Categories

الصفحة الأساسية > 3.0 الخلاصات > تجارب وثورات > من ثقافة الخوف إلى ثقافة مقاومة الإحتلال "الإسرائيلي" في لبنان

13 أيار (مايو) 2014

من ثقافة الخوف إلى ثقافة مقاومة الإحتلال "الإسرائيلي" في لبنان

- مسعود ضاهر

ثقافة الخوف من الإحتلال ومقولاتها النظرية 1948 -1982

إبان حكم الانتداب البريطاني على فلسطين عملت الحركة الصهيونية على إستقدام عشرات الآلاف من يهود العالم . وأقامت لهم مستوطنات على أرضها،وقدمت لهم كل أشكال الدعم المالي،ودربتهم على القتال. وبعد أن أنجزت شعار" كل مستوطن مقاتل " بدأت،وبدعم مباشر من سلطات الانتداب البريطاني،بانتزاع مساحات واسعة من أراضي فلسطين والمناطق المجاورة لها ،خاصة أراضي المشاع،والأملاك السلطانية والأميرية ،وأراضي الموات،والأراضي المتروكة أو المهملة وغيرها. ثم بادرت إلى شراء المزيد منها بأسعار بخسة مستخدمة كل أشكال الترغيب والترهيب مع المالكين العرب . نتيجة لذلك ضاعت جميع أراضي اللبنانيين في سهل الحولة،وفي القرى التي هجرها سكانها تحت ضغط الإنكليز،بالإضافة إلى مساحات واسعة من سهول لبنان الجنوبية.

بعد قيام دولة إسرائيل،ومع بناء كل مستوطنة صهيونية جديدة قرب حدود لبنان الجنوبية كان الشريط الشائك الإسرائيلي يتمدد داخل الأراضي اللبنانية ليقضم سنويا عشرات الهكتارات من أفضل الأراضي الزراعية،والتلال المحيطة بها.كذلك تم إخلاء المنطقة من سكانها البدو الذين كانوا يترحلون على مساحات شاسعة تمت مصادرتها لأسباب متنوعة.

هناك آلاف الوثائق التي توضح أساليب الخداع التي لجأ إليها الصهاينة لإغتصاب مساحات واسعة من أراضي اللبنانيين،داخل لبنان وفي فلسطين المحتلة.وقد تمت عملية السيطرة بأساليب سرية طوال فترة ما بين الحربين العالميتين ثم تحولت إلى اغتصاب مكشوف ضمن إستراتيجية ثابتة مارستها الدولة الصهيونية بشكل علني .

سيطر المستوطنون اليهود على مساحات واسعة من سهول الخيام والمطلة والمنارة اللبنانية منذ عام 1892 وأنشأوا مستوطنة "المطلة " عام 1896 بعد تهجير أهلها من اللبنانيين .وكانت السلطنة العثمانية قد أقطعت بعض العائلات اللبنانية مئات الآلاف من الدونمات في سهل الحولة الخصب،
فعمدت إدارة الانتداب إلى التضييق على أصحابها حتى اضطروا إلى بيع قسم منها،وبأسعار بخسة،للحركة الصهيونية التي صادرت القسم الآخر حتى بلغ مجموع ما سيطرت عليه من أراضي اللبنانيين في سهل الحولة وحده قرابة 165 ألف دونم خلال سنوات قليلة.ومع ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين عام 1923 أضيفت مساحات كبيرة من الأراضي اللبنانية إلى فلسطين المحتلة .

عند إعلان دولة إسرائيل عام 1948 كانت قيمة أملاك اللبنانيين وأموالهم المحجوزة من جانب الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة من فلسطين تقدر بنحو ماية مليون جنيه استرليني .

وقد ضعت الأراضي المحتجزة تحت إشراف حارس مختص يتصرف بها تصرف المالك بملكه فيؤجرها ويستوفي ريعها ويبيعها كيفما شاء. كان المالك اللبناني يجهل تماما مصير ملكه المصادر والمحجوز في إسرائيل. لم تكلف الحكومة اللبنانية أحدا من قناصل الدول الأجنبية الصديقة للقيام بما يصون مصالح اللبنانيين هناك كما هي الأعراف المتبعة في العلاقات الدولية. ولم تعرض البعثات الدبلوماسية اللبنانية التي كانت تشارك في مؤتمرات دولية وفي اجتماعات الأمم المتحدة موضوع أملاك وأموال اللبنانيين المحتجزة في فلسطين .
رفع أصحاب الأراضي من اللبنانيين عرائض كثيرة إلى السكرتير العام للأمم المتحدة مطالبين بتعديل إتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل لصيانة حقوقهم وإسترداد أملاكهم التي وضعت إسرائيل يدها عليها. لكن الأمم المتحدة ،ومنذ اليوم الأول لقيام دولة إسرائيل،أظهرت إنحيازا سافرا إلى جانبها مما سمح لها بالسيطرة التامة على جميع أراضي اللبنانيين في فلسطين المحتلة.فإضطر بعضهم لبيع أراضيه بأسعار بخسة للغاية بعد أن يئس من إمكانية استردادها. فخسر لبنان قرى بكاملها ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية للقرى المجاورة لفلسطين.

على سبيل المثال لا الحصر دمرت إسرائيل قرية "هونين " اللبنانية لتقيم على أرضها مستوطنة
" موشاف مرجاليوت".و حولت قرية " آبل القمح " إلى مستوطنة "موشاف يوفال"،وقرية " قدس " إلى قلعة " يفتاح "،وقرية "المالكية"إلى كيبوتز " ملكياه "،وقرية " تربيخا " إلى مستوطنة " شومراه"،وقرية" النبي يوشع" إلى مخفر "متسودت يشع"،و" قرية " صلحا "إلى مستوطنة
" ييرون."ودمرت بشكل كامل قرى الناعمة،والخالصة،والخصاص،ودفنة،والدوارة، والزوية،
والزوق الفوقاني،والزوق التحتاني،والمنصورة،ولزازة،وخان الدوير،وشوكة،وحانوتا،وإقرت،
وكفربرعم وكثير غيرها.وسيطرت إسرائيل تباعا على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التابعة لقرى وبلدات مرجعيون،وكفركلا،ودير ميماس،وحاصبيا،والقليعة،ويارون،ورميش، وعيترون،وبليدا،وميس الجبل،وحولا،وعديسة وغيرها.

أحدث قيام دولة إسرائيل على حدود لبنان الجنوبية تأثيرات اقتصادية وإجتماعية بالغة الخطورة على لبنان واللبنانيين.فبعد حرب فاشلة شنتها الجيوش العربية مجتمعة لإستعادة فلسطين أصبحت سياسة الاحتلال والتوسع على حساب الأراضي اللبنانية قاعدة ثابتة في صلب السياسة الإسرائيلية طوال النصف الثاني من القرن العشرين.وتحول عدد كبير من الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من وطنهم إلى لاجئين في الدول العربية المجاورة لفلسطين،خاصة لبنان. ومنهم من كان على درجة عالية من العلم والخبرة الإدارية والتربوية.

أقام لبنان عدة مخيمات مؤقتة للفلسطينيين على أرضه،وذلك في جوار المدن الكبرى بيروت،
وطرابلس،وصيدا ،وصور،وبعلبك،وجونيه.وأجمعت القوى والمنظمات السياسية اللبنانية،على إختلاف إتجاهاتها الطائفية والوطنية والقومية،على رفض توطين الفلسطينيين في لبنان،وأصرت على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي نصت على حقهم المشروع في العودة إلى أراضيهم وإقامة دولتهم المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس .ورغم عمق المأساة،لعبت نكبة فلسطين وما رافقها من مقاطعة عربية لإسرائيل دورا إيجابيا في تطوير الاقتصاد اللبناني. فساهم رأس المال الفلسطيني،وأصحاب الكفاءة الإدارية والثقافية العالية من الفلسطينيين،في تنشيط بعض فروع القطاع الخاص،وفي مجالات عدة طوال الحقبة التي سبقت إندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 .

من ناحية أخرى،إستغلت إسرائيل هزيمة الدول العربية في حرب 1948 لتباشر مفاوضات مكثفة مع الحكومة اللبنانية إنتهت بتوقيع "إتفاق الهدنة العامة بين لبنان وإسرائيل" بين الجانبين في 23 آذار 1949 ،وتضمن البنود التالية:

1 – يجب على الفريقين كليهما من الآن فصاعدا أن يحترما بكل أمانة توصية مجلس الأمن بعدم اللجوء إلى القوة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية.
2 – لا يجوز للقوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية التابعة لأي من الفريقين القيام بأي عمل عدواني أو التخطيط له أو التهديد به ضد شعب الفريق الآخر أو قواته المسلحة .
3 - يحترم إحتراما تاما حق كل من الفريقين في أمنه واطمئنانه إلى عدم الهجوم عليه من جانب القوات المسلحة التابعة للفريق الآخر .
4- تعتبر إقامة هدنة بين قوات الفريقين المسلحة خطوة لا بد منها في سبيل تصفية النزاع المسلح وإعادة السلم إلى فلسطين.
لكن تلك الهدنة التي طالما تذكر بها الدولة اللبنانية لم توقف تعديات إسرائيل على الأراضي اللبنانية والتي تحولت إلى سياسة رسمية حققت من خلالها الدولة الصهيونية إختراقا كبيرا في جميع مناطق جنوب لبنان المجاورة لها .
بالمقابل، إلتزم لبنان بصورة تامة بنود إتفاق الهدنة من موقع الدولة الضعيفة التي إعتمدت سياسة
" الحياد " في الصراع العربي – الصهيوني لسنوات طويلة . وإستمرت سياسة التمسك بإتفاقية الهدنة إلى أن أبرم لبنان في عام 1969 "إتفاق القاهرة" مع منظمة التحرير الفلسطينية،وإعترف لها رسميا بحق المقاومة إنطلاقا من الأراضي اللبنانية. فتحول جنوب لبنان إلى منطقة صراع دموي شبيهة بما يجري على أرض فلسطين الملتهبة على الدوام .

أكدت تقارير الأمم المتحدة على قيام إسرائيل بإنتهاكات شبه يومية ومستمرة لأراضي لبنان وسمائه،ومياهه الإقليمية.ووسعت من دائرة سيطرتها على عشرات القرى في جنوب لبنان، وضمت أجزاء واسعة من أراضيها.ومع الزيادة السنوية في عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين وإرتفاع حجم المساعدات الأميركية لدولة إسرائيل، كانت تتصاعد حدة الاعتداءات على جنوب لبنان والتي أدت إلى تهجير عشرات آلاف الجنوبيين إلى بيروت وضواحيها .

ورافق عملية التهجير القسري إفراغ قرى بكاملها من سكانها.وتوسع الشريط الشائك الذي يفصل الأراضي اللبنانية عن أراضي فلسطين لصالح إسرائيل ،وعلى حساب لبنان واللبنانيين. وإستمر مسلسل إقتطاع الأراضي وتهجير السكان طوال النصف الثاني من القرن العشرين. فتمدد شريط الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية في أقضية صور،وبنت جبيل،ومرجعيون،وحاصبيا وغيرها . ثم كان الاجتياح الكبير الأول لجنوب لبنان في "عملية الليطاني " عام 1978 ،والثاني في عملية "سلامة الجليل" عام 1982 والتي قادت إسرائيل إلى احتلال العاصمة بيروت وأجزاء واسعة من جبل لبنان،وجنوبه،والبقاع الغربي .

قامت إيديولوجيا النظام السياسي اللبناني التي اعتمدت خلال سنوات 1948 – 1982 على
مبدأ أن لبنان ليس دولة مواجهة مع إسرائيل . ونظرا للفوائد المالية التي جنتها البورجوازية اللبنانية من نكبة فلسطين ومن المقاطعة العربية لإسرائيل عمدت الحكومات اللبنانية المتعاقبة إلى السكوت عن أعمال إسرائيل العدوانية في جنوب لبنان.ونادرا ما رفعت شكوى إلى مجلس الأمن حتى لا تحرج الولايات المتحدة الأميركية،حليفة إسرائيل الرئيسية. وكانت الحكومات اللبنانية ترفض تثقيف الجيش والشعب في لبنان بثقافة العداء لإسرائيل.ونشرت مقولات تؤسس لثقافة الخوف من إسرائيل منها:" قوة لبنان في ضعفه" ،و" لبنان تحيمه صداقاته الدولية وليس قواه العسكرية".وإعتبرت معظم القيادات السياسية اللبنانية أن الصداقات الدولية هي ضمانة لبنان وشعبه من مخاطر الاحتلال الإسرائيلي. وقد ثبت بطلان تلك المقولات بعد أن فقد لبنان مساحات شاسعة من أراضيه الجنوبية،وتهجير أعداد كبيرة من الجنوبيين باتجاه بيروت.ومع تقاعس الدولة اللبنانية عن حماية شعبها وأراضيها،وخوفها من المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني،

تفككت أوصالها،وتفرق جيشها وقواها الأمنية،وإنقسمت مؤسساتها.كان الشعور بالخوف والإحباط من الجيش الإسرائيلي يسود غالبية اللبنانين. مما سمح لشريط الإحتلال الإسرائيلي في الجنوب أن يتوغل عميقا داخل الأراضي اللبنانية،ومعه الشعور بخوف دائم من إحتلال لبنان وتشريد شعبه.

جدلية الإحتلال / المقاومة ورفض ثقافة الخوف

بدأت مقاومة الإحتلال في جنوب لبنان منذ اليوم الأول للإجتياح الإسرائيلي عام 1978 ،ثم تحولت إلى مقاومة وطنية شاملة بعد إحتلال بيروت عام 1982 .فقد أحدث إحتلال إسرائيل لبيروت هزة كبيرة في الرأي العام اللبناني والعربي لأنها كانت العاصمة العربية الأولى التي تسقط تحت الإحتلال . نتيجة لذلك إنفجرت المقاومة الوطنية اللبنانية،بتسميات متعددة، ضد إسرائيل من جهة،وضد مواقف الحكومات اللبنانية المتخاذلة والتي كانت تنشر ثقافة الخوف من إسرائيل وتمنع تجنيد الطاقات اللبنانيية في مواجهتها.وخشية أن يفقد اللبنانيون المزيد من أراضيهم ،وأمام خطر ضياع لبنان بكامله بعد إحتلال عاصمته بيروت ومعها قرابة نصف الأراضي اللبنانية،وقع عبء النضال على كاهل المقاومة الوطنية اللبنانية بالتحالف مع المقاومة الفلسطينية وسوريا .

لقد كسر اللبنانيون حاجز الخوف من الإحتلال،وأنزلوا ضربات موجعة بالجيش الإسرائيلي. وسرعان ما تحولت المقاومة إلى عنصر إستقطاب للقوى اللبنانية المناهضة للإحتلال والحريصة فعلا على إستقلال لبنان،وسيادته،ووحدة أرضه وشعبه ومؤسساته.وخاضت المقاومة معركة قاسية من أجل إجتثاث ثقافة الخوف من نفوس اللبنانيين عبر الإنخراط المباشر في المقاومة الوطنية،وبناء الوحدة الوطنية،وتنشئة الجيش اللبناني على إيديولوجية العداء لإسرائيل .

بعد أن إستعادت الدولة اللبنانية وحدتها على قاعدة إتفاق الطائف عام 1989 ،جرى تثقيف الجيش اللبناني بثقافة العداء لإسرائيل.مما سمح بقيام تحالف وثيق بين المقاومة الشعبية والقوى العسكرية الرسمية على قاعدة حماية المقاومة من خلال جبهة وطنية،رسمية وشعبية. فحقق ذلك التحالف أول نصر عربي حقيقي على إسرائيل التي اضطرت للجلاء عن جميع الأراضي اللبنانية المحتلة منذ 1923 ،بإستثناء مزارع شبعا،ودون قيد أو شرط أو تقديم تنازلات من أي نوع كان.

وتخلى الإسرائيليون عن كثير من أفراد ميليشيا جيش لبنان الجنوبي من الذين خدموهم طوال
22 سنة. فشكل انتصار المقاومة الوطنية على الجيش الإسرائيلي وعملائه من جيش لبنان الجنوبي نقطة تحول أساسية في تاريخ لبنان المعاصر .وبدأت نتائجها الإيجابية جلية في تعزيز جبهة المقاومة الفلسطينية،وبشكل خاص الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ 28 أيلول 2000 .

يمكن تلخيص أبرز العوامل التي ساعدت على تحقيق الانتصار اللبناني بتاريخ 24 أيار 2000 ضمن أربعة محاور أساسية،هي :

1 - التمسك بالكفاح المسلح أسلوبا أثبت مصداقيته في مواجهة نظام إسرائيلي يخاف من الخسائر البشرية في صفوفه أكثر مما يخاف من الشرعية الدولية وقراراتها التي لم تنفذ. فليس بمقدور الدول أو الشعوب الصغيرة كلبنان وفلسطين الركون إلى إتفاقيات غير متكافئة مع دولة محتلة كإسرائيل لا تفهم إلا لغة العنف والقتل والتهجير وتضرب عرض الحائط بكل النظم والقيم الإنسانية .
2- التنسيق الجيد ما بين المقاومة الوطنية على الساحة العسكرية وتحركات الدولة اللبنانية في
المحافل العربية والدولية،وصمود المجتمع المدني اللبناني في مواجهة بربرية القصف الإسرائيلي التي طالت مرارا البنى التحتية اللبنانية خاصة الجسور،والكهرباء،والطرقات،والمستشفيات،
والمدارس .
3 – الإستفادة من أشكال الدعم العربي المتنوعة التي ساعدت لبنان على الصمود والتصدي ،
والذي تجلى بتقديم مساعدات عاجلة للبنان،وبعقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بيروت وما صدر عنه من قرارات ساهمت في رفع معنويات اللبنانيين وتعزيز الجبهة الداخلية والإصرار على إنسحاب إسرائيل من لبنان دون قيد أو شرط،ورفض توقيع معاهدة معها أو تقديم تنازلات
لها من أي نوع كان. وليس من شك في أن الاحتضان العربي للبنان،وبشكل خاص في السنوات الأخيرة ساهم في دعم لبنان عبر منظمات عربية ودولية دون أن يرتقي إلى مستوى الدعم المالي الضروري لإنقاذ لبنان من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يتخبط فيها منذ سنوات طويلة دون أن يصله إلا النزر اليسير.
4- تمسك لبنان بالقرار 425 لعام 1978 الذي يفرض على إسرائيل الانسحاب الفوري من لبنان دون قيد أو شرط. لذلك حرص الإسرائيليون،ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة وكل القوى الحليفة والصديقة لإسرائيل،على وصف الهزيمة الإسرائيلية في لبنان في أيار 2000 بأنها تنفيذ لقرارات دولية مضى عليها أكثر من عشرين عاما ولم تطبق إلا بقوة سلاح المقاومة .
على جانب آخر،تحول الانتصار اللبناني إلى ورقة ضاغطة على مفاوضات السلام بحيث لم يعد المفاوض الإسرائيلي المدعوم أميركيا قادرا على فرض إرادته على المفاوض الفلسطيني الرافض لتقديم أية تنازلات إضافية. وبات المناضل الفلسطيني مطالب بالصمود والتصدي للمشروع الصهيوني لانتزاع الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حق العودة،وإقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين،والتمسك بقرارات الأمم المتحدة التي تضمن حقوق الفلسطينيين والتعويض على تهجيرهم من ديارهم،وإعلان القدس عاصمة للدولة الفلسطينية،وإجبار إسرائيل على تفكيك مستوطانتها في غزة والضفة الغربية. وأكد الإنتصار اللبناني على وجود حاجة ماسة لتطوير النظام السياسي في لبنان يحافظ على تعدد الطوائف والقوميات والاتجاهات السياسية والثقافية لكي تتعايش جنبا إلى جنب ضمن نظام ديموقراطي يكفل الحريات الأساسية للإنسان .وتمسك اللبنانيون بنظامهم المتعدد الطوائف والذي يشكل نقيضا للنظام العنصري السائد في إسرائيل .

من خوف اللبنانيين من إسرائيل إلى خوفها من السلاح المقاوم

بعد هزيمتها في لبنان تبدو إسرائيل شديدة الحرص على نزع سلاح المقاومة اللبنانية بأقصى سرعة ممكنة. وذلك لأسباب عديدة أبرزها الهلع الحاصل في صفوف المستوطنين الإسرائيليين على الحدود اللبنانية – الفلسطينية حيث يتم نقل الطلاب بالسيارات العسكرية المصفحة من بيوتهم إلى المدارس.وتقوم إسرائيل بتكثيف تواجدها العسكري في مستعمراتها القريبة من لبنان بهدف
طمأنة السكان فيها ومنع الهجرة المضادة من تلك المستعمرات إلى داخل إسرائيل أو إلى الخارج. يضاف إلى ذلك أن بقاء سلاح المقاومة بأيدي اللبنانيين يؤثر كثيرا على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل،ويشجع المنظمات الفلسطينية مجددا على استخدام أسلوب الكفاح المسلح داخل الكيان الصهيوني مما يهدد عملية الاستقرار والإنتاج فيه .

لذا تبدو مقولة جمع سلاح المقاومة الوطنية اللبنانية وكأنها مطلب إسرائيلي بالكامل لأن إسرائيل تخشى السلاح الذي قاد إلى هزيمة جيشها في لبنان. كما أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ما زال متفجرا،ووهو مرشح للاستمرار لعقود إضافية طالما بقي حلم إسرائيل ببناء المشروع الصهيوني عبر إسرائيل الكبرى ما بين الفرات والنيل.

مع ذلك،يرى بعض المحللين بحق أن هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان لا تعني هزيمة كاملة للجيش الإسرائيلي الذي ما زال يحتفظ بكامل طاقاته القتالية.وهو يتزود بأحدث الأسلحة لخوض حروب مدمرة مع العرب في حال تم الإعلان عن الفشل النهائي لمفاوضات السلام،وقد تطول الحرب الجديدة بعض الجبهات العربية مع سوريا ولبنان .ويخشى اللبنانيون من نوايا إسرائيل المبيتة لضرب البنى التحتية في لبنان مجددا من الجو والبحر والبر . لكن بمقدور المقاومة اللبنانية أن تنزل ضربات موجعة بالإسرائيليين من خلال تواجد قواها على الحدود معهم في جنوب لبنان. فالوضع اللبناني ما زال في غاية التعقيد بسبب الظروف الإقليمية المحيطة بلبنان والتي ليست مرشحة للانفراج على المدى القريب. وهنا تبرز حاجة اللبنانيين إلى الإلتفاف حول ضرورة تحصين الانتصار الذي حققه اللبنانيون بدمائهم طوال أكثر من عشرين عاما.،ومنع إسرائيل من إحتلال لبنان مجددا. لذلك يرفض قسم كبير من اللبنانيين فكرة تجريد الشعب في جنوب لبنان من سلاحه المقاوم لأسباب موضوعية أبرزها :

- أن إسرائيل نفسها تطبق مقولة الشعب المقاتل في جميع المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية بالإضافة إلى جميع المستوطنات القريبة من المخيمات الفلسطينية.وبالتالي،فإن من حق المواطن الجنوبي أن يحافظ على سلاحه لمواجهة شعب مسلح حتى الأسنان على حدوده المقابلة .
- أن قوات حفظ السلام الدولية لم تكن معنية يوما بالدفاع عن أمن اللبنانيين طوال العشرين سنة التي مضت على وجودها في جنوب لبنان. فقد ارتكبت إسرائيل أبشع المجازر في المناطق اللبنانية الخاضعة لسيطرة القوات الدولية وأبرزها مجزرة قانا عام 1996 .كما أن الخسائر البشرية التي حلت بقوات الطواريء الدولية من جراء القصف العسكري على جنوب لبنان تعد بعشرات القتلى المدونة أسماؤهم على لوحة وضعت خصيصا عند مدخل إستراحة صور الدولية. هذا،بالإضافة إلى مئات الجرحى ومشوهي الحرب .
- أن الجيش اللبناني الذي سيرسل إلى الجنوب سيكون عاجزا عن حماية نفسه وحماية الجنوبيين بسبب عدم التكافؤ بينه وبين الجيش الإسرائيلي من حيث التسلح والمعدات والقدرة القتالية. ومن الخطأ الفادح زج الجيش اللبناني في معارك عسكرية ضد إسرائيل التي اعتادت إنزال ضربات خاطفة ومدمرة في حروبها ضد الجيوش النظامية العربية .

إن لبنان مطالب اليوم بالاحتفاظ بسلاحه المقاوم إلى حين الوصول إلى حل نهائي وشامل للصراع العربي – الصهيوني. وليس من الحكمة أن يتخلى اللبنانيون عن السلاح المقاوم الذي أثبت كفاءة عالية في تحرير الأرض اللبنانية والإرادة الوطنية.وليس ما يؤكد على أن إسرائيل تخلت نهائيا عن أسلوبها العدواني ضد جيرانها ،وبشكل خاص ضد اللبنانيين والفلسطينيين . كما أن أي تأزم على المسار الفلسطيني يمكن أن ينقلب إلى إعتداء كثيف على المناطق اللبنانية،وعلى المخيمات الفلسطينية في لبنان. وليس ما يؤكد على أن الحل النهائي والعادل والشامل للصراع بين العرب
وإسرائيل قد إنتهى . وذلك يتطلب الاحتفاظ بسلاح المقاومة على درجة عالية من الجهوزية واليقظة لأن إسرائيل لا تخاف إلا كثرة القتلى في صفوف قواتها.
يمكن استخلاص بعض الدروس من نجاح المقاومة الوطنية في تحرير الجنوب لبناء لبنان جديد قادر على مواجهة التبدلات الإقليمية المتسارعة،وغير مرتهن لسياسية الأحلاف الإقليمية والدولية،
والتأسيس على الانتصار اللبناني لإفشال المشروع الصهيوني في فلسطين .فمع هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان دخل المشروع الاستيطاني الصهيوني مأزقه النهائي الذي ينبيء بزوال النموذج الأخير في سلسلة مشاريع الاستعمار الاستيطاني في التاريخ الحديث والمعاصر والتي انتهت بالفشل التام في الجزائر وجنوب أفريقيا .

المقاومة الوطنية تلغي ثقافة الخوف وتؤسس لقيام لبنان الجديد

نصت ديباجة الميثاق التأسيسي لمنظمة الاونيسكو على أن كرامة الانسان تفترض تنشئة الناس جميعا على مبادىء الحرية والعدالة والسلام. فالاحتلال يناقض كل ادعاءات إسرائيل بأنها دولة ديموقراطية وتحترم حقوق الانسان.فهي تعمل على طمس الثقافة العربية والتراث العربي والتاريخ العربي في المناطق الخاضعة لاحتلالها في لبنان وسوريا وفلسطين.وحذرت منظمة الاونيسكو،من خلال توصيات المؤتمر الذى عقدته فى نيروبي في 26 تشرين الثاني 1976 من تغيير المعالم الثقافية في المناطق المحتلة،واعتبرت ذلك مخالفة لكل مبادىء حقوق الانسان. ولا بد من التذكير هنا أن الامم المتحدة أدانت الصهيونية واعتبرتها شكلا من اشكال التمييز العنصري .لكن الضغط الصهيوني استطاع لاحقا إلغاء ذلك القرار الذي ساعد على تعرية إسرائيل امام الرأي العام العالمي كدولة عنصرية ذات أطماع لا حدود لها.
كان من حق اللبنانيين ،لا بل من واجبهم الوطني والقومي والانساني،ان يقاوموا الاحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل المتاحة لديهم. وتوقعوا أن يلقوا التأييد من كل القوى الحرة والمحبة للسلام العادل والشامل والدائم في هذه المنطقة،وان تطبق القرارات الدولية خاصة القرار 425. وتعززت لديهم مقومات الصمود على أراضيهم،كما عززوا قدراتهم القتالية ضد احتلال لا يقيم أي اعتبار لقرارات الامم المتحدة بقدر ما يزعجه مقتل عدد من جنوده على ارض لبنان.

أدرك اللبنانيون،من مسؤولين ومنظمات سياسية وجماهير شعبية،أن مقاومة الاحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل المتاحة،هي المدخل الوحيد لاعادة لبنان الى خارطة المشرق العربي كدولة مستقلة،
وذات سيادة تامة غير منقوصة على أراضيها المعترف بها دوليا.

ودلت تجربة تحرير بيروت وأجزاء واسعة من جبل لبنان وجنوبه وبقاعه الغربي على أن المقاومة المسلحة هي أرقى اشكال المقاومة الفاعلة التي ترهب الاحتلال الاسرائيلي وتجبره على الخروج من لبنان دون قيد او شرط. فالمقاومة المسلحة في المناطق المحتلة تجبر جنود الاحتلال على حياة لا تعرف الهدوء أو الاستقرار طوال اليوم. فيشعر المحتل أنه على أرض معادية،وان الشعب اللبناني مستعد للموت عليها دفاعا عن أرضه ووطنه.
لقد جربت إسرائيل سياسة إحتلال جنوب لبنان لأكثر من عقدين من الزمن إلى أن أجبرت على الإنسحاب منه مهزومة أمام الرأي العام العربي والدولي. وباتت على قناعة تامة من ان قواتها العسكرية لم تعد قادرة الآن على إرهاب المواطن اللبناني،أو تخويفه وإجباره على ترك أرضه
للمستوطنين الصهاينة. كما أن المجازر الجماعية ضد الجنوبيين،والتي كانت مجزرة قانا واحدة من أبشع تجلياتها ،ألبت الرأي العام الدولي ضد الهمجية الاسرائيلية التي تشبه جميع الممارسات الفاشية والنازية والعنصرية التي مورست ضد شعب جنوبي أفريقيا.

على العكس من ذلك،زادت الاعتداءات الاسرائيلية اليومية من روح التضامن الوطني بين اللبنانيين،حكومة وشعبا.وأثبتت ان التصالح مع العدو الصهيوني امر مستحيل ما لم تتخل إسرائيل عن مشروعها الاستيطاني التوسعي الذي يبتلع لبنان بكامله كما يبتلع دولا عربية اخرى.

فإستمرار مقاومة اللبنانيين للمشروع الصهيوني بكل الوسائل الممكنة،وفي طليعتها المقاومة
المسلحة،هي الطريق الأجدى لردع إسرئيل عن إرتكاب أية مغامرة عسكرية جديدة ضد الأراضي اللبنانية .فالإعتداء الإسرائيلي على لبنان سيكون مكلفا جدا لأن المقاومة اللبنانية المسلحة،على تعدد تسمياتها وتنوع الهوية السياسية للقوى المشاركة فيها،هي مقاومة وطنية لبنانية وتلقى الدعم والتأييد من غالبية اللبنانيين،على اختلاف مناطقهم وطوائفهم وميولهم السياسية.

لقد أصبح مطلب دعم المقاومة الوطنية اللبنانية وحمايتها في صلب مشروع إصلاح النظام السياسي اللبناني. وتم تثقيف جيشه بعد إتفاق الطائف لعام 1989 بإيديولوجية العداء الصريح لاسرائيل.فحلت جميع الميليشيات المسلحة باستثناء السلاح المقاوم والموجه ضد إسرائيل .

هكذا نجحت المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي خلال سنوات 2000- 2005 في
تحويل لبنان الى مجتمع أكثر تماسكا ضد المشروع الصهيوني.فالمقاومة ذات اهداف وطنية لا طائفية،وتتعزز باستمرار من خلال إدراك اللبنانيين للمخاطر التي تهدد وجودهم كشعب حر ودولة مستقلة ذات سيادة على ترابها الوطني.وثقافة المقاومة هي ثقافة من نوع جديد،ثقافة وطنية وقومية شمولية وليس ثقافة عصبيات مناطقية وطائفية ومذهبية وإيديولوجية ضيقة. وهي ثقافة إنسانية تستند الى انسان حر منتفض ضد الظلم والارهاب،والى تراث عربي عريق في مقاومة الإستعمار.نتيجة لذلك خفتت الأصوات الداعية الى نزع سلاح المقاومة المسلحة في لبنان إلى حين صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1595 في عام 2005 . ثم إرتبكت الساحة اللبنانية مجددا،وزاد الإرتباك بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 .وأعقبت ذلك الحدث الكبير محاولات إغتال متكررة ،وأزمة ثقة بين لبنان وسوريا أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان.وطرح سلاح المقاومة مجددا على بساط البحث المناطق المحتلة بعد أن أثبتت أنها الأشد إيلاما للعدو الصهيوني الذى يعيش حرب إستنزاف يومية ترفع باستمرار عدد القتلى الإسرائيليين على ارض لبنان .

بعض الملاحظات الختامية

نجحت ثقافة مقاومة الخوف بتحرير كامل التراب اللبناني من نير الاحتلال في 24 أيار 2000 ،
وإعتبر يوم 25 أيار من كل عام عيدا وطنيا للمقاومة والتحرير .وتوقع اللبنانيون أن يشهد نظامهم السياسي تبدلات جذرية تطول الأسس التي بني عليها وهي تشكل توازنات طائفية متوارثة منذ عقود طويلة،وتسببت بحروب أهلية متقطعة لكنها مستمرة منذ أواسط القرن التاسع عشر حتى الآن .لكن الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الوطنية اللبنانية بدماء آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين،لم تساهم في إدخال تغييرات جذرية وعاجلة في بنية هذا النظام لتمنع تجدد الاشتباكات الطائفية الدموية من جهة،ولتقطع الطريق على أي تدخل إسرائيلي في شؤون لبنان الداخلية من جهة أخرى. وبعد خمس سنوات على نجاح معركة التحرير يبدو اللبنانيون وكأنهم نجحوا فقط في تحرير أراضيهم المحتلة لكنهم فشلوا في تحرير نفوسهم من حمى النزاعات الطائفية التي باتت تهدد بطمس كل إيجابيات التحرير .

فالنظام السياسي اللبناني ما زال قائما على توازنات طائفية هشة وغير عقلانية ،وهو المسبب الأساسي في نزاعات دموية تعيد سيطرة زعماء الطوائف على مقاليد الحكم ،وتبدد الموازنة والمال العام على المصالح الشخصية. وإزدادت حدة الأزمات الاجتماعية مع زيادة الإنفاق
غير المجدي ومعه زيادة الدين العام على حساب مآسي اللبنانيين الذين يعيشون أزمة اقتصادية خانقة لم يشهد لبنان مثيلا لها في تاريخه المعاصر.وإرتفعت معدلات البطالة،والفقر،والأمية
بشكل ملحوظ ،وزادت وتيرة انهيار الطبقة الوسطى بسرعة قياسية.وفتح باب الهجرة على مصراعيه ليدفع إلى الخارج بآلاف الشبان اللبنانيين من أفضل الكادرات العلمية المثقفة وذوي الشهادات المهنية التخصصية.
تجدر الإشارة إلى أن إيجابيات كثيرة رافقت عملية الصمود اللبناني الرائع والذي توج باستعادة كامل التراب اللبناني المحتل منذ 22 عاما باستثناء مزارع شبعا التي أراد الإسرائيليون الاحتفاظ بها ذريعة لاستمرار تدخلهم في الشأن اللبناني . ومن أبرز تلك الإيجابيات تنشئة الجيش اللبناني على أسس مغايرة تماما لما كانت عليه عقيدته في السابق. وقد تبنت القيادة السياسية والعسكرية اللبنانية تنشئة الجيش الجديد على أساس عقيدة العداء الصريح والواضح لإسرائيل كدولة عدوة تحتل أجزاء واسعة من لبنان ويجب إخراجها منها بكل الوسائل المتاحة ومنها المقاومة المسلحة.

ورفض لبنان،حكومة وشعبا،تجريد المقاومة الوطنية اللبنانية من سلاحها .وأجمع اللبنانيون على دعم مقاومتهم المسلحة لأنها مقاومة وطنية يفاخر بتضحياتها كل مواطن حر في لبنان وعلى إمتداد الوطن العربي جربت إسرائيل مرارا تأليب الشعب اللبناني على مقاومته الوطنية المسلحة من طريق ضرب البنى التحتية،وهدم الجسور،وتدمير المباني والمحطات الكهربائية،وتعطيل مواسم السياحة والاصطياف لزيادة تأزم الأوضاع الاقتصادية،والدين العام،والهجرة إلى الخارج .ودفع اللبنانيون ثمنا باهظا للبربرية الصهيونية لكنهم ازدادوا تمسكا بمقاومتهم المسلحة مما اضطر إسرائيل إلى الاعتراف بالهزيمة،وإنهيار الميليشيات العميلة التي كانت تتعاون معها،وحوكم أفرادها أمام القضاء اللبناني على دفعات متلاحقة .
ويظهر اللبنانيون اليوم ،أكثر من أي وقت مضى،إخشيتهم الكبيرة من بعض التحالفات الداخلية التي تظهر إستعدادا واضحا لنزع سلاح المقاومة الوطنية التي ناضلت ببسالة ونكران ذات دفاعا عن سيادة لبنان،وإستقلاله،وتحرير كامل ترابه الوطني . وعاد الرهان الإسرائيلي مجددا على تفجير التناقضات الداخلية في لبنان،وتشجيع النزاعات الطائفية بين اللبنانيين .

لقد إستعاد لبنان عافيته في السنوات الخمس الماضية التي أعقبت التحرير إستطاع خلالها تأمين تغطية رسمية وشعبية وعربية ودولية كاملة لمقاومته المسلحة. إلا أن نظامه السياسي لم يعرف كيف تؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان تصبح فيها النزاعات الطائفية من ماضي هذا الوطن المبتلى بها منذ أكثر من قرن ونصف القرن . وما زال اللبنانيون يأملون في أن تكون تضحيات المقاومة الوطنية المدعومة بقوة من الدولة والشعب قد مهدت الطريق لتجاوز ظاهرة الحرب الأهلية نهائيا لأنها حالة مرضية خطيرة يجب استئصالها من الجسد اللبناني تمهيدا لولادة لبنان الجديد على أسس وطنية لا طائفية.

بعد تحرير الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي عمل اللبنانيون على إعادة بناء الوحدة الوطنية على أسس جديدة،ونجحوا في إعادة إعمار لبنان وتجاوز ما خلفته الحرب من دمار هائل. وتميزت السنوات الخمس الماضية بالدفاع الثابت عن وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات،

والتصدي لكل اشكال الفتن والحروب الأهلية وذهنية الميليشيات،وحماية المقاومة الوطنية لأنها السلاح الأساسي للدفاع عن لبنان واللبنانيين،ورفض الإرتهان إلى الخارج،والسير قدما في عملية الإنماء والإعمار،وتعزيز روابط لبنان العربية،والإنفتاح الكامل على ثقافة العصر والإستفادة منها لبناء دولة ديموقراطية عصرية قادرة على مواجهة تحديات عصر العولمة. وإكتسبت المقاومة الوطنية ثقة اللبنانيين،والقوى الديموقراطية في العالم كله.

تبقى الإشارة إلى أن الساحة اللبنانية تعرضت لهزة عنيفة ما زالت نتائجها تتفاعل منذ إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 .ويبدو أن معظم زعماء لبنان لم يتعلموا جيدا دروس المقاومة الوطنية اللبنانية،ومنهم من يساوم اليوم على السلاح الذي حرر لبنان من الإحتلال الإسرائيلي. في حين أن المطلوب حماية هذا السلاح الذي كسر عقدة الخوف لدى اللبنانيين من الإحتلال الإسرئيلي،وأعطاهم منعة وطنية لمقاومة أي قوى أجنبية تسعى لدخول لبنان متحدية إرادة شعبه المقاوم .
لكن هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان بعد 22 عاما من المقاومة الوطنية اللبنانية أجبرت النظرية العنصرية الصهيونية على تغيير مخططاتها بعد خسائرها الكبيرة في لبنان وفلسطين.

وقد إضطرت إلى الإنسحاب من غزة وتفكيك مسنتوطناتها الصهيونية،مما شكل ضربة مباشرة للمشروع الصهيوي نفسه،شرط أن يبقى العرب على سلاح المقاومة ولا يتخلوا عنه حتى قيام سلام دائم وعادل يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ويحرر الأراضي العربية المحتلة.

لقد أثبتت المقاومة اللبنانية خطأ نظرية إسرائيل عن الإفراط في استخدام القوة العسكرية
لفرض الإستسلام على لبنان وإجباره على توقيع إتفاقية سلام معها.فمهما بلغت قوة جيش
الاحتلال ،تبقى عاجزة عن كسر إرادة شعب يطالب بحريته واستقلاله.كما أن جيش الاحتلال يمكن أن يهزم عبر مقاومة شعبية كسرت حاجز الخوف،وحظيت بدعم شعبي مستمر.

ولعل أبرز دروس تاريخ لبنان المعاصر أن إستراتيجية المقاومة،بكل أشكالها العسكرية والمدتية والثقافية والسياسية وغيرها،هي الطريق الوحيدة لتحرير إرادة الإنسان من عقدة الخوف.وقد أثبت إنتصار الثقافة المقاومة في لبنان على أنها متجذرة في تراث شعبه النضالي. لذلك نجحت المقاومة فعلا في تحرير كامل ترابه الوطني،بإستثناء مزارع شبعا،وحررت معها الإرادة اللبنانية من كل أشكال الخوف على المستقبل .

فالشعب اللبناني لم يعد يخاف إسرائيل بعد أن لقن جيشها الذي كان يوصف بأنه " لا يهزم"، هزيمة واضحة على أيدي المقاومين اللبنانيين.وألزم الحكومة اللبنانية برفض توقيع أي
إتفاقية مع إسرائيل طالما أن المقاومة اللبنانية ما زالت تمتلك سلاحها الذي حرر اللبنانيين
من عقدة الخوف،ومن أوهام الضمانات الأجنبية .

ختاما،تصدت المقاومة اللبنانية،وبنجاح بارز،لثقافة الخوف من إسرائيل والقوى التي تدعمها.
وتبنت ثقافة عقلانية مقاومة تدعو إلى إكتشاف الطاقات الكبيرة الكامنة لدى الشعب اللبناني وتوظيفها من أجل حماية الإنسان وتحرير الأرض.وبفعل تضامن السلطة والشعب،نجح لبنان
في بناء مجتمع مقاوم لا يخاف من إسرائيل وثقافتها العنصرية وأسلحتها النووية،بل يقاومها بكل ما لديه من إمكانات.وبعد تحصين الشعب اللبناني ضد ثقافة الخوف من إسرائيل،تحول لبنان إلى مجتمع موحد وقادر على مواجهة التحديات الخارجية،ولديه مقاومة وطنية قوية تخاف منها إسرائيل بعد أن كان الجيش الإسرائيلي يثير الرعب في نفوس اللبنانيين لعقود عدة.

بعض مراجع الدراسة

أيوب،عفيف:" قرارات ومقررات مجلس الأمن الدولي حول لبنان 1946 – 1990"،
بيروت 1991
تويني،غسان : "القرار 425 : المقدمات ،الخلفيات ،الوقائع،الأبعاد"،دار النهار،بيروت 1996 .
= ، = : " 1982 عام الاجتياح ،لبنان والقدس والجولان في مجلس الأمن : القرار 508 والقرار 520 "، دار النهار،بيروت 1998 .
جابر ،منذر محمود : " الشريط اللبناني المحتل : مسالك الاحتلال،مسارات المواجهة،مصائر
الأهالي "،مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت 1999 .
الجمهورية اللبنانية ،وزارة الإعلام ،مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية ( ناشر) : " الجنوب
اللبناني: 1948 – 1986 :حقائق وأرقام "،بيروت 1986 .وترجم إلى الفرنسية والإنكليزية.
الجمهورية اللبنانية،وزارة الإعلام ( ناشر ) : " العدوان الإسرائيلي المستمر "،بيروت 1994.
= = ، = = = : " حرب الأيام السبعة " ، بيروت 1995.
سلمان،سعيد:"لبنان والطائف" ،بيروت ، 1990 .
سويد،محمود (مشرف):"يوميات الحرب الإسرائيلية في لبنان:حزيران، – كانون الأول 1982 " ،
وقائع ووثائق ومقالات مختارة من مصادر عبرية ،وقائع ووثائق ومقالات مختارة من مصادر
عبرية، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،نيقوسيا، قبرص 1985 .
= = : " الغزو الاقتصادي الإسرائيلي للبنان 1982 "،وقائع ووثائق ومقالات مختارة من
مصادر عبرية ،منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية،نيقوسيا، قبرص 1985 .
= = :" الاحتلال والمواجهة 1983 :من صعود المقاومة الوطنية إلى إلغاء اتفاق الطائف
أيار / مايو 1983". وجهات نظر إسرائيلية من مصادر عبرية ،منشورات مؤسسة
الدراسات الفلسطينية ،نيقوسيا، قبرص 1985 .
سويد ، ياسين : " عملية الليطاني 1978 : نظرة استراتيجية "،مركز الدراسات الاستراتيجية
والبحوث والتوثيق،الطبعة الثانية،بيروت 1993 .
السيد،حسين،عدنان : " الاحتلال الإسرائيلي في لبنان : الاقتطاع ومسألة الانسحاب "،مركز
الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق ،بيروت 1998 .
شماس،نقولا:"مستقبل لبنان الاجتماعي - الاقتصادي أمام التساؤلات: عناصر أجوبة"،لبنان 1996
شوفاني، الياس( إشراف ) :" عملية الليطاني،رواية العدو الصهيوني عن حرب الجنوب ،آذار /
مارس 1978"،بيروت 1978 .
شولتزه ،كيرستين :" ديبلوماسية إسرائيل في لبنان 1948 – 1984 " ،ترجمة أنطوان باسيل ،
منشورات شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ،بيروت ،1998 .
صادق،حبيب (إشراف ) :"الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وتحديات المرحلة "،منشورات المجلس الثقافي للبنان الجنوبي،بيروت 1995 .
مسعود ضاهر :" مجابهة الغزو الثقافي الإمبريالي الصهيوني للمشرق العربي،دراسة في الثقافة
المقاومة"،كتاب صادر عن منشورات المجلس القومي للثقافة العربية،الرباط 1989 .
= = "البعد الثقافي للحجر المقاوم"،مقالة منشورة في مجلة "الموقف العربي"27 /6/1988.
= = " المشروع الصهيوني وكانتونات الطوائف في لبنان "،مقالة منشورة في مجلة " الفكر
العربي المعاصر"،العدد 56- 57 ،بيروت ،شرين الأول، 1988 .
= = " الفكر السياسي في لبنان 1996 "، مجلة " الشاهد " العدد 132،بيروت آب ،1996 .
= = " تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي: دروس وعبر " جريدة " الاتحاد " ،
أبو ظبي، 27/ 5 / 2000 .
= = " نحو توظيف الانتصار العسكري في الجنوب لتعميق الوحدة الوطنية اللبنانية"،"الاتحاد"،
20 / 6 / 2000 .
المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ( ناشر ) : " من أجل الجنوب،من أجل لبنان"، بيروت 1979.
مجلس النواب اللبناني (ناشر ) : "جدول بالاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب والبقاع الغربي
في العام 1995"،بيروت 1996 .
مركز دراسات الوحدة العربية ( ناشر ) :" لبنان وآفاق التسوية "،أوراق ومناقشات الندوة الفكرية.
= = = = ( ناشر ) ندوة : "العرب ومواجهة إسرائيل "،جزءان،بيروت 2000 .
المركز العربي للأبحاث والتوثيق : " وثائق الحرب اللبنانية "،وصدرت منها مجلدات سنوية ،
بيروت 1982،1983،1984،1985،،1986،1987 .
المركز العربي للمعلومات ( ناشر ) : " لبنان 1949 – 1985 : الاعتداءات الإسرائيلية ،
يوميات – وثائق – مواقف " ، بيروت ، 1986 .
النادي الثقافي العربي( ناشر):"بناء الجمهورية الثانية ومشكلات السلام في لبنان"،بيروت 1992 .

Barakat ,Halim (editor): “ Toward a viable Lebanon ”, Georgetown,
University, washington DC,1988.

Massoud DAHER: “ Le Liban après l’Indépendence : Aux origines de
la guerre libanaise”, In: Cahiers de l’Institut de Recherches
Marxistes, Paris ,1983.
= = :“The socio –economic changes and the civil war in Lebanon
1943- 1990”, Institute of Developing Economies ”, V.R.F
Series,No.201,Tokyo ,March 1992.
Hamdan,Kamal : “ Le conflit Libanais ” ,Genève 1997.
Hanf ,Theodor :“ Coexitence in Wartime Lebanon”, London , 1993.
Kassir ,Samir : “ La guerre du Liban”, CERMOC ,Beyrouth ,1994.
Khashan,Hilal :“ Inside the Lebanese confessional mind”,London,1984.
Kiwan ,Fadia (directrice):“ Le Liban aujourd ‘hui ”, Paris,1994.
Picard,Elizabeth : “ Liban, Etat de discorde ”, Paris 1988.
Republic of Lebanon, Ministry of Information ,Department of Lebanese
Studies: “ South Lebanon 1948-1986: facts and Figures”, Beirut,1986.
Republique Libanaise,Ministère de l’Information,Direction des Etudes
et des Publications: “ Liban-Sud 1948-1986 : Faits et Realités”.
Beyrouth,1986.

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

9 من الزوار الآن

917335 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق