المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 6.0 فلسطيننا > تهويد مدينة القدس جوهر المشروع الصهيوني (دراسة سوسيولوجية )

14 آذار (مارس) 2015

تهويد مدينة القدس جوهر المشروع الصهيوني (دراسة سوسيولوجية )

(دراسة سوسيولوجية )

الملخص

يدرس هذا البحث نشأة الاستيطان وتطوره في مدينة القدس خلال المراحل التاريخية حتى المرحلة الحالية. كما يبيّن الأطواق التي شكلتها المستوطنات حول مدينة القدس والمخاطر التي تنشا عنها. ويستعرض البؤر الاستيطانية داخل المدينة والدور الذي تؤديه. ويوضح المشروعات الإسرائيلية الهادفة إلى محو الشخصية العربية في القدس وصولاً إلى تهويدها وتحويلها إلى القدس الكبرى، وهو الهدف الصهيوني الأساس في استيطان القدس ومن ثم فلسطين. تهويد القدس هو جوهر المشروع الصهيوني ومآله الأخير. اليوم يستكمل هذا المشروع حلاقاته الأهم من خلال تكثيف الاستيطان في مدينة القدس ومحيطها، محدثاً تغيرات على أرض الواقع تؤدي إلى إلغاء هوية القدس العربية والإسلامية، وجعلها عاصمةً يهوديّة تقطنها غالبيةٌ ساحقة من اليهود مع أقليّة فلسطينيّة معزولة يُمكن السيطرة عليها، أو - وهو الأحسن - تهجيرها نهائياً خارج المدينة. كما تبيّن الممارسات اليومية للاحتلال الصهيوني في القدس، التي تستهدف تهويد المدينة المقدسة كمقدمة لقيام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

مقدمة

تعدُّ القدس مدينة مقدسة لدى الديانات التوحيدية الثلاث. فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وهي أكبر مدن فلسطين التاريخية التي تخضع اليوم للسيطرة الإسرائيلية. والقدس من أقدم مدن الأرض في العصر التاريخي فقد هدمت وأعيد بناؤها أكثر من 18 مرة في التاريخ، وترجع نشأتها إلى 5000 سنة ق.م، حيث شيدها الكنعانيون، وأعطوها اسمها، وفي 3000 ق.م. سكنها العرب اليبوسيون، وأقاموا المدينة في مكانها الحالي، وهي تقع على خط العرض 31.52 شمالاً، وعلى خط الطول 35.13 شرقي جرينتش، وترتفع 892م عن سطح البحر .
أطلق اليبوسيون عليها اسم مدينة السلام، نسبة إلى سالم أو شالم "إله السلام" عندهم، وقد ظهرت في هذه المدينة جماعة آمنت بالتوحيد برعاية ملكها "ملكي صادق"، وقد وسع ملكي صادق المدينة وأطلق عليها اسم "أور سالم" أي مدينة السلام. وحملت القدس العديد من الأسماء عبر مراحل التاريخ، ورغم هذا التعدد إلا أنها حافظت على اسمها الكنعاني العربي. شيدت النواة الأولى للقدس على تلال الظهور (الطور أو تل أوفل)، المطلة على بلدة سلوان، إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، لكن هذه النواة تغيرت مع الزمن وحلت محلها نواة رئيسية تقوم على أربعة جبال: جبل موريا (ومعناه المختار) القائم عليه مسجد الصخرة والمسجد الأقصى،وجبل صهيون، وهو يعرف بجبل النبي داوود، ومعناه الجبل المشمس الجاف، وهو يشكل الجزء الجنوبي الغربي من جبال بيت المقدس الأربعة،وجبل أكرا، حيث توجد كنيسة القيامة، وجبل بزيتا (بيت الزيتون) في الشمال الشرقي للمدينة بين باب الساهرة وباب حطة، وهي المرتفعات التي تقع داخل السور فيما يعرف اليوم بالقدس القديمة .
تهويد القدس هو جوهر المشروع الصهيوني ومآله الأخير. اليوم يستكمل هذا المشروع حلاقاته الأهم من خلال تكثيف الاستيطان في مدينة القدس ومحيطها، محدثاً تغيرات على أرض الواقع تؤدي إلى إلغاء هوية القدس العربية والإسلامية، وجعلها عاصمةً يهوديّة تقطنها غالبيةٌ ساحقة من اليهود مع أقليّة فلسطينيّة معزولة يُمكن السيطرة عليها، أو - وهو الأحسن - تهجيرها نهائياً خارج المدينة.

المبحث الأول: الإجراءات المنهجية

1 – 1- مشكلة الدراسة:
تركز هذه الدراسة على الاستيطان الصهيوني الذي تعرضت له مدينة القدس خلال تاريخها إبان المرحلة العثمانية مروراً بالاحتلال البريطاني لفلسطين، والدور الذي أدّته بريطانيا في تيسير أعمال التهويد من خلال الهجرة وحيازة الأراضي، وسياسة التنظيم البلدي التي رعتها بريطانيا، التي روعي فيها مصلحة الاستيطان اليهودي واحتياجاته، وترصد النشاطات الاستيطانية منذ قيام "دولة إسرائيل" عام 1948 واحتلالها الجزء الغربي من المدينة. كما تتناول الدراسة المخططات الصهيونية للاستيلاء على القسم الشرقي من القدس وضمه إلى الجزء الغربي بعد احتلاله في عام 1967 إلى يومنا الحالي، وتحويل القدس الموحدة إلى القدس الكبرى أو كما يسميها الصهاينة "مدينة داود".

1 – 2 - أهداف الدراسة:
هدفت الدراسة إلى تتبع البدايات الأولى للاستيطان في القدس، والمراحل التي مر بها، مرحلة الخلافة العثمانية، ومرحلة الانتداب البريطاني، ومرحلة قيام " إسرائيل" عام 1948، ومرحلة عدوان حزيران عام 1967، وصولاً إلى المرحلة الراهنة. وتبيين الوسائل المستخدمة في مخططات الاستيطان الصهيوني، تمهيداً لتهويد المدينة المقدسة.

1 – 3 - أسئلة الدراسة:
تجيب الدراسة عن جملة من الأسئلة الأساسية التي تشكل مشكلتها، والتي تتطلب محاولة إيجاد عرض لها والدخول في مناقشات علمية حولها، وهي كما يأتي:
1 - ما العلاقة بين المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري، ولماذا ربط نفسه بالمشروع الاستعماري؟
2 - على أي أساس تقوم الادعاءات الصهيونية في القدس؟
3 - ما جوهر فلسفة الاستيطان في الفكر الصهيوني؟
4 - كيف بدأ الاستيطان في القدس وما المراحل التي مر بها على الصعيد العملي؟
5 - ما أهم المستوطنات التي أقيمت في القدس وحولها، وما خطورتها على الوضع الديمغرافي للسكان العرب؟

1 – 4 - منهج الدراسة:
تعتمد الدراسة على المنهجين التاريخي والوصفي التحليلي بهدف وصف ما يجري في مدينة القدس وتحليله في إطار تاريخي للاستيطان الصهيوني في مدينة القدس، وأثره في محو هويتها العربية والإسلامية.

1 – 5 - الدراسات السابقة:
لا شك أن هناك دراسات عديدة تناولت الاستيطان في فلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص ومن هذه الدراسات:

1 - دراسة عبد الرحمن أبو عرفه "الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية" . تناول فيها الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، في محاولة للإلمام بجوانب الاستيطان ومراحله، وصولاً إلى فهم صحيح للقضية الفلسطينية بمختلف جوانبها. وتوصل الباحث في نهاية دراسته إلى أن الاستيطان ظاهرة فريدة، ربما لم يشهد التاريخ مثيلاً لها.
2 - دراسة للدكتور وليد الجعفري عن "المستوطنات (الإسرائيلية) في الأراضي العربية المحتلة" ، قدمت خلال الندوة الدولية عن المستوطنات (الإسرائيلية) في الأراضي العربية المحتلة. أسهمت في زيادة التعريف بالحقائق المتعلقة بالاستيطان وأشكاله ومراحله والمخاطر الناجمة عنه، من أجل تدعيم الجهود الدولية لحماية الشعب الفلسطيني وتثبيت حقوقه المشروعة في وطنه.
3 – دراسة محمد أمير قيطة "المستوطنات (الإسرائيلية) في الضفة الغربية وقطاع غزة/ دراسة جيوبولوتكية" ، وهي عبارة عن رسالة دكتوراه، في جغرافية الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جانب تحليل وضع فلسطين عبر التاريخ بدءاً من أول مستوطنة أُقيمت في (بتاح تيكفا) مروراً بوعد بلفور وتناول ظاهرة الاستيطان والمستوطنات كأهم مشكلة تواجهها الدولة الفلسطينية المقترحة.
4 – دراسة للدكتور رياض علي العيلة والدكتور أيمن عبد العزيز شاهين "الاستيطان اليهودي وتأثيره السياسي والأمني في مدينة القدس" ، حيث درس الباحثان الآثار السياسية والأمنية للاستيطان وأهدافه، وتوصلا إلى مجموعة من النتائج أهمها:

- تتبوأ قضية القدس أهمية خاصة في إطار قضايا الوضع النهائي، التي أجلها المفاوضون الفلسطينيون و(الإسرائيليون).
- لمدينة القدس أهمية في مخططات الاستيطان (الإسرائيلي)، إذ له أبعاد سياسية، لفرض الأمر الواقع من أجل تهويد المدينة.
- رغم دخول العرب مفاوضات عملية السلام منذ نهاية 1991 في العاصمة الاسبانية مدريد، إلا أن النشاط الاستيطاني الصهيوني لم يتوقف و لو للحظة خاصة في مدينة القدس، حيث تعدُّ الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة القدس، بشقيها المحتل عام 1948 والمحتل عام 1967 عاصمة أبدية لدولة (إسرائيل)، وذلك على الرغم من أن قرارات الشرعية الدولية تعدُّ القسمين أجزاء محتلة.

المبحث الثاني: المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري

2 – 1 - الادعاءات الصهيونية في القدس:

تعدُّ الأطماع الصهيونية بالقدس، جزءاً من المخططات الصهيونية العامة التي جرى تنفيذها في فلسطين على مراحل منذ نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن الأطماع بالقدس تتميز بطابع خاص تظهر لكل من يتتبع تصريحات الزعماء السياسيين للصهيونية، وضمن أقوال هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول 1897 "إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون" . وقال بن غوريون" ...لا معنى لفلسطين دون القدس ولا معنى للقدس دون الهيكل".
والحجة الظاهرة التي تعتمد عليها الصهيونية هي جزء من الادعاء بالحقوق التاريخية والروابط الدينية التي تربط اليهود بفلسطين، وجاء تصريح بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ومن بعده صك الانتداب على فلسطين عام 1923، استناداً إلى هذا الادعاء، كما استوحت حكومة الانتداب سياستها منه، واتجهت اللجنة الخاصة التي أوفدتها الأمم المتحدة في أعقاب عرض القضية عليها 1947 نحو بحث الحق التاريخي الذي ينادي به اليهود لإثبات صلتهم بفلسطين، وفي 14 أيار 1948 أصدرت (إسرائيل) إثر إعلان إنشائها تصريحاً أبلغته إلى مجلس الأمن أشارت فيه إلى (الحق التاريخي لليهود بالرجوع إلى وطنهم وبناء دولتهم).
إن أهداف الصهيونيين الحقيقية في القدس حافزها مادي صرف، والوقائع تثبت أن هدفهم المدينة المقدسة وصولاً إلى احتلال فلسطين كلها، يضاف إلى ذلك الرغبة في قهر الإرادة العربية بانتزاع القدس من العرب، فالقدس هي المفتاح الاستراتيجي لفلسطين، وتعود أهميتها في المنطقة منذ القدم إلى مناعتها الحربية لوقوعها على التلال المرتفعة وإحاطتها بالأسوار العالية ولسيطرتها على طرق المواصلات الرئيسية، فضلاً عن كون القدس من أغنى الموارد الاقتصادية في البلاد نظراًَ لأنها قبلة الحجاج والسياح إلى الأراضي المقدسة.

2 – 2 - فلسفة الاستيطان في الفكر الصهيوني:
تكمن فلسفة الاستيطان الصهيوني في زعم المفكرين والقادة الصهاينة أن فلسطين هي "إسرائيل أو صهيون" وأن تاريخها قد توقف تماماً برحيل اليهود عنها، بل إن تاريخ اليهود أنفسهم قد توقف هو الآخر برحيلهم عنها، ولن يستأنف هذا التاريخ إلا بعودتهم إليها فهو تاريخ مقدس"، وقد جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقيدة التوراتية في طرحها الاستيطان، حيث حولت ممارساتها العملية لاستعمارها الاستيطاني في فلسطين إلى مفهوم توراتي "عودة الشعب إلى أرض الميعاد" وبذلك يتم استقبال المهاجرين اليهود من أصقاع العام إلى فلسطين كمهاجرين إلى "أرض إسرائيل".
وكتب العضو السابق لما يسمى بالكنيست الإسرائيلي يشعياهو بن فورت في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بتاريخ 14 / 7 / 1972 . "إن الحقيقة هي لا صهيونية دون استيطان، ولا دولة يهودية دون إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم وتسييجها" .
إذاً فالاستيطان الإسرائيلي هو التطبيق العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بشتى الوسائل بحجج ودعاوى دينية وتاريخية باطلة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وجلب أعدادٍ، كبيرة من شتات اليهود من مختلف أنحاء العالم وإحلالهم بدلاً من العرب الفلسطينيين، بهدف إقامة دولة صهيونية، نظراً لما تؤديه فلسطين من أهمية استراتيجية في هذه البقعة من العالم .
إن فلسفة الاستيطان أساسها المرويات التوراتية، والمرويات هي "شظايا ذكريات مكتوبة أو شفهية، وسلاسل من القصص، وأعمال أدبية معقدة،سجلات إدارية، وأغانٍ وحكم نبوية، وكلمات مأثورة عن فلاسفة، وقوائم وحكايات: كلها عُدّت ذات معنى ضمن كل مترابط، متراكم،جمع ونظم انتقائياً وفسًر باعتباره ماضياً مبعثراً" .
ولا يمكن عدّ المرويات حقيقة علمية، ومن ثمَّ لا يمكن استخلاصها من التوراة، لأن أساس التقييم النقدي يبقى منفصلاً عن التوراة، في تاريخ نقوش وحفريات أقاليم فلسطين. لأن " التاريخ يقوم على البحوث وهو يتعلق بالطبيعة وليس بما وراء الطبيعة" .
ويتابع توماس طومسون Thomas L. Thompson قائلاً: " إن مفهوم بني إسرائيل: إثنية وشعب مرتبط بالاتحاد والروابط العائلية والأصل المشترك، يملك ماضياً مشتركاً ومتجهاً نحو هدف مستقبلي ديني مشترك،ليس انعكاساً لأي كيان سياسي – اجتماعي في دولة إسرائيل تاريخية في الحقبة الآشورية. ولا يمكن عَدُّ ديانة إسرائيل مطابقة لديانة فلسطين الماضية" .
2 – 3 - الحركة الصهيونية والمشروع الاستعماري:
تعود بدايات المشروع الاستعماري الغربي إلى ظروف الثورة التجارية التي شهدتها أوروبا، بدءاً من القرن الخامس عشر، وما رافق تلك الثورة من مساعٍ محمومة بذلتها بريطانيا والدول الأوروبية التجارية الأخرى، من أجل التوسع واقتسام التجارة العالمية، خاصة مع الهند، عبر المشرق العربي وغيره .
بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين، تلوح في الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد ترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري الغربي، لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليـهم من الواجـبات، وإنما هم شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين، يجب أن يعودوا إليه . وفي عام 1649 رفع اثنان من «البيوريتان» التطهريين الإنكليز المقيمين في هولندا عريضة إلى حكومتهم يطالبانها بالسماح بعودة اليهود إلى بريطانيا، والعمل مع هولندا من أجل إعادة توطينهم في فلسطين . وفي عام 1655 سُمح لليهود بالعودة إلى بريطانيا في ظل أوليفر كرومويل Oliver Cromwell، الذي أدرك فائدة استخدام اليهود أداة لتحقيق الخلاص منهم أولاً، وبسبب نفعهم للاقتصاد الإنكليزي واستخدامهم كجواسيس . وقدم التاجر الدانمركي أوليغربولي Oleger Paulli سنة 1695 إلى ملك بريطانيا وليام الثالث، وملك فرنسا لويس الرابع عشر، خططاً مفصلة بهذا الشأن لإعادة اليهود إلى فلسطين.
كما اقترح الماركيز دي لانغاليري de Langallerie، وأمير ليني Prince de ligne خططاً مشابهة في عامي 1714 و1797 على التوالي. واقترح نابليون بونابرت إقامة دولة يهودية في فلسطين، لاتخاذها ذريعة للتدخل في شؤون الدولة العثمانية خدمة لمصالح الغرب التوسعية. كما وجه إعلاناً في 20 نيسان 1799 خلال حصاره عكا دعا فيه «جميع يهود آسية وأفريقية للانضواء تحت لوائه من أجل إعادة تأسيس أورشليم القديمة» .
وخلال مرحلة الثورة الصناعية اكتسب الخطاب الصهيوني بعداً علمانياً، بل وتجارياً جغراسياً، عندما اقترح أحد رجال الدين ضرورة توطين اليهود في فلسطين «لتحقيق الخلاص وحماية الطريق إلى الهند» ، كما عبر الفلاسفة عن ذلك في كتاباتهم مثل جون لوك، واسحق نيوتن، ودافيد هارتلي، وبريستلي، وروسو. وأصبحت فكرة الشعب العضوي، التي تعود إلى الفكر الألماني الرومانسي، أساس الفكر الصهيوني الفلسفي وفكر «معاداة اليهود»، أي ما يسمى «معاداة السامية Anti-Semitism» معاً. فالفكر الذي أسبغ على اليهود هوية عضوية فريدة وحولهم إلى شعب عضوي يضرب جذوره في أرض فلسطين هو نفسه الذي جعل منهم مادة بشرية غريبة لا مكان لها في الحضارة الغربية، ومن ثم يصبح الفولك Volk أو الشعب العضوي شيئاً منبوذاً. وترى فكرة الشعب العضوي أن الانتماء القومي ليس مسألة اختيار أو إيمان، وإنما هو رابطة عضوية، تكاد تكون بيولوجية، بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها والتربة التي عليها هذه الجماعة .
تدل هذه الملاحظات، أن البعد الجغراسي الكامن وراء الفكر الصهيوني بين غير اليهود، أخذ يصبح أكثر حدة، بل أصبح البعد الرئيسي، بسبب قرب المفكرين الصهاينة من غير اليهود من صانع القرار. أمثال هنري إنس Henry Innes وزير البحرية البريطانية، وجورج غولر G. Gawler حاكم استراليا، واللورد شافتسبري السابع شقيق زوجة رئيس وزراء بريطانيا بالمرستون Palmerston، حيث تبنى فكرة الشعب العضوي المنبوذ، الذي تربطه بفلسطين علاقة. «إن أي شعب لا بد أن يكون له وطن. الأرض القديمة للشعب القديم" .
في القرن التاسع عشر، اشتدت حملة الدعوات للمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين، وانطلقت هذه الدعوات من أوروبا مستغلة المناخ السياسي السائد حول الأطماع الاستعمارية الأوروبية في تقسيم ممتلكات الرجل المريض "الدولة العثمانية" والتي عرفت حينئذٍ بالمسألة الشرقية، وقد تولى أمر هذه الدعوات عدد من زعماء اليهود وغيرهم،أمثال :اللورد شاتسبوري Shattesboury الذي دعا إلى حل المسالة الشرقيـة عن طريق استعمـار اليهـود لفلسطيـن ، بدعم من الدول العظمى، ساعده في ذلك اللورد بالمرستون Palmerston ( 1784 – 1856)، الذي شغل عدة مناصب منها، وزير خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس وزرائها حيث قام بتعيين أول قنصل بريطاني في القدس عام 1838 وتكليفه بمنح الحماية الرسمية لليهود في فلسطين، كما طلب من السفير البريطاني في القسطنطينية التدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين .
ورأى شافتسبري السابع أن الشعب المنبوذ يمكن أن يوظف في خدمة الإمبراطورية والعالم الغربي بأسره، خصوصاً في سورية ـ بما في ذلك فلسطين ـ نظراً لأهميتها الاقتصادية والجغراسية، ومدى الحاجة لإسفين بريطاني هناك .
ويرى لورانس أوليفانت Laurence Oliphant الذي عمل بعض الوقت في السلك الدبلوماسي البريطاني في الشؤون الهندية، وكان عضواً في البرلمان البريطاني، أن حل مشاكل الدولة العثمانية، يتم بإدخال عنصر اقتصادي نشط في جسدها المتهاوي، وأن اليهود هذا الشعب العضوي المنبوذ، هم هذا العنصر.
وقد عارض أوليفانت الجهود التي كانت تبذلها جماعة الأليانس لتهجير اليهود إلى الولايات المتحدة لإنقاذهم، وقام بجمع توقيعات من اليهود على عريضة، يؤكدون فيها رغبتهم في الهجرة إلى فلسطين لا إلى غيرها من البلدان . ونشر عام 1880 كتابه «أرض جلعاد The Land Of Gilead» الذي نادى فيه بضرورة توطين اليهود في فلسطين. ويرى شارل فورييه Charles Fourier أن اليهود هم "المستغلون الرئيسيون لأوروبا"، ولذا طالب بطردهم من فرنسا وتحويلهم إلى "شعب معترف به في فلسطين" .
ويلاحظ أن جميع هذه الأفكار هي امتداد لرؤية العصور الوسطى الغربية إلى اليهود. وكلتاهما تنطلق من ضرورة التخلص منهم. والمدقق لهذه الأفكار التي طرحت قبل عشرين عاماً من ميلاد هرتزل، يلاحظ أنها تتضمن ملامح المشروع الصهيوني، كما ورد في برنامج بازل، مما يؤكد أن المشروع الصهيوني نتاج المشروع الإمبريالي الغربي، وإحدى تجلياته. لكن المشروع الصهيوني بقي حبيس وهم الاستقلال اليهودي عن المشروع الإمبريالي، فلم يتمكن أن ينجز إلا القليل، وبقي في إطار التصورات النظرية .
أدرك هرتزل منذ البداية التلاقي بين رؤية اليهود الصهيونية والرؤية المعادية لهم. ورأى الإمكانات الكامنة في التعاون بين الطرفين، وأنه لن يتأتى لليهود تحقيق مشروعهم القومي إلا من داخل مشروع استعماري غربي. عندما قال: "سنقيم هناك في [آسية] جزءاً من حائط لحماية أوروبا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة [الغربية] في وجه الهمجية" . حيث يتخلص الغرب من اليهود ومشاكلهم، ويتحول هؤلاء إلى عنصر نافع في الدولة اليهودية، التي تتحول إلى قاعدة للغرب، بعد أن يتم تفتيت الشرق العربي، الأمر الذي يخدم مصالح الغرب ولا شك. واقترح حاييم وايزمان Weizmann تبني استراتيجية حل المشكلة "من أعلى" من ناحية المصالح الغربية، أي أن يقدم الصهاينة أنفسهم كونهم وكلاء الدولة الإمبريالية الراعية أو عملاءها .
التقت الأحلام الصهيونية في "العودة" إلى فلسطين وتأسيس دولة يهودية في الأراضي المقدسة، مع أطماع الاستعمار الغربي ومشاريعه التوسعية. وتآمر الفريقان على إقامة كيان بشري غريب يفصل عرب أفريقية عن عرب آسية، ويكون قاعدة قوية ومساندة للاستعمار والإمبريالية في وسط الأقطار العربية الساعية للتطور وعرقلة نموها واستقلالها واتحادها، مما أدى إلى صدور وعد بلفور بتاريخ 2 تشرين الثاني عام 1917، الذي شكل الحقيقة الأساسية في تاريخ الحركة الصهيونية، وكان تجسيداً عملياً لما دعا إليه هرتزل، بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين مقابل حماية المصالح الاستراتيجية الغربية في المنطقة. مما يؤكد وجود علاقة عضوية بين استيطانية الاستعمار الصهيوني ووظيفته الاستراتيجية. ولا يزال إدراك الإسرائيليين لدورهم، وإدراك العالم له يدور في هذا الإطار.
ولعل "الاتفاق الاستراتيجي "الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وإسرائيل عام 1984 تتويج لهذا الإدراك لطبيعة دور الدولة الصهيونية وعلاقتها بالعالم الغربي، الذي ينظر إليها كونها الحليف الذي يمكن التعويل عليه، وإلى المغانم الاستراتيجية الأساسية الهائلة التي يجنيها. ومن هنا نفهم أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل هي في جوهرها مساعدة لخدمة المصالح الأميركية الاستراتيجية.
إن نجاح غرس إسرائيل في المنطقة، وتقدمها، في عصر مضمونه الرئيسي هو التحرر الوطني، لا يمكن أن يفسر إلا بتضافر أمرين: العنف الشديد الذي تدافع به الإمبريالية عن مواقعها في المنطقة، وأوجه الضعف الهيكلية التي يعاني منها الوطن العربي نفسه.

المبحث الثالث: الاستيطان في القدس

3 – 1 – بدايات الاستيطان في القدس:
الاستيطان هو الآلية التي جرى من خلالها تجسيد الوجود الصهيوني فوق الأرض الفلسطينية منذ بداية وجوده قبل قرن من الزمان، وقام على إنشاء مستوطنات ومدن استيطانية خاصة بالمهاجرين اليهود. وكانت الهجرة منذ البداية ذات طابع استعماري استيطاني عنصري، ترفض الاندماج وتهدف إلى التحكم والسيطرة من خلال قهر السكان الأصليين. ودأبتَ السياسة الصهيونية منذ البداية في المضي في مشروعها الاستيطاني لترحيل ما تبقى من السكان الأصليين عبر سياسات سكانية وإسكانية، اقتصادية اجتماعية وعسكرية متنوعة أدت إلى نزوح مئات الألوف منهم بعد الاحتلال عام 1967.
والواقع أن الاستيطان في القدس انطلق قبل عام 1897، بستين عاماً، وإن كان بخطوات، قليلة وخجولة، على يد ممولين يهود متحمسين أمثال مونتيفيوري وروتشيلد. ففي عام 1827، بدأت رحلات عملية لإقامة أحياء يهودية في القدس. كان من نتيجتها شراء أول قطعة أرض عام 1855 وأقيم عليها أول حي سكني خارج أسوار القدس سنة 1857 عرف باسم حي (مشكانوت شعنا نيم وعرف فيما بعد يمين موسى). وفي السنوات الممتدة بين عامي 1842 و1897، أُقيمت أحياء وكُنُس عدة، وبُنيت 27 مستوطنة في منطقة القدس وما حولها، إحداهن أنشئت بطريق الخداع عام 1859، إذ قيل وقتها إن المنشآت لبناء مستشفى، لكن بُنيتْ أحياء يهودية على امتداد الطرق المؤدية إلى بوابات المدينة الغربية والشمالية والجنوبية، وجرى ذلك تحايلاً على القانون وبمساعدة من القنصل البريطاني في القدس، فلم تدخل القوات البريطانية مدينة القدس في 11 كانون الأول 1917، إلا وكانت المرحلة الأولى قد نُفِّذت، لمحاصرة القدس وتحقيق الأكثرية اليهودية فيها .
وهكذا شكّلت المدينة المقدسة هدفاً استيطانياً مركزياً عند الحركة الصهيونية منذ المرحلة الأولى حيث أخذت عملية الاستيطان شكل التسلّل بدوافع دينية واقتصادية وسياسية في أثناء الحكم العثماني ليشكّل هذا التسلّل مرتكزاً للغزوة الصهيونية في أثناء الاحتلال البريطاني الذي تواطأ بشكلٍ لا لبْس فيه مع الحركة الصهيونية فسمَحَ بالهجرة بأوسع أشكالها وأعطى الوجود اليهودي تسهيلات مبرمجة هيأت لقيام الكيان الصهيوني.

3 – 2 - الاستيطان في مرحلة الاستعمار البريطاني:
بدأت عملية تهويد القدس في العهد البريطاني في أعقاب دخول الجنرال اللنبي، بقيام المهندس ماكلين، مهندس مدينة الإسكندرية بوضع الخطة الهيكلية الأولى لمدينة القدس. وبناء على الخطة الهيكلية التي وضعها كاندل عام 1918، قسمت المدينة إلى أربع مناطق: "البلدة القديمة وأسوارها، المناطق المحيطة بالبلدة القديمة، القدس الشرقية، والقدس الغربية" . ونصت الخطة على منع البناء منعاً باتاً في المناطق المحيطة بالبلدة القديمة، ووضعت قيوداً على البناء في "القدس الشرقية"، وأعلنت عن "القدس الغربية" كمنطقة تطوير.أما في عهد المندوب السامي الأول، هربرت صموئيل اليهودي الصهيوني (1920ـ1925)، فقد شهدت القدس سمات التهويد الأولى البارزة.
ابتدأت معالم التهويد تظهر مع بناء المستعمرات الأولى على هضاب القدس (وهي ما أصبحت تدعى بالمستوطنات فيما بعد)، فكانت روميما عام 1921 المستعمرة الأولى، لحقت بها تل بيوت 1922، وبيت هاكيرم 1923، وميخور حاييم وميخور باروخ، ورحافيا، وكريات موشيه،و نحلات آحيم 1924، وبيت واجن ومحانايم، وسنهادريا 1925، وكريات شموئيل 1948، ونحيلا، وكيرم أفراهام 1929 وأرنون، وتل أرزه 1931، حتى أصبح عددها ست عشرة مستعمرة وضاحية وحياً عام 1948. ومنهم من يعدُّها اثنتي عشرة فقط، وفقاً للمقاييس المتبعة حجماً وأهمية، إلا أنه من الجدير بالذكر أن عدد الأحياء والمستعمرات اليهودية التي بنيت فقط في عهد المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل، بلغت إحدى عشرة ضاحية يهودية ما بين عامي 1921ـ 1925 ، وهذا يعني أن معظم ما بني في عهد الانتداب قد بني في عهد المندوب السامي الأول. كما شهدت تلك المرحلة تدفق رؤوس الأموال اليهودية ولاسيّما المهاجرين الذين جاؤوا من ألمانيا وبولونيا والذين كانوا في معظمهم من الطبقة المتوسطة، الذين باعوا أملاكهم وصفّوا أعمالهم وانتقلوا مع رؤوس أموالهم إلى فلسطين. بحيث قدر أحدهم مجموع الأموال التي وظفها اليهود في فلسطين، خلال السنوات 1932ـ1935، بنحو 31 مليون ليرة فلسطينية، مقابل 20 مليوناً وُظِّفَتْ خلال السنوات 1921ـ1931. حسب تقدير ارلوزروف . (في الوقت الذي بلغت فيه ميزانية حكومة فلسطين السنوية نحو 2 مليون جنية) هذا في الوقت الذي تدفقت فيه رؤوس الأموال الأميركية والغربية إلى فلسطين لاستثمارها في مشاريع إقامة "الوطن القومي اليهودي"، حصلت القدس منها على نصيب وافر. بحيث أخذ ينتقل إليها، أو يقام فيها تدريجياً، عدد كبير من المؤسسات الصهيونية واليهودية، لجعلها مركزاً سياسياً وإدارياً وتعليمياً. فأصبحت المدينة مقراً للجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية، والصندوق التأسيسي، والصندوق القومي اليهودي، والمجلس الوطني لليشوف، والحاخامية الرئيسية. وفي سنة 1925 افتتح بلفور الجامعة العبرية في القدس، والتي وضع حجر الأساس لها حاييم وايزمن بحضور الجنرال اللنبي في 24 تموز 1918، أي قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى تماماً ببضعة أشهر. أقيم عدد من هذه المؤسسات على هضبة جبل المشارف (سكوبس) في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة القديمة، وهو موقع استراتيجي يسيطر على شمال المدينة ويشرف على القرى المجاورة، كما يشرف على وادي الأردن وجبال الأردن الغربية كما أنه الاتجاه الوحيد المتبقي أمام أي توسع للجزء العربي من المدينة ناحية الشمال، مما يشكّل حصاراً للمدينة، يتكامل مع أطواق الاستيطان اليهودي، من الجهة الغربية، والجنوبية الغربية. ذلك أن توسع المدينة العمراني لم يسر بشكل متساوٍ في جميع الاتجاهات، إذ إنَّ سلطات الانتداب قامت بوضع مخططات تنظيمية عدة للمدينة، راعت إلى حد كبير خارطة الاستيطان اليهودي في المدينة القائمة والمستقبلية، وقيدت إمكانات التوسع الفلسطيني، القائمة والمستقبلية. يضاف إلى ذلك طبيعة الموقع المتفاوت طبوغرافياً، الذي تحكم في هذا التوسع، فمن جهة الغرب - التي طالها التوسع أكثر من بقية الأجزاء الشرقية - توفرت التربة الخصبة، والأمطار والمياه، والانحدار التدريجي باتجاه اللد والرملة، والسهول الساحلية. على نقيض المنحدرات الشرقية شديدة الانحدار، وفقيرة التربة. وقد أدى ذلك إلى أن تتوسع حدود البلدية عدة مرات. فقد وصلت مساحتها عام 1930 إلى17 ضعفاً من مساحة البلدة القديمة. أو ما يقارب 4800 دونم، ارتفعت عام 1948 إلى 20131 دونم .
وشهدت مرحلة الانتداب البريطاني طفرة في عدد المستوطنات حيث ارتفع عددها ليصل إلى 304 مستوطنة ، بسبب تعاون بريطانيا مع الحركة الصهيونية لطرد الفلسطينيين وسلب أراضيهم وزرع المستوطنين فيها. حيث قال بن غوريون: "إن العرب لم يدخلوا ولم يحتلوا أية مستوطنة يهودية مهما كانت بعيدة قبل خروج القوات البريطانية من فلسطين!! في حين احتلت الهاجاناه عدة مواقع عربية.." . وهكذا وقبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين 1948م كانت المنظمات الصهيونية قد تمكنت من السيطرة على فلسطين، وجعلها قاعدة لتحقيق باقي الحلم الصهيوني المتمثل في إقامة (إسرائيل)، ودمرت ما يقارب من 472 قرية ومدينة فلسطينية بعد ارتكاب المجازر – كمجزرة دير ياسين وقبية وغيرهما – ضد النساء والشيوخ والأطفال .
على أن ملكية اليهود في الجزء الغربي من القدس قبل عام 1948، لم تتعدَ في مجموعها20%؛ والباقي مملوك لفلسطينيين مسيحيين ومسلمين وهيئات مسيحية دولية. كان هذا القطاع، يضم الأحياء السكنية الفلسطينية الأكثر ثراء، وكذلك أغلبية القطاع التجاري الفلسطيني. في حين كانت ملكية الأراضي اليهودية ما قبل سنة 1948 في"القدس الشرقية" الراهنة محدودة جداً. ففي داخل البلدة القديمة ضمت الحي "اليهودي" الذي لم تتجاوز مساحته 5 دونمات. وخارج البلدة القديمة، ضمت مستشفى هداسا ومجمع الجامعة العبرية على جبل المشارف وكلاهما لا يتجاوزان 100 دونم، ومستوطنتي عطروت ونفي يعقوف بمساحة 500 دونم و489 دونماً على الترتيب .
قفز عدد المهجرين اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين من 1806 مهاجر سنة 1919 إلى 8223 سنة 1920 و 13892 سنة 1924 و 34386 سنة 1925 و 37337 سنة 1933 و66422 سنة 1935 و 22098 سنة 1947. وقد أسهم ذلك في تعزيز الجالية اليهودية في القدس بشكل كبير. وكانت نسبة الذين استوطنوا القدس من هؤلاء على النحو الآتي: 40.7% سنة 1922؛ 30.8% سنة 1930؛ 16.7% سنة 1946؛ و11.6% سنة 1948 .
وعلى الرغم من ذلك، فإن العرب كانوا يملكون داخل حدود بلدية القدس عام 1947، ما مجموعه 11.191 دونماً من أصل 19.326 (منها 3305 دونمات أراضي الدولة)، في حين يملك اليهود 4830، أي أن العرب كانوا يملكون ثلاثة أضعاف الأرض . ووفق إحصاءات 1945 فإن لواء القدس كان يغطي مساحة 1.57 مليون دونم، منها 88.4% كان يملكها عرب، و2.1% يملكها يهود، و9.5% أرض عامة.
أثارت الأرقام المتصاعدة للمهاجرين اليهود إلى فلسطين، والسياسة البريطانية التي تلخصت بتسهيل إقامة الوطن القومي اليهودي، مخاوف الشعب العربي الفلسطيني وقياداته في فلسطين. فقام الشعب الفلسطيني بعدد من الانتفاضات والثورات، وكان من أبرزها ثورات وانتفاضات1920، 1929، 1933و 1936ـ1939. وكانت القدس مركز هذه الثورات جميعاً أو الشرارة التي انطلقت منها.

3 – 3 - الاستيطان بعد قيام دولة (إسرائيل):
مع إعلان دولة (إسرائيل) في أيار 1948م وما بعدها، ضمت (إسرائيل) الضواحي جميعها في (القدس الغربية) التي كان نصف سكانها عرباً ونصفهم يهوداً قبل النكبة، حيث كان يسكن العرب في 15 مربعاً و يملكون 3/4 أراضيها ومبانيها, واحتلت (إسرائيل) ثلاثة عشر مربعاً. وعليه فإنه من الخطأ الاعتقاد أن اليهود ضموا الأجزاء اليهودية من القدس وأن العرب ضموا الأجزاء العربية نتيجة لحرب 1948 .
يمكن اختصار الممارسات (الإسرائيلية) في القدس بأنها تقوم على أساس خطوات مبرمجة للزحف في أراضي القدس، وتوطين المهاجرين اليهود، فصادرت الجزء الأكبر من مساحة أراضي القدس، وفي عام 1965م أصدر الكيان الصهيوني قانوناً "يعدُّ كل من غادر المناطق التي تحتلها (إسرائيل) إلى خارج فلسطين مهاجراً وغائباً عن أرضه ولذلك فإن ملكيتها تعود للدولة"، وبموجب ذلك القانون استملك الكيان الصهيوني000،000،2 دونم فضلاً عن 990،000،2 دونم من الأراضي الفلسطينية مع 73 ألف غرفة من بيوت السكن و7800 محل تجاري بجميع محتوياتهم من الأثاث والبضائع وغيرها في المدن والقرى التي طرد أصحابها منها .
كانت السيطرة على الأرض الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية منذ نشأة الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين، وتابعتها إسرائيل بعد قيامها حتى الآن، وقد رافق عمليات الاستيلاء على الأراضي، عملية تغيير ديموغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تجلب أعداداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم، ليحلوا مكان السكان العرب الفلسطينيين، وفي أعقاب الأزمات السياسية المتعاقبة التي حدثت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية في المناطق التي وُجِدَ فيها اليهود، تعرضت الأراضي الفلسطينية لخمس موجات متتالية من الهجرات اليهودية :
الموجة الأولى حدثت بين عامي 1882-1903، إذ هاجر نحو عشرة آلاف يهودي من روسيا في أعقاب حادثة اغتيال قيصر روسيا وما تبعتها من عمليات اضطهاد لليهود هناك.
الموجة الثانية حدثت بين عامي 1904-1918، وصل عدد المهاجرين إلى 85 ألف مهاجر.
الموجة الثالثة حدثت بين عامي 1919-1923 بعد حدوث الثورة البلشفية في روسيا، وبلغ عدد المهاجرين في هذه الموجة نحو 35 ألف مهاجر.
الموجة الرابعة وحدثت بين عامي 1924-1932،حيث هاجر نحو 62 ألف مهاجر بسبب قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسن قوانين حدت من الهجرة إليها.
الموجة الخامسة وكانت بين عامي 1933-1938، حيث بلغ عدد المهاجرين في هذه المرحلة نحو 164000 مهاجر بسبب التشريد الذي حل بالمخيمات اليهودية في مناطق الاحتلال النازي، وإلى جانب هذه الموجات كانت هناك هجرات سرية قام بها اليهود الشرقيين (السفارديم) من جهات مختلفة من اليمن والحبشة وأفريقية الشمالية وتركيا وإيران وذلك في الأربعينيات، وذلك بسبب قيام سلطات الانتداب البريطاني بفرض قيود على الهجرة اليهودية تقرباً من العرب للوقوف بجانبها في الحرب العالمية الثانية . وقد بلغت حصيلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى عام 1948 نحو 650 ألف مهاجر يهودي، وبعد قيام دولة إسرائيل قامت بتشجيع الهجرة اليهودية وذلك بسن العديد من القوانين مثل قانون العودة عام 1950، وقانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952، فازداد عدد المهاجرين، حيث بلغ بين عامي (1948-1967) 120075 مهاجراً .
مما سبق يتضح لنا أن الاستيطان اليهودي مر بأربع مراحل ، ونحن نضيف أننا نمر بالمرحلة الخامسة والأخيرة من مراحل الاستيطان:

المرحلة الأولى: بدأت منذ انعقاد مؤتمر لندن عام 1840 بعد هزيمة محمد علي واستمرت حتى عام 1882، وكانت هذه المرحلة البدايات الأولى للنشاط الاستيطاني اليهودي، إلا أن مشاريع هذه المرحلة لم تلقَ النجاح المطلوب بسبب عزوف اليهود أنفسهم عن الهجرة إلى فلسطين، والتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الانخراط في مجتمعاتهم، ومن أبرز نشطاء هذه المرحلة اللورد شافتسبوري، واللورد بالمرستون، ومونتفيوري .
المرحلة الثانية: بدأت عام 1882 واستمرت حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، وفي هذه المرحلة بدأ الاستيطان الفعلي في فلسطين، وشهدت الموجات الأولى والثانية من الهجرة اليهودية إلى فلسطين خصوصاً من أوروبا الشرقية وروسيا، ومن أبرز نشطاء هذه المرحلة لورنس أوليفانت، وروتشليد، وهرتزل، وفي هذه المرحلة بدأت المؤتمرات الصهيونية العالمية وأسست المنظمة الصهيونية العالمية.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي هذه المرحلة كُثِّفَتْ عمليات استملاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وتدفقت الهجرة اليهودية حيث شهدت هذه المرحلة الموجات الثالثة والرابعة والخامسة.
المرحلة الرابعة: وبدأت منذ إعلان قيام دولة إسرائيل حتى عام 1967، وفيها تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية كاملة.
المرحلة الخامسة: من مراحل الاستيطان اليهودي في فلسطين مازالت قائمة إلى يومنا هذا، كما نعتقد أنها المرحلة الأخيرة لأن إسرائيل أصبحت تحكم سيطرتها على أراضي فلسطين التاريخية كاملة.
وحسب قرار الجمعية العمومية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 رقم 181 فقد وُضِعَتِ القدس ونواحيها فضلاً عن بيت لحم تحت إدارة دولية، إلا أن العصابات الصهيونية لم تعبأ بالقرار وقامت بطرد جميع السكان العرب من القدس الغربية في أثناء أحداث حرب 1948م .
3 – 4 - الاستيطان بعد حرب حزيران 1967:
يمثّل الاستيطان "الإسرائيلي" في مدينة القدس أهمّ المحاور الرئيسية التي ترتكز عليها سياسة التهويد "الإسرائيلية" حيث أخذ "الإسرائيليون" منذ احتلاهم الشطر الشرقي لمدينة القدس عام 1967م بالعمل وفْق خططٍ مدروسة لتهويد المدينة عملياً، وذلك من خلال مصادرة الأراضي أولاً وبناء المستوطنات ثانياً.. ولهذا أقدمت السلطات "الإسرائيلية" على وضع خطةٍ عُرِفت بخطة الأحزمة لمحاصرة القدس من جميع الجهات وسدّ منافذ تواصلها جغرافياً وسكانياً وديمغرافياً مع الضفة الغربية لعزلها ووضع الفلسطينيين داخلها وخارجها تحت الأمر الواقع، وبدأت عملية تهويد المدينة المقدسة، وتهويد حكومتها، وتهويد سكانها، وتهويد تاريخها وثقافتها، وقد بدأ ذلك منذ عام 1948 وما زال إلى اليوم .
فمنذ اللحظة الأولى باشرت السلطات(الإسرائيلية)، بعمليات المصــادرة والهدم والتهجير، تمهيداً لعزل مدينة القدس ومن حولها عن المناطق العربية المجاورة؛ بحيث شكل احتلال الجزء الشرقي منها منعطفاً بارزاً لجهة تغيير معالم القدس وتركز الاستيطان (الإسرائيلي) بشكل كثيف في مدينة القدس محاولة لفرض واقع يهودي يطمس المعالم العربية في المدينة ويصعب الانفكاك عنه في حال تمت مفاوضات مستقبلية، أدت إلى الاستيلاء على 838 هكتاراً من أراضي الضفة الغربية حول مدينة القدس، ووضعت خطة لتوطين عدد كبير من اليهود فيها . من خلال إنشاء بؤر استيطانية لعزل (القدس الشرقية) عن المدن الفلسطينية الأخرى في الضفة الفلسطينية فأُنشِئَ عدد كبير من الأحياء والمستوطنات على رؤوس التلال والأودية التي يسهل الدفاع عنها، وعلى أنقاض ما هدم من أحياء وقرى عربية، وعلى ما صودر أو اغتصب من أراض عربية في القدس. حيث بلغت نسبة الأراضي التي سيطرت عليها سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) في الضفة الغربية أكثر من 50 % من مجموع الأراضي، وباتت مناطق عدة مهددة بالضم التدريجي من قبل الحكومات (الإسرائيلية) المتتالية بهدف تكثيف المستوطنات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة . لمواجهة الكثافة السكانية العالية؛ إذ عمدت سلطات الاحتلال إلى العمل على خلخلة الكثافة السكانية حفاظاً على الأمن وإعادة توطينهم في مناطق أخرى.
وهناك خطط (إسرائيلية) لرفع مجموع اليهود في الجزأين المحتلين من مدينة القدس ليصل إلى مليون يهودي بحلول عام 2020 ، لكن ذلك يبقى مرهوناً بنجاح المشروع الصهيوني والاستقرار الأمني في المنطقة برمته.

وتحاول دولة الاحتلال استكمال خطة التهويد في مدينة القدس من خلال حلقات ثلاث :
1 - عزل مدينة القدس عن محيطها، وعزل المقدسيين العرب عن مؤسساتهم المدنية والوطنية والإدارية وعن أي نشاط يحافظ على ترابطهم.
2 - التشريع بعمليات الطرد وتنفيذها بمختلف الوسائل.
3 – إحلال المستوطنين اليهود محل المقدسيين العرب مسلمين ونصارى.
وبعد أنْ كان السكان الفلسطينيون يشكّلون أغلبية عام 1967 أصبحوا أقلية عام 1995، وبعد أنْ كانوا يسيطرون على 100% من الأراضي، أصبحوا يسيطرون على 21% من هذه الأراضي، بعد عمليات المصادرة التي طالت ما نسبته 35% من مساحة القدس الشرقية . وبعد مرور ثلاثة أسابيع على احتلال المدينة القديمة عام 1967، ضمتها (إسرائيل) لها بقرار منفرد, لتصبح "القدس الموحدة" عاصمة لها. ووصل عدد العرب في القدس كلها عام 1948 قبل الحرب إلى 105.540 آلاف وذلك حسب اللجنة الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية UN document A/1286. في حين كان عدد اليهود في القدس في العام1917 م نحو 30 ألفاً وارتفع هذا الرقم عام 1946 إلى مئة ألف, ووصل في العام 1985 إلى 280.000 في حين كان عدد الفلسطينيين في العام 1985 120.000 و من الملفت للانتباه أن المسيحيين العرب شكلوا حتى العام 1948 ما نسبته 25% من سكان القدس في حين شكلوا في العام 1985 ما نسبته 2.5% من سكان القدس شرقها وغربها .

3 – 5 - أهم المستوطنات التي أقيمت في القدس وحولها:
منذ بداية الاستيطان إلى اليوم أقيمت مجموعة من المستوطنات داخل القدس وخارجها، نذكر أهمها :
1 – مستوطنة أبو غنيم (هار حوماه)، عدد سكانها 30000 نسمة، أقيمت على قرى منطقتي القدس وبيت لحم.
2 – مستوطنة بسغات زئيف،يسغات أومر عدد سكانها 31000 نسمة، أقيمت على قرى بيت حنيال/شعفاط/عناتا/ مخيم شعفاط .
3 – مستوطنة تلبيوت الشرقية،رمات راحيل عدد سكانها 17000 نسمة، أقيمت على قرى البقعة.
4 - مستوطنة جاني بيطار، أقيمت على قرى الولجة ودير كريزمان.
5 – مستوطنة جفعات زئيف، عدد سكانها 9000 نسمة، أقيمت على قرى بيتونيا/الجيب.
6 – مستوطنة جفعات هموتس، عدد سكانها 2000 نسمة، أقيمت على قرى بيت صفافا وهي أراضٍ تابعة للكنيسة الأرثوذكسية.
7 – مستوطنة جيلو، عدد سكانها 30000 نسمة، أقيمت على قرى بيت جالا/بيت صفافا.

8 – مستوطنة رأس العامود، أقيمت على قرى القدس/إلى الشرق من البلدة القديمة.
9 – مستوطنة راموت ألون، عدد سكانها 42000 نسمة، أقيمت على قرى بيت أكسا/النبي صموئيل/بيت حنينا.
10 – مستوطنة ريختس شعفاط، عدد سكانها 9000 نسمة، أقيمت على قرى شعفاط/بيت حنينا.
11 – مستوطنة علمون، عدد سكانها 700 نسمة، أقيمت على قرى عناتا/حزما.
12 – مستوطنة معاليه أدوميم،عدد سكانها 28000 نسمة،أقيمت على قرى أبو ديس/العيزيرية/العيساوية/عناتا/الزعيم .
13 – مستوطنة النبي صموئيل، أقيمت على قرى الجيب/بيرنبالا/النبي صموئيل.
14 – مستوطنة النبي يعقوب، عدد سكانها 20000 نسمة، أقيمت على قرى بيت حنينا/حزما/جبع.
15 - مستوطنة هار أدار، عدد سكانها 1700 نسمة، أقيمت على قرى بدو/فقطن’.
وأعلنت بلدية القدس الإسرائيلية عن إضافة 7300 وحدة استيطانية جديدة لخمس مستوطنات داخل المدينة. وشملت الإضافات المستوطنات الآتية :
1 - مستوطنة "هار حوما"، عدد الوحدات الاستيطانية الجديدة 1000 وحدة، تقع مستوطنة أبو غنيم إلى الجنوب من مدينة القدس. بدأ البناء في المستوطنة في العام 1997 على أراضٍ صُودِرَت من أهالي مدن بيت لحم, وبيت ساحور

وصور باهر وأم طوبا. تحتلّ المستوطنة ما مساحته 2205 دونمات وتؤوي ما يقارب 4610 مستوطناً يهوديّاً.
2 – مستوطنة "جيلو"، عدد الوحدات الاستيطانية الجديدة 3000 وحدة،تقع مستوطنة "جيلو" إلى الجنوب من مدينة القدس. بدأ البناء في المستوطنة في العام 1971 على أراض صُودِرَت من أهالي مدينة بيت جالا, وقرية الولجة, وشرفات وبيت صفافا. تحتلّ المستوطنة ما مساحته 2738 دونماً وتؤوي ما يقارب 32000 مستوطن يهوديّ .
3 – مستوطنة "نيفيه يعقوب"، عدد الوحدات الاستيطانية الجديدة 400 وحدة، تقع مستوطنة "نيفيه يعقوب" إلى الشمال من مدينة القدس. بدأ البناء في المستوطنة في العام 1972 وتحتل المستوطنة ما مساحته 1241 دونماً وتؤوي ما يقارب 21410 مستوطنين يهوداً.
4 – مستوطنة "راموت"، عدد الوحدات الاستيطانية الجديدة 1200 وحدة، تقع مستوطنة "راموت" إلى الشمال الغربي من مدينة القدس. بدأ البناء في المستوطنة في العام 1973 على أراضٍ صُودِرَت من أهالي قرى لفتا, وبيت اكسا, والنبي صموئيل وبلدة بيت حنينا. تحتلّ المستوطنة ما مساحته 3383 دونماً، وتؤوي ما يقارب 40000 مستوطن يهوديّ.
5 - مستوطنة "بسغات زئيف"، عدد الوحدات الاستيطانية الجديدة 1700 وحدة، تقع مستوطنة "بسغات زئيف" إلى الشمال من مدينة القدس. بدأ البناء في المستوطنة في العام 1985 على أراضٍ صُودِرَت من أهالي بلدتيْ حزما وبيت حنينا. تحتلّ المستوطنة ما مساحته 1546 دونماً، وتؤوي ما يقارب 41210 مستوطنين يهوداً.
وتقع المستوطنات" الإسرائيلية" السالفة الذكر داخل حدود بلدية الاحتلال بالقدس التي تمّ توسيعها على حساب العديد من القرى والمدن الفلسطينية عقب احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية بما فيها شرقي القدس وقطاع غزة في العام 1967. وقد بلغت مساحة الأراضي المصادرة من القرى العربية لصالح المستوطنات الخمس 11112 دونماً .
وبنيت المستوطنات "الإسرائيلية" في مدينة القدس ومحيطها لتشكل أطواقاً ثلاثة رئيسية تحيط بالمدينة المقدسة، تمّ استكمالها طوقاً تلو الآخر منذ عام 1967 م وحتى الآن :
الطوق الأول: شرعت "إسرائيل" تقيم هذا الطوق من المستوطنات حول مدينة القدس إثر احتلالها للجزء الشرقي من المدينة مباشرة، هادفةً من ذلك محاصرة البلدة القديمة داخل الأسوار والأحياء العربية المجاورة لها؛ تمهيداً لتفتيتها وإخلائها من سكانها المقدسيين. ويضمّ هذا الطوق كلاً من:
1 - الحي اليهودي داخل البلدة القديمة جنوباً الذي قامت سلطات الاحتلال ببنائه على أنقاض أحياء المغاربة والباشورة والشرف العربية قرب قرية دير اللاتين في القدس القديمة.
2 - الحديقة الوطنية المحيطة بسور البلدة من الشرق والجنوب.
3 - المركز التجاري الرئيسي للمدينة القديمة الذي يكمل هذا الطوق من الناحية الشمالية،ويخلق التحاماً بين القدس الشرقية والغربية بمشروعٍ مكمّل له، وهو ما يسمى بمشروع قطاع ماميلا.
الطوق الثاني: يمتدّ هذا الطوق على طول الأراضي الواقعة ضمن حدود أمانة القدس، ويشمل العديد من الأحياء السكنية على شكل قوسٍ يحيط بمدينة القدس العربية من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية. وقد أقامت السلطات "الإسرائيلية" العديد من المستوطنات في إطار هذا الطوق منذ عام 1970 حتى عام 1985 نذكر منها: رامات أشكول، انهدريا، لنبي يعقوب، ونحلات دفنا.
الطوق الثالث: شرعت "إسرائيل" تقيم هذا الطوق تحقيقاً لمشروعها (مشروع القدس الكبرى)، ويهدف هذا المشروع إلى ضمّ مساحات جديدة من الأراضي تتراوح مساحتها بين400-500 كم2، ويقطنها نحو 250 ألف عربي من سكان المدن والقرى التي تدخل في نطاق هذا المشروع، وفي إطار هذا الطوق أقامت "إسرائيل" العديد من المستوطنات نذكر منها:
ألكانا، وكندا بارك، وكفار عتسيون، وألون شيفون، وروش تسوريم، وأليعيزر، وأفرات، تكواع، وغفات حداشا.

وفي إطار سياسة تهويد القدس لجأت دولة الاحتلال إلى تغيير أسماء بوابات القدس التاريخية واستبدلت بها أسماء عبرية كما هو موضح في الجدول الآتي :

أسماء بوابات القدس التاريخية والاسم العبري بعد التهويد
الاسم العربي التاريخيّ الاسم العبري بعد التهويد
1. باب الخليل شاغر يانو (يافا).
2. باب الحديد شاغر هحداش.
3. باب العمود (دمشق) شاغر شكيم.
4. باب الزاهرة (الساهرة) شاغر هورودوس.
5. باب ستنا مريم شاغر هاريون (الأسود).
6. باب المغاربة شاغر هأشفا (النفايات).
7. باب الرحمة شاغر هرحميم.
8. باب النبي داود شاغر تنسيون (صهيون).
و في الرابع من كانون أول من العام 2007, نشرت وزارة البناء والإسكان "الإسرائيلية" مخططاً لبناء 307 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "هار حوما" (أبو غنيم) الواقعة جنوب مدينة القدس تبعه في الخامس عشر من كانون الأول 2007 إعلان السلطات "الإسرائيلية" عن مخطّطٍ جديدٍ لبناء 150 وحدة سكنية استيطانية جديدة بالقرب من جبل المكبر جنوب شرق مدينة القدس، هذا فضلاً عن بناء 7000 وحدة سكنية في منعطف "عين يائيل" داخل الخط الأخضر المحاذي لقرية الولجة غرب مدينة بيت لحم.
وعادت وزارة البناء والإسكان "الإسرائيلية" في الثامن عشر من كانون الأول 2007 لتكشف عن تفعيل إجراءات التخطيط لبناء الحي اليهودي الجديد شمال مدينة القدس, بالقرب من مطار قلنديا, داخل حدود بلدية الاحتلال في القدس. ويهدف المخطّط الاستيطاني إلى بناء حيٍّ يهوديّ بالقرب من منطقة قلنديا شمال القدس ويتضمّن 11 ألف وحدة سكنية لاستيعاب المزيد من المستوطنين في المدينة .
كما نشرت "دائرة أراضي إسرائيل" في الثلاثين من كانون الأول من العام 2007 مخططاً جديداً لبناء 440 وحدة سكنية استيطانية جديدة في حي "أرمون هاناتسيف" التابع لمستوطنة "تل بيوت" جنوب مدينة القدس والتي بُنِيَتْ على أراضٍ تابعة لصور باهر وجبل المكبر في العام 1973،وقبل أسبوعٍ من تاريخ هذا الإعلان كانت "دائرة أراضي إسرائيل" قد نشرت مخططاً آخر لبناء فنادق على قطعة أرضٍ مساحتها 6 دونمات من أراضي مستوطنة "جيلو" الواقعة جنوب غرب مدينة القدس مع إمكانيّة تجيير هذه الفنادق إلى مبانٍ سكنيّة عند الحاجة .
هذا ولم تتوقف الهجمة الاستيطانية "الإسرائيلية" عند هذا الحد, ففي الثالث والعشرين من كانون الأول من العام 2007 أعلنت وزارة البناء والإسكان "الإسرائيلية" عن رصد مبلغ 18 مليون يورو من ميزانيتها للعام 2008 لتوسيع مستوطنتيْ "’معالي أدوميم" و"هار حوما",حيث سيتم إضافة 500 وحدة سكنية جديدة إلى مستوطنة "هار حوما" و240 أخرى في مستوطنة "معاليه أدوميم" .
وصدّقت بلدية الاحتلال في القدس، في الثامن من كانون الثاني 2008، على مشروع استيطانيّ جديد يتضمّن بناء 60 وحدة سكنية جديدة في حي "معالي زيتيم" في حي رأس العامود شرق مدينة القدس، والذي تقيم فيه حالياً 51 عائلة يهودية كانت قد استوطنت المنطقة قبل 15 عاماً بدعمٍ من المليونير "إيرفينغ مسكوفيتش" صاحب الجنسية المزدوجة (إسرائيلية وأمريكية) الذي ادّعى ملكيته لهذه الأرض. هذا وسيتمّ البدء بتنفيذ المشروع من قِبَل شركة "كيدوميم 300" الإسرائيلية. وقد أعلن رسمياً في الخامس عشر من كانون الثاني 2008 عن البدء في بناء الـ60 وحدة سكنية المذكورة أعلاه .
وكشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية العام الماضي عن مخطط جديد للاستيطان في القدس الشرقية المحتلة أُقر أخيراً، القاضي بتوسيع المستوطنات والأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة ومحيطها.وأفادت الصحيفة أنه تمَّ التصديق على مخطط لبناء حي استيطاني جديد على أراضي بيت صفافا والمنطقة المحاذية التي أعلنت سلطات الاحتلال ضمها إلى منطقة نفوذ بلدية القدس الغربية غداة احتلالها عام 1967. وأضافت أنه تمّ التصديق على إيداع مخطط لبناء 2200 وحدة سكنية في هذه المرحلة ليتسنى تقديم اعتراضات عليها، علماً أن المخطط يتحدث عن بناء أربعة آلاف شقة في المنطقة المذكورة. وأكدت أنه في حال تنفيذ المشروع، فإن الحي الاستيطاني الجديد «سيسجن» سكان بيت صفافا الفلسطينيين البالغ عددهم 11 ألفاً ضمن بناء استيطاني متواصل. وتابعت أن الحي الاستيطاني الجديد الذي سيقام في ما يسمى «غفعات هطيّاس» (تلة الطيار) سيمتد عملياً بين مستوطنة «غيلو» المقامة على أراضي بيت لحم، مروراً ببيت صفافا حتى طريق الخليل. وفي المراحل المقبلة سيتم البناء في المستوطنتين الكبيرتين اللتين تضمان عشرات آلاف المتزمتين اليهود: «بيتار عيليت» و"موديعين عيليت" .
ويتركز جهد المحتلّ الاستيطانيّ حاليّاً على المستوطنات الموجودة في مشروع E1 شرق مدينة القدس، ومستوطنتي جبل أبو غنيم (هار حوما) وجيلو جنوب غرب مدينة القدس، والبؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها.
وفيما يتعلّق بمشروع E1 فقد أعلنت سلطات الاحتلال عن الانتهاء من تجهيز البنى التحتيّة للمشروع بالكامل. ما يعني أنّها ستبدأ مرحلة بناء الوحدات السكنيّة وتجهيزها خصوصاً في الجهة الغربيّة من المشروع، وذلك لتحقيق تواصلٌ سكّانيّ بينه وبين الجزء الغربيّ من القدس، وما يُعزّز هذه النظريّة بدء الاحتلال بتهجير سكّان حيّ الشيخ جرّاح الذي يفصل مستوطنات غربيّ القدس عن مستوطنات شرقيّ القدس، وإذا ما تحقّق هذا التواصل بشكلٍ فعليّ فإنّ المسجد الأقصى والبلدة القديمة سيصبحان معزولين عن الأحياء الفلسطينيّة في شمال القدس بشكلٍ كامل. بقي أن نذكر أن كتلة أدوميم كاملةً التي تبلغ مساحتها 61 كلم2 وتضمّ أكثر من 7 مستوطنات، بينها معاليه أدوميم أكبر مستوطنات الاحتلال على الإطلاق، تُعاني من ضعف الإقبال عليها بسبب بعدها عن مركز مدينة القدس التجاريّ وعن بقيّة مدن دولة الاحتلال، وهي مشكلةٌ يسعى الاحتلال لحلّها من خلال إجراءاتٍ عدّة، أبرزها مشروع إسكان الشباب في أقصى غرب مشروع E1 على أراضي قريتي عناتا والعيسويّة .
أمّا مستوطنتا جبل أبو غنيم وجيلو جنوب المدينة فإنّ الاحتلال يُكثّف بناء الوحدات السكنيّة فيهما كونهما الخيار الأكثر قبولاً لدى جمهوره، فهما متصلتان فعليّاً بغربيّ القدس والأكثر قرباً من مركز المدينة التجاريّ، ومن ثمَّ فإنّ البناء فيهما يُعدّ الأكثر جدوى من ناحية تعديل الميزان الديمغرافي.
ويختلف وضع البؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها عن وضع المستوطنات عموماً، فهي تهدف في الأساس إلى إخلاء الأحياء الفلسطينيّة التي تنتشر فيها، أكثر مما تهدف إلى إسكان مستوطنين جدد، ذلك أنّ هذه البؤر لا تسكنها أعداد كبيرة من المستوطنين لكن يسكنها أكثر أنواع المستوطنين شراسةً وتطرّفاً، ويكون هؤلاء محميّين بالكامل من قبل شرطة الاحتلال التي تُغطّي اعتداءاتهم في البلدة القديمة ومحيطها، وتساندهم بها من وراء حجاب. كما تُشكّل هذه البؤر الاستيطانيّة خلايا نشطة للمساعدة في أعمال الحفريّات أو بناء الكنس. وتتركّز البؤر الاستيطانيّة عموماً في ضاحية سلوان وجنوب الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة وحيّ الشيخ جرّاح ويُقارب عددها الـ50.
ويعمل المحتلّ اليوم على تعديل التوازن الديمغرافيّ من خلال مجموعة من الإجراءات التعسفية تتمثل في: التهجير، وجدار الفصل العنصري، والقدس الكبرى والاعتداء على الأماكن المقدسة، وإجراء الحفريات تحتها وحولها.
وفي السنوات الأخيرة زاد المحتلّ من وتيرة عمليّات التهجير واسعة النطاق وكان أبرزها تسليم نحو 1900 مقدسيّ يسكنون 120 عقاراً في حي البستان والعباسيّة في ضاحية سلوان جنوب المسجد الأقصى أوامر لإخلاء منازلهم، وهي عمليّة التهجير الأكبر التي ينوي المحتلّ تنفيذها في القدس منذ هدم حيّ المغاربة عام 1967. والهدف من هذه العمليّة استكمال تهويد قلب المدينة دينيّاً وثقافيّاً، من خلال بناء جزءٍ مهمٍّ من المدينة اليهوديّة التاريخيّة وهو "حدائق الملك داود"، من خلال تفريغه من السكّان الفلسطينيّين .

ويختتم المحتل مشروعه الصهيوني بإقامة القدس الكبرى (متروبوليتان القدس) في شباط 1993 أُعدّتِ الخطة الرئيسة للمتروبوليتان القدس 2010 وتشمل أراضي تبلغ مساحتها 840كلم2، أو ما يعادل 15% من مساحة الضفة الغربية،أهم أهدافها:

1 - الحفاظ على طريق حرّة للسكان والمستخدمين والتجارة.
2 - تعزيز مكانة القدس الخاصة كعاصمة "إسرائيل" وبوصفها مدينة عالمية مدينة ذات أهمية كبيرة.
3 - خلق تواصل واضح للسكان من اليهود ومنع تكون جيوب سكانية متداخلة بقدر الإمكان وتقليص التقارب والاحتكاك مع العرب.
4 - وصل معاليه أدوميم، وجبعات زئيف، وغوش عتصيون وبيتار، وإفرات بالقدس من خلال إيجاد تواصل مع السكان اليهود في لواء القدس.
وقد شكّلت الزيادة السكانية العربية الفلسطينية معضلة أساسية في رسم خطوط حدود البلدية الكبرى. فبعد أنْ نُشِرَتْ دراسات معهد القدس لبحوث "إسرائيل" وتبين أن الفلسطينيين أخذوا بالتزايد وأن نسبتهم بلغت 35% من المجموع العام للسكان بعد أن كانوا 25% من السكان عام 1967 ، وعلى الرغم من جميع الجهود "الإسرائيلية" لطرد السكان خارج حدود البلدية، إلا أن نسبتهم زادت في السنوات الأخيرة نتيجة للسياسة "الإسرائيلية" بسحب هويات المقدسيين، كذلك كان لهجرة اليهود العلمانيين إلى الساحل سبب آخر في الزيادة السكانية العربية مما دفع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" للإعلان عن مشروع القدس الكبرى .
وتحويل مدينة القدس إلى "عاصمةٍ يهوديّة" يعني بطبيعة الحال تهويد قلبها المتمثّل بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، واستبدال بمعالمه ومقدساته الإسلاميّة والمسيحيّة معالم ومقدّساتٍ يهوديّة، والمحتلّ يعمل على تحقيق ذلك اليوم من خلال مسارات عملٍ أربعة هي:
1 - خلق مدينة يهوديّة مقدّسة موازية للبلدة القديمة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومشتركةٍ معها في المركز ذاته.
2 - تحقيق وجود يهوديّ دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه.
3 - تفريغ الأحياء الفلسطينيّة المحيطة بالمسجد الأقصى من سكّانها، والحدّ من قدرة الفلسطينيّين على الوصول إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
4 - الترويج لمدينة القدس كمدينة يهوديّة.
ومهما اختلف الإسرائيليون في مفهومهم لأهمية المستوطنات ومهما سمعنا عن سقوط نظرية الحدود الآمنة بفعل التقدم التقني في الأسلحة، تبقى المستوطنات ذات أهمية كبرى من الناحية الأمنية والسياسية لإسرائيل، لأن صراعنا مع إسرائيل هو صراع على الأرض والوجود حيث تؤدي المستوطنات الدور العملي التطبيقي للسيطرة على أرضنا ومقدساتنا، ومن هنا جاء الاستيطان، وجاء هذا التوزيع المخطط والمدروس لكي تمارس المستوطنات دورها اليومي في تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، و اعتداءات المستوطنين اليومية على المواطنين الفلسطينيين حتى في حقولهم ومنازلهم، وما وجود المواقع والحواجز العسكرية المنتشرة على طول الطرق الرئيسية وعلى مقربة من المستوطنات إلاّ دليل على طبيعة هذا الصراع.

رابعاً - النتائج:
أسفرت الدراسة عن مجموعة من النتائج الأساسية تتمثل في الآتي:
1 - لم يتوقف النشاط الاستيطاني الصهيوني و لو للحظة خاصة في مدينة القدس.
2 - تتميز الأطماع الصهيونية بالقدس بطابع خاص تظهر لكل من يتتبع تصريحات زعماء الصهيونية السياسيين.
3 - الحجة الظاهرة التي تعتمد عليها الصهيونية هي جزء من الادعاء بالحقوق التاريخية والروابط الدينية التي تربط اليهود بفلسطين، وهو ما دحضته الوثائق الأركيولوجية التي عثر عليها في فلسطين.
4 - جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقيدة التوراتية في طرحها الاستيطان إذ حولت ممارساتها العملية لاستعمارها الاستيطاني في فلسطين إلى مفهوم توراتي "عودة الشعب إلى أرض الميعاد" وأن فلسطين هي أرض إسرائيل الأبدية.
5 - الاستيطان الإسرائيلي هو التطبيق العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بشتى الوسائل بحجج ودعاوى دينية وتاريخية باطلة، وترويج مقولة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ".
6 - إن فلسفة الاستيطان أساسها المرويات التوراتية، والمرويات لا يمكن عدّها حقيقة علمية، ومن ثمَّ لا يمكن استخلاصها من التوراة.
7 - إن مفهوم بني إسرائيل ليس انعكاساً لأي كيان سياسي – اجتماعي في دولة إسرائيل تاريخية في الحقبة الآشورية. ولا يمكن عدّ ديانة إسرائيل مطابقة لديانة فلسطين الماضية".
8 - من الملاحظ أن جميع الأفكار التي طرحت لحل المسألة اليهودية هي امتداد لرؤية العصور الوسطى الغربية إلى اليهود. وهي تنطلق من ضرورة التخلص منهم. والمدقق في هذه الأفكار،قبل ميلاد هرتزل يلاحظ أنها تتضمن ملامح المشروع الصهيوني، كما ورد في برنامج بازل، مما يؤكد أن المشروع الصهيوني نتاج المشروع الإمبريالي الغربي، وإحدى تجلياته.
9 - أدرك هرتزل منذ البداية التلاقي بين رؤية اليهود الصهيونية والرؤية المعادية لهم. ورأى الإمكانيات الكامنة في التعاون بين الطرفين، وأنه لن يتأتى لليهود تحقيق مشروعهم القومي إلا من داخل مشروع استعماري غربي.
10 - التقت الأحلام الصهيونية في " العودة " إلى فلسطين وتأسيس دولة يهودية في الأراضي المقدسة، مع أطماع الاستعمار الغربي ومشاريعه التوسعية. مما يؤكد وجود علاقة عضوية بين استيطانية الاستعمار الصهيوني ووظيفته الاستراتيجية.
11 - كانت البدايات الأولى للاستيطان الصهيوني في القدس عام 1855 حيث تم شراء أول قطعة أرض أقيم عليها أول حي سكني خارج أسوار القدس سنة 1857 عرف باسم حي (مشكانوت شعنا نيم، وعرف فيما بعد يمين موسى).
12 - أخذت عملية الاستيطان شكل التسلّل بدوافع دينية واقتصادية وسياسية في أثناء الحكم العثماني ليشكّل هذا التسلّل مرتكزاً للغزوة الصهيونية في أثناء الاحتلال البريطاني الذي تواطأ بشكلٍ لا لبْس فيه مع الحركة الصهيونية فسمَحَ بالهجرة بأوسع أشكالها وأعطى الوجود اليهودي تسهيلات مبرمجة هيأت لقيام الكيان الصهيوني.
13 - كانت وما زالت السيطرة على الأرض الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية منذ نشأة الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين، وتابعتها إسرائيل بعد قيامها حتى الآن، وقد رافق عمليات الاستيلاء على الأراضي، عملية تغيير ديموغرافي كبيرة.
14 - يمثّل الاستيطان "الإسرائيلي" في مدينة القدس أهمّ المحاور الرئيسية التي ترتكز عليها سياسة التهويد "الإسرائيلية" إذ أخذ "الإسرائيليون" منذ احتلاهم الشطر الشرقي لمدينة القدس عام 1967م يعملون وفْق خططٍ مدروسة لتهويد المدينة عملياً؛ وذلك من خلال مصادرة الأراضي أولاً وبناء المستوطنات ثانياً.
15 - إنّ التسارع في وتيرة النشاط الاستيطاني "الإسرائيلي" في مدينة القدس وتطويق المدينة بسلسلةٍ من المستوطنات "الإسرائيلية" هو خطوة خطيرة نحو فرض واقع أليم على المدينة وحلقات متتابعة من الاستخفاف "الإسرائيلي" بقرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة.
16 - أسهمت المستوطنات "الإسرائيلية" في عزل مدينة القدس وتهويدها، وكانت تحقيقاً لمشروع "إسرائيل" (القدس الكبرى)، وهو الأمر الذي يترتّب عليه ضمّ جزءٍ كبيرٍ من أراضي الضفة الغربية وإخضاعها للسيادة "الإسرائيلية".
17 - إن الاستيطان في القدس مقدمة للاستيطان في فلسطين، والاستيطان في القدس يؤدي إلى تهويدها وإقامة القدس الكبرى عاصمة للدولة العبرية المزعومة، وقيام القدس الكبرى يحقق المشروع الصهيوني المتمثل في " إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات.

خامساً- المقترحات:
نحن أمة بحاجة إلى مزيد من العمل الصامت أكثر من الضجيج، وبحاجة إلى معرفة ماذا نريد، وما الوسائل اللازمة لتحقيق ما نريد. من غير الممكن أن تتحقق أحلام مغامر مثقف في احتلال أرض، وبناء دولة، وتأسيس أمة، ونحن نملك كل هذا وأكثر، ومع ذلك نعاني من الضعف والتراجع والهزائم والنكسات والنكبات وغيرها من الأوصاف.
لهذا فإن العمل من أجل فلسطين والقدس يمر بدوائر عديدة متقاطعة فيما بينها:
5 – 1 - الدائرة العربية:
1 - وهنا يفترض أن يكون هناك إجماع عربي إيجابي نحو القضية الفلسطينية، وعدم التفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية، المتمثلة في كامل فلسطين، والكف عن المشروعات المخيبة للآمال العربية.
2 - دعوة الأطراف الفلسطينية للاتفاق ونبذ الفرقة، وتشكيل موقف وطني موحد يتناغم مع الموقف العربي.
3 - استخدام الإمكانيات العربية السياسية والاقتصادية والمالية وكذلك العسكرية عندما يتطلب الأمر ذلك.
4 - ضرورة قيام تكتل عربي في عالم يسوده الكتل الكبرى، ولا بقاء فيه للدول الصغيرة.
5 - مساعدة الشعب الفلسطيني على الصمود في وطنه، وتقديم أشكال المساعدة المختلفة.
6 - قطع جميع أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني الظاهرة والمخفية، واستخدام أشكال الضغط المتنوعة التي يملكها العرب وهي كثيرة جداً.
7 - يجب عدم وضع هزائمنا على أمريكا والغرب وإسرائيل، كما يحلو لبعضهم أن يفعل، وإنما قبل كل هذا لا بد من الاعتراف أن أشكال الضعف الهيكلية التي تعاني منها الأمة العربية هي السبب الأساس لما نعاني منه، وتأتي بعده بقية الأسباب. فإسرائيل وأمريكا والغرب يدافعون بشراسة عن مصالحهم في منطقتنا وهذا متوقع منهم، أما أن يدافع العرب عن مصالح غيرهم ويتخلون عن مصالحهم فهذا ما لا يدخل في أي حساب كان.

5 – 2 - الدائرة الفلسطينية:
1 - دعوة الأطراف الفلسطينية إلى الحوار والاتفاق على حد أدنى فيما بينها وهو تحرير فلسطين، واستخدام وسائل مشروعة للدفاع عن النفس.
2 - توحيد قيادات الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع للوقوف في وجه الهجمة الصهيونية الشرسة، وقطع العلاقات المشبوهة مع العدو وأعوانه.
5 – 3 - الدائرة الإسلامية ودول عدم الانحياز:
1 - عندما تتحد الدائرتان العربية والفلسطينية، يمكن بسهولة تجنيد الدائرة الإسلامية ودائرة دول عدم الانحياز بحيث يكونان عمقاً استراتيجياً لصالح القضية الفلسطينية.
5 – 4 - الدائرة العالمية:
1 - توضيح الموقف العربي لشعوب العالم وحكوماته، وأن هذا الموقف ينطلق من الشرعية الدولية التي ترفض إسرائيل الاعتراف بها.
2 - تقديم قادة إسرائيل إلى محاكم جرائم الحرب ورفع الدعاوى ضدهم في كلّ مكان، وتضييق الخناق عليهم.
3 - عدم الاستهانة بموقف المنظمات المدنية في العالم الغربي، ولاسيّما منظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات التي يمكن أن تكون عوناً قوياً للشعب الفلسطيني في نضاله العادل والمشروع.

- الأستاذ الدكتور كامل محمد عمران*

ملاحظة

المراجع

أ - المراجع العربية:
- أبو عرفة، عبد الرحمن، الاستيطان التطبيقي العملي للصهيونية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الخليل، د. م.، 1981 .
- أرنسون، جيفري، مستقبل المستعمرات (الإسرائيلية) في ا لضفة و القطاع، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1997.
- أفرات، أليشع، جغرافية الاستيطان – دار الجليل – 1990.
- البابا، جمال، القدس بين التهويد والعزل، موقع مركز التخطيط الفلسطيني، 2007.
- التوفكجي، خليل، الاستيطان، في مدينة القدس: الأهداف والنتائج، القدس 2008 .
- التوفكجي، خليل، الاستيطان الجغرافي والديمغرافي وأخطاره في قضية القدس، 2007 .
- التوفكجي، خليل، تهويد القدس، مجلة دراسات فلسطينية، العدد 22 ربيع 1995 .
- الجعفري، وليد، المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة: مجموعة دراسات وبحوث قدمت خلال الندوة الدولية حول المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية، الجامعة، تونس 1989.
- الخالدي، وليد، الإسلام والغرب والقدس، في: الدراسات الفلسطينية. عدد31 صيف 1997.
- الشرع,صالح، فلسطين الحقيقة والتاريخ، مكتبة مجدلاوي, عمان، الأردن, 1996.
- العابد، إبراهيم, العنف والسلام: دراسة في الاستراتيجية الصهيونية، مركز الأبحاث, م.ت.ف, بيروت، 1967.
- العابد، خالد، التوسعية الصهيونية "إسرائيل الكبرى"، مؤسسة الدراسات والأبحاث، بيروت 1986 .
- العابد، خالد، الاستعمار الاستيطاني للمناطق العربية المحتلة خلال عهد الليكود 1977-1984 . سلسلة الدراسات 74، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1988 .
- العيلة، رياض علي، أيمن عبد العزيز شاهين، الاستيطان اليهودي وتأثيره السياسي والأمني على مدينة القدس، غزة 2008 .
- المدلل، وليد، الاستيطان اليهودي في القدس إبان الانتداب البريطاني، المؤتمر الدوليّ لنصرة القدس الأول، القدس المحتلة وغزة وبيروت ما بين 6-7 حزيران 2007.
- المسيري، عبد الوهاب، "الصهيونية"، الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، الدراسات الخاصة، المجلد السادس، دراسات في القضية الفلسطينية، بيروت 1995.
- النحال، محمد سلامه، سياسة الانتداب البريطاني حول أراضي فلسطين العربية، بيروت 1981 .
- بركات، نظام محمود، الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين بين النظرية والتطبيق،
سلسلة الثقافة القومية، 15، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1988 .
- بطرس برغ, عوفر، المستوطنات، في: السياسة الدولية, العدد 138، 1999.
تسع عشرة مستوطنة لتغيير وجه المدينة، موقع عيون الإلكتروني، 2007.
- تقرير حال القدس خلال المدة من كانون الثاني حتى آذار 2009.
- تقرير منشور في موقع POICA- بتاريخ 23/يناير/2008 .
- جابر، أحمد.م.، الأنشطة الاستعمارية "الإسرائيلية" في القدس... قلب الحقائق، 2007 .
- جريس، سمير، القدس: خطط الصهيونية، الاحتلال، التهويد، ط1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1980، ص 25.
- حرب، أسامة الغزالي، مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي، مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي، محور العرب والعالم، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت 1987.
- حوش، ليوناردو وآخرون، تغيير معالم القدس: الإجراءات "الإسرائيلية" لتحديد مصير القدس، معهد الأبحاث التطبيقية- القدس. بالتعاون مع دائرة الخرائط –جمعية الدراسات العربية، تموز 1997.
- صالح، حسن عبد القادر، الأوضاع الديمغرافية للشعب الفلسطيني، الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، مجلد أول، الدراسات الجغرافية، دمشق 1990 .
- صالح،عبد الجواد, وليد مصطفى, التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية والاستعمار الاستيطاني الصهيوني خلال مئة عام 1882-1982, مركز القدس للدراسات الإنمائية، لندن، 1987.
- صايغ، أنيس، الفكرة الصهيونية- النصوص الأساسية، مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1970.
- طومسون، توماس ل.، التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي، ترجمة صالح علي سوداح، دار بيسان للنشر والتوزيع،بيروت، 1995.
- عابد، خالد, الاستعمار الاستيطاني للمناطق العربية المحتلة خلال عهد الليكود 1977-1984، مؤسسة الدراسات الفلسطينية, نيقوسيا, 1986.
- عابد، خالد, الوجود الاستيطاني في الأراضي المحتلة. في: دليل (إسرائيل) العام 2004, كميل منصور.محرر. مؤسسة الدراسات الفلسطينية, بيروت, 2004.
- عبد الفتاح, كمال، الاستيطان الصهيوني في فلسطين 1870-1988. في: كتاب القضية الفلسطينية والصراع العربي (الإسرائيلي)، ج 2 ق2،. الدوري, عبد العزيز.محرر. الأمانة العامة لاتحاد الجامعات العربية، عمان الأردن، 1989 .
- قهوجي، حبيب، استراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، بيروت 1978 .
- قيطة, محمد أمير، المستوطنات (الإسرائيلية) في الضفة الغربية وقطاع غزة, مكتبة ومطبعة دار المنار, 2002.
- مؤسسة القدس الدولية، إدارة الإعلام والمعلومات، الجمعة 5 كانون الأول 2008 .
- ندوة عن المستوطنات (الإسرائيلية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة. جامعة الدول العربية, تونس، 1985.
- هرتزل، ثيودور، دولة اليهود، ترجمة مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1997.
- وحدة نظم المعلومات الجغرافية- أريج 2008.
- وليد الجعفري, المستعمرات الاستيطانية في الأراضي المحتلة:1967-1980, مؤسسة الدراسات الفلسطينية, بيروت, 1981.

ب - المراجع الأجنبية:
Cattan, Henry. Jerusalem: Israeli Concepts, Policies and Practices. In The League of Arab State, ed. Israeli Settlements in the Occupied Arab Territories: An International Symposium, Cairo: Dar al-Afaq al-Jadidah, 1985.
Henry Kendall, Jerusalem: The City plan, preservation and development during the British Mandate 1918-1948, (London: His Majesty’s Stationary Office 1948), p.18.

ج – صحف العدو الصهيوني:
- هآرتس،( 31/3/2005 ) (7/4/2005) (12 / 4 / 2005 ) (19 / 3/ 2008).
- معاريف،( 2/2/2005 ) .
- يدعوت،( 21 / 3 / 2005 ).
د – الصحف العربية:
- القدس،( 16 / 4 / 2005) ( 18 / 5 / 2005 ).
- الأيام،( 2/6/2005) ( 11 / 7 / 2005 )..

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

7 من الزوار الآن

874833 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق