الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > المقاومة والاعلام > الإستراتيجية الإعلامية للتحرير
الإستراتيجية الإعلامية للتحرير
من خلال استقراء السياق التاريخي لحروب التّحرير الوطنيّة نستنتج أن صناعة النصر والتّحرير تراكمية، بنائية تتكتل فيها الإنجازات المرحلية لتصل إلى حالة النصر وتحقيق التّحرير وجلاء المحتل، وأنَّ المقاومة تصلح كبرنامج لتحقيق مشروع البناء في مواجهة الضعف والخنوع والاستسلام أمام المحتل.
ومن هنا يبرز دور الإعلام الذي يعبر عن الأدوار التي تؤديها المقاومة المسلّحة لأجل تنفيذ الأهداف السياسية للتحرير، وأصبحت الإستراتيجية الإعلامية للتحرير بمكانة هامة بحيث باتت أحد أشكال الإستراتيجية الشاملة للتحرير والتي لا يمكن الاستغناء عنها في تحقيق أهداف التّحرير على المستوى الوطني والدّولي ودعم ثقافة المقاومة ومواجهة الإعلام المعادي المضاد.
مفهوم ودور الإعلام في التّحرير
أولاً: مفهوم الإستراتيجية الإعلامية:
في ضوء استقراء دور الإعلام في التّحرير وأهميته وجدت من المناسب وضع تعريف ملائم للإستراتيجية الإعلامية للتحرير هو:
(الإستراتيجية الإعلامية هي علم وفنّ استخدام الإعلام ووسائلهُ لتحقيق الأهداف السياسية للتحرير).
وتتضمن الإستراتيجية الإعلامية:
1- خطاباً تعبوياً للذات: لبناء الشخصية المقاومة للشعب.
2- خطاباً نفسياً للعدو: للتأثير في معنوياته.
3- خطاباً قانونياً وأخلاقياً وإنسانياً للرأي العام.
ثانياً: أهمية الإعلام:
للبعد الإعلامي في حرب التّحرير أهميّة بالغة باعتقادنا تأخذ الأبعاد التالية:
1- كشف انتهاكات وجرائم الاحتلال أمام أنظار الرأي العام الوطني والعالمي لكسب التأييد والتعاطف مع قضية التّحرير العادلة.
2- نشر صورة واضحة عن الفعل المقاوم على الأرض لرفع وتعزيز معنويات الشّعب (الحاضنة) والمقاتلين ويساعد على تطوع أبناء الشّعب في دعم وإسناد المقاومة وصولاً إلى كسر وثني إرادة الاحتلال (إدارة وشعب وجنود) وكشف نقاط ضعفهم في ساحة المعركة.
3- يساهم الإعلام في الدّفاع عن حقّ المقاومة ونشر مبادئ وثقافة المقاومة أمام محاولات الاحتلال وأجهزته الإعلامية التي تعتمد على التضليل والخداع.
ثالثاً: أهداف أعلام التّحرير
للإعلام أهداف في معركة التّحرير يمكن تحديدها بالاتي:
1- بناء أعلام مقاوم حديث ومتطور من حيث المنهج والوسائل المستخدمة (المرئية والمسموعة والمقروءة).
2- مواجهة وسائل الدعاية النفسية المعادية التي تهدف النيل من وحدة المقاومة وصمود الشّعب، وكشف أهداف الخصم وتعرية أغراضه.
3- نشر ثقافة المقاومة وبث روح المقاومة في نفوس الشباب.
4- توضيح الأهداف السياسية والوطنيّة للمقاومة وبيان أبعاد طبيعة الصراع.
5- إقناع أفراد الشّعب بالأسس والمبادئ التي انطلقت من أجلها المقاومة.
6- تغطية أنشطة المقاومة وعلمياتها العسكرية ومدى حرصها على تجنب إيقاع الأذى بالمدنيين
7- إبراز الدور الوطني في مواجهة حملات التشويه من الإعلام المضاد عبر تخصيص ساحات إعلانية موجهة في القنوات الفضائية الصديقة
الإعلام في المعركة
نظريات التأثير الإعلامي متعددة وتتفاوت في تقدير سلطة الإعلام وتأثيرها على الجمهور وأنماط التفاعل معه، ولكنها مجمعة على أنَّ الإعلام له سلطة فاعلة، وهو يعد من أهمّ قنوات الحوار الحضاري، والغزو الثقافي في كذلك، وفي الحرب أصبح أهم أدوات المقاومة المؤثرة.
لذلك على الوسط والإعلامي المقاوم أن يستخدم مزيجاً مركباً من نظريات التأثير الإعلامي بنماذجها المختلفة لتحقيقه أجندة المقاومة، وعلى الوسائل الإعلامية أن تعتمد في طرحها على العمق والشمولية والاستقصائية والتخصصية، وتكثيف والصراع بأنماط متنوعة مع تكرر التغطية وتحديدها زمنياً.
وينبغي للإعلام المقاوم أن يعمل باتجاهين هما:
الأول: تكثيف الرسائل الاتصالية التي تعزز الثقة بالذات وتعمل على تفكيك الرسائل الاتصالية المعادية مما تحمله من تضليل بهدف إضعاف القدرة الإدراكية للجهود المتعلقة بتشكيل الصورة الذهنية الصحيحة عن ذاته وعن العدو.
الثاني: العمل باتجاه العدو بهدف تشويش وهزّ الصورة الذهنية لديه، من خلال تكثيف الرسائل الاتصالية التي تتحدث عن حجم خسائره في المواجهة للتأثير على معنوياته، ولا ضير من استخدام العاملين الإنساني والأخلاقي لإقناع الرأي العام المعادي بعدم صلاحية القاعدة الأخلاقية والإنسانية والسياسية التي تتبناها حكومته.
وتتطلب الحرب الإعلامية الاعتماد على فنون التّحرير والتصوير في إطارين هما النصي والمصور ومراعاة الدقة والآنية، واستخدام تقنيات التأثير البصري، ولبناء الصورة الذهنية ينبغي بناء إطار سياسي ونفسي باعتماد خط إعلامي تصاعدي بأدوات اللغة المحكية والمقروءة، وبلغة الصورة المنتقاة المؤثرة.
الخطاب الإعلامي
الخطابات الإعلامية عدّة منها التعبوي والتحليلي والنفسي والأخلاقي والديني، وفي مخاطبة الذات يسود الخطاب التعبوي لأنه الأقدر على بناء الشخصية المقاومة للشعب، ولكن في سياق المعالجة الإعلامية المقاومة يلزم في أحيان كثيرة المزج بين الخطابات المتعددة حسب الحاجة وطبيعة الجمهور المتلقي واللحظة الزمنية التي يطرح فيها الخطاب.
مواصفات الخطاب الإعلامي:
ينبغي توافر في الخطاب الإعلامي للمقاومة والتّحرير مواصفات أبرزها:
1- الموضوعية وبناء المصداقية في إطار معرفي يستند على المعلومة الصادقة والمتزنة.
2- معرفة مفاهيم وثوابت المجتمع والقوى المؤثرة فيه.
3- تحرير الخطاب بشكل مناسب لأنّها العامل الرئيسي والمؤثر في إيصال مضمون الخطاب.
4- الابتعاد عن اللهجة أو اللغة الفئوية، وتغليب المصلحة الوطنيّة والقوميّة.
5- الابتعاد عن تكثيف الشعارات والهتافات لأن ذلك يحول الخطاب إلى إنشائي وتهريجي.
6- الحذر من مقولة الحيادية، لأنّ إعلام المقاومة ليس حيادياً، بل له قضية وطنية يدافع عنها.
7- عدم الاغترار باللغة التي تستخدمها نظرية «توازن الخطاب» بحجة الموضوعية وهي سائدة في الإعلام الرسمي، لأن الالتزام الوطني يستدعي الدّفاع عن القضية الوطنيّة.
8- عدم الإفراط في استخدام لغة الخطاب الإنساني، خشية تحول خطاب المقاومة إلى بكائي وحزين.
استخدام الشبكة العنكبوتية (الانترنت)
تعد شبكة الانترنت من أهم التطورات الاتصالية في العصر الحديث وهي تتطور بسرعة لتصبح وسيلة مهمة وواسعة الانتشار، وبالفعل أصبح العالم قرية صغيرة باستخدام هذه الشبكة، لذا فإن استخدامها في المقاومة الإعلامية وحركات التحرر الوطني أصبح ضرورة من ضرورات العمل المقاوم وديمومته.
إنَّ هذه الشبكة فتحت أمام قوى المقاومة الاتصال الواسع والسريع مع الشعوب وفتحت المجال لتشكيل حركات شعبية تسعى إلى تحقيق التّغيير أو تحقيق أهداف معنية، ويمكن أن يتم إدارة الحوار بين هذه الحركات عبر الانترنت، وهو ما يمكن يسهم بشكل كبير في زيادة وعي أبناء الشّعب والقدرة على التفاعل والمناقشة والتنظيم.
وشهدت هذه الشبكة أنشاء مواقع عديدة لحركات التحرر وفصائل وحركات المقاومة يجرى خلالها التعريف بتلك الفصائل ونشر البيانات التي تتضمن برامجها وأهدافها وتوثق فعاليات المقاومة المقرؤة والمصورة، فضلاً عن عرض انتهاكات وجرائم الاحتلال لاطلاع الرأي العام الدّولي والوطني وكسب تعاطفه.
لذا فإن حركة المقاومة والتّحرير ينبغي أن تستهدف إعداد الشباب والأجيال المقاومة لعصر ثورة الاتصال وإعداد الملايين من مستخدمي الانترنت وقادة الرأي.
وهناك الكثير من النماذج الناجحة لاستخدام الانترنت في المقاومة الإعلامية لعل أهمها التجربة الفلسطينية خلال سنوات الانتفاضة ، فلقد أستطاع الفلسطينيون داخل الأرض المحتلة وخارجها أن يستخدموا الانترنت لنقل أخبار الانتفاضة .
وكذلك المقاومة العراقية حيث استخدمت فصائل المقاومة هذه الشبكة عبر تأسيس مواقع لها للتعريف بأخبار ونشاط مقاومة ونشر المعلومات عن انتهاكات الاحتلال وتأمين الاتصال مع الرأي العام العالمي والعربي .
وفي ضوء ما تقدم يمكن أن نشدد على إن التحرير والمقاومة لابد أن تبنى على إستراتيجية شاملة بكافة فروعها وعناصرها المتعددة والمترابطة ومنها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والتي ينبغي توظيفها نحو تحقيق الهدف الهائي للتحرير.
ونحن إذ تناولنا الخيارات الإستراتيجية للتحرير في هذا الفصل فإنها تعد إطارا عاما للإستراتجية الشاملة للتحرير والتي يمكن اعتمادها كدليل وجزء متمم لاستشراف الحالة العراقية التي سنتناولها في الفصل الخامس اللاحق.
صباح نوري علوان
8 من الزوار الآن
916824 مشتركو المجلة شكرا