الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > تاريخ ومعارك > عن وقائع وأحداث النكبة عام 1948
حتى يومنا هذا لم يرفع الستار عن أسرار نكبة عام 1948م ولكن وقائع نكبة عام 1948 وأحداثها تشير بأن مؤامرة عالمية وعربية تستهدف طرد الفلسطينيين من بلادهم وتسليمها للصهاينة انتهت الحرب العالمية الثانية بفوز الحلفاء على المحور وكان انتصار الحلفاء يعني بداية قيام الكيان الصهيوني ولكن الصهاينة في فلسطين حرصوا على أن يظهروا بمظهر قوة وطنية معادية للاستعمار مثل الشعوب العربية التي قاتلت ضد الفرنسيين والإنجليز منذ أول وصول لهم إلى الأقطار العربية لهذا فقد نفذوا بعض العمليات المحدودة ضد الجنود الإنجليز وقتلوا بالفعل عدداً من الجنود الإنجليز الذين كانوا على أتم استعداد لإبادة الشعب الفلسطيني كله خلال الأعوام الخمسة الدامية من أجل حماية الصهاينة وللحق أنه لولا الإنجليز لاستطاع الشعب الفلسطيني خلال عام 1936م أن يطرد اليهود من فلسطين بواسطة الحجارة.
قام الإنجليز في 26/يونيو/1946م بمداهمة بعض المستوطنات اليهودية حيث عثر على بعض الأسلحة وبينما كان الإنجليز يحكمون بالإعدام على كل فلسطيني يقبض على السلاح في حوزته فإن إنجلترا لم تعدم يهودياً واحداً على الرغم من كثرة الأسلحة التي ضبطت في المستوطنات ومما لا شك فيه أن جميع الأسلحة التي صادرها الإنجليز قد أعيدت إليهم مع بدء العمليات العسكرية بين اليهود والفلسطينيين([1]).
انتهاء الانتداب: صوت مجلس العموم البريطاني في 10/مارس/1948 على إنهاء الانتداب على فلسطين اعتباراً من 15/مايو/1948كانت الوكالة اليهودية حكومة داخل حكومة الانتداب لها حق الإشراف على كل ما يتعلق باليهود من مسائل سياسية وعسكرية واقتصادية وإدارية وثقافية كما كانت اللسان الرسمي لليهودية العالمية في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين وهي التي حققت عملياً فكرة الوطن القومي وأشرفت على ولادة دولة إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة وقد جاء في البند الثالث من بيان الانتداب الذي أقره مجلس عصبة الأمم عام 1922م: تعترف سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين بوكالة يهودية صالحة كهيئة حكومية لإسداء المشورة والمعونة إلى إدارة الانتداب في فلسطين في الشئون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان في فلسطين وكما جاء في البند السادس من البيان نفسه: أن عصبة الأمم تطالب إدارة الانتداب البريطاني في فلسطين بأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية نشر اليهود في سائر الأراضي الفلسطينية بما فيها الأراضي الموات وعرضت إنجلترا المشكلة على هيئة الأمم المتحدة واثبت المنظمات الدولية أنها العدو الثاني بعد إنجلترا فقد صوتت الأمم المتحدة على قرار التقسيم لصالح اليهود في 29/نوفمبر/1948م لو لم يحصل اليهود والصهاينة وحلفاءهم على قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل لحققوا ذلك بالقوة على الأرض فاليهود كانوا ومازالوا يريدون فلسطين كلها فهم يريدون أرض خالية من السكان واعتبار ما تبقى من الشعب الفلسطيني صاحب البلاد جالية صغيرة وتعيش على هامش السيطرة الفعلية لليهود([2]).
عملت الأمم المتحدة على إنشاء دولة لا وجود لها من قبل ورفض العرب قرار التقسيم ورضيّ به اليهود وبدأت الاشتباكات بعد صدور القرار مباشرة وكانت يافا هي السباقة إلى المبادرة واستطاعت قرية سلمة الواقعة بجوار تل أبيب أن تتصدى لليهود وأن تلحق بهم خسائر كبيرة أما في القدس فقد استطاعت جماعة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني أن تنفذ سلسلة من عمليات النسف الموفقة التي أرهقت الصهاينة وذلك في شهري فبراير ومارس/1948 وتحركت جامعة الدول العربية وعقدت مؤتمراً في بلودان-سوريا وآخر في عالية-لبنان وقررت أن تسارع في تشكيل جيش أسمته جيش الإنقاذ ليقاتل في فلسطين وريثما يتم جلاء الإنجليز عنها في 15/مايو/1948م وبعدها تدخل الجيوش العربية فلسطين وتحررها من اليهود([3]).
عبر جيش الإنقاذ الحدود منذ شهر يناير/1948م وهاجم بعض المستوطنات الصهيونية رغم أن جيش الإنقاذ كان مرتجلاً وعدده صغير حيث بلغ ستة آلاف جندي وكذلك تسليحه خفيف ونظامه متدهور فقد ارتاب الفلسطينيون في أمر جيش الإنقاذ منذ البداية يوم اكتفى أديب الشيشكلي قائد منطقة الجليل بإرسال ثمانين جندياً إلى مدينة عكا المحاطة بالمستعمرات الصهيونية والأغرب من ذلك أن أديب الشيشكلي قد سحب هؤلاء الثمانين جندياً في 11/مايو/1948م وعبثاً راح أهل عكا يلحون على أديب الشيشكلي بأن تحتفظ مدينتهم بحفنة الجنود هذه وحين سئموا منه ذهبوا إلى بيروت يستثيرون نخوة الحكومة اللبنانية ولكننها الحكومة اللبنانية لم تصغ لهم ولم تنفعهم في شيء.
فتوجهوا إلى بنت جبيل وقابلوا ضابطاً كبيراً في جيش الإنقاذ وألحوا عليه بوجوب إرسال الجنود إلى عكا قبل ضياعها ومن أجل رفع معنويات المقاتلين الفلسطينيين داخل المدينة أرسل القائد خمسين جندياً إلى عكا وذلك تجنباً لضغط السكان الذين كانوا يرون الكارثة بأعينهم ولكن هؤلاء الجنود الخمسين غادروا المدينة بعد ليلتين فقط من وصولهم إليها ولم يشتركوا بأي قتال على الإطلاق والحقيقة أن ما جرى في عكا لا يمكن تحميل مسئوليته لضابط صغير فهو ليس أكثر من جندي يتلقى الأوامر وينفذها أما المسئولون الحقيقيون عن سقوط عكا في 16/مايو/1948 فهم أولئك القابعون في دهاليز السلطة داخل العواصم العربية.
كان سقوط يافا وحيفا وصفد وطبريا ونيسان قد تم بالطريقة نفسها على وجه الدقة ففي صفد بينما كان النصر يوشك أن يتحقق لصالح العرب وقد أخذ اليهود بالانسحاب من حيهم الخاص مع عائلاتهم في7/مايو/1948م أخذ الجيش الأردني بمغادرة المدينة على نحو مفاجئ كما أن أديب الشيشكلي أصدر أمراً بانسحاب جيش الإنقاذ من قلعة صفد دون أن يتعرض لأي هجوم من قبل الصهاينة في الوقت الذي لم يعرف اليهود أمر هذا الانسحاب إلا بعد يومين وقد صرح القائد الأردني أنه انسحب من صفد بناءاً على أوامر غلوب باشا ذلك الضابط الإنجليزي الذي كان يتحكم بالمملكة الأردنية كما يشاء.
أما في طبرية وبيسان فقد راح الجيش الأردني ينقل الناس منهما إلى خارج حدود فلسطين بسياراته الخاصة وفعل الجيش الأردني الشيء نفسه في حيفا وقد ساعده الجيش الإنجليزي على تهجير السكان بسفن إنجليزية وقد انسحبت السريتان الأردنيتان من حيفا على نحو مفاجئ في 16/يناير/1948 ولكن المدينة صمدت حتى 22/إبريل/1948.
أرسل جيش الإنقاذ ضابطاً عراقياً إلى يافا ومعه ثمانون جنديا وذلك في شهر فبراير/1948 وطلب الضابط أسلحة وذخائر ومزيدا من المتطوعين ولكن أحدا لم يسمع صوته فما كان منه إلا أن غادر المدينة مع جنوده .
هاجم اليهود حي المنشية وارتكبوا فيه مجزرة مروعة فانسحب جيش الإنقاذ وراح ينصح الناس بمغادرة يافا وقد خسر العرب في يافا سبعة آلاف وسبعمائة إصابة بين قتيل وجريح وأعلنت عصابة الأرجون الصهيونية أنها تكبدت أكثر من ألف وتسعمائة إصابة أما عصابة الهاجانا فأحجمت عن التصريح بخسائرها.
أدركت القيادة الفلسطينية خطورة الموقف فتوجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق وهناك طلب من مكتب الجامعة العربية أسلحة وذخائر وألح في الطلب وكان الحاج أمين الحسيني يصرخ باستمرار قائلاً: سلحوا الشعب الفلسطيني أيها العرب ولن يكون هناك أي داع يدعو الجيوش العربية إلى القتال في فلسطين ولكن كان تسليح الفلسطينيين هو أول الممنوعات ما الذي قدمه مكتب الجامعة العربية لعبد القادر الحسيني قدم له عشرين بندقية أخذها وذهب إلى قطنا غرب دمشق ليشهد ضباط جيش الإنقاذ وهم من جنسيات عربية مختلفة على ما قدمته الجامعة العربية للفلسطينيين وكان قبل ذلك قد صرخ في وجوه المسئولين في المكتب بأنهم خونة متفقون مع الصهيونية والإنجليز على تسليم فلسطين ثم قال: فلنذهب ولنستشهد على أرض فلسطين.
عاد عبد القادر الحسيني إلى القسطل وهي قرية إلى الغرب من القدس وقاتل وسقط شهيدا على أرض القسطل ونزل نبأ استشهاده نزول الصاعقة على رؤوس الفلسطينيين وهناك رسالة بخط عبد القادر الحسيني تُحمِّل المسئولية للقادة العرب والجامعة العربية على عدم تسليح الشعب الفلسطيني بالأسلحة والعتاد ومطالبة الجامعة العربية فقط بالسلاح وقد نكب الفلسطينيون مرة أخري بعد مضي أقل من شهرين على استشهاد عبد القادر الحسيني حين استشهد حسن سلامة في رأس العين وهو من أبرز قادة الثورة.
في ذلك الربيع المأساوي اقترف اليهود جملة من المجازر أبرزها مجزرة حي المنشية في يافا ومجزرة دير ياسين ومجزرة ناصر الدين قرب طبرية ومجزرة عين الزيتون في قضاء صفد([4]) وسقطت في أيدي اليهود جملة من المدن والقرى الفلسطينية تحت سمع الإنجليز وبصرهم وقبل انسحابهم من فلسطين يوم أعلن اليهود في 15/مايو/1948 قيام دولتهم إعلاناً رسمياً واعترفت بالدولة الجديدة جملة من الدول أهمها تلك المجموعة التي صوتت في الأمم المتحدة لصالح قرار التقسيم([5]) وجاء الآن دور الجيوش العربية التي أخذت بالتدفق على فلسطين ابتداءً من 15/مايو/1948م كان الإنجليز قد أسسوا ثلاثة جيوش عربية ممتازة في العقد الرابع والخامس من القرن العشرين وقد أعدوا هذه الجيوش بحيث تتمكن من مجابهة الألمان فيما لو نزلوا في مصر أو الهلال الخصيب فقد كانت ألمانيا في أمس الحاجة إلى النفط وكان النقص في الطاقة النفطية عاملاً هاماً من عوامل الهزيمة التي لحقت بالجيش الألماني أما الجيوش الثلاثة الممتازة فهي المصري والعراقي والأردني وأما بقية الجيوش العربية فكانت في طور التشكيل([6]).
أهم ما ينبغي الانتباه إليه هو أن الإنجليز كانوا يحتلون الأردن والعراق ومصر ولهم فيها جيوش كثيفة جداً فقد رابط مائة ألف جندي إنجليزي على ضفتي السويس وحدها إذ لو سيطر الألمان على القناة لوصلوا إلى منابع النفط في السعودية والخليج وبالطبع ما كان الإنجليز المتشبثون بوعد بلفور ليسمحوا للجيوش الثلاثة بالدخول إلى فلسطين إلاّ ضمن مقدار محدود و بأعداد قليلة يتمكن اليهود من مجابهتهم بعد تزويدهم بأسلحة أفضل من أسلحة الجيوش الثلاثة والغريب في الأمر أن العرب بعد دخول جيوشهم إلى فلسطين بأسبوع واحد وحسب قد أعلنوا عن استعدادهم لوقف إطلاق النار بناء على طلب مجلس الأمن الدولي مع أن الجيوش الثلاثة قد أحاطت بتل أبيب إحاطة السوار بالمعصم فالعراقيون من الشمال والأردنيون من الشرق والمصريون من الجنوب وأصبحت حقيقة الأمور واضحةً وضوح الشمس ،فالغرب يسعى لهزيمة الفلسطينيين وإنشاء الكيان الصهيوني على أرضهم شاءوا أم أبوا فتسليح الصهاينة أفضل بكثير من تسليح الفلسطينيين الذين فاجأتهم الحرب وهم على غير استعداد لها وإذا تدخلت الجيوش العربية تدخلاً جدياً بأسلحتها المتفوقة على أسلحة الصهاينة فإن الدول الأوروبية ومعها أمريكا سوف تتدخل علنا وتهزم العرب.
كان مجموع القوات العربية العاملة في فلسطين منذ أواخر شهر إبريل/1948 معادلاً لمجموع القوات الصهيونية فعدد العرب الذين تحت السلاح بالفعل بما في ذلك جيوشهم النظامية وجيش الإنقاذ والثوار الفلسطينيون لا يتعدى خمسة وثلاثين ألفاً وهو رقم ضئيل جداً حين يقاس بعدد سكان العالم العربي وقد حشد اليهود مثل هذا العدد تماماً في خريف سنة النكبة ولكنهم مع ذلك ظلوا يفتقرون إلى التدريب الممتاز الذي كانت تتمتع به الجيوش العربية الثلاثة وهي التي أعدها الإنجليز لمجابهة الألمان وبالطبع لم يكن الصهاينة قادرين على دحر هذا العدد الطفيف من الجنود في بداية أمرهم أي قبل الهدنة الأولى ولكنهم تمكنوا من ذلك بعد أن تزودوا بأحدث الأسلحة وبعد أن جندوا أكبر عدد ممكن من رجالهم ولهذا فقد توجب على العرب أن يحشدوا مائة ألف جندي في فلسطين ولكن الانجليز لم يسمحوا بذلك قط وهذا هو التفسير الوحيد والمعقول لضآلة حجم الجيوش العربية في فلسطين وعلى ذلك تم توقيع اتفاقية الهدنة مع الصهاينة وأصبحت الهدنة سارية المفعول ابتداء من 11/يونيو/1948م.
كان تسليح الصهاينة خفيفا وعدد قواتهم كان ضئيلاً تضخم بعد الهدنة الثانية فلو انقضت الجيوش العربية على تل أبيب في أواخر شهر مايو/1948 لاحتلتها قطعاً أما ما سوف يجري بعد احتلالها فشيء معروف أن مائة ألف جندي إنجليزي سينقضون على القوات العربية في فلسطين ويدحرونها إلى خارج الحدود, فمهما حاول الصهاينة أن يزيفوا الحقائق وأن يظهروا بمظهر البطولة الخارقة وأن يوهموا الناس بأنهم أقاموا دولتهم بفضل شجاعتهم النادرة وكفاءتهم القتالية العالية فإن الحقيقة أوضح من أن تختفي وماذا عساهم يقولون عن اتفاقية حماية الكيان الصهيوني التي وقعتها أمريكا وإنجلترا وفرنسا عام 1950؟([7])
إن السؤال التالي سيبقى بغير جواب إلى أجل غير مسمى مع أنه السؤال الحاسم بالفعل: لماذا لم تنقض الجيوش العربية على تل أبيب في أواخر شهر مايو/1948 على الرغم من أن الجيوش الأوروبية والأمريكية سوف تتدخل في القتال بكل تأكيد ماذا كان العرب سيخسرون فضلاً عن فلسطين التي لا بد من ضياعها في جميع الأحوال لو أنهم أقدموا على تلك الخطوة أما أن الجيش الصهيوني قد كان ضعيفاًً قبل الهدنة الأولى فهذا شأن تؤكده الوقائع والأحداث التي جرت خلال عام النكبة.
إن حرب السويس نفسها تؤكد تفوق الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي فإثر تأميم قناة السويس اتفق الإسرائيليون مع الإنجليز والفرنسيين على أن يشن الجيش الإسرائيلي هجوما على سيناء وأن يدحر المصريين حتى الضفة الغربية للقناة وبذلك تتعطل الملاحة في هذا الممر الدولي مما يخول كلا من إنجلترا وفرنسا حق التدخل لإبعاد الطرفين المتحاربين عن ذلك الممر المائي وهجم الجيش الإسرائيلي في شهر أكتوبر/1956 يقوده موشي دايان وقاتل دايان في أبو عجيلة من الفجر حتى غروب الشمس ودحر في المساء على أيدي رجال قوة صغيرة لا تتجاوز ألف جندي ثم عاود الهجوم في اليوم التالي وقاتل من الفجر حتى الغروب ودحر مرة ثانية وكرر الفعل نفسه في اليوم الثالث ودحر كما دحر في اليومين السابقين وعند ذاك يئست إنجلترا وفرنسا من الإسرائيليين وأنزلتا قوات غزوهما في بورسعيد فما كان من الجيش المصري إلا أن انسحب إلى الممرات وبذلك اجتاح الصهاينة سيناء دون قتال.
إن الجيوش العربية الثلاثة كانت تقاتل على خير وجه حين تصدر إليها الأوامر بالقتال وأكبر دليل على ذلك هجمات اليهود على الجيش الأردني في اللطرون فقد وقعت خمس هجمات على اللطرون قرب القدس صدها الجيش الأردني ببسالة.
كان الهجوم الأول في 24/مايو/1948 أما الهجوم الخامس فحدث في 18/يوليو/1948 أما معارك القدس فقد برهنت بما لا يقبل الشك على أن اليهود كانوا عاجزين تماماً عن انتزاع أي شيء من تحت أقدام الجنود الأردنيين الشديدي الصلابة شريطة أن يكون غلوب قد أصدر الأوامر لهؤلاء الجنود بالقتال لا بالانسحاب وغلوب لا يصدر مثل هذه الأوامر إلاّ بناء على خطة مصممة سلفاً وكان عبد الله التل يقود الكتيبة الأردنية وقد برهن على قدرات قيادية استثنائية، وأما الجيش العراقي فقد هزم اليهود في مدينة جنين هزيمة منكرة بعدما احتلوا المدينة بالفعل وذلك نظرا لتفوق الصهاينة بالعدد والعدة على ثلاثمائة مقاتل فلسطيني كانوا وحدهم يدافعون عن مدينة جنين وبعدما احتل اليهود المدينة زحفت كتيبة عراقية لا يزيد عددها عن خمسمائة جندي وأحاطت بجنين ومشارفها وهرب الصهاينة بعدما خلفوا أكداساً من جثث قتلاهم واعترفوا بأنهم تكبدوا ألف ومائتين وواحد وأربعين إصابة في جنين وحدها ومع ذلك فأنهم يحاولون إقناع العالم بأنهم أبطال وبأنهم هزموا الجيوش العربية بفضل كفاءتهم القتالية العالية.
اعترف اليهود بهزائمهم أمام بعض القرى العربية ففي كتاب عنوانه حرب فلسطين 1947-1948 الرواية الصهيونية وتراهم يقرون بأنهم هزموا أمام لوبية والطيرة واجزم وجبع وعين غزال ولقد هزموا كذلك أمام قرية البروة في قضاء عكا والحقيقة أن معركة لوبية في قضاء طبرية هي دليل قاطع لا يدحض البتة على أن الصهاينة قد كانوا يفتقرون إلى العدد والعدة في ربيع عام النكبة إذا ما قورنوا بالجيوش العربية.
على الرغم من تفوقهم في العدد والعدة على الفلسطينيين فقد استطاعت مائتا بندقية عززتها نجدات من القرى الأخرى أن تدحر قوة يهودية لا تقل عن ألف جندي مسلحين بالسيارات المصفحة ومدافع الهاون والرشاشات([8]).
قدم الصهاينة في لوبية دليلاً على أنهم لا يصلحون للقتال تماماً على النقيض مما أشاعوا في العالم كله إذ لقد استطاع الفلاحون غير المدربين أن ينتزعوا المصفحات من أيدي الصهاينة فضلاً عن أسلحة أخرى وذلك قبل الهدنة الأولى بيوم واحد ومن المفارقات أن تخفق الجيوش النظامية الجيدة التسليح والتدريب حيث ينجح الفلاحون وحين يعلم المرء أن هذه الجيوش قد أعدها الإنجليز لمجابهة الألمان فإنه سوف يستهجن تماما أن تكون هذه الجيوش قد هزمت على أيدي عصابات قليلة العدد والعدة وفي الواقع أن الجيوش العربية أثبتت تفوقها منذ دخولها إلى فلسطين في شهر مايو/1948 وعندما اندلع القتال مرة ثانية بعد انتهاء الهدنة الأولى في 9/يونيو/1948 عادت الجيوش الثلاثة لتثبت تفوقها من جديد ومع ذلك فقد صدرت الأوامر لهذه القوات بالتراجع عن تل أبيب وضواحيها فتراجع الجيش العراقي عن الساحل باتجاه الشمال الشرقي وتراجع الأردنيون عن الرملة وسقطت اللد الفارغة من أية قوات عربية باستثناء حفنة صغيرة من المقاتلين وأخذ اليهود الرملة دون قتال أبداً وارتكبوا مجزرتين في اللد والرملة([9]).
أما في الشمال حيث لا وجود لأي من الجيوش الثلاثة على الإطلاق فقد تراجع جيش الإنقاذ عن الجليل الأدنى وتراجع ثوار القرى الفلسطينيون ضئيلو العدد والعتاد عن الناصرة وصفورية ولوبية وتوقف القتال صبيحة 19/يوليو/1948 ولم يبق للعرب في الشمال سوى الجليل الأوسط الذي لم يدخله اليهود طوال عهد الانتداب إذ لا وجود لهم هناك على الإطلاق وهو أرض جبلية لا تقل مساحتها عن ألف وخمسمائة كيلو متر مربع ويسكنها زهاء مائة ألف فلسطيني وفي وسطها يقع الجرمق الذي عجزت إنجلترا عن احتلاله في السنوات الخمس الدامية ويقينا أن ألف جندي وحسب كانوا قادرين على حماية الجليل الأوسط ولو وفَّر العرب الأسلحة للفلسطينيين لما عجز أصحاب الأرض عن حمايتها وهزم اليهود ولم لا ما داموا قد دحروا إنجلترا عن الجرمق وحين قام الصهاينة بالهجوم على الجليل الأوسط صباح 30/أكتوبر/1948 لم يستطع جيش الإنقاذ أن يقاتل أكثر من بضع ساعات وهكذا سقط الشمال كله.
بقي الجنوب حيث يسيطر الجيش المصري بكل ثقة بالنفس ومما هو جدير بالذكر أن اليهود قد ارتكبوا بعض المجازر في ثلاث من قري الجليل الأوسط أولاها مجزرة عيلبون وذلك انتقاما من تلك القرى التي أسهمت إسهاما ممتازا في صد اليهود عن لوبية عشية الهدنة الأولى وثانيتها مجزرة أخرى في كفر عنان الواقعة إلى الشرق من الرامة ومجزرة ثالثة في الصفصاف وهي قرية شديدة القرب من الجش وصفد وكذلك اعتدوا على بعض النساء اعتداء مشينا في أعالي الجليل وأما هزيمة المصريين في الجنوب عندما اندلع القتال بين الصهاينة وبين المصريين في 16/أكتوبر/1948 مثيراً للاستهجان وذلك بعد انتهاء الهدنة الثانية بأقل من شهر لم يكن لدى الصهاينة قبل الهدنة الأولى سوى أربع طائرات أما مدفعية الميدان والدبابات المجنزرة فلم يكونوا يملكون منها شيئاً ولكن الموقف تغير بعد انتهاء الهدنة الثانية في شهر سبتمبر/1948 ويبدو أن الأسلحة التي جلبها الصهاينة من تشيكوسلوفاكية قد اكتمل شحنها واكتمل التدريب عليها خلال الهدنتين وخلال الأيام العشرة التي تفصل بين الهدنتين.
تشكلت فرقة صهيونية معززة بالمدرعات المجنزرة والمدافع الثقيلة والطائرات القاذفة ووضعت تحت قيادة يغال آلون وكان هدفها السيطرة على النقب الذي من أجله اغتال الصهاينة الوسيط الدولي برنادوت ولا لزوم للدخول في تفاصيل القتال الذي بدأ مع بداية الخريف وامتد حتى قلب الشتاء فقد استطاع آلون أن يحتل النقب كله ومن ضمنه بلدة بئر السبع وأن يشطر الجيش المصري إلى شطرين الأول في الخليل والثاني في غزة والأراضي القريبة منها وكان شطر كبير من أسلحة الفرقة المصرية وذخائرها قد استهلك في القتال أثناء الصيف ولكن دون أن يتجدد وفقا للمطلوب وحين هوجمت مواقع المصريين إلى الشرق من غزة طلبت القيادة المصرية في فلسطين من الكتيبة المرابطة في بئر السبع أن ترسل إلى غزة جميع الأسلحة الثقيلة التي في حوزتها علما بأن الهجوم الصهيوني على بئر السبع كان وشيكاً وهذا دليل مقنع على أن الفرقة المصرية في فلسطين قد كانت تعاني نقصاً في الذخيرة والسلاح وبدلا من أن تبادر القاهرة إلى إرسال الذخائر والأسلحة إلى الجبهة بل عوضاً عن أن ترسل فرقة جديدة إلى فلسطين أو فرقتين فإنها راحت تستجدي من ملك الأردن أن يفتح النار من جهته ليخفف الضغط عن المصريين.
كان الجيش العراقي والجيش الأردني قادرين على فعل المعجزات وسافر رئيس وزراء مصر إلى عمان واجتمع بالملك وطلب منه أن يفتح الجيشان الهاشميان النار على المحور الذي يقوده يغال آلون والمؤلف من خمسة عشر ألف جندي أي ما يعادل تماماً عدد القوات المصرية وألح شكري القوتلي كذلك على الملك عبد الله كي يفتح النار من جهة الخليل ولكن الملك عبد الله ظل على عناده والنار لم تفتح قط من تلك الجهة وشاعت في الأوساط الشعبية عبارة "ماكو أوامر" التي كان يرددها الجنود العراقيون وحتى اللواء المصري في الخليل لم يتحرك لنجدة إخوانه المصريين في بئر السبع والفالوجة وسواهما وحوصر الجيش المصري في الفالوجة ثم وقِّعَت الهدنة الدائمة بين مصر واليهود ورُّفع الحصار عن الفالوجة وعاد الجيش المصري إلى بلاده وكذلك نقل لواء الخليل إلى مصر وبقي قطاع غزة في قبضة المصريين وقد ظل في قبضتهم حتى حرب يونيو عام 1967م.
أبدى الجيش المصري بطولات لا يستهان بها أثناء الحصار فقد كبد اليهود خسائر فادحة وقد استعصى عليهم أن يزحزحوه مترا واحدا في بعض المواقع وحتى اللواء المحصور في الفالوجة والذي أبى الاستسلام بأي شرط من الشروط كان ينقض علي مواقع اليهود وينتزع بعضها من تحت أرجلهم لماذا لم ترسل مصر ثلاث فرق جديدة إلى فلسطين؟ لأنها كانت سوف تصطدم بمائة ألف جندي إنجليزي يرابطون على قناة السويس ويتحكمون بكل حركة من غرب القناة إلى شرقها حسنا ولكن لماذا لم ينقض الجيش المصري على الإنجليز في قناة السويس يوم ذاك؟ لأن الجيش المصري سوف يباد قطعاً أو سوف تحل به كارثة مروعة ويصدق القول نفسه على الأردنيين والعراقيين فقد كان عليهم أن يقاتلوا الإنجليز في الأراضي الأردنية والعراقية نفسها وعند ذاك سوف تحل بهم كارثة رهيبة وهكذا آثر العرب السلامة مع ضياع فلسطين على الكارثة مع ضياع فلسطين أيضاً.
يبقى سؤال خطير لماذا لم يبادر اليهود بطرد الفرقة المصرية من قطاع غزة ؟ أو لماذا تركوا قطاع غزة في قبضة العرب مع أن الجيش المصري قد تفكك ولم يبق سوى بضع ضربات ليقذف ببقاياه إلى سيناء؟ لعل مما هو واضح بعض الشيء أن ثمة مركزا يربض في لندن أو ربما في واشنطن وأن هذا المركز هو الحائز على حق إصدار القرارات الحاسمة فهو الذي يمنح النصر في فلسطين لهذه الجهة وينزل الهزيمة بتلك واضح كذلك أن المركز قد صمم على تنفيذ نسخة مختزلة من قرار التقسيم ينال بموجبها عرب فلسطين شطراً صغيراً من بلادهم شريطة أن ينضم هذا الشطر إلى الدولة الأردنية وارتأى المركز أن هذه الدولة بحاجة إلى ميناء على البحر المتوسط وأن هذا الميناء لا يمكن أن يكون في شمال فلسطين ولا في أواسطها بل حصرا في الجنوب وهكذا ظل ميناء غزة جزءاًً من حصة العرب وبالفعل ضمت إلى الأردن جملة الأراضي التي سميت الضفة الغربية.
أما قطاع غزة فقد تطلب ضمه موافقة مصر التي ظلت معادية للأردن منذ حرب فلسطين عام 1947 وذلك لأن الأردن لم ينجد المصريين يوم كانوا يقاتلون في فلسطين وفضلا عن ذلك فإن تسليم غزة إلى الأردن لا يمكن أن يتم إلا في ظل حل شامل للصراع العربي الصهيوني وتريد إسرائيل أن تطمس هوية هذا الشعب بل يتنكرون لوجوده تنكراً أعمى بحيث لا يعترفون إلا بوجود اللاجئين المحتاجين إلى توطين وخلاصة القول أن الإسرائيليين الذين رفضوا الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني والذين صرحوا بهذا الرفض ابتداء من عام النكبة قد جاءوا بالبرهان المقنع والحاسم على أنهم كانوا يرفضون قرار التقسيم رفضاً مستتراً أو ضمنياً ومنذ صدوره عام 1947 بل و قبل صدوره بل منذ مطلع أمرهم([10]) وعلى أية حال هنالك سؤال آخر ما دام الصهاينة قد هزموا الجيش المصري فلماذا لم يقاتلوا ويهزموا الجيشين الهاشميين في الضفة الغربية علما بأن عدد جنود الجيشين الهاشميين معا في فلسطين لا يتجاوز البتة عدد أفراد الفرقة المصرية؟ الجواب عن هذا السؤال واضح لقد صمم المركز على أن يمنح الضفة الغربية للمملكة الأردنية ولو تعنت الصهاينة ورفضوا ذلك لسمح مركز الشرق الأوسط لندن–واشنطن للجيشين الهاشميين بالقتال بعد السماح لفرق أردنية وعراقية جديدة بالدخول إلى فلسطين وعند ذاك سوف تحل بهم كارثة مروعة.
من عادة الدول الكبرى أن تنحني أمام رغبات الصهاينة فإن في المعقول أن تكون الصهيونية هي التي اقترحت إبقاء الضفة الغربية وقطاع غزة في أيدي العرب وذلك لأن من شأن هذه الخطوة أن تخفف من وقع المصيبة على الفلسطينيين وأن تعجل بالتالي عملية الصلح بين العرب والصهاينة وقَّع الصهاينة هدنة دائمة مع لبنان وأخرى مع سوريا والحقيقة أن قوات الجيش اللبناني لم تتخط بلدة المالكية الواقعة إلى الجنوب قليلا من الحدود اللبنانية-الفلسطينية أما الجيش السوري الذي اتخذ من بلدة سمح مركزا لقيادة الجبهة فقد نفذ عدداً من العمليات العسكرية في منطقة بيسان ومنطقة الحولة وكانت أبرز منجزاته احتلاله لمستعمرة مشمار هيردن والحقيقة أن الجيش السوري قد كان في طور التكوين ولولا ذلك لكان في إمكانه أن ينجد المصريين في الجنوب من جهة الجليل الأوسط أما الهدنة الدائمة مع الأردن فكانت مشينة حقا فضلاً عن أنها تنطوي على مفارقة غريبة لا يسوغها الذهن وقعت هذه الهدنة في رو دس في 3/إبريل/1949م.
كان الجيش العراقي حينئذ لا يزال يسيطر على المثلث جنين-نابلس-طولكرم ويتحدى الصهاينة الذين ما عادوا يتجاسرون على الاقتراب منه بعد الدرس الذي تلقنوه في جنين وبموجب اتفاقية الهدنة الدائمة تنازل الملك الأردني عبد الله عن القرى التالية: أم الفحم وعارة وعرعرة وباقة الغربية وطيرة المثلث و جلجولية والطيبة وقلنسوة وكفر قاسم([11]) التي ارتكب فيها الصهاينة مجزرة مروعة أثناء حرب السويس وبيت صفافا وبتير والقبو والولجة ومعظم هذه القرى كان يسيطر عليها الجيش العراقي لأن الجيش العراقي قد انسحب منها بعد توقيع الاتفاقية وذلك في 27/إبريل/1949 إن هذه القرى تقع في أراض سهلية شديدة الخصوبة فحين ادعى الصهاينة أنهم يريدون العودة إلى أرض أجدادهم قد اكتشفوا حجة ممتازة لابتزاز الأرض من أصحابها الشرعيين فقد آلت إليهم جميع بيارات البرتقال التي غرسها الفلسطينيون قبل أول هجرة صهيونية إلى البلاد علما بأن جميع الأراضي الواقعة بين يافا وعريش مصر لم تدخل في أية دولة توراتية على الإطلاق ولكن لماذا انسحب العراقيون دون قتال؟.
لأنهم كانوا يعرفون ما يستطيع الإنجليز أن يفعلوا في أرض العراق نفسها فالإنجليز مصممون على تنفيذ وعد بلفور بأي ثمن ولقد قتلوا أربعة عشر ألف فلسطيني عدا الجرحى والمعتقلين والمنفيين خلال فترة تقل عن أربع سنوات 1936-1939 لأن الفلسطينيين حاولوا منع الإنجليز من تنفيذ وعد بلفور الذي ما كان في الميسور منعه إلا بوقف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين الأمر الذي رفضه الإنجليز رفضا باتا على الدوام ولو حاولت أية دولة عربية أن تقاتل الإنجليز لتمنعهم من تنفيذ وعد بلفور لكان مصيرها أبشع من مصير الشعب الفلسطيني أعلن الصهاينة أن عدد قتلاهم طوال حرب النكبة وهم يسمونها حرب الاستقلال قد بلغ ستة آلاف وأربعة وسبعين بينهم ألفان من المدنيين والحقيقة أن هذا الرقم لا بد من مضاعفته إذا ما أراد المرء أن يقترب من الحقيقة ففي معركة صغيرة خاضها الصهاينة حول قرية لوبية ضد بعض الفلاحين الفلسطينيين ترك الصهاينة أربعاً وسبعين جثة عدا عن الجثث التي تمكنوا من إخلائها فلئن كان هذا هو حالهم مع قرية فكيف كان حالهم مع المصريين في الجنوب ومع الأردنيين في اللطرون ومع العراقيين في جنين وسواها؟.
أما خسائر الجيوش العربية فطفيفة قطعاً وهي لا تتعدى ألفي جندي أو نحو ذلك وأما الفلسطينيون فقد تكبدوا آلاف القتلى فضلاً عن أن تسعمائة ألف فلسطيني قد شردوا من ديارهم وصاروا مجرد لاجئين مبثوثين في جملة من الأقطار العربية وغير العربية ثمة مجموعة من الأسئلة شديدة الصلة بأسرار عام النكبة([12]) وأهم هذه الأسئلة هي:
1- ما دامت الدول العربية تعلم سلفاً أن الغربيين ما كانوا يسمحون لها بأكثر من حملة عسكرية فلماذا بادرت بالتدخل
2- لماذا زجت بجيوشها في حرب خاسرة سلفاً ؟
3- لماذا كان عدد الجنود العرب في فلسطين طفيفاً جداً إذا ما قورن بعدد سكان العالم العربي وإمكانياته الضخمة
4- لماذا تطابق مع عدد الجنود الصهاينة أو نقص عن عددهم؟
5- لماذا سارعت الجيوش العربية إلى القبول بالهدنة الأولى مع أن الصهاينة كانوا الطرف الضعيف يوم دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين؟
6- لماذا لم يتدخل الجيشان الهاشميان عندما استعر القتال بين المصريين والصهاينة؟
7- لماذا لم ترسل مصر مزيداً من الأسلحة والذخائر والجنود إلى فلسطين عندما تفوق الصهاينة على المصريين؟
8- لماذا سمح الإنجليز لجيش الإنقاذ بالدخول إلى فلسطين قبل انسحابهم منها علما بأن الإنجليز كان لهم سبعة وسبعون ألف جندي في فلسطين عند بداية عام النكبة؟
9- لماذا أحجمت الجامعة العربية عن تسليح الفلسطينيين ولاسيما بعدما أبدوا بطولات نادرة في يافا والقدس ولوبية وسلمى والبروة والطيرة وجبع وعين غزال وسواها؟
وهناك أسئلة كثيرة أخري وتفاصيل قد لا يلمها إلا كتاب قائم بذاته وأخيراً للعقل أن يتساءل عن جدوى قيام الكيان الصهيوني وعن الدوافع التي دفعت العالم الغربي إنشائه على حساب العرب ثم عن مصير هذا الكيان والجهة التي تقرر هذا المصير لا مبالغة في القول بأن الكيان الصهيوني لا نفع فيه لأحد على الإطلاق بما في ذلك اليهود أنفسهم بل لعله لا يعادل الآلام التي ألحقها بالصهاينة وحدهم إذ لا ريب في أنهم قد تكبدوا عشرات الألوف من الإصابات خلال الأعوام الستين الأخيرة وفضلا عن ذلك فإنه مشروع باهظ التكاليف ولا مردود له على الإطلاق وأغبى ما في هذا المشروع أنه لا يريد من الفلسطينيين أن يفعلوا شيئا سوى الترحيب بأبناء شعب الله المختار العائدين إلى أرض أجدادهم وإن فعل الفلسطينيون أيما شيء أخر فهم المخربون المناهضون للحضارة والإنسانية معاً.
خلاصة ما قيل أن الكيان الصهيوني ما بني على أرض فلسطين إلا ليحقق ثلاثة أغراض: منع العرب من الاتحاد واستنزاف طاقات العرب في الصراع وعرقلة نموهم وتحولهم إلى قوة عالمية وحماية المصالح الإمبريالية في العالم العربي ولا مبالغة في القول بأن هذا كله لا يصمد أمام النقاش الجدي وذلك لأن الكيان الصهيوني يحث العرب على الاتحاد بدلاً من أن يرسخ التجزئة([13]) إذ من شأن الشعوب أن تتحد أمام الأخطار والتحديات المصيرية فالعرب يستنزفون طاقاتهم في الحاجات الاستهلاكية والترف وحماية المصالح الإمبريالية التى أوكلت إلى الطبقة الخائنة في العالم العربي إنها طبقة الفنادق الباذخة والسيارات الفاخرة والسجائر الأجنبية والمشروبات الروحية والمجوهرات وما إلى ذلك وأغلب الظن أن هذه الطبقة لن تغادر الفنادق إلى الخنادق في أي يوم من الأيام والأقرب إلى الصواب أن يقال بأن الكيان الصهيوني لم ينشأ لكي يحارب الوحدة العربية وإنما حوربت الوحدة العربية لكي ينشأ الكيان الصهيوني ولكي لا يزول من الوجود أما مصير الصهاينة فخاضع للاحتمالات أو قُل للمتغيرات التي سوف تطرأ على حركة العالم بوجه عام وعلى حركة العالم العربي بوجه خاص فأحسن دفاع يمكن أن يلجأ إليه العرب هو إغلاق حدودهم في وجه الصهاينة وعند ذلك لن يكون أمامهم إلا أن يتعفنوا في داخل هذا الغيتو الذي لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل إنشائه والحقيقة أن مصير الصهاينة سوف يحدده الشارع العربي وليس الجيوش العربية ولا الحكومات العربية فإذا أصر الشارع العربي على الرفض فإن الكيان الصهيوني سوف يتلاشى وينقرض على الرغم من إرادة الغربيين.
إن هذه الأرض لا مستقبل لها إلا إذا تكاملت بمصر وبقية الهلال الخصيب وصارت جزءاً من منظومة عربية متجانسة ويقينا أنها لن تصبح كذلك ما دامت في حوزة الصهاينة الذين جعلوا منها مجرد لاعب ثانوي للإمبراطورية الأمريكية ولمن له مصالح في المنطقة وعلى الرغم من مرور أعوام عديدة على ولادة الكيان الصهيوني المفتعل والمتطفل لم يحسم وجود هذا الكيان الموقوت بحكم الناموس الكلي الذي يتحكم بمسار التاريخ فما كانت فلسطين على الدوام إلا ممراً للغزاة وإلا واحدة من مناطق نفوذ القوى العظمى إن الشعب الفلسطيني رغم تضحياته لن يقبل بالتنازل عن حقوقه في العودة إلى أرضه ودحر الكيان الصهيوني من أرض فلسطين([14]).
الهيئة العربية العليا: بعد الحرب العالمية الثانية أعاد الشعب الفلسطيني ترتيب نفسه فتأسست الهيئـة العربية العليا في دمشق في 11/يونيو/1946م وكانت برئاسة المفتي الحاج أمين الحسيني وعضوية أمناء سر أهم الأحزاب الموجودة في فلسطين والأحزاب هي:
1- حزب الاستقلال: تأسس عام 1932م برئاسة عوني عبد الهادي ومن أبرز أعضائه في غزة حمدي الحسيني وهو متعاطف مع الشيوعيين.
2- حزب الدفاع الوطني: تأسس عام 1934م برئاسة راغب النشاشيبي ومن أبرز أعضائه في غزة عادل الشوا
3- الحزب العربي الفلسطيني: تأسس عام 1935م برئاسة جمال الحسيني وهو مؤيد للحاج أمين الحسيني ومن أبرز أعضائه الحاج موسى الصوراني وقد شكل الحزب العربي فرقة الفتوة وهي فرقة شبابية شبيهة بفرق الكشافة وكان يرأسها كامل عريقات.
4- حزب الإصلاح: تأسس عام1935م برئاسة الدكتور حسين فخري الخالدي ومن أبرز أعضائه فهمي بك الحسيني ومحمد أبو خضرة.
5- حزب الكتلة الوطنية: تأسس عام 1935م برئاسة عبد اللطيف صلاح وأبرز أعضائه في غزة عبد الرؤوف خيال وطاهر أبو رمضان.
أما الأحزاب التي لم يتم تمثلها في الهيئة العليا نذكر منها: عصبة التحرر الوطني وهو الحرب الشيوعي الفلسطيني حالياً ومؤتمر الشباب العربي تأسس عام 1935م برئاسة يعقوب الغصين وأبرز أعضائه في غزة عاصم بسيسو الذي أصدر صحيفة الكفاح والنجادة وهي فرقة شبابية شبيهة بفرق الكشافة وكان يرأسها المحامي محمد نمر الهواري([15]).
قد حظيت هذه الهيئة العليا بدعم الهيئات والأحزاب والفئات الفلسطينية وبالتفاف الشعب الفلسطيني حولها واعترفت الدول العربية بها ممثلة للفلسطينيين غير أنها عانت من عدم قدرتها على العمل المتناسب مع خطورة المرحلة في داخل فلسطين بسبب استمرار الاستعمار البريطاني في حصار قيادتها حيث منع عدداً من قياداتها من دخول فلسطين وبالذات الحاج أمين الحسيني كما عانت اللجنة من خلاف رئيسها مع عدد من الأنظمة العربية وخصوصاً الأردن والعراق بسبب محاولة الأنظمة العربية فرض إرادتها على الهيئة وتجاهل قيادتها وتجاوزها بحجة أن قضية فلسطين قضية عربية وأن الأنظمة العربية هي من يناط بها عملية التحرير بينما كانت من الأنظمة العربية لا تزال تحت سيطرة النفوذ الاستعماري القوي لبريطانيا والنفوذ المتصاعد لأمريكا حيث يتم رسم سياسات هذه الدول وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
حتى عندما دخلت الجيوش العربية فلسطين في شهر مايو/1948 فإنها منعت الحاج أمين الحسيني من دخول فلسطين أو الوجود في الأماكن التي سيطرت عليها ولم تمكِّن الأنظمة العربية الحاج أمين ورفاقه من تولي تنظيم الشعب الفلسطيني وقيادته في المناطق المحررة بل باشرت بنفسها نزع أسلحة الفلسطينيين وخصوصاً جيش الجهاد المقدس الذي نظمته الهيئة العربية العليا.
حكومة عموم فلسطين ولدت على فراش الموت
كانت الهيئة العربية العليا قد قررت إنشاء حكومة فلسطينية لملء الفراغ الناتج عن انسحاب بريطانيا من فلسطين وسعت خلال أشهر 3-4 والنصف الأول من 5/1948 لإقناع الحكومات العربية بذلك ولكن دون جدوى.
مؤتمر غزة: في 1/أكتوبر/1948 انعقد في غزة مؤتمر حضره عدد من أهل الرأي لفلسطين دعت إليه الهيئة العربية العليا لتنفيذ قرارها الذي أصدرته في القاهرة بتاريخ 5/يناير/1948 وهذا نصه:
كانت الهيئة العربية العليا قد اعتمدت إيجاد نظام سياسي في البلاد يقوم على تحقيق الرغبة العامة في التمثيل الصحيح فبدأت الخطوة الأولى من ذلك بتشكيل اللجان القومية وقررت اتخاذ الخطوات الأخرى لإقامة هذا النظام وذلك بتشكيل إدارة قومية عامة لفلسطين بأكملها على أن تتألف هذه من:
1- رئيس أعلى.
2- مجلس وطني عام.
3- مجلس تنفيذي له رئيس مسئول ينال ثقة المجلس الوطني العام.
وستعمل الهيئة العربية العليا على تنفيذ هذا المشروع خلال الأشهر القادمة.
إعلان حكومة عموم فلسطين: اجتمع المؤتمرون في غزة وكان عددهم خمسة وثمانون عرف منهم ثمانية أعضاء في الهيئة العربية العليا وعشرة من رؤساء بلديات وأربعة عشر من رؤساء المجالس المحلية وواحد وعشرون من مندوبي اللجان القومية واثنا عشر من أعضاء الوفود التي انتدبت في الماضي للدفاع عن القضية الفلسطينية في أوروبا وستة من مشايخ العشائر وأربعة ممثلون لنقابات المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين عرف منهم الحاج أمين الحسيني وأحمد حلمي باشا وعلي حسنا وميشال أبكاريوس والشيخ حسن أبو السعود ورجائي الحسيني ويوسف صهيون وأمين عقل والدكتور فوني فريج وميشال عازر وأميل الغوري وحمدي الحسيني وواصف كمال وأديب الريماوي ومحمد علي الكيالي وأكرم زعيتر ومحمد العفيفي وفارس سرحان وخليل حليف وفيصل نابلسي وحسين أبو ستة وحسن جمعة الإفرنجي وحسن أبو جابر وتوفيق جبران وخليل السكاكيني وأحمد عبد العزيز مهنا ومحمد رجب أبو رمضان ورشدي الإمام الحسيني ومحمد علي الصالح وعبد الله سمارة ومحمد صبري عابدين وفائق بسيسو ويوسف الصايغ والسيد أبو شرخ وأحمد العكي وعلي رضا التحري رفيق التميمي ومحمد رفيق اللبابيدي وموسى عمران وعوني عبد الهادي وسعيد حمدان وفهمي الأغا وعبد الرحمن الغرا ومحمد عواد علي أحمد العطار وأحمد محمد حجة وعيسى نخلة وطلعت يعقوب الغصين ورشاد يوسف السقا وحسني خيال وكامل القاضي وعبد الرحيم أبو لبن وعبد ربه أبو شقرة وحسن محمد الزير ومحمد أحمد أبو عاذرة وزكي محمد عبد الرحيم وأنور نسيبة.
ألفوا مجلساً سمي المجلس الوطني([16]) انتخب هذا المجلس حكومة أسماها حكومة عموم فلسطين أصدر المجلس الوطني قراراً جاء فيه ما يلي:
بناء على الحق الطبيعي والتاريخي للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
هذا الحق المقدس الذي بذل في سبيله زكي الدماء وقدم من أجله أكرم الشهداء وكافح دونه قوى الاستعمار والصهيونية التي تألبت وحالت بينه وبين التمتع به فإننا نحن أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة هاشم هذا اليوم الواقع في الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة 1367 وفي 1/أكتوبر/1948 استقلال فلسطين كلها التي يحدها شمالاً سوريا ولبنان وشرقاً سورية وشرق الأردن وغرباً البحر الأبيض المتوسط وجنوباً مصر استقلالاً تاماً وإقامة دولة حرة ديمقراطية ذات سيادة يتمتع فيها المواطنون بحرياتهم وحقوقهم وتسير هي وشقيقاتها الدول العربية متآخية في بناء المجد العربي وخدمة الحضارة الإنسانية مستلهمين في ذلك روح الأمة وتاريخها المجيد مصممين على صيانة استقلالنا والذود عنه.
عهد برئاسة الحكومة إلى أحمد حلمي باشا عبد الباقي فتولى جمال الحسيني وزارة الخارجية وميشال أبكاريوس وزارة المالية وعوني عبد الهادي وزارة الشؤون الاجتماعية ورجائي الحسيني وزارة الدفاع والدكتور حسين فخري الخالدي وزارة الصحة والدكتور فوتي فريج وزارة الاقتصاد وعلي حسنا وزارة العدل ويوسف صهيون وزارة الدعاية وأمين عقل وزارة الزراعة وانتدب أنور نسيبة سكرتيراً لمجلس الوزراء.
أذاع رئيس الوزراء فور تأليف الحكومة بياناً جاء فيه ما يلي:
في 15/مايو/1948 زال عن بلادنا المقدسة الانتداب البريطاني الذي لم تعترف به الأمة في أي وقت من الأوقات وزالت بذلك العقبة الكأداء التي كانت تقف في سبيل ممارسة جميع الحقوق التي تمارسها الأمم المستقلة وصار من حقوقها ومن واجبها أن يتولى أبناؤها بنفسهم شؤونهم السياسية والإدارية والمدنية وأن يعملوا جاهدين على إنقاذ وطنهم وصيانة أبنائهم وذرياتهم ولئن حالت ظروف قاهرة فور انتهاء الانتداب دون أن يخطو الخطوة الإيجابية في هذا السبيل فقد ذللت هذه العقبات الآن ولم يعد هناك أي مبرر للتأخير.
لذلك قررنا بعد الاتكال عليه تعالى واستناداً إلى حقنا الطبيعي وإلى تأييد الحكومات ومؤازرة البلاد العربية حكومات وشعوباً وإلى قرارات الجامعة العربية تأليف حكومة لفلسطين بكامل حدودها المعروفة قبل 15/مايو/1948 لتضطلع بالمهام التي يطلبها الموقف واستكمال أسباب العمل باعتبارها حكومة ديمقراطية مسئولة أمام مجلس وطني تمثيلي إلى أن يتيسر القيام بانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستور البلاد وتقرر نظام الحكم فيها على أن تكون القدس عاصمة البلاد وأن تستقر الحكومة مؤقتاً في مدينة غزة إحدى بلدان هذا القطر العربي الكريم.
في هذا اليوم التاريخي الذي نعلن فيه تأليف هذه الحكومة الفتية ندعوك باسم الوطن المقدس إلى توحيد الكلمة والعمل صفاً واحداً لصد العدوان الأثيم عن مقدساتك وتراث آباءك وأجدادك ومهد أبنائك وأحفادك وسجل مفاخرك وأمجادك وإلى التعاون الوثيق مع الجيوش العربية الباسلة التي تحارب في سبيل تحرير بلادك لتصل عالي الرأس إلى أهدافك أمدك الله بعونه وشملك بعنايته وأيدك بروح من عنده.
هذا وإننا لنرى من الواجب أن نرفع آيات الشكر والامتنان مشفوعة بالتعظيم والتكريم لأصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك العرب ورؤساء جمهورياتهم وأمرائهم ونزجي الشكر لجامعة الدول العربية ورجالات العرب والجيوش العربية وقوادها وللمناضلين الأبرار وللأمم الإسلامية والشرقية التي آزرت قضية فلسطين بما أبدوه من عطف سام وشعور نبيل على عرب فلسطين ولما بذلوه من مساعدات كريمة في سبيل إنقاذ البلاد المقدسة.
وإننا لنقف خاشعين لذكرى الشهداء الأبرار الذين سقطوا في ميادين الشرف والجهاد دفاعاً عن الدين والوطن والكرامة معاهدين الله تعالى والأمة العربية في فلسطين والوطن العربي الكبير على أن نواصل العمل بكل ما في قلوبنا من إيمان وما أوتينا من قوة إلى أن يتم بعون الله وعنايته سدد الله خطانا إلى أقوم سبيل.
استقبل معظم عرب فلسطين هذا النبأ بشيء كثير من الأمل والرجاء وكذلك فعل سكان بيت المقدس وفي 15/أكتوبر/1948 اعترفت ثلاث حكومات عربية عي لبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية بحكومة عموم فلسطين.
امتعض عدد غير قليل وادعى هؤلاء أنه لا يحق للذين حضروا المؤتمر وهم قلائل بالنسبة إلى مجموع الأمة أن يزعموا أنهم يمثلون الفلسطينيين جميعاً إلا أن الوضع الراهن في البلاد كان قد ساء إلى درجة جعلت الأكثرين يرضون بمثل هذه الخطوة لعلها تبدد شيئاً من مخاوفهم وتزيل عن نفوسهم بعض ما ألم بها من جراء تخاذل الدول العربية وقال كثيرون أن حكومة كهذه كان يجب أن تتألف عندما نشأ النضال الحالي في فلسطين وفي كل حال كبرت الآمال عندما علم الناس أن الدول العربية التي يتألف منها مجلس الجامعة تؤيد هذه الفكرة واختفت روح الانهزام تلك التي بدت في الأوساط القومية إثر سقوط اللد والرملة وراح الشبان يتنادون إلى جمع الصفوف والتأهب للقتال وسرت أنباء الحركة الجديدة بين الصفوف بسرعة البرق فما كنت لتسمع أينما حللت وحيثما سرت سوى نغمة واحدة هي:
هيا بنا إلى ميادين القتال لنسترجع المدن والقرى التي اغتصبها اليهود منا ونسترد كرامتنا.
تألف مقر قيادة لإدارة شئون القتال في المنطقة الجنوبية من المقدم عبد الحق الفراوي قائداً للمنطقة والرئيس الأول محمد تراجازي ضابطاً للركن والرئيس الأول محمد حسن جراحي مساعداً للضابط الركن والرئيس محمود كمال مفتيش طبيب المقر والملازم الثاني جمال الصوراني ضابط الاستخبارات.
وقد تم تعيينهم بأمر من الحاج أمين الحسيني بوصفه القائد الأعلى وكان هناك في المقر عدد من الموظفين المدنيين نذكر منهم حفص عمر السقا رئيس الديوان وكاتب ومراسل وجنديان يعملان في اللاسلكي هما ناصر شكري وخليل الجاعوني.
أرسل أحمد حلمي باشا بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للخارجية إلى وزير للمملكة المصرية قال فيه أن وحدات جيش الجهاد المقدس التي مازالت تعمل في منطقتي غزة وعراق سويدان والفالوجة تحت إمرة المقدم عبد الحق الفراوي وبإشراف القيادة المصرية والتابعة للهيئة العربية العليا قد أصبحت اعتباراً من أول شهر ديسمبر/1948 تابعة لحكومة عموم فلسطين وقد أرسلنا التعليمات اللازمة إلى آمر القوة المذكورة كي يستمر على العمل وفقاً للترتيبات التي مازالت متبعة حتى الآن أي أن يظل من الناحية العسكرية تابعاً للقيادة المصرية العامة على أن يكون من الناحية الإدارية تابعاً لوزارة الدفاع لحكومة عموم فلسطين فكان مقرها في مصر الجديدة بالقاهرة 22 شارع رمسيس.
لكن سرعان ما انقلب رجاؤهم إلى يأس عندما علموا أن الحكومة الأردنية الهاشمية لم تعترف بها وكتب الملك عبد الله إلى محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزارة المصرية إلى زملائه أعضاء الجامعة كتاباً قال فيه أن دولتكم على علم من أن دول الجامعة العربية تدخلت لإنقاذ فلسطين منكرة للتقسيم والتجزئة عاملة على حفظ شرف العرب والإسلام التاريخي وتعلمون أيضاً أننا نخشى على سلامة بلادنا ومركزها من أي دولة ضعيفة قد تتكون في فلسطين تنتسب إلى العرب فتضعف عن البقاء أو يستحوذ عليها اليهود أو بمجرد تكيفها تعترف بها منظمة الأمم التي اعترف باليهود فيكون التقسيم أمراً واقعاً الأمر الذي حاربنا ضده وفي وقوع هذا أيضاً قطع الطريق على أهل فلسطين وعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما يريدون بعد انتهاء المعضلة.
إننا تفادياً من تسبب هؤلاء بحركاتهم وأعني بهم الحاج أمين الحسيني ومن معه أن تشبثاتهم ستجر إلى ما فيه إخلال عصمة الجامعة العربية واتحادها أقول أنني سأحارب هؤلاء حيث ما كانوا كما أحارب اليهود أنفسهم ولقد حاول فريق من رجالات مصر أن يوفدوا إلى عمان وفداً لمقابلة الملك عبد الله وإقناعه في العدول عن معارضته وتألف الوفد بالفعل من بطل الريف الأمير عبد الكريم الخطابي والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا ورئيس جمعية مصر الفتاة الأستاذ أحمد حسين ورئيس جمعية الشبان المسلمين محمد صالح حرب باشا ولكن رئيس الوزراء محمد فهمي النقراشي باشا أمر إدارة الجوازات بعدم السماح للوفد بالسفر عندئذ 21/سبتمبر/1948 أرسل الأمير عبد الكريم إلى الملك عبد الله البرقية التالية:
[(حضرة صاحب الجلالة الهاشمية المعظم- عمان
علمت بما كان بين جلالتكم وبين أحمد حلمي باشا رئيس حكومة فلسطين فراعني تفاقم الحال وفي حين أن تأييدكم له فيه ضمان لناحيتكم وكل المصلحة بالنظر إلى إخلاصه لجلالتكم فأرجو من أبن بنت الرسول المنقذ الأب الحسين أن تقروا توحيد الكلمة وسيكون إنقاذ فلسطين كل ما ترغبون ونحن جميعاً معكم وفي جانبكم ولا تحوجوني للسفر لرحابكم لتأكيد نظرتي وأنا منحرف الصحة فزيارتكم واجبة وسأقوم بها في مناسبة سارة ولكن المهم الآن هو الموافقة على ما أجمعت عليه حكومات جامعة الدول العربية التي قامت بتأكيدكم فأرجو إنقاذ الموقف بحكمتكم وبعد نظركم.
وأن تقصدوا القوم إرضاء لجدكم فهذه نصيحة من أخ لكم مخلص والحاضر يرى مالا يراه الغائب والسلام عليكم.
عبد الكريم الخطابي)]
لم يرد الملك عبد الله على البرقية ورأت الحكومة المصرية أن وجود الحاج أمين على رأس هذه الحكومة الفتية يزيد من مخاوف الملك عبد الله فنصحته أن يظل بعيداً عنها وألا يذهب إلى غزة إلا أنه لم يبال بنصحها فأعادته إلى مصر ولم تطل إقامته أكثر من عشرة أيام حيث تولى نقل الحاج أمين الحسيني من غزة إلى القاهرة اللواء حسين سري عامر مدير سلاح الحدود في العريش فقد نقله في سيارته وأتى به إلى القاهرة .
ظهر بعد قليل أن الذين أوعزوا بسحب الحاج أمين الحسيني من غزة هم الإنجليز وكانوا قد لفقوا على لسانه رسالة قالوا أنه أرسلها إلى الروس مخبراً إياهم عن عزمه على إقامة حكومة عموم فلسطين على غرار الحكومات السوفييتية ولم تكتشف هذه الحيلة إلا بعد سنة من وقوع الحادث.
تطور القتال في فلسطين بعدئذ بشكل لم يكن في صالح العرب وكان لا بد من انتهاج خطة تضمن العمل المشترك بين الحكومات العربية تلك الحكومات التي ضنت على الحكومة الفلسطينية الجديدة بما هي في حاجة إليه من تأييد وتعضيد ولهذا ما لبثت فكرة حكومة عموم فلسطين أن ماتت وهي في مهدها.
إن ما جرى في غزة كان نتيجة لقرار أصدره مجلس الجامعة في اجتماع عقده في القاهرة في أول شهر سبتمبر/1948 وذلك بناء على رغبة أبداها ممثلو الحكومات العربية في هيئة الأمم التي كانت مجتمعة في ليك سكس والمعتقد أن هؤلاء الممثلين وجدوا في أروقة هيئة الأمم من شجعهم على ذلك لا بل من دفعهم إليه دفعاً من دول الغرب.
كانت النية معقودة على أن تمد دول الجامعة الحكومة الجديدة بكل ما يلزمها من وسائل في ميادين السياسة والمال والدفاع وكانت مصر والمملكة العربية السعودية وسوريا في طليعة تلك الدول التي عملت على تأييد الفكرة ولكن قرار المجلس لم ينفذ إذ لم تمد الدول العربية حكومة فلسطين بما تحتاج إليه من وسائل أولية كان لا بد منها إذا ما أريد تكوين حكومة شعبية بسيطة.
لم تدع حكومة فلسطين لحضور الاجتماع الذي عقده مجلس الجامعة في شهر أكتوبر/1949 مع أنها دعيت لحضور الاجتماع الذي سبقه في شهر نوفمبر/1948 وبمسعى مصطفى النحاس باشا دعيت حكومة فلسطين لحضور الاجتماع الذي انعقد في مارس/1950 رغم احتجاج الأردن.
بلغت نفقات المجلس الوطني وحكومة عموم فلسطين منذ تشكيلها إلى نهاية سنة 1949 واحداً وعشرين ألفاً وأربعة وخمسين جنيهاً وقد تولت الهيئة العربية العليا دفعها من المبالغ التي جمعتها باسم قضية فلسطين.
طلبت الحكومة الأردنية في عام 1952 من الجامعة العربية سحب اعترافها بحكومة عموم فلسطين ولكن الجامعة رفضت هذا الطلب وقررت:
1- الإبقاء عليها على أن تقتصر تشكيلاتها على رئيس الحكومة وهو أحمد حلمي باشا وسكرتيرها العام جميل السراج وأربعة موظفين هم تحسين الحدث وقد عهد إليه بشئون اللاجئين والإعانات التي تدفع إليهم وعبد الفتاح الشريف الذي عهد إليه بشئون الطلبة الفلسطينيين وإحسان سرور (جوازات سفر) وأديب الأنصاري (كاتب).
2- إلغاء الوزارات التسعة التي تألفت منها الحكومة عند تشكيلها وكان الوزراء بطبيعة الحال وبعد تأليف الحكومة قد انفضوا فراح كل واحد منهم يعمل في جهة: أمين عقل وزير الزراعة موظفاً بالجامعة والدكتور فوتي فريج وزير الصحة افتتح عيادة طبية في مصر الجديدة ورجائي الحسيني وزير الدفاع مستشاراً لوزارة المواصلات في المملكة العربية السعودية وميشال أبكاريوس وزير المالية راح يحاضر في الجامعة الأمريكية ببيروت وجوزيف صهيون وزير الدعاية أنشأ مستودعاً للأدوية في القاهرة وأنور نسيبة السكرتير العام التحق بالحكومة الأردنية فعين وزيراً للمعارف والدفاع وعلي حسنا وزير العدل أيضاً التحق بالحكومة المذكورة فعين نائباً لوزارة الداخلية في الضفة الغربية فلسطين وجمال الحسيني وزير الخارجية التحق بالعاهل السعودي فعينه مستشاراً لحكومته وعوني عبد الهادي وزير الشئون الاجتماعية سفيراً للأردن في مصر.
3- خفضت ميزانية الحكومة إلى أقل من الربع فبعد أن كانت الجامعة تدفع لرئيس الوزارة أحمد حلمي باشا ألف ومائتي جنيه في السنة ولكل وزير من الوزراء 720 جنيهاً راحت تدفع للرئيس فقط راتبه وكذلك قل عن السكرتير العام الجديد جميل السراج وأما الموظفون الأربعة الآخرون فراحوا يأخذون رواتبهم من إيراد الجوازات وكانوا يجبون جنيه عن كل جواز.
أصدرت حكومة عموم فلسطين من بدء تكوينها إلى هذا التاريخ 1954 أحد عشر ألفاً وأربعمائة جواز سفر واعترفت بهذه الجوازات جميع الحكومات العربية ماعدا الأردن وحكومة الأفغان.
عمل موظفي حكومة عموم فلسطين يعملون في غرفة متواضعة كانت فيما مضى مطبخاً لنادي الإتحاد العربي في ميدان مصطفى كامل بالقاهرة.
قام ملك الأردن عبد الله من جانبه بالعمل على إيجاد تمثيل آخر للفلسطينيين حيث عقد في الأول من شهر أكتوبر/1948 مؤتمر في عمان برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي اعترض بدوره على تمثيل الفلسطينيين من قبل مؤتمر غزة وانعقد في أريحا مؤتمر آخر في الأول من شهر ديسمبر/1948 برئاسة محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل تم فيه الإعلان عن وحدة الأرضي الأردنية والفلسطينية ومبايعة الملك عبد الله ملكاً على فلسطين وفي آخر شهر ديسمبر/1948 انعقد مؤتمرٌ ثالثٌ في رام الله ورابعٌ في نابلس أكد خلالهما على قرارات مؤتمر أريحا إلى أن تم توحيد الضفة الغربية الفلسطينية مع الأردن فيما بعد في شهر إبريل/1950 وعلى الرغم من المعارضة الشديدة في الأوساط الرسمية والشعبية في قطاع غزة والضفة الغربية إلا أن ما تم من السيطرة الفعلية للأردن على الضفة الغربية حالت دون تنفيذ أهداف حكومة عموم فلسطين وقراراتها وتوصياتها.
كان انتقال الحاج أمين الحسيني وعدد من أعضاء المجلس الوطني وحكومة عموم فلسطين إلى القاهرة أثراً كبيراً في استمرار حالة الجمود التي سيطرت على أعمال هذه الحكومة من الناحية السياسية والتنظيمية واقتصر دورها فقط على تمثيل الفلسطينيين في الاجتماعات الدولية للجامعة العربية ([17]).
كان إعلان حكومة عموم فلسطين في غزة 1/أكتوبر/1948م برئاسة أحمد عبد الباقي وحدودها المعلنة أرض فلسطين الانتداب دولةً حرةً ديمقراطيةً هذه الحكومة ووثيقة إعلانها أصبحت مجرد وثيقة في غياهب الذاكرة الفلسطينية.
تم تشكيل هذه الحكومة من قبل الحاج أمين الحسيني على أرض فلسطين في غزه خطوة للشعب والقضية الفلسطينية على طريق التحرر والعودة والحفاظ على القرار الفلسطيني المستقل ولكن كان لمصر رأي آخر فقد أعلنت قطاع غزة منطقة حكم عسكري وفرضت على الحاج أمين الحسيني مغادرة غزة إلى القاهرة تحت الحراسة وضغطت على وزارة الحكومة الفلسطينية لتقديم الاستقالة وغدت حكومة أحمد حلمي باشا شكلاً واقتصرت على مكتب صغير بالقاهرة ليس له قوة سياسية واقعية ولم تحاول أية دولة عربية أو قوة إقليمية حماية هذه الحكومة المؤقتة بل كانت مستهدفة من قبل لأنظمة العربية التي طمعت في الحصول على بقايا فلسطين وبكى أهل فلسطين على تدمير هذه الحكومة فقد صودر قرارهم السياسي وفي حينها أبدى الشيخ هاشم الخزندار رأيه بأن هذه الحكومة لو بقيت ستكون النواة الأولى للحلم الفلسطيني لأنها بداية طريق الحرية والخلاص([18]).
موقف جامعة الدول العربية من حكومة عموم فلسطين: تأسست جامعة الدول العربية من الدول التي كانت مستقلة في مايو/1945 وهذه الدول هي مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية واليمن وكان من بين أنظمة الجامعة هي احترام السيادة الإقليمية والسياسية للدول الأعضاء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض إلا أن ذلك لم يحل دون طموحات بعض الأنظمة بالسيطرة على أنظمة أخرى تحت عنوان الوحدة وهشاشة تكوين بعض الأنظمة الوليدة على أثر اتفاقيات سايكس بيكو.
من الأمثلة على ذلك رفض سورية الاعتراف بفصل لبنان فصلاً كاملاً عنها بعد نيله الاستقلال عام 1943م والذي انعكس في اتفاق أخوي نص على أن تبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين ليس ضرورياً ويمكن القول إن الملك عبد الله أثار أوسع الخلافات إذ كان يأمل ببسط حكمه على سورية الكبرى ليشمل سورية ولبنان وفلسطين منذ توليه إمارة شرق الأردن عام 1920م كما أنه فكر في ضم العراق إليه بعد وفاة أخيه فيصل ملك العراق عام 1933م وفكر في ذلك مجدداً عام 1951م كذلك أيد بعض السياسيين السوريين اتحاد بلدهم مع العراق في ظل الحكم الهاشمي ومن هؤلاء العقيد سامي الحناوي الذي تسلم السلطة فيشهر 8-12/1949م.
أمّا الملك فاروق فرأى في طموحات الملك عبد الله تحدياً مباشراً للزعامة الإقليمية المصرية لذا قام بالتحالف مع آل عبد العزيز بن سعود الذي كان قد طرد الهاشميين من الحجاز عام 1925م أثناء قيامه بتوحيد المملكة العربية السعودية الحديثة وبعد أن سيطر السعوديون على مكة اعتبروا أنفسهم القادة الروحيين الحقيقيين للعالم الإسلامي وعارضوا كل محاولات الملك عبد الله وفيصل لإحياء الخلافة ولتأكيد حقهم فيها بعد أن ألغاها الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك عام 1924م.
اتضح مدى رفض الحدود التي رسمتها الدول الاستعمارية في أثر اغتيال الملك عبد الله فقد سعى رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد لإلحاق الأردن بالعرش الهاشمي في العراق وأثارت مصر مسألة استقلال فلسطين ودعت عملياً إلى انتداب تتولاه جامعة الدول العربية على الضفة الغربية بينما دعت البعثة الدبلوماسية السعودية في عمان إلى ضم شمال الأردن إلى سورية وجنوبه إلى العربية السعودية وهكذا اتصف النظام الإقليمي العربي الذي نشأ في أواسط الأربعينات بالصراعات والتحالفات المتبادلة بدلاً من التوافق والتآلف والسعي نحو الوحدة.
على النقيض من الحجج التي يجري تقديمها في الكثير من التحليلات الأكاديمية فإن ميل بعض الحكومات العربية إلى إتباع سياسة التوازنات وركوب الموجة السائدة وسعي بعضها الآخر إلى الزعامة الإقليمية لم يكونا مدفوعين أساساً بدافع الوطنية ولا بتصورات هذه الحكومات للأخطار الخارجية بل كان للمتغيرات الداخلية بما في ذلك العوامل السياسية والاجتماعية والسعي لتحديد الدول الجديدة ولتعلم أصول الحكم فيها إضافة إلى بناء الاقتصاديات الوطنية وللسعي الدائم لتأمين السيولة النقدية دور مساوٍ من حيث الأهمية في عملية رسم السياسة الخارجية للكثير من الدول العربية منذ عام 1945م.
انعكس تأثير العوامل الداخلية هذه في إقامة التحالفات أو في تبني المواقف التي يمكن مكافأتها من قِبَل الدول العظمى أو من قِبَل دول عربية أُخرى إمّا بدعم الميزانيات وإمّا بتقديم مساعدات تنموية وأشكال أُخرى من الاعتمادات وقد أثرت هذه الاعتبارات بصورة ملموسة في حسابات الزعماء والحكومات في القلة من الدول العربية التي كانت نالت استقلالها التام عشية انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين والتي ظلت تعتمد اعتماداً كبيراً على التعاطف السياسي والدعم العسكري للقوى الاستعمارية السابقة علاوة على العون المالي.
قدمت حرب عام 1947م – وعام 1948م التي شكلت أول اختبار رئيسي لجامعة الدول العربية الدليل على أن تلك الاعتبارات هي التي تقرر السياسة العربية وليس التزام قضية فلسطين أو الوحدة العربية الصادقة.
كان تردد الدول العربية في الزج بموارد كبيرة في الحرب وعدم الثقة المتبادلة فيما بينها مصدر خلافات مستمرة بشأن السياسة الدبلوماسية والإستراتيجية الواجب إتباعها وأدى ذلك كله إلى تعدد المناورات خلف الكواليس وإلى تدخل عسكري منقوص ومرتجل وقاد في نهاية المطاف إلى هزيمة العرب في ميدان المعركة.
لم يخرج بمكاسب إقليمية من الحرب سوى الملك عبد الله جزئياً بفضل تفاهم سرّي بشأن تقسيم فلسطين توصل إليه مع القيادة الصهيونية قبل شهر مايو/1948م وبغض النظر عن الانقسامات فيما بين الدول العربية فإنها بذلت جهوداً مماثلة لاحتواء الزعامة الفلسطينية ولمنعها من ممارسة أي خيار سياسي أو عسكري مستقل فقد ألّفت جامعة الدول العربية لجنة عسكرية خاصة للإشراف على المجهود الحربي في فلسطين ولم تكتف تلك اللجنة بإنشاء جيش الإنقاذ العربي اللا نظامي في مواجهة جيش الجهاد المقدس الذي أنشأته الهيئة العربية العليا بل عملت بالتنسيق مع الحكومات العربية على منع الآلاف من المتطوعين من الالتحاق بجيش الجهاد المقدس.
تجاهلت جامعة الدول العربية للأسباب نفسها التماسات شديدة قدمها الحاج أمين الحسيني في شهر فبراير/1948م يطلب فيها عدم تدخل الجيوش العربية النظامية في الحرب ويطالب بتعيين حاكمين عسكريين فلسطينيين على فلسطين([19]).
رفضت جامعة الدول العربية طلب الحاج أمين الحسيني الحصول على قرض لتغطية النفقات الإدارية للهيئة العربية العليا أدى تضارب مخططات الزعماء العرب ورغبتهم في عدم تسليم مقاليد الأمور السياسية إلى عدم التفافتهم إلى المقترحات الداعية إلى إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين يخضع لسيطرتهم([20]).
بدايةً فكر الحاج أمين الحسيني والهيئة العربية العليا في تأليف حكومة ظل في فلسطين في أوائل عام 1947م ورفعا التماسات مباشرة إلى جامعة الدول العربية لإقامة إدارة محلية في فلسطين وقد أيدت مصر وسوريا والعربية السعودية ذلك الطلب لكنها لم تكن مستعدة لتخطي المعارضة الأردنية والعراقية ولم يفت ذلك الموقف في عزيمة الهيئة العربية العليا التي دعت جامعة الدول العربية في شهر فبراير/1948م إلى إعلان فلسطين دولة مستقلة يوم 14/مايو/1948وهو اليوم المحدد لانتهاء الانتداب البريطاني كما أرادت الهيئة تأسيس مجلس وطني وأوعزت إلى الموظفين الفلسطينيين في الإدارة المدنية البريطانية أن يكونوا على أهبة الاستعداد لاستئناف عملهم في ظل حكومة جديدة عربية إلاّ أن الدول العربية رفضت هذه المقترحات رفضاً تاماً.
كان الضغط البريطاني أحد عوامل هذا الرفض بينما كان غموض الموقف العربي بما في ذلك الموقف المصري من أمين الحاج الحسيني عاملاً آخر وافق مجلس وزراء جامعة الدول العربية في شهر يوليو/1948 على إنشاء إدارة مدنية في فلسطين مؤلفة من عشرة أعضاء لكن ذلك جاء فقط بعد تعرض القوات العربية لهزائم قاسية في ميدان المعركة وترأس هذه الإدارة العضو الوحيد المتبقي في فلسطين من أعضاء الهيئة العربية العليا وهو أحمد حلمي عبد الباقي الحاكم العسكري للقدس.
كان القصد العربي الضمني من إنشاء الإدارة هو منع الملك عبد الله من ضم الأراضي التي تسيطر عليها قواته في أواسط فلسطين وأذعن مجلس وزراء جامعة الدول العربية لضغط الهيئة العربية المستمر([21]) فسمح للإدارة المدنية بإعادة تشكيل نفسها في 23/سبتمبر/1948 لتصبح حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي مجدداً ومقرها غزة.
عقدت هذه الحكومة بعد أسبوع من تأليفها جلسة لمجلس وطني تم اختيار أعضائه بالتعيين وأُعلن خلالها دولة ديمقراطية ذات سيادة على كل فلسطين وقد تجاوز هذا الإعلان كثيراً المقاصد العربية والمصرية لكن حكومة عموم فلسطين أصبح لها الآن الحق شكلياً في تعيين ممثليها في مجلس جامعة الدول العربية وفي الهيئات الأخرى التابعة لها وقررت حكومة عموم فلسطين خلال فترة وجودها في غزة والتي لم تدم أكثر من ثلاثة أسابيع إحياء جيش الجهاد المقدس أي القوات غير النظامية التي أنشأتها الهيئة العربية العليا قبل ذلك بعام واحد.
أرسلت حكومة عموم فلسطين وفداً رسمياً إلى الأمم المتحدة على الرغم من عدم اعتراف الأمم المتحدة بها وعلى الرغم من أنها لم تحصل إلا على اعتراف خمس دول عربية بها.
صدر القرار العربي بالموافقة على تأليف حكومة عموم فلسطين على الرغم من المعارضة الأردنية وكان الباعث عليه أساساً الرغبة العربية في مواجهة الملك عبد الله وبالقدر نفسه من الأهمية عكس القرار رغبة الحكومات العربية في التخلي عن مسؤوليتها تجاه فلسطين وحرصها على توفير الغطاء الذي يبرر انسحاب الجيوش العربية من فلسطين من دون إثارة احتجاج شعبي لكن بدء الهجوم الإسرائيلي في الجنوب في 15/أكتوبر/1948 أجبر القوات المصرية على الانكفاء إلى جيب صغير حول غزة وأدى عملياً إلى حسم مصير حكومة عموم فلسطين([22]).
كان مجلس الجامعة العربية قد قرر مجلس الجامعة العربية إنشاء إدارة مدنية لفلسطين ولكن معارضة الحكومة الأردنية حالت دون ذلك وفي 28/سبتمبر/1948 أي بعد الهدنة الثانية وبعد مقتل الوسيط الدولي برنادوت استطاع الحاج أمين الحسيني أن يصل إلى غزة.
كان انعقاد المؤتمر الوطني الفلسطيني في 1/أكتوبر/1948م قد أقر المجلس الوطني دستوراً لفلسطين حددت فيه السلطات كما يلي:
1- مجلس وطني ويتكون من ممثلي شعب فلسطين.
2- مجلس أعلى يتكون من رئيس المجلس الوطني ورئيس المحكمة العليا ورئيس الحكومة ويكون رئيس المجلس الوطني رئيساً له ويقوم هذا المجلس بوظيفة رئيس الجمهورية أو الملك إذ يدعو لانعقاد المجلس الوطني ويكلف من يراه مناسباً لرئاسة الدولة ويصادق على تشكيل الوزارة.
3- الحكومة وتكون من رئيس وأعضاء يسمون وزراء.
4- مجلس الدفاع ويتكون من رئيس المجلس الوطني رئيساً ورئيس الحكومة ووزير الدفاع.
تم اختيار الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا رئيساً للمجلس الوطني وأحمد عبد الباقي رئيساً للحكومة وبعض وجوه الحركة الوطنية مثل جمال الحسيني وعوني عبد الهادي وحسين الخالدي وزراء وتم إبلاغ الحكومات العربية وجامعة الدول العربية بإنشاء حكومة عموم فلسطين ([23]).
كانت العواصف تجري بما لا تشتهي السفن فلقد عقد مؤتمر في عمان برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي ومشاركة عجاج نويهض وآخرين واستنكر فيه مؤتمر غزة وبويع الملك عبد الله ملكاً على ما تبقى من فلسطين وبرر عجاج نويهض منظم المؤتمر إن الهدف منه كان حماية ما تبقى من فلسطين بضمه إلى شرق الأردن وفي 5/أكتوبر/1948 طلبت الحكومة المصرية من الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الوطني والمجلس الأعلى مغادرة غزة إلى القاهرة للتباحث في بعض الأمور فرفض وأُستدعيّ في اليوم التالي إلى مقر الحاكم الإداري المصري في قطاع غزة لمحادثة النقراشي باشا رئيس الوزراء المصري تلفونياً وهناك أفهمه النقراشي باشا بضرورة المجيء إلى القاهرة فوافق خشية أن يحدث صدام بين القوات المصرية وقوات المناضلين ولم يُسمح له مغادرة مقر الحاكم الإداري إلا إلى القاهرة.
عُقد في 1/ديسمبر/1948 مؤتمر آخر في أريحا برئاسة الشيخ محمد الجعبري بويِع فيه الملك عبد الله وأعلنت الوحدة بين بقايا فلسطين وشرق الأردن وتم استبدال الإدارة العسكرية بالحكم المدني الذي مركزه عمان في شهر مارس/1949م وتم تعيين فلسطينيين في مجلس الوزراء الأردني في مايو كما شارك الفلسطينيون في الانتخابات العامة لمجلس نيابي جديد في شهر إبريل/1950م.
وافق مجلسا النواب والأعيان في 24/إبريل/1950 على مشروع قانون الوحدة تم بموجبه إلحاق الضفة الغربية بالحكم الهاشمي وقد احتج خصوم الملك عبد الله العرب بشدة على ذلك القرار وفي غزة بقيت حكومة عموم فلسطين على الرغم من رفض مصر لقرارات مؤتمر أريحا حبراً على ورق([24]) لكن الدول العربية أبقت على مقاطعة حكومة عموم فلسطين التي استبعدت باستمرار عن اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية خلال الأعوام اللاحقة على الرغم من شكواها المرة تلو الأخرى.
صدمة الهجرة والتهجير
كان ثمن انتصار الحلفاء بنهاية الحرب العالمية الثانية أن دفع الشعب الفلسطيني ثمن العالم الجديد الذي تشكل بعد لقاء يالطا وأصبحت قضية فلسطين ضحية الحرب العالمية الثانية وضاعت قضية فلسطين في أدراج الأمم المتحدة والقمم والاجتماعات الدولية والعربية واعتبرت الولايات المتحدة بلسان وزير خارجيتها جون فوستر دالاس أن الشعب الفلسطيني سيندثر تحت أقدام الفيلة وأن الكبار منه سيموتون والصغار سينسون.
إن صدمة الهجرة والتهجير حولت شعب فلسطين إلى سكان خيام ومخيمات سواء فوق أرضه أو في دول المهاجر([25]) فقد انقلب الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتحطم وعاش شعب فلسطين حياة الذل والقهر تحت حكم الدول العربية وذاق حياة البؤس والتشرد والشتات وذوبان الهوية الفلسطينية وكانت الظروف مناسبة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لقيام الكيان الإسرائيلي فالجيوش العربية هزيلة مفككة لا حول لها ولا قوة والأنظمة العربية متداعية تدور في فلك الاستعمار الإنجليزي أما اليهود فقد ملكوا المال والسلاح والرأي العام العالمي المؤيد لباطلهم والعالم الأوروبي الخارج من آلام الحرب العالمية الثانية الذي كان يشغله بترول الشرق الأوسط لأن البترول العربي في حساباتهم أهم من القضية العربية وأما قضية فلسطين وأهلها فلا تهمهم لا من قريب ولا من بعيد.
إن أهم القضايا التي كسبتها إسرائيل هي الرأي العام العالمي فإسرائيل عرفت كيف تخاطب كل دولة في العالم بلغتها وثقافتها فالرأي العام كلمة فضفاضة وقوة غير ملزمة فاهتمام الرأي العام العالمي اليوم في القضية يتغير في كل لحظة وينتقل إلى قضية أخرى وقد استثمرت إسرائيل هذا الوضع فالرأي العام كان في فترة الثلاثينات والأربعينات مركز ثقله أوروبا وعندما ظهرت قوة أمريكا انتقل اليهود وركزوا جل انتباههم على الرأي العالمي الأوروبي والأمريكي أما نحن كعرب وفلسطينيين فقد خاطبنا الرأي العالمي الأوروبي والأمريكي متأخرين وبوسائل تقليدية ولم نستطع أن نكسب الرأي رغم أننا أصحاب الحق ولكننا لا نملك أسباب القوة المادية والعسكرية والإعلامية وإن أوروبا بعد فقدانها السيطرة في الشرق الأوسط أصبح كل اهتمامها قضية البترول العربي وقضية الشراكة في البحر الأبيض المتوسط.
استثمرت أوروبا علاقاتها التاريخية مع العرب في النشاط التجاري والاقتصادي ولا يقدر الأوروبيون أن يعطوا العرب إلا عبارات العطف والتعاطف في بيانات سياسية مقبولة لهم من حين إلى حين ولكن عندما تتعارض مع مصالح أمريكا فلا يقدرون إلا أن يقفوا معها.
هكذا سياسة أوروبا تم تخطيطها لتلائم مصالحها الاقتصادية فالأمر الأهم لها إمدادات النفط العربي وسلامة ميزان المدفوعات واستقرار التنمية وعدم زيادة البطالة والتضخم النقدي وارتفاع الأسعار والهجرة إليها.
إن المشاكل المتعلقة بكيان أوروبا كلها تجعل من حل قضية الشرق الأوسط جزءاً من سياساتها لضمان أمنها وأي حل يطرح دائماً يكون على حساب الشعب العربي وخاصة الفلسطيني وإن خلق إسرائيل تم بأيدي الأوروبيين الذين أنهوا مشكلة اليهود في أوروبا بأن زرعوهم في فلسطين وبدون أي حق أو أساس شرعي فالجريمة التي اقترفتها أوروبا في فلسطين هي التي خلقت مأساة الشعب الفلسطيني وشردته وحرمته من أرضه ووطنه وإن الساسة العرب لم يتعلموا أن السياسة هي حساب تكاليف خسائر وأرباح ولو عرفوا وتعلموا وقرأوا العلوم السياسية والتاريخ السياسي في منطقة الشرق الأوسط والأوروبي لأخذ العبر والدروس لما تجرأت أوروبا وأمريكا على الوقوف ضد المصلحة العربية ولكن لله سراً وحكمة في أن يظل الصراع الفلسطيني اليهودي قائماً إلى يوم الدين.
لقد أسهم الغرب كله في إيجاد دولة إسرائيل وأسهمت الدول العربية بدورها كذلك في إيجاد هذا الكيان المصطنع وذلك بصراعاتها وأنانيتها وخضوعها لأولئك الذين زرعوا بذور التفرقة وهكذا ضاعت فلسطين بين خلافات الحسيني والنشاشيبي وأنصار الملك عبد الله وبقيت النعرات العائلية والقبلية والعشرية وعملوا على إذابة الهوية الفلسطينية في البوتقة الأردنية وأصبح ما تبقى من فلسطين يسمى الضفة الغربية وقطاع غزة.
انتهت معارك فلسطين بتشريد أهلها وتحويلهم إلى جموع من المهاجرين لم تعد قضيتهم قضية شعب وأرض بل قضية إنسانية هي إطعام هؤلاء اللاجئين وإسكانهم ووضع قطاع غزة تحت الوصاية المصرية منذ البداية عملت الصهيونية على إفراغ القرى والمدن الفلسطينية من الشعب الفلسطيني بالاستيلاء على الأرض وتهجير السكان وقد ساعد دخول الجيوش العربية فلسطين وخلافات جيش الإنقاذ مع الهيئة العربية العليا وتقصير هذا الجيش وخيانته على إتمام المشروع الصهيوني أما مسرحية مذبحة دير ياسين وتآمر الأنظمة العربية على القائد عبد القادر الحسيني واستشهاده في معركة القسطل.
كانت هذه الإرهاصات سر بداية الطريق لضياع فلسطين فحيفا ويافا انتهى وجود الشعب الفلسطيني فيهما لخلافات الحاج أمين الحسيني والمعارضة التي كانت موجودة في هذه المدن وكان أهالي يافا وحيفا وهي مدن مشتركة يسكنها يهود وعرب يعتقدون أن حكومة الانتداب لن تنسحب من هذه المدن وكان هناك فريق كبير يؤمن أن الابتعاد عن الحاج أمين الحسيني يهيئ إلى إقامة دولة فلسطينية بجانب الدولة اليهودية وكان هذا التيار أجبن من أن يجهر برأيه خوفاً من رجال الحاج أمين الحسيني وإن مدينتي يافا وحيفا لم تسقطا بنيران الإسرائيليين ولكنهما سقطتا بنيران الخلاف والتقصير من أهلها والأنظمة العربية.
سقطت صفد والجليل الأعلى بسبب التخاذل من قِبل أديب الشيشكلي وقيادة جيش الإنقاذ ورغم وجود ضباط شرفاء في جيش الإنقاذ مثل عبد الوهاب العلي وهو قائد عراقي متميز عارضته اللجنة القومية ورئيس بلدية يافا الدكتور يوسف هيكل وصراعه مع أنصار الحاج أمين الحسيني ومعارضته واختلافه مع القائد حسن سلامة كل هذا أدى بعبد الوهاب العلي إلى الاستقالة وغادر هو ورفاقه مدينة يافا وبكى على فراقه أهل يافا كما اختلفت اللجنة القومية مع عادل نجم الدين قائد جيش الإنقاذ وعزلته وعينت مكانه ميشيل عيسى التابع للحاج أمين الحسيني بدلاً منه.
من أغرب الحقائق تلك الأيام أن أعلنت حكومة الانتداب عن بيع معسكر صرفند الذي يضم دبابات وأسلحة وقد رفضت اللجان القومية والهيئة العليا والجامعة العربية وأثرياء فلسطين شراء ذلك المعسكر وقد اشتراه اليهود واستخدموا أسلحته مباشرة في المعارك.
إن نكبة فلسطين بكل مآسيها لم تستطع أن توفق بين رؤساء العرب وملوكهم فالكل يعمل لتحقيق مصالحه وأفكاره السياسية فقد كان الملك الأردني عبد الله يعادي سوريا وقيادتها لأنهم أوقفوا مطامعه في إقامة سوريا الكبرى وكانت العداوة مستحكمة بين الأردن والسعودية بسبب العداوة التقليدية بين الأسرتين الهاشمية والسعودية وكانت العداوة بين الأردن ومصر بسبب التنافس التقليدي بين زعماء العالم العربي والأردن ولهذا تكونت عدة محاور في الدول العربية وهي: محور السعودية – مصر – سوريا ومحور اليمن – لبنان ومحور الأردن – العراق وقد استطاعت بريطانيا بمالها من نفوذ أن تجير لصالح سياستها السعودية والأردن والعراق أما اليمن ولبنان فكانتا من الضعف وضآلة الإمكانيات ولا وزن لهما على الساحة الدولية.
أما مصر فمنذ ابتليت بملكها فاروق وحاشيته الفاسدة وضعف أحزابها فكانت النتيجة هزيمة مصر وهو ما كانت تدبره بريطانيا لتدمير الجيش المصري واستغلاله لصالح بريطانيا وإهدار الحياة الحزبية المصرية وإفسادها وإبعاد مصر عن ميدان العروبة وذلك لتظل مصر وقناة السويس رهينة بيد الإنجليز وهذا هو حال الدول العربية السبع التي حاربت في فلسطين وخرجت من الحرب مهزومة صاغرة تلعق جراحات الذلة والهزيمة وتوقع مواثيق الهدنة.
كانت جامعة الدول العربية تهدف إلي تحجيم الحاج أمين الحسيني وتخطط إلى أضعاف نفوذه فلم تتوحد قيادة في فلسطين من رجال الحاج أمين ورجال الجامعة العربية فقد كان الحاج أمين يملك الرجال وجامعة الدول العربية تملك السلاح فكانت تعطي السلاح لمن تريد وتمنعه عمن تشاء فقد رفضت اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية في دمشق إعطاء الشهيد عبد القادر الحسيني السلاح وهو في أمسّ الحاجة له للدفاع عن القدس فاتجه الحاج أمين الحسيني إلى الملك فاروق وأقنعه بتزويده حاجاته من السلاح ليقف في وجه النفوذ الأردني والعراقي والسوري وحصل فعلاً على الأسلحة ووزعها على رجاله في فلسطين.
أما الأسلحة التي حصل عليها الحاج أمين من اللجنة العسكرية للدفاع عن حيفا فلم تصل إلى حيفا ووزعت على المناطق الأخرى وكانت حيفا بحاجة إلى أي قطعة سلاح لأن حيفا كانت مدينة غير موالية للحاج أمين الحسيني فحرمت من السلاح.
أما الملك عبد الله فكان رهينة لأوامر جلوب باشا قائد الجيش العربي الأردني الموجود في فلسطين وكان يتحرك بأوامر هذا القائد الإنجليزي الذي وعد الوجهاء الموالين للملك عبد الله بمدهم بالسلاح والمساعدات إذا وافقوا على حكم الملك عبد الله وكان لكل منطقة قائدان قائد من طرف الحاج أمين الحسيني وقائد من طرف جامعة الدول العربية.
كانت منطقة المثلث تحت قيادة فوزي القاوقجي وقيادة الجليل تحت قيادة أديب الشيشكلي ومرج بن عامر تحت قيادة شكيب عبد الوهاب والمنطقة الجنوبية والمرتفعات الوسط تحت سيطرة عبد القادر الحسيني ومنطقة جبال القدس والسهل الساحلي تحت قيادة حسن سلامة ومنطقة غزة تحت قيادة حسن سلامة بمساعدة طارق الإفريقي ومن سخريات القدر أن أول المهاجرين من فلسطين هم رجال الهيئة العربية العليا الذين غادروها فلسطين مع أهليهم قبل الحرب أما الأسلحة التي أرسلتها الدول العربية فهي قديمة وليس لها ذخيرة وهي أسلحة خفيفة للاستعمال الشخصي لا تنفع للاشتباكات ولكنها لإثارة المشكلات العائلية والعَشَرَية والحزبية([26]).
اللجنة العربية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين:
كان أعضاء هذه اللجنة على النحو التالي: الشيخ هاشم الخزندار والشيخ محمد ناجى أبو شعبان والمهندس عبد الحق عبد الشافي ونظمى الزهارنة ولقد هاجر الفلسطينيون بعد معركة القسطل ودير ياسين إلى مناطق أكثر أمناً وبدأ مسلسل الهجرة والخيانة في يافا واللد والرملة فهاجر أهلها إلى أسدود ثم إلى المجدل ومنها إلى غزة والضفة الغربية ومنافي الدول العربية وفضل أغلبهم أن يرحلوا عند أقاربهم وأنسبائهم في غزة والضفة ولكن مع تزايد الأعداد اضطروا إلى السكن في الجوامع والمدارس والمعسكرات البريطانية المهجورة والأراضي الخالية فنصبوا الخيام وأقاموا الأكشاك وقد قدم مواطنو غزة كل ما استطاعوا تقديمه من دعم مادي حتى أنهم أشركوهم الإقامة في منازلهم وتقاسموا معهم رغيف العيش وتكونت اللجنة العليا للإشراف على مساعدة اللاجئين لإخراجهم من دائرة الجوع والمرض والعذاب واليأس والإحباط([27]).
إن أهالي قطاع غزة لا ينسون موقف الشيخ هاشم الخزندار في حل مشاكلهم التي تتطلب تدخل الأعيان وأهل الخير فقد سخر نفسه لخدمة الفقراء والأيتام وأسر الشهداء والمنكوبين وبناء المساجد وعمل الندوات الدينية لتوعية الناس وإرشادهم لسبل الخير فمنذ عام 1948م لم يتردد لحظة واحدة في التطوع للعمل الاجتماعي فقد استقبل جموع اللاجئين الفلسطينيين حيث أنه كان عضواً في اللجنة العربية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين للإسهام في العمل التطوعي ابتغاء وجه الله ومرضاته.
قطار الرحمة 1954م: هب الشعب المصري وجاد بما لديه من مساعدات عينيه من مواد بناء وأغذية محفوظة وملابس وخيام وفراش وأغطية وعسل وسمن حتى لم يبخل هذا الشعب المعطاء بالكتب فقام الحاكم المصري بمساعدة اللجنة العليا للإشراف ومساعدة اللاجئين بالتعاون مع جمعية الإخوان المسلمين بتوزيع هذه المساعدات حيث كان اللاجئون في أشد الحاجة للمساعدة والإغاثة فقد باعوا الأثاث والفراش الذي جلبوه معهم من قراهم ومدنهم وباعوا مصاغ نسائهم لسد حاجاتهم اليومية وقد قامت حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة والتي كان مكتبها الإداري في سوق الزاوية قرب الجامع العمري الكبير بتوزيع المساعدات على المحتاجين من المهاجرين وكان الشيخ هاشم الخزندار والحاج صادق المزيني والشيخ محمد الغزالي لا يعرفون النوم ليلاً ولا الراحة نهاراً ويعملون بلا كلل على إيواء الناس وإطعامهم وتعليم أبنائهم وإعطاء الدروس الدينية والوطنية المتعلقة بنكبة الشعب الفلسطيني([28]).
الوضع الفلسطيني بعد توقيع الهدنة مع إسرائيل عام 1949
وقَّعت حكومات مصر وسوريا ولبنان والأردن في عام 1949 كلاً على انفراد اتفاقيات هدنة مع إسرائيل خلافاً لقرار التقسيم الجائر الذي أقرته هيئة الأمم وبذلك ثبتت على أرض الواقع دولة إسرائيل التي استحوذت على ثلاثة أرباع أراضي فلسطين واستولت كذلك على الأراضي التي خصَّها قرار التقسيم.
استحوذت الأردن على أراضي الضفة الغربية وأقامت مصر إدارة مصرية عسكرية في قطاع غزة وأدت آثار حرب 1948 إلى إنهاء دولة فلسطين التي نص عليها قرار التقسيم وأحلت محل التقسيم جديداً أدى إلى انهيار التكوين الاجتماعي الفلسطيني وإفلاس القيادة السياسة الفلسطينية وتشتيت الفلسطينيين وتدهور مستوى معيشتهم ووقوع الشعب الفلسطيني في أسر البطالة والفقر والمرض وقامت الدول العربية بوضع طوق حول عنق الفلسطينيين لإخماد حقهم وإنهائه في الكفاح من أجل استرداد فلسطين.
استمر الشعب الفلسطيني يناضل بشتى الأساليب من النضال السياسي بدون قيادته السياسية التي اندثرت إلى المقاومة المسلحة حتى جاءت عمليات حركة الإخوان المسلمين العسكرية المبكرة والتي تبنت الكفاح المسلح من بداية الخمسينات وخاض الشعب الفلسطيني الكفاح السياسي في هذه الفترة تحت عدة أسماء وتيارات.
كان هناك: حركة الإخوان المسلمين 1947 الحزب الشيوعي الفلسطيني في غزة 1951م الحزب الشيوعي الأردني 1951 القوميون العرب 1952 حزب البعث 1952 حزب الأمة وحزب التحرير الإسلامي والحزب الدستوري 1954 أما بالنسبة للعمل العسكري فقد قامت مصر بتشكيل وحدات فدائية فلسطينية للعمل داخل فلسطين المحتلة ومع توقف عمل هذه الوحدات وتجميد نشاطاتها العسكرية أدى إلى أن تقوم الطلائع الفلسطينية بالنشاط العسكري ليحل محل نشاط الوحدات الفدائية المتوقفة فالكفاح المسلح لم يتوقف منذ عام 1947م.
إن ابتدأ العمل العسكري عملاً فردياً أو مجموعات صغيرة مؤطرة داخل الأحزاب الموجودة على الساحة الفلسطينية والعربية فمنذ بداية عام 1953 بدأ العمل المسلح أكثر تنظيماً وتدريباً رغم القمع المستمر من الأنظمة العربية فقد قامت حكومة لبنان بإبعاد الفلسطينيين عن الحدود مع إسرائيل وقام المكتب الثاني بعمليات الاضطهاد والتعذيب والتضييق على اللاجئين الفلسطينيين من الحركة داخل القطر اللبناني وأصبح الخروج من أي مخيم يستلزم تصريحاً من المكتب الثاني.
شددت الأردن الأحكام الصادرة على الذين يضبطون أثناء دخولهم الأراضي المحتلة أو وهم عائدون منها ولقد كان هناك ضغط لقبول كل من مصر وسوريا والأردن عام 1953 لتوطين اللاجئين الفلسطينيين والتخلي عن القضية الفلسطينية والدخول مع إسرائيل في مفاوضات والاعتراف بها.
كان عجز الدول العربية وعدم رغبتها في تحرير فلسطين أدَّى إلى ممارسة أقصى أنواع القهر على الشعب الفلسطيني لمنعه من ممارسة حقوقه السياسية خشية جر الدول العربية إلى حرب ترفضها وتخشاها فقامت الدول العربية عبر أجهزتها الأمنية باعتقال جميع أفراد الأحزاب السياسية المختلفة سواء كانت قومية أم علمانية أم دينية إن المئات والآلاف الذين ناضلوا في هذه الفترة هم الطلائع الذين حافظوا على الهوية الفلسطينية وشكلوا القيادات المبكرة للكفاح المسلح ومنذ عام([29]) 1947 –1957م خرج الشعب الفلسطيني من حالة العدم الاقتصادي وتبلور شعور بالنقمة على الغرب ممثل في إنجلترا وأمريكا وبدأ عدد كبير من أبناء الشعب الفلسطيني باعتناق المذاهب الاشتراكية بعد خيبة أملهم في القيادات الفلسطينية التاريخية حاولت الولايات المتحدة عن طريق طرح مشروع أيزنهاور([30]) بهدف ملء الفراغ الذي تركه الغرب في الشرق الأوسط عام 1953 وقد صادق الكونجرس الأمريكي على هذا المشروع في 9/مارس/1953 وينص على مساعدة دول الشرق الأوسط على تنمية أحوالها الاقتصادية والعسكرية عن طريق اتخاذ تدابير عسكرية تشمل استعمال القوات الأمريكية المسلحة لضمان الكيانات الإقليمية والاستقلال السياسي للدول وحمايتها خاصة الدول التي تطلب هذا العون في سبيل مواجهة أي عدوان مسلح مكشوف من قبل أية دولة تسيطر عليها الشيوعية الدولية.
بناءً على ذلك فقد أعلنت الولايات المتحدة انضمامها إلى اللجنة العسكرية لحلف بغداد وكان هذا المشروع يتجاهل أسباب النزاع العربي الإسرائيلي وجوهرة قضية فلسطين فأيدته إسرائيل ورحبت به في حين عارضته مصر وسورية والاتحاد السوفيتي الذي نظر إليه بوصفه محاولة لإحلال النفوذ الأمريكي الاقتصادي والعسكري محل النفوذ البريطاني والفرنسي في الوطن العربي قدم الاتحاد السوفيتي مشروعاً مضاداً يتكون من ستة مبادئ تصلح أساساً لعلاقات الدول الكبرى مع بلدان الشرق الأوسط وتستند إلى تسوية النزاعات بالطرق السلمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن زج بلدان الشرق الأوسط في الأحلاف العسكرية وإزالة القواعد العسكرية وسحب الجيوش الأجنبية وحظر شحن السلاح وتنشيط التطور الاقتصادي دونماً شروط عسكرية ملحقة به إلا أن الولايات المتحدة رفضت هذه المبادئ.
مع صعود الاتجاه الناصري وتأميم قناة السويس وانتهاج مصر- عبد الناصر معاداة الإمبريالية وكذلك الصراع المفتوح بين نظام مصر عبد الناصر وبين نظام عبد الكريم قاسم في العراق الذي أنشأ فوج التحرير للمزايدة على النظام المصري والصراع العربي-العربي الذي اشتد من 1959 حتى1964.
أصبح العالم العربي مقسماً إلى دول تقدمية ودول رجعية دول تتبع المحور السعودي ودول تتبع المحور المصري أدَّى ذلك إلى منح حرية الحركة للفلسطينيين للوصول إلى قضيتهم وأخذ زمام المبادرة وخصوصاً بعد فشل شعار الوحدة طريق التحرير وفشل الوحدة المصرية السورية عام 1961 وانتصار الثورة في كوبا عام 1958 والثورة في الجزائر عام 1962 وثورة الشعب الفيتنامي على المحتل الفرنسي أدَّى إلى تقدم شعار حرب التحرير الشعبية وانطلاق حركة فتح 1965 .
كان الصراع العربي بين المحور المصري والمحور السعودي المتنافسين على الزعامة العربية قد أدى إلى طرح القضية الفلسطينية والمزايدة عليها فقامت العربية السعودية على لسان الملك سعود بن عبد العزيز بدعوة الفلسطينيين للعمل العسكري على طريقة الثورة الجزائرية لإحراج مصر وذلك بعد أن أعلن جمال عبد الناصر في غزة لأعضاء المجلس التشريعي بأنه لا يملك خطة لتحرير فلسطين مما أدى إلى إصابة الجماهير الفلسطينية التي كانت تؤمن بالناصرية بالخيبة لعدم جدية جمال عبد الناصر في العمل على تحرير فلسطين وكذلك عدم جدية السعودية في العمل على تحرير فلسطين ومن هنا انطلق الشعب الفلسطيني واتجه نحو الاستقلالية في العمل السياسي الفلسطيني.
كانت ساحة الكويت من أهم الساحات لخروج العمل السياسي الفلسطيني منها وذلك لأن الكويت تتمتع بقدر من الحريات يفوق أغلب البلاد العربية وتتمتع الجالية الفلسطينية بنفوذ اقتصادي كبير وعلاقات اجتماعية في الكويت وأن النظام الكويتي لم يكن من دول المواجهة ولا من المنتفعين بالقضية الفلسطينية.
قامت الدول العربية بإنشاء منظمة التحرير لقطع الطريق على القرار الفلسطيني المستقل بإنشاء منظمة واجهة للأنظمة العربية غير أنه مضت عشرات السنين من التشرد والضياع والقهر ومطاردة الأنظمة العربية للشعب الفلسطيني منذ عام 1947 حتى الوصول إلى العمل الفدائي واتخاذ الفلسطينيين زمام المبادرة كل هذا الوقت والتضحيات الهائلة التي قدمها الشعب الفلسطيني فقد استطاع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر حركة الإخوان المسلمين التي ظهرت إلى العلن بعد ثورة يوليو عام 1952 والحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة إسقاط مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين([31]).
جاء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1956 لتتشكل جبهة وطنية من الشخصيات الوطنية الفلسطينية والحزب الشيوعي و جبهة أخرى من الإخوان المسلمين والبعثيين تحت اسم جبهة المقاومة الشعبية التي تشكل منها مبكراً تنظيم حركة فتح توحدت الجبهتان تحت اسم الجبهة الشعبية بعد خروج الاحتلال في 7/مارس/1957 واستمرت هذه الوحدة بين التنظيمات الفلسطينية العاملة في قطاع غزة إلى عام 1959.
كان لحملة الاعتقالات التي تمت من قبل الإدارة المصرية على قيادات الإخوان المسلمين والمنتسبين لهم ومن بعدهم الحزب الشيوعي أثر كبير في تفكك هذه الجبهة وانتهاء وجودها وقد حاولت الإدارة المصرية إنشاء تنظيم بديل لكل التنظيمات والأحزاب سمي الإتحاد القومي في قطاع غزة كامتداد لنفس التنظيم في مصر إلا أن هذا التنظيم لم يكن له امتدادات داخل الحركة الشعبية في القطاع بسبب استبعاد هذا التنظيم لمعظم قيادات العمل الحزبي([32]).
الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة
اجتازت قوة إسرائيلية خط الهدنة في قطاع غزة 28/أغسطس/1953م من منطقة وادي غزة متجهة صوب معسكر البريج للاجئين بقيادة الإرهابي هاد مائير صهيون أحد أبرز تلاميذ أريل شارون وعند مدخل مخيم البريج انقسمت القوة إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة تضم أربعة إرهابيين دخلوا المخيم من الشمال والجنوب وانطلقوا داخل المخيم يلقون القنابل على الأطفال والنساء والشيوخ وهم نائمون واستمر القتل والذبح ثلاث ساعات انسحبت بعدها القوة المعتدية ونتيجة لهذا الاعتداء سقط خمسة وخمسون شهيداً ما بين طفل وامرأة وشيخ كبير وعشرات الجرحى.
كانت المنطقة العربية خلال النصف الأول من الخمسينات هدفاً للسياسة الاستعمارية الرامية إلى جر المنطقة إلى سياسة الأحلاف وتصفية القضية الفلسطينية بدمج اللاجئين وتوطينهم في سوريا ولبنان وشمال غرب سيناء بالإضافة إلى إقامة مشاريع مشتركة بين إسرائيل والعرب مثل مشروع تقسيم مياه نهر الأردن.
تعرضت مصر بعد ثورة يوليو لضغوط استعمارية مثل ربط الجلاء عن قناة السويس بالصلح مع إسرائيل وتوطين اللاجئين في شمال غرب سيناء والدخول في حلف بغداد لجأت إسرائيل إلى القوة كوسيلة للضغط من أجل أن تُقبل مصر لسياستها وقد تمثلت هذه القوة في مذبحة غزة حيث قامت عدة وحدات من جيش إسرائيل باجتياز خط الهدنة عند الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم 28/فبراير/1955م واتجهت وحدة نحو محطة مياه بئر الصفا واتجهت وحدة أخرى نحو المواقع المصرية بمحطة غزة للسكك الحديدية ورابطت وحدة ثالثة في الطريق المحتمل أن تسلكها النجدات وبث الألغام فيه وفي لحظة واحدة دوى الانفجار في محطة بئر الصفا للمياه وانطلقت نيران المدافع والرشاشات باتجاه معسكرات الجيش المصري([33]).
عندما تقدمت وحدة من القوات الفلسطينية وقعت في الكمين الذي نصبه الجيش الإسرائيلي أسفر وقوعهم في هذا الكمين عن مقتل خمسة وعشرين جندياً فلسطينياً وعدد كبير من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين.
قامت القوات الإسرائيلية في شهر إبريل/1955 بقصف بمدينة غزة في ساحة التاكسيات وشارع فهمي بك بقنابل المورتر التي راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد وكذلك العديد من الجرحى وكان من بينهم الشهيد رياض كامل الناظر ابن المرحوم الأستاذ كامل الناظر.
أما نتائجها فكانت:
1-انتفاضة شهر 18/فبراير/1955م في غزة التي قادتها الرموز الوطنية والتي كان من نتيجتها سقوط مشاريع التوطين والأحلاف العسكرية.
2-قيام الرئيس جمال عبد الناصر بشراء أسلحة من الكتلة الشرقية التي عرفت بصفقة الأسلحة التشيكية.
3-تشكيل قوة الفدائيين الفلسطينيين بقيادة مصطفى حافظ والتي استمرت في سبتمبر/1955م وحتى العدوان الثلاثي في أكتوبر/1956م([34]).
أغارت القوات الإسرائيلية في 15/إبريل/1956 على خان يونس وتم تدمير مركز شرطة خان يونس وتوالت الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة ففي نفس اليوم قامت قوة مدرعة من الجيش الإسرائيلي تقدر بتسع دبابات وعدد آخر من المجنزرات حاملة الجنود باجتياز خط الهدنة عند قرية خزاعة شرقي خان يونس مخترق قراها عبسان الصغيرة عبسان الكبيرة, بني سهيلا وصولاً إلى مركز الشرطة في قلب مدينة خان يونس حيث قام الجيش الإسرائيلي بتدميره تدميراً تاماً وعند مدخل خان يونس استشهد جميع أفراد مركز الشرطة ومن بينهم قائد النقطة حسن أبو اللبن وانسحبت الوحدة المدرعة بعد معركة غير متكافئة وكان حصيلة هذه الغارة ستة وثلاثين شهيداً وثلاثة عشر فلسطينياً بين جندي وشرطي ومدني([35]).
مشروع توطين اللاجئين: خضع قطاع غزة رسمياً بعد حرب 1948 لإدارة الحكومة المصرية في اتفاقية رودس عام 1949م وعُرفت بإدارة المناطق الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات المصرية بتكليف من جامعة الدول العربية وأصبحت مصر هي المسئولة عن قطاع غزة الذي أصبح عدد سكانه أكثر من ثلاثمائة ألف شخص منهم مائتا ألف لاجئ.
فاحت رائحة مؤامرة في بداية عام 1952م أن الأونروا والمجلس المصري الدائم للتنمية والإنتاج القومي اتفقا على إجراء أبحاث ودراسات لمشروع في سيناء لاستصلاح خمسين ألف فدان لتوفير السكن لأجل توطين اللاجئين الفلسطينيين وقد أخذت لجان حركة الأخوان المسلمين في غزة ومعها القوى الوطنية الأخرى على عاتقها التصدي لهذه المؤامرة وكان على رأس من ساهموا في إسقاط هذا المشروع الشيخ هاشم وآخرون من قيادات الأخوان المسلمين والقوى الوطنية مثل الشيخ أبو سمك من دير البلح وكذلك محمد يوسف النجار من رفح اللذين تعرضوا للاعتقال.
ظهر مشروع توطين اللاجئين في قطاع غزة الذي أُبرم بين الحكومة المصرية ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وكان هذا المشروع يهدف إلى توطين ستين ألف لاجئ في شمال غربي صحراء سيناء في منطقة مساحتها خمسة وعشرون ألف دونم بعد أن يتم إصلاحها وتوصيل المياه إليها من نهر النيل وحاولت أخذ موافقة رسمية من الحكومة المصرية على مشروع توطين سيناء وذلك بربط تنفيذ هذا المشروع بتمويل الحكومة الأمريكية لبناء السد العالي.
تصاعد الضغط العسكري الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لإجبار الحكومة المصرية على لموافقة على مشروع توطين اللاجئين في سيناء وكانت أحداث 28/فبراير/1955م هي المحرك لغضب الجماهير في قطاع غزة من رفح إلى بيت حانون وهذه المظاهرات هي التي أسقطت مشروع توطين اللاجئين تحالف الإخوان المسلمون بزعامتهم وقيادتهم مع الشيوعيين وفرض نظام منع التجول في قطاع غزة بأمر الإدارة المصرية([36]) واستمرت المظاهرات ثلاث أيام وطالبت قيادة المتظاهرين الحاكم الإداري:
1- إعلان إلغاء مشروع توطين اللاجئين في سيناء.
2- تدريب المخيمات الفلسطينية وتسليحها حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها لمواجهة الغارات الإسرائيلية.
3- محاكمة المسئولين عن أحداث القتل وإطلاق النار على المتظاهرين في ساحة فلسطين من مستشفى تل الزهور بلدية غزة حالياً.
4- إطلاق الحريات العامة أي حرية النشر والاجتماع والإضراب.
5- عدم المساس بحرية المتظاهرين وقياداتهم.
في هذه المرحلة التقى الإخوان المسلمون والشيوعيون رغم التناقض الفكري فمصلحة الوطن أقوى من كل المبادئ والخلافات ففي 28/فبراير/1955م هتف المتظاهرون ضد جمال عبد الناصر شخصياً ولم تحترم الإدارة المصرية تعهداتها واعتقلت عدد كبير من الإخوان المسلمين والشيوعيين والتي كانت شعاراتهم العودة العودة حق الشعب وجندونا تنقذونا ولا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان ولا شرقية ولا غربية يسقط حكم البيكباشية.
حققت المظاهرات إفشال مشروع توطين اللاجئين في سيناء وعلى الرغم من أن تنظيم الإخوان المسلمين تم حله وسجن بعض قيادته فقد ظل متماسكاً وموجوداً في قطاع غزة في هذه المرحلة التاريخية.
قاد تنظيم الإخوان المسلمين هذه المرحلة بالكامل ورضيّ بالتحالف مع الحزب الشيوعي وأُلقيت المسؤولية على كاهل حركة الإخوان المسلمين بكل كوادرها الطلابية والعمالية وقيادتها التاريخية وهذه المرحلة لم يكن بطلها واحد أو اثنين بل مئات وكان دور الشيخ هاشم بارزاً إن في التصدي لمشروع التوطين هو وزملائه من الإخوان المسلمين مثل: فتحي البلعاوي ومحمد يوسف النجار ومحمود مقداد والشيخ أبوسمك وآخرين ومن الشيوعيين: فخري مكي ومعين بسيسو ونمر هنية وعمر كحيل وسمير البرقوني وحسن أبو شعبان ووصل عدد المعتقلين حوالي سبعين شخصاً وسقط مشروع التوطين الذي كان نصه أن الحكومة المصرية تقدم الأرض في سيناء وأمريكا تدفع التكاليف ووكالة الغوث تنفذ المشروع لتصفية القضية الفلسطينية([37]).
جيش التحرير الفلسطيني: أعلن جمال عبد الناصر عن تشكيل جيش التحرير الفلسطيني وقد جاء ذلك الإعلان كنتيجة لسلسلة من الأحداث الخطيرة بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م ومحاولة إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية استمالة مصر بالدخول في حلف بغداد ومفاوضات سلام مع إسرائيل وتوطين اللاجئين في شمال غرب سيناء مشروع جونسون في مقابل الاستفادة من الشق الاقتصادي في مشروع أيزنهاور نظرية ملء الفراغ في الشرق الأوسط والربط بين الجلاء عن قاعدة قناة السويس وتوطين اللاجئين.
سار جمال عبد الناصر في الطريق المعاكس وهو طريق مقاومة الاستعمار ورفض سياسة الأحلاف والقواعد العسكرية واحتكار السلاح بالإضافة إلى دوره كأحد القادة المؤسسين لحركة عدم الانحياز في مؤتمر باندونج عام 1955م مما جعل إسرائيل صراحة والغرب ضمناً يلجئون إلى سياسة العنف والترهيب.
شنت إسرائيل عمليات إرهابية ضد قطاع غزة وتلك العمليات العسكرية الإرهابية التي كان من نتيجتها انتفاضة آذار عام 1955م في غزة وكسر احتكار السلاح وعقد صفقة السلاح التشيكي وإعلان الرئيس جمال عبد الناصر تشكيل جيش التحرير الفلسطيني قوات عين جالوت إلى جانب كتيبة مائة و إحدى وأربعين الفدائية الفلسطينية في غزة بقيادة مصطفى حافظ الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية بسبب العمليات الفدائية الجريئة التي كانت تقوم بها تلك الكتيبة بتخطيطه وتحت قيادته والتي استمرت حتى العدوان الثلاثي في شهر أكتوبر/1956م.
استمر جيش التحرير يؤدي دوره التعبوي والتنظيمي حتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م حيث أصبح يشكل مع جيش التحرير الفلسطيني في سورية قوات حطين وجيش التحرير الفلسطيني في العراق قوات القادسية نواة جيش التحرير الوطني الفلسطيني.
شارك جيش التحرير الفلسطيني في كل الحروب الإسرائيلية العربية بالإضافة إلى دوره في العمل الفدائي الفلسطيني وحماية الثورة ضد كل المحاولات التصفية على كل الساحات ومن كل الأطراف والاتجاهات([38]).
الشهيد مصطفى حافظ: بدأ الشهيد حياته العسكرية بالتحاقه بالكلية الحربية في مصر في شهر أكتوبر/1942م تخرج عام 1945م برتبة ملازم وعُين بسلاح الفرسان وفي مايو/1948م أُنتدب لسلاح الحدود برتبة ملازم أول ثم عُين حاكماً لبلدة بيت جبريل حتى عام 1949م ثم عُين حاكماً لرفح ثم نقل إلى محافظة البحر الأحمر مأموراً للغردقة في شهر أكتوبر/1952م.
أُنتدب إلى إدارة المخابرات مكتب مخابرات فلسطين إلى أن رُقي إلى رتبة صاغ عام 1954م وأُسندت إليه قيادة مكتب غزة وفي شهر مارس/1955م كُلف بالإشراف على كتيبة الفدائيين الفلسطينيين المعروفة بِ ك141 والتي قام أفرادها هذه الكتيبة تحت قيادته بالرد على ما قامت به العصابات الصهيونية من حوادث الاغتيال الفردي والاعتداءات على مواقع القوات العسكرية الأمامية وضرب السكان المدنيين من أهالي قطاع غزة([39]) وكان قد شكل عبد المنعم عبد الرءوف كتيبة ك11 والتي انبثقت منها كتائب حدود فلسطين ك143 وك144 وك145 وك146 بقيادة محمد يوسف العجرودي وكلفت هذه الكتائب بالدفاع عن رفح وخان يونس أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 والتي أعاقت تقدم القوات الإسرائيلية وعملت على حماية انسحاب الجيش المصري من سيناء.
كان الشهيد مصطفى كمال في عمان يستقبل الفدائيين الذين يتسللون من غزة إلى الضفة الغربية بعد أن ينفذوا عمليات ضد منشئات العدو الإسرائيلي وخطوط مواصلاته داخل الأرض المحتلة ويعيدهم إلى مصر من الأردن بالطائرة.
نتيجة لما قام به أفراد هذه الكتيبة من أعمال بطولية أصابت قلب العدو الإسرائيلي صعّدت إسرائيل اعتداءاتها ونوعت في وسائل استهداف العرب ولجأت إسرائيل إلى أخس وسائل الغدر والخيانة فأرسلت أحد مندوبيها يحمل طرداً محشواً بمواد شديدة الانفجار وذلك بتاريخ 11/يوليو/1956م حيث انفجر ذلك الطرد وأصيب مصطفى حافظ بجراح بالغة ورغم ما بذله الأطباء من محاولات لإنقاذ حياته إلا أن القدر قد نفذ باستشهاده في يوم الخميس الموافق 12/يوليو/1956م بالمستشفى في غزة عن عمر ناهز الرابعة والثلاثين عاماً.
أُستشهد مصطفى كمال بواسطة طرد ملغوم أرسل إليه إلى عمان أيضاً .
اعداد محسن الخز ندار
المراجع
1- عبد الله التل:كارثة فلسطين – القاهرة –صـ1-40
2- محمد فوزي وعمر رشدي: الصهيونية وربيبتها إسرائيل- الطبعة الأولى- مطبعة مصر- القاهرة 1963.
3- د. السفير حسين الشريف: فلسطين من فدر التاريخ إلى انتفاضة الأقصى وتوابعها 2003م- فلسطين من الصهيونية العالمية إلى قيام دولة إسرائيل- الجزء الثالث 2003- الهيئة المصرية للكتاب.
4- هالة الغوري : فلسطين كشف المستور في ما ألت إليه الأمور- مدبولي 1997- صـ259-279
5- محمد فوزي وعمر رشدي: " : الصهيونية وربيبتها إسرائيل ".
6- محمد حسنين هيكل: العروش والجيوش- الجزء الثاني- أزمة العروش وأزمة الجيوش- القاهرة 2002م. صـ20-32.
7- عاطف عدوان: محاضرات في تاريخ فلسطين الحديث 1987 –صـ 94- 102
8- كمال الدين حسين: فلسطين العربية- دار الكتاب المصري- القاهرة- الطبعة الأولى 1998- ص99 وما بعدها.
9- محمد صفوت: إسرائيل العدول المشترك- الطبعة الثانية- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة 1990- ص69 وما بعدها.
10- فيصل الحوراني: جذور الرفض الفلسطيني (1918-1948) المؤسسة الفلسطينية الديمقراطية- رام الله- فلسطين 2003 الطبعة الأولى.
11- عبد الله التل: " كارثة فلسطين "– ص75-95.
12- محمد حسنين هيكل: العروش والجيوش كذلك انفجار الصراع في فلسطين 1948- دار الشروق- القاهرة 1998- الطبعة الأولى- الجزء الأول- صـ440-445.
13- د. حسين الشريف: فلسطين من الصهيونية العالمية إلى قيام الدولة- الهيئة المصرية للكتاب 2003- الجزء الثالث- صـ769-818.
14- محمد محمود عوض الله: القضية الفلسطينية دراسة و إقتراحات للحل – دار الأرقم – غزة 2006-صـ89-100.
15- إميل الغوري : "المؤامرة الكبرى إغتيال فلسطين ومحق العرب"-الطبعة الأولى 1955 – ص200 وما بعدها.
16- عارف العارف: نكبة فلسطين والفردوس المفقود- الجزء الثالث- صـ703-711.
17- إبراهيم خليل سكيك: "غزة عبر التاريخ العمليات الحربية في الديار الغزية" –الجزء الخامس 1981–ص96-104
مذكرات عجاج نويهض- ص329.
18- رياض محمود الأسطل: الفلسطينيون الهوية السياسية و الانتماء الحضاري –ط1-1998م.
19- دكتور بهي الدين زيان: فلسطين العربية ذكرى النكبة 15/مايو/1948- مطابع دار الكتاب المصري- الطبعة الأولى 1958- صـ92-109.
20- اميل ثوما: "منظمة التحرير الفلسطينية" دار الإتحاد للطباعة والنشر- 1986م-ص15-21.
21- عوني جدوع العبيدي:"صفحات من حياة الحاج أمين الحسيني"-مكتبة المنار-الأردن –الطبعة الأولى1985 - ص 73-74.
22- جذور القضية الفلسطينية الدكتور أميل توما صـ257-291.
23- محمد عزة دروزة: "فلسطين وجهاد الفلسطينيين(1917-1948) الهيئة العربية العليا-فلسطين 1959 -ص 190-194-210-213.
24- الحاج أمين الحسيني: حقائق عن قضية فلسطين القاهرة ط2- 1956- ص 87.
25- عزت دراغمة: الفلسطينيون والطريق إلى فلسطين- مركز الضياء للدراسات الفلسطينية- القدس 1992- صـ13-24.
26-:إميل الغوري : "المؤامرة الكبرى إغتيال فلسطين ومحق العرب ص207-254
إميل ثوما : "منظمة التحرير الفلسطينية ص 15- 21
إبراهيم سكيك : غزة عبر التاريخ ص94-106.
27- معلومات مستقاة من الحاج بكر الخزندار والسيد خميس أبو شعبان
28- سعيد خليل المسحال :ضياع أمه – الرافد للنشر والتوزيع 1994-صـ11.
29- رياض على العيلة :تطوير القضية الفلسطينية – ط1 -1996-صـ153 وما بعدها.
30- عبد السلام أبو السعود: حلف بغداد- دار القاهرة- كتب سياسية 1957- صـ49 وما بعدها.
31- معين بسيسو: دفاتر فلسطينية- دار الفارابي- بيروت- الطبعة الأولى 1970 ص56 وما بعدها.
32- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ العمليات الحربية في الديار الغزية صـ161-165.
33- صفحات من مذكرات شاريت: ترجمة مفيد الديك- رابطة خريجي الجامعات الأمريكية 1983- ص99-106.
34- صالح مسعود: بونصير: "جهاد شعب فلسطين خلال قرن من الزمن" –الطبعة الثانية-وزارة الثقافة الفلسطينية- صـ56 وما بعدها.
35- إبراهيم خليل سكيك :" سلسلة تاريخ غزة" –الجزء الرابع-مطبعة الهيئة الخيرية1998-2003- صـ121-123
36- معين بسيسو: "دفاتر فلسطينية"- صـ56 وما بعدها.
37- الموسوعة الفلسطينية - المجلد الثاني - صــ116-122.
38- إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ الجزء السابع ص20-23.
39- أبو الحجاج حافظ: شهيد العروبة مصطفى حافظ- دار الحمامي للطباعة- القاهرة رئاسة الجمهورية- سلسلة شباب خالد
[1] عبد الله التل:كارثة فلسطين – القاهرة –صـ1-40
[2] محمد فوزي وعمر رشدي: الصهيونية وربيبتها إسرائيل- الطبعة الأولى- مطبعة مصر- القاهرة 1963.
[3] د. السفير حسين الشريف: فلسطين من فدر التاريخ إلى انتفاضة الأقصى وتوابعها 2003م- فلسطين من الصهيونية العالمية إلى قيام دولة إسرائيل- الجزء الثالث 2003- الهيئة المصرية للكتاب.
[4] هالة الغوري : فلسطين كشف المستور في ما ألت إليه الأمور- مدبولي 1997- صـ259-279
[5] محمد فوزي وعمر رشدي: مصدر سبق ذكره.
[6] محمد حسنين هيكل: العروش والجيوش- الجزء الثاني- أزمة العروش وأزمة الجيوش- القاهرة 2002م. صـ20-32.
[7] عاطف عدوان: محاضرات في تاريخ فلسطين الحديث 1987 –صـ 94- 102
[8] كمال الدين حسين: فلسطين العربية- دار الكتاب المصري- القاهرة- الطبعة الأولى 1998- ص99 وما بعدها.
[9] محمد صفوت: إسرائيل العدول المشترك- الطبعة الثانية- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة 1990- ص69 وما بعدها.
[10] فيصل الحوراني: جذور الرفض الفلسطيني (1918-1948) المؤسسة الفلسطينية الديمقراطية- رام الله- فلسطين 2003 الطبعة الأولى.
[11] عبد الله التل: مرجع سبق ذكره –ص75-95.
[12] محمد حسنين هيكل: العروش والجيوش كذلك انفجار الصراع في فلسطين 1948- دار الشروق- القاهرة 1998- الطبعة الأولى- الجزء الأول- صـ440-445.
[13] د. حسين الشريف: فلسطين من الصهيونية العالمية إلى قيام الدولة- الهيئة المصرية للكتاب 2003- الجزء الثالث- صـ769-818.
[14] محمد محمود عوض الله: القضية الفلسطينية دراسة و إقتراحات للحل – دار الأرقم – غزة 2006-صـ89-100.
[15] إميل الغوري : "المؤامرة الكبرى إغتيال فلسطين ومحق العرب"-الطبعة الأولى 1955 – ص200 وما بعدها.
[16] عارف العارف: نكبة فلسطين والفردوس المفقود- الجزء الثالث- صـ703-711.
[17] إبراهيم خليل سكيك: "غزة عبر التاريخ العمليات الحربية في الديار الغزية" –الجزء الخامس 1981–ص96-104
عجاج نويهض- ص329.
[18] رياض محمود الأسطل: الفلسطينيون الهوية السياسية و الانتماء الحضاري –ط1-1998م.
[19] دكتور بهي الدين زيان: فلسطين العربية ذكرى النكبة 15/مايو/1948- مطابع دار الكتاب المصري- الطبعة الأولى 1958- صـ92-109.
[20] اميل ثوما: منظمة التحرير الفلسطينية دار الإتحاد للطباعة والنشر- 1986م-ص15-21.
[21]عوني جدوع العبيدي:"صفحات من حياة الحاج أمين الحسيني"-مكتبة المنار-الأردن –الطبعة الأولى1985 - ص 73-74.
[22] جذور القضية الفلسطينية الدكتور أميل توما صـ257-291.
[23] محمد عزة دروزة: "فلسطين وجهاد الفلسطينيين(1917-1948) الهيئة العربية العليا-فلسطين 1959 -ص 190-194-210-213.ص 190-194-210-213.
[24] الحاج أمين الحسيني: حقائق عن قضية فلسطين القاهرة ط2- 1956- ص 87.
[25] عزت دراغمة: الفلسطينيون والطريق إلى فلسطين- مركز الضياء للدراسات الفلسطينية- القدس 1992- صـ13-24.
[26] راجع في ذلك كلاً من :إميل الغوري :مرجع سبق ذكره ص207-254 وكذلك إميل ثوما مرجع سبق ذكره ص 15- 21 كذلك إبراهيم سكيك : مرجع سبق ذكره غزة عبر التاريخ ص94-106.
[27] معلومات مستقاة من الحاج بكر الخزندار والسيد خميس أبو شعبان
[28] سعيد خليل المسحال :ضياع أمه – الرافد للنشر والتوزيع 1994-صـ11.
[29] رياض على العيلة :تطوير القضية الفلسطينية – ط1 -1996-صـ153 وما بعدها.
[30] عبد السلام أبو السعود: حلف بغداد- دار القاهرة- كتب سياسية 1957- صـ49 وما بعدها.
[31] معين بسيسو: دفاتر فلسطينية- دار الفارابي- بيروت- الطبعة الأولى 1970 ص56 وما بعدها.
[32] للمزيد راجع إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ مرجع سبق ذكره صـ161-165.
[33] صفحات من مذكرات شاريت: ترجمة مفيد الديك- رابطة خريجي الجامعات الأمريكية 1983- ص99-106.
[34] صالح مسعود: بونصير: "جهاد شعب فلسطين خلال قرن من الزمن" –الطبعة الثانية-وزارة الثقافة الفلسطينية صـ56 وما بعدها.
[35] إبراهيم خليل سكيك :" سلسلة تاريخ غزة" –الجزء الرابع-مطبعة الهيئة الخيرية1998-2003- صـ121-123
[36] معين بسيسو: مرجع سبق ذكره صـ56 وما بعدها.
[37] الموسوعة الفلسطينية - المجلد الثاني - صــ116-122.
[38] إبراهيم خليل سكيك : غزة عبر التاريخ الجزء السابع ص20-23.
[39] أبو الحجاج حافظ: شهيد العروبة مصطفى حافظ- دار الحمامي للطباعة- القاهرة رئاسة الجمهورية- سلسلة شباب خالد.
8 من الزوار الآن
916820 مشتركو المجلة شكرا