwood,op.cit.,p.164.
(57) الدسوقي : المصدر السابق , ص224.
(58) يبيفانوف : المصدر السابق , ص521-522؛
Gooch,op.cit.,pp.77-78; Spector,op.cit.,pp.169-170; Clarkson,op.cit.,p.459.
(59) فرنادسكي : المصدر السابق , ص266-267؛ يبيفانوف : المصدر السابق , ص522-523؛
Westwood,op.cit.,pp.165-166; Mazour, op.cit.,p.131; Spector,op.cit.,pp.169-170.
(60) يبيفانوف : المصدر السابق , ص523-524.
(61) الدسوقي : المصدر السابق , ص224؛ نوار : المصدر السابق , ص 413.
(62) يبيفانوف : المصدر السابق , ص489-490 ؛ هاو ارفنج : المصدر السابق , ص40.
(63) سكولوف , جورج : روسيا بين 1815-1991, ج 1 , القسم الاول , ترجمة : انطوان حمصي (منشورات وزارة الثقافة السورية , دمشق , 1999) , ص229؛ بيرخين :المصدر السابق , ص116.
) 64(Spector,op.cit., p.170.
(65) ترويتسكي : المصدر السابق , ص79.
(66) مجموعة مؤلفين , تاريخ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية , ترجمة : طه صواف , (موسكو ,د.ت) ص214-215؛ ترويتسكي : المصدر السابق, ص80؛
Academy of Sciences of the USSR Institute of History,op.cit.,p.284.
(67) ترويتسكي : المصدر السابق , ص78؛ بيرخين : المصدر السابق , ص112.
(68) موروزوف : المصدر السابق , ص9.
(69) ارفنج هاو : المصدر السابق , ص35, 37, 39.
(70) ترويتسكي : المصدر السابق , ص79.
(71) تروتسكي , ليون : تاريخ الثورة الروسية , ترجمة : اكرم ديري- الهيثم الايوبي , ج1 , ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر , موسكو , 1930) , ص17.
(72) دويتشر إسحق وآخرون : ثورة أكتوبر في نصف قرن , ترجمة : بيار عقل, (منشورات الحقيقة , لندن, 1970), ص241؛ تروتسكي, ليون : المسألة القومية, ترجمة: جورج طرابيشي, (بيروت, 1974), ص40؛ يبيفانوف : المصدر السابق , ص524؛
op.cit.,p.128. Mazour,-
المـــصـــادر
الكتب العربية
ايفانز فل, طارق علي: تروتسكي والماركسية, ترجمة: جمال الجزيري, (منشورات المجلس الاعلى للثقافة, القاهرة , 2003).
بيرخين , شميدت , تارنوفسكي : موجز تاريخ الاتحاد السوفيتي، (دار التقدم، موسكو, 1986).
تروتسكي, ليون: المسألة القومية , ترجمة: جورج طرابيشي, (بيروت, 1974) .
ترويتسكي, الكسييف, كارتسوف: موجز تاريخ الاتحاد السوفيتي، ترجمة: محمد الجنـدي، (دار التقدم ، موسكو, 1974).
الدسوقي, محمد كمال: تاريخ أوربا الحديث1800– 1918 (منشورات النهضة الجديدة، القاهرة, د. ت).
دويتشر إسحق وآخرون : ثورة أكتوبر في نصف قرن , ترجمة : بيار عقل, (منشورات الحقيقة , لندن, 1970) .
رمضان، عبد العظيم: تاريخ أوربا والعالم في العصر الحديث من تسوية مؤتمر فينا 1815 إلى تسوية مؤتمر فرساي1919، ج2، (منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997).
رنوفان, بيير: تاريخ العلاقات الدولية في القرن التاسع عشر1815-1914 , ترجمة : جلال يحيى , (دار المعارف , القاهرة , 1980) .
سكولوف, جورج : روسيا بين 1815-1991, ج 1, القسم الاول, ترجمة: انطوان حمصي (منشورات وزارة الثقافة السورية , دمشق , 1999) .
شنيرب , رُوبير: تاريخ الحضارات العام في القرن التاسع عشر, ترجمة : يوسف اسعد وفريد داغر, المجلد السادس, (منشورات عويدات , بيروت, 2003).
شوقي عطا الله الجمل وعبد الله عبد الرزاق ابراهيم: تاريخ اوربا من النهضة حتى الحرب الباردة , (منشورات المكتب المصري , القاهرة , 2000).
صالح, محمد محمد وياسين عبد الكريم ونوري السامرائي : تاريخ أوربا في القرن التاسع عشر، (مطبعة بغداد ، بغداد, 1985).
صالح , محمد محمد : تاريخ اوربا الحديث 1870-1914 , (مطبعة شفيق, بغداد, 1968) .
فرنادسكي، جورج : تاريخ روسيا، ترجمة : عبد الله سالم الزليتني، (المكتب الوطني للبحث والتطوير، طرابلس, 2007).
فشر، هـ.أ. ل : تاريخ أوربا في العصر الحديث (1789–1950) ، ترجمة: احمد نجيب هاشم ووديع الضبع,( دار المعارف, القاهرة ، ط9, 1964).
مجموعة مؤلفين: تاريخ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية, ترجمة: طه صواف, (موسكو, د.ت ).
موروزوف: المزارع التعاونية السوفيتية , (منشورات وكالة نوفستي,(د.ت)).
نوار, عبد العزيز سليمان وعبد المجيد نعنيعي: التاريخ المعاصر أوربا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، (منشورات النهضة العربية، بيروت, د. ت).
هاو, ارفنج : تروتسكي , ترجمة نديم خوري , (المؤسسة العربية للدراسات, بيروت, 1979).
هيز، كارلتون : التاريخ الأوربي الحديث1789-1914، ترجمة : فاضل حسين ، (دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل, 1987) .
يبيفانوف، فيدوسوف: تاريخ الاتحاد السوفيتي، ترجمة: خيري الضامن ونيقولا الطويل، (دار التقدم ، موسكو, د.ت ).
الكتب الانكليزية
Academy of Sciences of the USSR Institute of History, AShort History of the USSR, (Moscow, 1965).
Clarkson, Jesse, A History of Russia from the Ninth Century, (London,1961).
Dukes, Paul , A History of Russia Medieval , Modern, Contemporary, (London,1974).
Gooch,G.,P.,History of Our Time 1885- 1914, (London, 1913) .
Hingley , Ronald ,The Tsars 1533-1917, (New York ,1968) .
Kertesz G. A. ,Documents in the Political History of the European Continent 1815-1939,(Oxford University press, 1968).
Kirchner, Walther, A History of Russia, (New York ,1874) .
Mazour, Anatole G., Rise and Fall of the Romanov, (London , 1960).
Mirsky,D.,S.,Russia ASocial History,(London,1931).
Spector, Ivar, An Introduction to Russian History and Culture (London,1949).
Vernadsky , George , A History of Russia , (Oxford University press ,1951) .
Westwood J.N., Russian History 1812–1971, (Oxford University press ,1973).
9 من الزوار الآن
916820 مشتركو المجلة شكرا