المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الأمنية > حول إدارة الأمن السياسي

17 آذار (مارس) 2018

حول إدارة الأمن السياسي

مقدمة

لعل من بين الانجازات المهمة التي ترتبت علي ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ؛إسقاط العديد من التابوهات التي كان يصعب الاقتراب منها قبل هذا التاريخ، لقد ساهمت هذه الثورة المجيدة في فتح ملفات كثيرة أمام النقاش العام والمفتوح رغم إدراكنا بأن هناك من يريد وبإصرار عدم الاقتراب منها أو علي الأقل تأجيل طرحها للنقاش في المرحلة الحالية وحتى تتضح معالم النظام السياسي الجديد.
وجاءت مبادرة " مركز النيل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية " بفتح ملف " إعادة بناء جهاز للأمن الوطني " ضمن هذا السياق التي شكلته ثورة يناير وخطوة محمودة بلا شك في إطار إعادة ترتيب الأوراق لما بعد الفترة الانتقالية، وإن كنت ألاحظ ـ من واقع ورقة العمل الأساسية للورشة ـ أن التركيز ينصب علي جهاز الشرطة، ويأتي ذلك بالطبع مترتباً علي ما تكشف من ممارسات لجهاز أمن الدولة السابق والذي تم استبداله بعد الثورة بجهاز الأمن الوطني, ويصبح السؤال المهم هل يحمل هذا الجهاز الجديد اختلافا جذريا عن سابقه سواء من حيث طبيعة المهمة الموكلة إليه أو من حيث الأدوات والصلاحيات التي يعمل بموجبها؟ والسؤال الأهم من وجهة نظري هل تعد هذه الخطوة ـ والتي تعني حصر التغيير داخل مؤسسة الشرطة فقط ـ كافية لتحقيق الإصلاح أم أن الأمر يقتضي إعادة هيكلة المنظومة الأمنية بكاملها في دولة المؤسسات التي ننتظرها.

لقد مرت مصر بتجارب عديدة في بناء منظومتها الأمنية حيث كانت كل مرحلة تشهد صعوداً متفرداً لأحد الأجهزة داخل المنظومة الأمنية ويتحول إلي مركز للقوة داخل النظام بحكم ما يقدمه من خدمات مباشرة للقيادة السياسية تجبر الأخيرة علي تزويده بكافة الإمكانيات البشرية والمادية والمزايا التي تفوق احتياجاته الفعلية للوفاء بالمهمة التي أنشئ من أجلها في الأساس، ومن الأمثلة الواضحة علي ذلك جهاز الحرس الحديدي في ظل الحكم الملكي والذي كان يستهدف خصوم الملك في المقام الأول ، وجهاز المباحث الجنائية العسكرية في فترة الستينيات، والذي عمل بالتوازي مع كل من المخابرات العامة ،والمباحث العامة ، لكن صلاحياته في الشارع المصري وممارساته غير القانونية فاقت بكثير سلطة هذين الجهازين، وشكل بصورة أو بأخري أحد أدوات الصراع بين السياسيين والعسكريين داخل النظام، ثم جاء جهاز مباحث أمن الدولة الذي حل محل المباحث العامة والذي كشفت ثورة يناير عن العديد من ممارساته وتجاوزاته.

ويمكن إرجاع هذا التفرد والتجاوز في ممارسة السلطة لجهاز بذاته إلي عاملين رئيسيين: أولهما : هو طغيان الاهتمام بالأمن السياسي، وعلي وجه التحديد بأمن القيادة السياسية ومطالبها في الاحتفاظ بالسلطة لأقصي مدي ممكن وذلك علي حساب أمن المواطن والأمن الجنائي بوجه عام.
أما العامل الثاني : فيرتبط بغياب دولة المؤسسات وما يستتبع ذلك بالضرورة من غياب نظام للرقابة والمساءلة لمكونات هذه المنظومة في إطار الصلاحيات الدستورية لكل مؤسسة من جانب ، ودون إخلال بمفهوم الأمن القومي ودواعي السرية اللازمة لهذه المنظومة في أدائها للمهام الموكلة إليها .
واليوم ونحن علي أعتاب الجمهورية الثانية علينا :

أولاً : أن نستعد لدفع ثمن التغيير الديمقراطي في كل موقع بما في ذلك منظومة الأمن، وأن نستفيد .
ثانياً : من تجارب الدول التي سبقتنا في إحداث هذا التغيير واضعين في اعتبارنا الاختلافات الجوهرية في طبيعة التهديدات التي تتعرض لها بلادنا ’ثم يجب علينا.
ثالثاً : أن نتكيف مع متغيرات العصر فيما يتعلق بالثورة التكنولوجية والمعرفية وما تقدمه من انجازات و ترتبه من أعباء علي الأجهزة الأمنية بوجه عام.
وفي ضوء ما سبق تستهدف هذه الورقة إعادة النظر في منظومة الأجهزة الأمنية بالكامل سواء من حيث الرسالة والمهام المكلفة بها أو فيما يتعلق بهياكلها التنظيمية ,ولن يكون سابقا لأوانه أن نشير في البداية أن الفكرة المحورية التي ترتكز عليها الورقة تتلخص في الفصل بين شقين رئيسيين من مكونات الرسالة الأمنية:
* يتمثل الشق الأول في الأمن الجنائي؛ والذي يعالج كل ما يرتبط بأمن المواطن أو بمعني أدق أمن كل إنسان علي أرض مصر؛ مصريا كان أو أجنبيا، والتصدي لكل ما يهدد بدنه وعرضه وسكنه وماله وأسلوبه في الحياة، وحماية الأموال والمنشآت الخاصة والعامة، وانتظام الحياة الآمنة علي وجه العموم، وهذا الشق يمثل المهمة الأولي والأخيرة لجهاز الشرطة بغض النظر عن طبيعة موقعه داخل النظام السياسي (بعض الدول تخصص له وزارة ضمن التشكيل الوزاري كما الحال عندنا، والبعض الآخر يعتبره هيئة مستقلة، والبعض الثالث يخضعه لإشراف وزارة العدل..) دون أن تمتد مسئولياته لقطاع الأمن السياسي بأي حال.
* شق الأمن السياسي، وهو ما يتعلق بمهام المخابرات في الداخل والخارج، وتقترح هذه الورقة فصلها كليا عن مهام الشرطة مع إعادة هيكلة مهمة المخابرات في ضوء المستجدات المحلية والإقليمية والعالمية. وطبيعة التهديدات التي يمكن أن تواجهها مصر في المرحلة القادمة.
و تنقسم الورقة إلي ثلاث أقسام رئيسية :
الأول: يتعلق بطبيعة المهام المطلوبة من الأجهزة الأمنية.
الثاني: يعالج البيئة السياسية والأمنية، وما تطرحه من تهديدات.
الثالث: يتناول مقترحات إعادة الهيكلة للوظيفة الأمنية في شقها الداخلي.

أولاً : مهام أجهزة المخابرات(الأمن السياسي)

توفر أجهزة المخابرات في أية دولة أكبر درع أمني في الدولة.. إنها تعمل دائما في الظل وتعمل علي تطوير أدواتها وأساليب اختراق العدو للحصول علي المعلومات الحيوية التي تدعم احتفاظ الدول بوجودها وتأمين مصالحها القومية في الخارج ويرتكز عملها علي محورين رئيسيين:
الأول وهو محور المعلومات ويشمل الآتي :
* المساهمة الفعالة في صناعة القرار السياسي الخارجي وفقا للرؤية الإستراتيجية التي تحدد أولويات العمل ودوائر الاهتمام الرئيسية ,وبما يضمن وصول ناتج المخابرات في التوقيت الملائم وبالصورة المناسبة للقيادة السياسية والأجهزة التنفيذية والقادة العسكريين ورئاسة السلطة التشريعية وفقا لنوعية القضية المطروحة للبحث وطبيعة اهتمامات كل جهة من هذه الجهات.
* يتم ذلك من خلال سلسلة من العمليات المنظمة تبدأ بتحديد الأولويات وتوزيع الإمكانيات المتاحة وجمع وتحليل المعلومات ، وإعداد تقديرات المواقف الإستراتيجية فيما يخص المصالح العليا للدولة وطرح البدائل والمشاركة في التنفيذ.
أما المحور الثاني فيتمثل في الأمن، أي تامين الجبهة الداخلية ضد أية محاولات للاختراق من الخارج ويشمل ذلك ما يلي :
* حماية الدولة من أي هجوم إرهابي قد يستهدف موقعا أو أشخاصا في الداخل أو أي من نقاط تواجدها ومصالحها القومية في الدول الأخرى.
* مقاومة عمليات التجسس التي تشنها وكالات مخابرات أجنبية بغض النظر عن طبيعة العلاقات السياسية(علاقات صداقة أم صدام) مع الدولة التي تنتمي إليها هذه الأجهزة، وهو ما يعرف بالمخابرات المضادة.
* توفير الحماية الضرورية ضد الجرائم الإليكترونية والجرائم التكنولوجية، وكافة صور الجريمة المنظمة المدفوعة من الخارج مثل غسيل الأموال، وجرائم الرشوة والفساد الاقتصادي والثقافي .
ولما كان الدور الحقيقي لأجهزة المخابرات في هذا المحور هو منع الجريمة من الأصل أو علي الأقل الحد من تأثيراتها إذا ما ارتكبت بالفعل فإنها تكون مسئولة عن ثلاث مهام يشكل الوفاء بها معيار النجاح والفشل في أدائها، وهي:
توفير الإنذار المبكر قبل وقوع التهديد بوقت كاف، ويتحدد الهدف من هذه المهمة في امتلاك القدرة علي تجنب المفاجأة الإستراتيجية ، والتي تقع عادة إذا ما فشل النظام الدفاعي للدولة في فهم طبيعة العدو وما يحمله من تهديدات، فالمشكلة هنا ليست في المعلومات المجردة وإنما في التكوين الثقافي والاجتماعي الذي يقف وراء هذه المعلومات، ونموذج حرب أكتوبر مثال علي ذلك ،ونموذج هجوم 11 سبتمبر مثال آخر ،وثورة 25 يناير مثال ثالث حيث لم يتوفر في هذه الحالات صورة ذهنية سليمة وواضحة عن طبيعة التفكير والحالة النفسية للفاعل الرئيسي في كل حالة، وقد تسببت حالة عدم الفهم في تجاهل المؤشرات والدلالات الخاصة بنوايا المصريين أو بنوايا زعماء القاعدة وطالبان.
ملاحقة التطورات التي تطرأ علي أساليب العدو وقدراته والعمل علي التكيف معها والاستعداد لها باستمرار, ففي العديد من الحالات كان نجاح الهجوم مرتبطا بالأفكار الثابتة عن الطرف الآخر أو الخطأ في تحليل الإنذارات، وكانت مفاجأة نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 والهجوميين الذين شنهما حزب الله علي القوات الأمريكية والفرنسية في لبنان عام 1983 والهجمات التي شنتها القاعدة علي أهداف في كل من لندن ومدريد؛ نماذج معبرة في هذا المجال لكن الأهم هو سرعة الخصوم في تبديل أدواتهم وقصور الأجهزة عن ملاحقة أو رصد هذا التطوير
التحرك الهجومي لتعديل عناصر البيئة الإستراتيجية والأمنية في مواقع الخصوم الأمر الذي يجري بالدرجة الأولي من خلال أساليب الحرب النفسية وعمليات التأثير علي المرجعية الثقافية للقرار السياسي وأنماط التفكير في مجتمع معين وفي فترة زمنية معينة

ثانياً: عناصر البيئة السياسية والأمنية وما تطرحه من تهديدات

( 1 ) البيئة العالمية
شهد العالم منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي تحولات كبري، مازالت تطرح تأثيراتها حتي نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين, ويمكن القول بداية أن أكبر الخاسرين في ظل هذه التطورات كانت غالبية دول العالم الثالث التي لم تستطع أن تساير هذه التطورات وتوظفها لخدمة مصالحها القومية وأهدافها الاستراتيجية البعيدة المدي ،بينما تمكنت قوي أخري كانت تحسب نفسها علي هذا العالم الثالث مثل الصين والهند وماليزيا وغيرها ,من تجاوز المأزق وانطلقت في عملية صعود منهجية عدلت من موقعها في خريطة العالم وتوازنات القوي الدولية.
يأتي في مقدمة هذه التحولات نهاية الحرب الباردة عام 1989وسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991،وانفراد الولايات المتحدة بموقع القطب الواحد ليس فقط بحكم كونها القوة الأكبر في العالم علي الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية ،ولكن وهو الأهم بوصفها زعيمة الرأسمالية التي حققت انتصارا تاريخيا علي الشيوعية ومن ثم امتلكت المبادرة الاستراتيجية في كافة الأقاليم وبما يؤهلها لقيادة العالم نحو تغيرات ثقافية موازية دون أن تتهم بالتدخل في الشئون الداخلية للنظم القائمة
غير أن هذا الوضع واجه صدمات مؤثرة في أعقاب هجوم 11 /9/2001 حيث تعرضت هيبة القطب الواحد لضربة عنيفة وكشف الهجوم عن جوانب قصور غير عادية في أداء أجهزة المخابرات الأمريكية علي تعددها وتنوعها وحجم الإمكانيات المتاحة لها داخليا وعالميا, في نفس الوقت الذي أكد فيه الهجوم عدم قدرة دولة في العالم مهما أوتيت من مقومات التفوق ؛أن تمتلك أمنها القومي بمعزل عن الآخرين.
وترتب علي هذا الحادث تحركين رئيسيين من جانب الإدارة الأمريكية تمثل الأول في تحويل المعركة ضد الإرهاب إلي معركة عالمية طالبت جميع دول العالم أن تشارك فيها ومن يمتنع عن المشاركة يصبح في المفهوم الأمريكي "دولة مارقة" يجب محاربتها وأصبح علي كل المنظمات الأمنية أن تتعاون مع الأجهزة الأمريكية دون أية تحفظات.
أما التحرك الثاني فقد تمثل في محاولة نشر النموذج الأمريكي للديمقراطية في دول العالم الإسلامي علي وجه الخصوص باعتباره الأداة المناسبة لتجفيف منابع الإرهاب الذي يجد تربة خصبة في هذه الدول، علي أن يتم نشر هذا النموذج في إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير"
علي أنه يجب أن نقرر أنه مع نهاية الولاية الثانية لإدارة بوش الأبن توصل صناع السياسة الأمريكيين إلي نتيجة عكسية تقول بأفضلية الاحتفاظ بالنظم الاستبدادية القائمة في دول المنطقة باعتبارها الأداة الأنجح في تأمين المصالح الاستراتيجية الأمريكية
ثم يأتي ثاني هذه التحولات الكبرى متمثلاً في انفجار عصر المعلومات وثورة المعرفة التي أسست للموجة الثالثة في التطور الإنساني كما يقرر كل من " ألفن " و" هايدي توفلر" في كتابهما المعنون :" نحو بناء حضارة جديدة، سياسات الموجة الثالثة" أي موجة المعلوماتية التي تأتي بعد انحسار الموجة الأولي الممثلة في الزراعة، والموجة الثانية الممثلة في الصناعة, وتغطي هذه الموجة الثالثة كافة النواحي الإنسانية، وتلعب دورا حاسما في صياغة توازن القوي سواء علي الصعيد العالمي أو حتي علي المستويات المحلية، فعلي الصعيد العالمي: "من يملك المعلومات يملك العالم"، وعلي المستويات المحلية :من يملك المعلومات يملك القدرة علي توجيه واتخاذ القرارات وإلا تنفجر الأزمات والصدامات
فالمعلوماتية هي السبيل لمواجهة الثقافة العالمية التي تعمل دول معينة علي فرضها’
وافتقاد المعلوماتية يخلق مناخا مناسبا للاستعمار بالكومبيوتر من غير حروب,
وإهمال المعرفة يفقد الدولة القدرة علي تطوير عناصر الإنتاج وتوليد مواد جديدة ،وإهمال تأمينها يعرض الدولة لخسائر اقتصادية وسياسية كبيرة ومخاطر أمنية أكبر.
وأخيرا فإن امتلاك المعرفة يساعد في بناء نهج ديموقراطي هو الأقرب للديموقراطية المباشرة حيث تتوزع أعباء القرار علي العديد من الخبراء بل علي الشعب نفسه، ولن تكون هناك أغلبية صامتة بل كتلة لا تملك المعرفة.
( 2 ) البيئة الإقليمية
تعد البيئة الإقليمية مصدر تهديدات متنوعة للأمن القومي المصري من خلال محاور ثلاث رئيسية
( أ ) المحور الإسرائيلي
أثارت ثورات الربيع العربي ردود فعل قوية في أوساط المفكرين الاستراتيجيين في إسرائيل ،وبخاصة من عمل منهم داخل الأجهزة الأمنية مؤكدين أن التغيير الذي وقع في مصر علي وجه الخصوص لا يصب في صالح إسرائيل مستقبلا من الزوايا التالية:
أن قوي الإسلام السياسي التي تتصدر المشهد قد تعيد الصراع مع إسرائيل إلي نقطة البداية باعتباره صراع وجود، لا صراع حدود بما يقتضي إعادة تصميم العقيدة الأمنية التي جري اعتمادها مع النظام السابق، ويتطلب الأمر ضرورة التكيف مع وجود جبهة واسعة من المقاومة يتغلغل عناصرها في أوساط السكان المدنيين حيث يصعب مواجهتها بالقوة العسكري النظامية.
وبغض النظر عن التطمينات التي تتلقاها إسرائيل مباشرة عبر المؤسسات الرسمية القائمة حاليا ,أو غير مباشرة عبر الحوار الأمريكي مع تيارات الإسلام السياسي وخاصة فيما يتعلق بالالتزام بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية, إلا أن الأفكار الإسرائيلية المطروحة للنقاش العام حاليا تدعو وبوضوح إلي توفير الحد الأقصي من المعلومات الأمنية اللازمة للمواجهة المحتملة بجميع أشكالها، بما يقتضي :
أولا : تطوير القدرات الهجومية والدفاعية في إطار عالم المعلومات والمعرفة لدعم جهود أجهزة المخابرات في الوصول إلي أماكن لا تصل إليها الدبابات، والحصول.
ثانياً : علي المعلومات الاستخبارية بهدف ردع الأعداء المحتملين وإحباط مخططاتهم في مهدها ،والمشاركة.
ثالثا : في عملية منظمة وواسعة لإدارة الحرب النفسية، بهدف إرباك القرار السياسي للنظام الجديد وإثارة المزيد من التوترات والانقسامات في الجبهة الداخلية.
تجدر الإشارة هنا إلي الدعم الكبير الذي تتلقاه أجهزة المخابرات الإسرائيلية من مثيلتها الأمريكية خاصة والغربية عامة والذي يشجعها دون رادع يذكر علي تجاوز العلاقات الرسمية مع الأجهزة أو حتى علي مستوي الدولة سواء في ممارسة التجسس داخل هذه الأجهزة، أو استخدام جوازات السفر للدول الغربية في تنفيذ عمليات الاغتيال(عملية اغتيال الفلسطيني محمود المبحوح في أحد فنادق دبي عام 2010) ، بل والتستر وراء بعض الجنسيات في تنفيذ عمليات التجنيد كما تكشف مؤخرا في تجنيد عناصر ما يسمي بمنظمة "جند الله" السنية المعارضة للنظام الإيراني وتوظيفهم في اغتيال بعض العلماء الإيرانيين، وإيهامهم بأن العملية تتم لصالح المخابرات الأمريكية.
تنذر التطورات الجارية في مصر بتغييرات شاملة في إستراتيجية الأمن القومي المصري، ونشير هنا إلي مثال واحد وهو إحياء مشروعات التنمية في سيناء، بعد أن تعرضت لتعطيل متعمد لعشرات السنين ’وتأتي في مقدمة النتائج المترتبة علي ذلك إعادة تركيب الخريطة الاجتماعية والسكانية في شبه الجزيرة بالكامل ،ومن ثم بناء جدار بشري واق يخدم استراتيجية الدفاع عن سيناء ويقاوم محاولات الاستقطاب أو الاختراق من جانب إسرائيل أو أية قوة أخري، وربما كان ذلك التوجه هو السبب الكامن وراء ما يثار حاليا حول عزم إسرائيل بناء شيكه من المستوطنات محاذية لحدودها مع مصر.
( ب ) المحور العربي
ويجب أن نفرق هنا بين مجموعتين من الدول العربية، الأولي تلك التي شهدت أو مازالت ثورات الربيع العربي أما الثانية فهي هي التي تكثف جهودها لتفادي التعرض لهذه الموجة الثورية.
وبالنسبة للمجموعة الأولي والتي تعد منتجة لمخاطر وتهديدات أمنية علي مصر فتشمل كلا من اليمن وسوريا وليبيا حيث :
* تتصاعد النزعة الانفصالية بين الجنوبيين في اليمن وتهدد بعض قياداتهم بأن عدم الاستجابة لهذه النزعة والعودة إلي دولة الجنوب قد يدفع مجموعات منهم إلي الانضمام لعمليات القرصنة في باب المندب وشرق المحيط الهندي الأمر الذي ينذر بدوره بالتحالف مع قوي إرهابية أخري لإثارة مزيد من الاضطرابات في هذه المنطقة الحيوية، أو يتم توظيفهم لصالح قوي أخري مثل إسرائيل و بعض الدول الغرب.
* ويبدو الموقف في سوريا أكثر تعقيدا، ففي حالة انتصار الثورة ـ وهذا هو الأرجح ـ سوف تظهر علي الساحة أكثر من قوة تسعي للثأر والانتقام وفي مقدمتها الطائفة العلوية وامتداداتها داخل الجيش السوري لتشكل مصدراً جديدا للاضطراب والمواجهات الإرهابية ليس في سوريا وحدها وإنما ضد الدول والتيارات التي أيدت الثورة أو ساهمت في إسقاط الأسد، وربما تقدم نفسها باعتبارها مقاومة إسلامية حتى تضمن استمرار تأييد حزب الله في لبنان ومن ورائه إيران بالطبع ، وتأييد حماس في فلسطين’ فضلا عن القوي الإسلامية في مصر والأردن والعراق.
* أما في ليبيا فيقترب مشهد القوي السياسية مما هو قائم في مصر من حيث بروز قوي سلفية تسعي لفرض تفسيراتها الخاصة بالدين، واستمرار نشاط بعض القوي التي استفادت من نظام القذافي، ولكن مع فارق جوهري يتمثل في طبيعة الدور الذي لعبه الغرب وخاصة فرنسا في إسقاط القذافي ونظامه وحرصه ــ أي الغرب ــ علي قبض ثمار ذلك بأي طريقة حتي لو اقتضي الأمر اختلاق عدو من بين القوي الإسلامية يصنفه بأنه إرهابي النزعة، أو الحد من تطور العلاقات مع القوي الإسلامية أو السياسية التي طرأت علي المسرح السياسي داخل مصر.
أما بالنسبة للمجموعة الثانية والتي تشمل السعودية ودول الخليج فإن كل ما يهمها هو الحيلولة دون انتقال ثورات الربيع العربي إلي داخل أراضيها وذلك من خلال توصيل رسالة محددة لشعوبها بأن هذه الموجة قد فشلت في معالجة أزمات بلادها، ومحاولة تحريض التيارات الإسلامية المتطرفة علي تعويق مسيرة التغيير بمبررات شتي دينية أو غير دينية.
( ج ) البيئة المحلية
يمكن القول أن أخطر ما يتهدد البيئة الداخلية هو ضعف الثقافة السياسية، وضعف إدراك القوي المتصدرة للمشهد السياسي لمتغيرات العصر وطبيعة التهديدات التي تنتظر مصر في المرحلة القادمة , وتأثير ذلك كله علي صياغة رؤية مشتركة للأمن القومي تشكل مرجعية ثابتة لكافة القوي والتيارات المشاركة في العملية السياسية ومنهج التغيير بوجه عام الأمر الذي قد يتسبب في مزيد من الصدامات والتوترات التي تعطل مسيرة التغيير في الفترة القادمة

ثالثاً :مقترحات إعادة الهيكلة للوظيفة الأمنية في الداخل :

كما أوضحنا في البداية فإن المقترح المحوري في هذه الورقة يتمثل في فصل الأمن الجنائي عن الأمن السياسي وبحيث يتفرغ جهاز الشرطة لمعالجة كل ما يتعلق بالنواحي الجنائية التي تهتم بأمن المواطن من كل الوجوه ،أما الأمن السياسي فيتم دمجه ضمن منظومة المخابرات وبحيث تشمل ما يلي:
جهاز مستقل للمخابرات الخارجية يرتكز دوره علي دعم القرار السياسي الخارجي وتأمين مصالح مصر القومية في دوائر الحركة المختلفة وفقا لما سبق إيضاحه في الجزء الخاص بالمهام.
جهاز آخر مستقل أيضا لتولي مسئولية الجبهة الداخلية وكل ما يؤثر عليها من الداخل أو الخارج، بحيث يجمع ما بين مهام قطاع الأمن الداخلي التابع للمخابرات حاليا, و مهام جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية (أمن الدولة سابقا).
جهاز المخابرات العسكرية التابع لوزارة الدفاع وبنفس مهامه الحالية.
وحتي يكون هذا الهيكل فعالاً, وقادراً علي العمل المتناغم ودون ازدواجية أو تضارب فيما بين مكوناته يحتاج الأمر الخطوات التالية :
إنشاء المجلس الأعلي للدفاع الوطني لكي يضم ممثلي هذه الأجهزة إضافة إلي بعض الوزارات السيادية والهامة مثل الخارجية والمالية والبحث العلمي والتموين والتجارة الخارجية علي أن تكون له أمانة عامة وأمين عام متفرغ يتولي تنظيم اجتماعاته دوريا ووضع جدول أعماله ووضع الآليات الضرورية للتنسيق المنضبط والمنتظم بين كل أعضاء المجلس ومعالجة المشكلات الطارئة التي قد تعترض أدائها لوظائفها.
يلحق بمجلس الدفاع المشار إليه مجموعة بحثية تضم عددا من الممارسين السابقين والخبراء والأكاديميين من تخصصات مختلفة، وترتكز مهمتهم الأساسية علي استشراف المستقبل، ووضع الدراسات والبحوث حول الرؤية المستقبلية للمجتمع المصري والتهديدات المحتملة علي الصعيدين الإقليمي والدولي، وآفاق التقدم العلمي والتكنولوجي، وكيفية الاستفادة بها لخدمة استراتيجية الأمن القومي المصري.
استحداث منصب مستشار للأمن القومي يكون علي رأس مجلس للأمن القومي وتتلخص مهامه في الآتي:
أ‌- التنسيق بين الأجهزة الأمنية ومؤسسات المعلومات علي مستوي الدولة والحد من التضارب فيما بينها ومراجعة معدلات الأداء بصورة دورية.
ب‌- وضع التقديرات الاستراتيجية بمعاونة مجموعة منتقاة من ذوي الخبرة ومناقشتها مع كافة المؤسسات المعنية (في ضوء طبيعة القضية المطروحة) قبل رفعها لرئيس الدولة.
ت‌- رئاسة فريق لإدارة الأزمات والتعامل مع الكوارث علي المستوي القومي كلما اقتضي الأمر ذلك والعمل بالتنسيق مع كافة الأجهزة المعنية.
ث‌- التواصل مع المؤسسة التشريعية بالحوار المباشر مع لجنة الدفاع والأمن القومي وتزويدها بملخصات وافية عن الموقف السياسي لبناء قاعدة معلوماتية مشتركة مع المشرعين.
ج‌- استقبال الوفود الهامة المسافرة للخارج في مهام رسمية وتزويدها بموجز عن الموقف السياسي العام وشرح أبعاد المواقف المصرية تجاه القضايا الحيوية.
ح‌- فتح قنوات تواصل منتظمة مع الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لشرح أبعاد ومبررات القرارات الكبرى وخلق قاعدة للفهم المشترك مع هذه الأطراف.
وأخيرا فإن المرحلة الجديدة تستلزم وضع آلية تشريعية للرقابة والمساءلة للمنظومة الأمنية دون إخلال بقواعد السرية التي تعد من أهم مستلزمات هذه المنظومة، وبما يضمن من جهة أخري منع أية تجاوزات في علاقاتها بكافة الأفراد والمؤسسات الأخرى في الدولة .

- عبد الحليم المحجوب

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

4 من الزوار الآن

871313 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق