المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الثقافة الجماهيرية > الحركات الإسلامية في الجزائر المعاصرة

29 نيسان (أبريل) 2016

الحركات الإسلامية في الجزائر المعاصرة

مقدمة

تشكل الجزائر مع تونس والمغرب وموريتانيا ما يطلق عليه المغرب العربي، وقد تعرضت المنطقة عبر تاريخها الطويل إلى عديد من أنواع الاستعمار والغزو ، من قبل الفينيقيين والرومان . ومن بعد ذلك جاء الفتح الإسلامي عام 647م ، حيث شهدت المنطقة قيام عديد من السلطنات والدول الإسلامية مثل الدولة الفاطمية ، و دولة المرابطين 1056- 1147م ، ثم دولة الموحدين 1138- 1269م . كما تعرضت المنطقة لتأثيرات الشيعة والخوارج والمعتزلة بعد الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (1).
خضعت المنطقة بعد ذلك للفتح العثماني بعد العام 1516م بعد معركة دابق مع مصر بينما الدولة المغربية لم تخضع أصلا للعثمانيين ، وبعدها تعرضت جميع دولها للغزو الفرنسي الذي دخل الجزائر 1830م ، وتونس 1881م، ثم المملكة المغربية 1912م.
كان الاستعمار الفرنسي للجزائر استيطانيا سعى لإدماج المجتمع الجزائري في المجتمع الفرنسي بالكامل واعتبرت البلاد جزءاً من فرنسا حيث أعلن الدستور الفرنسي لعام 1848م أن ولايات الجزائر الثلاث ولايات فرنسية(2) . كما أصدرت فرنسا في عام 1881م قانون التبعية الأهلية الذي منح الإداريين الفرنسيين صلاحيات واسعة لفرض سيطرتهم على الشعب الجزائري ومواصلة سياسة الإدماج من خلال محاربة المؤسسات الإسلامية كالقضاء الشرعي والتعليم الديني مع خلق طبقة إسلامية رسمية مدعومة من السلطة الغازية للإشراف على العبادة في المساجد . لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي حيال ما جرى بهم وببلادهم ولكنهم انخرطوا في حركة مقاومة شرسة انطلقت منذ عام 1881م بصورة مقاومات متقطعة ومتجددة حتى بلغت قمتها باندلاع الثورة الجزائرية المسلحة عام 1954م والتي امتدت لسبع أعوام ونصف وانتهت بخروج المستعمر الفرنسي عام 1962م .
وقد أدّى البعد الإسلامي دورا أساسيا في إشعال الثورة الجزائرية وامتد تأثيره إلي ما بعد الاستقلال وتحاول هذه الدراسة -مستخدمة المنهج التاريخي والوصفي التحليلي- إلقاء المزيد من الضوء على دور الحركات الإسلامية في المحافظة على المجتمع الجزائري .

المد الإسلامي وبدايات المقاومة

بدأت المقاومة الإسلامية بحركة الأمير عبد القادر الجزائري خلال الفترة من 1830م- 1847م حيث تعتبر تلك الثورة أول حركة مقاومة مسلحة ضد الوجود الفرنسي وفتحت الطريق لحركات مقاومة أخرى أعقبتها مع بداية القرن العشرين حركات مقاومة سياسية مهدت الطريق للثورة الجزائرية الشاملة ضد الاستعمار الفرنسي.
تأثرت الجزائر بالدعوة السلفية الإصلاحية حيث أسس الشيخ عبد الحميد بن باديس عام 1924م في قسطنطينة أول مدرسة إصلاحية في الجزائر شاركت في الحركة الوطنية السياسية والثورة الجزائرية وقد وقف العلماء المسلمون الجزائريون إلى جانب الخلافة الإسلامية في تركيا حين تكالبت عليها الدول الاستعمارية ورفض الجزائريون المشاركة في عمليات التجنيد الإجبارية لمحاربة البلاد الإسلامية وخرجت أعداد كبيرة نحو المشرق العربي فرارا بدينهم .
ظهرت آثار الحركة السلفية في الميدان السياسي بعد الحرب العالمية الأولى مع حركة الأمير خالد الهاشمي حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، وكان ضابطا في الجيش الفرنسي وبعد الحرب كون وفدا وطالب الحكومة الفرنسية بتطبيق مبادئ "ودرو ويلسون "على الجزائر وإعطاء أبنائها حق تقرير المصير، وكانت تلك بداية الكفاح الوطني من خلال تكوين هيئة سميت " وحدة النواب المسلمين "وأنشأ لها جريدة سماها الإقدام ، طالب فيها بضرورة إصلاح الأحوال في الجزائر على أساس مبدأ المساواة بين الفرنسيين والجزائريين وإلغاء القوانين الاستثنائية والسماح للجزائريين بدخول مجلس النواب الفرنسي ، وأعقب ذلك ظهور هيئات وجمعيات سياسية ذات اتجاهات مختلفة في ثلاثينيات القرن الماضي ( 3).
من الجمعيات ذات الأهمية القصوي أيضا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي نشأت في عام1931م لأغرض دينية في الأصل بهدف المحافظة على الثقافة العربية الإسلامية للجزائر ضد مساعي طمس الهوية الاستعمارية التي تدخلت في شأن من شؤون الجزائر فخاضت في المسائل السياسية، كما حاول أعضاء الجمعية محاربة البدع التي تفشت في المجتمع الجزائري وتأثروا في ذلك بتعاليم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذ الشيخ محمد عبده، محمد رشيد رضا ، وأنصار الإصلاح في العالم الإسلامي وعلى رأسهم شكسيب ارسلان. اعتمدت جمعية العلماء المسلمين بقيادة الشيح عبد الحميد بن باديس على الإسلام لتجديد الجزائر والوصول بها تدريجيا إلي الاستقلال عن طريق الإعداد للأمة الجزائرية بوسائل الإعلام والتربية والتعليم ،ولهذا رفضت الجمعية التفاهم مع الأحزاب السياسية الفرنسية أو المساومة على حقوق البلاد (4).
