الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > العلوم العسكرية > تأثير التكنولوجيا على الاستراتيجية العسكرية
يهدف العلم العسكري كنظام متكامل للمعرفة لطبيعة وجوهر وأبعاد الحرب ككل والصراع المسلح، وصولاً إلى نظرية فن الحرب ومجموع النظريات الأخرى ووسائل تنظيم وإعداد القوات المسلحة وتطوير معداتها وأسلحتها وبناء استراتيجيتها على أسس سليمة وحديثة.
وقد توارثت العسكرية في بعض الدول نظرتها إلى العلم العسكري عن النظرية الشرقية، التي تنظر إلى العلم العسكري نظره مجزأة، مثل: النظرية العامة للعلم العسكري، ونظرية فن الحرب، و نظرية القوات الجوية، و نظرية بناء القوات الجوية ، ونظرية السيطرة، ونظرية الإمداد والتموين ... الخ؛ ولم يوجد تعريف موحد يشمل التوضيح لمفهوم العلم العسكري ككل.
مفهوم العلم العسكري
العلم العسكري هو أحد العلوم التي تؤثر وتتأثر بالتكنولوجيا، ويمكن أن يكون تعريف العلم العسكري هو: "علم وفن الوصول إلى مجموعة نظريات ومبادئ عسكرية سليمة ومتطورة، والأسلوب الأمثل لتطبيقها، وحل مشاكل بناء وإعداد القوات المسلحة لشن الصراع المسلح، ووضع الأسس السليمة لتطوير معداتها العلمية، في إطار نظام متكامل للمعرفة لطبيعة وجوهر ومحتويات الحرب".
ويعدّ هذا المفهوم أشمل وأعم، حيث يتضمن العناصر التالية:
1- إيجاد نوع من الترابط بين النظريات المختلفة المتناثرة في إطار من النظام المتكامل.
2- تحديد هدف واضح لهذا المفهوم الشامل وهو القوات المسلحة.
3- العمل على تطوير ارتباط العلم العسكري بمختلف العلوم الأخرى والتكنولوجيا الحديثة، وذلك في وضع مفهوم التطوير في المعدات العلمية التي يعتمد على التطور العلمي والتكنولوجي.
4- ربط العناصر السابقة بمعرفة طبيعة وجوهر ومحتويات الحرب، أي بالاستراتيجية العسكرية.
وبهذا المفهوم فإن تعريفنا للعلم العسكري يعتبر مفهوماً متكاملاً وموحداً وشاملاً وذا أهداف محددة.
وبناء على التعريف السابق يمكن لنا أن نستخلص أن العلم العسكري يبحث في طبيعته وخصائص الصراعات المسلحة والحروب المقبلة والقوانين والمباديء التي تخضع لها وطرق إدارة الصراعات المسلحة، كما يضع الأسس النظرية والتوصيات العملية لحل مسائل بناء القوات المسلحة وإعدادها للحرب المقبلة.
وقد أدت صعوبة وتنوع طبيعة الصراع المسلح إلى ضرورة تثبيت فروع العلم العسكري المختلفة بشكل علمى دقيق، أو بتعبير أخر تحديد مكان كل فرع من النظام العام للمعارف العسكرية المختلفة.
وترتبط قاعدة التقسيم الحديث لفروع العلم العسكري ومستويات كل فرع بمستوى الأعمال العسكرية من جهة وبالفرع الرئيس للقوات المسلحة من جهة أخرى، وبذلك كان هناك العلم العسكري العام والعلوم العسكرية التخصصية لكل فرع من أفرع القوات المسلحة في إطار نظام متكامل للمعرفة العسكرية.
ولما كانت الحرب تخضع لقوانين ومباديء عامة ثابتة ونظريات عسكرية، لذا اعتبرت علماً يجب دراسته، شأنها في ذلك شأن العلوم الأخرى.
ولما كانت تلك القوانين والمباديء والنظريات التي تقوم عليها الحرب تحتاج إلى حكمة ومهارة وذكاء من القادة عند التطبيق بسبب الظروف المتغيرة التي تكشف عنها كل حرب، أصبح التخطيط للحرب وإدارتها يدخل ضمن الفنون.
النظرية المتكاملة
يسعى الباحثون والمفكرون العسكريون - شأنهم في ذلك شأن الباحثين في العلوم الاجتماعية الأخرى بشكل عام - إلى تصور "النظرية المتكاملة" التي يمكن أن تشكل إطاراً عاماً يتم من خلاله ممارسة العمل السياسي والعسكري للدولة، على أن يضع هذا التصور العقيدة في المقام الأول، وحيث تحدد العقيدة، ليس المسارات السياسية والعسكرية والاستراتيجية لها فحسب، ولكنها أيضاً تحدد وتقود المسارات الأخرى لأوجه الأنشطة المختلفة سواء الاقتصادية والاجتماعية.
ويحدد المفهوم العام بأنه: "مجموعة من القيم الفلسفية والروحية والمعنوية التي تنعكس على كافة مجالات وأنشطة الدولة السياسية والاستراتيجية وتتحكم في سياسة واستراتيجية الدولة وقواتها المسلحة". كما يحدد مفهوم العقيدة العسكرية بأنه: "الجانب الفلسفي والروحي والمعنوي والاجتماعي والقوة المحركة للمقاتل التي تدفعه إلى التضحية وبذل الدماء والتمسك بالقيم والشرعية من القتال وإلى الفداء من أجل القيم في داخل وذات الإنسان".
هذه القيم قد تكون قيماً دينية أو اجتماعية أو سياسية، وفي التعرف على العقيدة الإسلامية تم تحديد مفهومها بأنها: "الجانب الفلسفي والروحي والمعنوي والاجتماعي للجندي المسلم المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي التي وردت بمفهومها الشامل في الآيات القرآنية التي تحض على الجهاد".
ويتم خلال صياغة النظرية المتكاملة الوضع في الاعتبار الأبعاد الحقيقية للأهداف القومية «الإسرائيلية» والتي تبنى أساساً على العقيدة الدينية، فنحن نجد أن السياسة «الإسرائيلية» العامة تنبثق من "الغاية الصهيونية القومية" والقائمة على خلق " دولة يهودية كبري" في منطقة الشرق الأوسط مبتدئة ب "إعادة إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين ضمن إطار المفهوم التاريخي الصهيوني« لأرض إسرائيل» وقد تطلب طموح الغاية الصهيونية واتساع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن يعتمد المخطط الصهيوني لتحقيق هذه الغاية على التدرج المرحلي في إطار العقيدة الدينية للانتقال المتتالي من هدف إلى آخر حتى تتحقق الغاية القومية كاملة.
وتعتبر "النظرية المتكاملة" التي تبنى على التقدم التكنولوجي هي الإطار النموذجي الذي يجب الوصول إليه بتطبيق الاستراتيجية العسكرية، حيث فيها يتم تحديد الغاية والهدف السياسي للدولة والذي يعتبر إطاراً لأهداف الأمن القومي، والذي يحدد السياسة العسكرية (الردع).
ومن السياسة العسكرية يتم تحديد الاستراتيجية العسكرية التي تحقق المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية.
كما تحدد المناطق ذات الأهيمة الاستراتيجية والتهديدات على الاتجاهات الاستراتيجية بالمسرح.
تطور المعارف والعلوم
بعد إيضاح المباديء والنظريات السابقة، كان لابد من إيضاح العلاقة الوثيقة بين العلم العسكري وكل من العلوم الإنسانية والرياضية والطبيقية وعلوم الإدارة الحديثة واتخاذ القرارات.
ففي مجال العلوم الإنسانية تبين أن دراسة علم النفس وانعكاس ذلك في مجال القوات المسلحة تركز على عمل بحوث ودراسات تحليلية لكشف الخبايا والخصائص القيادية للضباط، ووضع توصيف شخصية القائد سلماً وحرباً. وقد أوضح كثير من الدراسات للشخصية القيادية أن هناك قادة يميلون بطبيعتهم لإدارة العمليات الدفاعية وآخرون يميلون بخصائص تكوينهم إلى العمليات الهجومية ذات الطابع التعرضي، وهكذا يمكن عند تعيين القادة أن يأتي تصنيفهم طبقاً لطبيعتهم وشخصيتهم وسلوكياتهم، كما ساهم علم النفس فى وضع توصيف واضح للضباط لاختبار صلاحيتهم كقادة أو ضباط أركان؛ وفى كشف جوانبهم الأولية عند دراستهم في الكليات العسكرية والمعاهد العلمية بمستوياتها المختلفة.
وبالقدر نفسه ساهم علم النفس فى الإلمام بخصائص وطبيعة الجنود، يسر القدرة على تصنيفهم وفقاً لسلوكياتهم وتكوينهم، وطبقاً لقدراتهم للأعمال القتالية أو الفنية التخصصية وإعدادهم للمواقف الصعبة، واختيار بعضهم كرواد للتجارب، مثل طيارين للتجارب على الطائرات الحديثة وأفراد للعمل بالغواصات ورواد الفضاء. ويقدم علم النفس مقاييس لكل هؤلاء الرجال ومدى صلاحية من يقع عليه الاختيار للمهام الصعبة.
وتعمل الفلسفة على صبغ تفكير الفرد بالصبغة الفلسفية فيصبح قادراً على دراسة الموضوعات دراسة شاملة كلية وتعمل على تشكيل عقله فيصبح قادراً على التفكير الناقد فيرفض الأحكام المتسرعة ويتحرر من تأثير الأحكام المسبقة. ووظيفة الفلسفة في المجتمع العسكري هي غرس وتدعيم قيم ومبادئ جديدة، في الوقت الذى تحافظ فيه على المجتمع وتقوم بالدفاع عن القيم الأساسية التي يتمسك بها وتقوم بالدفاع على استمرار وجوده.
وفي هذه العملية تحاول الفلسفة التوفيق والربط بين القيم القديمة واتجاهاتها والقيم والاتجاهات الجديدة، أي تعمل على تطوير القديم حتى تلائم الأوضاع الجديدة.
وتفيد الفلسفة العلم العسكري في نقدها للمبادئ والمناهج التي يستخدمها العلم العسكري في الوصول إلى القوانين، بينما يفيد العلم العسكري ضمن العلوم الأخرى الفلسفة التي تنسق بين ميادين المعرفة، وتأخذ آخر ما وصلت إليه النظريات العلمية، وتعمل على تكوين نظرة شاملة عامة مستمدة من مختلف ميادين المعرفة والعلم.
وتساعد دراسة المنطق والأخذ بأساليبه فى معاونة تنشئة القادة على أسلوب التفكير المنطقي الذي يعاون في دراسة الموقف واتخاذ القرارات سلماً وحرباً.
كما يتبين أثر العلوم الرياضية في كثير من المجالات والفنون العسكرية، وأن نظريات الأفرع الرئيسة مثل القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي وكثير من التخصصات العسكرية، تقوم أساساً على العلوم الرياضية، التي تعاون أيضاً فى عملية صنع واتخاذ القرارات، والتطور التكنولوجي في الحواسب الإلكترونية اللازمة لإدارة الصراعات المسلحة. وهناك علاقة وثيقة بين العلم العسكري وعلوم الإدارة واتخاذ القرارات، فالإدارة ضرورية لكل جهد جماعي، كما أن اتخاذ القرار في القوات المسلحة هو جوهر عملية القيادة.
وتتأثر عملية اتخاذ القرار بصورة كبيرة بإمكانات وقدرات وخبرات القائد الذي يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار، لذا كان من الضروري أن توسع دائرة إمكاناته وقدراته الذاتية حتى يكون قادراً على اتباع المنهج العلمي السليم. ولتحقيق ذلك يجب على القائد تنمية معارفه بالموضوعات والعلوم ذات التأثير المباشر على أسلوب قيادته وعلى عملية صنع واتخاذ القرار.
إن التطور فى العلم العسكري - المصاحب للتطور في العلوم الأخرى والقوات المسلحة - مهما بلغ حجمه وأبعاده في مجالات التسليح والتدريب والقتال والإعداد للقوات والعقائد القتالية، يعتبر قاصراً ولا يحقق الهدف المنشود منه ما لم يرتبط ذلك بتطور مماثل في مفاهيم القادة وأساليب استخدامهم للوسائل العلمية والتكنولوجية المتقدمة، معتمدين في ذلك على الأساليب العلمية التي تحقق متطلبات الحرب الحديثة التي تتميز بالسرعة والحسم. ولإعطاء دفعة قوية لاستخدام الأساليب العلمية والتكنولوجيا الحديثة، يجب توفر قاعدة علمية وإمكانات فنية في إطار هيكل تنظيمي فعال يوفر التكامل والتوازن والاستغلال الأمثل لهذه القدرات والإمكانات لتحقيق أفضل النتائج للقوات المسلحة.
بناء على تطور العلوم تطورت التكنولوجيا، وأصبحت التكنولوجيا الحديثة - التي تستمد تطورها من علوم متعددة - أساساً لنجاح الدول في بناء وإعداد وتنظيم قواتها المسلحة بقدرات قتالية ذات كفاءة عالية تجعلها في وضع متميز ومتفوق من وجهة نظرها على الجانب الآخر - خصومها وأعدائها - بما يكفل لها تحقيق أهدافها دون الدخول فى حرب سافرة والاكتفاء بالتلويح باستخدام قواتها المسلحة.
وهكذا تلعب التكنولوجيا بآفاقها العلمية الفسيحة دوراً بارزاً في وضع الاستراتيجيات والنظريات العسكرية الحديثة والمتطورة لاستخدام القوات المسلحة إلى جانب الشق التنظيمي لهذه القوات.
اللواء الركن- صلاح الدين كامل محمد مشرف
8 من الزوار الآن
916824 مشتركو المجلة شكرا