Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الأمنية > في تاريخ أجهزة أمن الثورة

10 نيسان (أبريل) 2015

في تاريخ أجهزة أمن الثورة

إن البحث في تاريخ ونشأة المخابرات الفلسطينية مسألة معقدة وصعبة, لعدة اعتبارات أهمها فقدان المصادر المنشورة من كتب أو دراسات, وأبحاث متعمقة في المكتبات, والمراجع رغم الكتابات العديدة عن تاريخ الثورة الفلسطينية ونشأة حركة فتح, ولطالما ابتعد الباحثون عن الكتابة في هذا المجال الذي يعتمد على شهادات قادة وكوادر جهاز الأمن الفلسطيني, لطبيعة تكوينهم وعمل الذي كان يقتضي السرية والكتمان.

- جهاز الأمن بالفترة ما بين 65-1967

مع انطلاقة فتح في العام 1965 كان التركيز ينصب على تشكيل الخلايا العسكرية, ومحاولة لبناء تنظيم بناء حركي, هدفه إمداد الجهاز العسكري بعناصر قتالية, وجمع الأموال, وتنظيم الأفراد, وكتابة الأدبيات, أما مهام الأمن, فكان من مهام كافة أعضاء الحركة, في فترة اقتضت السرية التامة والكتمان الشديد لنشاط الحركة في كافة المجالات, وكلف المختار صبري(بعباع) وزكريا عبد الرحيم بمهام أمنية وليس بتشكيل جهاز مركزي للأمن, فتولى المختار صبري- رحمه الله- بمهمة الاتصال بالسلطات الأمنية السورية (حيث يقيم) وكلف زكريا عبد الرحيم بالعديد من المهام الأمنية لحماية التنظيم من الاختراقات, ومع نهاية هذه الحقبة القصيرة كلف أبو اللطف(فاروق القدومى) بتشكيل جهاز أمنى للحركة لكن ذلك لم يدم طويلاً وحيث لم يتفرغ عاماً لهذه المهمة.

- الفترة ما بين 1967-1970

مع انتهاء حرب 1967, بدأت حركة فتح بتثبيت هيكلها التنظيمي, وتوزيعها مهامها على أعضاء اللجنة المركزية, بعد أن تفرغ العديد منهم للعمل الحركي, أسندت اللجنة في إحدى اجتماعاتها مهمة تشكيل جهاز أمنى أطلق عليه "الرصد الثوري" إلي أبو اياد(صلاح خلف) ولعل كراهية قيادة الحركة لاسم" مخابرات" نابع من الحقبة التي واجهتها الحركة في البدايات ومن قبلها, من أجهزة المخابرات العربية, من مطاردة وملاحقة واعتقال ورصد لنشاطها, مما شكل بغضاً لتسمية الجهاز "المخابرات" واختير اسم" الرصد" تعبيراً عن مهمته الوقائية للدفاع عن الثورة وليس الدور التعرضى الذي تقوم به أجهزة المخابرات في تلك الحقبة, أبو اياد(صلاح خلف) قام بنفسه باختيار مجموعته القيادية لقيادة جهاز الرصد من تنظيم فتح في مصر والكويت والسعودية وسوريا, ووضع على رأس الجهاز على حسن سلامة(أبو حسن) كنائباً به وأبلغنا فيما بعد أن هانى الحسن كان نائباً أول لكنه لم يشارك في بناء الجهاز لأسباب محورية.
تشكلت المجموعة الأولى اذاً من أبو حسن سلامة (ابن الشهيد الشيخ حسن سلامة) وكان يعمل مع احمد الشقيرى في م.ت.ف بالكويت,ومحمد عودة (أبو داوود) وكان يعمل مدرساً في السعودية وكان أكثرهم تثقيفاً وفكراً ومجموعة من الطلبة الجامعيين من تنظيم فتح في مصر وهم مهدى بسيسو(أبو على) وفريد الدجانى(أبو رجائي) وسفيان الأغا(أبو مجيد) وقد برعوا في العمل التنظيمي والطلابي . وأضيف لهم صديقهم فخري العمرى,.

واكب تشكيل هذه النواة الأولى, بدأ العلاقات بين الرئيس جمال عبد الناصر وبداية علاقات أساسية مع جهاز المخابرات المصرية الذي تلقى توجيهات من الرئيس عبد الناصر بالتعاون وتقديم المساعدة لحركة"فتح" فكان طلب أبو اياد بدورة لنواة جهازه الأمني"الرصد" تتولاها المخابرات العامة في مصر, واستمرت حوالي ثلاث أشهر, تم فيها اخذ محاضرات على كيفية قيادة الجهاز الأمني, وقواعد الأمن, والمكافحة, وجمع المعلومات وتحليلها, وغيرها من الدروس الأمنية, وتولى التدريس نخبة رائعة في جهاز المخابرات المصرية, وفى هذا السياق تم تشكيل مكتب للمخابرات المصرية في عمان أحد مهامه الأساسية العلاقة الأمنية مع الأمن الفلسطيني وتقديم الخبرات والمشورة, وكلف محمد نجيب جويفل(أبو عاصم) يترأس المندوبين ونائبه محمد عبد السلام(المحجول) محافظ الإسكندرية. وكانا شخصيتان غاية في الصدق والإخلاص والأمانة والمهنية, وإضافة لذلك حبهم لفلسطين الذي فاق كل حد من خلال دعمهم ونصائحهم وتقديراتهم ووفائهم. وفى الفترة التي أرسل أبو اياد نواته الأولى إلى القاهرة للتدريب حضر إلى بيروت باحثاً عن كادر ليتولى مسئولية الأمن في لبنان, حيث كلف أبو أياد ببناء جهاز للأمن" الرصد الثوري" وطلب من نزار عمار تشكيل جهاز الرصد في لبنان ليكون أحد أذرع الجهاز المركزي لحين عودة النواة القيادية للجهاز من دورة القاهرة.

ومع انتهاء دورة القاهرة. شكل أبو اياد أول قيادة لجهاز الرصد الذي أسماه فيما بعد" الرصد المركزي" من خريجي هذه الدورة العتيدة, بقيادة أبو حسن سلامة, الذي كان قائداً متميزاً بكل المعاني والمقاييس, وصل أبو اياد في نهاية العام 1967. كان الكادر القيادي ضئيل العدد, والمهام جسام, لذا سعى أبو اياد فور عودة الدورة الأولى على تشكيل الفريق الثاني لكادر الرصد وأرسلهم إلى الدورة الثانية في مصر, كانت هذه النخبة الممتازة التي تم اختيارها بدقة متناهية, الأعمدة الأساسية التي بنى عليها جهاز الرصد حيث تحملت مسؤوليات غاية في الخطورة والحساسية والتنوع, رأس هذه المجموعة غازي عبد القادر الحسيني, ويحيى بسيسو, وسمير السكسك(أبو خميس) وباسل(أبو العبد) وأبو حسن خيري الذي استشهد فيما بعد في مجموعة ليماسول المجيدة , وكان أبرزهم غازي الحسيني بصدقه وأمانته وتضحيته وتفانيه, كان قياديا أمنىا كفؤ,ا ومقاتلا شجاعا ومقداما.

قامت قيادة الجهاز بوضع هيكلية للجهاز, دوائر وأقسام وفروع ومناطق وأسندت المهام لرجال" الدورة الثانية" وأثبتوا شجاعة وإقدام لا مثيل لها وتفانى في العمل الأمني المحترف, وبالمحصلة وقد نجح هذا الجهاز في مد القيادة بأدق وأثمن المعلومات السرية, وأطلقها على تفاصيل المخططات والمؤامرات التي كانت تدبر لها, وكشف العديد من محاولات الاغتيال والتصفيات التي خططت ضد قيادتهم, كما قامت دائرة مكافحة التجسس بحماية الحركة من محاولات الجهاز الأمني الإسرائيلي اختراق صفوف الحركة وقواعد الفدائيين. وحماية الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من التقارير الكيدية التي كانت نصل إلى الجهاز عن العملاء والمتعاملين مع الموساد والشاباك, والتي كانت تصل للجهاز بالمئات ومرجعها نزاعات عائلية أو قبلية أو مصلحية.

وكانت مهمة الجهاز فرز التقارير الكيدية واستدراج العملاء إلى الأردن, وكان للجهاز دوراً في تصفية كافة المنظمات الفلسطينية التي أنشأتها أجهزة المخابرات العربية للقيام بأعمال مسيئة للنضال الفلسطيني وضرب العلاقة بين فتح والشعب الأردني كما تولى الجهاز العلاقة الأمنية بين فتح والمنظمات الفلسطينية التي تشكلت منها م.ت.ف .

ولا يمكن أن نتجاهل دور الجهاز في معارك أيلول, فقد قاتل رجاله جنباً إلي جنب مع كافة مقاتلي الثورة الفلسطينية واستشهد واعتقل منهم الكثير, بينما اعتقل قائد الجهاز أبو اياد ومن بعده أبو داوود, ومع الانتقال من الأردن إلى سوريا والأردن بعد أحداث أيلول وتوابعها, بدأ نقداً لاذعاً موجهاً ضد الجهاز في المجلس الثوري لحركة فتح, وتم تجميد رئيسه أبو حسن سلامة , لقد أدت المحورية والصراعات الداخلية حول أسباب الهزيمة في الأردن إلي تحميل الجهاز وقيادته جزءاً من المسؤولية بادعاء انه كان يمارس العنف والهيمنة والتسلط داخل الحركة, الأمر الذي أدى إلى حل جهاز الرصد . وتولى عاطف بسيسو الجناح العسكري لجهاز الأمن وقام بمجهود يشهد له من تجهيزه بعناصر مختارة منضبطة وتزويده بالسلاح والمعدات. لكن اللجنة المركزية ارتأت تشكيل جهاز أمن مصغر برئاسة حمد العايدى بمعاونة غازي الحسيني, لم يدم هذا الجهاز فترة طويلة حيث كلف هايل عبد الحميد (أبو الهول) بتشكيل جهاز الأمن المركزي, وتولى أبو اياد تشكيل جهاز الأمن الموحد الذي يفترض أن يجمع كافة أجهزة أمن المنظمات الفلسطينية(م.ت.ف) وشكل الرئيس عرفات جهاز أمن الرئاسة(17) وكلف أبو حسن سلامة بقيادته, عملياً استقطب أبو اياد كوادر وعناصر الرصد القدماء, وفيما بعد استعان بصخر بسيسو وأمين الهندي وكانا من القيادات البارزة في الاتحاد العام لطلبة فلسطين, ولم يدم صخر بسيسو في عمله الأمني طويلاً وانتقل سفيراً في يوغسلافيا, بينما أصبح أمين الهندي عضواً في قيادة الجهاز.

تركيز أبو اياد على العمل في الساحة الأردنية, انطلاقاً من سوريا ولبنان, وأنشأ دائرة "شؤون الأردن" وأسند قيادتها إلي أحد الكوادر الأساسية وهو "قدري" وقام أبو اياد بالتخطيط لعملية تستهدف الملك حسين في عمان قادها أحد قيادي الرصد محمد عودة (أبو داوود) الذي اعتقل ومجموعته في عمان وحكم عليه بالإعدام إلى أن أصدر الملك حسن عفواً عنه, وعرض عليه أن يكون وزيراً في الأردن, لكن أبو داوود رفض العرض وسبق ذلك محاولة من أبو اياد لاغتيال وصفى لكن المجموعة التي أرسلها أبو يوسف النجار بقيادة أبو العز علناً من استباق مجموعة أبو اياد والوصول إلي التل واغتياله في القاهرة.

وعندما قام بعمليات أيلول الأسود الشهير حيث قاد بنفسه نقل الأسلحة التي استخدمها المنفذون في عملية ميونخ وأرسل أحد قيادي جهازه الأمني الأخ أبو داوود للإشراف على التخطيط والاستطلاع والإشراف الميداني على عملية ميونخ, ومن بعدها عمليات متعددة لمنظمة أيلول الأسود التي شارك فيها كوادر شابة من الأمن الموحد, وعندما اتخذت اللجنة قراراً بوقف تلك العمليات التزم أبو اياد لهذا القرار، وتم توزيع عناصره وضمها إلى العمل داخل تنظيم فتح.

قام جهاز الأمن الموحد في لبنان بواجبه الأمني في جمع المعلومات وتجنيد المندوبين ومكافحة الاختراقات من الأجهزة المعادية وحماية الثورة من الداخل والخارج بكل كفاءة وقدرة وفاعلية, حتى أنه أقام شبكة من المندوبين للحصول على المعلومات داخل الضفة والقطاع وتزويد القطاع الغربي بها وابلاغه بقوائم العملاء الذين يحاولوا الاندساس في تنظيمنا بالداخل والخارج وكشف العديد من شبكات التجسس.
ولم يكتفى هذا الجهاز بمهامه الأمنية فقد قاتل كوادره وعناصره في التصدي للاجتياح الإسرائيلي في العام 1982بكل شجاعة وتضحية واستشهد وأسر في أنصار العديد منهم ولم يستسلموا جنبا بجنب مع مقاتلي الثورة الفلسطينية.

- الفترة ما بين 1982-1992
مع انتقال م.ت.ف بمنظماتها وأجهزتها الأمنية إلي تونس, تغيرت مهام الجهاز الأمني وتبدلت أولوياته, واعيد تشكيل قيادته, وعمل برأسين أحدهما الأمن الموحد بقيادة أبو اياد والآخر الأمن المركزي بقيادة هايل عبد الحميد(أبو الهول) وعلى الرغم من مساعي الجهازان للإبقاء على صلة بالساحة اللبنانية على مدى عشر سنوات وأكثر , إلا أن بعد المسافات وتبدل الأولويات جعل النشاط الأمني يفقد قدراته تدريجياً على هذه الساحة, وجرى التركيز على تعزيز وتوثيق العلاقات مع الأجهزة الأمنية الخارجية والعربية تعزيز المكانة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وانشغل في ملاحقة التنظيمات والتي بذلت جهودها ونشاطها وسخرت علاقاتها ببعض الأنظمة العربية لمطاردة واغتيال قادة وكوادر الثورة, وأحداث الانقسامات داخلها والقيام بعمليات إرهابية أساءت لمنظمة التحرير ووضعتها في قوائم الإرهاب لدى العديد من الدول الغربية.

كانت منظمة أبو نضال أبرز هذه المنظمات التي عمل أبو اياد والكادر القيادي الذي عمل معه على تدميرها وأحداث الانشقاقات داخلها , لدورها في قتل العديد من الكوادر القيادية الفلسطينية, وكان لعاطف بسيسو دوراً هاماً في هذه المرحلة لتنفيذ توجهات أبو اياد الجديدة, وعمل بجهود كثيرة على تعزيز العلاقات الخارجية التي أقامها أبو اياد مع الأجهزة الأمنية الأوروبية في مجال تبادل المعلومات والتزود بالخبرات وتعزيز القدرات(الشرقية والغربية) الأمنية للجهاز وشمل ذلك أجهزة الأمن في تونس والجزائر والمغرب, وساهمت هذه العلاقات الأمنية في تقديم التسهيلات للجالية الفلسطينية في تلك الدول, في مجال الإقامة والجوازات والمنح الدراسية, والحد من نشاط الموساد في تلك الدول أو بعضها, وبفضل جهود هذا الجهاز تم تفتيت منظمة أبو نضال التي كانت تتخذ من ليبيا مركزاً لها حيث تم إحداث شرخ في قيادتها فانسحب منها عضو قيادتها عاطف أبو بكر ولجأ إلي الجزائر وتبعه العديد من القياديين الذي كان أبو نضال(صبري البنا) يعتمد عليهم بشكل أساسي أمثال أبو نزار مما دفع أبو نضال إلي القيام بجريمته النكراء باغتيال أبو اياد وهايل عبد الحميد وفخري العمرى(أبو محمد). وسقطت الأعمدة الأساسية لجهاز الأمن الفلسطيني في فترة كانت الثورة في أشد الحاجة إليهم. وتلى ذلك قيام الموساد الإسرائيلي باغتيال الشهيد البطل عاطف بسيسو في باريس. وأسدل الستار عن حقبة هامة من تاريخ الأمن الفلسطيني, لتبدأ مرحلة جديدة, بانتقال الثورة إلي المناطق الفلسطينية , الضفة الغربية وقطاع غزة.

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

8 من الزوار الآن

916824 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق