المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 4.0 العملانيات > الانتفاضة > ثلاثية المقاومة المدنية: الوحدة، والتخطيط، والانضباط

10 آب (أغسطس) 2017

ثلاثية المقاومة المدنية: الوحدة، والتخطيط، والانضباط

ثلاث سمات يمكنها أن تشكّل الفيْصل بين النجاح والفشل بالنسبة للحركات اللاعنفية في شتّى أرجاء العالم، وهي: الوحدة، والتخطيط والانضباط غير العنيف.
ما الذي يجعل حركات المقاومة المدنية اللاعنفية فعالة؟
إذا سلّمنا في عالم السياسة بأن "السلطة لا تُعطَى أبدا، ولكنها تُنتزَع دائماً"، فإننا نتوصّل بالضرورة إلى نتيجة مفادها أن الحركات اللاعنفية التاريخية نجحت لأنها بطريقة ما أو بأخرى مارست سلطة فاقت سلطة خصومها.

تتعارض هذه النتيجة مع الافتراض الشائع بأن السلطة تنبثق في نهاية المطاف من السيطرة على الموارد المادية والقدرة على ممارسة العنف، وتفتح مجالاً لإثارة التساؤلات بشأنه. ولو كان هذا الافتراض صحيحاً تماماً، لكانت الحركات اللاعنفية ستُمنَى بالهزيمة قطعا أمام خصومها الأفضل تسليحاً للموارد. ولكن، يكشف التاريخ تسلسلاً زمنياً لكثير من النضالات اللاعنفية التي امتدت على مدار أكثر من قرن وتكلّلت بالنجاح، حيث اتّسم الأبطال والقضايا التي ناضلوا في سبيلها بتنوعهم كتنوع البشرية ذاتها. ونورد فيما يلي بعض الأمثلة:

في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، نال الهنود استقلالهم من خلال الانخراط في حملة من عدم التعاون على نطاق واسع ( من خلال المقاطعة الاقتصادية، ومقاطعة المدارس، والإضرابات، ورفض دفع الضرائب، والعصيان المدني، وتقديم الاستقالات(، ما هدّد بتحويل الهند إلى بلاد يتعذّر حُكمها، وأقنع بريطانيا بالمغادرة في نهاية المطاف.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حققت حركة الحقوق المدنية الأمريكية المساواة في الحقوق من خلال إطلاق حملات سلمية -من قبيل حملات مقاطعة الحافلات في مونتغمري والاعتصامات أثناء تناول وجبة الغذاء في ناشفيل- التي استغلّت نقطة الضعف التي اعترت نظام الفصل العنصري الممأسس، واجتذبت المناصرين من كافة أنحاء البلاد.

خلال الفترة 1965-1970، تطوّرت نقابة عمال المزارع المتحدين من منظمة محلية صغيرة لم تكن تحصل عملياً على التمويل إلى منظمة اكتسبت حضوراً على الصعيد الوطني من خلال استخدام الإضرابات وحملات المقاطعة ضد كروم العنب في كاليفورنيا بشكل ناجح.

في عام 1986 في الفلبين، انضم النشطاء إلى العسكريين المنشقين من الجيش لكي يحشدوا الملايين من الناس للتظاهر ضد نظام فرديناند ماركوس الديكتاتوري الذي كان يحظى على الدعم الأمريكي. وقد كانت الخيارات في جعبة ماركوس تتناقص بسرعة في ضوء الانتفاضة اللاعنفية، الأمر الذي دفعه إلى الفرار من البلاد.

في عام 1988، تغلّب التشيليون على الخوف الذي غرسته ديكتاتورية أوغستو بيونشيه الوحشية في نفوسهم، وأطلقوا حملة وتظاهروا ضده. وكان من شأن هذه الإجراءات التي شرعوا فيها تقويض الدعم الذي كان بيونشيه يحظى به إلى درجة أن زملاءه الأعضاء في المجلس العسكري لم يعودوا موالين له في ذروة الأزمة. وتمت الإطاحة ببيونشيه في نهاية المطاف.

خلال الفترة 1980-1989، نظّم البولنديون نقابة عمال مستقلة شكّلت جزءًا من حركة التضامن، واستعادوا بلدهم من الحكم السوفييتي.

في عام 1989، قادت الاحتجاجات والإضرابات التي عُرفَت باسم الثورة المخملية إلى انتقال سلمي من الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا. وقادت أعمال مماثلة إلى انتقال سلمي من الشيوعية في كل من ألمانيا الشرقية، ولاتفيا، وليتوانيا، وإستونيا في عام 1991.

اضطلعت الإضرابات، وحملات المقاطعة، والعصيان المدني، والعقوبات الخارجية بدور رئيسي ابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي في وضع حد للفصل العنصري في جنوب أفريقيا في مطلع عقد التسعينيات.

في العقد التالي، أنهى الصرب (2000)، والجورجيون (2003)، والأوكرانيون (2004) الحكم الاستبدادي في بلادهم من خلال الحشد للحيلولة دون تزوير نتائج الانتخابات أو مقاومة ذلك.

في عام 2005، أنهى اللبنانيون احتلال الجيش السوري لبلادهم من خلال المظاهرات اللاعنفية الحاشدة.
في عام 2006، انخرط النيباليون في عصيان حاشد وضغطوا من أجل استعادة الحُكم المدني.

في الفترة 2007-2009، وفي خضمّ أعمال التمرد العنيفة وفي وجه حكم عسكري، دفع المحامون الباكستانيون، وجماعات المجتمع المدني، والمواطنون العاديون بنجاح من أجل استعادة القضاء المستقل وإلغاء قوانين حالة الطوارئ.

يتعذّر على الحكام أن يمارسوا حكمهم إذا لم يقدّم الناس فروض الطاعة لهم
لقد نجحت حركات المقاومة المدنية هذه وغيرها لأنها استندت إلى نظرة متعمّقة أساسية حول السلطة. وتمثّلت هذه النظرة في أن المؤسسات، والمنظمات، والأنظمة في مجتمع ما تعتمد كلها تقريباً على الموافقة والتعاون اللذين يبديهما عدد كبير من الناس العاديين وفروض الطاعة التي يقدمونها بصورة مستمرة. وبالتالي، إذا اختار الناس أن يسحبوا موافقتهم وتعاونهم على نحو منظّم وإستراتيجي، يمكنهم أن يمارسوا سلطة قسرية. وعندما لا يقدّم الناس فروض الطاعة، لا يعود بإمكان الرؤساء، ورؤساء البلديات، والرؤساء التنفيذيين، والجنرالات، وغيرهم من "أصحاب السلطة" أن يحكموا بشكل مطلق.

وقد تمثّلت الأدوات التي استُخدمَت في سبيل تحقيق ذلك في الأساليب اللاعنفية، من قبيل الإضرابات، وحملات المقاطعة، والمظاهرات الحاشدة، والعصيان المدني، وإنشاء مؤسسات موازية إلى جانب مئات الإجراءات الإبداعية الأخرى فعلا. ولم تُستخدَم هذه الأدوات بالضرورة لأسباب أخلاقية، بل لأسباب براغماتية. وكان بعض الذين اعتمدوا المقاومة المدنية قد شهدوا نجاح إستراتيجيات مماثلة في بلدان أخرى أو من خلال تاريخهم، وأدركوا أن هذا النوع من المقاومة كان لديه أفضل احتمالات النجاح مقارنة مع الخيارات الأخرى التي كانت في جعبتهم.

المهارات والظروف
ولكن، وفي خضمّ هذه الانتصارات الملهِمة التي أحرزتها الحركات اللاعنفية، يقدّم التاريخ والعالم المعاصر أمثلة عن حركات مُنيَت بالفشل أو حركات غير حاسمة. فقد شاهد العالم الثورات اللاعنفية التي اندلعت في بولندا وتشيكوسلوفاكيا خلال العام ذاته الذي شهد فيه مذبحة ميدان تيانانمين. وفي العقد الأخير، استخدام عدد كبير من الناس الأساليب اللاعنفية في بورما، وزمبابوي، ومصر، وإيران، إلا أن الأهداف التي وضعتها تلك الحركات نصب عينيها لم تتحقق حتى الآن. وفي النضال من أجل تقرير المصير الذي تكلّل بالنجاح في تيمور الشرقية، كان لا غنى عن المقاومة المدنية . ولكن، وفيما ساعدت المقاومة المدنية على دفع الحركات المدنية ضد المحتَلّين في أماكن أخرى -من قبيل فلسطين، وبابوا الغربية، والصحراء الغربية، والتيبت- فقد ظلّت تلك النضالات دون حل.

ما الذي يقدّم تفسيرًا يوضّح أوجه التعارض بين هذه الحالات وغيرها؟
إن العوامل المسؤولة عن نجاح هذه الحركات أو فشل غيرها إنما تشكّل موضوعاً يمكن أن يكون مثار خلاف بين الناس العقلانيين والواسعي الإطلاع. ويُعتبَر كل وضع معقد للغاية، ومن الصعوبة بمكان في أفضل الأحوال إثبات وجود علاقة سببية مباشرة. وتتمثّل الجدالات التي غالباً ما أسمعها تدور على ألسنة الباحثين، والصحفيين، وغيرهم في أن المسارات التي سلكتها هذه الحركات التي يغلب عليها الطابع اللاعنفي وغيرها والنتائج التي أفضت إليها حددتها إلى حد بعيد الهيكليات، والظروف، والظروف الاستثنائية التي عملت في ظلها كل حركة من هذه الحركات.

على سبيل المثال، تم تقديم حُجج مفادها أن الحركات اللاعنفية تتميّز بالفعالية فقط في المجتمعات التي ليس لدى الطاغية فيها الاستعداد لاستخدام القوة الفتاكة. وقد يدّعي آخرون أن معايير اقتصادية محددة،-أي الأيديولوجيا الاقتصادية، ومستويات الدخل، وتوزيع الثروة، ووجود طبقة متوسطة- إلى جانب مستويات التعليم تكتسب أهمية بالغة بالنسبة للحركات الناجحة. في حين، يدّعي آخرون أن دور القوى العظمى والقوى الإقليمية المهيمنة يلغي أهمية المتغيرات الأخرى في تحديد نتيجة حركة ما. وهنالك الكثير من الهيكليات والظروف الإضافية التي يمكن للمرء أن يستشهد بها: -أي التعددية الإثنية، والتاريخ السياسي والثقافي، وعدد السكان، ومساحة الأرض- ومن المؤكد أنه بإمكان الكثير من هذه الظروف أن تؤثر على مسار حركة ما.

وفي مقابل العوامل الهيكلية والمشروطة، هنالك عوامل تستند إلى المهارات التي تمتكلها حركة ما في شنّ الصراع، أي ما يُسمونه الأكاديميون بـ"الوسيلة". وتشير المهارات والوسيلة إلى المتغيرات التي تسيطر عليها حركة ما إلى حد ما، حيث أنها تتمثّل بإستراتيجية العمل التي تختارها الحركة، واللغة التي تستخدمها لحشد الناس وابقائهم منخرطين، والكيفية التي تقيم بها التحالفات، ومكان استهداف الخصم، وكيفية القيام بذلك بالإضافة إلى مجموعة واسعة من القرارات الأخرى التي ترتبط بالانخراط في المقاومة المدنية.

في نظري، غالباً ما يستهين أولئك الذين يتصلون بالحركات اللاعنفية ويحللونها بهذه العوامل القائمة على المهارات أو يتجاهلونها بصورة كبيرة. أما الأسباب التي تكمن وراء ذلك فإنها تتجاوز نطاق هذا المقال، إلا أن أحد هذه الأسباب قد يتمثّل في أن الناس يشكّون أو يجهلون الافتراض الذي يستند عليه العمل اللاعنفي، ألا وهو أنه يمكن من خلال التحولات في السلوك الجماعي إعادة توزيع السلطة من الخصوم الطغاة المتشبثين بمناصبهم ومنحها لحركات الناس. ويفترض الناس عوضاً عن ذلك بأنه لا بدّ من وجود متغيرات خارجية أو ظروف استثنائية مكّنت الحركات اللاعنفية في الحالات التي حدثت فيها.

ولكن، يمكن أن نحترم الدور الذي تضطلع به الهيكليات والظروف في التأثير على مسارات الحركات اللاعنفية ونتائجها دون التقليل من الأهمية التي تكتسبها الوسيلة والمهارات. وبالفعل، فإن الوسيلة والمهارات تُحدِث فرقاً، ولقد مكّنتا في بعض الحالات الحركات من التغلّب على الظروف غير المؤاتية، أو تجاوزها، أو تحويلها.

لا يخفى على أحد الأهمية التي تكتسبها المهارات والوسيلة وكذلك الأفضلية التي تتمتعان بها أحيانا في تخصصات أخرى، من قبيل الأعمال التجارية والتفكير العسكري. لماذا يجب أن يختلف النضال اللاعنفي في هذا الصّدد؟ سيضحك لواء (جنرال) عسكري أو رئيس تنفيذي لشركة ما إذا ما قيل له أن الإستراتيجية تكتسب أهمية هامشية بالنسبة لنتيجة مساعيهما . لو اعتقد الناس أن الظروف المادية دائما ما تقرر سلفا نتيجة المبارزات والتفاعلات الجدليّة لما اكتسب كتاب فن الحرب الكلاسيكي لصن تسو الشهرة التي اكتسبها.

عودةً إلى السؤال الذي طُرحَ في افتتاحية هذا المقال -ما الذي يجعل حركات المقاومة المدنية اللاعنفية فعالة؟- يمكن أن نبدأ بالعثور على إجابات على هذا السؤال من خلال النظر إلى الخيارات الإستراتيجية والممارسات المثلى التي يمكن أن نستقيها من الحركات التاريخية. تتنوّع العوامل والمهارات القائمة على الوسيلة التي يمكن أن تؤثر على نتيجة حركة ما، ولكن إذا ما اختزلنا هذه العوامل والمهارات الأساسية توخيّا للبساطة، تظهر ثلاثة سمات للحركات اللاعنفية الناجحة، ألا وهي: الوحدة، والتخطيط، والانضباط اللاعنفي.

الوحدة، والتخطيط، والانضباط.

للوهلة الأولى تبدو الأهمية التي تكتسبها سمات كهذه بديهية. إلا أنه أحيانا ما يتم إغفال عمق هذه السمّات وآثارها الشاملة عندما ينظر المرء إلى الحركات على مستوى يغلب عليه الطابع التكتيكي وطابع المكونات. لذا، تستحق كل سمة التوضيح.

تكتسي الوحدة أهمية لأن الحركات اللاعنفية تستمد قوتها من مشاركة الناس في قطاعات المجتمع المتنوعة. ويعني ذلك ببسيط العبارة أن الأعداد تكتسب أهمية. فكلما ازداد عدد الناس الذين يدعمون حركة ما، تزداد الشرعية التي تتمتّع بها الحركة، وسلطتها، وذخيرتها من الأساليب. وبالتالي، تصل الحركات الناجحة بصورة دائمة مع مجموعات جديدة في مجتمعاتها، أي الرجال والنساء؛ والشباب، والبالغين، والكهول؛ وسكان المدن والأرياف؛ والأقليات؛ وأعضاء المؤسسات الدينية؛ والمزارعين، والعمال، وأوساط الأعمال، والمهنيين؛ والأغنياء، والطبقة المتوسطة، والطبقات الاقتصادية الدنيا؛ والشرطة، والجيش، وأعضاء القضاء، والمجموعات الأخرى.

تصل الحركات الناجحة بصورة دائمة أيضا إلى داعمي خصومها، ذلك أنها تفهم أن إحدى نقاط القوة التي تمتاز بها حركة المقاومة المستدامة التي تعمل في خدمة رؤية موحِّدة إنما تكمن في القدرة على إحداث تغييرات في الولاء وانشقاقات في صفوف الخصم. فعلى سبيل المثال، تمكّنت الحركة المناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا بفعل قيامها بالتشويش المتواصل على الحياة المدنية ودعوتها لتحقيق المصالحة الوطنية من اكتساب دعم واسع النطاق وتحقيق الوحدة من أجل التغيير، حتى في صفوف بعض الداعمين البيض الذين سبق وأن دعموا دولة الفصل العنصري.

ويتعيّن أن يتّخذ المشاركون في الحركات اللاعنفية قرارات معقدة عن المسار الذي ينبغي أن تسلكه حركاتهم. ويكتسب التخطيط الإستراتيجي أهمية رئيسية في هذا المضمار. فبصرف النظر عن جدارة القضية التي يناصرها أحدهم أو الأعمال التي ارتكبها الخصم والتي يتعذّر الدفاع عنها أخلاقياً، لا يمكن عادة التغلّب على الاستبداد من خلال أعمال المقاومة اللحظية والإرتتجالية فقط، حتى ولو تم تنفيذها بصورة حسنة. وعوضا عن ذلك، تكتسب الحركات الزخم عندما تخطط كيف يمكن أن ينظّم الناس في المجتمع للمقاومة المدنية ويعتمدونها على نحو منهجيّ في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة والمركّزة.

تكمن بعض القضايا التي ينبغي أن تضع الحركات اللاعنفية بصورة إبداعية إستراتيجيات بشأنها في إتّخاذ قرار حول الأساليب التي يتعيّن استخدامها وكيفية ترتيبها، وتطوير مقترحات تحفيزية من أجل التغيير استناداً إلى تطلّعات الشعب الذي تسعى الحركة لتمثيله وتظلماته، ووضع الخطط بشأن الأفراد والمجموعات التي ينبغي استهدافها بالأساليب، وتخطيط الغايات التي ينبغي تحقيقها في الأجل والمتوسط والطويل، وبناء خطوط اتصال من أجل التفاوض بشأن إقامة التحالفات. ويتطلّب ذلك تحليلا كليّا للوضع الذي يُشنّ فيه النضال اللاعنفي. وتتولّى الحركات الفعّالة كجزء من عملية التخطيط التي تضطلع بها جمع المعلومات بصورة رسمية أو غير رسمية، والإصغاء للناس على المستوى الشعبي، وتحليل ذاتها وخصومها والأطراف الثالثة غير الملتزمة تحليلاً متواصلا أثناء فترة الصراع.

وأخيرًا، تتّسم الإستراتيجية بالفعالية إذا ما تم تنفيذها تنفيذاً منضبطا. وتكمن المخاطرة الأكبر التي تؤدي إلى فشل الانضباط في الحركة اللاعنفية في احتمال نزوع بعض الأفراد إلى العنف. نتيجة لذلك، غالباً ما يُغرَس الانضباط اللاعنفي في نفوس المشاركين بصورة متواصلة، حيث يُعرّف الانضباط اللاعنفي على أنه قدرة الناس على الحفاظ على الطابع اللاعنفي حتى في وجه الاستفزازات. وهنالك أسباب عملية تدفع لهذا الانضباط. إذ يمكن أن تؤدي الحوادث العنيفة التي يرتكبها أعضاء حركة ما إلى تقليص الشرعية التي تتمتع بها الحركة بصورة دراماتيكية، وتعطي خصم الحركة العذر لاستخدام القمع. وعلاوة على ذلك، تمتلك الحركة التي تظل سلمية فرصة أكبر بكثير من [نظيرتها العنيفة] لاستمالة مجموعة واسعة من الحلفاء المحتملين -بمن فيهم حتى داعمي الخصم- في سياق نضالها.

إن استكشاف هذه السمات بصورة كاملة يمكن أن يملأ صفحات الكتب، ويستحق موضوع المقاومة اللاعنفية إعداد دراسات منهجية أخرى حوله وهو يحظى بصورة مستمرة عليها . وتضيف كل حركة تظهر مرجعية معرفية إلى الفهم الجماعي لهذه الظاهرة، ولكن لا يزال هناك الكثير حول فنّ وعِلم هذا الشكل من العمل السياسي والاجتماعي الذي ينبغي تحديده وتطويره.

إلا أن هذه السمات الثلاثة -الوحدة والتخطيط والانضباط- خالدة، وبهذا فإنها تقدم إطار عمل عام يتيح لأعضاء الحركات، وداعميها، والذين يعدّون التقارير والدراسات عنها تقييم وضع حركة ما بسرعة. إذ يتيح لهم هذا التقييم الإجابة عن الأسئلة التالية: هل الحركة موحّدة؟ وهل لديها خطة؟ وهل تتّسم بالانضباط؟ لقد فتحت الإجراءات التي باشرها مَن يجسّدون هذه المبادئ في العمل اللاعنفي آفاقا جديدة صوب عالم أكثر سلماً وعدلاً. وسوف يشكّل أولئك الذين يواصلون تجسيد هذه المبادئ المستقبل.

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

4 من الزوار الآن

874956 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق