Categories

الصفحة الأساسية > 4.0 العملانيات > رصد العدو > إسرائيل ونظرية التسلل

9 كانون الثاني (يناير) 2016

إسرائيل ونظرية التسلل

إعداد / عبد المنعم إبراهيم

- تقديم

تسلط هذه الدراسة الضوء على مصطلح " التسلل " الذي ورد في القرار العسكري الإسرائيلي(1650) شهر أكتوبر من عام 2010م,هذا القرار الذي يطال المواطنين الفلسطينيين بأذى مادي ومعنوي,ونفسي,ويمس حقوقهم الشرعية في أراضيهم ,وفي العيش بكرامة عليها,ويمس كذلك حريتهم بالتنقل الآمن بين هذه الأراضي ,التي لم يكفله لهم الشرع فحسب , بل وكفلتها لهم الأعراف والمواثيق الدولية, كما وتسلط هذه الدراسة الضوء على توقيت وأبعاد هذا المصطلح, والمجالات التي تم تفعيلة من خلالها, كما وتتناول الوسائل التي استخدمتها إسرائيل في هذه المهمة,والأجواء التي خلقتها لتمرر ذلك,مع الإشارة إلى أن هذا المصطلح ليس بجديد في عرف وسياسات الكيان الصهيوني ,بل أنهم تبنوه كجزء من استراتيجيتهم وعقيدتهم الصهيونية التي أسستها الوكالة الصهيوني في مؤتمرها الأول بـ"بازل"في العام 1897م,إلى أن أصبح نظرية مورست على مدار عقود ليحقق الصهاينة بها اختراق في العديد من المجتمعات والدول,لا سيما المجتمع الفلسطيني صاحب القضية المركزية في الصراع العربي-الإسرائيلي .

أن هذه الدراسة ستركز على الفترة الواقعة ما قبل العام 1947م,وحتى2011م, وستتطرق إلى الكيفية التي استخدمتها إسرائيل من خلال هذه النظرية للعب على التناقضات الفلسطينية-الفلسطينية ,وستتطرق كذلك إلى الأفعال الإجرامية التي مارستها العصابات الصهيونية من خلال هذه النظرية ليس في فلسطين فحسب,بل في دول عديدة أخرى ,

- تمهيد

ما إن يقع سمع الإنسان على مصطلح (التسلل), يتبادر للأذهان وبشكل مباشر القرار العسكري الصهيوني "1650" الذي تم الإعلان عنه في العام 2010م , ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 13/4/من ذات العام ,هذا القرار الذي يهدف إلى منع الفلسطينيين,لا سيما سكان قطاع غزة, من التواجد في مدن الضفة الغربية والقدس,وباقي مناطق فلسطين المحتلة عام 48، ويُصنفهم كـ"متسللين" إذا ما دخلوا هذه المناطق بدون تصريح مسبق من القائد العسكري ,ويعتبر كل شخص سواء فلسطيني أو غيرة من حملة الجنسيات الأخرى لا يحمل إذن إقامة مسبق في هذه المناطق بغير القانوني ,وعليه يتم محاكمته وإبعاده ,كما ويعتبر الأجانب الوافدين للتضامن مع الفلسطينيين في انتفاضتهم الشعبية ضد الجدار وضد الاستيطان بغير القانونيين،هذا القرار القديم- الجديد, والذي يحمل بين ثناياه نوايا وأهداف صهيونية متعددة,ما هو إلا امتداد لذات القرار الصهيوني رقم (329 ) الصادر في العام 1969م,والذي وصف الفلسطينيين الذين حاولوا العودة للأراضي الفلسطينية بعد حرب 1967م بـ(المتسللين), كما انه يعيد للذاكرة جملة من القرارات الصهيونية التعسفية التي ظلم على وقعها الشعب الفلسطيني على مدار عقود, والتي كشفت عن أفعال التطهير العرقي والتهجير القصري التي مارسها وما زال الاحتلال في مجمل الأراضي الفلسطينية,كما ويزيح الستار عن تاريخ وأصول هذا الاحتلال ويكشف الوجه الحقيقي لتكوينه البنيوي المشبع بالعنف والإرهاب الذي أسست المنظمة الصهيونية العالمية أركانه,ونفذته الحكومات الصهيونية المتعاقبة,متبعة بذلك وسائل خبيثة ومتعددة,كان من أبرزها وسيلة(التسلل)محور هذه الدراسة,فهذه الوسيلة التي وفر الصهاينة لها المناخات والظروف المختلفة, وخلقوا لها الذرائع والحيل ,وافتعلوا لها الأزمات, لم تكن حديثة العهد,بل هي قديمة جدا في أجندتهم, وأجندة أسلافهم ,قبائل بني قريضة وبني النضير وبني قينقاع, والجدير ذكره هنا بأنه لم يقتصر استخدام هذه الوسيلة مع الشعب الفلسطيني بل استخدمها الصهاينة في شق صفوف المجتمعات,وتغلغلوا بها في عدة دول عربية وإسلامية, ليعيثوا فيها فسادا وخرابا, كما هو الحال في العراق,والصومال, والسودان,ولبنان ,والإمارات,وبعض الدول الإفريقية, وفي العديد من البلدان, وقد استخدموها لتنفيذ مجموعة من المهام الخبيثة كالسرقات, وحالات السطو, والاغتيالات, والاقتحامات, وعمليات الاحتلال والسيطرة ,والتمركز,كما واستخدمتها في المعارك,وفي الحروب العسكرية والإعلامية والسياسية والنفسية, التي سآتي على ذكرها لاحقاً .

في جميع الحالات التي مارس فيها الكيان الصهيوني هذه الوسيلة كان إما أن هذا الكيان قد استغل ظرف ما أو أزمة ما قد نشأت هنا أو هناك ,وإما أنه قد هيأ وخلق أو افتعل بنفسه ظرف أو أزمة ما ,ليتسلل في ظلها إلى أهدافه "الخبيث"التي يكون قد حددها مسبقاً, كما هو حاصل في العراق,التي شارك الكيان الصهيوني بالدرجة الأساسية في تحريض إدارة بوش "المنصرفة" على احتلاله, ليتسنى لهم بداية الخلاص من نظام صدام الذي ادعوا حينه بأنة يمثل خطرا على كيانهم,ومن ثم ليتسنى لهم تقسيم العراق إلى دويلات,حيث تسلل رجالات الموساد الصهيوني إلى العراق عقب احتلاله ليمارسون في عتمة الصراعات الطائفية والتفجيرات الحاصلة هناك سياسة (دق الاسافين)والتي كان لهم الباع الطولي في تغذيتها , ناهيك على أنهم عمدوا على سرقة التراث والآثار العراقي ,وسرقة الأعضاء البشرية العراقية, وسرقة النفط العراقي وذلك بالتعاون مع بعض الشركات الأمريكية,هذا بالإضافة إلى عمليات اغتيال العلماء والأساتذة العراقيين,وكما هو الحال في العراق هو في دول منبع نهر النيل كذلك ,فقد تسللت أجهزة الاستخبارات الصهيونية إلى دول المنبع ,وسط الخلافات القائمة بين مصر والسودان من ناحية,وبعض دول المنبع من ناحية أخرى,ليحرضوا قادة الأخيرة على اللعب في اتفاقية تقاسم الحصص المائة القائمة منذ عقود,وعملوا بكل جهد على مدار سنوات على تحريض زعماء تلك الدول لبناء السدود المائية ,حتى وصل الأمر بهم للمساهمة في تمويل بناء هذه السدود ,وأرسلوا من أجل ذلك طواقم خبراء صهاينة في بناء السدود لدول المنبع ,والهدف الصهيوني بطبيعة الحال هو أن تُهدد مصر بأمنها المائي,لتبقى منشغلة بهذا التهديد ,وتبتعد بذلك عن ممارسة دورها السياسي المركزي في قضايا الأمة العربية ,أما في السودان, فلا يخفى على أحد دور إسرائيل الفاعل تجاه تقسيم السودان ,سعيا لإقامة دولة مسيحية في الجنوب , حيث عمد رجالات الموساد الإسرائيلي منذ سنين إلى التسلل هناك ,ساعين إلى تغذية الصراعات وإشعال فتيل الفتنة فيها , وقاموا بتحريض بعض جماعات المعارضة للنظام السوداني ,لطلب انفصال الجنوب,وكما هو الحال في العراق ودار فور هو كذلك في لبنان الذي يعج بخلايا الموساد الإسرائيلي التي تعمل على تنفيذ الاغتيالات هناك ,حتى يبقى لبنان كأحد دول "الطوق" , غارق في صراعاته , ويبقى الوضع الأمني فيه غير مستقر ,ليبقى دوله ضعيفة ومنهكة,لا تقوى على تشكيل أي تهديد قد يحدث يوما ما على الحدود الشمالية لإسرائيل, وكما هو الحال في هذه البلدان هو في فلسطين- محور هذه الدراسة,التي لها مع التسلل الصهيوني حكايات طويلة وممتدة الأطراف ,يزيد عمرها عن عشرة عقود مضت’ سآتي على ذكرها بالتفصيل, مارست خلالها العصابات الصهيونية المجازر والقتل والتشريد والتهويد والاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأرضة .وقضيته التي سعى الكيان الصهيوني وما زال جاهدا لمحوها عن الوجود.

- التسلل

( توقيته,أبعادة,مجالاتها ,وطرق استخدامها )

* التوقيت :.

لم يكن مصطلح (التسلل) الذي ورد في القرار العسكري الصهيوني(1650) أكتوبر من العام 2010م,إلا واحد من ضمن مصطلحات عديدة قد استخدمها الصهاينة كوسيلة لإفراغ الأرض الفلسطينية من أصحابها الأصليين,لإحلال المستعمرين الصهاينة محلهم,ومي يعتقد بأن جذور هذا المصطلح حديثة العهد في قاموس الصهاينة فهو مخطئ ,فهذا المصطلح قديم يزيد عمره(المعلن)عن مائة وثلاثة عشر(113)عاما,أي منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل بسويسرا,هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك بأن اليهود قد استخدموه كوسيلة خلال ثلاثة عهود متعاقبة,إذا ما رصدناها سيتبين بأن العمر الفعلي لهذا المصطلح في القاموس اليهودي- الصهيوني يعود إلى إلف وخمسمائة(1500)عام سبقت ,أي منذ عهد الرسول, صلوات الله وسلامة عليه ,حتى أصبح هذا المصطلح في الثقافة والفكر اليهودي منذ ذلك الحين نظرية متوارثة سارت ببعدين ,ومرت بثلاثة عهود .

الأبعاد

1- البعد العقائدي

2- البعد إلاحتلالي

العهود

. عهد- النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) .

. عهد- إلانتداب البريطاني لفلسطين- الفترة الواقعة ما بين(1920م-1948م) .

. عهد- الاحتلال الصهيوني لفلسطين – الفترة الواقعة ما بين ( 1948م- حتى إعداد هذه الدراسة/2011م ) .

1-البعد العقائدي

من الواضح وبحسب المعطيات والشواهد على الأرض,وحسب تسلسل الأحداث,بأن مصطلح (التسلل) الذي مارسه اليهود على مدار أزمنة وعقود , بأنه ينبع من بعد عقائدي- توراتي "محرف"بطبيعة الحال, فهناك دلالات ومؤشرات على أن اليهود قد اعتمدوا التسلل كوسيلة للانقضاض على الإسلام والمسلمين, منذ قديم الزمن,فقد استخدموا هذه الوسيلة بداية الأمر للمساس بالنبي محمد صلوات الله وسلامة عليه,وصحابته رضوان الله عليهم,وقد استخدموها للنيل من مكانتهم الدعوية,وذلك من خلال حملات المطاردة والتنكيل التي تعرض لها الرسول وصحابته الكرام , وقد استخدموها كذلك لبث الإشاعات والأكاذيب والأباطيل بحق زوجات الرسول العفيفات,كيف لا واليهود وكفار قريش مجتمعين لم يتركوا وسيلة إلا وجربوها ,ولم يملوا من اختلاق أشكال وألوان عديدة للنيل من شخص الرسول الكريم(صلى) ,سواء جسدياً أو إعلامياً أو نفسياً, والتي كان من أبرزها محاولات إلاغتيال المتكررة بحقه,وحق صحابته, والتي سنذكر بعض منها للدلالة لا للحصر .
1- محاولة "دعثور بن الحارث" عندما( تسلل)خلسة إلى رسول الله (صلى),واقترب من الشجرة التي كان يستلقى في ظلها شاهرا سيفه في وجه الرسول محاولا قتله,إلا أن إرادة الله منعت ذلك.
2- محاولة اليهودية"زينب بنت الحارث" عندما تسللت بطريقة ماكرة نحو الرسول بهدف تسميمه من خلال ذراع الشاة المسمومة التي قدمتها له .
3- محاولة الأعرابي في الوصول إلى الرسول متسللاً من بين صحابته محاولا غرس خنجره في صدر الرسول .
4- محاولة إلقاء الصخرة على الرسول من أعلى سور احد بيوت بني النظير ,عندما كان الرسول(صلى) مستندا إليه,والأمثلة كثيرة ,لم تنتهي عند هذا الحد .

لم يكن النهج والفكر العقدي اليهودي الماكر-المتطرف-الاستئصالي متوقفا عند حد قوم بعينة ,أو في حقبة أو زمن بعينهما ,بل بقي هذا النهج وهذا السلوك مستمرا حتى يومنا هذا,مارا بأزمنة متعددة, فاليهود (صهاينة العهد الجديد) فقد ساروا على نفس النهج والروح العدوانية التي ورثوها من أسلافهم ,وقد استخدموا نفس الوسيلة(التسلل)للانقضاض على الإسلام والمسلمين, وعلى الأرض, والمقدسات الفلسطينية,فقد كانت أعينهم على فلسطين,منذ زمن بعيد,وفي هذا تحدث مؤسس الدولة الصهيونية"هيرتزل"في يومياته عن فلسطين,ووصفها بأنها الأماكن المقدسة, التي تمتد من النيل إلى الفرات,وضمن تلك الرؤية,وضع "الصهاينة" مسلسل التسلل الى فلسطين قيد التنفيذ,وذلك بهدف الاستيلاء على أراضيها ,مستغلين حالة التنافس التي كانت جارية بين القوى الغربية على أراضي الدولة العثمانية ,والتي من ضمنها فلسطين,حيث سعت كل قوة من تلك القوى (بريطانيا-فرنسا-روسيا-المانيا)إلى اللعب على وتر المذاهب,والى استمالة السكان نحوها ,لجعلهم رعايا تسخرهم في خدمتها,وقد كانت فرنسا كإحدى القوى المتنافسة على المنطقة العربية اول من ابتكر ذلك النظام من الامتيازات حين حصلت في القرن "السادس عشر" على حق حماية التجار الفرنسيين في الأراضي العثمانية, وتم توسيع ذلك ليشمل حمايتها لكافة المسيحيين,غير أن روسيا اعترضت على ذلك مطالبة بحقها في حماية المسيحيين"الارثوذكس",ليقتصر حق فرنسا على حماية "الكاثوليك",هذا بالإضافة إلى حماية القوتين(روسيا-فرنسا)للاماكن المقدسة,المتمركزة في القدس,ومن ناحيتة فقد كان نابليون بونابرت خلال حملتة على مصر وفلسطين (1798-1801) قد وجة نداء إلى "يهود أسيا وأفريقيا"يحثهم على السير وراء القيادة الفرنسية,حتى يتسنى حسب ادعائه استعادة العظمة الأصلية لـ"اورشليم القديمة" وذلك شرط أن يقدم اليهود المساعدة لقواته,ومع دحر محمد علي عن المنطقة في العام 1840 دخلت بريطانيا على الخط المذهبي ,من خلال وزير الخارجية البريطاني اللورد "بالمرستون" الذي رأى بان جلب اليهود وإسكانهم في ولاية عكا من شأنه أن يشكل عنصر ردع لمخططات محمد علي ,أو غيرة إزاء أراضي الإمبراطورية العثمانية, خاصة أن اليهود سيكونون حسب رؤيته رعايا بريطانيين ,وسيكون من حق بريطانيا حمايتهم في حال تعرضهم لأي اعتداء,ويُرجح بان فكرة "بالمرستون"قد تمثلت في تحويل اليهود إلى "بروستانت"على غرار مذهب انجلترا,من هنا عمدت القنصلية البريطانية التي تم فتحها في القدس في العام 1839 الى وضع يهود الإمبراطورية تحت رعايتها,وقامت بإنشاء أسقفية في القدس ,ووضعت على رأس تلك الأسقفية "قسا" يهوديا ,اعتنق البروستاتينية" فيما بعد,وفي العام 1881 تزايد الاهتمام البريطاني بفلسطين,حيث عمدت الحكومة البريطاني إلى تنفيذ فكرتها الرامية إلى إسكان يهود في الأراضي العثمانية ,تحديداً في فلسطين ,حيث تم إرسال "لورانس اوليفانت" وهو رجل سياسي بريطاني إلى روسيا وذلك بهدف بث فكرة هجرة اليهود إلى فلسطين ,فيما عرف بهجرة"البيلو" .

تلك العوامل وتلك المنافسات التي كانت دائرة بين تلك القوى,سواء قبل الحرب العالمية الاولى1914م,أو بعدها,وحتى وقوع الحرب العالمية الثانية1939م,وما بعد ذلك,وتبدل القوى الطامعة على فلسطين,حتى يومنا هذا,قد ظلت تشكل بالنسبة لليهود أرضا خصبة للتسلل لفلسطين بموجات هجرة علنية وسرية,وتأكيدا على مطامع اليهود في الأماكن المقدسة,وإزاء ذلك فقد كانت اتفاقية سايكس- بيكو في العام 1916م,والتي خلالها تم اقتسام أراضي التركة العثمانية بين القوى المتصارعة,وسعي كل قوة من تلك القوى إلى جلب اليهود إلى فلسطين ,ليشكلوا عنصرا مدافعا عن مصالح هذه القوة أو تلك,وليشكلوا درعا واقيا في وجهة القوة الأخرى,فقد ظلت تشكل بالنسبة لليهود فرص ثمينة للانقضاض على فلسطين, وحافزا للجرائم التي مارسها الصهاينة على أرضها وبحق سكانها الأصليين,فما شهدته الأراضي الفلسطينية من قمع ومجازر- وتهجير لأهلها بأساليب إجرامية مختلفة ,وبقرارات وقوانين جائرة ,وما تشهده من سطو مبرمج وممنهج على الممتلكات والتراث الإسلامي والمسيحي والوطني الفلسطيني,ومحاولات ضمها أو استبدالهما بتراث يهودي مزيف,كحائط البراق في مدينة القدس الذي ضموه لقائمة التراث اليهودي منذ عقود,وأسموه بحائط "المبكي", والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وقبر يوسف في مدينة بيت لحم اللذان ضموهما في فبراير من العام"2010م" إلى قائمة "المواقع التراثية اليهودية,وما يحدث في مدن الضفة الغربية كذلك من تقطيع لأوصالها ,وسرقة لأراضيها ومياهها ,ومساجدها إلا خير دليل على سياسة الكراهية للتراث والحضارة الإسلامية ودليل على سياسة التطهير,وتعبير صريح عن الممارسات الصهيونية الإجرامية المتصاعدة بحق الإسلام والمسلمين, في ظل غياب موقف وإستراتيجية عربية وإسلامية رادعة لهذه الممارسات .

2- البعد إلاحتلالي

إن مشروع الإستيلاء على فلسطين في جوهر الفلسفة الصهيونية استند بالأساس إلى فكرة قيام كيان صهيوني على الأراضي الفلسطينية,وتكريس لمقولة" ثيودور هرتزل "( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ),لذا كان لابد لمن تستند فلسفته المتطرفة إلى فكره الإستيلاء على أراضي الغير,ويردد مثل تلك الشعارات إلا أي يبحث عن الوسائل المناسبة ويهيئ الظروف والمناخات الملائمة لذلك ,ويستغل أي أحداث أو نزاعات تنشأ هنا أو هناك ليستتر خلفها, فكان "التسلل" من أبرز الوسائل التي استخدمها الصهاينة,منذ عقود مضت,وما يؤكد صحة ذلك ما جاء على لسان "ثيودور هرتزل" أحد مؤسسي دولة الكيان الصهيوني(المزعوم) في خطاب الافتتاح للمؤتمر الصهيوني الأول منذ ما يزيد عن مئة وثلاثة عشر (113) عاماُ,أي في العام 1897م حيث قال:(((أن المسألة اليهودية لا يمكن حلها من خلال التوطن البطيء أو التسلل بدون مفاوضات سياسية أو ضمانات واعتراف دولي بالمشروع الاستيطاني))),مما يعني بأن التسلل كوسيلة لتحقيق المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين,كانت قد سكنت العقول الصهيونية منذ زمن بعيد ,وقد اعتمدت كإستراتيجية لتحقيق هذا الهدف,وذلك لإقامة الوطن القومي الصهيوني البديل على حساب الأرض الفلسطينية,هذا إلى جانب محاولات قادة الصهاينة البحث عن وسيلة تفاوضية تساعدهم في زرع بذور هذا الاستيطان في فلسطين, واعتراف دولي بمشروع كيانهم المزعوم, مع الإشارة إلى أن المفاوضات السياسية التي كان يبحث عنها أو يطمع إليها قادة ومؤسسو الحركة الصهيونية هي المفاوضات التي أرادوا أن يستغلوها لتكريس هذا الكيان,مع القوى التي كانت تتنافس فيما بينها على المنطقة منذ ما قبل ,وما بعد الحربين العالميتين,(بريطانيا- فرنسا,الولايات المتحدة الأمريكية-الاتحاد السوفيتي) ,فمن ناحية استغل قادة الصهاينة التنافس الذي كان حاصل فيما بين بريطانيا وفرنسا لتكريس مشروع الاستيطان في فلسطين,ومن ناحية أخرى استغلوا حالة الفراغ السياسي الذي تلى انهيار تلك القوتين لتجسيد الدولة اليهودية في فلسطين,وسعي القوتين الصاعدتين-الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي نحو مليء ذلك الفراغ من خلال هذه الدولة,التي نظروا اليها بأنها ستكون حامية للمصالح ,وبمثابة أول موطئ قدم نحو الانقضاض على المنطقة برمتها ,وهنا لابد من الوقوف على ثلاثة مواقف لثلاث دول كانت تتنافس على المنطقة , للاستدلال على كيفية استغلال الحركة الصهيونية ذلك التنافس,ولتؤكد نظرية وإستراتيجية هذه الحركة,كما ورد على لسان مؤسسها"ثيودور هرتزل"مطلع العام 1897م .

* بريطانيا - وجد الصهاينة فيها ضالتهم,بعد أن أُنتُدبت على فلسطين,وأجازت لهم الاستيطان فيها, وسمحت لهم بالهجرة إليها بموجات تسللية وعلنية, وعوضتهم عن الرفض العثماني, حيث كان رجل السياسة البريطاني "لورانس اوليفانت"هو صاحب فكرة الهجرة المنظمة والعلنية إلى فلسطين,المسماة بهجرة"البيلو" ومنحت بريطانيا اليهود لاحقا وعد بإقامة وطن قومي في فلسطين فيما عرف بـ(وعد بلفور) في العام 1917م .

* الولايات المتحدة الأمريكية - بعض الوثائق التي تعود للفترة مابين الحربين العالميتين, أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي "روزفلت"كان قد توصل إلى اتفاق مع رئيس الوزراء البريطاني"تشرشل"في العام 1945م حول إعادة توطين اليهود في فلسطين,وذلك بعد أن مارست الحركة الصهيونية ضغوطا على أمريكا بعد نقل مقر الحركة من لندن إلى نيويورك .

* الاتحاد السوفيتي- في ثلاثينيات القرن الماضي يمكن القول بأن الموقف السوفيتي من المنطقة العربية وفلسطين خاصة,قد خضع لتبدلات جذرية نبعت من النظرة السياسية الجديدة المتمثلة في التعاون مع الحركة الصهيونية باعتبارها,وفقا للتقييم الايدولوجي السوفيتي الماركسي ,حركة برجوازية,وتندرج ضمن هذا الإطار عملية تشكيل اللجنة اليهودية المناهضة للفاشية في الاتحاد السوفيتي .

- المجالات التي استخدم فيها الصهاينة نظرية التسلل

(الاستيطاني-العسكري-السياسي-الاقتصادي – الإستخباراتي- الاجتماعي-الثقافي)

1- المجال إلاستيطاني

لقد أخذت عملية الاستيلاء اليهودي-الصهيوني على الأراضي الفلسطينية ,وعمليات الاستيطان اليهودية- الصهيونية أشكالا ووسائل متعددة,في ظل أزمنة مختلفة,وظروف ووقائع متباينة, تكون قد حدثت عبر هذه الأزمنة وتلك,وأما ظروف ووقائع خلقتها إسرائيل بنفسها,أكانت هذه الوقائع سياسية أم عسكرية, ذلك لتشكل هذه الوقائع وهذه الظروف غطاء لعمليات التسلل الاستيطاني , ولو رجعنا إلى الاستيطاني الصهيوني في فلسطين فيمكن إدراج بداياته إلى زمن ضعف الإمبراطورية العثمانية في القرنين السابع عشر والثامن عشر ,وتنافس القوى الغربية على تقاسم أراضي تلك الإمبراطورية,كما يمكن إدراج إقامة الدولة اليهودية في فلسطين ضمن إطار الفراغ السياسي الذي تلى تدهور قوة بريطانيا وفرنسا, وتسابق القوتين الجديدتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية من اجل ملء ذلك الفراغ ,كما ذكرت انفاً,وذلك بتبني مشروع الدولة اليهودية,ضمن هذا الإطار يمكن القول بأن الحركة الصهيونية عملت من ناحية على استغلال تلك الظروف,من خلال التظاهر بالولاء لهذه القوة أو تلك,وذلك لتتسلل إلى فلسطين, ومن ناحية أخرى واستكمالا لذات النهج,فقد عمدت المنظمة الصهيونية العالمية إلى اللعب على جملة الإغراءات المادية التي أقرت تقديمها ليهود العالم لحثهم على الاستثمار في فلسطين, كما جاء على لسان "ثيودور هرتزل" في كتابة "دولة اليهود" ,حيث قال: (((أن عائدات الاستثمار في فلسطين ستكون عالية جدا- فالمليون كما قال: سيجلب خمسة عشر مليونا))),مما كان له اثر بالغ في تحفيز المستوطنين اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين,ولكي تتمكن العصابات الصهيونية التي تم تشكيلها آنذاك(الهجانا-الارجون...)من بسط سيطرتها على مزيد من الأراضي الفلسطينية ,فقد عمدت إلى خلق حالة من الترويع والترهيب للمواطنين الفلسطينيين العزل,واللجوء إلى ارتكاب المجازر لدفع المواطنين العزل بقوة السلاح إلى ترك أراضيهم ومنازلهم,كما حدث في مجزرة قبية ,ودير ياسين,وكفر قاسم على سبيل المثال لا الحصر, ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل وعصاباتها المنظمة تمارس عمليات الاستيطان التسللي ,والتطهير العرقي في فلسطين مستغلة بذلك العديد من المحطات لتزيد من وتيرة تسللها إلى الأرض الفلسطينية, كحالة الإحباط التي سادت الشعوب العربية وقادتها ونخبها السياسية بعد هزيمة 48(عام النكبة), والحالة التي سادت المنطقة في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م,وفي أعقاب نكسة 1967م, وحرب أكتوبر 1973م, واجتياح لبنان 1982م ,وحرب الكرامة 1968م,وكما حدث قبيل اجتياح مدن الضفة الغربية مطلع انتفاضة الأقصى في العام 2000م,حيث هيأت إسرائيل لذلك بإرسال الهالك شارون لساحات المسجد الأقصى,والقيادة الصهيونية تعلم آنذاك بأن مثل تلك الزيارة ستشعل فتيل هبة جماهيرية فلسطينية-عربية-إسلامية ستخلط الأوراق من جديد,لا سيما وان حكومة باراك قد فشلت آنذاك في فرض شروطها على الراحل ياسر عرفات في قمة "كامب ديفد"عام 2000,وبقيت عمليات القتل والمجازر بحق الفلسطينيين قائمة,وبقيت عمليات التسلل والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية مستمرة ,و تتصاعد بوتائر مطردة حتى يومنا هذا,فها هي حكومة الصهيوني"نتنياهو" وكسابقاتها من الحكومات الصهيونية تمعن في الاستيطان,وتمعن في فرض الوقائع الجائرة على الأرض الفلسطينية,وتستولي على الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية ,مستغلة بذلك جملة من العوامل والظروف,فمن ناحية عمدت حكومة "نتنياهو" على استغلال الوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه,والعجز العربي الإسلامي عن اتخاذ مواقف صارمة تجاه ذلك, ومن ناحية أخرى لن أقول انشغال الإدارة الأمريكية بالعديد من الملفات والقضايا الدولية,كالملف الإيراني, والملف الأفغاني,والملف العراقي, والملف الكوري الشمالي...إلى آخرة من هذه الملفات فحسب ,بل انه بالتنسيق القائم والدائم بين الحكومات الصهيونية المتعاقبة والإدارات الأمريكية,التي عملت طوال الوقت على طمس القضية الفلسطينية,وسمحت للكيان الصهيوني بمزيد من التسلل للعمق الفلسطيني في ظل (معمعان)هذه الملفات, ومؤخراً استغلال الحراك الدائر في الشارع العربي (الثورات الشعبية),وانشغال العالم بهذا الحراك,ومن يراقب ويتابع ما يحدث في مدينة القدس,ومدن الضفة الغربية ,وقطاع غزة من انتهاكات يومية,سيجد بأن إسرائيل مع اختلاف الأجواء والظروف-قد أمعنت في انتهاك البشر والحجر والشجر وذلك بمساندة ودعم الإدارات الأمريكية التي لا نسمع منها سوى (نأسف - نأمل- نتمنى...الخ ), من هذه المصطلحات الماكرة ,والتي لا قيمة لها ولا وزن في القانون الدولي .

2- المجال العسكري

تبقى نظرية التسلل هي السائدة في السياسة والإستراتيجية العامة للصهاينة,ويبقى معها البحث الصهيوني عن ذرائع ومظلات وأجواء ليحتمي بها قائما, فهذا الأسلوب لم يقتصر على ما ورد آنفا فقط ,بل استخدم الصهاينة هذا الوسيلة في المجال العسكري كذلك,ولكن في هذا المجال ليس من أجل الحد من مهارة الخصم على غرار ما يحصل في مباريات كرة القدم,(إذا ما جاز التدليل), ولم يكن بزي أبيض أو برتقالي أو احمر...الخ ,إنما استخدمته المؤسسة العسكرية الصهيوني بقواتها البرية, وتشكيلاتها المحلقة جواً (الطيران الحربي),وبزي قاتم اللون لا يعبر إلا عن لغة الحروب,فقد استخدمت المؤسسة الصهيونية العسكرية هذا الأسلوب في هذا المجال إما للاستطلاع وإما للاحتلال والتمركز ,وإما للاغتيالات,وإما للقيام بعمليات خاطفة هنا أو هناك ,والجدير ذكره هنا بأن جميع هذه الممارسات الصهيونية في هذا المجال لم تقتصر على الأراضي الفلسطينية,بل تعدتها ووصلت إلى دول عربية عدة,مثل مصر وسوريا, ولبنان, وتونس, والعراق...,تماما كما حدث إبان حرب العام 1967م ,حيث نفذت الفرقة(101) التابعة للجيش الصهيوني بقيادة الهالك شارون عملية تسلل واختراق وسط صفوف الجيش المصري في سيناء خلال حرب العام 1967م حيث كان تسلل تلك الفرقة أحد الأسباب التي مكنت الجيش الصهيوني من الوصول إلى قناة السويس ,واحتلال شبة جزيرة سيناء بالكامل " مع الإشارة إلى أن البوارج الأمريكية التي كانت ترسو في عرض البحر آنذاك هي التي رصدت الثغرة في تشكيلات الجيش المصري ,ومن ثم أرسلت إحداثياتها للقيادة الصهيونية .

وعلى جانب أخر فقد عمدت إسرائيل على مدار السنين والعقود الماضية إلى اختلاق الذرائع والحجج ,ودأبت لتهيئ الظروف لتمارس نفس اللعبة,ففي ستينات القرن الماضي راحت تشكوا وتولول للولايات المتحدة وللدول الغربية ,وتدعي بأنها محاصرة وتتعرض لمخاطر وجودية ,بسبب تواجد قواعد عسكرية لقوات الثورة الفلسطينية على طول نهر الأردن فأبلغت الإدارة الأمريكية حينها نيتها ضرب تلك القواعد ,وبعدما لاقت الدعم والمساندة الأمريكية لذلك لجأت إلى التسلل لبلدة الكرامة تحت جنح الظلام صبيحة الواحد والعشرين من مارس 1968م وهاجمت البلدة من أربعة محاور,فيما عرف بـ(معركة الكرامة),وفي الثمانينات من ذات القرن اتسعت دائرة الولولة والشكوى الصهيونية ,والادعاء بالمخاطر الوجودية,واتسعت معها سهام عمليات التسلل,لتطال هذه المرة دولة العراق فراحت إسرائيل تشكو من تصاعد وتنامي قدره العراق العسكرية, وتشكو من مخاطر برنامجه النووي على كيانها المزعوم ,والهدف كما في كل مرة هو تهيئة الظروف والأجواء لتتسلل في كنفها إلى ساحة الشرق الأوسط ,لتخليه من أي قوة عسكرية قد توازي القوة الصهيونية, وبعدما نجحت في ذلك لجأ الطيران الحربي الصهيوني في العام 1981م إلى التسلل إلى الأجواء العراقية بطرق ومسارات جوية سماها الخبراء العسكريين بالمتعرجة – فتارة منخفضة وأخرى مرتفعة وذلك حتى يفلت الطيران حسب رأي الخبراء من رصد الرادارات,فقام بالإغارة على المفاعل النووي ليسويه بالأرض, وما زال المسلسل مستمر,والحجج والادعاءات الصهيونية مستمرة, فعاد القادة الصهاينة مرة أخرى للبحث عن فريسة أخرى ,فوقع الاختيار على لبنان,والهدف هنا "التسلل" إلى بيروت الغربية, لضرب قوات الثورة الفلسطينية المتواجدة فيها,وبدأوا يبحثون عن غطاء لذلك, فلجأوا إلى استغلال حادثة إطلاق النار على السفير الإسرائيلي في لندن,والتي حامت الشكوك في كثير من الروايات حول دور الموساد الإسرائيلي في تلك الحادثة لتشكل الذريعة في اجتياح بيروت في العام 1982م,فيما عرف بـ(سلامة الجليل) ,هذا بالإضافة إلى استغلال أجواء التوتر التي نشأت في المنطقة بين العراق وإيران آنذاك والحرب التي اشتعلت بينهما, وانشغال الدول ما بين داعم لهذا الطرف وذاك,وانشغال شعوب العالم من ناحية أخرى بمونديال كأس العالم التي كانت تستضيفه أسبانيا آنذاك,والهدف الإسرائيلي الاستراتيجي بحسب رؤية شارون من وراء تلك الحرب هو تصفية منظمة التحرير الفلسطينية كقوة عسكرية وسياسية فعلية .
ملخص الأهداف الإسرائيلية من وراء الحرب على لبنان عام 82 كما وصفها المعلق العسكري الإسرائيلي"زئيف شيف" : .
1-ضرب البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية .
2-إبعاد القوة الفلسطينية المسلحة عن حدود إسرائيل عبر الأراضي اللبنانية .
3-انتقال القوة العسكرية الفلسطينية إلى مواقع جغرافية بعيدة,تجعلها عاجزة عن ممارسة أي عمل عسكري .
وهذه الأهداف الثلاث جاءت لتؤكد في مجملها بأن الغزو الإسرائيلي للبنان كان يستهدف شطب الرقم الفلسطيني من معادلة الشرق الأوسط,وبالتالي شطب منظمة التحرير باعتبارها شاهد الإثبات ,وعامل التوحيد ,ومعقل المقاومة,كما تحدث الراحل ياسر عرفات عن ذلك ,في مقابلة خاصة له مع مجلة البيادر السياسي .
وهنا لابد من الإشارة إلى هدف أخر سعت إسرائيل لتحقيقه من وراء تلك الحرب,الا وهو الهدف السياسي,الذي سآتي على ذكره في المجال التالي, (المجال السياسي).

أما الفصل الذي لا يقل دموية عن فصول التسلل الصهيوني السابقة ,هو فصل التسلل ليلاً إلى مخيمي صبرا وشاتيلا,حيث نفذ الصهاينة بمساندة بعض القوى والمليشيات اللبنانية المسيحية العميلة مذبحة سقط فيها الآلاف من الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين العزل .

ولم تتوقف فصول نظرية(التسلل)الصهيوني عند هذا الحد,بل اتسع نطاقها في أكثر من بلد عربي, واتسعت دائرة الاختراق الصهيوني أكثر فأكثر حتى وصلت قلب العاصمة التونسية "تونس",والمراد "مقر القيادة الفلسطينية", الموجود في "حمامات الشط" ,فقام الطيران الحربي الصهيوني في الأول من أكتوبر 1985 بالتسلل إلى الأجواء التونسية ,وذلك لضرب مقر "م-ت-ف",والهدف هذه المرة مزدوج,ومكمل بطبيعة الحال للسياسات الإسرائيلية السابقة :.

الأول : اغتيال أعضاء القيادة الفلسطينية ,وعلى رأسها الراحل ياسر عرفات .

الثاني: إفشال محاولات قوات الثورة الفلسطينية بالعودة إلى لبنان بعد الخروج الذي أعقب اجتياح بيروت .
أما المبررات والذرائع الصهيونية فكانت عملية لارنكا,والأجواء والظروف التي شكلت الغطاء للهجوم الصهيوني هي الحرب الإيرانية العراقية كذلك,وانشغال العالم بها,إلا أن تلك الذرائع لم تنطلي على أحد ,فقد كان الهدف مكملا لذات الهدف الذي غزت إسرائيل به بيروت عام 82,وهو إكمال القضاء على البنية التحية(العسكرية والسياسية) لمنظمة التحرير الفلسطينية .

وفي فصل آخر من فصول التسلل تم أخترق الأجواء السورية سبتمبر من العام 2007",وتم ضرب ما أسموه آنذاك بنواه مفاعل نووي سوري ,كما تم اختراق للأجواء السودانية,هذا العام2011 "بور سودان",وقاموا بنفس الفعلة قبل عامين,حيث استهدفوا ما ادعوا بأنه شاحنات أسلحة كانت في طريقها إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة,والعديد من العمليات التي نفذتها إسرائيل خارج حدود فلسطين .

وليس بعيدا عن ذلك وفي ظل استغلال الصهاينة للانقسام الفلسطيني- الفلسطيني ,منذ العام 2007,ودعم الإدارة الأمريكية ,وتواطيء الدول الغربية,والعجز العربي,فقد استغل الصهاينة الحالة القائمة على الساحتين العربية والدولية,واستغلوا أجواء الانقسام الفلسطيني,ليبادروا بالهجوم على غزة 2008-2009م,في حملة استمرت اثنا وعشرين يوماً, سقط خلالها ما يزيد عن (1500)الف وخمسمائة شهيد وآلاف الجرحى, والمبررات الصهيونية لهذه الهجمة البشعة ,وكالعادة كان (حسب روايتهم) تعاظم القوة العسكرية لكل من حركة حماس والتنظيمات الفلسطينية, وكان قد سبق هذا العدوان عدوان وهجمة صهيونية على مناطق ومدن الضفة الغربية,فيما عرف بعملية السور الواقي في العام 2001م, وشنوا حرب على لبنان في صيف 2006 ,مع الإشارة إلى أن عملية السور الواقي كانت تحمل في طياتها أهدافا سياسية إلى جانب الأهداف العسكرية ,هذا بالإضافة إلى التأكيد على أنه وفي كل مرة يشن فيها الصهاينة عدوانهم هنا أو هناك, تكون المبررات والحجج الصهيونية هو تعاظم قوة التنظيمات الفلسطينية,هذا إلى جانب استغلال الصهاينة التصريحات الخاطئة والقاتلة التي كانت تصدر من بعض قادة الفصائل الفلسطينية عن مدى هذه القوة وهذا التسليح,مما كان يعطي الصهاينة الذريعة والمبرر للهجوم الذي كان آخرة على غزة .

وكما هو الحال في الحروب والمعارك ,وكما حدث في حصار بيروت ,ومخيمي صبرا وشاتيلا,فقد مارست إسرائيل بقواتها العسكرية المدججة بالسلاح هذا الأسلوب أيضاً في عمليات الحصار للمناطق الفلسطينية,كالحصار الذي فرض على الراحل"ياسر عرفات"في العام 2002م,إبان انتفاضة الأقصى,كما وأن إسلوب التسلل للجيش الصهيوني تكرر مرارا خلال الاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أم في قطاع غزة ,وذلك أما بهدف الاعتقال أو الاغتيال ,وأما لإيصال رسائل سياسية للقيادة الفلسطينية .

3- المجال السياسي

لا أحد يستطيع القفز عن حقيقة القول أن القضية الفلسطينية كأرض وشعب كانت وما زالت لها الأثر الفاعل في كثير من مجريات الأحداث على اغلب الساحات ,وإنها كانت تؤثر وتتأثر بالمتغيرات, ولا يختلف اثنان على أن الغرب الصليبي,بما فيهم الأمريكان قد تسابقوا وتنافسوا على فلسطين منذ عقود من الزمن,طامعين في هذه البقعة الجغرافية الإستراتيجية, الرابطة بين ممرين مائيين استراتيجيين(قناة السويس- نهري دجلة والفرات),مستخدمين اليهود كأداة في نزاعاتهم تلك,وذلك على قاعدة التقاطع بين المشروعين الاحتلاليين-الاستعماريين(الغربي-الصهيوني),إلا أنه وبالرغم من ذلك فلا احد يستطيع القفز عن حقيقة أن الفلسطينيين,شعبا وقياده في جميع مراحل الغزو "الصهيوامبريالي" لفلسطين- منذ ما قبل العام 1948م ,وحتى يومنا هذا من العام 2011م, قد وقفوا في وجهة مشروع الغزو, الساعي للاستيلاء على فلسطين أرضاً وشعباً وثقافة وحضارة,بدأ من ثورات العمال والفلاحين والفقراء, وثورة الحاج أمين الحسيني ,و ثورة الشيخ الشهيد-عز الدين القسام, 1936-1939,وصولاً إلى الثورة الفلسطينية المعاصرة , التي تزعمتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" كبرى الفصائل الفلسطينية مطلع العام1965 ,والتي اعتبرت أطول الثورات الفلسطينية عمراً,وأكثرها تأثيرا وفعلاً ,في الصراع العربي-الإسرائيلي والتي ما زالت مستمرة وقائمة حتى يومنا هذا,فجميع القيادات الفلسطينية المتعاقبة لم تألوا جهدا سياسياً في مواجهة المشروع الصهيوني, ومخططاتة الاستعمارية في فلسطين, والتاريخ شاهد على المساعي والجهود التي بذلتها هذه القيادات,والدور المركزي الذي لعبته من خلال الإستراتيجية السياسية والدبلوماسية التي تبنتها في هذا الاتجاه,إلا أن هذه الاستراتيجيات اصطدمت على الدوام بالدعم الأمريكي,والغربي للكيان الصهيوني,والفيتو الأمريكي على أي مشروع كانت تتقدم به القيادات الفلسطينية يخص القضية الفلسطينية في مجالس الأمم المتحدة, ما ساعد الكيان الصهيوني على التسلل إلى المشهد السياسي الفلسطيني,والاستقواء عليه .

فالإستراتيجية السياسية الفلسطينية قبل العام 1948, على سبيل المثال,والتي كانت تتبناها القيادات الفلسطينية آنذاك, كانت تأتي من وجهة نظر تلك القيادات انطلاقا من أهمية التحرك السياسي على الساحتين العربية والدولية,ذلك لدعم وجهة النظر الفلسطينية,المبنية على المطالب الفلسطينية العادلة والمشروعة ,المتمثلة في الاستقلال , وفي حماية الفلسطينيين من هجمات العصابات الصهيونية, ويأتي ذلك تأكيداً على وجهة نظر الحاج أمين الحسيني ,الذي تبني تلك السياسة,وعلى جانب أخر كانت تهدف تلك التحركات السياسية إلى دفع الأطراف الدولية المعنية على وقف هجرة اليهود إلى فلسطين, وقد تبنت تلك الإستراتيجية سياسة المراسلات والمذكرات للجهات المعنية تلك ,سواء العربية أم الغربية,إلا أن تلك الإستراتيجية قد مرت بظروف وعوامل متعددة أدت إلى إضعافها ,وسمحت للكيان الصهيوني الاستعماري للانقضاض عليها, فقد تعرضت من ناحية إلى اهتزازات وانتكاسات داخلية,تمثلت في الخلافات التي دارت مابين الزعامات الفلسطينية المتمثلة في بعض العائلات الكبيرة,المتنافسة على رئاسة قيادات الساحة الفلسطينية, هذا إلى جانب عدم تمتع الفلسطينيين آنذاك بمنظمة فلسطينية حقيقية تساندهم سياسياً,وتجمع شملهم,كالوكالة الصهيونية التي كانت تجمع شمل اليهود,وتساندهم سياسياً,وتدعمهم عسكريا وماليا ومعنويا, أما الظروف والعوامل الأخرى التي كانت سببا أخراً في إضعاف المواقف السياسية الفلسطينية ,وسمحت للمواقف الصهيونية بالاستقواء فهي : المواقف الهزيلة للدول العربية باتجاه الشعب الفلسطيني ,وقضيته ,فقد دأبت هذه الدول بطريقة أو بأخرى إلى تكبيل الحراك الفلسطيني,سواء العسكري أم السياسي, ذلك تحت ذرائع أن العرب سيتولون حماية الفلسطينيين,ويتبنون مواقفهم السياسية ,فقد ذكر الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" في كتابة "فلسطيني بلا هوية"بان الدول العربية كانت تظهر للفلسطينيين تعاطفا بالغ "العذرية" و"الافلاطونية" ,فهي كما قال كانت تعد بالكثير ولا تزودنا لا بمعونة "شبة رمزية" ليؤكد الشهيد أبو اياد بذلك على تلك المواقف العربية-الإسلامية الهزيلة,مما أعطى الصهاينة المجال للاستقواء على الفلسطينيين وتحركاتهم السياسية .

في المحصلة أسهمت تلك العوامل والظروف,سواء الفلسطينية الداخلية ,أم العربية,أم الدولية - في فتح الأبواب لليهود على مصراعيها ,ليتسللوا للمشهد السياسي الفلسطيني, سعياً لتكبيل الجهود السياسية الفلسطينية, ولف الطوق حول عنق تلك الجهود, إلا أنه ومع مرور السنين على هذه الحالة, وبالرغم من أن الكيان الصهيوني قد استطاع بذلك الوصول لهدفه في احتلال فلسطين في العام 1948م, فان الفعل السياسي الفلسطيني الرافض لتلك الحالة لم يتوقف,فقد "حملت" السنين في أحشائها حالة جديدة من حالات الرفض وعدم الاستسلام الفلسطيني للواقع الذي فرضته إسرائيل ,وحلفائها الغربيين,تمثلت في بروز ثورة جديدة , عبرت عن استنهاض الحالة الفلسطينية من جديد,لتثبت بان فلسطين الأرض والشعب "ولادة"وان أجيال تسلم أجيال ,إنها ثورة الفاتح من يناير 1965م,فقد شكلت هذه الثورة في نهجها وسلوكها نهضة سياسية جديدة في عالم الفعل الفلسطيني,هذا إلى جانب الفعل العسكري لهذه الثورة,هذا بموازاة جسم وبيت سياسي جامع للشعب الفلسطيني,كان قد تشكل قبل الإعلان عن هذه الثورة بعام واحد وهو العام 1964م,الا وهي "م- ت- ف",ليكتمل المشهد السياسي الفلسطيني ,وتدخل فلسطين الأرض والإنسان والهوية مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع إسرائيل .

لقد تعاملت إسرائيل مع هذه الحالة الجديدة ,منذ لحظاتها الأولى,بمنطق كسر الإرادات السياسية الفلسطينية, ومنطق الاجتثاث,بوسائل متعددة, ذلك للحؤول دون تمكن الفلسطينيين وضع قضيتهم السياسية على سلم اولويات واهتمامات دول العالم,وعملت إسرائيل ,وبدعم أمريكي-غربي على الوقوف عائقا أمام وصول الفلسطينيين إلى هدفهم المنشود",وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية على قاعدة التحالف الاستراتيجي ما بيننها وبين الكيان الصهيوني الدعم السياسي لهذا الكيان,ومارست حق النقد"الفيتو" ضد جميع المشاريع الفلسطينية,التي كانت تتقدم بها القيادة الفلسطينية,الا أنه وبالمقابل فقد نجحت القيادة الفلسطينية وحركة فتح وعلى رأسها الراحل ياسر عرفات في التصدي لذلك الطوق السياسي الذي حاولت إسرائيل وحليفتها أمريكا فرضه على الثورة الفلسطينية, وعلى منظمة التحرير الفلسطينية,واستطاعت أن تتحرك سياسيا ودبلوماسيا ,ذلك من موقع فهمها وإدراكها بأن الفعل العسكري يجب أن يوازيه تحركات سياسية باتجاه مؤسسات المجتمع الدولي,والدول المعنية, بما يحقق للقضية الفلسطينية هدفها السياسي,وقد تجسد ذلك في الخطاب السياسي المشهور الذي القاه الراحل عرفات في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1974،,والذي أكد فيه أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني من الاستعمار والاضطهاد، مطالباً في ذات الوقت ممثلي الحكومات والشعوب مساندة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والعودة إلى دياره, و قد استطاعت السياسة والدبلوماسية الفلسطينية بذلك الخطاب أن تحقق انجازا تاريخيا للقضية الفلسطينية,حيث منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب بوصفها ممثلا للشعب الفلسطيني ليشمل ذلك التمثيل جميع هيئات الأمم المتحدة لاحقاً ,الا أن إسرائيل حاولت ضرب هذا التمثيل ,وهذا المد السياسي,ذلك بمحاولتها ضرب البنية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطيني ,في محطات عديدة,أبرزها في العام 1982"اجتياح بيروت",وهذا ما قد صرح به آنذاك"شارون,واسحق رابين,هذا إلى جانب محاولة كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مخاطبة قيادات من الداخل الفلسطيني(غزة-الضفة الغربية),مطلع انتفاضة"الحجار"1987م,ذلك في محاولة منهما إيجاد قيادة سياسية بديلة عن القيادة الشرعية(م-ت-ف)الا أنه ومع تأكيد الداخل الفلسطيني بالالتفاف خلف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية, والتأكيد على أن الصفة السياسية التمثيلية للشعب الفلسطيني هي منظمة التحرير الفلسطينية,قد أفشلت محاولات التسلل الإسرائيلية الأمريكية للمشهد السياسي الفلسطيني ,وفي محطة أخرى,وعلى اثر خطاب الاستقلال الذي القاه الراحل عرفات عام 1988م من القرن الماضي حازت فلسطين على اعتراف أكثر من مائة وعشرة (110)دولة,وهذا يعني اعتراف دولي بالمنظمة كممثل سياسي للشعب الفلسطيني,وبالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني,مما شكل ضربة للسياسة الإسرائيلية الخارجية,التي سعت لان تكون هذه الحقوق إنسانية,في إطار منظمة الإغاثة العالمية(un),وفي مشهد أخر من مشاهد المواجهة السياسة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني,فقد قررت إسرائيل مرة أخرى "التسلل" إلى المشهد السياسي الفلسطيني, ذلك عقب توقيع اتفاقية"اوسلو"في العام 1993م ,وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية,وبعد أن نجحت القيادة الفلسطينية في تجسيد مفهوم الدولة ذات المؤسسات والبنية التحتية والسياسية والعلاقات الدولية,ونجحت في جلب الدعم المادي والسياسي لذلك,فقد مارست إسرائيل, واعتمادا على مبدأ إدارة العملية السياسية,وليس حلها ,وبلعبة "الباب السياسي الدوار" , , فقد مارست سياسة الكذب والتضليل والخداع,وسياسة المماطلة في إكمال تنفيذ استحقاقات العملية السلمية,التي قامت على قاعدة "اتفاقية اوسلو", مستغلة بذلك الدعم السياسي المطلق الذي تقدمة الولايات المتحدة الأمريكية,وحق النقد "الفيتو" الذي تستخدمه ضد المشاريع الفلسطينية المقدمة لهيئات الأمم المتحدة, والتي سألحقها في جدول نهاية هذه الدراسة, كما واستغلت إسرائيل كذلك دعم بعض الدول الأوروبية,التي تقع في الفلك الأمريكي,واستغلت كذلك حالة الضعف والفرقة العربية والإسلامية,ولقد جاءت قمة "كامب ديفد"عام 2000م لتؤكد على أن إسرائيل تسلحت بالدعم السياسي الأمريكي المطلق لتمارس سياسة "خنق" الموقف السياسي الفلسطيني,وقد تجلى ذلك في محاولاتها إخضاع الراحل عرفات للركوع أمام الشروط الصهيو أمريكية في تلك القمة,وفي الحصار الذي فرضته إسرائيل على رأس الهرم السياسي الفلسطيني "الراحل ياسر عرفات" في المقاطعة برام الله2002م, عقب تلك القمة,ومنعة من التحرك خارج المقاطعة, واستكمالا لذات المسلسل التسللي الصهيوني ,فقد استخدمت إسرائيل القوة العسكرية في العام 2002,عملية"السور الواقي", ذلك لتدمر البنية السياسية للسلطة الوطنية الفلسطينية ,حيث أتت تلك العملية عقب الصمود السياسي الذي سجلته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية,وعلى رأسها الراحل عرفات ,أمام الابتزازات والضغوط الأمريكية - الإسرائيلية في قمة"كامب ديفد"في العام 2000م ,واستكمالا لذات النهج الصهيوني ,الساعي لكسر وإنهاء الإرادة السياسية الفلسطينية,فقد قررت إسرائيل بتاريخ 11-9-2003م, إبعاد عرفات إلى الخارج,مع الإشارة إلى أن ذلك القرار لم يطبق بسبب المعارضة التي لاقت هذا القرار,والصمود والثبات الذي أبداه الراحل عرفات في وجه ذلك القرار,وإزاء تلك الحالة فقد قررت إسرائيل في العام 2004م القضاء على ياسر عرفات نهائيا وبموافقة أمريكية,حيث تم تسميمه, وبعد أقل من ستة أشهر, فارق عرفات الحياة,ومع رحيل رأس الهرم السياسي الفلسطيني ,وغيابه عن الساحة السياسية,على اثر حالة الاغتيال(التسمم)التي تعرض لها,تسلم محمود عباس "أبو مازن"قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية وحركة فتح عقبة, فدخل الفعل السياسي الفلسطيني في مرحلة جديدة من مراحل الضغط والابتزاز الصهيوامريكي,لاستكمال حلقات التسلل الصهيوني للمشهد السياسي الفلسطيني ,وإحداث شرخ فيه, فقد قامت إسرائيل بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة في العام 2005م ,ما عرف بخطة "فك الارتباط" التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "شارون",والتي كان الهدف منها الاستفراد بكل من قطاع غزة والضفة الغربية كل على حدا,للانقضاض النهائي على مشروع الدولة الفلسطينية,ومع دخول حركة حماس حلبة الحكم, 25 يناير من العام 2006م,وفوزها في الانتخابات,وجدت إسرائيل ضالتها,حيث فرضت حصارا سياسيا وماليا على السلطة الفلسطينية,بحجة أن حركة حماس التي تسلمت الحكم ,مدرجة على قوائم الإرهاب,وأنها لم تعترف بشروط الرباعية,وأنها تشكل خطرا على إسرائيل,لتمارس بذلك سياسة الضغط والابتزاز على الرئيس محمود عباس "أبو مازن"والقيادة الفلسطينية,وما أن أسرت المقاومة الفلسطينية الجندي الصهيوني"شاليط", فصلت إسرائيل قطاع غزة عن الضفة الغربية وضربت طوقاً بريا وبحريا عليه, وقد تعددت تلك الضغوطات والابتزازات, وتنوعت,وقد تمثلت في أكثر من محطة, والتي سوف الحقها كذلك بجدول ضمن هذه الدراسة .

أما الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني,الذي حدث 14-6من العام 2007م عقب دخول حركة حماس حلبة السياسة,فقد استخدمت إسرائيل هذه الانقسام للتسلل إلى المشهد السياسي الفلسطيني, وقامت على تعزيز هذا الانقسام,ومنع أي محاولات فلسطينية للفكاك منه, وراحت بالمقابل تخاطب المجتمع الدولي للطعن بالشرعية الفلسطينية وبوحدة الموقف الفلسطيني ,السياسي والجغرافي,وبالقول بان فرصة السلام مع الفلسطينيين معدومة في ظل الانقسام الفلسطيني,وبقيت تتلكأ وتتهرب من التقدم باتجاه العملية السياسية ,بحجة هذا الانقسام, وراحت تتهم الرئيس محمود عباس"بأنه ضعيف ولا يحكم غزة,وكانت الذريعة والمقولة الإسرائيلية على الدوام "مع من نتفاوض"-"أبو مازن ضعيف ولا يحكم غزة"-"لا يوجد شريك سياسي"!!! ,فلقد استخدمت إسرائيل هذه الحجج بطبيعة الحال لتتهرب من استحقاقات العملية السلمية,ولتنهي مشروع الدولة الفلسطينية,وبعد مرور ما يزيد على أربعة أعوام على الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني, وبعد نجاح الفلسطينيين في الاتفاق على إنهاء هذا الملف,وبمجرد توقيع ورقة المصالحة 4-5-2011م,خرج رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو"مباشرة ,يهدد ويتوعد الجانب الفلسطيني ,والرئيس محمود عباس,مخيرا الرئيس محمود عباس مابين الوحدة مع حماس والسلام مع إسرائيل!!!,وراح يخاطب دول العالم بأن المصالحة الفلسطينية خطر على العملية السلمية!!!,هذا إلى جانب تصريحات العديد من قادة العدو الصهيوني بالدعوة إلى محاصرة السلطة والقيادة الفلسطينية,على أثر هذه المصالحة ,وما عزز الموقف الصهيوني هذا ,واعطاه مزيدن من الدعم والمساندة,هو الموقف الامريكي الذي أعلنه "اوباما"والذي قال فيه صراحة بان المصالحة الفلسطينية معيق أمام عملية السلام!!!,مما يكشف كم كانت وما زالت إسرائيل مستفيدة من الدعم السياسي الأمريكي,ومن الانقسام الفلسطيني,في التسلل للمشهد السياسي الفلسطيني .

إن المتابع للضغوط والابتزازات الصهيو أمريكية,التي دفع الراحل ياسر عرفات دمه على وقعها "نوفمبر"من العام2004م ,لم تتوقف عند هذا الحد ,فقد طالت الرئيس محمود عباس,حيث وصلت حد تلويح الصهاينة له بأنه سيلاقي نفس مصير الراحل ياسر عرفات ,على أثر تمسكه بالحقوق الفلسطينية,هذا إلى جانب تهديد إدارة "اوباما" له بالمحاصرة السياسية دوليا ,والتهديد بقطع الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية ,وذلك بهدف تقويض المواقف السياسية لتي تتبناها القيادة الفلسطينية,والرئيس عباس,فيما يخص عملية التسوية والمفاوضات مع الكيان الصهيوني,وتهدف إلى الضغط على القيادة الفلسطينية لدفعها إلى التنازل في قضايا وثوابت فلسطينية جوهرية,كالقدس والحدود واللاجئين,وحق تقرير المصير...,وهي كذلك بالمقابل محاولات إسرائيلية لأخذ اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة الصهيونية,كما وتهدف إلى وضع العقبات والعراقيل أمام أي جهود فلسطينية لتفعيل القضية الفلسطينية في مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية,وذلك من خلال اللعب على أكثر من مستوى:.

الأول: عملية تحريض ممنهجة وقلب للحقائق ,و جمله من الشائعات ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ,والقيادة الفلسطينية,وحركة فتح بشكل يماثل الحالة التي تعرض لها الراحل ياسر عرفات .

الثاني : حملة دبلوماسية صهيونية دولية , لإفساد الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

الثالث : من خلال ما تحاول أن تسوقه حكومة "نتنياهو" بين الفينة والأخرى على الفلسطينيين وعلى المجتمع الدولي من أفكار وحلول تدعي بأنها تصلح لصنع سلام مع الفلسطينيين, كالمحاولة المتكررة التي يروجها مكتب رئيس الحكومة"نتنياهو",والتي يخير فيها الفلسطينيين-الاعتراف بحدود 67 مقابل الاعتراف بيهودية الدولة,وإخراج قضية اللاجئين الفلسطينيين من حدود فلسطين 48!!!,وما إلى ذلك من الأفكار الصهيونية المخادعة ,التي لا أساس لها من الصحة,والتي لا يمكن للقيادة الفلسطينية ولا الشعب قبولها, .

كما هو معروف فأن إسرائيل بين الفينة والأخرى,وكلما اقترب موعد دفع استحقاق, أو كلما لاقت معارضة دولية - تفتعل أزمات هنا وهناك لتتهرب,و لتتسلل في كنفها إلى الواقع الفلسطيني,والى المشهد السياسي ,تماماً كما حدث مطلع العام2000 ,موعد انتهاء الفترة الانتقالية,وعام2008-2009الحرب على غزة, وعام2010, إبان الهجوم على سفينة مرمره التركية,حيث كانت إسرائيل تهدف إلى إشغال العالم بالأحداث التي افتعلتها في تلك المحطات الثلاث,لتدرأ عن نفسها من ناحية تهمة التهرب من الاستحقاقات التفاوضية,والعملية السلمية ,وفي نفس الوقت تحاول تقويض المساعي السياسية الفلسطينية, وقد نجحت إسرائيل فعليا في خلق حالة جمود في العملية السلمية,وتنكرت لجميع الاستحقاقات,إلا أن القيادة الفلسطينية - ممثلة بالرئيس محمود عباس وحركة فتح لم تستسلم لتلك السياسات الصهيونية ,ولم تستسلم لسياسة غلق الأبواب التي تمارسها حكومة"نتنياهو", ولا لمساعيها التهربية, وقررت سحب البساط من تحت أقدام حكومة"نتنياهو" واستلام زمام المبادرة لفكفكة حلقات هذا الجمود, من خلال إعادة الملف الفلسطيني إلى المؤسسات الدولية,فقررت وبعد أن جمدت حكومة "نتنياهو كل مسار العملية السلمية,وأغلقت الطريق أمام إحراز أي تقدم نحو تحقيق السلام,قررت التوجه للجمعية العمومية للأمم المتحدة أيلول- سبتمبر القادم,لنيل الاعتراف بعضوية فلسطين الدائمة في الأمم المتحدة,وبحدود 67 كحدود للدولة الفلسطينية,بعاصمتها القدس,وعلى اثر ذلك باشرت القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس بتحركات سياسية ودبلوماسية نشطة على المستوى الدولي, وقامت بجولات مكوكية في دول العالم لحشد الدعم لاستحقاق "سبتمبر",وأعطى الرئيس عباس تعليماته للسفراء الفلسطينيين في دول العالم بإعداد الخطط لذلك الاستحقاق,وطالبهم بضرورة مخاطبة الدول التي هم فيها سفراء,بان تساند استحقاق"سبتمبر",,ووضعت القيادة الفلسطينية لنيل مزيد من اعترافات الدول بدولة فلسطيني,وضعت خطة كبيرة تحت عنوان "القارات الخمس" ,ترمي حسب ما جاء على لسان الدكتور صائب عريقات ,عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ,وكبير المفاوضين الفلسطينيين في حديث خاص لـشبكة "معا " الإخبارية بتاريخ 17-6-2011,بأنها ترمي إلى تحقيق هدفين:.
الأول : تحصيل اعتراف بدولة فلسطيني على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية .
الثاني: المساعدة في الحصول على عضوية فلسطين كدولة دائمة العضوية في الأمم المتحدة.,

واستكمالاً لذات الجهود الفلسطينية ,فقد اجتمع الرئيس عباس وأعضاء القيادة الفلسطينية السبت 22-7-2011 في اسطنبول بجميع السفراء الفلسطينيين في دول العالم ,حيث أكدت القيادة والسفراء جميعا في ذلك المؤتمر , على أهمية التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في سبتمبر القادم لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية, بالمقابل تشهد الساحة الدولية تحركات إسرائيلية-أمريكية دبلوماسية وسياسية لإحباط التحركات والجهود الفلسطينية السياسية, فمن جانبه فقد أعطي رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" تعليماته لجميع السفارات الصهيونية ,والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي الصهاينة في العالم لوضع خطط تحرك لمواجهة طرح قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن في "سبتمبر" المقبل,وأمر بتشكيل جماعات ضغط في الدول التي يخدم فيها الدبلوماسييين الصهاينة,لحث تلك الدول على عدم التصويت في الأمم المتحدة لصالح قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية, فبحسب ما ذكرت صحيفة يديعوت احرنوت 30-6-2011على موقعها الالكتروني- بأنه في الوقت الذي تتواصل فيه استعدادات الفلسطينيين للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن إسرائيل تواصل العمل على عرقلة الخطوة الفلسطينية,أما الولايات المتحدة الأمريكية ,فقد برز دورها المساند للتحركات الصهيونية علنا وجهارا,وأثبتت بأنها منحازة بالكامل لإسرائيل,وأنها تدعم وتساند التوجهات والتحركات الصهيونية أُممياً,في مسعى لإفشال المشروع الفلسطيني,فمن جهة تمارس إدارة "اوباما" الضغوط والابتزازات السياسية والمالية على القيادة الفلسطينية, لثنيها عن قرار التوجه للأمم المتحدة ,وتبين هذا جليا في القرار الذي أصدره مجلس الشيوخ الأميركي 29 / 06 / 2011م,الذي نص على وقف الدعم الأميركي للسلطة الفلسطينية إذا أصرت القيادة الفلسطينية على التوجه للأمم المتحدة للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية، أو حتى التوجه إلى أي هيئة دولية أخرى,ومن جهة أخرى دأبت إدارة"اوباما" لحد مخاطبة دول العالم بعدم التصويت لصالح الفلسطينيين,مهددة تارة باستخدام حق النقد "الفيتو"ضد القرار,حال رفعة ,وتارة أخرى بسحب التمويل الأمريكي المقدم للأمم المتحدة في حال اعترفت بفلسطين,وكانت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة" سوزان رايس" حسب ما ذكرت صحيفة "الديلي تلجراف" 25 / 06 / 2011 قد أعربت صراحة بأن ليس هناك "خطر أكبر" على التمويل الأمريكي للأمم المتحدة من احتمال اعتراف أعضائها بالدولة الفلسطينية!!!, وبحسب ما ذكرته صحيفة " نيويورك تايمز السبت 25/6/2011م ,بأن جهودا مكثفة تُبذل لإجهاض محاولة فلسطينية لإعلان الدولة من طرف واحد والحصول على عضوية الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل .
وما زالت المعركة الدبلوماسية والسياسية قائمة بين الجانبين الفلسطيني من جهة والأمريكي الصهيوني من جهة ثانية,وما زال كل طرف يبحث عن أكبر قدر ممكن من أصوات الدول التي تؤيد موقفه .

4- المجال الاقتصادي

بالتوازي مع ما سعى إليه الكيان الصهيوني على مدار عقود من الاحتلال لفلسطين إلى احتواء القضية الفلسطينية,ومحاولاته من جهة إجهاض أي فعل فلسطيني سياسي ودبلوماسي من شانه أي يخرج القضية الفلسطينية للعلن,ومن جهة أخرى محاولاته ضرب قوات الثورة الفلسطينية وقادتها ورجالاتها وفي مقدمتهم حركة فتح التي قادت هذا المشروع لتقضي على أي فعل ثوري فلسطيني مقاوم ورافض لهذا الكيان الغاصب,فقد سعى الكيان الصهيوني كذلك إلى التسلل إلى الركن "الاقتصادي",الذي لا يقل أهمية عن غيرة من ركائز وأركان هذا الشعب وهذه القضية,فقد مارست إسرائيل منذ العام 1948م مجموعة من الإجراءات التعسفية بحق الاقتصاد الفلسطيني,لمنع حدوث أي تنمية فيه ،والحؤول دون استقلال هذا الاقتصاد, وذلك لإبقائه في حالة تبعية كاملة للكيان الصهيوني, وعمدت إسرائيل على وضع الحواجز والعراقيل التي تضعف القطاعات الإنتاجية والصناعية الفلسطينية التي من شأنها أن تساعد في تنمية الظروف الحياتية الفلسطينية وتحسن من مستوى معيشتهم, مستغلاً أكثر من محطة ومرحلة,وأكثر من حدث ما بين العام(1948-2011م),ومع مرور الوقت, وتوقيع اتفاقية السلام "اوسلو" في العام 1993م ومع بدأ العمل في بناء المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية في ظل قيام السلطة, وسعي القيادة الفلسطينية لوضع خطط وبرامج اقتصادية تدعم هذه المؤسسات,وسعيها إلى جلب الدعم الدولي لها ,وتشجيع الاستثمارات في الأراضي الفلسطينية,ومع مرور الوقت وسعي القيادة الفلسطينية لتطوير هذا الركن , ,فقد لجأت إسرائيل وكعادتها إلى أسلوب(التسلل) إلى هذه المنظومة لتدمرها,وتقضي على كل ما له علاقة بالمكون الاقتصادي للسلطة,ومن اجل تنفيذ ذلك فقد لجأت الحكومات الصهيونية المتعاقبة إلى تهيئة الأجواء لهذا الهدف ,مستخدمة بذلك عدة طرق من أبرزها الاحتكار والمنافسة الاقتصادية, وإغراق الأسواق الفلسطينية بالبضائع والمنتجات الصهيونية, في الوقت الذي منعت فيه تصدير المنتج الفلسطيني ,وفي خطوة لم تكن في يوم من الأيام غريبة عن هذا السلوك الصهيوني المعتاد فقد شن الصهاينة حملة تدمير وإبادة لكل ما هو مكون فلسطيني ,وذلك مطلع انتفاضة العام 2000م ,حيث تم اجتياح مدن الضفة الغربية ,وتدمير مؤسسات ومباني السلطة الفلسطينية ,و قاموا بتقطيع أوصال الضفة بالحواجز ونقاط التفتيش العشوائية, ناهيك عن سرقة الأراضي الزراعية ,وتوسيع المستوطنات على حساب هذه الأراضي ,وإحراق أراضي ومزارع أخرى على يد المستوطنين من ناحية أخرى,مما كان له اثر بالغ السوء على الاقتصاد الفلسطيني,وفي خطوة مماثلة ,وفي المحافظات الجنوبية من الوطن (قطاع غزة) ,فقد مارس الكيان الصهيوني منذ العام 1967م عملية تجريف وتخريب ممنهجة للأراضي الزراعية ,في مقابل سرقة أراضي أخرى لحساب المستوطنات ,وعلى الوجه الأخر كانوا يمارسون سياسة إعاقة تصدير المنتج الفلسطيني,إلى أن جاء اليوم الذي خطى الصهاينة الخطوة الأولى نحو الهجوم الأوسع على الاقتصاد الفلسطيني ,في خطة أقدم عليها الهالك شارون,تهيئة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ليس سياسياً فقط بل اقتصادياً أيضاً, ,فقاموا بداية بالانسحاب من قطاع غزة في العام 2005م ,وابقوا سيطرتهم على جميع المعابر,ومارسوا لعبة تسللية خبيثة لتدمير هذا الاقتصاد ,حيث تحكموا بشكل كامل بكل ما هو وارد وصادر من منتجات فلسطينية ,ذلك من خلال الإغلاقات المتكررة للمعابر والتي أعاقت بشكل كبير عمليات التصدير والاستيراد, وحتى تكتمل حلقات التسلل الصهيوني للاقتصاد الفلسطيني ليتم الإجهاز عليه,فقد جاء الانقسام الذي تلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في العام 2007م , هدية مجانية للصهاينة ليطبق الصهاينة حصارا خانقا على القطاع, ويبقوه منعزلاً عن اقتصاد الضفة الغربية ,حتى وصل الأمر بالصهاينة حد الإعلان عن غزة إقليماً متمرداً ,وقاموا بإلغاء ما يسمى بـ(الكود الجمركي) الخاص بقطاع غزة,ما زاد بشكل فاضح من معاناة أهل القطاع,وزاد من خسارة الاقتصاد الفلسطيني,ومع بقاء الحال على ما هو عليه من انقسام وفرقة,فالحال والوضع الاقتصادي ما زال على حالة في حالة متردية ,على الرغم من بعض التحسن الطفيف الذي تذكره بعض الجهات,بين الفينة والأخرى .

5- المجال الإستخباري

من المعروف بأن المجتمع الصهيوني بحكم طبيعته وتكوينه البنيوي وتشكيله التاريخي المشبع بمبادئ الحركة الصهيونية , تغلب عليه سمة العنصرية والتطرف,ومن الطبيعي بان يكون مجتمع على هذه الشاكلة منتجاً للعنف والجرائم ,ومن ينتج العنف وينفذ الجرائم ,حتما يمتلك الأدوات الخبيثة لصناعة هذا العنف ,والكيان الصهيوني من اكبر المجتمعات صناعة لهذه الأدوات الخبيثة ,ولو تتبعنا ممارسات جهاز الاستخبارات الصهيوني ,لوجدنا بأنه مارس هذا الدور منذ اللحظات الأولى لاحتلال فلسطيني,لا بل لعب دورا مركزيا قبل ذلك بكثير ,حيث لعب دورا مركزيا في تحريض يهود العالم للاستيطان في فلسطين,والعودة إلى ما أسموه (ارض الميعاد) ,فجهاز الاستخبارات الإسرائيلي هذا هو أحد أهم أعمدة بنيان الكيان الصهيوني , ويعتبر الذراع الطويلة المنفذة للعديد من المهام الصهيونية"القذرة" ,سواء على مستوى الداخلي أم الخارجي,حيث مارس هذا الجهاز العديد من المهمات ضد الشعوب العربية والإسلامية لا سيما الشعب الفلسطيني بقياداته السياسية والعسكرية ,وتنظيماته, ومواطنيه العزل,ولاحق وتابع بطرق تسللية جميع أنشطة وتحركات هذه التنظيمات في الداخل والخارج, ونفذ العديد من عمليات الاغتيال ضدها,والتي كان من ابرزها حادثة اغتيال الرحل ياسر عرفات عام 2004م ,والتي جاءت بطريقة تسللية خبيثة أثناء حصار المقاطعة,حيث أشارت بعض المصادر بان الصهاينة في الغالب أنهم دسوا السم في الأدوية الخاصة بالرئيس التي دخلت عبر سيارات الإسعاف, بعد أن عمد الجيش الصهيوني الذي كان يحاصر المقاطعة على تفتيش هذه السيارات, وبالعودة للوراء- إلى سبعينيات القرن الماضي, فجريمة اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح,في بيروت –كمال ناصر وكمال عدوان,وأبو يوسف النجار,ما زالت حاضرة في التاريخ الفلسطيني,والتي نفذها مجموعة من الموساد الصهيوني بقيادة الصهيوني أهود باراك الذي تسلل إلى بيروت حينها متخفيا بزي امرأة ,وجريمة اغتيال الشهيد أبو جهاد الرجل الثاني في حركة فتح تأتي في هذا السياق كذلك, وحسن سلامة"الأمير الأحمر", واغتيال صلاح خلف " أبو إياد ",أحد أبرز مفكري الثورة الفلسطينية, وتأتي حادثة اغتيال أبو علي مصطفى- مسؤول الجبهة الشعبية -27/8/2001، في ذات السياق, حيث تسللت صواريخ الطيران الصهيوني اليه وهو جالس في مكتبة في مدينة رام الله, والعديد-العديد من عمليات الاغتيال التي طالت قادة وكوادر الفصائل الفلسطينية بشتى أطيافهم السياسية والتنظيمية,فعلى سبيل المثال: اغتيال زعيم ومؤسس حركة الجهاد الإسلامي-الشهيد فتحي الشقاقي ,وحادثة اغتيال مؤسس حركة حماس-الشهيد أحمد ياسين ,ولا ننسى الطريقة التي تسلل بها فريق الموساد الصهيوني إلى دبي ,حيث قام باغتيال محمود المبحوح احد قادة حماس ,وطرق أخرى كثيرة كانوا يستخدمونها للتسلل واقتحام المناطق الفلسطينية,ذلك لاصطياد الشباب الفلسطيني,والقائمة طويلة .

لم يقتصر دور جهاز الاستخبارات الصهيوني ,وافرعة المتعددة,على العمل على الساحة الفلسطينية فحسب,بل تعداها إلى الساحات العربية والإسلامية,حيث مارس هذا الجهاز دورا خبيثا في "دارفور" ,ومناطق شتى في السوداني ,وعمل على سياسة التحريض على انفصال الجنوب عن السودان, ومارس هذا الدور كذلك في دول منبع نهر النيل ,حيث قام هذا الجهاز بإقامة علاقات مع تلك الدول ودعمها بمشاريع إقامة السدود المائية ,وحرضها على اللعب في اتفاقيات تقاسم حصص مياه نهر النيل, لتمثل تهديدا مائيا لدول المصب كالسودان وجمهورية ومصر العربية,التي يسعى الكيان الصهيوني النيل منها سياسياً,وليس بعيدا عن هذا الدور الخبيث ,ما لعبه هذا الجهاز من أفعال وادوار مشبوهة وخبيثة في كل من العراق ولبنان وإيران,والعديد من الدول .

6- المجال الإجتماعي- الثقافي

لقد لعبت إسرائيل وجهازها (الإستخبارتي) بفرعية "الموساد" الذي يطلع بمهام خارجية و"الشاباك" الذي يطلع بمهام داخلية على مدار عقود دورا مؤثرا ومركزياً في اختراق العديد من المجتمعات العربية والإسلامية ,والعمل على خلخلة هذه المجتمعات وبنيانها الاجتماعي والثقافي,وذلك ليتمكن من التسلل في ظل هذه الخلخلة من الوصول إلى أهدافه التي يكون قد حددها مسبقاً,والتي كما هو معروف بأنها سياسية,وأطماع اقتصادية ونهب للثروات,وتجارة وتسويق أسلحة....الخ,أما في الحالة الفلسطينية فقد سعى الكيان الصهيوني من خلال جهازه الإستخباري هذا وما زال يسعى إلى تفكيك البنيان الاجتماعي والثقافي للشعب الفلسطيني,كما حاول العمل على تفكيك البنيان الاقتصادي والسياسي الفلسطيني منذ احتلاله لفلسطين في العام 1948م،والهدف بطبيعة الحال من هذه الأفعال هو (التسلل) إلى نفوس المواطنين الفلسطينيين ليوصلهم إلى حالة من الإحباط واليأس,حتى يصعب عليهم في ظل هذا اليأس ترتيب أولوياتهم تجاه قضيتهم المركزية, والصراع القائم مع هذا الكيان الغاصب, فقد عمل الصهاينة على إسلوب التفرقة بين المستويات الفلسطينية ,وقام بحملة تحريض ممنهجة على الكل الفلسطيني ,فمن ناحية عمل وما زال على التفرقة بين المستوى القيادي بشقيه(السياسي والعسكري) والمستوى الشعبي, ومن ناحية أخرى عمل على التفرقة ما بين التنظيمات والجماهير, وذلك لتشويه صورة هذه القيادة جماهيريا ودوليا, كما وقام جهاز الاستخبار الصهيوني وبمساعدة الماكنة الإعلامية إلى حد كبير في تغذية الدعايات والشائعات ونقل الأخبار المضللة التي من شانها أن تحدث فجوة بين القيادة و القاعدة ,فعلى سبيل المثال كان يهاجم السلطة الفلسطينية وقيادتها,وحركة فتح تارة,ويبث أخبار كاذبة ومضللة ,وتارة يهاجم حركة حماس,مستخدما نفس الأسلوب ,والمتابع للتصريحات التي يصدرها الإعلام الصهيوني يلاحظ بأن هذا النوع من التصريحات هدفه الأول والأخير كما أردفت آنفا هو "التسلل" إلى نفوس المواطنين الفلسطينيين لتفقد مصداقيتها بقياداتها السياسية وبالأحزاب والتنظيمات, فالرئيس الراحل ياسر عرفات قد تعرض لهذه المؤامرة على مدار سنوات من عمرة النضالي, كما وتعرض لها الرئيس محمود عباس ونجلاه كذلك,وكلنا يذكر الأكذوبة التي بثها الإعلام الصهيوني حول الحصة التي يمتلكها نجلا الرئيس من شركة الاتصالات الوطنية الفلسطينية "موبايل",مع العلم بأن ذات القناة الإسرائيلية التي أوردت الخبر كانت قد اعتذرت عنه عندما كشفت القيادة الفلسطينية زيف الخبر بالبرهان, ,وليس بعيدا عن ذلك الخبر الذي روج له الإعلام الصهيوني غداة زيارة الرئيس محمود عباس للصين في العام 2010,والذي ادعوا فيه بأن الرئيس عباس قد وافق على ضرب إيران!!!,والخبر السموم الذي أوردة هذا الإعلام الصهيوني المسموم كذلك حول تقرير "جولدستون,وقاموا بنشر تقارير عدة حول لقاءات سرية لقادة حركة حماس,.

وفي درب أخر من دروب "التسلل" الصهيوني للواقع الفلسطيني, فقد عمد الصهاينة إلى (اختراق) عقول ونفوس الكثيرين, حتى يحولهم من مواطنين يحملون فكراً وثقافة وطنية تحررية إلى مواطنين يحملون فكراً عدوانياً انتقامياً, من خلال اصطيادهم وإيقاعهم في براثم العمالة,ذلك من خلال اللعب على أوتار حساسة تمس حياة المواطنين ,فمن ناحية وفي بعض الحالات فقد لعب الصهاينة على وتر الحالة المعيشية المتردية التي يمر بها بعض ممن وقعوا في براثم العمالة ,مستخدما إسلوب الإغراء بالأموال,و من ناحية أخرى فقد لعب على وتر الإغراءات الجنسية, وحالات أخرى كانت تخضع لمساومة الصهاينة بحكم تحكمهم بمفاتيح الحركة للمواطنين الفلسطينيين ,كحاجات الناس للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية ,أو حاجاتهم إلى للسفر للتعليم في الخارج ,وحاجاتهم للحصول على تصاريح للعمل في إسرائيل, أو حتى التنقل بين المحافظات واضطرار المواطنين المرور عبر الحواجز الإسرائيلية .

معلوم بأن الصهاينة يسعون من خلال هذه الأفعال (القذرة) التي يمارسونها إلى أحداث شرخ في المكون الفلسطيني ,ولا غريب في ذلك لان هذا ديدنهم وهذه طباعهم منذ عهد الرسول "صلى الله عليه وسلم,ولكن الغريب في الأمر أن ينجح هذا العدو في التسلل إلى عقول البعض ,ويحصل بكل أسف على موطئ قدم فيها ,ليلاقي هذا العدو رواجا لدعاياته الإعلامية المسمومة تلك,والتي اتخذها أولئك في كثير من الأحيان كمادة دسمة للاستخدام في الطعن والتشكيك فيمن لا يتفقون معهم في المنهج والفكر والأُسلوب, ما أتاح للصهاينة ومنحهم فرصة مجانية لأن يجعلوا من أنفسهم حكما وفيصلا في حياة الفلسطينيين,لا سيما الخلافية منها , وليس أدل على ذلك من الخلافات التي وقعت في أعقاب تسلم حركة حماس الحكم ,وسيطرتها العسكرية لاحقا على قطاع غزة في منتصف العام 2007م,فقد استطاعت إسرائيل عقب الانقسام أن تتسلل إلى ثقافة ومفاهيم الوطنية وحتى الإسلامية للبعض,ليصل الحال بين أبناء الشعب الواحد حد الجدل حول شرعية المفاوضات وشرعية المقاومة ,والجدل حول شرعية الرئاسة وشرعية المجلس التشريعي ,إلى دخلت الخلافات في تكوين الأسرة الواحدة,التي تسببت في كثير من الأحيان إلى صدامات بين الأخ وأخيه,بسبب الانتماء المختلف,وحتى صار الحال لموقف المصاهرة بين بعض العائلات....,وكثير هي الامور السلبية التي حدثت في المجتمع الفلسطيني,على وقع التسلل الصهيوني لهذا المجتمع,ومجتمعات عربية وإسلامية أخرى .

- خاتمة

يمكن القول: بأن الكيان الصهيوني قد سعى وما زال يسعى إلى تهويد الأرض الفلسطينية ,والإنسان الفلسطيني ,ويحاول شطب التاريخ والحضارة والثقافة الفلسطينية,في مسعى لقتل الماضي والحاضر الفلسطيني , توطئة لإلغاء وشطب مستقبل القضية الفلسطينية من ذاكرة الأجيال,خدمة لمشروعة الاحتلالي ,القائم على (شعب بلا أرض لأرض بلا شعب) ,وذلك من خلال ترسيخ مجموعة من المفاهيم والمصطلحات المصطنعة التي يبثها عبر إعلامه المرئي والمسموع والمكتوب.وهو يسعى كذلك إلى ضعضعة وإضعاف الأنظمة والشعوب العربية سياسيا وعسكريا, لفرض نفسه كقوة إقليمية وحيدة .

- رأي

كفلسطينيين ونحن نقف أمام هذه الظروف وهذه الحالة التي نعيشها في مواجهة الكيان الصهيوني وحلفائه,وتعيشها معنا الأمة العربية والإسلامية ,والتي يحاول الكيان الصهيوني الغاصب فرضها على الجميع بقوة السلاح والتكنولوجيا ,والحلفاء,أرى بأنه يجب علينا كفلسطينيين وعرب ومسلمين اتخاذ الخطوات التالية :.

* فلسطينياً .

1- الإسراع في انجاز ملفات الوحدة الوطنية(المصالحة),والعمل على إعلان الحكومة الفلسطينية الجديدة,ليتسنى للشعب الفلسطيني تصليب جبهته الداخلية, وليتسنى للقيادة الفلسطينية تصليب الموقف السياسي الفلسطيني, ليقوى على مواجهة الموقف الإسرائيلي ,وليتسنى تقوية ودعم الموقف السياسي والحراك الدبلوماسي على الساحة الدولية,لا سيما وان الشعب الفلسطيني وقيادته يقتربون من استحقاق إعلان الدولة سبتمبر القادم .

2- صياغة إستراتيجية فلسطينية جديدة ذات علاقة بطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني ,والتحالفات الدولية,,تكون متناسبة مع الواقع والمتغيرات .

3- توحيد الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني,ليقوى على مواجهة الخطاب الصهيوني.

4- إلغاء ثقافة وفكر إقصاء الآخرين .

5- الخروج من ثقافة ومفاهيم الحزب الواحد,وترسيخ الثقافة الوطنية الموحدة والشاملة .

*- عربياً وإسلامياً : .

6-أن يسارع العرب والمسلمين إلى صياغة إستراتيجية سياسية وإعلامية ,تكون داعمة ومساندة للشعب الفلسطيني ,ولقضاياهم ومواقفهم السياسية في المحافل الدولية .

7-أن يعمل العرب والمسلمين على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني مادياً في المناطق والبلدات والقرى والمدن التي تتعرض لحملات التهويد والمصادرة الصهيونية .

8- صياغة إستراتيجية عربية وإسلامية فاعلة للحفاظ على التراث والمقدسات الفلسطينية والإسلامية من التهويد الصهيوني .

بعض المحطات والمواقف التي مارست فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الضغوط والابتزازات على السلطة الفلسطينية وقيادتها,ومواقف القيادة الفلسطينية من هذه الضغوطات,والتي عبرت في مواجهتها عن أصالة الثبات والصمود الوطني الفلسطيني,وعبرت عن الرفض والانصياع لهذه الاملاءات .

قائمة بأسماء بعض أبرز الشهداء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل

عدد مرات الفيتو الأمريكي التي تدين إسرائيل من ناحية وتدعم الحقوق الفلسطينية من ناحية أخرى ..

ملاحظة

المراجع :

* عبد الوهاب المسيري- موسوعة "تاريخ الصهيونية" .
* جميل أبو عرفة- "عرفات في معركة الإعلام" .
* طلال أبو عفيفة - "الإستراتيجية الفلسطينية من الخيار العسكري إلى خيار المفاوضات" .
* محمد حمزة - "مقدس استراتيجيا – العدد الرابع" .
* سلافه حجاوي - "في التاريخ السياسي الفلسطيني – الجزء الأول(فلسطين المكان)" .
* صلاح خلف "أبو إياد"- "فلسطيني بلا هوية " .
* دكتور- صائب عريقات "دراسة" :.
* نبيل عمرو - الف يوم في موسكو .
* "مركز الإعلام والمعلومات" .
* الجزيرة نت .
* صحيفة - الأيام .
* صحيفة – القدس .

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

9 من الزوار الآن

916812 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق