المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > اقتصاد المعركة > حول إمكانية إحلال المنتج الفلسطيني

26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

حول إمكانية إحلال المنتج الفلسطيني

إن من المفيد الإشارة الى أن الحوار حول امكانية تطبيق سياسة احلال الواردات أو دعم المنتج الوطني لا يجب أن ينحصر في اطار التحليل الاقتصادي المباشر فحسب، بل يجب أن يترافق معه دراسة وتحليل التطورات والمتغيرات السياسية، المحيطة بنا على الصعيد المحلي، والقومي، والعالمي، إذ أننا في مرحلة أصبح فيها كوكبنا الأرضي كله وحدة تحليل سياسي واقتصادي واحدة.
وفي هذا السياق يبرز السؤال المركزي ، هل يملك الاقتصاد الوطني الفلسطيني في ظل تراكماته السالبة العميقة، في هذه المرحلة الانتقالية، قدرة أو قابلية للحياة والتواصل ؟ سأجتهد في الإجابة على هذا السؤال، عبر تناولنا لمفهوم القدرة الاقتصادية كمنطلق أساسي أو قاعدة أولية، وفق التعريف الذي قدمه أ . أنيس الصايغ – أحد أهم أعمدة الرؤية الاقتصادية الوطنية الفلسطينية – في سياق استعراضه لمقومات الدولة والاقتصاد الفلسطيني – الدراسة الصادرة عن الدائرة الاقتصادية – م .ت . ف – عام 1993 ، ذلك أن البعد التطبيقي أو العملي لمفهوم " القدرة الاقتصادية " وارتباطه بسياسة أو استراتيجية الإحلال محل الواردات هو محصلة فعل وتفاعل عوامل كثيرة من أبرزها في حالتنا الفلسطينية :
1- فجوة الموارد المتاحة ذاتياً ، أو الفجوة البالغة الاتساع، بين الموارد الاستثمارية التي يستطيع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني أن ينتجها من ناحية ، والحاجات الاستثمارية الأساسية الضرورية من ناحية ثانية ، وفي هذا الجانب لا بد من أن نشير الى أن المحاور الأساسية التي اعتمد عليها الاحتلال في المرحلة السابقة ، بقيت على حالها ، وهي :
أ – السيطرة على الموارد الطبيعية بما في ذلك الأرض والمياه الى جانب السيطرة على المعابر وحركة التجارة الخارجية والداخلية، وحرص العدو الاسرائيلي على استمرار بقاء الضفة الغربية وقطاع غزة سوقا استهلاكية لمنتجاته.
ب – استمرار حالة الإلحاق والتبعية للاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، حيث ترتبط هيكلية صناعات سلع الاستهلاك ( الملابس ، الأحذية ، الأثاث ، الصناعات الغذائية … الخ ) بالاقتصاد الإسرائيلي، من حيث التزود بالمواد الخام والسلع الوسيطة والمعدات وقطع الغيار ...الخ.
2- الفجوة الواسعة بين التطلعات والتوقعات الشعبية في مجال الخدمات الاجتماعية وسلّم الاستهلاك وغير ذلك من الخدمات .
3- ضعف أو عدم تفعيل الخطط والتوجهات في الحدود الممكنة والمتاحة، الهادفة الى التأسيس لآليات عمل اقتصادية تدفع نحو تعزيز قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الاندماج الداخلي بين كل من الضفة والقطاع من جهة، والاندماج الخارجي للاقتصاد الفلسطيني مع فروع الاقتصاد العربي من جهة أخرى ، باعتبار أن هذا الاندماج من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني ، الى جانب تحدي الاستخدام والتشغيل ، وتحدي الأمن الغذائي ، وتحدي المياه والموارد المحدودة التي أشرنا إليها سابقاً في هذه الدراسة .
يتضح من تسجيل هذه الفجوات أنها تجعل تحقيق " القدرة " هدفاً عسيراً جداً ،ُ إذا بقيت أوضاعنا الحالية دون تغيير إيجابي يميل الى الأخذ بمبادئ وآليات اقتصاد التقشف، أو اقتصاد الصمود والمقاومة، وهو هدف يكاد أن يكون تطبيقه مستحيلا –في ظل المعطيات والتراكمات الداخلية الراهنة- لأنه يتناقض مع بنية السلطة القائمة وتحالفاتها الطبقية من جهة، وفشل وزاراتها في احداث نقلة نوعية أو تطور جوهري يحقق البيئة التشريعية أو المرجعية الاقتصادية الفلسطينية من جهة أخرى، حيث ما زال اقتصادنا أسيرا للمرجعية الاقتصادية الاسرائيلية، الى جانب الفشل في وقف مظاهر الخلل الاقتصادي، والمحسوبيات وأشكال الاحتكار الرسمي وغير الرسمي المنفلت، الأمر الذي أدى الى غياب أية صياغة جادة للخطة الاستراتيجية الاقتصادية الفلسطينية، وبالتالي غياب استراتيجية التصنيع الوطني التي يتوجب أن تتضمن مجموعة من الاجراءات والسياسات الهادفة الى زيادة الكفاءة الانتاجية للسلع المحلية، والنمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، والبحث عن توفير عوامل القدرة التنافسية التي يفتقر اليها اقتصادنا الفلسطيني حتى اللحظة لأسباب موضوعية وذاتية معا، وفي هذا المجال، فإننا ندرك الأسباب الموضوعية التي تؤكد عجزنا في توفير مقومات القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية الفلسطينية، خاصة على صعيد التصدير للأسواق الخارجية التي تتطلب تكاليف واستثمارات مالية كبيرة وتقنية متقدمة، ومهارات بشرية ومستويات عالية من حيث المواصفات والجودة، لا يستطيع قطاعنا الصناعي –في وضعه الراهن أو في المستقبل القريب- توفير مسلتزماتها وشروطها، ولكننا بالمقابل ندرك جيدا امكانات توفير القدرة التنافسية في الداخل على صعيد بعض الصناعات المحلية –بصورة نسبية ورغم اعتمادها بنسبة عالية على الخارج- وتطويرها لكي تتمكن من الاحلال محل بعض السلع المستوردة المثيلة لها، ولكن هذه الامكانية قد تملك فرص التطور والتوسع إذا توفر لها المقومات والشروط السياسية والاقتصادية، وفي مقدمتها فك التبعية والارتهان للاقتصاد الاسرائيلي .
في ضوء هذه الخلفية أو الصورة العامة ، يتبين لنا - مجدداً - أن المشكلة الاقتصادية الفلسطينية ليست مشكلة مالية أو إدارية فحسب ، وإنما هي مشكلة في منظومة الفعل الاقتصادي – بفعل أسبابها وعواملها الداخلية والخارجية - ، سواء من حيث غياب الهدف والخطة، أو من حيث التنفيذ السيء والعشوائي للسياسات الاقتصادية في اطار المصالح الشخصية، لذلك فقد بات واضحاً أن هذه الإشكالية زعزعت الثقة لدى القطاع الخاص ( في الصناعة والزراعة بصورة خاصة ) في الداخل ، ولدى المستثمرين الفلسطينيين في الخارج وساهمت في تغييب الدور الإيجابي للقطاع العام والدولة والوزارات، وما يعنيه ذلك من حصر الموارد المادية والبشرية، ووضع وتطبيق الخطط الهادفة الى تلبية مصالح الجماهير الشعبية، التي تكفل تطور عملية النمو الاقتصادي بصورة سليمة ومتوازنة .
وفي هذا السياق، نشير الى أن هذه المنظومة تتميز بأنها محدودة السقف، ومقيدة بعوائق وعقبات وشروط معقدة حددها " بروتوكول باريس "، الذي وضع الاقتصاد الفلسطيني تحت رحمة مخططي الاقتصاد الإسرائيليين، لدرجة أن الاقتصاد الإسرائيلي – في ظل الواقع الراهن وطوال العشر سنوات الماضية – أصبح الشريك الأكبر والأول لفلسطين في التجارة الخارجية ، إذ أننا نستورد بحوالي 2 مليار دولار سنوياً ما يعادل 10% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية ، في حين لا تتجاوز نسبة وارداتنا من مصر والأردن 50 مليون دولار فقط .

وفي ضوء هذا الواقع المتردي فإن الدعوة الى تشجيع المنتجات الفلسطينية ، في إطار تطبيق سياسة إحلال الواردات تأتي في سياق الأهداف الإستراتيجية الاقتصادية الوطنية الفلسطينية عموماً ، التي تعمل على تطوير وتفعيل دور قطاع الصناعة، ليس من أجل زيادة الدخل القومي الفلسطيني فحسب ، وإنما بهدف توفير مقومات إنتاج مجموعات من السلع الاستهلاكية الخفيفة محلياً تمهيداً لإلغاء الاعتماد على السلع الإسرائيلية المثيلة ، الأمر الذي يسهم في حال تحققه في توفير بعض عناصر القوة اللازمة لبناء الاقتصاد الوطني المستقل، بما يجعله قادراً نسبياً على تضييق الفجوة الواسعة، أو الخلل الكبير في الميزان التجاري، بين الواردات التي تصل إلى حوالي 2400 مليون دولار، والصادرات التي لا تتجاوز 400 مليون دولار كمعدل متوسط طوال الأربع سنوات الأخيرة ( حوالي 16.5% من إجمالي الواردات ) ، وبالتالي فإن العمل على تحقيق هذا الهدف من أجل إنتاج السلع الاستهلاكية الخفيفة – الاحلالية ، يتطلب ويستحق الكثير من الجهد والتخطيط – في الأوساط والفعاليات الوطنية والأكاديمية والقطاع الخاص – لعلنا نتمكن من تطبيق المرحلة الأولى في إستراتيجية إحلال الواردات التي ترتكز على إنتاج السلع الاستهلاكية غير المعمرة ( كالملابس والأغذية والمشروبات والأحذية والأدوات المنزلية )، خاصة وإن هناك بعض المؤشرات الإيجابية لبعض الصناعات الخفيفة المحلية ، التي استطاع أصحابها التكيف والسير في هذا التوجه رغم إمكانات الاقتصاد الفلسطيني المتواضعة، من حيث حجم الاستثمارات، ومحدودية السوق الداخلي من ناحية، ورغم العقبات والتعقيدات الإسرائيلية المعيقة لبلورة هذه الاستراتيجية ، لكن هذه المؤشرات الإيجابية لا يمكن اعتبارها قاعدة يمكن البناء عليها في تطبيق استراتيجية إحلال الواردات في فلسطين ، نظراً لمحدودية هذه المؤشرات أو الصناعات المحلية، التي استطاعت التكيف مع الظروف المعقدة الخارجية والداخلية ، دون أن تمتلك القدرة على فك التبعية مع الاقتصاد الإسرائيلي خاصة في مجال المواد الخام والمعدات وقطع الغيار …... الخ ، وهي مواد وأدوات تصل نسبة اعتماد الصناعات المحلية الفلسطينية عليها من إسرائيل والخارج إلى 85% ، وبالتالي فإن سياسة إحلال الواردات – في حال تطبيقها بصورة جدية – ستظل لفترة طويلة قادمة عملية نسبية طالما ظلت تعتمد على السوق الإسرائيلي في تأمين المواد الخام أو مسلتزمات الانتاج، مع العلم أن نسبة المدخلات الخارجية في السلع الفلسطينية المصنعة محليا تتجاوز 70-85%، بما يشير بوضوح الى أن هذه الحالات الجزئية في الصناعة المحلية الإحلالية لا يمكن اعتمادها كقاعدة أو مقياس ، ذلك أن استمرار بقاء الهيمنة الإسرائيلية على الحدود وحركة التجارة والمعابر والسوق وحرية الاستيراد والتصدير ، إلى جانب قيود وشروط " بروتوكول باريس " وتطبيق مبدأ " الاتحاد الجمركي " وعجز السلطة الفلسطينية عن صياغة وتطبيق قانون للتعريفة الجمركية الفلسطينية ، أو تأمين وتوفير مبدأ الحماية الجمركية أو فرض رسوم إنتاج على السلع المستوردة المثيلة للسلع المنتجة محلياً ، إلى جانب عجزها عن تقييد كميات استيراد السلع المثيلة بقيود كمية معينة أو وفق نظام الحصص ( الكوتا ) ، كل ذلك يجعل إمكانية تطبيق استراتيجية إحلال الواردات مسالة غير قابلة للتحقيق في ظروفنا الراهنة التي بات واضحاً من خلالها أن العدو الإسرائيلي ما زال يفرض على السلطة الفلسطينية استمرار التزامها بتطبيق السياسات الإسرائيلية للتصدير والاستيراد والتعريفة الجمركية والمعاملات التجارية في السوق المحلي أو الأسواق الخارجية.

من الناحية الأخرى، فإن التوجه نحو سياسة تعميم وتشجيع المنتجات الوطنية المرتبطة بإنشاء صناعات إحلال الواردات، دون دراسات جدوى مسبقة، ودون الاعتبار للظروف والمناخات الداخلية المهيأة للاستجابة بوعي لمثل هذه السياسة، قد يكبد الاقتصاد الفلسطيني عموما، وقطاع الصناعة خصوصا، خسائر في العديد من الجوانب مثل: التكاليف الأولية لإنشاء صناعات إحلال الواردات، أو صعوبة التشغيل ضمن اعتبارات اقتصادية ناجمة بسبب ضيق السوق المحلي النسبي، وغياب المنافسة إلى جانب الخسائر الناجمة عن عدم تشجيع التصدير (من أجل خدمة السوق المحلي) وندرة المواد الخام والموارد الطبيعية القابلة للتصنيع.
إن تناولنا لهذه المعوقات والتعقيدات الإسرائيلية ، أو الداخلية التي تحول دون تطبيق استراتيجية إحلال الواردات في الظروف الراهنة ، لا يعني إزاحة هذا الهدف أو إهماله، نظرا لأهميته أو ضرورته، الجزئية على الاقل، بالنسبة لإنتاج مجموعة من السلع الاستهلاكية غير المعمرة، الموجهة لخدمة القطاعات الفقيرة، وذات الدخل المحدود في بلادنا، وهذا يقتضي المطالبة بترتيب أوضاعنا الداخلية المتردية، بما يؤدي إلى وقف مظاهر الخلل المستمرة في تراكماتها على صعيد القانون والنظام ، والفوضى المرتبطة بالفساد الإداري والاقتصادي ، والإثراء غير المشروع ، وتراجع قطاعي الإنتاج الرئيسيين ، الصناعة والزراعة ، وغياب السياسة الاقتصادية الفلسطينية الواضحة والمحددة المعالم –في إطار التكامل الاقتصادي العربي- المرتبطة بعملية التخطيط العلمي – المركزي والتأشيري – في كافة المجالات ، واعتماده كأسلوب للحياة بما يضمن الاستمرارية والتواصل ، وليس إجراء استثنائياً نلجأ إليه في خطابنا السياسي في لحظة معينة ، فالتخطيط –كما هو معروف- هو محاولة منظمة لاختيار أفضل البدائل من أجل تحقيق أهداف محددة في مرحلة محددة مهما كانت تعقيدات هذه المرحلة .
وبالتالي فإن أي توجه في أي تطبيق لسياسة إحلال الواردات – رغم التعقيدات والصعوبات التي تواجهها – لا بد له وأن يستند إلى هذه الأسس ، خاصة وأننا ندرك المزايا المرتبطة بتطبيق هذه السياسة الإحلالية ، من حيث ملاءمتها لحجم السوق الفلسطيني المحدود في ظل انخفاض متوسط دخل الفرد، وصعوبات التصدير للخارج ، ومن حيث كثافة استخدامها للأيدي العاملة الغير ماهرة ، واستخدام التكنولوجيا البسيطة وراس المال الصغير نسبياً ، الى جانب دورها في تدريب عمالنا والإسهام في تطوير ٍكوادرنا الإدارية والإنتاجية ونشر التكنولوجيا والمعرفة العلمية في الصناعة والإنتاج ، إلى جانب مزاياها الأخرى بالنسبة للقطاع الخاص، التي تؤكد على الارتفاع النسبي لربحية هذه الصناعات الخفيفة ، وقصر فترات استرداد الاستثمارات فيها . آخذين بعين الاعتبار ضعف السوق المحلي ، وضعف الاستثمارات ، وتعقيدات الحصول على المواد الخام ، أو المواد الأولية نصف المصنعة ، واحتمالات إنتاج سلع متدنية الجودة أو غير مطابقة للمواصفات والنوعية في حال غياب السلع المستوردة المثيلة ، أو الارتفاع في حجم المستوردات من الخارج ، واحتمالات تدخل الاستثمارات أو الشركات الأجنبية –بما في ذلك الشركات الإسرائيلية- في إقامة هذه الصناعات وبالتالي تحويل كل أرباحها إلى الخارج .

وفي كل الأحوال ، فإن استراتيجية إحلال الواردات في بلادنا تحتاج –كما أشرت من قبل- إلى دراسة متأنية، تأخذ بعين الاعتبار مدى نجاح أو تعثر الصناعات الفلسطينية التي أخذت على عاتقها تطبيق هذه السياسة ، إلى جانب الدراسة التفصيلية لقوائم السلع المستوردة ، وهي تزيد على عشرة آلاف سلعة ، بهدف تحديد السلع الاستهلاكية الخفيفة ( غير المعمرة ) وحجمها ونسبتها في مجموع الواردات من ناحية ، ومقدار تلبيتها للاحتياجات الضرورية للمواطنين من ذوي الدخل المحدود من ناحية ثانية ، وكذلك التوصل إلى مجموعة من المؤشرات الخاصة بكفاءة إنتاج هذه السلع ، والفروقات بينهما ، وقبل كل ذلك البحث عن الأسس القانونية الممكنة التي توفر الحماية المؤقتة أو الدائمة لهذه السلع المحلية، بما في ذلك إلغاء الرسوم الجمركية (وبالمقابل مضاعفة الرسوم الجمركية على السلع الكمالية)، وإيجاد سبل الرقابة عليها لضمان مستوى الجودة والكفاءة والنوعية في هذه السلع ، وقبل كل شئ توفير عوامل الدافعية المؤثرة بصورة مباشرة في رفع معدلات الإنتاجية التي تعزز استمرارية تطوير هذه الصناعات وإنتاجها، وفق خطط وآليات فلسطينية منفصلة عن الاقتصاد الإسرائيلي، وهي عوامل هامة وضرورية بالرغم من إدراكي لطبيعة مساوئ " اقتصاد السوق " والمنافسة الحرة في إنتاج البضائع والسلع وحركتها، المرتبطة به، التي تجعل من هدف الربح مقياساً وحيداً لأي عمل استثماري في أي قطاع من القطاعات، بما يستوجب الاهتمام بدراسة الدور الإيجابي للقطاع العام ( الحكومي ) والقطاع المختلط والتعاوني في سياق تناولنا لإمكانيات تطبيق سياسة إحلال الواردات .

أفكار أولية مقترحة حول الاستراتيجية الاقتصادية التنموية الفلسطينية

يفترض الحديث عن الاستراتيجية التنموية ،وضوحا مؤكدا في معالم المستقبل الاقتصادي لأي بلد من البلدان ، وبالتالي فإن تناول موضوع الاستراتيجية التنموية في أرضنا الفلسطينية المحتلة لا تعترضه ضبابية المستقبل وتعقيدات الحاضر ، ليس بالنسبة للاقتصاد فحسب ، بل تعترضه أيضا إشكالية عدم اليقين بالنسبة للمستقبل السياسي أيضا ارتباطا بالموقف العدواني الإسرائيلي المسنود بدعم أمريكي صريح ومباشر ، وبنظام عربي وصل إلى حالة من التبعية والخضوع والتفكك بات يتعامل عبرها مع قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا السياسية والاقتصادية كعبء ثقيل على كاهله لم يعد قادرا أو راغبا في التعاطي معه إلا في حدود ما تسمح به السياسة الأمريكية .
لذلك فإننا لا نبالغ في القول إن اقتصادنا الفلسطيني – خاصة في ظروف الحصار والتدمير الإسرائيلي طوال الثلاث السنوات الماضية – بات أكثر ضعفا وانكماشا مما كان عليه من قبل الأمر الذي أدى إلى تغييب الوضوح أو التأكيد بالنسبة للمستقبل على الصعيد الاقتصادي والسياسي معا ، نتيجة للدور الإسرائيلي – الأمريكي على وجه التحديد ،ولكننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية ، وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية ، وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية فإننا سنملك بالتأكيد القدرة على تحديد معالم مستقبلنا بوضوح .

صحيح أننا نقر بمسؤولية العدو الصهيوني وحصاره وعدوانه المستمرين ، كسبب أساسي من أسباب التراجع والتدهور الاقتصادي إلا أن ذلك لا يعني ، اغفالنا لدور السياسات الداخلية عندنا طوال العشر سنوات العجاف الماضية عموما وسنوات الانتفاضة الثلاث الأخيرة خصوصا ، التي عمقت مظاهر الخلل والهبوط في كافة القطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام على حد سواء، بما يستدعي العمل الجاد صوب تفعيل العملية التغييرية الديمقراطية الداخلية التي يجب أن يرتكز محورها أو جانبها الاقتصادي ، على المفاهيم والخطوط العامة للاستراتيجية التنموية التي يجب العمل على بلورتها وتبنيها للخروج من هذا المأزق الحاضر إلى المستقبل،وذلك لتحقيق هدفين :
الأول : ايجاد اطار مفهومي يوضح الاولويات الاقتصادية الفلسطينية .
الثاني : تعريف ماهية المراحل المتعاقبة التي من خلالها يمكن تحقيق الاهداف التنموية بأسلوب تدريجي .
على ان ندرك ان الاطار المطلوب " يجب ان يقوم على اساس الاحوال الموضوعية للاقتصاد الفلسطيني ، وان يتجه صوب تحقيق الطموحات الفلسطينية الوطنية ، آخذين بعين الاعتبار دروس التنمية الهامة في بلدان أخرى من جهة ، وبوضوح الأهداف ذات الصلة بالموضوع ، لتطوير رؤية تنموية فلسطينية تسلط الضوء على أهداف واحتياجات القطاعين الخاص والعام من جهة ثانية ، ومن أهم هذه الأهداف : الاهتمام بعملية التحويل البنيوي ، والتركيز على تخفيض الهوة في الميزان التجاري ، إلى جانب مشاركة كافة المؤسسات والقوى – في السلطة وخارجها – بدور فعال من أجل صياغة استراتيجية وطنية للتطور التكنولوجي لأهميته القصوى في تطوير الاقتصاد الفلسطيني بكل قطاعاته عموما وقطاع الخدمات خصوصا ، وكل ذلك مرهون بإيجاد بيئة داخلية خالية من مظاهر الصراع وعدم الثقة .
وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحا لمجموعة من الأسس المكونة لهذه الاستراتيجيـة :-
أولاً : حصر كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالموارد الطبيعية والبشرية الفلسطينية عبر فريق وطني اقتصادي متخصص ، تمهيدا للسيطرة المباشرة عليها وادارتها ، كهدف وطني يستحيل بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية
ثانياً : خلق مقومات اقتصاد المقاومة و الصمود انسجاماً مع متطلبات هذه المرحلة ، وما يعنيه ذلك من العمل الجاد على تطبيق سياسة اقتصاد التقشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة، بكل ما يعنيه من إجراءات تلغي –بعد المحاسبة القانونية- امتلاك أي مواطن أو مسؤول لأي شكل من أشكال الثروة الطفيلية غير المشروعة و إلغاء كافة مظاهر الإنفاق الباذخ بكل أشكاله و أنواعه و أساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا .
ثالثاً : فك الارتباط و التبعية و التكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ووقف هذا التضخم في حجم الواردات ، وفرض الرسوم الجمركية العالية على الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم على الواردات الأساسية ، ووقف عمليات الاستيراد المباشر وغير المباشر من السوق الإسرائيلي ، الامر الذي يعني إلغاء بروتوكول باريس .
رابعاً : التخطيط التأشيري والمركزي لتفعيل العملية الإنتاجية في الصناعة و الزراعة، والعمل على تفعيل العلاقة بين هذين القطاعين بما يخدم تطوير المنتجات الصناعية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، وإقرار مشروع القانون الزراعي بهدف تحديد و إرساء استراتيجية زراعية فلسطينية تتناسب مع أهمية القطاع الزراعي.
خامسا: وضع سياسة تنموية زراعية آنية و مستقبلية تقوم على التخطيط و تفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي و البنوك لتقديم الدعم للمزارعين الفقراء، وتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية وأراضي المراعي والثروة الحيوانية.
سادسا : مراعاة الحفاظ على ثبات الأسعار للسلع الأساسية الضرورية للفقراء و رفع أجور الفئات والشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.
سابعا : تطوير دور القطاع العام و التعاوني و المختلط بعيداً عن أشكال الاحتكار، بما يدفع الى توسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية، والسوق الفلسطيني، على نحو يؤدي الى إيجاد المزيد من فرص التشغيل المتواضعة، لليد العاملة، في الإنتاج والسوق المحليين من ناحية، ويسهم في ضمان معدلات عالية –نسبيا- من النمو لقطاعي الإنتاج الرئيسيين –الزراعة والصناعة- من ناحية ثانية. وفي هذا السياق فإن من الواجب والضروري، الأخذ بمقترحات البرنامج العام للتنمية الذي أشرف عليه المفكر الاقتصادي الفلسطيني د.يوسف صايغ ، إذ أن هذه المرحلة وضروراتها الاقتصادية-السياسية معا تقتضي من كافة المسؤولين في السلطة الأخذ بتلك المقترحات بعد إهمال طويل وغير مبرر لها.
ثامنا : إنشاء و تفعيل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة على نمط الشركات الصناعية المساهمة العامة والمختلطة بين القطاعين العام والخاص ، لمواجهة هذا الضعف في البنية الصناعية ونقلها من طابعها الحرفي-الفردي- العائلي الى طابعها الإنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات الإنتاجية في بلادنا.
تاسعا: العمل بكل جديه ، وعبر كافة السبل والضغوط السياسية الممكنة ، من اجل تفعيل وتوسيع مجال التبادل التجاري الفلسطيني العربي ، ووقف احتكار السوق الإسرائيلي لهذه العملية. وكذلك التركيز على فتح سوق العمالة العربي ، في مختلف البلدان ، أمام العماله الفلسطينية ، الماهرة وغير الماهرة ، وفقا لقوانين وأنظمة التشغيل في تلك البلدان ، دون ان يؤثر ذلك اطلاقا في هوية الفلسطيني او يتخذ أي بعد سياسي يتناقض مع حقه في العودة او الإقامة الدائمة في وطنه ، علما بأن السوق العربي في دول الخليج والسعودية يستوعب أكثر من خمسة ملايين عامل أجنبي سنويا ، في حين ان أعلى معدل للبطالة عندنا في فلسطين لا يتجاوز 5% من مجموع العماله الوافده الى تلك الدول ، من الهند وسيريلانكا وباكستان وايران !!؟.
عاشرا: متابعة تنفيذ البرامج والدراسات والتوصيات المتعددة الخاصة بتفعيل دور رأس المال الفلسطيني في الشتات ، رغم وعينا بارتباطه برأس المال العالمي المعولم .

إن هذه الرؤية، أو الخطوط العامة الأولية المقترحة، لا بد لها لكي تملك مقومات التغيير الإيجابي المطلوب، أن تتبنى منهجا علميا، وفلسفة ذات مضمون وطني وقومي، تقوم على الإيمان العميق ، بوجوب تمتع شعبنا الفلسطيني بحقوقه وحرياته الأساسية وممارسته لها، كمقدمة تؤدي الى وقف تراكمات الأزمة الراهنة ، وتفاقم تناقضاتها المحكومة بثنائية غير منطقية أو منسجمة، تتراوح بين فردية القرار وأحادية الخطاب في السلطة وأجهزتها من جهة، وبين جماعية المعاناة والتضحيات والآمال الكبيرة من جهة ثانية، وبالتالي فإن إلغاء هذه الثنائية المتناقضة ،هو سبيلنا الوحيد نحو نظام الحكم الديمقراطي الوطني، العادل والقوي، الممتلك للفهم السليم والواضح لوظيفته الجوهرية بشقيها: الوطني والديمقراطي الداخلي بما يضمن رسم السياسات الاستراتيجية المعبرة عن مصالح جماهير شعبنا، بمثل ما يضمن أيضا، توجيه وزارات ومؤسسات وأجهزة السلطة نحو تحقيق تلك السياسات أو الرؤى في الاقتصاد كما في السياسة، بكفاءة عالية تخدم أهدافنا وثوابتنا الوطنية العامة ، بمثل ما تخدم وترتقي بأهدافنا المطلبية الداخلية دون أي انفصام بينهما.
على ان تطبيق هذه الخطة الاستراتيجية ، مرهون بعملية تغيير جدي وعميق ، بدايتها الاولى المبادرة دون أي تسويف الى إجراء الانتخابات الديمقراطية في كافة مؤسساتنا من جهة ، ومشروط بتمسكنا بثوابتنا الوطنية الفلسطينية ، وبتعزيز خيار شعبنا الفلسطيني في إقامة نظامه السياسي المستند والملتزم بآليات ومفاهيم الديمقراطية التي تقوم على العدالة الاجتماعية والتعددية والحرية ، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص وسيادة القانون وقواعد المحاسبة ضد أدوات ورموز الفساد من جهة أخرى ، إذ ان تطبيق هذين الشرطين في إطار الرؤية الاستراتيجية سيمكننا من الحديث بثقة عن تحقيق أهم ركيزتين من ركائز صمودنا على الصعيد الداخلي همـا :-

[(1- محاسبة رموز الفساد والاستبداد، ووقف استخدام السلطة ، من قبل الكثير من رموزها، كجسر لجمع وتراكم الثروات الطفيليه غير المشروعة على حساب قوت وحياة الجماهير الشعبية، حيث أدى هذا الاستخدام الأناني البشع، الى فقدان مساحات واسعة من جماهيرنا لدورها وحريتها، إن على صعيد ممارستها لحقها في نقد ومواجهة مظاهر الخلل الداخلي أو على صعيد حقها في الحياة الكريمة والاستقرار بعيدا عن دواعي القلق والخوف الراهن من المستقبل .

2-تقوية وتعزيز الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته على الصمود والمقاومة حتى طرد الاحتلال وتفكيك وإزالة مستوطناته على طريق الحرية والدولة المستقلة والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .
)]

- غازي الصوراني /الاقتصاد الفلسطيني

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

5 من الزوار الآن

876163 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق