الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الفكر السياسي > الأنجزة والتطبيع الثقافي في فلسطين.. محاولة للفهم!
لم نكن نظن أن مقال “أكاديميات الأنجزة والتطبيع في رام الله”(القدس العربي /2/200924) سيثير كل هذا الفزع في أوساط أثرياء “المؤسسات الثقافية” و”الأكاديميات” في فلسطين المحتلة. كان همّنا تسليط الضوء على مرض ينهش المؤسسات الفلسطينية، ويسيء الى الثقافة الفلسطينية والبقية الباقية من روح المقاومة لدى شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية. مرض عناوينه الرئيسية الفساد المالي والإداري تحت ستار الأنجزة ومشاريع التطبيع الاسترزاقي. وأظن أن من محفزات المقال مقولةٌ نافذة للدكتور عادل سمارة حول أن بعض مؤسسات الأنجزة التي ظهرت بعد مشروع أوسلو أخطر على ثقافة الشعب الفلسطيني ووعيه من الاحتلال ذاته. ولم نتعمد تناول أشخاص بعينهم إلا بقدر ما كانت تسمية هؤلاء ضرورية لتشخيص الحالة، مع توفر قرائن مادية ووقائع موثقة يمكننا تقديمها بشأن ما أسماه البعض “اتهامات باطلة”، فنحن لا ننطلق وراء الشائعات، وتهمنا الحقيقة ولا شيء من وراء القصد سوى المصلحة العامة واعتبار السكوت عن الفساد الثقافي والتطبيع الارتزاقي مثله مثل التستر عليه والضلوع فيه.
وما هي إلا أيام ووصل “القدس العربي” ردٌ من مدير “أكاديمية فلسطين الدولية للفنون” تم نشره رغم ضعف منطقه، تفضلاً من صحيفة “القدس العربي” وبشفاعة أخلاقيات المهنة الصحفية التي تمنح حق الرد. تمنينا لو أن السيد خالد حوراني قد تحلى بقليل من الأمانة في رده، ولو أنه استطاع مواجهة ما كتبناه دون تمويه وتضليل. فباستثناء الهجاء الموجه لكاتب هذه السطور ووصفه بـ “نكرة لا يسمع به أحد” والدفاع المفضوح عن بعض من شطح به خياله الفني فسماهم “رموز الفن والثقافة في فلسطين”… لم يناقش صاحب الرسالة أو حتى يفنّد واحداً من “الاتهامات” التي أشرنا إليها في مقالنا.
لماذا آثر السيد خالد القفز عن “الاتهامات” والذهاب نحو عموميات ليست هي القضية بأية حال؟ ببساطة لأنها اتهامات صحيحة، ومبنية على وقائع يصعب عليه إنكارها أو تبريرها إن إضطر لمواجهة المعطيات التي أشرنا الى بعضها ولدينا الكثير منها في حال فتح نقاش. ولذلك استسهل الخوض في عموميات فضفاضة لتضييع الموضوع الأصلي الذي يتعرض لقضايا تندرج في خانة الفساد، واستغلال المال العام والتطبيع في المجال الثقافي والفني مع الكيان الإسرائيلي. وهو في رأينا تطبيع ارتزاقي لا يخدم سوى المصالح الاقتصادية للقائمين عليه، وإن عمل بعضهم تحت ستار المصلحة الوطنية. ومن يهمه فهم ظاهرة التطبيع والأنجزة في فلسطين المحتلة وتحليلها فيمكنه العودة لكتب ومقالات الدكتور عادل سمارة في هذا المجال.
وأطمئن السيد خالد أننا لا نختلف على بناء مؤسسات لخدمة الثقافة الوطنية، ولكننا نختلف حين تخدم هذه المؤسسات مصالح وأرصدة مجموعة صغيرة بدلاً من خدمة المجتمع كما ترفع في شعاراتها. نختلف حين يفتح البعض “معامل” للتطبيع الانتهازي الذي يعزز به البعض مصالحهم التمويلية، ويقتسمون فتات موائده غير المشرفة. ونستغرب أن يزاود علينا بالوطنية الفارغة ليخلص في النهاية، أن نقدنا لمجموعة من الظواهر المرضية ولبعض المفسدين قد “أضرت بالمشروع الوطني الفلسطيني”.. يا سلام! الجميع يعرف من الذين أضروا ويضرون بالمشروع الوطني الذي يقول السيد حوراني أن رموزه هم مقدم البرامج المخضرم السابق في التلفزيون الإسرائيلي، ومنسق المشاريع السابق في “متحف اسرائيل”، والذي اكتسب هناك خبرات تؤهله للعمل في “بينالي الشارقة” بدولة الإمارات العربية المتحدة! والفنان الضالع في كل مشاريع السلام مع اسرائيل التي يستفيد منها شخصياً ويدّعي دائماً أنها مشاريع لخدمة القضية، والذي كتب شهادة سرية ضد مجلة “الدراسات الفلسطينية” وضد زميل له انتحلت أكاديمية إسرائيلية أعماله، وكان محاميها الذي قدّم الشهادة أمام المحاكم الأمريكية والبريطانية، هو نفس محامي شارون الذي استعمله الأخير في قمع القضايا التي رفعت عليه من ذوي ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا! الفنان المحترم الذي يصفه السيد خالد بأنه رمز من رموز الثقافة الفلسطينية شهد ضد زميله الفلسطيني وضد مجلة “الدراسات الفلسطينية” لصالح محامي شارون والأكاديمية الصهيونية المنتحلة! (كانت هذه القضية موضوع الغلاف لجريدة الأخبار اللبنانية في 23-7-2008).
وبلغ الأمر بالسيد خالد أن بَجّلَ هؤلاء، وحاول أن يستقوي بلغة شعاراتية بالية للدفاع عنهم، حيث اعتبرهم من “رموز الفن والثقافة في فلسطين”، في وقت اتهمنا بـ”التشكيك في وطنية الناس” (أي رموز التطبيع والفساد) واعتبر هذا التشكيك “تعدٍ على فلسطين وهويتها الثقافية”، يا للهول! لا نستطيع أن نجد أوصافاً أفضل لهؤلاء الذين لا يهمهم سوى مراكمة أرصدتهم على حساب كل شيء. فاعذرنا يا سيد خالد إن جرحنا مشاعر المتعطشين للسلام والتعايش مع المحتلين!
وفي سياق رده المستهجن، اعتبرَ السيد مدير الأكاديمية نقدنا “اتهامات أضرت بالمشروع الوطني الفلسطيني”! والأضرار التي سببتها “اتهاماتي” هي غير الأضرار التي ألحقها جاك برزخيان بالمشروع الوطني الفلسطيني من خلال نشاطاته التطبيعية منذ أيامه في “متحف إسرائيل” بوصفه منشطاً فنياً، والتي لم تنقطع في إداراته الحالية لـ”بينالي الشارقة” و”مؤسسة المعمل” التي يبدو أنها تعد برامج تطبيعية جديدة بمناسبة “القدس عاصمة للثقافة العربية” عام 2009.
لا نعرف لماذا يورط السيد خالد حوراني نفسه بالدفاع عن هؤلاء، ألم يكن الأجدر به أن يوضح وضع الأكاديمية التي يديرها وأن يناقش أو يفنّد ما ذكرناه حولها وأن يعلن ميزانيتها وتوجهاتها بشفافية. على سبيل المثال هل أخذ وظيفته هو وبقية طاقم الأكاديمية بتنافس شريف واستحقاق أم بالقرعة، ومن الذي اختاره لإدارة هذه الأكاديمية وهل لديه مؤهلات كافية؟ ألم يكن الأجدر به توضيح موقف الأكاديمية التي يعمل بها بدلاً من محاولة التشهير بكاتب هذه السطور واستغفال القارئ بشعارات ومزايدات. الحمد لله أن قرّاء القدس العربي ليسوا من الواق واق والكثير منهم يعرف ما جلبه الفساد والسكوت عليه من نكبات وويلات بجانب الاحتلال.
ادعى السيد خالد بأنني “ألقي التهم جزافاً..” وأتعرض “للعديد من المؤسسات الوطنية والأفراد ومؤسسات السلطة الفلسطينية (سلطة أوسلو) بالقذف..”، اضافة إلى تعرضي “المغرض والذي ليس له أساس بحق عدد من المثقفين الفلسطينيين ومحاولة تشويه سمعتهم.. مثل جاك برزخيان.. جورج إبراهيم.. وسيلمان منصور”.
هل يجرؤ السيد خالد حوراني على إنكار ما ذكرناه في مقالنا، حول هؤلاء.. أوليس جورج ابراهيم من المذيعين الرواد في “تلفزيون اسرائيل” وصاحب برنامج “سوسو ومومو” الشهير.. وهلا يتفضل السيد خالد أن يشرح لنا بأموال من أسس جورج “مسرح وسينماتك القصبة”، أولم يكن جاك برزخيان يقيم المعارض لصالح “متحف اسرائيل” في التسعينات ومن بينه معرض صديقه في التطبيع خليل رباح عام 1996 (راجع الموقع الالكتروني لمتحف اسرائيل). أولم يقم السيد برزخيان احتفالات اتفاقية جنيف المشؤومة والمفرطة.. وهل أسأنا لأحد حين قلنا أن”أكاديمية فلسطين الدولية للفنون” ليس فيها أكثر من 12 طالباً وأن الشفافية حق للصحافة وللناس! كل هذه وقائع معروفة ومتداولة في كواليس الوسط الثقافي الفلسطيني.
وإن كان يفترض بمن يرد على مقال أو اتهام أن يدفع الرأي بالرأي والحجة بالحجة، فإن صاحب الرد استسهل التهجم على كاتب هذه السطور واستسهل وصفه بـ”النكرة”. ونحن إذ نشكر للأخ خالد أخلاقه العالية ونقول له أن كاتب هذه السطور يتشرف بكونه نكرة في زمن يسمّون بعض رموز ثقافة الإحتلال رموزاً لفلسطين. هؤلاء الرموز الذين كان أحدهم أول عربي يقول “هنا أورشليم القدس” بعد احتلال الضفة الغربية، والثاني منسّق المعارض السابق في “متحف اسرائيل” في القدس المحتلة قبل أن يغتسل بمسحوق أوسلو ويصير مديراً لبينالي الشارقة، والثالث رائد مشاريع التطبيع الفني والذي سجلّت كلمته وصورته (والكلمة والصور موجودة لمن يهمه الأمر) وهو يفتتح معرضاً في “أكاديمية الفنون الإسرائيلية” الصهيونية (ولا عجب فالمذكور هو أول فنان فلسطيني يدرس فيها ويتخرج منها) يقول أن عمر الاحتلال الاسرائيلي 40 عاماً فقط. (إسم المعرض “جيل الصحراء”، وقد أقيم في تل أبيب والقدس الغربية المحتلة في حزيران 2007).
حين يقول السيد خالد حوراني أن هؤلاء “رموز ثقافة فلسطين”، فإني أشكره حين يصفني بالنكرة وأرجو أن أظل “نكرة” طوال حياتي حين يكون “الرموز” من هذه الطينة!
مصطفى أبو سنينة
7 من الزوار الآن
917331 مشتركو المجلة شكرا