ونتيجة لذلك قام الإسلام بدور مهم في الثورة الجزائرية التي اتسمت بالروح الجهادية حيث أطلق على الجندي المقاتل في جيش التحرير الوطني لقب مجاهد وكان الفرد مطالبا بسلوك إسلامي قويم على المستويين العام والخاص . ونتيجة لذلك جاء في إعلان طرابلس قبيل استقلال الجزائر ما يلي : (إن الثقافة الجزائرية ستكون ثقافة وطنية تقوم على اللغة العربية ، وان الإسلام المبرأ من كل البدع والخرافات التي أضرت به ستتم ترجمته بالإضافة إلى كونه عقيدة دينية في إطار عاملين أساسيين هما الثقافة والشخصية ) (5).
التيار الإسلامي في مرحلة ما بعد الاستقلال
بعد أن حصلت الجزائر على استقلالها يوم 5 يوليو 1962 ظهرت خلافات حول شكل الدولة وطبيعتها، وزُجَّ بخيرة أبنائها (المعارضين للتوجهات الاشتراكية في غياهب السجون، وتعرض بعضهم للنفي أو للتصفيات الغامضة في إطار تصفية جيوب الثورة) (6) .
بادرت ثلة من رجالات الجزائر بالسعي إلى تأمين الاستقلال من أن تهتز أركانه أو تسرق الثورة في مهدها.ظهرت جمعيات خيرية تم حلها ومصادرتها والزّج ببعض رموزها في السجون، خاصة بعد أن وُضع رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحت الإقامة الجبرية.عندئذ بدأ التمهيد لفعل شيء ملموس، ولأن النظام لم يكن قد استقر بعد، جاء انقلاب يونيو 1965م، المسمّى بالتصحيح الثوري، ليحول المسار جذريا نحو اليسار الاشتراكي.
وكانت البداية من الجامعة حيث قاد الشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله) مع رفيقه الشيخ محمد بوسليماني (رحمه الله) تنظيما سرّيا أطلق عليه اسم "جماعة الموحدين" مع ثُلّة من الطلبة والأساتذة الذين كانوا يترددون على الحلقات الفكرية التي كان ينشطها الأستاذ مالك بن نبي (رحمه الله(
1971: م أقرّ النظام قوانين الاشتراكية، وظهرت الثورات الثلاث (الصناعية والثقافية والزراعية) ليصدم الشعب بتوجهات غريبة عنه كان من آثارها "تأميم" ممتلكات الشعب باسم الثورة، فظهرت حركات احتجاج وتمرد كان بعض رموزها ظاهرين وأكثرها عائما تحت سطح الأحداث بانتظار الوقت المناسب .
1976 ظهرت بدايات الحديث عن "شيوعية الجزائر" باسم الاشتراكية وتم غزو الأرياف الجزائرية بالمبشرين بحزب الطليعة الاشتراكية وبجنة (كارل ماركس) والحديث بصوت مرتفع عن الإسلام الرجعي الذي يجب أن يستبدل بـ"الإسلام البروليتاري" وإسلام المستضعفين وظهرت "اشتراكية أبي ذر" و"برجوازية عثمان".
وسخّرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة حينذاك، كل ما تملك لطلائع شباب الثورة وسائر التنظيمات التابعة للحزب الواحد والمعروفة باسم المنظمات الجماهيرية.
هنا انتفضت "جماعة الموحدين" ووزّعت نشرة نارية بعنوان "إلى أين يا بومدين؟"، وفي خضم مناقشة الميثاق الوطني ظهر تدين الشعب وتمسكه بمبادئه وثوابته مما أغضب النظام ودفعه إلى التنكيل برموز المد الإسلامي ولو كانوا طلبة في الجامعات بطرق "بوليسية" لا تخفى على أحد ممن عاشوا لحظات الحزب الواحد والنظام الشمولي (التوليتاري).
تم توقيف الشيخ نحناح رحمه الله وجماعة الموحدين ممن كانوا معروفين بنشاطاتهم في الجامعات والأحياء الآهلة بالسكان وحكم عليهم بالسجن لسنوات تراوحت ما بين 3 و 12 عاما نافذة.

1978: مات الرئيس هواري بومدين ودخلت أجنحة النظام في صراع غير معلن تجاذب أطرافه رمزان كبيران مثلهما السيد محمد الصالح يحياوي (أمين عام الحزب الحاكم) والسيد عبد العزيز بوتفليقة (وزير الخارجية وأقرب المقربين من الرئيس الراحل) وانتهى الصراع الخفي إلى اختيار بديل ثالث تمثل في شخص السيد الشاذلي بن جديد الذي تولى رئاسة الجمهورية لمدة 13 عاما.
1981: خرج الشيخ نحناح وجماعته من السجون وأتاح الرئيس بن جديد نوعا من الحريات أمام الجميع، وبدأ التراجع عن الاشتراكية، وظهرت نداءات التجديد والمحافظة داخل الحزب الحاكم، وتولّد عن ذلك ظهور أجنحة متصارعة هبّت عليها رياح الصحوة الإسلامية بعد سقوط شاه إيران وبداية التصدع العربي في الخليج وانكشاف عورات الأنظمة العربية أمام تبجح العدو الصهيوني.
1982: صراع الجامعات واكتساح ممثلي الصحوة الإسلامية لكل منابر العمل
الطلابي في كل جامعات القطر واكتشاف تواطؤ اليساريين مع أجهزة المخابرات السوفيتية قبل سقوط الاتحاد، والتآمر على الإسلام في الجزائر وتورط تنظيمات شيوعية وتروتسكية في "قلاقل" الجامعات، مما سهل مهمة ظهور تنظيمات سرية في كل المدن تقريبا، ونشطت حركة الدعوة والعمل الخيري وبناء المساجد، وأصبحت كل المؤشرات تدعو إلى التغيير.
1988: انفجرت أحداث أكتوبر المأساوية التي جاءت بدستور 23 فبراير 1989، وقبلها كانت جماعة الموحدين قد بادرت بتشكيل جمعية خيرية سمتها "جمعية الإرشاد والإصلاح" وقد لعبت دورا بارزا في توجيه الأحداث والتكفل بالجانب الاجتماعي قبل ميلاد الأحزاب الجزائرية وتناسلها من تحت قبة المادة (40) من الدستور الجديد)7) على النحو الذي سيأتي تفصيله.
الجبهة الإسلامية للإنقاذ
هذه الجبهة حركة إسلامية سلفية في جوهرها، تنادي بالعودة إلى الإسلام، باعتباره السبيل الوحيد للإصلاح والقادر على إنقاذ الجزائر مما تعانيه من أزمات اجتماعية، واقتصادية، واستعمار فكري وثقافي، والمؤهل للحفاظ على شخصية الشعب الجزائري المسلم بعد احتلال دام 132 سنة وترك انعكاسات حضارية عميقة لفّت البلاد كلها بظاهرة التغريب والفَرْنَسة، الأمر الذي حفز ثلة من العلماء آلمهم تردِّي الأحوال إلى التحرك لإثارة الضمير الجزائري والاتجاه إلى الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي (8).
التأسيس وأبرز الشخصيات
• قبل إعلان تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في عام 1989م كانت هناك أنشطة دعوية وأحداث وتجمعات إسلامية عُدَّتْ إرهاصات لقيام جبهة الإنقاذ:
ـ في نهاية السبعينات بدأ الظهور العلني لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية وغيرها وتقاسم العمل الإسلامي المنظم في مدة ما قبل 1988م ثلاث جماعات وهي: جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح ، وجماعة الإخوان المحليين بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزي أو أتباع مالك بن نبي بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد.
ـ في 12 نوفمبر 1982م اجتمعت مجموعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباسي مدني ووجهوا نداءً من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.
• ثم تم تأسيس (رابطة الدعوة) 1989م برئاسة الشيخ أحمد سحنون وذلك لأنه أكبر الأعضاء سناً حيث كان عمره 83 عاماً وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح، وعباسي مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج، ومحمد السعيد.
ومن أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلي (9):
ـ إصلاح العقيدة.
ـ الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية.
ـ تحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر.
ـ النضال على مستوى الفكر.
• دارت حوارات عديدة في (رابطة الدعوة) كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها:
ـ دعوة الشيخ الشاب علي بلحاج إلى تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة) إلا أن الدكتور الشيخ عباسي مدني اقترح لها اسماً آخر هو (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، معللاً هذه التسمية: بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، وهذه الجبهة (إسلامية) لأنه هو السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير (وإنقاذ) مأخوذ من الآية (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) [سورة آل عمران، الآية: 103).
ـ بينما رفض الشيخ محمد السعيد تشكيل الجبهة ابتداء ثم التحق بها بعد الانتخابات البلدية.
ـ ورفض محفوظ نحناح أيضاً فكرة الجبهة (الحزب) في البداية.. ثم أسس حركة المجتمع الإسلامي كما أسس عبد الله جاب الله حركة النهضة الإسلامية.
• وتم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع عام 1989م، وذلك بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم الدكتور عباسي مدني الذي أصبح رئيسًا للجبهة ونائبه الشيخ علي بلحاج وفيما يلي استعراض لسيرة الزعيمين (10).
• الدكتور عباسي مدني:
ولد سنة 1931م في سيدي عقبة جنوب شرقي الجزائر، ودرس في المدارس الفرنسية في صغره إبان الاستعمار الفرنسي، ثم في مدارس جمعية العلماء، وتخرج من كلية التربية ثم انخرط في جهاد المستعمر الفرنسي، واعتقل وقضى في السجن سبعة أعوام حتى إعلان الاستقلال سنة 1962.
تعود الأصول السياسية لعباسي مدني إلى ما قبل حرب التحرير الوطني 1954- 1962 حينما نشط في حركة انتصار الحريات الديمقراطية بقيادة مصالي الحاج. اصطدم مبكرا بسبب أفكاره الدينية مع النهج الاشتراكي الذي اتبعه كل من الرئيسين أحمد بن بلا ( 1962م – 1965م) وهواري بومدين (1965م – 1978م) انضم إلى جمعية القيم التي تأسست سنة 1963. وفي عام 1966 تم منع هذه الجمعية وحلها لاحقا عام 1970 وفي شهر نوفمبر وقع مدني مع آخرين نداء حررته الحركة الإسلامية ووجهته إلى السلطة القائمة آنذاك (الشاذلي بن جديد) فسجن إلى عام 1984. يوصف كنتاج أصيل لجبهة التحرير الوطني حيث كان واحدا من قادتها المحليين المنتخبين إذ انتخب على رأس المجلس الشعبي بولاية الجزائر في بداية سنوات السبعينات. وهو ابن النظام الذي أرسله في تلك الفترة إلى بريطانيا 1975م ـ 1978م لإعداد رسالة دكتوراه في علم التربية مستفيدا من منحة حكومية ثم عاد إلى الجزائر ليقوم بالتدريس في الجامعة.
• الشيخ علي بلحاج
ولد في تونس عام 1956م أصله من ولاية ادرار، جنوب الجزائر، ثم استشهد والداه في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، لم يتحصل على شهادات علمية عليا في الجامعة على عكس مدني. درس العربية ودرَّسها، وشارك في الدعوة الإسلامية منذ السبعينات وسجن خمس سنوات 1983م- 1987م بتهمة الاشتراك وتأييد حركة مصطفى بويعلي الجهادية. تأثر بعلماء من الجزائر ومنهم عبد اللطيف سلطاني وأحمد سحنون وكذلك درس كتابات الشيخ حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم.
ـ انتمى إلى التيار السلفي ، ولذلك لم يتحمس للثورة الإيرانية، وانتقد كتابات الخميني، واعتبر تشيع بعض الجزائريين خطراً على الدعوة الإسلامية يجب التصدي له. انتخب نائباً للرئيس في الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل بعد المظاهرات التي قامت في الجزائر سنة 1988م. ثم أطلق سراحه ثم اعتقل مرة أخرى بعد الإضراب العام الذي دعت إليه الجبهة (11) .
تطلق عليه وسائل الأعلام الأجنبية لقب الرجل القوي وكان من مؤسسي الجبهة حيث شغل منصب عضو مجلس الشوري. دعا يوم 25 يونيو 1991 الجزائريين إلى حمل السلاح ضد الدولة. فتم اعتقاله وسجنه من يوم 30 من نفس الشهر إلى اليوم. يتميز بخطابه الشاعري الحماسي فأصبح من أكبر الخطباء القادرين على إلهاب العواطف وحشد التعبئة. يعود الفضل فى إشعاعه السياسي إلى قدراته الخطابية الفائقة التي اكتسبها منذ أن كان إماما في مسجد السنة بباب الواد ومسجد بن باديس في القبة. تفوق في إمكانية ربط المستمعين بخطبه وانبهارهم بها..
وصفه أحد الصحافيين بأنه روح الجبهة الإسلامية للإنقاذ.. أصبحت انتقاداته العنيفة ضد السلطة مسجلة في ذاكرة الجميع. وبينما هو يعيش في السجن، فان أشرطة الكاسيت التي سجلت له تنتقل بين آلاف الأشخاص مخفية في معاطفهم. تأثيره على شباب الأحياء الفقيرة لا حدود له وما زال ساري المفعول.
• خاضت الجبهة الانتخابات البلدية في عام 1990م، وحققت فوزاً كبيراً في 856 بلدية، وبعد هذا الفوز بدأ الحزب الحاكم في الجزائر وهو ـ جبهة التحرير ـ يشعر بخطر الجبهة على وجوده في الحكم. وبدأت حكومة الجزائر تضع العراقيل في طريق تقدم الجبهة وأصدرت نظاماً جديداً للانتخابات
• على إثر ذلك قامت مظاهرات كبيرة تطالب بالإصلاح، انتهت بمصادمات دامية بعد أن قابلتها بإطلاق النار، واعتقل على إثرها عباسي مدني ونائبه بلحاج بتهمة التآمر على أمن الدولة.
• وعلى الرغم من اعتقال زعماء الجبهة، خاضت الجبهة الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب في الجزائر في 26/12/1991م، وحصلت على 188 مقعداً من أصل 228 في المرحلة الأولى، بينما لم يحصل الحزب الحاكم إلا على 16 مقعداً فقط.
ـ عد فوز الجبهة في الانتخابات التشريعية خطراً يهدد الغرب كله .
ـ بدأت المؤامرات تحاك في الخفاء ضد الجبهة من قبل القوى الصليبية، وبدأت وسائل الإعلام حملة تشويه مركزة على جبهة الإنقاذ.. والمستقبل الأسود الذي ينتظر الجزائر إن حكم رجال الجبهة.
ـ وكان أهم أهداف القوى المعادية للإسلام عدم إتمام المرحلة الثانية من الانتخابات.
• اعتقل الشيخ عبد القادر حشاني الرئيس المؤقت للجبهة في 18 رجب 1412هـ (22/1/1992م) بتهمة تحريض الجيش على التمرد.
ـ ثم بدأت اعتقالات عامة في الجبهة حيث تم اعتقال الآلاف، وهنا دخلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في محنة وصراع مع القوى المعادية للإسلام في الجزائر وخارجها.
• ومن رجال الجبهة أيضاً الذين برزوا خلال الأحداث:
ـ رابح كبير رئيس اللجنة السياسية بالمكتب التنفيذي المؤقت لجبهة الإنقاذ.
ـ الشيخ محمد السعيد وقد برز كخليفة لعباسي مدني حين اعتقاله وقد اعتقل أيضاً.
ـ الشيخ زبدة بن عزوز عضو مجلس الشورى.
ـ الشيخ يخلف شراطي وهو من خريجي جامعة أم القرى ، (قتل في السجن ).
الأفكار والمعتقدات:
تعد آراء جمعية العلماء في الجزائر منذ ابن باديس وحتى الإبراهيمي الجذور الفكرية لجبهة الإنقاذ من حيث الرجوع إلى الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، وكذلك كتابات حسن البنا ، وسيد قطب وغيرهما من القواعد الفكرية للنهضة الإسلامية التي تعتمدها الجبهة (12).
• تعتقد جبهة الإنقاذ أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ويشمل جميع مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها... وتلتقي الجبهة مع حركة الإخوان المسلمين في بعض مبادئها.
• تؤكد الجبهة أن إطار حركتها ودعوتها هو الكتاب والسنة، في مجال العقيدة والتشريع والحكم. لذا فإن نموذج فكرها هو التيار السلفي في التاريخ الإسلامي.
• قدمت الجبهة مذكرة إلى رئيس الجزائر في 7 آذار مارس 1989م تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاجتماعي، وتحوي المذكرة ما يلي:
ـ ضرورة التزام رئيس الدولة بتطبيق الشريعة الإسلامية طالما أنه يحكم شعباً مسلماً.
ـ استقلال القضاء بغرض الحسبة.
ـ إصلاح النظام التعليمي.
ـ حماية كرامة المرأة الجزائرية وحقوقها في البيت ومراكز العمل.
ـ تحديد مجالات للإصلاح، ووضع جدول زمني لذلك.
ـ حل الجمعية الوطنية، والدعوة إلى انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.
ـ تشكيل هيئة مستقلة لضمان نزاهة الانتخابات المحلية.

ـ إعادة الاعتبار لهيئة الرقابة المالية.
ـ إعادة النظر في سياسة الأمن.
ـ إلغاء الاحتكارالرسمي لوسائل الإعلام.
ـ وقف عنف الدولة ضد المطالب الشعبية.
ـ وضع حد لتضخم البطالة وهجرة الكفاءات وانتشار المخدرات.
ـ حماية المهاجرين الجزائريين وضمان التعليم الإسلامي لهم وتسهيل شروط عودتهم.
ـ التدخل لدى الصين والهند والاتحاد السوفيتي (سابقاً) وبلغاريا لوضع حد لاضطهاد المسلمين.
ـ وضع خطة لدعم الانتفاضة الفلسطينية ونجدة المجاهدين الأفغان.
• وتتضح أفكار الجبهة ومبادئها في النداء الذي وجهه بعض العلماء كالدكتور عباسي مدني قائد الجبهة ، وهو ما أطلق عليه (نداء 12 نوفمبر 1989م)، وكذلك من بيانات الجبهة الموجهة للحكومة وللشعب الجزائري، ما يمكن إيجازه فيما يلي:
ـ ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها.
ـ توفير الحرية للشعب ورفع الظلم والاستبداد.
ـ اعتماد الاقتصاد الإسلامي ومنع التعامل بالحرام.
ـ إعمال الشريعة في شأن الأسرة ورفض الأسلوب الفرنسي الداعي إلى التحلل.
ـ المطالبة بالاستقلال الثقافي، والتنديد بتزوير مفهوم الثقافة.
ـ إدانة إفراغ التربية والثقافة من المضمون الإسلامي.
ـ شجب استخدام الإعلام من قبل الدولة في مواجهة الصحوة الإسلامية.
ـ معاقبة المعتدين على العقيدة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ـ النهوض بالشعب إلى النموذج الإسلامي القرآني السني.
ـ الإشعاع على العقول بأنور الهداية وإنعاش الضمائر بالغذاء الروحي الذي يزخر به القرآن والسنة، وشحذ الإرادة بالطاقة الإيمانية الفعّالة.
ـ العمل بالدين القويم لإنقاذ مكاسب الشعب التاريخية وثرواته البشرية والطبيعية دون إضاعة للوقت.
ـ العمل على وحدة الصف الإسلامي، والمحافظة على وحدة الأمة. قال تعالى: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). [سورة الأنبياء: الآية: 92] وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
ـ تقديم بديل كامل شامل لجميع المعضلات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية في نطاق الإسلام. قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) [سورة آل عمران: الآية: 19) وقال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).[سورة الإسراء، الآية:9].
ـ الإنقاذ الشامل، أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها). [سورة آل عمران: الآية: 103].
ـ تشجيع روح المبادرة وتوظيف الذكاء والعبقرية وجميع الإرادات الخيّرة في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري.
• وقفت الجبهة في وجه مصالح الغرب عامة وفرنسا خاصة وهذه المصالح تتمثل في:
ـ إبعاد الإسلام عن السياسة تماماً.
ـ فتح الأسواق للبضائع الأوروبية والأمريكية.
ـ جر المجتمع الجزائري المسلم للتغريب والإبقاء على الثقافة الفرنسية بكل أشكالها.
• من هنا كان فوز الجبهة في المجالس التشريعية خطراً حقيقيًّا من وجهة نظر الغرب على هذه المصالح، وصرح سيد أحمد غزالي ( رئيس الوزراء في ذلك الحين) عندما وصلته نتائج الاقتراع "إن الشعب صوّت ضد الديمقراطية " فكان من نتيجة ذلك إلغاء الانتخابات لأنهم يريدون ديمقراطية بدون إسلام، وكذلك تدخل الجيش وفرض الارتداد عن نهج تسليم السلطة سلميًّا للطرف الفائز في الانتخابات وتشكيل جهاز جديد للحكم وتشكيل سلطة مدعومة عسكريًّا، وبدأ اعتقال عناصر الجبهة القيادية والشبابية وإيداعهم في سجون نائية في قلب الصحراء حتى يتوقف المد الإسلامي. وأصدرت المحكمة الإدارية قراراً بحل الجبهة وسحب البساط من تحت أقدامها حتى يمكن اتخاذ كافة الإجراءات لمصادرة نشاطها، ولكن ظل قادة الجبهة يعلنون أن الدولة الإسلامية في الجزائر قائمة لا محالة بهم أو بغيرهم اليوم أو غداً إن شاء الله، وقد استقال الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بعد الفوز الساحق للجبهة، وتولى الحكم الرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل وظلت الأحداث تتوالى سراعاً ؛ حتى تولى الحكم أخيرًا عبد العزيز بوتفليقة الذي هدأت الأمور في عهده .
حركة مجتمع السلم
هي حركة سياسية شعبية إصلاحية شاملة، شعارها: العلم والعدل والعمل، وثوابتها: الإسلام، واللغة العربية، والانتماء للأمة الإسلامية، والنظام الجمهوري، والحريات الخاصة والعامة، والتداول السلمي للسلطة من خلال الواقعية والموضوعية والمرحلية (13).
ومرجعيتها:
- الإسلام بمصادره ومقاصده الكبرى باعتباره قوة جمع وتوحيد وضبط وتقارب بين أطراف الأمة الإسلامية وتوجهاتها وتطلعاتها، وهو كذلك مصدر إلهام وتجديد، وعنصر تفاعل للشعب، ورعاية مصالحه عبر الاجتهاد الجماعي والتعاون على البر والتقوى.
- تراث الحركة الوطنية وتاريخها الحافل بالبطولات، وميراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفضائل الزوايا التي كانت منبع إشعاع حضاري وإحياء للروح الوطنية والجهادية للشعب غداة الاستعمار (1830-1962(القيم الحضارية السامية التي توصل إليها الفكر البشري لإسعاد البشرية وتحقيق استقرارها وأمنها الاجتماعي ورفاهها الاقتصادي.وللحركة أهداف نبيلة تسعى إلى تحقيقها بالكفاح السلمي والحوار الديمقراطي والشورى الشرعية.
مسار الحركة بعد عودة الديمقراطية للجزائر
1990: انتشرت الأحزاب السياسية حتى أن عددها فاق السبعين (70) حزبا وتنظيما من مختلف المشارب الوطنية واليسارية والجهوية والعلمانية والإسلامية التي كان من أبرزها وأقواها وأكثرها انتشارا في الساحة الوطنية((14
- الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحت رئاسة الشيخ عباسي مدني.
- جمعية الإرشاد والإصلاح التي ترأسها الشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله).
- جمعية النهضة الإسلامية التي ترأسها الشيخ عبد الله جاب الله.
- رابطة الدعوة الإسلامية التي ترأسها الشيخ أحمد سحنون (رحمه الله) والتي دعا إلى تأسيسها الشيخ محفوظ نحناح في إطار فكره التعاوني بين الإسلاميين، حيث دعا أيضا إلى تشكيل التحالف الوطني الإسلامي حماية للمشروع الإسلامي ودعما لمعاني الأخوة والوحدة الإسلامية.
غير أن منهج المغالبة والأحادية الذي سلكه زعماء جبهة الإنقاذ استفزّ المؤسسة العسكرية، وهدّد مصالح الداخل والخارج، فكانت الخطة المحكمة قلب طاولة اللعب بعد انتخابات 26 ديسمبر 1991.م.
6 ديسمبر 1990: بعد اختلاط الحابل بالنابل، أعلنت جماعة الشيخ محفوظ نحناح عن تأسيس حزب سياسي جديد (بعد أن نفضت يديها من كل محاولات إصلاح ذات البين أو التعاون، مع الأحزاب الإسلامية القائمة التي كانت تطلب الاندماج والذوبان الكامل في كياناتها) ووجدت الجماعة نفسها مضطرة إلى حفظ كيانها من تهديدات الداخل والخارج (عبر منهجية التميز) فأعلنت عن ميلاد (حركة المجتمع الإسلامي: حماس).
29 مايو 1991: عقد أعضاء الحركة (حركة مجتمع السلم) أول مؤتمر لحزبهم، وتم اعتماد القانون الأساسي والنظام الداخلي واللوائح الضابطة للمسار السياسي، وانتخب الشيخ محفوظ نحناح رئيسا للحزب.
لم تتخلف الحركة عن المشاركة في كل الاستحقاقات الانتخابية منذ بدايتها يوم 12 يونيو 1990 إلى 8 أبريل 2004 ورفضت الحركة سياسة الكرسي الشاغر، وسياسة المواجهة، وقد كان لمشاركتها أثر فعّال في تنشيط الحياة السياسية.
- لم تكف الحركة عن محاولات جمع الشمل ورأب الصدع.
- لم تتخلف عن تقديم المبادرات السياسية لإصلاح ذات البين حتى صارت تعرف باسم "حركة المبادرات".
-  لم تتخل عن التزاماتها تجاه الشعب رغم المحن.
- رفضت الحركة العنف بكل أشكاله، ومن أي جهة كان ودعت بالمقابل إلى الحوار، ودعت كذلك إلى الوسطية والاعتدال ونادت بالمصالحة الوطنية.
- فقدت أكثر من 500 كادر من كوادرها في مقدمتهم الشيخ بوسليماني رحمه الله (نائب رئيس الحركة(
-  1994: شاركت الحركة في ندوة الوفاق الوطني التي جاءت بالسيد اليمين زروال رئيسا للدولة، واقترحت ميلاد هيئة تشريعية بديلة عن "المجلس الاستشاري" الذي شكله الرئيس المغتال محمد بوضياف (رحمه الله)، فكان ميلاد "المجلس الوطني الانتقالي" الذي شاركت فيه حركة المجتمع الإسلامي (حماس) بخمسة أعضاء هم: عبد المجيد مناصرة.عبد القادر بن قرينة. بشير طويل.موسى رزيـق و عبد اللطيف بن وارد.كأول تجربة مشاركة سياسية للحركة في أجهزة السلطة والحكم.
-  1995: دخلت (حماس) بمرشحها لرئاسة الجمهورية السيد محفوظ نحناح (رحمه الله) وتحصلت على المرتبة الثانية بواقع 3.2 مليون صوت وبنسبة 25 % من الأصوات ، وكان الهدف من هذا الترشح هو إعادة بناء مؤسسات الدولة الجزائرية وترسيم خط الوسطية والاعتدال وبيان الوجه الصحيح للإسلام والحركة الإسلامية.
-  1996: دخلت الحركة في الحكومة بوزيرين كأول تجربة لدخول الإسلاميين الجزائريين إلى الجهاز التنفيذي هما وزير وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وزير وزارة كتابة الدولة للصيد البحري .وكانت هذه التجربة مشجعة على التحاق آخرين من حركة النهضة فيما بعد (بوزيرين) بعد أن تأكدت كل الأطراف من أن مسار الحركة ناضج وواعد
-  .1997: شاركت الحركة في الانتخابات البرلمانية التعددية الأولى، وكذلك في المحليات (البلدية والولاية)، وكان حظها دون مستواها الحقيقي بسبب ما طال العملية الانتخابية من تزوير، فقد حصلت على 71 مقعدا بالبرلمان وحوالي 1100 مجلس محلي منها حوالي 24 بلدية تسيّرها الحركة.
بفضل هذه النسبة ارتفع عدد الوزراء إلى 7 حقائب هي :
- وزارة الصناعة وإعادة الهيكلة
-  - وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
-  - وزارة السياحة والصناعات التقليدية
-  - وزارة النقل
-  - كتابة الدولة للصيد البحري
-  - كتابة الدولة للبيئة
-  - كتابة الدولة للصناعات التقليدية
-  وقد اتضحت معالم المشاركة السياسية بشكل عام، وفي الجهاز التنفيذي بشكل خاص، وصارت حديث وسائل الإعلام كون التيار الإسلامي قد أثبت جدارته في التسيير والتحكم وقدرته على التعايش مع التيارات المحسوبة على العلمانية مما وفر على الجزائر جهدا كبيرا ووقتا ثمينا وقلص مدة المراحل الانتقالية، ومهد لميلاد ديموقراطية تشاركية في حدها الأدنى
-  في منتصف مدته، استقال الرئيس اليمين زروال، وتسارعت الأحداث لتنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، حُرِم من خلالها الشيخ محفوظ نحناح بقرار إداري متعسف في حقه وفي حق حركة مجتمع السلم المكيفة مع قوانين الجمهورية سنة 1996 بالتنازل عن اسمها القديم (حركة المجتمع الإسلامي) إلى (حركة مجتمع السلم) بحجة عدم استخدام الثوابت الوطنية لأغراض سياسية، ومع ذلك تعسفت الإدارة وحرمت الشيخ نحناح من المشاركة في السباق خوفا من صعوده إلى سدّة الحكم بعد أن تعاظم تيار المتعاطفين مع الحركة بين سنوات 97-1999.
-  1998عقدت حركة مجتمع السلم مؤتمرها الثاني في مارس 1998 بقصر الأمم بنادي الصنوبر، الجزائر العاصمة، تحت شعار "السلم والتنمية"، والذي كرس منهج المشاركة وعمق خط الوسطية والاعتدال ونادى بضرورة الائتلاف والتحالف للمساهمة في إخراج البلاد من أزمتها.
1999تم تنظيم الانتخابات الرئاسية المسبقة التي خاضها سبعة مرشحين في غياب الشيخ نحناح (المقصى من السباق بافتعال شهادة العضوية في الثورة) ومع هذا الإقصاء وتغليبا للمصلحة العامة على المصلحة الحزبية– وقف الشيخ محفوظ نحناح موقفا جيدا مشرفا من الانتخابات، وسامح الذين أقصوه، أو تسببوا في إقصائه، ووقّع عقد ائتلاف حزبي ضم كل من (15):
- جبهة التحرير الوطني.
-  - التجمع الوطني الديمقراطي.
-  - حركة النهضة.
-  - حركة مجتمع السلم.
-  لدعم ترشيح السيد بوتفليقة في السباق الرئاسي خوفا على الجزائر من أن تسقط في أيدي العلمانيين، أو تعود إلى دوامة العنف من جديد .ومع أن أداء الحركة في الحكومة، كما في البرلمان، قد تميز بديناميكية جديدة وساهم في رفع الغبن عن كثير من المواطنين إلا أن النتائج الإيجابية لم تشفع للحركة في الاستحقاقات التي تلت ذلك.
-  2002 جرت الانتخابات البرلمانية، وبعدها الانتخابات المحلية، في نفس السنة، و وجدت حركة مجتمع السلم نفسها تتقهقر إلى المرتبة الرابعة، بعدما كانت تحتل المرتبة الثالثة، بواقع 38 نائبا بالبرلمان، و38 بلدية وحوالي 1200 مجلس محلي ممّا عرّضها لكثير من المزايدات السيّاسية والمضايقات الحزبية
في19 (يونيو)2003م: انتقل مؤسس حركة مجتمع السلم إلى مثواه الأخير مخلفا وراءه منهجا واضحا، وجماعة متماسكة، وتجربة في آخر أطوار نضجها، ووطنا بدأ يخرج من محنته وأزمته الوطنية شيئا فشيئا في أجواء تسيطر عليها ظلال ما بعد 11 سبتمبر 2001، وبؤر توتر دموية مأساوية (فلسطين، العراق ) .
في 8 أغسطس) 2003م: انعقد المؤتمر الثالث للحركة لينتخب الشيخ أبو جرة سلطاني خلفا للشيخ محفوظ نحناح، وفي أول خطبة له تعهد الرئيس الثاني للحركة بأربعة التزامات جوهرية:
-  أنه سيبقى وفيّا لخط الشيخ محفوظ نحناح ومنهجه، في الوسطية والاعتدال، واعتماد أسلوب الحوار مع جميع الأطراف، ونبذ العنف من أية جهة كان وتحت أي مبرر كان.
-  - أنه لن يحيد عن خط المشاركة التي ترفض سياسة الكرسي الشاغر، كما ترفض التفرد بالحكم والسلطة، وأنه من دعاة تجسيد شعار "الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع"، دون تمييز بين أبناء الجزائر وبناته من "تاء" تلمسان إلى "تاء" تبسة، ومن "تاء" تيزي وزو إلى "تاء" تمنراست
-  - أنه ملزم أخلاقيا وأدبيا وسياسيا باستكمال كل العهود والعقود والمواثيق المسطرة في أدبيات الحركة ومواثيقها.
-  - أنه سوف يبذل جهودا إضافية للانتقال بالحركة من مرحلة التأسيس إلى مرحلة المؤسسة تجسيدا لشعار مؤتمرها الثالث "نحو طور جديد" بما يتناسب وطبيعة المرحلة وطنيا، وإقليميا ودوليا.
-  في8 أبريل 2004م: جرت الانتخابات الرئاسية التعددية الثالثة التي اختار فيها مجلس الشورى الوطني ترقية الائتلاف الحزبي إلى تحالف رئاسي على أساس "ميثاق" ضم(16)
-  - جبهة التحرير الوطني.
-  - حركة مجتمع السلم.
-  - التجمع الوطني الديمقراطي.
-  في وثيقة تم توقيعها يوم 16 فبراير 2004 تتضمن مبادئ وثوابت وأهدافا وآليات عمل، وبعد عملية انتخابية جديدة في الجزائر فاز مرشح المصالحة الوطنية السيد عبد العزيز بوتفليقة بأغلبية كبيرة بلغت 84.99%.
وهي الانتخابات التي فسحت مجالا للخروج من الأزمة وتحقيق المصالحة الوطنية وحل مختلف الملفات العالقة:
-  - ملف المفقودين.
-  - ملف الشراكة.
-  - الملف الاقتصادي.
-  - ملف السكن
-  ولا تزال الحركة تسعى للمساهمة مع بقية التنظيمات الجزائرية لحل هذه الملفات العالقة برؤية متفق عليها تخرج بالجزائر من دوامة العنف والتردي
الجماعات المسلحة
مثل جارتيها الشرقية تونس والغربية المغرب، فان للحركة الإسلامية في الجزائر "عمقا تاريخيا" بالمفهوم الزمني، حيث عرفت البلاد بالتوق إلى "التعريب والدفاع عن الهوية الإسلامية" في مواجهة واحد من أقسى التجارب الاستعمارية التي عرفتها البشرية ممثلة في الحكم الصارم الذي يعتمد على العنف والقسوة والجبروت كما سبق ذكره (17).
وفي السنين التي أعقبت الاستقلال ظلّ التركيز طيلة أكثر من عقدين من الزمن على "ربح الزمن الضائع" من خلال برامج التعليم التي ارتكزت على "استعادة الهوية العربية والإسلامية"، وفي ظلّ جوّ عام من النظر بريبة إلى كل ما هو غربي، شكل التوجه الإسلامي أبرز أفق "للانعتاق" لدى الجزائريين.وأقر الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، عام 1988، وتحت تأثير الظرف العالمي الذي شهد انهيار حائط برلين والمعسكر الشرقي، تعديلا أنهى سلطة الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير، وهو ما أدى إلى إنشاء عشرات الأحزاب، كانت الأحزاب الإسلامية أقواها، ولاسيما جبهة الإنقاذ الوطني، التي تزعمها عباس مدني وعلي بلحاج كما سبق ذكره.
غير أنّ الجيش ذا التوجهات الغربية العلمانية، سرعان ما تدخل لوقف "ما يمكن أن ينتج عن الجديد"، فعمت الفوضى البلاد ودخلت فى حرب أهلية، شهدت انشقاق حركات "فرعية" عن جبهة الإنقاذ، سرعان ما اندثر أضعفها وبقي منها حركتان أساسيتان هما: الجماعة المسلحة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال.وفيما لا يعرف أي فرق أيديولوجي بين الجماعتين، يرجح فريق من المراقبين أنّ "صراع الزعامات" هو فقط الذي لا يجمعهما.
فيما يعتقد خبراء أمنيون أنّ الفرق في الأهداف هو الذي يفصل الجماعتين، حيث تركز الجماعة المسلحة على الأهداف المحلية، فيما للجماعة السلفية للدعوة والقتال بُعد "عالمي يجعلها على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة."ويعتقد خبراء أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال خفضت من هدفها الأصلي، وهو الإطاحة بالحكومة لصالح استهداف الغربيين، والترويج لعملياتها من خلال استخدام مهارات متزايدة على الانترنت.
يمكن القول أن الجماعات المتشددة المسلحة في الجزائر والمغرب من غير المرجح أن "تقوم بالدور الأساسي" في تحدي سلطة الدولة، لأن هناك قوى سياسية أخرى تعمل في تلك البلاد.
وفيما باتت "أخبار" الجماعة المسلحة نادرة، تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير عن أنشطة للجماعة السلفية للدعوة والقتال، ولاسيما في غضون السنوات الثلاث الماضية، حيث نفذت أعمالا مسلحة في الصحراء الغربية والنيجر ومالي وتشاد، وكذلك في موريتانيا.إلا أنّ التقارير تشير أيضا إلى أنّ الجماعة "منهكة" بفعل الاستنزاف ومقتل رموزها، مثل نبيل صحراوي، واعتقال "خلفائه" مثل عماري صيفي، المعروف بالبارا، وهو ما أدى، وفقا للسلطات الجزائرية، إلى تضاؤل أعداد أعضائها من 28 ألفا أواسط التسعينات إلى نحو 800 حاليا (19).
على أنّ "خطورة العنف" الذي تمارسه الجماعة القريبة جدا من الغرب(أوروبا)، وكذلك "مغاربية" نشاطها في الآونة الأخيرة، و"الخبرة" التي أحرزتها في مواجهتها، تجعل منها "خطراً " في كل الأوقات.
خاتمة
اتضح مما سبق عمق الارتباط الإسلامي للجزائر ودور الإسلام في وحدة المجتمع الجزائري تاريخا وحاضرا ومستقبلا واختلاط السكان المحليين من الأمازيغ بالوافدين من العرب وتشكيل أمة إسلامية موحدة استطاعت تكوين العديد من الممالك المار ذكرها ثم قوى دور الإسلام في مطالبة البلاد بالاستقلال بعد تعرضها لنير الاستعمار الاستيطاني الفرنسي .
بعد الاستقلال ظل الصوت الإسلامي حاضرا في الساحة كترجمة حقيقية لأشواق الجزائريين للعودة إلى الهوية الوطنية الخالصة التي حاول المستعمر طمسها فكان الجميع ينادي بالجذور الإسلامية و حتى من ادعي الاشتراكية حاول ربطها بالإسلام ، وعندما هبت رياح التغيير الديمقراطي في ثمانينات القرن الماضي كان التيار الإسلامي قد تقاسم ثمرات الفوز وحصد جل الأصوات مما كان سيمهد الطريق لإقامة النموذج الإسلامي في الحكم عبر صناديق الاقتراع إلا إن أصابع الاستعمار الخفية قد تحركت في جنح الظلام مستخدمة ألاعيبها التاريخية فتمكنت من إلغاء نتائج الانتخابات في جولتها الثانية لسد الطريق أمام الاسلامين حتى لا يصبحوا تجربة ناجحة لحزب إسلامي يأتي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وقد تم تكرار نموذج التدخل والإلغاء في أماكن أخري من العالم الإسلامي كما في تركيا وفلسطين فكانت النتيجة أن تم جر البلاد إلى دوامة العنف والصراع التي لم تسلم منها إلى تاريخ إعداد هذه الدراسة ، ومع تلك الأجواء القاتمة فانه ما زال في الأفق بريق ضوء لانتشال البلاد من وهدتها إذا اتيحت الحرية للجميع.وقد برز شيء من ذلك في برنامج الوئام الوطني ، نسأل الله أن تكون ساحة المليون ونصف المليون شهيد أرضا للسلام والوئام ونموذجا للدولة الناجحة والمستنيرة والقادرة على العطاء لجيرانها وعالمها.

- إعداد : د. إبراهيم محمد آدم

ملاحظة

المراجع والمصادر
1.لقبال موسي – المغرب العربي – قسطنطينة- 1969- ص16 .
2.حسن سيد سليمان – الإسلام السياسي في الجزائر – ورقة منشورة ضمن كتاب الإسلام في إفريقيا – تحرير مدثر عبد الرحيم والتيجاني عبد القادر – شركة دار الحكمة للطباعة والنشر المحدودة – الخرطوم – 1992م ص80.
3.جلال يحيى – المغرب الكبير – الفترة المعاصرة وحركات التحرر والاستقلال – الدار القومية للطباعة والنشر – الإسكندرية جزء 3 -1966م – ص1043.
4.حسن سيد – مصدر سابق – ص80
5. نفس الصدر – ص83
6.مجلة البيان: الأعداد 23، 48 (وفيه ملف أحداث الجزائر).
7.مؤسسة يافا للدراسات والبحوث – الثورة الإسلامية في الجزائر – النص الكامل للبرنامج السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ – القاهرة – 1991م – ص3-5
8.نفس المصدر _ نفس المكان
9.مجلة البيان: الأعداد 23، 48 - مصدر سابق-.
10.نفس المصدر – نفس المكان
11.مجلة المجتمع عدد 26/6/1990م.. مقابلة مع نائب رئيس الجبهة الشيخ علي بلحاج.
12.مؤسسة يافا للدراسات والبحوث – الثورة الإسلامية في الجزائر- مصدر سابق.
13. مجلة الإصلاح العدد 169 (2 رجب 1412هـ).
14.حركة مجتمع السلم – كبرى الحركات الإسلامية في الجزائر – مقال بموقع المنتدي الالكتروني – 1 يونيو 2005م.
15.نفس المصدر
16.نفس المصدر
17.نفس المصدر
18.مقال بعنوان :الجماعات الإسلامية المتشددة في المغرب العربي – موقع قناة CNN بالعربية – 15 مارس 2007م
19. نفف المصدر

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

7 من الزوار الآن

871194 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق