Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > حول ضرورة المقاطعة

9 تموز (يوليو) 2016

حول ضرورة المقاطعة

مقاطعة دولة الاحتلال
تعتبر المقاطعة بأشكالها المختلفة - بما فيها المقاطعة الاقتصادية - إحدى وسائل الدفاع عن النفس بين الدول ضد المعتدين والخصوم، كما تعتبر وسيلة من وسائل الضغط الجماعي التى تستخدمها مجموعة من الدول؛ لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

المُقاطَعَةُ
لغة: مصدر قَاطَعَ
المُقاطَعَةُ : الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أَو اجتماعيًّا وَفْقَ نظام جَماعيّ مرسوم
مُقَاطَعَةُ الانْتِخَابَاتِ : عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا
مُقَاطَعَةُ الْمُتَكَلِّمِ : التَّكَلُّمُ أَثْنَاءَ كَلاَمِهِ
الْمُقَاطَعَةُ الأُولَى : تَقْسِيمٌ إِدَارِيٌّ فِي الْمَدِينَةِ حَسَبَ أَحْيَائِهَا ، يُشْرِفُ عَلَيْهِ القَائِدُ
اصطلاحاً: المقاطعة هي عملية التوقف الطوعي عن استخدام أو شراء أو التعامل مع خدمة لجهة معينة كتعبير عن الاحتجاج.
أو هي حالة من الرفض للاحتلال وشكل من أشكال مقاومته سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ورفض التعايش والتطبيع معه.
ونستنتج من هذا التعريف أن هدف المقاطعة هو الامتناع عن التعامل نهائيا مع جهة معينة للضغط عليها لتغيير سياستها حول قضية معينة.

تاريخ المقاطعة:
يعود مصطلح المقاطعة Boycott في التاريخ لعام 1880 ميلادي, وهو مشتق من اسم الكابتن الانجليزي تشارلز بويكات Charles Boycott الذي كان يعمل مديرا عقاريا في ايرلندا, وفي ذلك العام غضب المزارعين الأيرلنديون من تشارلز بسبب رفع قيمة إيجارات الأراضي, ورفضوا الايرلنديين هذه الزيادة, فقابلهم تشارلز برد قاسي وهو طردهم من الأراضي التي يعملون بها, عندها غضب الأيرلنديون ووصفوا تشارلز بعبارات قاسية, وساءت الأحوال في ظل مقاطعة الايرلنديين عن العمل في الحقول والمزارع, ورفضوا التعاون معه, وسميت تلك الفترة بـ Land War, وبعد ذلك ظهر شخص بمقترح اسمه تشارلز ستيوارت Charles Stewart يطلب من الأيرلنديون عدم التعامل مع الكابتن تشارلز, وبعد فترة اقر الكابتن تشارلز بالهزيمة, وكانت نتيجة المقاطعة في صالح الأيرلنديون, وأصبحت هذه المقاطعة درس لكل من يستغل الضعفاء. لهذا يقولون إن المقاطعة هي سلاح الضعفاء.

لكن في تراثنا الاسلامي المقاطعة تعود إلى ما قبل 1400 سنة، ففي السنة السابعة من بعثة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، خضع هو وأصحابه وأقربائه من بني هاشم وبني عبد المطلب وكل من انحاز إليهم أو عاونهم حتى لو كان كفاراً إلى مقاطعة شاملة، إقتصادية وإجتماعية وسياسية وثقافية تمثلت في حصار شعب أبي طالب من قبل كبار كفار قريش. حيث قرر التحالف الآثم ألا يناكحوا المحاصرين ولا يبايعوهم، ولا يشتروا منهم، ولا يجالسوهم ولا يسمعوا لهم، ولا يكلموهم، ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا الرسول. لكن هذه المقاطعة باءت بالفشل. والشاهد: أن أسلوب الحصار أو المقاطعة أسلوب قديم جداً استخدمه المشركون ليضغطوا على المسلمين كي ينزلوا على رغباتهم منذ أربعة عشر قرناً.

كل الغزوات والسرايا التي كانت قبل غزوة بدر الكبرى، بل حتى غزوة بدر ذاتها، كان المقصد منها اعتراض قوافل قريش التجارية وأخذ أموالها وحصارها اقتصادياً، فسرية حمزة إلى (سِيف البحر)، وسرية سعد بن أبي وقاص إلى (الخرّار)، وغزوة الأبواء (ودّان) وسرية عبيدة بن الحارث إلى (رابغ)، وغزوة (بُواط)، وسرية عبدالله بن جحش إلى (نخلة)، وغزوة (العُشَيرة) التي أفلت فيها أبوسفيان بالقافلة في ذهابه إلى الشام، وهي القافلة ذاتها التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريدها حين عادت نادباً إليها أصحابه قائلاً: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله يُنفّلكموها"، لكنها أفلتت فكانت غزوة بدر الكبرى !
فكل تلك الغزوات والسرايا كان هدفها الأول هو الحصار الاقتصادي واعتراض القوافل وقطع تجارة قريش، إضعافاً للعدو وكسراً لشوكته وهذا هو مفهوم المقاطعة

قصة ثمامة بن أثال (رضي الله عنه) لمّا أسلم، فقطع تجارة الحنطة عن قريش التي كانت تأتيهم من قِبَله من اليمامة، وأقسم لهم: "ولا والله لايأتيكم من اليمامة حبّةُ حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم "، وخبره هذا في الصحيحين. فكان ثمامة (رضي الله عنه) بذلك أول مقاطِع تجاري للعدو في الإسلام -بمعناه الاصطلاحي-، فإنه استشعر دوره ضد قريش لكفرها وحربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخدم سلاحه الذي يملك وقاطع تجارتهم، فكان في ذلك إرهاق قريش وتجويعها، حتى أرسلوا إليه صلى الله عليه وسلم يسألونه بالرحم أن يكتب إلى ثمامة ليُخلي لهم حمل الطعام، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ورفع الحصار.

مقاطعة العديد من شعوب العالم لبضائع دولة جنوب أفريقيا العنصرية، تضامنا مع نضالات وتضحيات شعب جنوب أفريقيا بقيادة نلسون مانديلا، واحتجاجا على سياسة الفصل العنصري التي كانت تنتهجها حكومة بريتوريا ضد السكان السود أصحاب البلاد الأصليين، حتى انهار هذا النظام العنصري وحصل شعب جنوب أفريقيا على حريته واستقلاله الناجزينالمهاتما غاندي ومقاطعة بريطانيا: في عام 1920 قال غاندي جملته الشهيرة، والتي لا يزال صداها يتردد إلى الآن :"احمل مغزلك واتبعني". وسبب هذه الجملة، أن غاندي لاحظ أن بريطانيا تحتكر شراء القطن الهندي الطبيعي بثمن بخس، لتعيده ملابساً وقطعاً قطنيةً، وتبيعه للهنود بأغلى الأثمان، فقرر الرجل أن يقاطع الملابس القطنية البريطانية، ولما تبعه عشرات الآلاف من الهنود، كانت النتيجة خسارة كبيرة جداً قدرت بالملايين للشركات البريطانية، ودفع غاندي ثمن ذلك عدة أشهر في السجن.

وفي عام 1931، قاد غاندي ثورة أذهلت بريطانيا، فبعد أن كانت بريطانيا تمنع الشعب الهندي من استخراج الملح، بل وتبيعه إياهم بأثمان باهظة جداً، قرر الزعيم الروحي أن يسير إلى البحر لاستخراج الملح بنفسه، فسار هو ومجموعة كبيرة من الشعب الهندي مسافة 300 كم مشياً على الأقدام، قطعوا المسافة في 24 يوماً، وكان يوم الاثنين هو يوم الاستراحة لهم، حتى وصلوا البحر فقاموا باستخراج الملح بأنفسهم، وقد أدت هذه الثورة إلى توقيع "معاهدة دلهي" المذلة لبريطانيا.
بلغت الأمور ذروتها عندما قرر غاندي مقاطعة كل ما هو بريطاني، وتبعه عشرات بل مئات الملايين من الهنود، فوجدت بريطانيا نفسها تواجه خسائر مادية فادحة في تلك البلاد، وكانت الخسائر الاقتصادية التي تمنى بها بريطانيا في الهند واحدة من الأسباب التي أدت إلى انسحابها لاحقاً من الهند عام 1947.

السود الأمريكيين وقطاع المواصلات: لم يكن يسمح للأمريكيين من ذوي الأصل الأفريقي، أن يركبوا في الحافلات كغيرهم من الأمريكيين، وإنما كان يجب عليهم الوقوف طوال فترة الرحلة، أو الجلوس في مؤخرة الباص إمعاناً في إذلالهم. رغم المحاولات المستميتة من الأمريكيين الأفارقة لتغيير هذا النظام إلا أنه ظل قائماً حتى واتتهم فكرة المقاطعة. قرر الأفارقة الأمريكيين في الولايات المتحدة عدم استخدام الحافلات والسير على أقدامهم أو استخدام الدراجات الهوائية أو أي وسيلة مواصلات أخرى، وكانت النتيجة خسائر فادحة في قطاع المواصلات ولشركات الحافلات التي اكتشفت أن أساس عملها معتمد في الأصل على الأفارقة الأمريكيين. وكانت النتيجة النهائية معروفة، إذ تم إلغاء النظام الجائر، وكان هذا الحق من أوائل الحقوق التي حصل عليها الأفارقة الأمريكيون في الولايات المتحدة آنذاك.

شعب اليابان رغم هزيمته في الحرب العالمية الثانية التي أَلحقت به دمارا شاملا رفض شراء السلع والبضائع الأمريكية، وأعلن رفضه القاطع للاحتلال والسيطرة الأمريكية على مقدرات اليابان الاقتصادية والعلمية، وشجع الصناعة الوطنية والإنتاج الزراعي والخدماتي، إلى أن استطاع هذا الشعب التقدم بخطوات ثابتة في جميع المجالات وفرض سيطرته الاقتصادية حتى على السوق الأمريكية نفسها، واستطاع الاقتصاد الياباني أن يسجل لصالحه فائضا كبيرا في الميزان التجاري وصل إلى حد وقوع نزاعات تجارية عديدة بين البلدين.

الشعب الأرجنتيني ومقاطعة البيض: حينما فكرت شركات إنتاج البيض في رفع أسعاره، قاطع الشعب الأرجنتيني شراء البيض. واستمرت مقاطعة شراء البيض لمدة أسبوعين وخسرت شركات انتاج البيض مبالغ كبيرة مما اضطرها لإعادة الأسعار كما كانت لكن المقاطعة استمرت، حتى اجتمع التجار مرة أخرى وقرروا: تقديم إعتذار رسمي للشعب الأرجنتيني عن طريق جميع وسائل الإعلام، تخفيض سعر البيض عن سعره السابق إلى ربع القيمة السابقة.
المقاطعة في فلسطين والعالم العربي: كان اليهود المستوطنون في فلسطين أول من زرع فكرة المقاطعة منذ بداية الهجرة غير الشرعية في زمن الانتداب البريطاني، فراحوا يمتنعون عن شراء البضائع والحاجيات من المتاجر العربية عندما يكون لديهم مثيلاتها ويمتنعون قدر المستطاع عن الاستعانة باليد العاملة العربية.
وعندما وعى العرب فداحة الخطر الصهيوني وتزايد سيطرتهم وتفاقم هجرتهم، رأوا في المقاطعة سلاحاً مساعداً لإضعاف النمو اليهودي في فلسطين، انعقد في عام 1920 في نابلس مؤتمراً للجمعية الإسلامية المسيحية، اتخذ فيه تجار فلسطين قراراً بمقاطعة البضائع اليهودية، بل وحتى اليهود بشكل عام.
امتدت آثار تلك المقاطعة لتشمل مندوبون من سوريا ولبنان وشرق الأردن، وكان ذلك عام 1929 في القدس، وفي هذا المؤتمر منع بيع الأراضي للتجار اليهود.

ثم توج هذا العمل بلجنة المقاطعة عام36 والتي منعت إدخال أي بضائع لفلسطين إلا عن طريق اللجان المخولة بذلك خوفاً من تلقي اليهود لهذه البضائع، وكانت هذه اللجنة بمثابة ضربة قاصمة للعصابات اليهودية الموجودة في فلسطين آنذاك.
وامتد الأمر ليشمل بعداً رسمياً، خصوصا عام 45 ومن ثم عام 54 ، حيث أجمعت الدول العربية على مقاطعة الكيان الصهيوني ومنتجاته وبضائعه، وقد كلف ذلك الأمر الدولة الفتية مبالغ طائلة كانت تطالها من الخزينة الأمريكية.

لكن المقاطعة تراجعت كثيراً بعد محادثات السلام المزعومة، والتي سمحت للدولة الصهيونية بتوزيع منتجاتها وبضائعها حول العالم العربي الذي أصبح مستهلكاً شرساً لتلك البضائع ثم تلققت ضربة قاصمة بتوقيع إتفاق أوسلو. وللدلالة على القول، سنقتبس هنا من كتاب (فلسطين/إسرائيل: سلام أم فصل عنصري، لمروان بشارة)، والذي يقول فيه: (فكانت سنوات "سلام أوسلو" بمثابة بقرات سمان للإسرائيليين وبقرات عجاف للفلسطينيين، حيث استفادت إسرائيل من الدعم الدولي واستثمارات السلام ورفع المقاطعة العربية من الدرجتين الثانية والثالثة. هكذا تحصلت الدولة العبرية على عائدات السلام الاقتصادية دون أن يتحقق السلام. في الوقت الذي تدهورت فيه أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية وتعمقت تبعيتهم للقوة المحتلة (88% من الصادرات الفلسطينية تذهب إلى إسرائيل)، وفي الوقت الذي تعد فيه الأراضي الفلسطينية المحتلة الوجهة الثانية للصادرات الإسرائيلية –بقيمة 5.2 مليارات دولار-في العالم بعد السوق الأميركية)

مبررات المقاطعة:
دينياً: من منطلق عدة آيات:
قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ" أوجب على المؤمنين مجاهدة الكفار والمنافقين، إما وجوباً عينياً أو كفائياً، بإلحاق الضرر بهم عن طريق المقاطعة.
قوله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ" و المقاطعة نَيْلٌ من الكفار وإغاظة لهم، وما كان كذلك فهو محبوب إلى الله.
أخلاقياً: من غير المنطقي وليس مبرراً أن يكون لنا إخوة يدفعون حياتهم ودمائهم فداءاً لهذه الأرض وللمسجد الأقصى في حين تتم خيانة هذه التضحيات إما بشراء المنتجات ودفع ثمن الرصاص الذي يقتلون به أو بالاعتراف الغير ضمني بشرعية قتلتهم ومستبيحي دماءهم من خلال التعامل والتعلون مهم. ومن هنا جاء الواجب الأخلاقي للمقاطعة.
وطنياً: من سرق الوطن وجبت مقاطعته وتشويه صورته وإلحاق الضرر به حتى يعيد الحق لأصحابه.
سياسياً وتاريخياً: كما أثبتت تجارب الشعوب فإن المقاطعة وسيلة سلمية آمنة لا يمكن لأي شخص وصفها بالإرهاب وتحقق مكاسب عظيم وأهداف كثيرة.

أشكال المقاطعة:
بحسب القس ديزموند توتو (من كبار مناهضي نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا وحائز على جائزة نوبل للسلام) فإن ما أنجزته الحملة الدولية لمقاطعة الاحتلال خلال خمس سنوات من استثمارات إسرائيل عجزوا هم عن تحقيقه خلال خمسين عاما من المقاطعة ضد نظام التفرقة العنصرية "الأبارتهايد" في جنوب أفريقيا.
- المقاطعة الاقتصاديّة: تبلغ واردات إسرائيل إلى أراضي السلطة الفلسطينية أكثر من 3 مليار دولار سنوياً إذ تعتبر السوق الفلسطينية ثاني سوق للمنتجات الصهيونية بعد أمريكا مما يعني ان مقاطعة منتجاته من المفترض ان تؤدي لنتائج كارثية على الجانب الاسرائيلي اذا تم الالتزام بالمقاطعة..المقاطعة الإقتصادية سلاح رادع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية، فمن خلال عملية حسابية بسيطة- أن الشعب العربي البالغ 300 مليون نسمة إذا قاطع منه 100 مليون فقط منتجًا صهيونيًّا أو أمريكيًّا أو بريطانيًّا قيمته دولار واحد فالخسائر التي ستلحق بالشركات تلك 100 مليون دولار يوميًّا ، وهذا في منتج واحد فقط، أما إذا فعَّلنا المقاطعة لتشمل منتجات عديدة فسوف يُرغم الحكومات والأنظمة الغربية على اتخاذ مواقف غير التي تنتهجها الآن. يعد الاقتصاد الاسرائيلي من أقوى الاقتصادات في المنطقة، حيث وصل ناتجه المحلي الاجمالي حتى منتصف 2015 الى حوالي 284 مليار دولار، حسب الاسعار الجارية. كما تمتع الاقتصاد الاسرائيلي بنمو مضطرد على مدى السنوات القليلة الماضية، تراوحت نسبته ما بين 5.5% و 7.5% بين العامين 2007-2012، مع الاشارة الى تأثره القليل بالازمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وجزء من هذه الاسباب يعود للمساعدات والتسهيلات الاقتصادية السخية الممنوحة من الولايات المتحدة واوروبا لاسرائيل. لكن بفضل حملة المقاطعة كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد المحلي نسبة نمو أعلى من 1.5% بالربع الثاني من العام 2015، لكنها استقرت فعليا عند 0.3%. وكان الاقتصاد الإسرائيلي قد سجل نسب نمو بلغت 2% في الربع الأول من العام 2015، و3.3% في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق مكتب الإحصاء المركزي.

الأبحاث الاقتصادية تشير الى غياب واضح لأرقام حقيقية حول حجم خسائر الاقتصاد الاسرائيلي جراء المقاطعة منذ بدايتها حتى الان. البعض يتحدث عن خسائر تصل الى المليارات، فخسائر قطاع الزراعة وحده قدرت بنحو 30 مليون شيكل، يعود معظمها لمقاطعة المستوطنات.
ومن البيانات الاقتصادية ما اشار الى انه بتاريخ 2-2014 انسحبت شركات عملاقة من عطاء بناء موانئ اسرائيلية خوفا من تنامي المقاطعة، وفي 2-2014 ايضا قررت الحكومة الالمانية استثناء الشركات والمؤسسات الاسرائيلية العاملة في الاراضي المحتلة عام 1967 من اتفاقيات التعاون العلمي مع اسرائيل. كما قرر بنك دانسكه، اكبر بنك في الدنمارك مقاطعة بنك هابوعاليم الاسرائيلي لتورطه في الاحتلال... وهناك الكثير من امثال هذه الخسائر. مما قاد اسرائيل لمنافسة كوريا الشمالية على موقع ثالث أسوأ دولة في العالم من حيث الشعبية.
وكانت وزارة المالية الاسرائيلية قد أصدرت تقريرا نص على "أن المقاطعة هي أكبر خطر على الاقتصاد الاسرائيلي".

المقاطعة السياسية: هي الحملات التي تسعى إلى قطع العلاقات مع دولة إسرائيل. ويدير هذه الحملات الرافضون لشرعية إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية وسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين على مدار الصراع العربي الإسرائيلي. فمثلاً في يونيو 2010 قررت نقابة عمال الموانئ النرويجية، مقاطعة السفن الإسرائيلية التي ترسو في موانئ النرويج احتجاجا على الممارسات الإسرائيلية بحق أسطول الحرية.
أدى ذلك بإسرائيل لسن قانون يجرّم المس بدولة إسرائيل بواسطة المقاطعة، صودق على القانون في دورة الكنيست ال18، في 11 تموز 2011 ويعرف القانون في الخطاب العام الإسرائيلي باسمه المختصر " قانون المقاطعة". بحسب القانون يمنع حملة الهوية الصهيونية أو المنظمات العاملة في إسرائيل من العمل لأجل فرض المقاطعة على المؤسسات الإسرائيلية أو المستوطنات الإسرائيلية أو الجهات المختلفة التي تقيم علاقت معها. كما أدى بعد ذلك بالحكومة الاسرائيلية إلى إنشاء وزارة لمواجهة حملات المقاطعة العالمية ضد المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.

المقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة والطبية: تهدف إلى عزل "إسرائيل" معنويًّا، وكشفِ ضلوع مؤسّساتها الأكاديميّة والثقافيّة في تبرير القمع ودعم الحرب والعنصريّة. لأنّ المؤسّسات الأكاديميّة والقانونيّة والطبيّة الإسرائيليّة ضالعةٌ في قمع الشعبِ الفلسطينيّ:
أ) عبر بناءِ روايةٍ كاذبةٍ عن "الديمقراطيّة الإسرائيليّة".
ب) عبر محاصرةِ أو منعِ الروايات التاريخيّة الحقيقيّة للنكبة الفلسطينيّة.
ج) عبر تقديم مبرّرات "وجوديّة" و"أخلاقيّة" من أجل قمع الشعب الفلسطينيّ.
د) عبر الإسهام المباشر في دعم آلة الحرب الإسرائيليّة. فمعهد تخنيون Technion التقنيّ، مثلًا، طوّر أنظمةً قتاليّةً و"دفاعيةً" و"رقابيّةً" استُخدمتْ ضدّ الفلسطينيين؛ ناهيك بأنّه يضمُّ أكبرَ نسبةٍ من الطلّاب العاملين في احتياطيّ الجيش الإسرائيليّ، بل إنّ بعضَ أعضاء مجلس إدارته يعملون في الجيش وجهازَي المخابرات والأمن. كما أنّ جامعة تل أبيب صَمّمتْ عشراتِ الأسلحة لفرض الاحتلال والفصل العنصريّ؛ وهي تضمّ "معهدَ دراسات الأمن القوميّ،" صاحبَ نظريّة "القوة غير المتوازنة" المعتمدة من قِبل الجيش الإسرائيليّ، والداعيةِ إلى "تدمير البنية التحتيّة [المدنيّة] وإنزالِ أشدِّ أنواعِ المعاناة بحقّ الشعب [المدنيّ]" وسيلةً لهزيمة المقاومة الفلسطينيّة. أمّا الجامعة العبريّة (المبنيّةُ على أراضٍ محتلّة) فتحتوي على قاعدة عسكريّة. هذا وكانت جامعةُ حيفا الإسرائيليّة قد أعلنتْ، في بيانٍ رسميّ، تأييدَها لـ"جيش الدفاع الإسرائيليّ" في عمليّة "الرصاص المصبوب" ضدّ قطاع غزّة (2008-2009).
ه) عبر الإسهام المباشر في المشاريع العنصريّة. فجدارُ الفصل العنصريّ، مثلًا، كان "من بناتِ أفكارِ علماء الجغرافيا في جامعة حيفا (البروفسور آرنون سوفر)، وخطّط له مهندسون معماريّون بارزون في الجامعات الإسرائيليّة، ونفّذه مهندسون معماريّون من معهدِ تخنيون" .
و) عبر تزويد المحاكم العسكريّة بمتخرّجي القانون من الجامعات الإسرائيليّة المختلفة.
أمّا المؤسّسات الطبّيّة الإسرائيليّة فهي نفسُها ضالعةٌ في الإجرام عبر إشراف أطبّاء إسرائيليين على تعذيب الفلسطينيين. وذلك هو ما جزم به الدكتور يوران بلاشار، الرئيسُ السابقُ للجمعيّة الطبّيّة الإسرائيليّة، والدكتور إيران دوليف، رئيسُ قسم "الأخلاقيّات" فيها.
المقاطعة النقابية: لا تقل أهمية عن المقاطعة السياسية والإقتصادية كون النقابات هي أجسام تضم الفئات الفاعلة في المجتمع. فمثلاً أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين مقاطعته لإسرائيل كما أعلنت نقابة عمال الكهرباء والإذاعة الأمريكية مقاطعتها. كذلك أعلنت نقابة أساتذة الجامعات في بريطانيا واتّحادُ نقابات العمّال في جنوب أفريقيا واتّحاد الصحافيين البريطانيين ونقابات عدّة مهمة في كندا، وأخرى في إيرلندا واسكتلندا وغيرها انضمامهم إلى حملة مقاطعة اسرائيل. وأيد كل من مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس جنوب أفريقيا، وكنيسة إنكلترا، وغيرها المقاطعة الصهيونية.
المقاطعة الرياضية: نقصد بها تجاهل الرياضيين الإسرائيليين وتجريدهم من إمتيازاتهم الرياضية. فبسبب المقاطعة لإسرائيل أستثني الرياضيين الاسرائيليين وحتى الفرق الإسرائيلية من المنافسات في العديد من المنافسات الدولية. كذلك فإن بعض الرياضيين العرب والمسلمين يرفضون دخول أي مباريات تجمعهم بلاعبين إسرائيليين. وحتى بعض الدول تمنع لاعبيها من مواجهة لاعبين إسرائيليين.
المقاطعة الفنيّة: تقوّض من صورة العدوّ "الحضاريّة"، وتسهم في منع "تطبيع" جرائمه بذريعة انفصال الفنّ عن السياسة. لأنّ قيام الفرق الفنيّة العالميّة بتقديم عروضها داخل كيان العدوّ يُسهم في التغطية على جرائمه، فيستغلّ ذلك "ليطبّعَ" تلك الجرائمَ في العقول، ولسانُ حاله يقول: "اعزفوا ما شئتم وسأواصلُ القتلَ والتهجيرَ والتمييز العنصريّ!" وهذا ما سيشجّع فنّانين آخرين على تقديم العروض هناك. وقد وَعَت "الحملةُ الفلسطينيّةُ للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل" ذلك، حين اعتبرت المشاركةَ الفنيّةَ أو الثقافيّة العالميّة داخل الكيان الغاصب عملًا متواطئًا مع الاحتلال والأبارتهايد بذريعة أنّ "الفنّ هو من أجل الفنّ" ولا علاقة له "بالسياسة.".
الأشكال الأخرى من المقاطعة (رياضيّة، كنسيّة،...) تهدف إلى الاحتجاج على الجرائم والعنصريّة الإسرائيليّة، وتَحُول دون نشاطاتٍ أخرى تخدم دولةَ العدوّ.

هل المقاطعة بديلٌ من المقاومة المسلحة؟
أبدًا. الشعوب، إجمالًا، لا تنتصر على جلّادها بأسلوبٍ واحدٍ من المقاومة، بل بتضافر أشكالٍ متعدّدةٍ منها. والمقاومة المسلّحة، تحديدًا، هي في العادة من صنع قلّةٍ متفانية، ومقدامةٍ، وشابّةٍ في الأغلب. أمّا المقاطعة فأوسعُ جمهورًا، وتتيح لفئات الشعب كافّةً المشاركةَ في العمل المقاوم، لأنّها قد تشمل الأطفالَ والمسنّين والعمّالَ والمزارعين والأطبّاءَ والمهندسين والأغنياءَ والفقراءَ والمتعلّمين والأمّيّين، ذكورًا وإناثًا. كما أنّ المقاطعة يمكن أن تفْعل فعلها بصرف النظر عن توافر أجواء الحريّة السياسيّة في البلاد أو غيابها: فلا أحد يستطيع أن يجبرَنا، مثلًا، على استهلاك منتجاتٍ إسرائيليّةٍ أو داعمةٍ للكيان الصهيونيّ، ولا على شراء أسطوانات فنّانين مروّجين للصهيونيّة، أو على حضور حفلات فرقٍ أحيت عروضًا هناك غاضّةً النظرَ عن الاحتلال. لا أحد يجبرنا على ذلك حتى في عزّ الاستبداد داخل بلداننا، أو في ظلّ معاهدات "صلح" رسميّةٍ مع العدوّ.
ثم إنّ المقاطعة ليست شكلًا رئيسًا من أشكال النضال الفلسطينيّ والعربيّ وحسب، بل هي كذلك أكثرُ أشكال التضامن الدوليّ مع حقوقنا فاعليّةً وتأثيرًا، وذلك نظرًا إلى العامليْن الآتييْن:

1) اعتماد الكيان الغاصب على الدعم الغربيّ (الاقتصاديّ والسياسيّ والديبلوماسيّ والأكاديميّ والثقافيّ) من أجل إدامة نظامه العنصريّ والاستعماريّ، بملحظ أنّ هذا الكيان يحظى بأكبر قدْرٍ من المساعدات من بين كلّ دول العالم قاطبةً.
2) اعتماد هذا الكيان على صادراته (بلغتْ في العام 2010 أكثرَ من 55 بليون دولار، نصفُها تقريبًا إلى الولايات المتّحدة، وأهمُّها في مجال الألماس والسلاح والرقائق الإلكترونيّة والكيماويّات والمعدّات الطبّيّة والطعام). وبذلك، فإنّ"نداء المقاطعة" الذي أطلقه المجتمعُ المدنيُّ الفلسطينيّ سنة 2005 يتخطّى حدودَ أقطارنا العربيّة ليصل إلى شعوب العالم من أجل فرض عزلةٍ شاملةٍ على "إسرائيل" شبيهةٍ بتلك التي أسهمتْ في تقويض نظام الفصل العنصريّ (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا في نهايات القرن الماضي.

تعريف التطبيع:
التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية. ويستثنى من ذلك المنتديات والمحافل الدولية التي تعقد خارج الوطن العربي، كالمؤتمرات أو المهرجانات أو المعارض التي يشترك فيها إسرائيليون إلى جانب مشاركين دوليين، ولا تهدف إلى جمع الفلسطينيين أو العرب بالإسرائيليين، بالإضافة إلى المناظرات العامة. كما تستثنى من ذلك حالات الطوارئ القصوى المتعلقة بالحفاظ على الحياة البشرية، كانتشار وباء أو حدوث كارثة طبيعية أو بيئية تستوجب التعاون الفلسطيني-الإسرائيلي.
تتضمن فكرة التطبيع: مشاركة عرب أو فلسطينيين، مؤسسات أو أفراد، في أي مشروع أو نشاط يقام داخل إسرائيل أو في الخارج مدعوم من أو بالشراكة مع مؤسسة إسرائيلية لا تقر علنا بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو تتلقى دعماً أو تمويلاً (جزئيا أو كلياً) من الحكومة الإسرائيلية، كمهرجانات السينما ومعارض تقنية المعلومات وغيرها. كما تتضمن إقامة أي نشاط أو مشروع يهدف لتحقيق "السلام بين الطرفين" من دون الاتفاق على الحقوق الفلسطينية المسلوبة.

ما هي حملة بي دي إس BDS؟
التاريخ والنشأة:
تأسست حركة بي دي إس عام 2005، وهي اختصار للكلمات الثلاثة: المقاطعة (Boycott) وسحب الاستثمارات (Divestment) وفرض العقوبات (Sanctions)، أو ما يتم الإشارة إليه في أغلب الأحيان بـ(BDS). مستلهمةً أهدافها واستراتيجياتها من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية بقيادة مارتن لوثر كينغ، وحركة النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا. وقد وقّع أكثر من مائة وسبعين منظمة فلسطينية غير حكومية، وأحزاب سياسية، ونقابات مهنية، وهيئات واتحادات، وحملات شعبية على عريضة نداء حركة المقاطعة.
وكما يظهر على الموقع الإلكتروني للحركة، فإنّ نداء المقاطعة يطالب إسرائيل بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والانصياع للقانون الدولي عن طريق:
• أولًا: إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار.
• ثانيًا: الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين.
• ثالثًا: تطبيق حق العودة بناءً على قرار الأمم المتحدة رقم 194.
أي إنَّ أهداف الحركة الثلاثة ترتكز على مطالب ومظلومية جميع الفلسطينيين، وليس فقط فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يشكِّلون فقط 38% من مجموع الفلسطينيين في العالم، حسب الحركة. فالحركة تريد أيضًا أن تعالج مطالب فلسطينيي الشتات (يشكِّلون تقريبًا 50% من الفلسطينيين)، والفلسطينيين المقيمين في إسرائيل منذ عام 1948 (يشكِّلون 12% من مجموع الفلسطينيين) والذين يتعرضون لتمييز عنصري متنامٍ من قِبل المجتمع الإسرائيلي.
تركيز الحركة على المظالم الواقعة على جميع الفلسطينيين جعلها عُرْضة لانتقادات متزايدة لضبابية مواقفها السياسية، وأنها لا تطرح برنامجًا متماسكًا للحل السياسي، خاصة أن بعض مؤيدي الحركة والفاعلين فيها يتبنُّون فكرة حل الدولة الواحدة عوضًا عن حل الدولتين.
- الفاعلون واستراتيجيتهم:
ينشط في الحركة مجموعة كبيرة من الفاعلين الذين يتجاوزون الحدود المحلية إلى المستوى الدولي. وعلى الرغم من أن مرجعية الحركة وقيادتها تُعتبر فلسطينية كما يوضِّح عمر البرغوثي، أحد مؤسِّسي الحركة، إلا أنها تعتمد -وبشكل كبير- على الجهود التطوعية لأفراد ومؤسسات مؤيدين لحقوق الفلسطينيين على مستوى العالم، إضافة إلى المبادرات الفردية والجماعية المنظمة؛ حيث تنسق الحركة مع حلفائها حول العالم. كما ينتمي للحركة عدد قليل من الإسرائيليين المناصرين لها والمعادين للصهيونية والمتبنِّين لأهداف الحركة المنادية بالمقاطعة الكاملة، وهو ما أسهم في نزع الفكرة الإسرائيلية التي تروِّج في الغرب على أن الحملة معادية للسامية.
ويمكن تقسيم استراتيجية الحركة والمساندين لها إلى قسمين رئيسيين: قسمٍ يعمل خارجيًّا، وقسمٍ يعمل داخليًّا.
أولًا، العمل خارجيًّا: تعتمد استراتيجية بي دي إس على التغيير التدريجي الذي تسعى من خلاله كخطوة أولى إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها في كافة المجالات (الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والرياضية والعسكرية)؛ وذلك للوصول إلى الخطوة النهائية المتمثّلة في عزل إسرائيل وفرض حصار دولي عليها بأشكال متعددة.
تدرك بي دي إس تعقيد التحالفات الدولية الداعمة لإسرائيل واختلاف السياقات الدولية؛ لذلك تتبنَّى الحركة مبدأ "حساسية السياق"، بمعنى أن نشطاء الحركة وحلفاءهم يقومون برسم أهدافهم واستراتيجياتهم التي تراعي ظروفهم المحلية وسياقات التفاعل معهم. لذلك، يتم وضع حملات الحركة المختلفة بصورة غير مركزية. فبعض النشطاء يمكن أن يقرروا مقاطعة جميع الجامعات الإسرائيلية، بينما يرى البعض الآخر مقاطعة الشركات المتورطة في الاستثمار بشكل غير قانوني في مستوطنات الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1967 . لهذا السبب بالتحديد، يستهدف غالبية نشطاء الحركة في أوروبا -على سبيل المثال- الاستثمارات في المستوطنات الإسرائيلية، والتي لا تشكِّل انتهاكًا للقانون الدولي فقط، بل أيضًا يمكن أن تشكِّل انتهاكًا لبعض القوانين والإجراءات الأوروبية التي تحظر الاستثمار في المستوطنات.
ولإجبار الشركات على سحب استثماراتها من إسرائيل، يقوم ناشطو الحركة بحملات منظمة ومستدامة تستهدف مهاجمة الشركات التي تستثمر في إسرائيل (وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية) من خلال التهديد بمقاطعة منتجاتهم أو التحريض عليها، أي إن الحركة تسعى إلى تعبئة المستهلكين للامتناع عن شراء منتجات الشركات أو خدماتها، وبالتالي تقليل الإيرادات وفرض تكاليف إضافية في السوق عن طريق إحداث ردود فعل سلبية بين جمهور المستهلكين وتدمير سمعة هذه الشركات بين زبائنها؛ بهدف زيادة الضغوط على هذه الشركات من خلال التركيز على صورتها وسمعتها.
ثانيًا، العمل داخليًّا: تقوم استراتيجية الحركة داخل الأراضي المحتلة عام 1967 على السعي لمقاطعة المنتجات والمؤسسات الإسرائيلية ونشر التوعية بين الفلسطينيين حول أهمية المقاطعة. وتعتبر "اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل" و"اللجنة التنسيقية للمقاطعة الشعبية" والتي تشكَّلت حديثًا إحدى أهم الأدوات التي يتم استخدامها للتعبئة الشعبية. كما تسعى الحركة إلى تشجيع المنتج الوطني وتوفير البديل للمنتج الإسرائيلي من حيث الجودة والسعر.
وبالرغم من النجاحات المتتالية التي تحققها حركة "بي دي إس" على الصعيد الدولي، إلا أن تأثيرها لا يزال ضعيفًا على المستوى المحلي؛ حيث تعتبر السوق الفلسطينية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية من حيث تسويق المنتجات الإسرائيلية. يرجع ذلك بشكل كبير إلى ضعف التنسيق ما بين الحركة والسلطة الفلسطينية؛ فالأخيرة لا تزال تعوِّل على إحياء عملية السلام والمفاوضات الثنائية مع الجانب الإسرائيلي؛ حيث تتخوّف من ردّة فعله في حال أقدمت على تبنِّي المقاطعة الشاملة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن السلطة الفلسطينية محكومة باتفاقية باريس الاقتصادية التي تُضعف سيطرة السلطة على السوق الفلسطينية الداخلية أو تحكمها في المعابر الخارجية، وهو ما يُسهِم أكثر في إضعاف المناعة الفلسطينية الداخلية أمام المقاطعة. كما أن المقاطعة في قطاع غزة تعتبر صعبة للغاية، لاسيما بعد هدم الأنفاق الواصلة ما بين مصر وقطاع غزة، وإحكام إسرائيل لحصارها الاقتصادي وتدمير العديد من المصانع في الحرب الأخيرة على القطاع.
- تراكم الإنجازات:
بالرغم من أن الحركة قد تأسست قبل عشر سنوات إلا أن إنجازاتها الفعليّة والقلق الإسرائيلي المتزايد بدآ يظهران خلال السنوات الثلاث الماضية. ومع أن أي معطيات دقيقة حاليًا عن حجم تأثير المقاطعة على إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، غير متوفرة إلا أن ردَّات الفعل الإسرائيلية العنيفة على نشاطات الحركة وبعض المؤشرات الاقتصادية تدلِّل على أن نشاطات الحركة بدأت تشكِّل مصدر إزعاج للقيادة الإسرائيلية.
فعلى صعيد المقاطعة الأكاديمية والثقافية، بدأت الحركة مؤخرًا حملة كبيرة في العالم تدعو إلى المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى اضطراب القيادة الإسرائيلية التي تخشى ليس من فقدان تأثيرها داخل الجامعات فقط، بل أيضًا من خسارة "جيل المستقبل"؛ أي الجيل الذي يمكن أن يتبوأ مناصب قيادية عليا في بلادهم، وبالتالي التأثير في القرارات السياسية والاقتصادية والثقافية. فنتيجة المجهودات المتتالية من قبل ناشطي الحركة انضمَّ -على سبيل المثال لا الحصر- اتحاد الطلبة في بريطانيا والذي يضم حوالي سبعة ملايين عضو للمقاطعة، وكذلك اتحاد الطلبة في مقاطعة أونتاريو الكندية المهمة والذي يضم حوالي ثلاثمائة ألف عضو. إضافة إلى مقاطعة بعض الجامعات للمؤسسات التعليمية الإسرائيلية، مثل جامعة "دي بول" الأميركية وجامعة "نورث ويسترن".
وفي خطوة تظهر الزخم الذي وصلت إليه الحركة، وتنبئ بمزيد من التراكمات انضمَّ بعض المشاهير للحملة أمثال المغني العالمي روجر ووترز والكاتبة الكندية اليهودية ناعومي كلاين؛ مما أسهم في مزيدٍ من الاهتمام من قِبل وسائل الإعلام العالمية، وأبقى التغطية الإعلامية للحركة ونشاطاتها مستمرة. كما نجحت الحركة في إجبار بعض المغنِّين على الالتزام بالمقاطعة الثقافية لإسرائيل، وعدم إقامة أيٍّ من نشاطاتهم الفنية في إسرائيل، كما حصل -على سبيل المثال- مع المغني النرويجي مودي أو المغنية الأميركية لورين هيل عندما ألغيا حفلاتهما في تل أبيب.
أما على صعيد المقاطعة الاقتصادية، وهي أكثر ما يُقلِق إسرائيل، يبدو أن "بي دي إس" أخذت في الاتساع والتراكم؛ فقد بدأت القيادة الإسرائيلية تتخوَّف من أن تؤدي تراكمات الحركة النضالية في المستقبل إلى اضطراب الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي خلخلة وتراجع الاستثمارات الأجنبية وتوسعها؛ حيث تعتبر هذه الاستثمارات أحد أهم مصادر القوة لنمو اقتصاد الدولة العبرية.
كما أدت استراتيجية الحركة ونشاطها الفاعل في الساحة الأوروبية -على سبيل المثال- إلى خلخلة نسبية واضطراب في بعض الشركات الإسرائيلية أو المستثمرة فيها؛ مما قلَّل من أرباحها وبالتالي قدرتها على الحفاظ على قيم سوقية عالية. ومع أننا لا نتوفر على أي أرقام حقيقية عن الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حملة المقاطعة، فإنه -وبحسب المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء- قد خسر الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حملة المقاطعة الأوروبية للمنتجات الزراعية من المستوطنات الإسرائيلية ما يُقدّر بـ 6 مليارات دولار في 2013 و2014، ومن المرشّح أن تصل الخسائر نتيجة المقاطعة إلى 9,5 مليارات دولار مع نهاية هذا العام.
إضافة إلى ذلك، فقد أعلنت في الفترة الماضية، أعدادٌ متزايدة من الشركات الكبرى أو البنوك عن سحب استثماراتها، سواء من إسرائيل أو شركات داعمة لها. فعلى سبيل المثال، أعلن صندوق بيل غيتس سحب استثمارات بقيمة 182 مليون دولار من شركة G4S الأمنية التي تعدّ أكبر شركة أمنية في العالم، وتقدِّم خدماتها لإسرائيل في مجال حماية الحواجز العسكرية وخدمات مصلحة السجون. كما خسرت الشركة مجموعة من العقود في بريطانيا، والنرويج، والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا. علاوة على ذلك، انضمَّ إلى قائمة المقاطعين بعض صناديق التقاعد الضخمة وشركات وبنوك، مثل: صندوق التقاعد الهولندي (PGGM)، وصندوق التقاعد الحكومي النرويجي اللذين سحبا استثمارات من شركات إسرائيلية متورطة في دعم الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي.
كما بدأت أيضًا بعض الشركات الإسرائيلية تخسر بعض عقودها في مجموعة من دول العالم؛ نتيجة نشاط حركة المقاطعة كما حصل مع شركة "ميكوروت" الإسرائيلية للمياه التي خسرت عقدًا في الأرجنتين بقيمة تصل إلى 170 مليون دولار. وإضافة إلى ذلك، خسرت الشركة عقديْن في كلٍّ من هولندا والبرتغال.
- استراتيجية إسرائيل المضادة:
أدى الاهتمام المتزايد من قِبل وسائل الإعلام العالمية والمقاطعة الفعليّة من قبل بعض الشركات أو التجمعات الأكاديمية الكبيرة للنشاطات الإسرائيلية إلى اضطراب القيادة الإسرائيلية، التي باتت تتخوّف من فقدان مكانتها في العالم. فقد اعتبرت الحكومة الإسرائيلية في يونيو/حزيران 2013 حركة المقاطعة أنها باتت تشكِّل "تهديدًا استراتيجيًّا" للوجود الإسرائيلي. وظهر القلق الإسرائيلي من تنامي حركة المقاطعة على لسان العديد من المسؤولين الإسرائيليين؛ فقد صرَّح يائير لبيد، وزير المالية الإسرائيلية الأسبق، بأن "عدم الشعور بتأثير المقاطعة حاليًا سببه أنها عملية تدريجية، لكن الوضع الحالي خطير جدًّا؛ فنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لم يتنبّه إلى بداية حملة المقاطعة التي تعرَّض لها" وكانت وزارة المالية الإسرائيلية قد أصدرت تقريرًا نصَّ على "أن المقاطعة هي أكبر خطر على الاقتصاد الإسرائيلي". ردّة فعل القادة الإسرائيليين الغاضبة أبرزت النجاحات المتتالية التي حققتها الحركة، وقدرتها على تغيير قواعد اللعبة.
ولمواجهة الحركة وناشطيها تبنَّتْ إسرائيل استراتيجيتين مترابطتين: قمع الحركة داخليًّا، وتحفيز الحلفاء خارجيًّا.
فقد سنَّ الكنيست الإسرائيلي عام 2011 ما يُعرف بـ"قانون المقاطعة"، والذي صادقت عليه المحكمة العليا الإسرائيلية في إبريل/نيسان 2015 ضدّ كل من يُطالب بمقاطعة إسرائيل. ويتيح القانون الملاحقة القانونية وطلب تعويضات من كل شخص يحمل الهوية الإسرائيلية ويدعو للمقاطعة بأيّ شكل كان، كما يمنح القانون وزير المالية الحق في فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على المؤسسات الإسرائيلية التي تدعو للمقاطعة، بينما تتلقى تمويلًا من الحكومة الإسرائيلية وهيئاتها. إضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل بشنّ حملة قمع مستمرة بحق الناشطين الفاعلين في الحملة، وتصعيد العمل الاستخباري في ملاحقتهم.
أما على الصعيد الخارجي، فإسرائيل تدرك جيدًا أن معركتها ليست ضمن نطاق الأراضي المحتلة، بل هي معركة تُخاض في الأساس على الساحة الدولية وفي وسائل الإعلام ومراكز التأثير؛ لذلك قامت إسرائيل بتجنيد وتحفيز ماكينتها الإعلامية الضخمة التي خصَّصت لها مبلغ 100 مليون شيكل، إلى جانب استنفار سفاراتها على مستوى العالم لمواجهة تنامي الحركة محليًّا ودوليًّا. كما سعت للاستعانة بحلفائها في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وذلك للتحرك قانونيًّا ضد الحملات الداعية للمقاطعة وتشريع قوانين تجرِّم المقاطعة؛ وذلك من أجل التأثير ومن ثَمَّ ثني المجموعات المختلفة عن المقاطعة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اقترح النائبان في الكونغرس عن ولاية إلينوي، بيتر روسكام ودان ليبينسكي، في مارس/آذار الماضي مشروع قانون ينصّ على وقف جميع مصادر التمويل الفيدرالي للمؤسسات الأكاديمية المشاركة في المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، وذلك ردًّا على مقاطعة جمعية الدراسات الأميركية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. كما يتضمن أحد بنود المشروع مادة تحظر التمويل الحكومي لأي مؤسسة تعليمية أو جامعية تنشط فيها الحركات التي تنادي بالمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، يسعى حلفاء إسرائيل لإقرار قوانين تعتبر نشاطات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل معاداة للسامية تجب المعاقبة عليها، كما حصل في ولاية إلينوي في مارس/آذار الماضي، أو اعتبار مقاطعة المنتجات الإسرائيلية جريمة "كراهية"، كما قررت إحدى المحاكم الفرنسية.
إضافة إلى ذلك، يقوم حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية بحملات مستمرة للتأثير على الشركات والمؤسسات التي قرّرت مقاطعة إسرائيل ومواجهة الحملة دوليًّا. فعلى سبيل المثال، يسعى الملياردير الأميركي شيلدون أدلسون لوقف حملة المقاطعة في الولايات المتحدة من خلال التأثير على السلطة السياسية والمالية في واشنطن.
- الإنجازات الإسرائيلية:
أسفرت الجهود الإسرائيلية في مواجهة "بي دي إس" عن بعض النجاحات، وخاصة في إلغاء بعض الشركات لقرارات المقاطعة، كما حصل -على سبيل المثال- مع مجموعة من المحالّ التجارية في شمال السويد والتي تضم 655 فرعًا في كافة أنحاء البلاد، والتي ألغت قرارًا سابقًا لها بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية. وفي هذا السياق يمكن تسليط الضوء على النزاع الأخير بين الحكومة الإسرائيلية ومجموعة أورانج الفرنسية للاتصالات، والذي يظهر سعي إسرائيل لتجنيد كافة طاقاتها لمواجهة الحركة. فقد أعلن ستيفان ريتشارد رئيس مجلس إدارة مجموعة أورانج الفرنسية مطلع يونيو/حزيران 2015 في القاهرة عن استعداد شركته للانسحاب من السوق الإسرائيلية "صباح الغد" إذا سمحت بذلك العقود المبرمة ما بين الشركتين، معللًا ذلك برغبته في مراعاة مشاعر زبائن الشركة في العالم العربي. ولكن ريتشارد تراجع سريعًا عن تصريحاته التي أبدى خلالها استعداد شركته للتخلي عن علاقتها مع شريكتها الإسرائيلية أورانج بارتنر التي تسيطر على 28% من سوق الاتصالات اللاسلكية في إسرائيل، وذلك بعد ضغوطات شديدة سواء من الحكومة الإسرائيلية أو الفرنسية. وبالرغم من تأكيد الشركة الفرنسية فيما بعد على أنها باقية في السوق الإسرائيلية، وأنها ترفض حملات المقاطعة عليها إلا أنها سلّطت الضوء من جديد على فعالية المقاطعة كسلاحٍ مؤلم للقيادة الإسرائيلية.
وعلى صعيد المقاطعة الأكاديمية، نجحت إسرائيل حتى الآن في الضغط على بعض الطلاب الناشطين وجامعاتهم من خلال حلفائها، وهو ما أدَّى -على سبيل المثال- إلى حظر بعض المنظمات الطلابية الداعمة للحقوق الفلسطينية، كما حصل مع "طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)" في جامعة نورث إيسترن في بوسطن، أو إصدار أحكام قضائية ضد الطلاب الناشطين كما حصل في كاليفورنيا.

آفاق الصراع
ربما لن تدفع هذه الأحداث المتراكمة إسرائيل على الركوع أمام المطالب الفلسطينية الآن، ولكنها -بكل تأكيد- ستشكل مرتكزًا حيويًّا في مراكمة الإنجازات التي يمكن البناء عليها مستقبلًا، سواء في التأثير على القرارات الإسرائيلية الاستراتيجية أو في تقييد عمل الشركات الأجنبية (وخاصة الأوروبية) في مستوطنات الضفة الغربية. فتراكم إنجازات المقاطعة يمكن أن يُحدث اضطرابًا في السوق الإسرائيلية أو في تدفق الإستثمارات الموجهة إليها، وهو ما سيشكِّل خطوة أولى يمكن أن تؤدي مع الوقت إلى تصاعد المقاطعة ضد إسرائيل بكافة أشكالها، ويحدّ من قدرة الشركات الإسرائيلية والمستثمرين الأجانب على الاستخدام الفعّال والأمثل لموارد السوق. في مثل هذا الوضع، ستجد إسرائيل صعوبة في التخفيف من مخاوف المستثمرين، والتي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض قيمة الشركات المستهدَفة أو تدفع مزيدًا من الشركات إلى المقاطعة، خاصة تلك التي تتخوّف من الملاحقة القانونية في بلدانها إذا أقامت علاقات تجارية مع إسرائيل، لاسيما في أوروبا. فإذا توقعت الشركات أنها سوف تكون عُرْضة للمقاطعة، فإنها يمكن أن تُحجِم منذ البداية على الاستثمار أو الدخول في شراكات متوسطة أو طويلة الأمد في إسرائيل، وخاصة أن 17 دولة أوروبية نصحت شركاتها ومواطنيها بعدم التورط في مشاريع إسرائيلية بالأراضي المحتلة، كما أوضح عمر البرغوثي.
إضافة إلى ذلك، فإن نجاحات الحركة المتتالية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأكاديمي، أدت إلى زيادة في زخم التغطية الإخبارية لنشاطات الحركة وإنجازاتها، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا كبيرًا على نجاح الحركة، وذلك أن التغطية الإعلامية المستمرة والمتزايدة يمكن أن تؤدي تدريجيًّا إلى:
• زيادة اضطراب بعض الشركات الإسرائيلية وإمكانية اختلالها.
• إبراز قدرة الحركة على فرض أجندتها على الساحة الدولية.
• زيادة الوعي والتوسع في تعبئة المؤيدين للمقاطعة، وحشد أنصار جدد.
• إعطاء زخم إضافي للحركة، وبالتالي تشجيع مزيد من الشركات على المقاطعة.
ولكن في الجهة المقابلة، فإنّ تراكم نضالات الحركة سيدفع إسرائيل وحلفاءها إلى زيادة وتيرة الهجوم عليها، خاصة إذا أصبحت المقاطعة مكلِّفة من الناحية الاقتصادية، وهو ما قد يؤدي إلى تبدُّد الحركة وتضاؤلها. يظهر ذلك وبوضوح الآن، حيث تحاول إسرائيل وحلفاؤها في الغرب تشويه الحركة ومهاجمتها واتهامها بمعاداة السامية؛ وذلك لفضّ الحلفاء من حولها.

خاتمة
من الواضح أن تنامي قوة حركة المقاطعة وفي مقدمتها حركة ال"بي دي إس" في العالم وخاصة في الغرب، قد شكَّل مصدر إزعاج رئيسي للقيادة الإسرائيلية التي بدأت تتخوّف من فقدان مكانتها في العالم. كما زادت من قلق القيادة الإسرائيلية التغطية الإعلامية المتزايدة التي بدأت تحظى بها الحركة من قِبل وسائل إعلامية مختلفة ومؤثِّرة مثل الـ بي بي سي، ونيويورك تايمز، والغارديان وغيرها، وهو ما أسهم في شرحٍ أوسع لأهداف الحركة واستراتيجياتها، وبالتالي زيادة الوعي بأهداف الحركة وإمكانية جذب أنصار جدد.
لم تستطع جميع الإجراءات الإسرائيلية حتى الآن وقف تمدُّد مقاطعة إسرائيل من قِبل بعض المؤسسات والشركات في أوروبا وأميركا ودول آسيا. ويمكن القول: إن توسُّع المقاطعة يعني أن الاحتلال أصبح أكثر كلفة لإسرائيل، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد اللعبة داخليًّا.
ولكن، بالرغم من النجاح المتصاعد للحركة على الصعيد الدولي إلا أن تأثيرها في الداخل الفلسطيني لا يزال هشًّا، وهو ما يشكِّل نقطة ضعف رئيسية في زيادة كلفة الاحتلال الإسرائيلي. فقد فشلت الحركة حتى الآن في التحوُّل إلى حركة شعبية في الأراضي المحتلة عام 1967، والتي تعتبر سوقًا رائجًا ومهمًّا للبضائع الإسرائيلية.
ومع أن النجاحات المؤخَّرة لإسرائيل في قمع بعض الناشطين أو إصدار بعض القوانين المحلية ضد مقاطعة إسرائيل قد تنجح في التشكيك بقدرة الحركة ومستقبلها؛ إلا أن من الواضح أن رسائل الحركة قد أقنعت عددًا كبيرًا من مجالس الطلبة، والجامعات، والنقابات العمالية، والفنانين، والمؤسسات الاقتصادية على مستوى العالم بجدوى المقاطعة.

بحث بعنوان:
(المقاطعة الاقتصادية وأثرها في الصراع مع الاحتلال الصهيوني)
إعداد: د. ماجد رجب سكر ود. يوسف علي فرحات
ملخص البحث:
إن المسلم مأمور بمجاهدة أعداء دينه ووطنه، بكل ما يستطيع من ألوان الجهاد، الجهاد باليد، والجهاد باللسان،والجهاد بالقلب، والجهاد بالمقاطعة. كل ما يضعف العدو، ويكسر شوكته يجب على المسلم أن يفعله، كل إنسان بقدر استطاعته، وفي حدود إمكاناته، ولا يجوز لمسلم بحال أن يكون رداءً أو عونًا لعدو دينه وعدو بلاده، سواء كان هذا العدو يهوديًا أم وثنيًا أو غير ذلك.
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
من سنن الله تعالى سنة التدافع والصراع الدائم بين الحق والباطل, يقول تعالى: [وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا] البقرة:217.
لاشك أن للاقتصاد في هذا الزمن تأثيرًا كبيرًا وفعَّالاً على مواقفِ الدول واتجاهاتها،وقد أصبحت الدعوةُ إلى مقاطعةِ البضائع والمنتجاتِ التي تُصدِّرها الدولُ التي تحاربُ المسلمين، من وسائل الضغطِ عليها لتوقفَ أو تخفِّف من موقفِها المعادي للمسلمين. وسلاحُ المقاطعةِ سلاحٌ مؤثرٌ بلا شك في المواجهةِ مع الأعداء. وقد استُخدم هذا السلاح قديمًا وحديثًا.
فقديماً: استخدمته قريش ضدَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يُسمَّى بـ "شِعْب أبي طالب"، واستمر ثلاثَ سنوات، وكان تأثيرُه على المسلمين بالغًا. كما هدَّد به ثمامةُ بن أُثال قريشًا، وذلك عندما مَنَعَ الحنطةَ من بلاد نجد، حتى جاءت قريشٌ وناشَدت النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر ثمامةَ ببيعَهم الحنطة كما سيأتي في ثنايا البحث.
وأما حديثًا: فقد استُخدمت المقاطعةُ في الحرب ِالعالمية بين المتحارِبين، واستُخدمت مؤخرًا ضدَّ عددٍ من البلادِ الإسلامية كالعِراق وليبيا وأفغانستان والسودان. واستخدمتها الدول الإسلاميةُ قبلَ معاهداتِ السلام ضد الشركاتِ المتعاونةِ مع إسرائيل.
وفي الحقيقة إن المُتابع لمجرياتِ الأحداث ِيلمسُ ما لهذه المقاطعةِ من آثارٍ كبيرة تدفعُ بعضَ الشركاتِ إلى التبرُّؤ ِمن العدوان ِوالضغطِ على الساسةِ في بلدانهم لاتخاذ ما يُوقفُها.
لذا كان لا بد من تسليط الضوء على هذا النمط من الجهاد فكان هذا البحث الموسوم بــ (المقاطعة الاقتصادية وأثرها في الصراع مع الاحتلال الصهيوني).

أولًا: أهمية الموضوع:
تنبع أهمية هذا الموضوع من خلال النقاط الآتية:
1) أثبت الواقع المشاهد بأن المقاطعة الاقتصادية، سلاح فعال، وقد نجح هذا السلاح في أحيان كثيرة، في إجبار الطرف الآخر على التراجع والإصغاء لمطالب المقاطعين..
2) التخلص من التبعية والهيمنة الأجنبية على حياتنا، وتدريب أبناء الأمة كي يعتمدوا على أنفسهم، واستثمار ما يملكون من طاقات كبيرة للنهوض بشعوبهم.
3) إذا صدرت المقاطعة الاقتصادية بنية التقرب إلى الله فإنها تعتبر ضرباً من ضروب الجهاد بمفهومه الشرعي العام نظراً لما يترتب عليها من تحقيق لبعض مقاصد الجهاد.
ثانيًا: أسباب اختيار الموضوع:
تعد الأسباب الآتية من أهم الأسباب التي دفعت الباحثان لاختيار هذا الموضوع:
1) ما لهذا الموضوع من أهمية عظيمة للأمة الإسلامية عامة وللشعب الفلسطيني خاصة؛ كونه يساهم في دحر الاحتلال بشتى الطرق والوسائل.
2) الرغبة القوية في بيان موضوع الدعوة الصامتة كأسلوب قرآني متميز.
3) إبراز هذا الجانب من جوانب المقاومة وتسليط الضوء على هذا السلاح بغرض توجيه كل الجهود لمقاومة الاحتلال.
ثالثًا: منهج البحث:
استخدم الباحث في هذه الدراسة المنهج التحليلي والاستردادي؛ باعتبارها أنسب المناهج لهذه الدراسة.
رابعًا: خطة البحث:
يتكون البحث: من مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة، وذلك على النحو الآتي:
المقدمة: وتشتمل على أهمية البحث, أسباب اختياره, منهج البحث وطبيعة العمل فيه, خاتمة.
وقد جاء البحث مكوناً من مقدمة، وتمهيد، وثلاثة مباحث وخاتمه:
المبحث الأول: تعريف المقاطعة الاقتصادية وأنواعها، وأسبابها:
المطلب الأول: تعريف المقاطعة والاقتصاد لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني: أنواع المقاطعة.
المطلب الثالث: أسباب المقاطعة.
المبحث الثاني: تاريخ المقاطعة الاقتصادية وأهميتها:
المطلب الأول: تاريخ المقاطعة الاقتصادية.
المطلب الثاني: نظرة على العلاقة الاقتصادية بين المناطق المحتلة والكيان
الصهيوني
المطلب الثالث: أهمية المقاطعة الاقتصادية وأثرها على الاحتلال الصهيوني.
المبحث الثالث: المقاطعة الاقتصادية في ميزان الشرع:
المطلب الأول: أقوال العلماء في المقاطعة الاقتصادية
المطلب الثاني: الراجح في حكم المقاطعة الاقتصادية.
المطلب الثالث: الضوابط الشرعية في المقاطعة الاقتصادية.
النتائج والتوصيات

التمهيد
تتطلب المواجهة للاحتلال الإسرائيلي وممارساته الإجرامية ضد شعبنا المتمثلة في المجازر البشرية، وحرب التجويع والحصار والعزل العنصري وتدمير اقتصادنا وإنتاجنا - تتطلب، أضعف الإيمان، الدفاع عن النفس اقتصاديا، وبخاصة لأن السوق الفلسطينية لا تزال حتى هذه اللحظة مباحة لشتى المنتجات الإسرائيلية والأجنبية التي شكلت وتشكل عاملًا أساسيًا من عوامل ضرب الإنتاج والعديد من الوحدات الصناعية الفلسطينية التي لم تصمد أمام المزاحمة الخارجية. وأكثر أشكال المقاومة جذرية وفعالية يتمثل في المقاطعة الشعبية للمنتجات الإسرائيلية، بالتوازي مع تحسين جودة الإنتاج المحلي وتوسيع وتطوير القطاعات الإنتاجية الفلسطينية المختلفة وتوفير الحماية والدعم الحقيقيين للمنتجات المحلية، وبخاصة الغذائية والزراعية.
فعند شراء بضائع إسرائيلية أو أميركية (باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية داعم رئيسي لإسرائيل في تسليحها وتمويلها وعدوانها المتواصل على شعبنا)، فإن ذلك يساهم في دعم وتقوية اقتصاد الاحتلال عمليًا والذي سيزيد من وحشيته وجرائمه ضدنا. لهذا، وبدلًا من دعم اقتصاد الاحتلال(دون قصد) ، وجب العمل على محاربته وإضعافه بشتى الوسائل والطرق، وذلك من خلال التوقف عن شراء بضائعه، وتشجيع الاقتصاد الفلسطيني وحمايته، من خلال شراء البضائع الفلسطينية والعربية، علما بأن لكل البضائع الإسرائيلية الأساسية (الغذائية وغير الغذائية) يوجد مقابلها بضائع فلسطينية أو عربية بديلة. كما أن الكثير من الأشياء التي المشتراة من المحلات التجارية هي بضائع إسرائيلية غير ضرورية للحياة اليومية (سكاكر، شوكولا، مسليات وألعاب وغيرها)، لهذا وجب التوقف فورًا عن شرائها.

فعدم شراء بضائع الاحتلال واستبدالها ببضائع فلسطينية وعربية، تؤدي إلى تقوية الصمود بشكل عام والصمود الاقتصادي بشكل خاص؛ ذلك يؤدي إلى حماية الاقتصاد والانتاج المحليين اللذين يواجهان حرب تدمير منظمة، علما بأن جزءًا هامًا من السلع التي تستهلك (وغالبيتها مستوردة من إسرائيل والخارج) لا يشكل "احتياجات" أساسية وحيوية، وبالتالي يمكن الاستغناء عنها، وبذلك يتم التقليل من تسريب الفائض المالي المتراكم للخارج، ومن ثم يمكن استثمار هذا الفائض داخليًا، استثمارًا منتجًا ومستدامًا.
ومما لاشك فيه، أن وقف أو فرملة استيراد أو تدفق السلع الغذائية الإسرائيلية والأجنبية الأخرى إلى السوق الفلسطينية والتي تسببت وتتسبب في ضرب الإنتاج الغذائي والزراعي المحلي وكساده، يشكل مطلبًا اقتصاديًا ووطنيًا ملحًا ويساهم جديًا في تعزيز الاقتصاد المحلي المقاوم، وتثبيت الارتباط بالأرض، والانطلاق لزراعة المزيد من الأراضي.

وإذا كان الجهاد المادي ( المقاومة المسلحة ) لليهود الغاصبين لفلسطين من واجبات الوقت على الأمة من أجل تحرير أرض فلسطين، فإن هناك أنواع أخرى من الجهاد لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة مثل تقديم الدعم المالي لأهل فلسطين ليعينهم على الصمود في مواجهة اليهود. كذلك تقديم الدعم المعنوي كالدعاء لهم والتعريف بقضيتهم وفضح ممارسات الاحتلال عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ومن أنواع الجهاد الذي لا يقل أهميه عن سابقيه: (الجهاد الاقتصادي ) أو ما يعرف بالمقاطعة الاقتصادية. فالمقاطعة الاقتصادية سلاح فعَّال من أسلحة الحرب قديماً وحديثاً ، وقد استخدمه المشركون في العهد المكي في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فآذاهم إيذاءً بليغاً حتى أكلوا أوراق الشجر.وفي العصر الحديث رأينا الشعوب تستخدم سلاح المقاطعة في معاركها للتحرر من الاستعمار، ولعل أبرز من فعل ذلك ( المهاتما غاندي ) في دعوته الشعب الهندي الكبير لمقاطعة بضائع الإنجليز، وقد كان لذلك أثره البليغ في حرب التحرير.

المبحث الأول: تعريف المقاطعة الاقتصادية وأنواعها، وأسبابها:

المطلب الأول: تعريف المقاطعة والاقتصاد لغة واصطلاحاً.

تعريف المقاطعة لغة:
المقاطعة: لفظ مفاعلة بين اثنين أو أكثر, وهي في المعاجم العربية تدور حول: "الإبانة, والهجران وعدم التواصل"( ).
تعريف المقاطعة اصطلاحاً:
جاء في "الموسوعة الاقتصادية" أن: المقاطعة مصطلح, يعني: سحب كل العلاقات, ورفض التفاوض في أي معاملات تجارية مع شخص أو منشأة"( ).
"وهذا المعنى واضح في المادة (16) من عهد عصبة الأمم؛ حيث ورد فيها: أنه في حالة مخالفة إحدى الدول الأعضاء لهذا الميثاق؛ تقوم دول العصبة بقطع علاقاتها التجارية والمالية معها, ومنع الاتصال بأهالي هذه الدولة, كما جاء -أيضاً- في المادة (51) من ميثاق الامم المتحدة؛ ما نصه: "ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو يُنقص من الحق الطبيعي للدول –فرادى وجماعات- في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الامم المتحدة".
وأشار الميثاق إلى حق الدول في "وقف العلاقات الاقتصادية, والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية, وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً"( ).
وهو ما يؤكد على مشروعية المقاطعة في القانون الدولي, وأنها تعد تدبيراً جزئياً ضد الدول التي ترتكب عملاً من أعمال العدوان وإخلال السِّلْم كما تعتبر –أيضاً- تدبيراً زجرياً للضغط على الدول المهدِّدة للأمن العام, أو المعتدية على الآخرين.
وجاء في معجم الوسيط: "المقاطعة هي: الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصادياً أو اجتماعياً؛ وفق نظام جماعي مرسوم"( ).
وقيل: هي عدم التعامل مع شخص, أو شركة, أو مؤسسة, أو دولة, ومنه مقاطعة بلد لمنتجات وحاصلات بلد آخر"( ).
تعريف الاقتصاد لغة :
كلمة "الاقتصاد" مشتقه من اقتصاد, يقتصد, قصدا. وهي تعني : التوسط في الأمور. قال في المصباح : "(قَصَدَ) في الأمر (قصداً) : توسط , وطلب الأسد, ولم يجاوز الحد"( )
قال تعالى :ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ[فاطر:32]
فالمقتصدون وسط بالنظر إلى الصنفين المذكورين في الآية, وهما: السابق بالخيرات, والظالم لنفسه بارتكاب المعاصي .
يقول الحافظ ابن كثير-رحمه الله- عند هذه الآيةوَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو: المؤدي للواجبات, التارك للمحرمات, وقد يترك بعض المستحبات, ويفعل بعض المكروهات"( )
ومنه ما أخرجه أحمد وأبو داوود عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي () قال: "إن الهدي الصالح, والسمت الصالح, والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة "( )
وما رواه مسلم عن جابر بن سَمُرة  أنه قال: "كنت أصلي مع رسول الله  ؛ فكانت صلاته قَصْداً, وخطبته قصداً"( ). ويراد بالقصد أيضاً: السداد والاستقامة في المعاملة, تقول: "اقتصد فلان في أمره" أي: استقام ( )
ومنه قوله تعالى:وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ[لقمان:19], وقوله تعالى:مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ[المائدة:66]أي: من أهل الكتاب جماعة على سداد من الأمر؛ كالذين قال الله فيهم: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ[الأعراف:159] وبهذا يتبين أن كلمة "اقتصاد" في اللغة تدور حول معنى: التوسط, والاستقامة في الأمور.

تعريف الاقتصاد اصطلاحاً:
اختلف الاقتصاديون في تعريفهم للاقتصاد؛ تبعاً لاختلاف بيئاتهم, وظروف معيشتهم؛ إضافة إلى الاختلاف في أولوية المشكلات التي ينبغي حلها, والاختلاف في تركيزهم على مضمون هذا العلم؛ من حيث خصائصه, وأهدافه, ووظائفه,...إلخ.
ولعل أنسب تعريف جامع لمسائل الاقتصاد, وأحكمها من حيث الصياغة والمضمون؛ هو: "العلم بالقوانين التي تنظم الثروة؛ من حيث إنتاجها واستبدالها, وتوزيعها واستهلاكها وصيانتها؛ على وجه يسد حاجة الشعب والدولة"( ).

تعريف مصطلح "المقاطعة الاقتصادية:
ومن مجمل التعاريف السابقة نخْلُص إلى أن "المقاطعة الاقتصادية" باعتبارها مصطلحاً اقتصادياً, وعرفاً سياسياً؛ تعني: "إجراءٌ, تلجأ إليه سلطات الدولة, أو هيئاتها وأفرادها؛ لوقف العلاقات التجارية مع جهة أخرى, ومنع التعامل مع رعاياها؛ بقصد الضغط الاقتصادي عليها؛ رداً على ارتكابها لأعمال عدوانية"( ).
وهذا التعريف يتفق مع ما ورد في قاموس القانون الدولي, والقاموس الدبلوماسي.
المطلب الثاني: أنواع المقاطعة.
يقسِّم القانونيون المقاطعة الاقتصادية من جهة مصدرها إلى ثلاثة أنواع( ):
الأول: المقاطعة الاقتصادية الأهلية (الشعبية).
الثاني: المقاطعة الاقتصادية الرسمية (الحكومية).
الثالث: المقاطعة الجماعية الدولية.
وسيتم تناولها بشيء من التفصيل على النحو التالي:
1- المقاطعة الاقتصادية الشعبية (الأهلية):
وهذا النوع يتمثل في قيام جماعات من الناس, أو هيئات أهلية, أو شعوب بلدان معينة بإيقاف التعامل بالبضائع والمنتجات المستوردة من الدولة المعتدية, وإيقاف التصدير إليها؛ بسبب تصرف أو سياسة صدرت من المقاطع دون أن تتدخل بذلك هيئات رسمية أو جهات حكومية.
وهذا النوع هو الذي يغلب على جميع المقاطعات الاقتصادية الإسلامية ضد خصومها, ولعل من أبرز أمثلتها: المقاطعة الشعبية للمنتجات الدنمركية كتعبير عن السخط والغضب تجاه الرسوم الكاريكاتيرية التي نالت من شخصية المصطفى –عليه الصلاة والسلام-, كما سيأتي الحديث عن طرف من ذلك في الباب الثالث.
2- المقاطعة الاقتصادية الرسمية (الحكومية):
وهذا النوع من المقاطعة تمارسه السلطات الرسمية كحكومة بلد معين, أو مجموعة بلدان, أو قرار دولي يقضي بالامتناع عن التبادل التجاري مع جهة مقصودة بالمقاطعة.
ويفرِّق القانونيون بين المقاطعة الرسمية في حال السلم, والمقاطعة الرسمية في حال الحرب, ومن أمثلة (الأخيرة): المقاطعة التي فرضتها البلدان العربية على المنتجات الصهيونية في فلسطين المحتلة, تطبيقاً لقرار مجلس جامعة الدول العربية رقم (16), الدورة الثانية 2/2/1945م؛ بغرض إعاقة الصهاينة من تحقيق وطن قومي لهم في فلسطين.
3- المقاطعة الاقتصادية الجماعية (الدولية):
وهي التي تفرضها المنظمات الدولية استناداً إلى ميثاق المنظمة؛ جزاءً على انتهاك الدولة للميثاق, ومن أمثلتها: المقاطعة الاقتصادية التي قررتها الأمم المتحدة على الصين وكوريا الشمالية عام 1951م, وعلى جنوب أفريا عام 1962م.
المطلب الثالث: أسباب المقاطعة.
المقاطعة الاقتصادية –كما أشرنا سابقاً- سلاح أو دواء يلجأ إليه عند الحاجة الداعية به؛ فاستخدامها في غير محلها مُضِر, واستعمالها بكيفية مغايرة لما يقرره المتخصصون كذلك غير مُجدٍ, والاستمرار باستخدامها زيادة عن باستخدامها زيادة عن الحاجة لها لا ينصح به.
وتصوير المقاطعة بالدواء باعث على معرفة الأسباب الموجبة لها, والتي يمكن أن نحملها في السببين التاليين( ):

1- عدوان بلد على آخر, أو طائفة على أخرى:
عندما تعتدي جهة ما, أو بلد ما على آخر؛ فإن المعتدى عليه يلجأ لمحاولة صدِّ هذا العدوان, أو تقليل شرِّه؛ باتخاذ وسيلة المقاطعة الاقتصادية؛ ليثنيه عن عدوانه؛ وليزجره عن أفعاله.
2- عدم الانصياع للقوانين والاتفاقيات الدولية:
قد تقوم بعض الهيئات الرسمية أو بعض الدول بفرض نوع من العقوبات الاقتصادية, تتبناه بالاتفاق أو بالأغلبية ضد دولة معينة؛ بسبب مواقفها المخالفة للنظام الدولي, أو بسبب التقاء مصلحة تلك الدولة مع مصالح القائمين بالمقاطعة.
المبحث الثاني: تاريخ المقاطعة الاقتصادية وأهميتها

المطلب الأول: تاريخ المقاطعة الاقتصادية.
لقد زخر التاريخ الإنساني على مَرِّ العصور, بالكثير من الأمثلة والصور التي اسُتخدِمَ فيها سلاح المقاطعة الاقتصادية كوسيلة من وسائل الضغط, لإخضاع الطرف الآخر, وفيما يلي عرض موجز لبعض هذه الأمثلة:
1- ائتمار قريش واتفاقهم, على مقاطعة بني هاشم, وبني عبد المطلب, وذلك بأن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم, وقد استمرت هذه المقاطعة سنتين أو ثلاثاً( ) .
2- ما فعله ثمامة بن أثال رضي الله عنه بعدما أسلم, حيث قال لكفار قريش: "والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم" ( ).
3- في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي, وفي إبان حركة تحرير إيرلندا ضد السيطرة الإنجليزية, امتنع حلف الفلاحين, من التعامل مع وكيل أحد اللوردات الإنجليز من أصحاب الإقطاعات الزراعية في إيرلندا ( ).
4- في عام 1921, أصدر حزب الوفد المصري, بعد اعتقال رئيسه سعد زغلول قراراً بالمقاطعة الشاملة ضد الإنجليز, وشمل قرار المقاطعة حث المصريين على سحب ودائعهم من المصارف الإنجليزية, وحث التجار المصريين على أن يُحتِّموا على عملائهم في الخارج ألا يشحنوا بضائعهم على سفنٍ إنجليزية, كما أوجب القرار مقاطعة التجار بشكل تام ( ).
5- بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) امتنع كثير من الناس في أوروبا من شراء البضائع المصنعة في ألمانيا, بسبب احتلالها لبلادهم( ).
6- ما دعا إليه الزعيم الهندي غاندي, من مقاطعة البضائع الأجنبية بإحراقها علناً في بومباي ضمن سلسلة من أعمال الاحتجاج ضد الاستعمار البريطاني للهند( ).
7- قاطع السود في مدينة مونتجمري بولاية ألباما نظام سير الحافلات المدنية, مما قضى على سياسة الفصل الاجتماعي داخل الحافلات منذ الستينات ( ).
8- ومن صور المقاطعة الاقتصادية:رفض المستهلكين في بلدان عديدة, منذ مطلع الستينات حتى أوائل التسعينات في القرن العشرين؛ شراء بضائع من جنوب إفريقيا؛ احتجاجاً على سياسة التفرقة العنصرية ( ).
9- ومن أمثلتها: أن معظم الدول العربية كانت تقاطع إسرائيل بسبب احتلالها لأرض فلسطين المسلمة ( ).
10- ما قام به الملك فيصل رحمه الله من استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية بشكل مؤثر, في أعقاب حرب 1967م و حرب 1973م, فبعد يومين من نشوب الحرب الأولى, أعلن حظر البترول السعودي عن بريطانيا والولايات المتحدة, وعلى إثر نشوب حرب 1973م تزعم حركة الحظر البترولي الذي شمل دول الخليج, فكان لهذا الحظر أثره في توجيه المعركة ( ).

المطلب الثاني: نظرة على العلاقة الاقتصادية بين المناطق المحتلة والكيان الصهيوني
تعتبر الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة من أهم الأسواق التي يعتمد عليها الاحتلال الصهيوني في ترويج بضائعه، ولاسيما البضائع التي لا تجد لها سوقاً في البلاد الأوربية، وبهذا الخصوص كشف الموقع الإلكتروني لصحيفة الرسالة الصادرة في قطاع غزة بتاريخ 26/5/2014 أن حجم الواردات الفلسطينية من "إسرائيل" بلغت 3.5 مليار دولار أمريكي، والتي تشكل نحو 69٪ من إجمالي حجم الواردات من مختلف دول العام.
حيث تحتل المنتجات والبضائع الإسرائيلية وتليها الأجنبية مكاناً أساسياً لدى غالبية المحال التجارية في الضفة الغربية( ). ولعل هذا الارتفاع حجم الواردات الفلسطينية من الكيان الصهيوني يرجع إلى عدة أسباب، منها:
1- القيود التي وضعتها اتفاقيات باريس الاقتصادية على الاقتصاد الفلسطيني( )، ولاسيما
حركة الصادر والوارد، ففي حين يتراوح حجم الصادرات الفلسطينية بين 780 - 800 مليون دولار سنوياً، فإن حجم صادرات الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2013 على سبيل المثال 93 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي( ).
2- تفوق البضائع الإسرائيلية على البضائع الفلسطينية بعمومها من حيث الجودة التصنيعية.
3- سعة حجم الاستهلاك الفلسطينية، ولاسيما في بضائع تصنف في قائمة الكماليات.
4- غياب ثقافة تشجيع الصناعة المحلية، حتى ولو كانت أقل جودة من المنتوجات الخارجية.

المطلب الثالث: أهمية المقاطعة الاقتصادية وأثرها على الاحتلال الصهيوني
أولاً: أهمية المقاطعة الاقتصادية: تبرز أهمية المقاطعة الاقتصادية في الأمور التالية:
1- إن في سلاح المقاطعة تطبيقاً لقوله تعالى:وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
[ الأنفال:60]، حيث يُعتبر من الأسلحة الناجعة، لذا استخدمته كثير من الدول في الماضي والحاضر( ).
2- التخلص من التبعية والهيمنة الأجنبية على حياتنا، وتدريب أبناء الأمة كي يعتمدوا على أنفسهم، واستثمار ما يملكون من طاقات كبيرة للنهوض بشعوبهم.
3- تشجيع الصناعات المحلية والوطنية، مما يساهم بشكل كبير في علاج مشاكل البطالة.
4- ترشيد عادة الاستهلاك المفرطة والتي تضر بالأمة اقتصادياً وصحياً.
5- إذكاء الشعور الوطني ضد أعداء الأمة الإسلامية.
6- كما أن المقاطعة فيها تربية للأمة من جديد على التحرر من العبودية لأذواق الآخرين، كما أنها إعلان عن أخوة الإسلام ووحدة أمته( ).
ثانياً: أثر المقاطعة الاقتصادية على الاحتلال الصهيوني:
تعود جذور المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل إلى ما مارسه الفلسطينيون منذ أوائل القرن العشرين من مقاطعة شعبية ضد المنتجات الصهيونية، وذلك رداً على حركة الاستيطان الصهيوني وما صاحبها من إنشاء صناعات يهودية في فلسطين، وعقب قيام مجلس جامعة الدول العربية التي أولت أهمية كبرى لموضوع المقاطعة العربية للمنتجات الصهيونية في فلسطين، بإصدار قرار في 2/12/1945: "باعتبار أن المنتجات والمصنوعات اليهودية في فلسطين غير مرغوب فيها في البلاد العربية، وأن إباحة دخولها للبلاد العربية يؤدي إلى تحقيق الأغراض السياسية الصهيونية". ودعا مجلس الدول العربية الأعضاء في الجامعة إلى اتخاذ الإجراءات التي تناسبها والتي تتفق مع أصول الإدارة والتشريع فيها لتحقيق غرض المقاطعة، وفي أيار 1951 أعلن مجلس الجامعة العربية تنظيم مقاطعة شاملة لإسرائيل، وأصدر القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل بموجب قرار مجلس الجامعة العربية رقم 849 تاريخ 11/12/1954. وقسمت الدول العربية مقاطعتها ضد إسرائيل إلى ثلاث درجات: تتضمن الدرجة الأولى منع التعامل المباشر بين الدول العربية وإسرائيل، وتتضمن الدرجة الثانية منع التعامل مع إسرائيل سواء بصورة مباشرة أم عن طريق وسيط.الثالث، يتضمن المقاطعة من الدرجة الثالثة فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع إسرائيل ووضعها في قوائم سوداء يحظر تعاملها مع أي دولة عربية، علماً أن بعض الدول العربية كانت قد خففت نسبياً من مستوى تلك العقوبات بعد مؤتمر مدريد للسلام العام 1991.
وبالرغم من أن هذه المقاطعة قد تراجعت، إلا أن قادة الاحتلال لم يترددوا في التعبير عن مخاوفهم من هذه المقاطعة. فقد نقل موقع "القناة السابعة" عن الرئيس الإسرائيلي (شمعون بيريس) بتاريخ 5/1/2014 قوله أمام مؤتمر سفراء ورؤساء ممثليات إسرائيل في العالم: "إن المقاطعة الاقتصادية أخطر على إسرائيل من التهديدات الأمنية". وأضاف بيريس: "إسرائيل أمام فرصة للحصول على مكانة خاصة عند الاتحاد الأوروبي، وكذلك فإن جامعة الدول العربية تدرك أن إسرائيل لم تعد هي العدو، لكن لا تخطئوا –المقاطعة الاقتصادية أشد خطرا على إسرائيل من التهديد الأمني".
وقال أيضاً في مقابلة مع صحيفة "غلوبس" الاقتصادية بتاريخ 31/1/2014: "المقاطعة لا يجب أن تكون قادمة من الأعلى، أي أن تكون مقاطعة تقوم بها دول، نحن ثمانية ملايين شخص في إسرائيل، ونحن نعتاش من التصدير، ويكفي أن تشيح شركة بوجهها عنا مثل شركة المياه الهولندية التي أوقفت تعاونها مع "مكوروت" دون علم الحكومة الهولندية. الأضرار اليوم أكثر تأثيرا من الخطر الحربي، اليوم ليس من الضروري سفك الدماء، فالعقوبات الاقتصادية لها تأثير، إضافة إلى ذلك، في الشأن الأمني نحن قادرون على طلب المساعدة من الولايات المتحدة، ولكن في الشأن الاقتصادي لن تستطيع مساعدتنا".
وفي سياق آخر، قال وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد في خطاب ألقاه أمام مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بتاريخ 29/1/2014، معلقا على تعاظم حركة مقاطعة إسرائيل في العالم إن "عدم الشعور بتأثير المقاطعة حاليا سببه أنها عملية تدريجية.. لكن الوضع الحالي خطير جدا.. فنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لم يتنبه إلى بداية حملة المقاطعة التي تعرض لها".
وفي سياق آخر، قال وزير المالية الإسرائيلي (يائير لبيد) في خطابه أمام مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بتاريخ 29/1/2014، معلقا على خطر المقاطعة الذي تواجهه إسرائيل: "ممنوع علينا أن نتقبل خيار المقاطعة بأيد مكتوفة، علينا أن نطلق حملة دعاية مضادة، ولكن يجب ألا نخدع أنفسنا، الإنصات إلينا في العالم يتراجع شيئا فشيئا".
وأشار لبيد إلى أن الإسرائيليين لا يدركون معنى المقاطعة وتأثيرها: "عندما تقول للإسرائيليين "مقاطعة أوروبية"( ) هم يظنون أن "جبنة الكامببيرا لن تأتي في موعدها، وهذا ليس الوضع. أوروبا هي سوق التجارة الأساسية لنا، وإن لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية ودخلنا في السيناريو المنطقي، -وهناك سيناريوهات أخطر منه-، فسيكون هناك ضرر بنسبة 20% فقط في قطاع التصدير للاتحاد الأوروبي، وستتوقف الاستثمارات المباشرة من الاتحاد الأوروبي –التصدير سيخسر في تقديرات 2013 بنحو 20 مليار شيكل في السنة، وفي مجال الصناعة ستكون الخسائر نحو 11 مليار شيكل، وسيخسر 9800 عامل في إسرائيل وظائفهم هذا العام بشكل فوري"( ).

المبحث الثالث: المقاطعة الاقتصادية في ميزان الشريعة الإسلامية

المطلب الأول: أقوال العلماء في المقاطعة الاقتصادية

اتفق الفقهاء المعاصرون على وجوب الأخذ بسلاح المقاطعة باعتبارها وسيلة من وسائل الجهاد والمقاومة، لكنهم اختلفوا في كيفية هذه المقاطعة والصورة التي ينبغي أن تكون عليها.
فذهب فريق إلى تأييدها بإطلاق وبأي صورة سواء كان أثرها صغيرًا أو كبيرًا؛ لما لها من عوائد نفسية وتربوية على الأفراد والشعوب، فضلاً عن العوائد المادية، وذهب الفريق الآخر إلى تقييد المقاطعة بالدول والحكومات لتكون فعالة، أو وقفها على عدم حدوث ضرر للمسلمين بسببها، وإليك التفصيل:
الفريق الأول:
ويتصدر هذا الفريق العلامة يوسف القرضاوي، والشيخ فيصل مولوي، والدكتور حسين شحاته، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، والشيخ ناصر العمر، ومجموعة أخرى من العلماء...( ).
وحجة هؤلاء أن سلاح المقاطعة هو أحد أنواع الجهاد الذي لا يقل أهميه عن غيره، فهو سلاح فعَّال من أسلحة الحرب قديماً وحديثاً ، وقد استخدمه المشركون في العهد المكي في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فآذاهم إيذاءً بليغاً حتى أكلوا أوراق الشجر( ).
وفي العصر الحديث رأينا الشعوب تستخدم سلاح المقاطعة في معاركها للتحرر من الاستعمار، ولعل أبرز من فعل ذلك ( المهاتما غاندي ) في دعوته الشعب الهندي الكبير لمقاطعة بضائع الإنجليز ، وقد كان لذلك أثره البليغ في حرب التحرير( ).
ولأهمية هذا السلاح أعطى الشيخ القرضاوي مساحة من خطبه للتحريض على مقاطعة البضائع الصهيونية بصفة خاصة وكل من يدعم الكيان الصهيوني – كأمريكيا – بصفة عامة، ففي خطبة ألقاها بمسجد عمر بن الخطاب في الدوحة بقطر في 11محرم 1424هـ الموافق 14مارس 2002م قال الشيخ في معرض حديثه عن واجبات الأمة نحو فلسطين : " الآن على الأقل نقاطع البضائع الإسرائيلية والأمريكية. المأكولات والمشروبات والملبوسات والسيارات وغير هذه الأشياء لا يجوز لنا أن نستعملها . هذه الأشياء لا تظنوا أنها هينة ، إنها على مستوى العالم الإسلامي لها أهميتها وتأثيرها ، بعض المحلات أغلقت أبوابها والمتاجر الكبرى شعرت بخسارة هذا العام الحسابات أظهرت خسارة عندهم .
لنصمم على المقاطعة حتى لو لم يخسروا ، هذا واجبنا .. واجبنا أن لا نأكل من طعام هؤلاء. تأكل السم الهاري إذا أكلتَ من أطعمتهم ؟! تشرب السم الهاري إذا شربت من مشروباتهم ؟! لا يا أخي ، امتنع عن هذا ، هذا أقل ما يجب أن نقدمه : أن نقاطع بضائعهم ونقاطع ثقافتهم ونقاطع كل ما يمكننا مقاطعته " ( ) .
وفي خطبة له في مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة 13شعبان 1421هـ الموافق 10نوفمبر2000م توجه الشيخ بخطاب لمؤتمر القمة الإسلامية التاسع المنعقد في قطر في 12نوفمبر 2000م بقوله : " إن قضيتنا المركزية – يعني فلسطين – لا يمكن أن تحل إلا بالجهاد ، هذا ما علمناه التاريخ ، وما علمناه الواقع . والجهاد ألوان وأنواع ، منها الجهاد بالمقاطعة ، مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية وكل من يؤيد إسرائيل . يجب أن يشعر هؤلاء أن الأمة الإسلامية تعرف من يعاديها ومن يصادقها ، من هو لها ومن هو عليها . لا ينبغي أن أُربح الذين يقتلون إخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا في فلسطين واشتري منهم السلعة ثمن هذه السلعة قد يتحول إلى رصاصة تقتل إخواننا وأخواتنا هناك " ( ) .
الفريق الثاني:
ويضع هذا الفريق ضوابط وشروطًا للقول بالمقاطعة حتى تكون فعالة، وإلا فلا قيمة لها ولا داعي للقول بها، مثل أن تقوم بها الدول والحكومات، وألا تعود بضرر على المسلمين، وغير ذلك ..، وممن يذهب إلى هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية( ).

المطلب الثاني: الراجح في حكم المقاطعة الاقتصادية.
لاشك أن التعامل التجاري والاقتصادي الحاصل في هذا الزمن يباين التعاملات التجارية في الأزمان السابقة ؛ فهو الآن أوسع وأشمل وأيسر، ولا شك أن ارتباط الاقتصاد بالسياسة وتأثيره على التوجهات السياسية والنزاعات الحزبيّة صار أكبر وأقوى.
والذي يظهر أن حكم المقاطعة يختلف باختلاف الأحوال، وذلك على النحو التالي:
الأول: إذا أمر بها الإمام:
إذا أمر الإمام بمقاطعة سلعة معينة أو بضائع دولة من دول الكفر فإنه يجب على رعيته امتثال أمره؛ لقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾[ النساء : 59].وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا ,إن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة)( ).
وليس للإمام أن يأمر بذلك إلا أن يرى في ذلك مصلحة عامّة لا تقابلها مفسدة أو ضرر
أرجح منه؛ وذلك أن الأصل في تصرّفات الولاة النافذة على الرعية الملزمة لها في حقوقها العامة والخاصَّة أن تبنى على مصلحة الجماعة، وأن تهدف إلى خيرها.
وتصرّف الولاة على خلاف هذه المصلحة غير جائز( ).ولذا قعَّد أهل العلم قاعدة:"تصرّف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"( ).ولعلَّ في قصة كعب بن مالك- رضي الله عنه - إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامه وصاحبيه( ) شاهداً لأمر الإمام بالمقاطعة.
الثاني: إذا لم يأمر بها الإمام:
إذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة فلا يخلو الحال من أمرين:
1-أن يعلم المسلم أنّ قيمة ما يشتريه يُعين العدو على قتل المسلمين أو إقامة العدو، فهنا يَحرمُ عليه أن يشتري منهم؛ وذلك لأن الشراء منهم والحال ما ذُكر مشمول بالنهي عن التعاون على الإثم والعدوان ، ومشمول بقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الحرام. وإذا علم المسلم أن أهل العلم حرَّموا بيع العنب لمن يتخذه خمراً، وبيع السلاح لأهل الحرب أو وقت الفتنة خشية استعماله لقتل المسلمين، وحَرَّموا إقراض من يغلب على الظن أنه يصرف ماله في محرم( )؛ فكيف إذا كان عين الثمن الذي يشتري به يُقتل به مسلم أو يُعان به على كفر؟!
سئل ابن القاسم عن النصراني يوصي بشيء يباع من ملكه للكنيسة هل يجوز لمسلم شراؤه فقال: لا يحل ذلك له لأنه تعظيم لشعائرهم وشرائعهم. وسئل في أرض لكنيسة يبيع الأسقف منها شيئاً في إصلاحها؟ فقال: لا يجوز للمسلمين أن يشتروها من وجه، لأنه من العون على تعظيم الكنيسة( ).
وسئل الإمام أحمد عن نصارى وقفوا ضيعة للبيعة أيستأجرها الرجل المسلم منهم؟ قال: لا يأخذها بشيء لا يعينهم على ما هم فيه( ). وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن( ) "الكافر الحربي لا يُمَكَّن مما يعينه على حرب أهل الإسلام ولو بالميرة والمال، ونحوه، والدواب
والرواحل، حتى قال بعضهم بتحريق ما لا يتمكن المسلمون من نقله في دار الحرب من أثاثهم وأمتعتهم، ومنعهم من الانتفاع به"( ).
وعلى كلٍ فالنهي عن التعاون عن الإثم والعدوان يشمل هذه الصورة وغيرها وهي آية محكمة .
هذا حكم ما لو علم ذلك يقيناً سواء باطلاع مباشر، أو خبر موثوق به ، أو غير ذلك. وغلبة الظن تجري مجرى العلم كما سبق.
2-أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يُستعان به على حرام من قتال المسلمين أو إقامة الكفر؛ فهذا باق على الأصل العام وهو جواز البيع والشراء وسائر المعاملات.
فإن الأصل في البيوع الإباحة سواء منها ما كان مع المسلمين أو الكفار.كما سبق . وحيث لم يوجد ناقل عن هذا الأصل فلا يتغير الحكم، إلا أن يكون في المقاطعة مصلحة كأن يكون القصد منها الترويج للبضائع المحلية، ومن ثم دعم الاقتصاد الوطني، فالمقاطعة في مثل هذه الحالة مستحبة( ).

المطلب الثالث: الضوابط الشرعية في المقاطعة الاقتصادية.
المقاطعة الاقتصادية –كما أسلفنا- هي سلاح بيد الأمم والشعوب؛ لاسترداد حق, أو دفع ظلم ونحوه, وهذا لا شك مقصد معتبر في نظر الشرع؛ شريطة أن تعمل ضمن القواعد والضوابط الشرعية التي بينها أهل العلم, ومنها ( ).
1- عدم مخالفة مقاصد الشريعة الإسلامية, والتي تتمثل في: حفظ الدين, والنفس, والعقل, والعرض, والمال. فإذا كانت المقاطعة تحقق هذه المقاصد فهي مشروعة ولازمة, لا ينبغي لأحد معارضتها.
2- المحافظة على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار", و"الضرر يزال بقدر الإمكان", "والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"( ). وتأسيساً على ذلك. إذا تبين أن تنفيذ المقاطعة –كما سيأتي- على سلعة معينة ضرورية, أو تبين أن تنفيذ المقاطعة على خدمة معينة, وليس لها بديل, سيترتب على ذلك ضرر شديد فلا تشرع المقاطعة, وهكذا, ولا يترك الأمر لهوى النفس؛ بل يحكم بذلك أهل الاختصاص الثقات.
3- "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"( ). فعلى سبيل المثال: إذا تبين أن تنفيذ المقاطعة الاقتصادية يسبب ضرراً للفرد مقابل منفعة عامة ضرورية؛ ففي هذه الحالة يتحمل الفرد هذا الضرر, وتعوضه الدولة أو الجمعيات والهيئات الخيرية والاجتماعية ما لحقه من ضرر؛ وفقاً لنظام التكافل الاجتماعي, ويعتبر الضرر الناجم من الاعتداء على دين الله من أخطر الأضرار العامة, وتجب إزالته مهما كانت التضحيات من الأفراد.
4- "الضرورات تبيح المحظورات" و "والضرورة تقدر بقدرها"( ).
وحدود الضرورة الشرعية هي: أن تكون ملجئة, يخشى الفاعل منها الهلاك والمشقة البالغة, وأن تكون قائمة بالفعل وليست متوقعة, ولا يكون داع الضرورة وسيلة إلى ارتكاب هذا الأمر, وأن تدفع الضرورة بالقدر الكافي اللازم دون تعدي أو تجاوز, وفي كل الأحوال يجب الأخذ بالعزيمة؛ ولا سيما في حالة الجهاد.
5- "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع والمصالح"( ). فإذا كان في المقاطعة –كما سيأتي بيانه- درء مفاسد عامة, وفي نفس الوقت تمنع منافع عامة؛ فإنها تنفذ, ومن أعظم المفاسد في هذا المقام: هو دعم العدو المعتدي معنوياً واقتصادياً ومالياً.
6- وجوب مشروعية الغايات, وكذلك مشروعية الوسائل المحققة لها.
ويعني هذا: أن تتفق مقاصد المقاطعة الاقتصادية مع مقاصد الشريعة الإسلامية, وأن تستخدم الوسائل الجائزة شرعاً, وتجتنب الوسائل المنهي عنها شرعاً؛ في ضوء الآداب والنظم العامة, والأعراف المعتبرة شرعاً.
7- الالتزام بسُلّم الأولويات الإسلامية. وهي: الضروريات, فالحاجيات, فالتحسينيات, وعند تطبيق ذلك على المقاطعة الاقتصادية يكون الترتيب كالآتي: نبدأ بمقاطعة السلع والخدمات الكمالية والتحسينية, يلي ذلك السلع والخدمات التي تقع في مجال الحاجيات, يلي ذلك السلع والخدمات الضرورية, وهذا يختلف من مكان إلى مكان.
8-تقليل التكاليف والمشقة, ورفع الحرج عن الناس. فمنهم من يأخذ بالعزيمة؛ وهؤلاء ندعمهم ونعاونهم ولا نثبط هممهم, ومنهم من يأخذ بالرخصة؛ فلا نسبب له حرجاً في إطار وحدود شرع الله. فقد قال الله –تبارك وتعالى-: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج:78]. وفي الحديث الصحيح: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً"( ).
فإذا كان هناك اتفاق بين دولة إسلامية ودولة محاربة معتدية ويتضمن شروطاً تخالف شرع الله, فتعتبر هذه الشروط غير ملزمة للدولة الإسلامية.
9- ألا تؤدي المعاملات إلى تضييع حق, أو تقصير واجب, أو تعارض حكم من أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. فعلى سبيل المثال: إذا كانت المعاملات مع أعداء الدين الإسلامي تؤدي إلى ضياع الحقوق؛ فيجب إيقافها, وتفعيل المقاطعة ضدها.
10- "لا اجتهاد في النص". فقواعد الشريعة الإسلامية حجة على المفكرين وأصحاب الرأي, ولا يجوز تطويعها لتتمشى مع الأهواء والمفاهيم والفلسفات والتوجهات العمياء للعلمانيين والمنافقين( ).

الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،أحمده وأشكره على توفيقه في البدء والختام، وأصلي وأسلم على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام.
فالحمد لله الذي أعانني على إتمام هذا البحث، وأسأله أن يكتب له القَبُول في الدنيا والآخرة، وأن يجعله من الأعمال المُبلِّغة إلى دار السلام، والموجبة للفوز بحُسن الختام، وفي ما يلي أضع بين يدي القارئ الكريم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات.
أولًا: النتائج:
1. إذا صدرت المقاطعة الاقتصادية بنية التقرب إلى الله فإنها تعتبر ضرباً من ضروب الجهاد بمفهومه الشرعي العام نظراً لما يترتب عليها من تحقيق لبعض مقاصد الجهاد.
2. أن التعامل مع الكفار اقتصادياً مباح من حيث الأصل, وإن كان هناك بعض المسائل المستثناة التي وقع فيها خلاف بين أهل العلم.
3. أثبت الواقع المشاهد بأن المقاطعة الاقتصادية, سلاح فعال, وقد نجح هذا السلاح في أحيان كثيرة, في إجبار الطرف الآخر على التراجع والإصغاء لمطالب المقاطعين.
4. أن المقاطعة الاقتصادية ليست وليدة هذا العصر, بل هي أسلوب معروف من أساليب الضغط والاحتجاج, وقد زخر التاريخ الإنساني بالكثير من صورها.

5. أن المقاطعة ثلاثة أنواع: الأول: المقاطعة الاقتصادية الأهلية (الشعبية), الثاني: المقاطعة الاقتصادية الرسمية (الحكومية), الثالث: المقاطعة الجماعية الدولية.

6. سلاح المقاطعة الاقتصادية سلاح قوي مؤثر؛ فقد زخر التاريخ الإنساني على مَرِّ العصور, بالكثير من الأمثلة والصور التي اسُتخدِمَ فيها سلاح المقاطعة الاقتصادية كوسيلة من وسائل الضغط, لإخضاع الطرف الآخر.

7. إن في سلاح المقاطعة تطبيقاً لقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
[ الأنفال:60]، حيث يُعتير من الأسلحة الناجعة، لذا استخدمته كثير من الدول في الماضي والحاضر.
8. كما أن المقاطعة فيها تربية للأمة من جديد على التحرر من العبودية لأذواق الآخرين، كما أنها إعلان عن أخوة الإسلام ووحدة أمته.
9. إن في سلاح المقاطعة تشجيعًا للصناعات المحلية والوطنية، مما يساهم بشكل كبير في علاج مشاكل البطالة.
10. بسلاح المقاطعة يتم التخلص من التبعية والهيمنة الأجنبية على حياتنا، وتدريب أبناء الأمة كي يعتمدوا على أنفسهم، واستثمار ما يملكون من طاقات كبيرة للنهوض بشعوبهم.

ثانياً: التوصيات:
1- الدعوة لتشكيل تجمعات شعبية تقوم بتفعيل المقاطعة للبضائع الإسرائيلية .
2- دعوة المفكرين والمثقفين والخطباء وأئمة المساجد للقيام بدورهم في توعية الجمهور بأهمية المقاطعة.
3- الدعوة لمكافحة النزعة الاستهلاكية المهيمنة والمتمثلة ليس فقط في شراء المنتجات الإسرائيلية والأميركية بل حتى السلع الكمالية المحلية، وبالتالي لا بد من نشر الوعي التنموي والاستهلاكي الذي يعني ترشيد الاستهلاك وتكريس نمط استهلاك وطني، عبر تثقيف أنفسنا في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا العامة وغيرها، على استهلاك المنتجات الفلسطينية والعربية التي يمكن أن تستبدل تدريجيا المنتجات الإسرائيلية والأجنبية الأخرى.
4- تشجيع الجمهور لشراء البضائع الوطنية والعمل على دعمها حكومياً وشعبياً.
5- ضرورة إحياء دور المراجع والهيئات العلمية التي يُرجع إليها في مثل هذه المسائل.

ملاحظة

المصادر والمراجع
1. إبراهيم أنيس وآخرون: المعجم الوسيط, مطابع دار المعارف بمصر (1393ه), توزيع دار الباز بمكة المكرمة.
2. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية, اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، الطبعة الثانية 1369ه ، تحقيق محمد حامد الفقي, مطبعة السنة النبوية.
3. ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي, البداية والنهاية, تحقيق: علي شيري, الطبعة: الأولى 1408، هـ - 1988, دار إحياء التراث العربي.
4. ابن كثير: تفسير القرآن العظيم, ط:2 دار الفكر-بيروت 1401ه .
5. ابن منظور: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى, لسان العرب, بيروت, دار صادر, ط3, 1414ه.
6. أبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني, سنن أبي داود, تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد, صيدا – بيروت, المكتبة العصرية
7. أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني , مسند الإمام أحمد بن حنبل, تحقيق شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد وآخرون, مؤسسة الرسالة.
8. أحمد عطية الله, القاموس السياسي, الطبعة الأولى, دار الكتب العلمية.
9. الألباني, أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين, سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها, الطبعة: الأولى ، 1415 هـ - 1995 م, مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض, ح1090.
10. البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي, الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه الموسوم بصحيح البخاري, تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر, دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي), 1422هـ.
11. الترمذي: محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، أبو عيسى, سنن الترمذي تحقيق وتعليق: إبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف , الطبعة: الثانية، 1395 هـ - 1975 م, شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر,
12. حسين شحاتة: تفنيد مزاعم المثبطين للمقاطعة الاقتصادية , الطبعة الأولى 1423ه, مطابع دار الطباعة والنشر الإسلامية- مصر.
13. حسين عمر: الموسوعة الاقتصادية, الطبعة الرابعة, دار الفكر العربي.
14. حمد فهمي أبو سنة: علم الاقتصاد الإسلامي –ضرورة قائمة, وحقيقة واقعة, مجلة المجمع الفقهي, العدد(13).
15. الدكتور علي الصلابي ، السيرة النبوية ( عرض وقائع وتحليل أحداث ) ، دار التوزيع والنشر الإسلامية ، الطبعة الأولى 1422هـ - 2003م .
16. زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم , دار الكتب العلمية، بيروت 1400هـ ، 1980م.
17. سعيد مطر العيني, "المقاطعة الاقتصادية للدانمارك من الناحية القانونية" –بحث منشور على الشبكة العالمية.
18. السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي الأشباه والنظائر، الطبعة الأولى, دار الكتب العلمية 1402هـ ، بيروت .
19. الشبكة العنكبوتية, بتاريخ 12/3/2014مhttp://www.eremnews.com
20. الشبكة العنكبوتية, بتاريخ 2/3/2014م http://www.alresalah.ps
21. الشبكة العنكبوتية, بتاريخ 20/3/2014م http://www.aldaawah.com
22. عابدين عبد الله السعدون, المقاطعة الاقتصادية (تأصيلها الشرعي واقعها والمأمول لها)، دار التابعين، الرياض، الطبعة الأولى 1429هـ- 2008م.
23. عزيز عبد المهدي ردام: المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل, ط الطبعة الأولى, مركز الدراسات الفلسطينية 1979م.
24. علماء نجد، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، تحقيق عبد الرحمن بن محمد قاسم, طبعة 1417هـ 1996م.
25. الفيومي: أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي أبو العباس، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير, الطبعة الأولى, المكتبة العلمية-بيروت .
26. القرضاوي، فتاوى من أجل فلسطين, الناشر مكتبة وهبه 1424هـ، 2004م
27. مجلة البيان ـ العدد [174] صــ 68 صفر 1423، مايو 2002
28. محمد الحصين ، الفتاوى الشرعية للقضايا العصرية، دار الأخبار، الرياض، 1424هـ.
29. محمد الحصين, الفتاوى الشرعية للقضايا العصرية، (227-228) ، دار الأخبار، الرياض، 1424هـ.
30. المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا، دار القلم، الطبعة الأولى 1418هـ، 1998م.
31. مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري, المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله  المعروف بصحيح مسلم, تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, بيروت, دار إحياء التراث العربي.
32. مصطفى الزرقا, المدخل الفقهي العام، دار القلم، الطبعة الأولى 1418هـ، 1998م.
33. المنجد الأبجدي, دار الشرق, لبنان- الطبعة الرابعة.
34. الموسوعة الفقهية الكويتية 3/140، صادر عن وزارة الأوقاف- الكويت، الطبعة 1404هـ - 1427هـ، عدد الأجزاء (45).
الموقع الإلكتروني للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) www.madarcenter.org1.1/4/2014م
35. ناصر بن سليمان العمر ، إلا تنصروه فقد نصره الله من مقال بعنوان ( كلمات عن المقاطعة, كتاب : مجلة البيان الطبعة الأولى 1429هـ - 2008م

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

6 من الزوار الآن

916861 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق